الجزء الثاني: الختان والجدل الديني

«إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون» (يونس 43:10).

«إتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله» (التوبة 30.9).

«أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون؟» (البقرة 44.2).

يعتقد اليهود والمسيحيّون والمسلمون أن الله قد أنزل للبشريّة قواعد تنظّم علاقة الإنسان بأخيه وبالله، وأن هذه القواعد جاءت ضمن رسالات أؤتمنّ عليها الأنبياء والمرسلون وتم توثيقها في «الكتب المقدّسة» أو «الكتب السماويّة». وحسب إعتقادهم، تختلف هذه الكتب عن الكتب الأخرى التي يكتبها أبو العلاء المعري أو الجاحظ أو شكسبير أو دانتي، كما أن القواعد التي جاءت فيها تختلف عن القواعد التي يسنّها المشرّع السويسري أو الفرنسي أو الأمريكي بناء على قرار برلماني، أو يفرضها ستالين أو ماوتسيتونج أو هتلر بإرادته الخاصّة. فالقواعد السماويّة، في رأي أتباعها، هي من صنع الله وليس من صنع البشر، وهي قواعد نهائيّة لا تقبل التبديل، وإن أمكن تفسيرها في بعض الأحيان.

ويقسّم رجال الدين عامّة التصرّفات البشريّة إلى خمسة أقسام رئيسيّة: واجب، ومستحب (أو مندوب) ومباح ومكروه ومحرّم:

- التصرّف الواجب: هو الفعل الذي فرضه الشارع على العباد ولم يرخص لهم في تركه. كالصيام ووفاء الدين.

- التصرّف المستحب: وهو الفعل الذي يرجّح فيه عمل شيء بدل تركه كالتصدّق على الفقراء.

- التصرّف المباح: وهو الفعل الذي يساوى فيه العمل أو الترك كالأكل والشرب.

- التصرّف المكروه: وهو الفعل الذي يرجّح فيه ترك شيء بدل عمله رغم الترخيص به مثل الطلاق.

- التصرّف المحرّم: وهو ما يلزم الشارع تركه ولم يرخص به كالسرقة والزنى [1] .

وفيما يخص موضوعنا، فإن الهم الرئيسي لليهود والمسيحيّين والمسلمين هو معرفة موقع الختان من هذه الأقسام الخمسة. ولتحديد ذلك، يعتمدون أوّلاً على ما يسمّونه بـ«الكتب المقدّسة» الخاصّة بهم ثم على كتب ثانويّة أخرى تراكمت عبر العصور تضمّنت آراء رجال الدين الذين لعبوا دوراً مهما في تفسير وتطبيق القواعد الدينيّة التي جاءت في الكتب المقدّسة، خاصّة فيما يتعلّق بأساليب إجراء عمليّة الختان.

سوف نستعرض في القسم الأوّل من هذا الجزء الجدل الديني عند اليهود، ويلحقه الجدل الديني عند المسيحيّين ثم عند المسلمين. وهذا الترتيب نابع من كون هذه الطوائف الثلاث قد تلاحقت وأن كل طائفة تفاعلت مع سابقتها كما سنرى. وحتّى نفرّق بين ما جاء في الكتب المقدّسة وبين آراء رجال الدين، خصّصنا الفصل الأوّل من كل قسم للتعريف بـ«الكتب المقدّسة» المعتمدة عند كل طائفة ونقل ما جاء بها حرفيّاً عن الختان حتّى يتمكّن القارئ من الرجوع إليها بدلاً من البحث عنها في صفحات الكتب المقدّسة، وهكذا يمكنه أن يحكم بذاته على محتوى تلك الكتب، خاصّة أن الكتب المقدّسة اليهوديّة والمسيحيّة ليست دائماً متوفّرة للقارئ المسلم.

هذا وتفادياً للتكرار، نشير هنا إلى أن الكتب المقدّسة للطوائف الثلاث لم تذكر بتاتاً ختان الإناث، فكل ما جاء فيها يخص ختان الذكور.

القسم الأوّل: الختان في الفكر الديني اليهودي

جعلنا هذا القسم في خمس فصول. الفصل الأوّل يستعرض نصوص «الكتب المقدّسة» عند اليهود عن الختان. والفصل الثاني يتكلّم عن موقف الأكثريّة الساحقة من اليهود قديماً وحديثاً بخصوص ختان الذكور. والفصل الثالث يستعرض فكر التيّار الناقد لختان الذكور. والفصل الرابع يشرح كيفيّة إجراء عمليّة الختان التقليديّة عند اليهود وكذلك طقس الختان الرمزي كما يقترحه معارضوه. وسوف نكرّس الفصل الخامس لختان الإناث عند اليهود.

