الــدم
لكلمة “الدم” في الكتاب المقدس - سواء في العهد القديم أو العهد الجديد - مكان بارز. وتتفق شهادة الكتاب كله، بعهديه القديم والجديد، في أنه لا كفارة بدون الدم. ليس الدم الجاري في الشرايين، بل الدم مسفوكاً «لأنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة» (عبرانيين9: 22).
إذا ذهبنا إلى العهد القديم، عهد الرموز والظلال، فأين كان مكان التقاء الله مع الإنسان؟ الإجابة من سفر الخروج25: 22 «وأنا أجتمع بك هناك، وأتكلم معك من على الغطاء من بين الكروبيم اللذين على تابوت الشهادة». ولماذا اختار الله هذا المكان كنقطة التقاء الإنسان الخاطئ مع الله القدوس؟ الإجابة التي نفهمها من سفر اللاويين16 أنه إلى هذا المكان كان يدخل رئيس الكهنة كل سنة، كممثل لكل الشعب، في يوم الكفارة العظيم، ومعه الدم الذي يرشه على وجه الغطاء. فعلى أساس الدم أصبح للإنسان الخاطئ إمكانية الاقتراب إلى الله من جديد.
ونفس الأمر نجده أيضاً في العهد الجديد. ففي رسالة رومية3: 25 نقرأ أيضاً عن كرسي الرحمة المرشوش بالدم. في هذا المكان يتقابل الآن الله البار مع الإنسان الخاطئ. فعلى أساس الدم أمكن لنا الاقتراب من الله، وإلا لكان هذا الكرسي لا كرسي رحمة، بل عرش قضاء ودينونة، وما أرهب المصير! (مزمور143: 2).
ومن أهم الفصول التي تتحدث عن أهمية الدم كأساس العلاقة مع الله، هو سفر الخروج أصحاح12 الذي يتحدث عن الليلة التي فيها خرج شعب الله من بيت العبودية في أرض مصر، بعد ذبح خروف الفصح. ماذا طلب الرب منهم في تلك الليلة كي ينجو الأبكار من ضربة المهلك؟ لقد قال: «يأخذون لهم كل واحد شاة.. صحيحة.. يذبحه كل جمهور الجماعة، ويأخذون من الدم ويجعلونه على القائمتين والعتبة العليا. ويكون لكم الدم علامة على البيوت التي أنتم فيها، فأرى الدم وأعبر عنكم».
إذاً الذي كان يحميهم في تلك الليلة من ضربة الهلاك هو «الـدم». الله لم يطلب منهم أن يثبتوا على أبواب بيوتهم تسلسلهم من إبراهيم، فليس هذا أساس نجاتهم من الدينونة. ولا طلب الله منهم أن يعملوا حصراً بأعمالهم الصالحة، وبممارساتهم الدينية، وبأيام أصوامهم، وبكمية صدقاتهم، ويعلقوها على أبواب بيوتهم، فالخلاص أيضاً ليس في هذه الأشياء. بل إن كلام الرب الصريح والواضح هو «أرى الدم وأعبر عنكم».
في العهد القديم أكد المرنم أن فدية نفوسنا كريمة، وبالتالي فقد غلقت إلى الدهر (مزمور49: 8)، لكن حمداً لله، فإننا في العهد الجديد وجدنا من قام بالفداء، رغم فداحة الثمن المدفوع. إذ قام المسيح، الحمل المعروف سابقاً قبل تأسيس العالم بفدائنا: «عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو بذهب... بل بدم كريم». نعم لقد تحققت الفدية الكريمة بدم كريم! وهذا الدم كريم في عيني الآب، لأنه دم وحيده (راجع أعمال20: 28). وكريم في عيني المسيح لأنه يمثل حياته الغالية التي بذلها لأجلنا، و«ليس لأحد حب أعظم من هذا، أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه» (يوحنا15: 13). ثم إنه كريم في نظر المفديين، فهو الثمن الكريم الذي قدَّرنا المسيح به (1كورنثوس6: 25؛ وكم نخجل عندما نقارن ذلك الثمن، بالثمن الذي قدرنا نحن المسيح به! راجع زكريا11: 13 مع متى27: 9). وأخيراً هو كريم في ذاته، كما أنه كريم في نتائجه الأبدية التي حصَّلها لنا.
فهو وسيلة الفداء (أفسس1: 7؛ عبرانيين9: 12؛ 1بطرس1: 18)،
وبه تمت الكفارة (رومية3: 25)،
وبه غفرت خطايانا (متى26: 28؛ أفسس1: 7 ؛ عبرانيين9: 22)،
وتطهرنا من خطايانا، وغُسلنا منها (1يوحنا1: 7؛ رؤيا1: 5)،
وتطهرت ضمائرنا من أعمال ميتة (عبرانيين9: 14)،
وبيضنا ثيابنا (رؤيا7: 14)،
وبه تقدسنا (عبرانيين13: 12؛ 10: 29)،
وبه تبررنا (رومية5: 9)،
وبه حصلنا على الحياة (يوحنا6: 54)،
وبه تتم المصالحة (كولوسي1: 20)،
وبه لنا الاقتراب إلى الله (أفسس2: 13)،
وبه لنا الشركة المسيحية (1كورنثوس10: 16)،
وبه لنا ثقة الدخول للأقداس (عبرانيين10: 19).
وبه نغلب الشيطان (رؤيا12: 11).
ولهذا فإن الدم سيظل إلى أبد الآبدين موضوع سبح المفديين في المجد، إذ سيترنمون «ترنيمة جديدة قائلين: مستحق أنت أن تأخذ السِفر وتفتح ختومه، لأنك ذُبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة، وجعلتنا لإلهنا ملوكاً وكهنة» (رؤيا5: 9،10).