اعتراضات على الكفارة
(1) يظن البعض أن الكفارة في المسيحية لها جذور وثنية، لأن العديد من الديانات الوثنية في العالم تتضمنها. لكن علينا أن نفهم جيداً أن فكرة الكفارة في المسيحية ليست مستمَدة إطلاقاً من الفكر الوثني، بل هناك فارق كبير وجوهري بين الكفارة في الوثنية، والكفارة في المسيحية. هناك اختلاف في السبب، والمصدر، والطبيعة.
أولاً: سبب الكفارة: في الوثنية تُقدَّم الكفارة للإله، لأنه حاد الطبع متقلب المزاج، فتحاول الكفارة استرضاءه، أما في المسيحية فسبب الكفارة هو بر الله وقداسته. فنظراً لقداسة الله، فإن الخطية أثارت غضب الله. ليس لأنه متقلب المزاج، يغضب لغير سبب واضح، أو أنه يمكر ويغيّر أقواله، حاشا؛ بل إنه يحذر وينذر مرات عديدة قبل توقيع القضاء. في مزمور22 عندما سأل المسيح من عمق الظلمة وهو فوق الصليب في الجلجثة هذ السؤال: «إلهي إلهي لماذا تركتني؟» ولم يجبه الله، لأنه كان فعلاً متروكاً منه بسبب خطايانا التي وُضعت عليه، فإنه هو نفسه أجاب بالقول: «أنت القدوس» (ع3).
ثانياً: طبيعة الكفارة: الوثنيون يقدمون أي شيء للتكفير عن نفوسهم، أية هدية تصلح لأن تقدَّم للإله، لتكون كفارة. قد يكون ثمر الأرض مثل قايين، أو قد يكون أي حيوان كيفما كان. بل إن من لا يملك شيئاً فإنه بوسعه أن يعذب جسده! أما في المسيحية فإن الكفارة تقضي بموت بديل بريء، لأن «أجرة الخطية هي موت»، «وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة» (رومية6: 23؛ عبرانيين9: 22). فكان يلزم ذبيحة طاهرة بلا عيب ولا دنس. وما كانت تصلح الذبائح الحيوانية، بل كان يلزم أن يكون الفادي إنساناً (1تيموثاوس2: 5). وهو ما سبق أن ذكرناه من قبل، تحت عنوان: شروط الفادي.
ثالثاً: مصدر الكفارة: في الوثنية فإن مصدر الكفارة هو الإنسان وأعماله، أما في المسيحية فالله هو مصدر الكفارة. الله الذي «أرسل ابنه كفارة» (1يوحنا4: 10)، والذي «قدمه.. كفارة» (رومية3: 25). فإن كان بر الله وقداسته استلزما الكفارة، فإن محبة الله ونعمته جهزتاها. وكما أن قداسة الله جعلت الصليب حتمياً، فإن محبة الله هي التي جعلته ممكناً. لقد رأى الله في الأزل الحمل الذي يصلح له، «حمل الله» (1بطرس1: 18، يوحنا1: 29،35)، وفي ملء الزمان أرسله (غلاطية4:4)، وهو بذل نفسه فدية عندما مات لأجلنا فوق الصليب (1تيموثاوس2: 5،6؛ تيطس2: 13).
(2) ويعترض البعض الآخر على فكرة الكفارة بالقول: هل من العدل أن البريء يُضرَب من أجل الأثمة؟ والإجابة طبعاً ليس هذا عدلاً لو كان البريء أُجبر عليه، أما عندما يُظهر المسيح استعداده الكامل طوعاً واختياراً بأن يدفع هذه الفدية نيابة عني (كما سنوضح بعد قليل تحت عنوان: الصليب وإظهار بر الله)، فهذا لا يتعارض مع العدل في شيء. قال المسيح «أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف» (يوحنا10: 11). لقد قبل المسيح ذلك بسرور(عبرانيين12: 2)، ولم يجبره أحد عليه (يوحنا10: 17،18)، إذ كان يعلم أن موته وحده فيه تمجيد الله وفيه خلاص الإنسان.