ماذا تم في الكفارة؟
لقد فهمنا، ونحن نتحدث عن قداسة الله وغضبه، أن أخطر ما في الخطية ليس نتيجتها على المخطئ ولا المخطأ في حقه، بل إن أخطر ما في الخطية حقاً أنك تفعلها في عيني الله البار القدوس. هذا ما فهمه يوسف الصدّيق فقال لامرأة فوطيفار: «كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله» (تكوين39: 9). نعم ما أخطر أن تفعل الخطية أمام عينيّ ذاك الذي عيناه «أطهر من أن تنظرا الشر ولا تستطيع النظر إلى الجور» (حبقوق1: 13)! وإن كانت الخطية بشعة في ما عملته معنا وفينا، فإنها أبشع بما لا يقاس في عينيّ الله وفي نور قداسته. ولهذا فقد كان يلزم تغطيتها من أمام عيني الله القدوس، وتقديم الترضية لله البار بسبب نتائجها.
لقد وردت كلمة الكفارة في كل من العهدين القديم والجديد. وردت مرات عديدة في العهد القديم (119 مرة)، كما وردت في العهد الجديد نحو 5 مرات. الكلمة العبرية التي وردت في العهد القديم والتي تُرجمت كفارة، تعني “تغطية”، وأما الكلمة اليونانية التي وردت في العهد الجديد والتي تُرجمت أيضاً كفارة تعني حرفياً “ترضية”. ولهذا المعنى المزدوج مدلول جميل في الموضوع الذي نحن بصدده. إن قداسة الله تعتبر الخطية نجاسة يجب تغطيتها من أمام عيني الله. كما أن بر الله يعتبر الخطية تعدياً، وكل تعد يجب أن ينال مجازاة عادلة (عبرانيين2: 2)، وبهذا يجب أن تتم ترضية عن التعدي الذي حدث. وهذا هو المدلول المزدوج للكفارة كما ذكرنا: “تغطية وترضية”؛ تغطية من أمام عيني الله نظراً لقداسة طبيعته، وترضية لغضبه العادل نظراً لبره.
أو يمكن القول إن التغطية تمت للأشياء المطلوب سترها أو إبعادها عن نظر الله، أعني بها الخطية. وأما الترضية فإنها متجهة للشخص المطلوب إزالة غضبه والحصول على رضاه، أعني الله.
ولعله من المتوقع أن يسأل أحدهم: لماذا ترد كلمة الكفارة في العهد القديم أكثر مما ترد في العهد الجديد، مع أننا كنا نتوقع العكس؟ ثم لماذا وردت في العهد القديم كلمة مختلفة عن تلك التي وردت في العهد الجديد؟
وأبدأ بإجابة السؤال الثاني فأقول: إن العهد القديم كان مشغولاً بالإنسان، من هو؛ وبالناموس كانت معرفة الخطية. ولذلك فقد حدثنا العهد القديم عن التغطية التي - كما فهمنا الآن - متجهة لا إلى الشخص المُساء في حقه، بل إلى الخطية بقصد إبعادها عن النظر.
ومن الجانب الآخر فإن الذبائح الحيوانية في العهد القديم، ما كانت لتستطيع البتة أن ترضي الله: «بذبيحة وتقدمة لم تسر»، «بمحرقة لا ترضى» (مزمور40: 6؛ 51: 16). لكن كل ما استطاعت تلك الذبائح الرمزية أن تفعله هو أن تغطي تلك الخطايا (مؤقتاً) عن عيني الله. لكن لما قدّم المسيح نفسه على الصليب، فقد أمكنه أن يُسكت عجيج عدل الله إلى الأبد. فجاءت كلمة الترضية في العهد الجديد.
أما لماذا وردت كلمة الكفارة في العهد القديم أكثر منها في العهد الجديد، فذلك لأن كلمة الكفارة هي كلمة عامة، تتضمن العديد من البركات التي جاءت نتيجة ذلك العمل الكريم: مثل غفران الخطايا، والتبرير، والمصالحة، والقرب إلى الله، ...، وهذه الكلمات كلها وردت كثيراً في العهد الجديد وليس في العهد القديم. وكأن الفكرة المركزة وردت في العهد القديم، ولكن شرح البركات بالتفصيل اختص به العهد الجديد.
في كلمات موجزة نقول إنه نتيجة سقوط الإنسان وشره كان الإنسان متجنباً عن الله بسبب الخطية، والله متجنباً عن الإنسان بسبب الغضب. وموت المسيح الكفاري والنيابي رفع الخطايا وسكَّن الغضب، فأصبح يمكن أن لله ينظر إلى الإنسان بدون غضب، وأن الإنسان ينظر إلى الله بدون خوف. أي أن الخطية تغطت، والله ترضى. أيوجد خبر أروع من هذا، أيها القارئ العزيز؟
وأخيراً نقول إن العهد الجديد يوضح أن كفارة المسيح غير محدودة البتة في نتائجها، وذلك لأن شخص المسيح - كما ذكرنا - هو شخص غير محدود، وبالتالي فإن قيمة عمله بلا حدود. ولو أن كل البشر أتوا للاستفادة من كفارة المسيح، فلن يبلغوا مداها، فإنها أعظم من كل البشر مجتمعين معاً. عن هذا يقول الرسول يوحنا إن المسيح «كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضاً» (1يوحنا2: 2)، وهذا يؤكد عدم محدودية كفارة المسيح واتساعها العجيب لتشمل العالم أجمع.
وهي حقيقة مؤكدة، أنك أنت أيضاً أيها القارئ العزيز جزء من هذا العالم. وبالتالي فإنك لن تكون مُحقاً إذا خدعك قلبك بأن الرب مات لأجل الرسول بطرس، أو لأجل الرسول بولس، ولكن ليس لأجلك أنت. كلا، فإن الرسول بولس أيضاً يقول «وهو مات لأجل الجميع» (2كورنثوس5: 14،15). والرسول بطرس يؤكد أنه حتى المعلمين الكذبة الأردياء الذين ينكرون الرب فإنهم «ينكرون الرب الذي اشتراهم» (2بطرس2: 1). وهذا كله يؤكد أنه لأجلك أنت قد مات المسيح أيها الصديق العزيز، فهلا أخذت من الرحمة حصة؟
في كلمات قليلة نلخص موضوع الكفارة الكبير في هذه الأسئلة الخماسية: لماذا؟ وكيف؟ ولمن؟ وبم؟ وماذا؟
ونجاوب على هذه الأسئلة بالقول:
الحاجة للكفارة : غضب الله.
أساس الكفارة : ذبيحة المسيح.
اتساع الكفارة : العالم كله.
شرط الكفارة : الإيمان
نتيجة الكفارة : الغفران، والتبرير، والصلح، والفداء، وكل البركات التي يُسرّ الله أن يغدقها على أولاده.