قبر المسيح في كشمير

الباب الثاني

القاديانية والمسيح

الفصل الأول

البشارة بميلاد المسيح وولادته

إدعى الغلام القادياني -كما سبق- أنه المسيح الموعود، لذلك أحتل المسيح في كتابات الغلام وأتباعه مكانة لا بأس بها، وحاولوا في كل كتاباتهم أن يثبتوا عقيدتهم. وفي هذه الدراسة سوف نركز على ثلاث موضوعات: البشارة بميلاد المسيح وولادته، صلب المسيح وموته، عودة المسيح ثانية.

ذكر أتباع القاديني في تعليقاتهم على ترجمات(1) القرآن أن:

أ - البشرى كانت عن طريق الرؤيا وليس الملاك:

يقول مالك غلام فريد في تعليقه رقم 1749 على الآية: "فاتخذت من دونهم حجاباً فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً"، "إن التعبير يفيد أن البشرى الإلهية بولادة عظيم لم تبلغ إلى مريم في صوت أمكنها سماعه من متكلم وإنما كان ذلك في صورة رؤيا منامية أو تخيل يقظة" (2). ويقول محمد علي: "هذا يبين أن مجيء الروح لها كان في رؤيا، وأن ما تبودل من حديث بينهما كان كذلك، وكلمة "تمثل" التي استعملت هنا تؤيد ما نقول، لأن معنى "تمثل" اتخذ شبه شئ آخر، وهذا يكون في الرؤيا فقط".

ب - الميلاد عن طريق أب بشري:

يقول محمد علي (3) في التعليق على ما جاء في آل عمران 45 "إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين".

إن ما يسترعي الانتباه أن القرآن لم يذكر زوج مريم قط.. وكونه لم يذكر والد عيسى لا يكفي في نفي أن يكون له أب" تعليق رقم424.

ويقول معلقاً على آل عمران47 "رب أني يكون لي ولد ولم يمسسني بشر"، "إن زواج مريم كان مبرماً، وربما لم تخبر قبل أن جاءها النبأ بأنه سيكون لها ولد، ومن هنا قالت: "ولم يمسسني بشر، وكان الجواب: هو كذلك، والولد سيولد، والله سيتولى إيجاد الظروف اللازمة، وألفاظ الآية لا تفيد أن الطفل سُيحمل به بطريق غير عادي، لأنه من المؤكد أن مريم ولدت غير عيسى، ولم يقل أحد أنهم جاءوا إلى الحياة بطريق غير عادي... ومعنى هذا أن كل ما في الأمر هو بشارتها بأنه سيكون لها ولد، وذلك من باب النبوة".

وقال محمد علي في تعليقه على مريم 24 "قال كذلك قال ربك هو عليّ هين، ولنجعله آية للناس ورحمة منا، وكان أمراً مقضياً". قال: "إنها حملت به بالطريق العادي الذي تحمل كل الناس بأطفالها عن طريقه" تعليق رقم1537.

مما سبق نرى أن أتباع القاديانية يعتقدون أن:

1 - بشارة الملاك للعذراء مريم رؤيا منامية أو حلم يقظة.

2 - المسيح ولد من أب بشري.

3 - الحمل بالمسيح تم عن الطريق العادي للإنجاب وهو الزواج.

الرد:

"لا شك أن كل إنسان يقف إزاء معجزة ميلاد المسيح حائراً مبهوتاًؤ ، وأي عقل يستطيع أن يدرك أسرار هذا الميلاد الذي هو معجزة الدهور والأجيال؟ وهذا شأننا نحن البشر الذين لم نألف سوى طريقة واحدة للتناسل وهي أن يولد الطفل من أبوين رجل وامرأة. ولكن لما جاء ملء الزمان، ووُلد المسيح من امرأة عذراء لم تعرف رجلاً ذُهلت عقول البشرية من هذا الحادث الخارج عن نطاق الطبيعة وعن حدود إدراكنا.. إن ميلاد المسيح العذراوى يعني ما هو أكثر من مغايرة مجرى الطبيعة حسب اعتقادنا، فهو الطريق التي بها نرى" كائنا إلهيا" غير مخلوق، وذا وجود سابق من الأزل وقد أخذ صورة إنسان مخلوق في جسد مثل بشريتنا" (4).

ونحن نؤمن بميلاد المسيح من عذراء:

1 - لأن العهد القديم قد تنبأ عن الميلاد من عذراء، ففي إش7: 14"ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل" وهنا نرى المعجزة الإلهية أن العذراء بدون زواج تحبل وتلد، وقد أوضح العهد الجديد تحقق هذه المعجزة الإلهية في مت1:18-24، لو1: 26-38، وإنكار هذا الميلاد العذراوى يعني إنكار الإنجيل والتشكيك في صدق روايته.

2 - لأنه من الطبيعي أن المسيح الذي كان في حياته فوق الطبيعة، أن يولد بطريقة خارقة للطبيعة، لأنه الذي كان معجزة في حياته وفي مماته، ينبغي أن يكون أيضاً معجزة في ولادته، فهو لغز الأجيال، فلا غرابة إذا كان ميلاده لغزاً، وهو معجزة الدهور، فلا عجب أن يولد بمعجزة، وإذا اعترض أحد بالقول: إنه لم يُولد شخص لا قبله ولا بعده بمعجزة قلنا: فليكن، لأنه لم يقم في كل التاريخ سوى مسيح واحد"(5).