الفصل الأوّل: الختان في نصوص الكتب المقدّسة اليهوديّة

1) التعريف بالكتب المقدّسة اليهوديّة

هناك «كتب مقدّسة» يهوديّة يعترف بها كل من اليهود والمسيحيّين دون الإتّفاق على تحديدها. وفي تعدادها الأوسع حسب الكنيسة الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة تضم هذه الكتب المقدّسة 46 سفراً تنقسم إلى النواة الأولى المسماة التوراة أو أسفار موسى الخمسة (التكوين، والخروج، والأحبار، والعدد، وتثنية الإشتراع)، يتبعها ستّة عشر سفراً تاريخياً، وسبعة أسفار شعر وحِكمة، وثمانية عشر سفراً نبوياً. ونعيد القارئ إلى قائمة هذه الكتب في التنبيه الذي وضعناه في أوّل الكتاب.

وقد كُتبت هذه الكتب المقدّسة جميعها قَبل المسيح ولكن لم يتّفق المؤرّخون في تحديد تاريخ كل منها. فمثلاً الكتب الخمسة الأولى التي تكوّن التوراة كانت تُنسب إلى موسى الذي يُظن أنه عاش في القرن الثالث عشر قَبل المسيح. ولكن يرى المؤرّخون أن هذه الكتب قد تم تجميعها وتدوينها في القرن التاسع قَبل المسيح، وهي تحكي أحداثاً لا يُعرف ما إذا كانت أسطوريّة أم تاريخيّة. وتضم قوانين أقتبست من الحضارات المختلفة التي عاشرها اليهود. وهناك أيضاً جدل حول مدى صحّة وتاريخ «الكتب المقدّسة» الأخرى. ولكن اليهود المتديّنون يرون أن هذه «الكتب المقدّسة» جميعها موحاة من الله مفروضة على الشعب اليهودي. وسوف نعود لاحقاً إلى نتائج مخالفة هذه الكتب، وخاصّة ترك فريضة الختان التي جاءت فيها.

وبالإضافة إلى الكتب المقدّسة اليهوديّة، يعير اليهود مكانة خاصّة للمشنا والتلمود الذين نعرّف بهما باختصار.

«المشنا» كلمة تعني ما يحفظ عن ظهر قلب. وتُطلق على مجموعة قوانين اليهود السياسيّة والحقوقيّة والمدنيّة والدينيّة مأخوذة من تقاليد يهوديّة قديمة تعتمد إعتماداً كبيراً على نصوص الكتب المقدّسة اليهوديّة. وقد بدأ بجمعها شمعون بن جملائيل أحد فقهاء اليهود في طبريّا سنة 166 بعد المسيح وأتمّها يهوذا هاناسي وتلامذته حوالي سنة 216.

و «التلمود» كلمة تعني التعليم. وهو إمتداد وتفسير للمشنا من تأليف حُكماء اليهود وفقهائهم، وهو يطلق على مجموعتين:

- التلمود الأورشليمي: نسبة إلى أورشليم، ويسمّى أيضاً في أيّامنا «تلمود أرض إسرائيل»، وقد تم إنجازه في طبريّا. وكان الفراغ من تهذيبه في أواخر القرن الرابع الميلادي.

- التلمود البابلي: وقد تم إنجازه في بغداد نحو أواخر القرن الخامس الميلادي. وهو نحو أربعة أضعاف التلمود الأورشليمي.

ولا ندري ما إذا كان هناك ترجمة عربيّة للمشنا والتلمودين. لذلك إعتمدنا في كتابنا هذا على ترجمات قام بها علماء يهود.

ويعتبر اليهود المشنا «نصف التوراة التي أنزلت على موسى في سيناء» [2] . وقد أضفت المشنا أهمّية للتلمود لأنه تعليق عليها. فقد أحاط اليهود هذين الكتابين بقدسيّة تكاد تضاهي قداسة الكتب المقدّسة ذاتها. وإذا ما أردنا عمل مقارنة بين اليهود والمسلمين، يمكن القول إن الكتب المقدّسة اليهوديّة هي بمنزلة القرآن الذي يعتبر المصدر الأوّل للتشريع عند المسلمين، والمشنا والتلمود هما بمنزلة كتب السُنّة الصحيحة التي تعتبر المصدر الثاني للتشريع عند المسلمين. ولكن فرقة يهوديّة أسّست في القرن الثامن في بغداد تدعى «القرّائين» ترفضهما تماماً وتكتفي بالكتب المقدّسة دون تفسير. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المشنا والتلمود قد تعرّضاً لموضوع الختان خاصّة في الفصل المتعلّق بالقواعد التي تحكم السبت وذلك لمعرفة ما إذا كان ممكناً القيام بالختان في ذاك اليوم أم لا.

سوف نترك موقف المشنا والتلمود من الختان إلى الفصول القادمة ضمن تحاليلنا. ونكتفي هنا بنقل نصوص الكتب المقدّسة اليهوديّة ذاتها التي تتكلّم عن الختان.

