قبر المسيح في كشمير

ملحق 4

الباب الثالث

القاديانية: نظرة تاريخية

الفصل الثاني

في شهادة الكتب البوذية والتاريخية

يقول المؤلف "إننا وجدنا في الكتب البوذية شهادات متنوعة يتوضح من النظر المجمل فيها بصورة قاطعة، أن حضرة عيسى كان قد جاء إلى بلاد فنجاب وكشمير وغيرها.

أولاً: إن الألقاب التي لُقب بها بوذا تشبه تماماً الألقاب التي لُقب بها المسيح الناصري. وكذلك الأحوال التي تعرض لها بوذا تماثل أحوال حياة المسيح، والمراد بالبوذية هنا الدين الذي يوجد في المدن الواقعة على تخوم التبت"(1)

التعليق:

نحن هنا أمام احتمالين لهذا التشابه:

1 - الاحتمال الأول: إن المسيح ذهب إلى الهند في الفترة من12-30 من عمره، وأن التشابه نُقل من البوذية إلى المسيحية، وهذا ما ينفيه المؤلف نفياً تاماً قائلاً: "أما الأريون فهم يزعمون أن المسيح اختلق من عنده إنجيلاً بعد أن سافر إلى الهند، ووقف على مبادئ البوذية وقصصها ورجع إلى وطنه مزوداً بهذه المعلومات، وأنه استرق من تعاليم البوذية الأخلاقية، وبعد ذلك سجلها في إنجيله، وأن المسيح انتحل بعض الألقاب التي عزاها بوذا لنفسه، وكما أن بوذا وصف نفسه بالنور والعلم وتلقب بألقاب أخرى، كذلك المسيح وصف نفسه بها فيما بعد، حتى أنه جعل قصة ابتلاء بوذا بالشيطان، قصته هو وأن القول بأن المسيح سافر إلى الهند قبل حادث الصلب لزعم باطل ليس إلا ولم يكن ثمة حاجة إلى ذلك السفر"(2).

2 - الاحتمال الثاني: أن المسيح ذهب إلى الهند بعد الصليب، وهذا ما يراه المؤلف: "إن الحاجة الملحة على السفر بدت لما كفر يهود بلاد الشام بالمسيح، وأنهم صلبوه وقتلوه حسب ظنهم، ولكن حكمة الله عز وجل اقتضت أن تنقذه من الموت الصليبي... فعندئذ قصد المسيح هذه البلاد بعد أن تبين أن الطوائف الضالة من بني إسرائيل كانوا قد هاجروا إليها، وبما أن طائفة كبيرة من هؤلاء اليهود تدينوا بالبوذية فلذا كان لا بد أن يهتم ذلك النبي الصادق بأتباع بوذا" (3).

ويذكر المؤلف سبب المماثلة بين المسيح وبوذا قائلاً: "هذه الألقاب من النور وغيرها التي تحققت نسبتها إلى المسيح، وكذلك قصة ابتلاء بوذا بالشيطان، كل هذه الأمور إنما دونت في الكتب البوذية، بعد أن جاء المسيح إلى هذه البلاد.. وأن السبب الوحيد لهذه المماثلة المدهشة أن المسيح جاء إلى الهند وأقام بين ظهراني البوذيين زمناً طويلاً، فوقفوا على تاريخ حياته وتعليمه وقوفاً شاملاً، فكان لا بد أن ينتحلوا قسماً كبيراً من هذه التعاليم والعادات، لأن المسيح كان عندهم موضع احترام حتى جعلوه مثيل بوذا، ولذلك فأنهم سجلوا أوضاعه وحياته في كتبهم، وعزوها إلى بوذا.. وقصارى القول: إن الكتب البوذية التي أُلفت في عهد المسيح تتضمن التعاليم والأمثال الإنجيلية الأخلاقية، فإذا قارنا كلا الأمرين عرفنا بلا شك أن المسيح الناصري قد جاء إلى هذه البلاد"(4).

التعليق :

1 - إن كرازة المسيح على الأرض لم تتجاوز ثلاث سنوات ونصف، وإن هذه المدة لم تكن كافية لتبشير وإيصال الرسالة إلى كل العالم، وأي داعية أو مصلح غير ممكن أن يصل برسالته إلى جميع الناس، وفي جميع البلاد، ولذلك قد اختار المسيح تلاميذه الاثني عشر ورسله السبعين لينشروا رسالته في كل العالم، ويروي سقراط في كتابه (تاريخ الكنيسة 1/19) إن القديس برثلماوس (أحد تلاميذ المسيح) قد ذهب إلى الهند وترك عندهم إنجيل متى، وقد أحضر هذا الإنجيل القديس بنتينوس? رئيس المدرسة اللاهوتية في إسكندرية بعد أن قام برحلته الموفقة إلى بلاد الهند في القرن الثاني، على ما يقول المؤرخ يوسابيوس في كتابه "تاريخ الكنيسة 10/5"(5).

وهناك بعض الكتابات التي تتحدث عن الرسول توما وذهابه للتبشير في الهند (6).

2 - إن المسيحية شقت طريقها إلى جنوب الهند، منذ عصور سحيقة في القدم، وأنه من المؤكد أنها عرفت المسيحية قبل القرن الثاني للميلاد. ففي مؤلف نسطوري قديم، يرجع تاريخه إلى أواخر القرن الثالث للميلاد، ويُعرف باسم "يوميات سرت" يذكر لنا المؤلف أن داود أسقف العرب قرر أن يترك كرسي البصرة ليتفرغ للتبشير في بلاد فارس، وهناك أكثر من شاهد غير ذلك على هذه الحقيقة، كما أن الاضطهاد المر الذي أثاره شابور قد عمل على تشتيت الجماعات الكثيرة وهجرتهم من هناك إلى جنوب الهند.