3 - إن المسيح يعلن لنا الله، لذا كان يجب أن يكون دخول هذا المعلن إلى عالمنا بطريقة تختلف عن دخول الآخرين، وهذه الطريقة هي الولادة بدون زرع بشر، والولادة العجيبة بطريقة معجزية من عذراء: "فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا، وأنا لست أعرف رجلاً، فأجاب الملاك وقال لها: الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك لذلك فالقدوس المولود منك يدعى ابن الله" لو1: 34-35.

4 - "لأن الكنيسة المسيحية منذ بدايتها حتى الآن تؤمن بهذا الميلاد العذراوي، فقد كتب القديس أغناطيوس أسقف أنطاكية (117-125م) عدة رسائل قال فيها عن المسيح "ولد حقاً من عذراء" رسالته إلى أهل أزمير 1: 1، ورسائله إلى أهل أفسس 7: 12، 18: 2، 19: 11، وأيضاً كتب يوستينوس في دفاعه عن تفسير إش 7: 14 في محاورته 43،66، 68، 77، والدفاع 1: 33(140-150م). وأيضاً العلامة إيريناوس (190م) في كتابه ضد المبتدعين3: 21، وأيضاً العلامة أريجانوس(220م) في كتابه ضد كلسوس 1: 34" (6).

فالمسيحيون منذ مجيء المسيح إلى الأرض وحتى مجئيه الثاني يؤمنون بأنه وُلد من عذراء، والقاديانيون بإنكارهم الميلاد من عذراء وغيره من العقائد المسيحية، هم ليسوا إلا ناقلين عن غيرهم، فقد أنكر ميلاد المسيح من عذراء كثير من المدارس العصرية التي ظهرت في الغرب، وربما تسرب إليهم هذا الفكر عن طريق الإنجليز -الذين كانوا يحتلون الهند في ذلك الوقت- وسوف أترك أحد أتباع القاديانية للرد على ما كتبوه وهو مالك غلام فريد: "فقد كتب في تعليقه رقم 1752على الآية "قالت أني يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا" مريم19، قال: "لو أن مريم فهمت وتصورت أن الوعد المذكور في الآية السابقة (قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً)، يشير إلى أنها ستلد طفلاً نتيجة للالتقاء الجنسي مع زوجها في المستقبل -كما يظن بعض المفسرين للقرآن- لما كان هناك معنى لأن تعبر عن دهشتها في أن يكون لها ولد".

وكتب ايضاً في تعليقه رقم 419 على الآية: " قالت رب أني يكون لي ولد ولم يمسسني بشر؟ قال: كذلك الله يخلق ما يشاء، إذا قضى أمراً فإنما يقول له: كن فيكون" آل عمران 74. قال: "إن البشارة بولد -مهما كانت في الظروف العادية- لا بد وأنها أوقعت مريم في حيرة، ليس فقط لأنها ما زالت عذراء، وإنما لأنها قررت أن تظل عذراء طوال حياتها كذلك، إلا أن الآية تعبر بحق عن حيرتها، وأنها توضح كذلك أن عيسى ليس له أب، وذلك قول مريم: "لم يمسسني بشر"، وإذا كانت مريم لن تظل عذراء، وإنما ستتزوج يوماً ما وتلد أطفالاً في الوقت المناسب، فليس هناك إذا ما يجعلها تندهش وتنزعج عندما يلقي الملك إليها بالبشارة، فليس هناك فتاة عادية تأخذها الحيرة ويستولي عليها القلق عندما تُخبر بأنها ستلد طفلاً بعد زواجها(7).

- أما قولهم إن البشرى رؤيا منامية، فالاستدلال عليه لا يستقيم لهم، فكون كلمة "تمثل" تفترض اتخاذ شبه شئ آخر تحقق فعلاً، فلقد اتخذ المللك شبه بشر، "فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً" وقال النبي عن الوحي: "وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً" (8).

وإذا كانت البشارة رؤيا منامية أو حقيقية متجسدة فهذا لا يؤثر على محتوى البشارة. والنص في الكتاب المقدس. أُرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة، إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف، واسم العذراء مريم، فدخل إليها الملاك وقال سلام لك أيتها المنعم عليها، الرب معك. مباركة أنت في النساء" لو1: 26-28.

ويرى حسني يوسف الأطير: "إنه لخطأ فاحش أن يتوهم واهم أن الكاتب -يقصد نفسه- يراوده أدنى شك في قداسة مريم، أو في ولادتها المسيح وهي عذراء لم يعرفها رجل، فهذه عقيدة إيمانية أقول بها بملء اليقين، إذ أعلم أن الاسلام قد أحلها في محلها الصحيح"(9).

ويقول الشيخ متولى الشعراوي: "إنما اصطفاها على نساء العالمين، يعنى لا توجد أنثى في العالمين تشاركها فما اصطفيت له، لأنها الوحيدة في العالمين التي ستلد بدون ذكر من أبوه، وهذا لم تشاركها فيه أنثى" (10).

الصفحة الرئيسية