2) نصوص الكتب المقدّسة اليهوديّة عن الختان

التكوين: الفصل 17

(1) ولمّا كان أبرام إبن تسع وتسعين سنة، تراءى له الرب وقال له: أنا الله القدير، فسِر أمامي وكن كاملاً. (2) سأجعل عهدي بيني وبينك وسأكثرك جدّاً جدّاً. (3) فسقط أبرام على وجهه. وخاطبه الله قائلاً: (4) ها أنا أجعل عهدي معك فتصير أبا عدد كبير من الأمم (5) ولا يكون إسمك أبرام بعد اليوم، بل يكون إسمك إبراهيم، لأني جعلتك أبا عدد كبير من الأمم. (6) وسأنميك جدّاً جدّاً وأجعلك أمماً، وملوك منك يخرجون. (7) وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك مدى أجيالهم، عهداً أبديّاً، لأكون لك إلهاً ولنسلك من بعدك. (8) وأعطيك الأرض التي أنت نازل فيها، لك ولنسلك من بعدك، كل أرض كنعان، ملكاً مؤبّداً، وأكون لهم إلهاً. (9) وقال الله لإبراهيم: وأنت فاحفظ عهدي، أنت ونسلك من بعدك مدى أجيالهم. (10) هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك: يختتن كل ذكر منكم. (11) فتختنون في لحم غلفتكم، ويكون ذلك علامة عهد بيني وبينكم. (12) وابن ثمانية أيّام يختن كل ذكر منكم من جيل إلى جيل، سواء أكان مولوداً في البيت أم مشترى بالفضّة من كل غريب ليس من نسلك. (13) يختن المولود في بيتك والمشترى بفضّتك، فيكون عهدي في أجسادكم عهداً أبديّاً. (14) وأي أغلف من الذكور لم يختن في لحم غلفته، تفصل تلك النفس من ذويها، لأنه قد نقض عهدي. (15) وقال الله لإبراهيم: ساراي إمرأتك لا تسمها ساراي، بل سمها سارة. (16) وأنا أباركها وأرزقك منها إبناً وأباركها فتصير أمماً، وملوك شعوب منها يخرجون [...] (22) فلمّا فرغ من مخاطبته إرتفع الله عن إبراهيم. (23) فأخذ إبراهيم إسماعيل إبنه وجميع مواليد بيته وجميع المشترين بفضّته، كل ذكر من أهل بيته، فختن لحم غلفتهم في ذلك اليوم عينه، بحسب ما أمره الله به. (24) وكان إبراهيم إبن تسع وتسعين سنة عندما ختن لحم غلفته. (25) وكان إسماعيل إبنه إبن ثلاث عشرة سنة حين ختن لحم غلفته. (26) في ذلك اليوم عينه خُتن إبراهيم وإسماعيل إبنه (27) وجميع رجال بيته، سواء أكانوا مواليد بيته أم مشترين بالفضّة من الغريب، خُتنوا معه.

التكوين: الفصل 21

(1) وافتقد الرب سارة كما قال، وصنع الرب إلى سارة كما قال. (2) فحملت سارة وولدت لإبراهيم إبناً في شيخوخته في الوقت الذي وعد الله به. (3) فسمّى إبراهيم إبنه المولود له، الذي ولدته له سارة، إسحاق. (3) وختن إبراهيم إسحاق إبنه، وهو إبن ثمانية أيّام، بحسب ما أمره الله به. (4) وكان إبراهيم إبن مائة سنة حين ولد له إسحاق إبنه.

التكوين: الفصل 34

(1) وخرجت دينة بنت ليئة التي ولدتها ليعقوب، لترى بنات البلد. (2) فرآها شكيم بن حمور الحموي، رئيس البلد، فأخذها وضاجعها واغتصبها [...] (5) وسمع يعقوب أن شكيم قد دنّس دينة إبنته، وكان بنوه مع ماشيته في البرّية، فسكت حتّى رجعوا [...] (8) فتكلّم حمور معهم قائلاً: إن شكيم إبني قد تعلّقت نفسه بابنتكم، فأعطوه إيّاها زوجة (9) وصاهرونا: أعطونا بناتكم واتّخذوا بناتنا [...] (13) فأجاب بنو يعقوب شكيم وحمور أباه وكلّموهما بمكر لأن شكيم دنّس دينة أختهم، (14) وقالوا لهما: لا نستطيع أن نصنع هذا: أن نعطي أختنا لرجل أغلف، لأنه عار عندنا. (15) ولا نوافقكم على ذلك إلاّ إذا صرتم مثلنا بأن يختتن كل ذكر منكم، (16) فنعطيكم بناتنا ونتخذ بناتكم ونقيم عندكم ونصير شعباً واحداً. (17) وإن لم تسمعوا لنا ولم تختتنوا، نأخذ إبنتنا ونمضي. (18) فحسن كلامهم في عيني حمور وشكيم إبنه (19) ولم يلبث الفتى أن صنع ذلك، لأنه كان مشغوفاً بابنة يعقوب، وكان هو أوجه أهل بيت أبيه كلّهم. (20) فلمّا دخل حمور وشكيم إبنه باب مدينتهما، خاطبا أهلها [...] (24) فسمع لحمور وشكيم إبنه كل من خرج من باب مدينته واختتن كل ذكر منهم، كل الخارجين من باب مدينته. (25) وكان في اليوم الثالث وهم متألّمون أن إبني يعقوب، شمعون ولاوي، أخوي دينة، أخذا كل واحد سيفه ودخلا المدينة آمنين، فقتلا كل ذكر، (26) وحمور وشكيم إبنه قتلاهما بحد السيف، وأخذا دينة من بيت شكيم وخرجا. (27) ثم دخل بنو يعقوب على القتلى وسلبوا ما في المدينة بسبب تدنيس أختهم [...] (29) وسبوا كل ثروتهم وجميع أطفالهم ونسائهم، وسلبوا كل ما في البيت.

