الخطية الأولى في الجنة
لنعد إلى القصة من بدايتها وندرس بشيء من التفصيل الخطية الأولى، خطية أبوينا الأولين في الجنة.
في سفر التكوين والأصحاح الثاني نقرأ كيف خلق الله الإنسان، وكيف وضعه في جنة وحوله كل مظاهر الجمال وأسباب السعادة. تفكر في روعة جنة من غرس الرب الإله نفسه! تفكر في نسمات الصباح المنعشة في تلك الجنة، وفي هدوء المساء الجليل فيها! لكن ليس هذا فقط، بل لقد اختص الله آدم أيضاً، دون باقي المخلوقات، بنسمة الحياة، التي بها أصبح الإنسان في توافق مع خالقه وفي شركة معه. ما أسعد آدم وهو يسير إلى جوار الرب الإله في الجنة وإلى جواره المرأة التي صنعها الرب ليكمل بها سعادة آدم. وبالإضافة إلى كل ذلك، فقد أعطاه الله السلطان والسيادة على كل الخليقة. ولقد تجلى سلطانه هذا على كل المخلوقات عندما أحضر الله إليه كل الحيوانات وكل الطيور ليدعوها بأسمائها.
لكن الله أعطاه أيضاً وصية واحدة، محظوراً واحداً، امتحاناً له، ليثبت بها تقديره لفضله عليه واعترافه بنعمته. فما الذي حدث؟
لقد جاء الشيطان مستخدماً الحية (تكوين3)، وهمس في أذن حواء بكلام سام مضمونه: أولاً: إن الله كاذب. أ لم يقل لكما إنكما إذا أكلتما من الشجرة ستموتا؟ الحقيقة أنكما «لن تموتا». ثم إنه ليس عادلاً، وإلا فلماذا يسلبكما حرية التصرف ويمنعكما من التسلط على هذه الشجرة مع أنكما رأسا الخليقة؟! ثم هو أيضاً لا يحبكما. لو كان يحبكما حقاً، أ كان يحرمكما من التمتع بشيء؟ «بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه (أي من ثمر هذه الشجرة) تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر» والله لا يريدكما نظيره، بل أن تظلا أقل منه!
هذه هي كلمات الحية للمرأة. وبكل أسف صدّقت المرأة هذا كله، وأكلت، وأعطت رجلها أيضاً فأكل. وعندما أكل الإنسان كان معنى ذلك أنه قال: “آمين” على كل هذه الافتراءات والأكاذيب الشيطانية. وكانت هذه إهانة بالغة لله أمام كل الخليقة. ويا للكارثة!
كان بوسع الله من أول لحظة أن يثبت أنه صادق. فما كان أسهل أن يوقع حكم الموت على آدم وامرأته في الحال، فيتبرهن أمام الجميع أنه صادق. وإذ ذاك كانت الخليقة كلها ستعرف أيضاً أنه عادل وبار، لأن التعدي والمعصية نالا مجازاة عادلة. لكن السؤال الذي كان سيظل إلى أبد الآبدين بدون إجابة: هل الله محبة؟
لذا فقد سلك الرب مسلكاً آخر، وأجَّل الرد على افتراءات الشيطان نحو أربعة آلاف سنة، عندما أُظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس (1يوحنا3: 8).
لكن بالنسبة لآدم وحواء، فإننا نقرأ قول الوحي: «فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان». ولقد كانت أولى محاولاتهما بعد أن سقطا في الخطية كما يقول الكتاب أنهما «خاطا أوراق تين، وصنعا لأنفسهما مآزر» لتغطية عريهما. بكلمات أخرى إنهما حاولا إصلاح ما أفسداه، وعلاج ما اقترفته أيديهما، لكن هيهات!
صحيح ربما يكونان قد نجحا إلى حد ما في مداراة نتائج الخطية، أحدهما عن الآخر، لكن علاجهما لم يُجدِ نفعاً أمام الله. فإنهما ما أن سمعا صوت الرب ماشياً في الجنة، حتى اختبئا خلف أشجارها. ولما نادى الرب آدم قائلاً له «أين أنت؟» كانت إجابته الأسيفة «سمعت صوتك في الجنة فخشيت، لأني عريان فاختبأت».
أين إذاً مآزر ورق التين التي كان قد عملها آدم وحواء؟
إن أوراق التين وأشجار الجنة دلّت على شعور أبوينا بالخزي، وحاجتهما للستر، لكنها أثبتت فشل محاولة علاج الخطية وسترها من أمام نظر الله.
على أن محاولة أبوينا في الجنة إنما كانت مقدمة لمحاولات عديدة للإنسان لعلاج الخطية وتغطيتها، كما سنرى فيما يلي، لكنها كلها محاولات باءت بالفشل والخسران!