قداسة الله وغضبه
إن قداسة الله هي قداسة مطلقة ليس فيها ذرة واحدة من النجاسة. يقول الوحي: «هذا هو الخبر الذي سمعناه منه، ونخبركم به: أن الله نور وليس فيه ظلمة البتة» (1يوحنا1: 5). ويقول النبي حبقوق في العهد القديم: «أ لست أنت منذ الأزل يا رب إلهي قدوسي.. عيناك أطهر من أن تنظرا الشر، ولا تستطيع النظر إلى الجور؟» (حبقوق1: 12،13). ويعوزنا الوقت والإدراك حقاً لنفهم شيئاً عن تلك القداسة التي ليس لها نظير على الإطلاق. فيقول له موسى في الترنيمة الأولى المسجلة في الكتاب «من مثلك... يا رب؟ من مثلك معتزّاً في القداسة، مخوفاً بالتسابيح، صانعاً عجائب» (خروج15: 11)، ويقول الرب نفسه في العهد القديم: «فبمن تشبهونني فأساوية يقول القدوس» (إشعياء40: 25). ويقول الرائي في سفر الرؤيا: «من لا يخافك يا رب ويمجد اسمك، لأنك وحدك قدوس؟» (رؤيا15: 4).
عندما ظهر الرب لموسى بلهيب نار من وسط عليقة، ومال موسى لينظر هذا المنظر العظيم، لماذا لا تحترق العليقة، فإن الرب ناداه من وسط العليقة قائلاً: «موسى موسى.. لا تقترب إلى ههنا. اخلع حذاءك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة» (خروج3: 2-5). حقاً إنه كما أعلن الوحي المقدس عن الله: «إن إلهنا نار آكلة» (عبرانيين12: 29). وعليه فإن أولئك الواهمين، الذين نظراً لشر قلوبهم، يقللون من مستوى قداسة الله ليتناسب مع مستوى أخلاقياتهم وطبائعهم، سيكتشفون، بعد فوات الأوان، أن إبليس - ذاك القتّال للناس من البدء - قد خدعهم. وعندها ستنطبق عليهم كلمات الوحي «اسمعوا أيها البعيدون ما صنعت، واعرفوا أيها القريبون بطشي. ارتعب في صهيون الخطاة، أخذت الرعدة المنافقين. من منا يسكن في نار آكلة؟ من منا يسكن في وقائد أبدية؟!» (إشعياء33: 13،14).
الله الذي نتعبد له، والذي أمامه سيقف جميع البشر ليعطوا حساباً له، هو إله كلي القداسة، ودائماً قدوس. وأما نحن فبالسقوط وقعنا في كل ما يمكن للإنسان أن يقع فيه. وبلغة أحد الحكماء: “لقد وُلدنا في عالم ملوث،ولقد عايشنا القذارة من مهدنا، ورضعناها مع لبن أمهاتنا، وتنفسناها مع كل شهيق هواء، ونمَت فينا مع السنين، وتعمقت في اختبارنا مع مرور الأيام، فكل شيء حولنا ملوث، وأكثر الأشياء بياضاً في عالمنا هذا، هو في حقيقته رمادي قاتم”.
مشكلة الإنسان الخاطئ أنه يفكر في الله بمفهومه المنحرف. يقول الله للشرير في مزمور50 «ظننت أني مثلك» (انظر مزمور50: 16-21). ولهذا فبينما يخفف الإنسان من شناعة خطيته، نظراً لجهله بقداسة الله، فإننا نجد الوحي المقدس يتكلم عن الخطية بمفهوم مختلف تماماً عن مفهوم البشر لها، فيقول مثلاً «من يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطية له» (يعقوب4: 17). كما يقول أيضاً «فكر الحماقة خطية» (أمثال24: 9). ويقول إن «كل كلمة بطالة (أي عاطلة ولا لزوم لها) سوف يعطي الناس عنها حساباً يوم الدين» (متى12: 36).
إنك إن لم تنظر إلى الخطية بهذه النظرة، فلن يمكنك فهم الكفارة. فالطبيب ما لم يقدر أن يشخِّص الداء، فإنه لن يقدر أن يصف الدواء. وينبغي قبل أن نبحث عن الحل الصحيح للمشكلة أن نعرف أولاً حقيقة المشكلة.
يخبرنا الكتاب المقدس أنه بسبب خطية واحدة طُرد أبوانا الأولان من الجنة وحلت بالأرض كل هذه المصائب (تكوين3). كما يخبرنا أنه بسبب خطية واحدة لحام أبي كنعان حلت اللعنة على الملايين الغفيرة من نسله (تكوين9: 20-25). ويخبرنا أيضاً أنه بسبب خطية واحدة لخادم أليشع ضُرب بالبرص هو ونسله إلى الأبد (2ملوك5: 27)!
لكن هناك شيئاً آخر بالغ الخطر يجب أن نعرفه في الله، وهو غضبه المقدس بسبب الخطية. يقول الرسول بولس «لأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم» (رومية1: 18). وعندما ذكر قائمة من شرور البشر في أفسس5: 6، وفي كولوسي3: 6، أردف الرسول قائلاً «إنه بسبب هذه الأمور يأتي غضب الله على أبناء المعصية». لقد تجلى غضب الله في الماضي على العالم القديم في أيام نوح، عندما فاض عليه الماء فهلك (تكوين6-8)، ولقد تجلى ذلك الغضب مرة ثانية عندما «رمّد مدينتي سدوم وعمورة والمدن التي حولهما» وجعلها «عبرة، مكابدة عقاب نار أبدية» (تكوين19؛ يهوذا7). ويقول المرنم في المزمور: «الله قاض عادل، وإله يسخط في كل يوم» (مزمور7: 11). وهو طبعاً يسخط بسبب الشرور التي تُرتكب يومياً من بني البشر. بل وفي الإنجيل يذكر لنا هذا الغضب في قول البشير يوحنا: «الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله» (يوحنا3: 36).
* * * *
وطالما أن مشكلة البشرية الحقيقية هي الخطية، فمن المهم أن نعود إلى قصة دخول الخطية إلى العالم من بدايتها، وهذا يقودنا إلى الحديث عن النقطة التالية في بحثنا وهي