الخروج: الفصل 4

(19) وقال الرب لموسى بمدين: إذهب فارجع إلى مصر، فإنه قد مات جميع الناس الذين يطلبون نفسك. (20) فأخذ موسى إمرأته وبنيه واركبهما على الحمار ورجع إلى أرض مصر، وأخذ عصا الله بيده. (21) وقال الرب لموسى [...] (22) تقول لفرعون: كذا قال الرب: إسرائيل هو إبني البكر. (23) قلت لك: أطلق إبني ليعبدني، وإن أبيت أن تطلقه فهاءنذا قاتل إبنك البكر. (24) ولمّا كان في الطريق في المبيت لقيه الرب فطلب قتله. (25) فأخذت صفّورة [زوجة موسى] صوّانة وقطعت غلفة إبنها ومسّت بها رجلي موسى وقالت: إنك لي عروس دم. (26) فانصرف عنه. كانت قد قالت: عروس دم، من أجل الختان.

الخروج: فصل 12

(42) وقال الرب لموسى وهارون: هذه فريضة الفصح. كل أجنبي لا يأكل منه، (44) وكل عبد مشترى بفضّة تختنه، ثم يأكل منه. (45) والضيف والأجير لا يأكلان منه [...] (48) وإذا نزل بكم نزيل وأراد أن يقيم فصحاً للرب، فليختتن كل ذكر له، ثم يتقدّم فيقيمه ويصير كابن البلد، وكل أغلف لا يأكل منه.

الأحبار: الفصل 12

(1) وخاطب الرب موسى قائلاً: (2) كلّم بني إسرائيل وقل لهم: أيّة إمرأة حبلت فولدت ذكراً تكون نجسة سبعة أيّام، كأيّام طمثها تكون أيّام نجاستها. (3) وفي اليوم الثامن تختن غلفة المولود. (4) وثلاثة وثلاثين يوماً تظل في تطهير دمها. لا تلامس شيئاً من الأقداس ولا تدخل المقدس، حتّى تتم أيّام تطهيرها. (5) فإن ولدت أنثى، تكون نجسة أسبوعين كما في طمثها، وستّة وستّين يوماً تظل في تطهير دمها. (6) وعند إكمال أيّام طهرها، لذكر كان أو لأنثى، تأتي بحمل حولي محرقة، وبفرخ حمام أو بيمامة ذبيحة خطيئة، إلى باب خيمة الموعد، إلى الكاهن. (7) فيقرّبهما أمام الرب ويكفّر عن المرأة، فتطهر من سيلان دمها. هذه شريعة الولادة ذكراً وأنثى. (8) فإن لم يكن في يدها ثمن حمل، فلتأخذ زوجي يمام أو فرخي حمام: أحدهما محرقة والآخر ذبيحة خطيئة، فليكفّر عنها الكاهن فتطهر.

الأحبار: الفصل 19

(23) وإذا دخلتم الأرض وغرستم كل شجر يؤكل، فاصنعوا بثمره صنيعكم بغلفته: ثلاث سنين يكون لكم أغلف لا يؤكل منه. (24) وفي السنة الرابعة يكون ثمره قدس إبتهاج للرب. (25) وفي السنة الخامسة تأكلون ثمره لتزداد لكم غلته.

الأحبار: الفصل 26

(38) وتهلكون بين الأمم وتأكلكم أرض أعدائكم. (39) والباقون منكم يتعفّنون بإثمهم في أراضي أعدائكم، وبآثام آبائهم معهم أيضاً يتعفّنون، (40) حتّى يعترفوا بإثمهم وبإثم آبائهم في خيانتهم لي وأيضاً في معاداتهم في سيرهم معي. (41) لذلك أنا أيضاً أعاديهم في سيري معهم وأدخلهم أرض أعدائهم، وتتذلل قلوبهم الغلف ويفون عندئذ عن إثمهم.

تثنية: الفصل 10

(12) والآن يا إسرائيل، ما الذي يطلبه منك الرب إلهك إلاّ أن تتقي الرب إلهك سائراً في جميع طرقه ومحباً إيّاه، وعابداً الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك [...] (16) فاختنوا غلف قلوبكم، ولا تقسّوا رقابكم بعد اليوم.

تثنية: الفصل 30

(5) ويأتي بك الرب إلهك إلى الأرض التي ورثها آباؤك فترثها، ويحسن إليك وينميك أكثر من آبائك. (6) ويختن الرب إلهك قلبك وقلب نسلك. لتحب الرب إلهك بكل قلبك وبكل نفسك، لكي تحيا.

