التكفير عن الخطايا بالأعمال
مما سبق، فهمنا أن الله لا يقبل طريق قايين مطلقاً، أعني طريق الاقتراب إلى الله بالأعمال. وهذا يقودنا للسؤال التالي: ترى لماذا لا تصلح أعمالنا (الصالحة) للتكفير عن ذنوبنا؟
الواقع أن هناك أربعة أسباب رئيسية لذلك:
1- إن الأعمال الصالحة التي نقوم بها، مهما عظمت، قيمتها محدودة لأنها صادرة من الإنسان المحدود. بينما حق الله، الذي أُسيء إليه بسبب الخطية، لا حد له.
لتوضيح ذلك: هب أن موظفاً صغيراً في وزارة اعتدى على زميل له، فإنه ما لم يبادر بالاعتذار لزميله، فسينال الجزاء حتماً. أما إذا اعتدى نفس هذا الموظف الصغير على الوزير فإن الأمر لن ينتهي بالاعتذار، ولا بتوقيع جزاء عادي، بل ستزداد درجة وشكل العقوبة لأن المُعتَدَى عليه أكبر.
والآن ماذا لو حاول هذا الموظف البسيط علاج المشكلة بطريقته، فقدم في اليوم التالي هدية - في حدود إمكانياته الضعيفة - للوزير لينهي المشكلة؟ إنه بهذا التصرف يكون قد عقَّد مشكلته أكثر.
لكن تذكر أيها القارئ العزيز أن الخطية ليست موجهة ضد شخص عظيم، بل إنها موجهة ضد الله نفسه. ولأن الخطية ضد الله غير المحدود، فإن عقوبتها غير محدودة. فهل نرتكب غلطة ذلك الموظف الساذج؟ هل نقدِّم بعض أعمالنا (التي نظن أنها صالحة)، تلك الأعمال المحدودة والقاصرة جداً لاسترضاء الله على خطايانا ذات الأثر غير المحدود؟ أ يمكن للمحدود أن يغطي غير المحدود؟
2- إن هذه الأعمال الصالحة (إذا كان بوسعنا حقاً أن نعملها) ليست تفضلاً منا على الله، بحيث نستحق الجزاء عليها. بل هي واجب علينا، والتقصير فيه يستوجب العقاب. فمن الكتاب المقدس نعرف أن الله سيدين البشر، ليس فقط على الرديء الذي فعلوه، بل أيضاً على الصالح الذي لم يفعلوه. فيقول مثلاً «من يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطية له» (يعقوب4: 17، انظر أيضاً متى25: 41-43). فإذا كان العمل الصالح أمر مفروض على الإنسان أن يعمله، فإنه لا يكون لهذا الإنسان أي فضل إذا هو عمله (لوقا17: 9)، وبالتالي لا يمكن أن يكون وسيلة للتكفير عن الشر الذي عمله.
3- يقول الكتاب: «لأن أجرة الخطية هي موت» (رومية6: 23)، وليست أعمالاً صالحة. فكيف نستبدل عقوبة الموت ببعض الأعمال الصالحة؟! أ يصلح مثلاً أن يتعهد القاتل أمام المحكمة بأنه تاب ولن يعود إلى القتل مرة أخرى، وأنه يتعهد أمام المحكمة ببناء ملجأ للأيتام، مقابل أن تسامحه المحكمة؟ بكل يقين هذا غير جائز ولا مقبول. هكذا أيضاً لا تصلح الأعمال أن تكون مقابل أجرة الخطية وهي الموت. وفي هذا يقول الوحي: «الأخ لن يفدي الإنسان فداء، ولا يعطي الله كفارة عنه، وكريمة (أي ثمينة وغالية) هي فدية نفوسهم، فغلقت إلى الدهر» (مزمور49: 7،8).
4- لأن الأعمال التي نقول نحن عنها إنها صالحة، ليست هي كذلك في نظر الله، بل إنها ملطخة بنقائص وعيوب الطبيعة البشرية الساقطة، كقول إشعياء النبي: «صرنا كلنا كنجس وكثوبِ عِدةٍ (أي خرق نجسه) كل أعمال برنا» (إشعياء64: 6). هذه هي أعمال برنا في ضوء قداسة الله: خرق نجسة. أ تصلح تلك الخرق القذرة أن يَمْثُل فيها الإنسان أمام الله القدوس؟!
وبالأسف الشديد يوجد اليوم الملايين، في كل العالم، الذين يتبعون قايين في طريقه، أعني محاولة إرضاء الله ودرء غضبه، ببعض الأعمال التي يتوهمون أنها أعمال صالحة، والتي يظنون أنها كافية للتكفير عن خطاياهم، وعنهم تقول كلمة الله «ويل لهم لأنهم سلكوا طريق قايين» (يهوذا 11).
لا مفر إذاً من الطريق الذي رسمه الله، فالأعمال لا تصلح للتكفير، فهذه طريق قايين المرفوض. والعلاج - أو بتعبير أدق: الكفارة - بالذبيحة.
لكن أي ذبيحة؟ هل تصلح الذبيحة الحيوانية أن تفدي أيّ إنسان؟ الإجابة المؤكدة من كلمة الله هي أن هذا محال، «لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا» (عبرانيين10: 4). وإذا كانت الأعمال الصالحة لا تصلح للتكفير عن الإنسان، فلا يمكن أن تصلح تلك الذبائح الحيوانية للكفارة، فهي من زاوية معينة تعتبر نوعاً من الأعمال التي يمكن للإنسان أن يقوم بها (انظر مزمور50: 7-15؛ 51: 16،17).
لكن هذا يقودنا إلى السؤال التالي الذي قد يطرأ على فكر البعض:
إذا كانت الذبائح الحيوانية لا يمكن أن تفدي البشر، فلماذا رسمها الله في العهد القديم؟ ولماذا كان يقبلها ويرفع وجه مقدميها؟