هل عرف النبي العربي العصمة بعد بعثته
لا تعنينا حياة وسلوك محمد قبل البعثة، اي قبل دعواه
للنبوة.
الذي يعنينا هو حياة وسلوك محمد بعد دعواه النبوة. فهل كانت حياته وسلوكه صوات الله
عليه وسلم تتماشى وأخلاقيات أنبياء الله الصادقين ؟ خصوصا بعد دعواهم للنبوة ؟. هذا
ما سوف نعمل جاهدين للإجابة عليه من خلال هذا الفصل .
في القران آيات صنفها الفقهاء تحت باب (آيات معاتبة الله للنبي) جميعها تنفي العصمة
عن محمد .
كقوله تعالى: ما كان لنبي أن يكون له اسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا
والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب
عظيم. الانفال 67-68
وقوله: عفى الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين. التوبة
43. حيث اذن لقوم في التخلف عن الخروج معه إلى الجهاد.
وقوله: عبس وتولى أن جاءه الاعمى وما يدرك لعله يزكى او يذكر فتنفعه الذكرى . عبس
1-4 .
وقوله: ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون آل عمران60.
وقوله: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن
للخائنين خصيما وإستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون
أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما.النساء 105-10.
وقوله: ولو لا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك.النساء 112. ومن أراد
التفاصيل فعليه بطلبها في التفاسير.
المهم أختلف المسلمين في مقدار عصمة الله لنبيهم على أقوال . فمنهم من قال: أن الله
قد عصم نبيه المصطفى عصمة كاملة شاملة مانعة قبل وبعد بعثته.
وذلك لان السلوك الشخصي - ولو قبل النبوة - يؤثر على مستقبل الدعوة للنبي، فلا بد
الا وان يكون إذاً من ذوي السيرة العطرة، والصفاء النفسي، حتى لا يكون ثمة مطعن في
رسالته ودعوته. راجع النبوة والأنبياء 57.
ومن أدلة عصمة النبي قبل بعثته صلوات الله عليه وسلم قوله تعالى" ليغفر لك الله ما
تقدم من ذنبك وما تأخر". الفتح 2.
ومنهم من قال: أن الله قد عصم نبيه بعد بعثته وليس قبلها.
فقد ذهبوا إلى ان عصمة الأنبياء إنما تكون بعد النبوة ، وتكون من
الصغائر والكبائر معا، لان البشر ليسوا مأمورين بأتباعهم قبل النبوة، فالأتباع
والإقتداء إنما يكون بعد نزول الوحي عليهم.
وبعد تعريفهم بحمل الرسالة والأمانة، واما قبلها فإنما هم كسائر البشر، ومع ذلك فان
سيرتهم تأبى عليهم الوقوع في المعاصي والآثام، أو الانجراف في طريق الفاحشة
والرذيلة فانهم ولو كانوا قبل النبوة غير معصومين، لكنهم محظوظون بالعناية والفطرة.
ومنهم من قال أن النبي معصوم في تبليغ الرسالة ولا يرون العصمة في غير ذلك. أي في
حالة استلامه وتسليمه للوحي.
يقول محمود أبو ريه في كتابه( أضواء على السنة المحمدية)، صفحه 45 : ( وما ذكره
العلماء في ذلك إنما هو لأن الرسل غير معصومين في غير التبليغ .
قال السفاريني في شرح عقيدته: قال ابن حمدان في نهاية المبتدئين: وإنهم معصومون
فيما يؤدونه عن الله ، وليسوا بمعصومين في غير ذلك من الخطأ والنسيان والصغائر.
وقال ابن عقيل في الإرشاد: إنهم عليهم السلام لم يعتصموا في الأفعال، بل في نفس
الأداء ولا يجوز عليهم الكذب في الأقوال فيما يؤدونه عن الله.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الأنبياء صلوات الله عليهم معصومون فيما يخبرون به عن
الله سبحانه وتعالى في تبليغ رسالاته باتفاق الأمة، ولهذا وجب الإيمان بكل ما أوتوه
كما قال تعالى ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم ..الآية) ،
وقوله (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه
ورسله ..الآية). مجموع الفتاوى 10/298.
قَالَ الْمَازِرِيّ :(لأَنَّ الدَّلِيل قَدْ قَامَ عَلَى صِدْق النَّبِيّ فِيمَا
يُبَلِّغهُ عَنْ اللَّه تَعَالَى وَعَلَى عِصْمَته فِي التَّبْلِيغ ,
وَالْمُعْجِزَات شَاهِدَات بِتَصْدِيقِهِ فَتَجْوِيز مَا قَامَ الدَّلِيل عَلَى
خِلافه بَاطِل . وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّق بِبَعْضِ الأُمُور الدُّنْيَا الَّتِي لَمْ
يُبْعَث لأَجْلِهَا وَلا كَانَتْ الرِّسَالَة مِنْ أَجْلهَا فَهُوَ فِي ذَلِكَ
عُرْضَة لِمَا يَعْتَرِض الْبَشَر كَالأَمْرَاضِ) الفتح حديث5321.
نقول: علماء المسلمين وإن اختلفوا في مقدار حدود عصمة الله لنبيهم إلا أنهم قد
نسبوها له بشكل أو بآخر.
سؤال: كيف لنا أن نوفق ما بين قول القائلين بعصمة النبي قبل وبعد بعثته وبين قوله
تعالى مخاطباً له : ووجدك ضالاً.
نحن نعلم ان الضلال عكس الهداية. وهو حالة تسبق الهداية فكيف عصمه الله قبل بعثته
وهو يؤكد ضلاله بقوله وجدك ضالاً؟!.
كيف لنا أن نوفق ما بين قول القائلين بعصمة محمد بعد بعثته وليس قبلها وبين قوله
تعالى: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) فتح 2الذنب الذي تقدم،هو الذنب
الذي سبق البعثة اي تقدم عليها. (اي كان قبلها سبقها) والذنب الذي تأخر هو الذي جاء
بعدها . راجع: أنفال 67-68 توبة 43و113 أحزاب 37 تحريم 1 عبس 1-10 يونس 94و105-106
الفرقان 52 الشعراء 213 القصص 86-87 الروم 60 الأحزاب 1و48.
كيف نستطيع أن نوفق ما بين قول القائلين بعصمة محمد في أثناء استلامه وتسليمه
للقرآن العظيم فقط . وبين قوله تعالى: " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا
إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته
والله عليم حكيم".
لقد سبق لي وأن قلت في بداية صفحاتي هذا أن النبي العربي صلوات الله عليه وسلم، لم
يتعرف طيلة حياته على شكل العصمة. لا من قريب ولا من بعيد . لا قبل ولا بعد بعثته .
فرب الكعبة لم يشاء أن يعصم نبي الكعبة لا قبل ولا بعد بعثته. دعونا نأخذ بعض
الامثلة التي تبين وتؤكد حقيقة دعوانا بشكل لا يقبل أدنى شك