يشوع: الفصل 5

(2) في ذلك الزمان، قال الرب ليشوع: إصنع لك سكاكين من صوّان وعد إلى ختن بني إسرائيل مرّة أخرى. (3) فصنع يشوع سكاكين من صوّان وختن بني إسرائيل على تل الغلف. (4) وهذا سبب ختن يشوع لهم: كان كل الشعب الذين خرج من مصر، كل ذكر منه، رجل حرب، قد مات في البرّية على الطريق، بعد خروجه من مصر. (5) وكان كل الشعب الذي خرج من مصر قد إختتن. وأمّا كل الشعب الذي ولد في البرّية في الطريق، بعد خروجه من مصر، فلم يختتن، (6) لأن بني إسرائيل ساروا أربعين سنة في البرّية، إلى أن انقرضت الأمّة كلّها، رجال الحرب الخارجين من مصر، الذين لم يطيعوا أمر الرب، الذي قسم الرب أن لا يريهم الأرض التي أقسم لآبائهم أن يعطينا إيّاها، أرضاً تدر لبناً حليباً وعسلاً. (7) وبنوهم الذين أقامهم مكانهم هم الذين ختنهم يشوع، لأنهم كانوا غلفاً، إذ لم يختتنوا في الطريق. (8) ولمّا إنتهت الأمّة كلّها من الإختتان، أقاموا مكانهم في المخيّم إلى أن برئوا. (9) فقال الرب ليشوع: «اليوم رفعت عار المصريّين عنكم» فدعي ذلك المكان الجلجال إلى هذا اليوم.

القضاة: الفصل 14

(1) ونزل شمشون إلى تمنة، فرأى في تمنة إمرأة من بنات فلسطين. (2) فصعد وأخبر أباه وأمّه وقال: رأيت في تمنة إمرأة من بنات الفلسطينيين، فاتّخذاها الآن لي زوجة. (3) فقال له أبوه وأمّه: أليس في بنات إخوتك وفي شعبي كلّه إمرأة، حتّى تذهب وتأخذ إمرأة من الفلسطينيين الغلف؟ فقال شمشون لأبيه: بل إيّاها تأخذ لي، لأنها حسنت في عيني.

1 صموئيل: الفصل 14

(6) فقال يوناتان للخادم الحامل سلاحه: هل تعبر إلى مفرزة أولئك الغلف، لعّل الرب يعمل لأجلنا، لأنه لا يعسر على الرب أن يخلّص بالعدد الكثير أو القليل.

1 صموئيل: الفصل 18

(6) وكان، عند وصولهم حين رجع داود من قتل الفلسطينيين، أن خرجت النساء من جميع مدن إسرائيل، وهن يغنين ويرقصن بدفوف وهتافات إبتهاج ومثلّثات في إستقبال شاول الملك. (7) فأنشدت النساء الراقصات وقلن: قتل شاول ألوفه وداود ربواته. (6) فغضب شاول [...] (20) وأحبّت ميكال، إبنة شاول، داود، فأُخبر شاول، فحسن الأمر في عينيه. (21) وقال شاول في نفسه: أعطيه إيّاها، فتكون له فخاً، وتكون يد الفلسطينيين عليه [...] (25) فقال شاول [لحاشيته]: هذا ما تقولونه لداود: ليست رغبة الملك في المهر، ولكنّه يريد مائة غلفة من الفلسطينيين إنتقاماً من أعداء الملك. وكان شاول قد أضمر أن يوقع داود في يد الفلسطينيين. (26) فأخبرت حاشية شاول داود بهذا الكلام، فحسن الأمر في عيني داود أن يصاهر الملك. (27) فلم تتم الأيّام حتّى قام داود وذهب هو ورجاله وقتل من الفلسطينيين مائتي رجل وجاء بغلفهم، فسلمت بتمامها إلى الملك ليصاهره. فزوجه شاول ميكال إبنته. (28) ورأى شاول وعلم أن الرب مع داود.

1 ملوك: الفصل 19

(9) ودخل إيليّا المغارة هناك وبات فيها. فإذا بكلام الرب إليه يقول: ما بالك ههنا يا إيليّا؟ (10) فقال: إني غرت غيرة للرب، إله القوات، لأن بني إسرائيل قد تركوا عهدك وحطّموا مذابحك وقتلوا أنبياءك بالسيف، وبقيت أنا وحدي، وقد طلبوا نفسي ليأخذوها.

يهوديت: الفصل 14

(10) ورأى أحيور كل ما فعل إله إسرائيل فآمن بالله إيماناً راسخاً وختن لحم غلفته فضم إلى بيت إسرائيل إلى اليوم.

أشعيا: الفصل 52

(1) إستيقظي إستيقظي، إلبسي عزّك يا صهيون، إلبسي ثياب فخرك يا أورشليم يا مدينة القدس، فإنه لا يعود يدخلك أغلف ولا نجس.