ثم جاءت موجتان كبيرتنان من هجرة النساطرة في القرن الثامن بقيادة الأسقف توما وجماعة من رفاقه من أرض العراق (774م). وأيضاً في القرن التاسع بزعامة مار صابور. وقد وهبت سلطات الهند هاتين الجماعتين حقوقاً ومقاماً تشير إلى علوهما في نظام الطبقات.. وهناك قام النساطرة بالتبشير بين الهنود وإقامة الكنائس والصلبان في الميادين التي ما يزال بعضها قائماً حتى الآن" (7).

? تولى بنتينوس القديس والفيلسوف رئاسة مدرسة الأسكندرية حوالي عام 181م، وكان قد اعتنق المسيحية على يد أثينا غوراس وخلفه كرئيس لمدرسة الأسكندرية. روى المؤرخون قصة ذهابه للهند هكذا: إن تجاراً من الهند استمعوا إليه فأعجبوا به، واعتنقوا المسيحية بغيرة شديدة، فالتقوا بالبابا الاسكندري وطلبوا منه أن يسمح لهم بارسال بنتينوس إلى الهند للكرازة بين أهلهم.. وعند رجوعهم من الهند قيل أنه كرز في أثيوبيا وبلاد العرب واليمن. ويروي القديس جيروم ويوسابيوس(10: 3) أن بنتينوس أحضر معه نسخة من إنجيل متى بخط يد الإنجيلي، كان قد أحضرها القديس برثلماوس معه إلى الهند" سلسلة آباء الكنيسة. الكتاب الأول جـ 1. 1992. الناشر دار فيلوباترون. ص 117-118.

وانظر دائرة المعارف الكتابية. جـ 2. ص 108.

ويرى د. عزت ذكي أن: "مجهودات النساطرة في وسط آسيا وفي الصين تضيق الصفحات عن استيعابها، وإذا كان قد قدر للقائد المتعصب تيمور لنك أن يذبح الألوف المؤلفة من المسيحيين (يقال إنه صنع هرماً في أصفهان من جماجم 70000 قتيلاً). فإننا نقول إنه لم يستطع أن يمحق المسيحية تماماً من هناك. وما زال في تلك المناطق أكثر من شاهد على ذلك. حتى في التبت نجد في ممارسات اللامية ما يشير إلى أثر المسيحية الأشورية" (8).

إذن المسيحية قد شقت طريقها إلى الهند عن طريق تلاميذ أو أتباع المسيح، وكون أن المسيحية قد انتشرت هناك فهذا ليس دليلاً على ذهاب المسيح إليها.

3 - إن وجود مشابهات بين ألقاب المسيح وبوذا وأحوالهما ليست أيضاً دليلاً على ذهاب المسيح إلى هناك، فهذه قد وجدت في الكتابات البوذية المتأخرة التي كُتبت بعد انتشار المسيحية هناك، وقد أثرت المسيحية فيهم وأخذوا ألقاب المسيح وأضافوها إلى بوذا (9).

إذا كان المسيح قد ذهب إلى هناك، كنا نجد هذا مذكوراً في:

أ - كتب اليهود -لأن المسيح واحد منهم- مثل التوراة والتلمود.

ب - كتب الهنود، كانت بلا شك سوف تصرح بهذا بكل وضوح.

ج - كتب التاريخ المسيحي، وأقوال آباء الكنيسة.

وحيث أنه لم يأت أي ذكر لهذا لا في كتب اليهود ولا الهنود ولا التاريخ المسيحي، فيكون هذا ادعاء بلا دليل.

المراجع:

1 - المسيح الناصري في الهند. ص81

ولقد سبق لنا دراسة هذا الموضوع بالتفصيل في كتاب "السنوات المجهولة من حياة المسيح" ص11-50.

كتب الدكتور عزت ذكي "في التبت نجد في ممارسات اللامية ما يشير إلى أثر المسيحية الأشورية، في استخدام الماء المقدس، والبخور، وثياب الكهنوت وغير هذه، حتى أن بعض النقاد المغرضين اختلط عليهم الأمر، فقالوا بأن المسيح ذهب إلى وسط آسيا واستقى تعاليم المسيحية وممارساتها من البوذية، ويكفي أن نقول إن البوذية لم تدخل التبت قبل عام 640م". كنائس المشرق. ص132.

2 - المسيح الناصري في الهند ص81.

3 -المسيح الناصري في الهند ص84.

4 - المرجع السابق ص86، 88، 89، 104.

5 - جريدة وطني عدد 1708 في 18/9/94. ص2. مقالة تحت عنوان "القديس برثلماوس الرسول" للأنبا غريغوريوس.

6 - انظر دائرة المعارف الكتابية. جـ2. ص 405-406، جـ1 ص 38-60.

7 - كنائس المشرق. د. عزت ذكي. ص144،145.

8 - المرجع السابق. ص131.

9 - لمزيد من التفاصيل حول هذا ارجع إلى "السنوات المجهولة من حياة المسيح" للمؤلف.

10 - سوف يقوم المؤلف بإعداد دراسة شاملة للتشابه بين المسيح وبوذا في المستقبل القريب إن شاء الله.

الصفحة الرئيسية