شروط الفادي

إننا من كل ما قلناه سابقاً يمكننا أن نتلمس الإجابة على هذا السؤال الخطير: من هو الفادي الذي يصلح ليقوم بفداء الإنسان؟

1- هل تنفع ذبيحة حيوانية؟ إذا كانت الكفارة تعني الستر والغطاء، فلا يصلح أن تكون الذبيحة أقل في قيمتها من قيمة الإنسان ليمكنها أن تكفِّر عنه، أي تغطيه وتستره. وعليه فلا تنفع ذبيحة حيوانية (عبرانيين10: 3).

2- هل ينفع إنسان عادي؟ يجب أن يكون الفادي خالياً من الخطية. فلو كان خاطئاً، لاحتاج هو نفسه لمن يكفِّر عنه وما صَلُح لكي يفدي غيره. ولهذا ففي العهد القديم، عهد الرموز، كان يلزم أن تكون الذبيحة بلا عيب. وعليه فإن الإنسان العادي، نظراً لأنه مليء بالعيوب، لا يصلح لكي يكفِّر عن البشر.

3- هل ينفع إنسان بار؟ مع أن كل البشر خطاة، وليس بار ولا واحد (رومية3: 10). لكن هب أننا وجدنا شخصاً بلا خطية، فهل يصلح ليفدي؟ الواقع إنه نظراً لأن هذا الفادي مطلوب منه أن يفدي لا إنساناً واحداً بل كثيرين، فإنه حتى لو وجدنا الشخص البار، فإنه لن يصلح أن يقوم بفداء الكثيرين، إذ يجب أن تكون قيمته أكبر من هؤلاء جميعهم معاً. وعليه فلا ينفع أن يكون إنساناً على الإطلاق.

4- هل ينفع أن يكون ملاكاً أو مخلوقاً سماوياً عظيماً؟ لنتخلص من المشكلة السابقة، هب أننا وجدنا مخلوقاً سماوياً عظيماً، قيمته أكبر بكثير من قيمة الناس، فهل يصلح هذا المخلوق أن يفدي البشر؟ الواقع إن الفادي لو كان مخلوقاً لا تكون نفسه ملكه هو بل ملك الله خالقها، وبالتالي فلا يحق له أن يقدِّم نفسه لله، إذ أنها هي أساساً ملك الله. وعليه فإن الملائكة ورؤساء الملائكة لا يصلحون أن يفدوا البشر، لأنهم مخلوقون من الله.

5- من هو الفادي إذاً؟ إن هذا الشخص - بالإضافة إلى كل ما سبق - ينبغي ويتحتم أن يكون إنساناً لكي يمكنه أن يُمثِّل الإنسان أمام الله، وبهذا وحده يمكن أن يكون نائباً عنه، وأن يمثله أمام الله.

فيالها من معضلة!

من أين لنا بمثل هذا الشخص العجيب الذي يجمع كل هذه المواصفات معاً؟! إنسان، خالٍ من الخطية، غير مخلوق، وقيمته أكبر من كل البشر مجتمعين!!

لكن إن لم يكن عندنا نحن البشر حل لتلك المعضلة، أفلا يوجد عند الله حل؟ وإذا كانت قد غلقت على البشر إلى الدهر (مزمور49: 8)، فهل استغلقت أيضاً على الله (راجع مزمور68: 20). لما تساءل القديسون الأقدمون: كيف يتبرر الإنسان عند الله، وكيف يزكو مولود المرأة؟ (أيوب9: 2،3؛ 25: 4)، ولما لم يعرفوا حلاً لهذه الأحجية، تقدم أليهو - وهو واحد من أصحاب أيوب - بهذا الإعلان العجيب: «إن وُجد عنده (عند الله) مرسل، وسيط، واحد من ألف ليعلن للإنسان استقامته (أي استقامة الله أو بر الله)، يتراءف عليه ويقول: أُطلقه عن الهبوط إلى الحفرة. قد وجدتُ فدية» (أيوب33: 23،24)، وكأن أليهو يريد أن يقول: لو قصد الله أن يرتب للبشر من يفديهم، وأرسله من عنده، عندئذ فقط يمكن حل الأحجية.

فهل وُجد مثل هذا الشخص عند الله؟ نعم، يقول الرسول: «عالمين أنكم أفتديتم»، ثم يذكر لنا من هو الفادي: «المسيح، معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم» (1بطرس1: 19،20).

إذاً فهذه المعضلة، معضلة “من هو الفادي؟” لم يكن حلها عند الناس، بل عند الله. نعم، فمن عنده أتى المرسل، الوسيط، الذي سبق أن تمناه أيوب عندما صرخ قائلاً «ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا» (أيوب9: 33)!

وإذا كان هذا المُصالِح، يمكنه أن يضع يده على الله والناس في آن واحد، فهذا معناه أنه معادل لله ومعادل أيضاً للناس. فمن يا تُرى يكون هذا الشخص؟

إنه شخص فريد ليس له في كل الكون نظير (رؤيا5: 2-5)، إنه الرجل رفيق رب الجنود (زكريا13: 7). إنه ابن الله الأزلي الذي صار ابن الإنسان!!

لو لم يكن هو الإنسان لما أمكنه أن يكون نائباً عن البشر، يحمل خطاياهم ويحتمل دينونتها بالنيابة عنهم. ولو لم يكن هو الله، أو كان هو أقل، ولو قيد شعرة من الآب، لما أمكنه قط أن يوفي الله كل حقوقه.

نعم المسيح هو الفادي، وليس غيره فادياً. لكن هل المسيح بحياته وتعاليمه ومعجزاته أمكنه أن يفدينا، أم كان يلزم شيء آخر؟ هذا يقودنا إلى نقطة هامة جداً.

عودة للرئيسية