أشعيا: الفصل 56

(1) هكذا قال الرب: حافظوا على الحق وأجروا البر فقد إقترب خلاصي أن يجيء وبِرِّي أن يتجلى. (2) طوبى للإنسان العامل بذلك ولابن آدم المتمسّك به الذي يحافظ على السبت فلا ينتهكه ويحفظ يده من فعل كل شر. (3) لا يقل إبن الغريب الذي إنضم إلى الرب: «إن الرب يفصلني عن شعبه». ولا يقل الخصي: «ها أنا شجرة يابسة». (4) فإنه هكذا قال الرب للخصيان: الذين يحافظون على سبوتي ويؤثرون ما رضيت به ويتمسّكون بعهدي (5) أعطيهم في بيتي وداخل أسواري نصباً واسماً خيراً من البنين والبنات وأعطي كل واحد منهم إسماً أبديّاً لا ينقرض. (6) وبنو الغريب المنضمّون إلى الرب ليخدموه ويحبّوا إسم الرب ويكونوا له عبيداً كل من حافظ على السبت ولم ينتهكه وتمسّك بعهدي (7) آتي بهم إلى جبل قدسي وأُفرِّحهم في بيت صلاتي وتكون محرقاتهم وذبائحهم مرضيّة على مذبحي لأن بيتي بيت صلاة يدعى لجميع الشعوب.

أشعيا: الفصل 59

(21) وأنا فهذا عهدي معهم، قال الرب: روحي الذي عليك وكلامي الذي جعلته في فمك لا يزول من فمك، ولا من فم نسلك، ولا من فم نسل نسلك، قال الرب، من الآن وللأبد.

أرميا: الفصل 4

(1) إن رجعت، يا إسرائيل، يقول الرب، إن رجعت إلي ونزعت أقذارك من أمام وجهي ولم تشرد. (2) وكان حٌلفُك - حي الرب - بالحق والحُكم والبر، تباركت الأمم به وبه إفتخرت (3) لأنه هكذا يقول الرب لرجال يهوذا ولأورشليم: أحرثوا لكم بوراً ولا تزرعوا بين الشوك. (4) إختتنوا للرب وأزيلوا غلف قلوبكم يا رجال يهوذا وسكّان أورشليم لئلاّ يخرج غضبي كالنار فيحرق وليس من مطفئ بسبب شر أعمالكم.

أرميا: الفصل 6

(10) من ذا أكلّم ومن أشهد عليه فيسمعوا. ها إن آذانهم غلف فلا يستطيعون الإصغاء. ها إن كلمة الرب صارت لهم عاراً لا يهوونها.

أرميا: الفصل 9

(24) ها إنها تأتي أيّام، يقول الرب، أعاقب فيها كل المختونين في أجسادهم. (52) مصر ويهوذا وادوم وبني عمون وموآب، وكل مقصوصي السوالف الساكنين في البرّية، لأن كل الأمم غلف، وكل بيت إسرائيل غلف القلوب.

حزقيال: الفصل 28

(1) وكانت إلي كلمة الرب قائلاً: (2) يا إبن الإنسان، قل لرئيس صور هكذا قال السيّد الرب [...] (10) إنك تموت موت الغلف بيد الغرباء.

حزقيال: الفصل 31

(1) وفي السنة الحادية عشرة، في الشهر الثالث، في الأوّل من الشهر، كانت إلي كلمة الرب قائلاً: (2) يا إبن الإنسان، قل لفرعون، ملك مصر، ولجمهوره: من شابهت في عظمتك؟ [...] (18) من شابهت هذه المشابهة في المجد والعظمة بين أشجار عدن؟ فها إنك قد أُهبطت مع أشجار عدن إلى الأرض السفلى، فتضجع بين الغلف مع قتلى السيف.

حزقيال: الفصل 32

(18) يا إبن الإنسان، ولول على جمهور مصر وأهبطه، هو وبنات الأمم الجليلة، إلى الأرض السفلى مع الهابطين في الجب. (19) من الذي فقته ظرفاً؟ أهبط وأضجع مع الغلف. (20) إنهم سقطوا بين القتلى بالسيف. أُسلمت إلى السيف فانزعوها هي وكل جمهورها. (21) يُكلّمه من وسط مثوى الأموات أقوياء الجبابرة الذين قد هبطوا مع أنصاره وأضجعوا وهم غلف قتلى بالسيف.

حزقيال: الفصل 44

(6) وقل للمتمرّدين، لبيت إسرائيل: هكذا قال السيّد الرب: كفاكم جميع قبائحكم، يا بيت إسرائيل (7)، وإدخالكم بني الغرباء الغلف القلوب، الغلف الأجساد، ليكونوا في مقدسي ويدنّسوا بيتي، وتقريبكم طعامي، الشحم والدم، ونقضكم عهدي بجميع قبائحكم، (8) ولم تقوموا بخدمة أقداسي، بل أقمتم من يقومون بالخدمة عنكم في مقدسي. (9) هكذا قال السيّد الرب: لا يدخل مقدسي إبن غريب أغلف القلب أغلف الجسد من جميع بني الغرباء الذين بين بني إسرائيل.

حبقوق: الفصل 2

(15) ويل لمن يسقي قريبه مازجاً مسكرك حتّى يسكره لينظر إلى عورته. (16) قد شبعت هواناً بدل المجد فاشرب أنت أيضاً واكشف عن غلفتك فإن كأس يمين الرب تنقلب عليك وينقلب العار على مجدك.

1 المكابيين: الفصل 1

(11) وفي تلك الأيّام خرج من إسرائيل أبناء لا خير فيهم فأغروا كثيرين بقولهم: هلموا نعقد عهداً مع الأمم التي حولنا، فإنّنا منذ انفصلنا عنهم لحقتنا شرور كثيرة. (12) فحسن الكلام في عيونهم (13) وبادر بعض من الشعب وذهبوا إلى الملك، فأذن لهم أن يعملوا بأحكام الأمم. (14) فبنوا مؤسّسة رياضيّة بدنيّة في أورشليم على حسب سُنَن الأمم (15) وعملوا لأنفسهم غلفاً وارتدوا عن العهد المقدّس واقترنوا بالأمم، وباعوا أنفسهم لعمل الشر [...] (41) وكتب الملك أنطيوخس إلى مملكته كلّها بأن يكونوا جميعاً شعباً واحداً (42) ويتركوا كل واحد سُنَنه، فأذعنت الأمم بأسرها لكلام الملك. (43) وكثيرون من إسرائيل رحّبوا بعبادته فذبحوا للأصنام واستباحوا حرمة السبت. (44) وانفذ الملك كتباً عن أيدي رسل إلى أورشليم ومدن يهوذا أن يتّبعوا سُنَناً غريبة عن أرضهم [...] (48) ويتركوا بينهم غلفاً وينجّسوا أنفسهم بكل نجاسة وقبيحة (49) كي ينسوا الشريعة ويغيّروا جميع الأحكام. (50) ومن لا يعمل بمقتضى كلام الملك يُقتل. (53) وكتب بمثل هذا الكلام كلّه إلى مملكته بأسرها وأقام مراقبين على كل الشعب [...] (60) وكانوا، بمقتضى الأمر الصادر، يقتلون النساء اللواتي ختن أولادهن، (61) ويعلّقون أطفالهن في أعناقهن، ويقتلون أيضاً أقاربهن والذين ختنوهم. (62) غير أن كثيرين في إسرائيل صمدوا وصمّموا في أنفسهم على أن لا يأكلوا نجساً، (63) وارتضوا بالموت لئلاّ يتنجّسوا بالأطعمة ولا يدنّسوا العهد المقدّس، فماتوا. (64) وحل على إسرائيل غضب شديد جدّاً.

1 المكابيين: الفصل 2

(1) في تلك الأيّام، قام متتيا بن يوحنّا بن سمعان، وهو كاهن من بني يوياريب، وخرج من أورشليم وأقام في مودين (2) وكان له خمسة بنين [...] (6) ولمّا رأى ما يُصنع من المنكرات في يهوذا وأورشليم (7) قال: ويل لي! أولدت لأرى تحطيم شعبي وتحطيم المدينة المقدّسة، وأبقى ههنا جالساً والمدينة تسلّم إلى أيدي الأعداء ويسلّم المقدس إلى أيدي الأجانب؟ [...] (42) حينئذ إجتمعت إليهم جماعة الحسيديين، وهم ذوو البأس في إسرائيل وكل من تطوّع في سبيل الشريعة [...] (45) ثم جال متتيا وأصحابه وهدموا المذابح (46) وختنوا بالقوّة كل من وجدوه في بلاد إسرائيل من الأولاد الغلف.

2 المكابيين: الفصل 6

(1) وبعد ذلك بقليل، أرسل الملك جيرون الأثيني ليكره اليهود على الإرتداد عن شريعة آبائهم ولا يتّبعوا شرائع الله [...] (9) وأن يُذبح من أبى أن يتّخذ السُنَن اليونانيّة، فكان في إمكانهم أن يتوقّعوا دنو الكارثة. (10) فإن إمرأتين أحضرتا لأنهما ختنتا ولديهما. فعلّقوا طفليهما على أثديهما وطافوا بهما في المدينة علانية، ثم القوهما عن السور.

هذه هي نصوص الكتب المقدّسة اليهوديّة التي تتكلّم عن الختان بوضوح. ولكن يجب أن نشير إلى أن كلمة «الختان» أستبدِلت بكلمة «العهد» في الفصل 17 من سفر التكوين وفي الفصل 56 من سفر أشعيا وفي الفصل الأوّل والثاني من سفر المكابيين الأوّل. ونحن نجد كلمة «العهد» 307 مرّات في الكتب المقدّسة اليهوديّة. وقد فسّرت هذه الكلمة في بعض الآيات دون أي برهان أكيد بأنها ترمز للختان كما هو الأمر في الفصل 59 من سفر أشعيا ولا داعي هنا لذكرها جميعها [3] .

الفصل الثاني: وجوب ختان الذكور عند اليهود

ينقسم هذا الفصل إلى فرعين. نستعرض في الفرع الأوّل مفهوم الختان عند اليهود. وفي الفرع الثاني، النتائج المترتّبة على عدم الختان.

الفرع الأوّل: مفهوم الختان عند اليهود

قبل أن نخوض في مفهوم الختان عند اليهود، نود أن نلقي نظرة تاريخيّة سريعة على تلك العادة في الشرق الأوسط وهو المحيط الجغرافي الذي عاش فيه اليهود لنرى مدى تأثير ذلك المحيط على الفكر اليهودي.

1) ختان الذكور في الشرق الأوسط قديماً

يرى السكّري أن الختان بدأ مع آدم:

«قال بعض المؤرّخين إن أوّل من فعله آدم عليه السلام عقب معصيته بأكله من الشجرة التي نهاه الله عن الأكل منها أوّل الأمر وبعد أن تاب الله عليه. ومنذ هذا الوقت تسلّلت سُنّة الختان من جيل إلى جيل ولعّل أولاده تركوا هذه السُنّة من بعده حتّى أمر الله تعالى بها إبراهيم عليه السلام بإحيائها لما فيها من النظافة والطهارة ولأنها من شعار الإسلام».

ويضيف السكّري:

«نحن لا نستبعد أن يكون الختان بدأ مع بداية آدم عليه السلام لا بوصفه أباً للبشريّة وإنّما بوصفه نبياً مرسلاً. ذلك أن الختان من الفطرة، وهي السُنّة القديمة التي إتّفقت عليها جميع الشرائع وهي سُنّة الأنبياء التي جُبلوا عليها» [4] .

والسكّري وغيره من المؤلّفين المسلمين [5] يعتمدون على رواية إنجيل برنابا الذي سننقلها كاملة في القسم الإسلامي.

ولكن هناك أيضاً روايات يهوديّة وإسلاميّة تقول بأن آدم ولد مختوناً كرامة من الله كغيره من الأنبياء كما سنرى لاحقاً. والكلام عن ختان آدم ينبع من إعتقاد ديني لا يمكن التحقّق منه تاريخياً لعدم وجود نص أو نقش من ذلك التاريخ نرجع إليه. وهذه الرواية تناقض التوراة وحديثاً منسوباً للنبي محمّد اللذين يعتبران أن أوّل من إختتن هو إبراهيم. وهذه الرواية الأخيرة تناقضها روايات إسلاميّة أخرى تقول بأن إبراهيم قد ولد مختوناً. وسوف نعود إلى هذه الروايات المتناقضة لاحقاً.

وإذا ما تركنا روايات اليهود والمسلمين جانباً، نرى أن هناك شواهد على أن الختان قد مُورس في مصر قَبل التاريخ المفترض لوجود إبراهيم. فهناك مسلّة من القرن الثالث والعشرين قَبل المسيح كتب عليها أحد موظّفي الملك أنه ختن ضمن 120 رجل. وفي القرن العشرين قَبل المسيح ذكر الملك سينوسيرت الأوّل أن الإله الشمس قد عينه سيّد البشر عندما كان طفلاً لم يفقد غلفته بعد. وتقريباً في القرن التاسع عشر يقول الحاكم خنوبهوتيم الثاني أن أباه كان قد عُيّن حاكماً قبل أن يختن. وهناك بعض النقوش والصور التي تبيّن إجراء عمليّة الختان منذ زمن قديم في مصر. ففي إحدى صور من قبر يرجع للسلالة السادسة (2350-2000 ق.م) نرى شابّاً يختن. وفي منظر في هيكل الكرنك يرجع إلى القرن الخامس عشر قَبل المسيح نرى صبيين ما بين السادسة والثامنة وهما يختنان. ففي نقش نرى شخصاً واقفاً وقد جلس على الأرض أمامه الجرّاح ممسكاً بيده اليمنى آلة مستطيلة في وضع عمودي على العضو وفي إتّجاه طوله. ونلاحظ أنه لا تبدوا على أسارير وجه المختتن ما ينم عن تألّمه. أمّا الجزء الأيسر فيظهر فيه الجرّاح ممسكاً بآلة أو بشيء آخر بيضوي الشكل (قد يكون صوّاناً) يلمس به العضو التناسلي الذي يسنده بيده اليسرى. وفي هذا الجزء تدل ملامح المريض على شعوره بالألم. ونلاحظ كذلك وجود مساعد الجرّاح خلف المريض وقد امسك بذراعيه على إرتفاع وجهه في عنف ونقرأ قول الطبيب: «امسكه كيلا يقع»، والإجابة: «سأفعل وفق إشارتك». وفي معبد الكرنك بالأقصر نقشاً لعمليّة ختان يظهر فيه الجرّاح وهو يضع الآلة القاطعة بيده اليمنى على عضو الذكورة في مستوى الكمرة، بعد ربط العضو برباط دائري على قاعدته، ويفتح فتحة الغلفة بأصابع يده اليسرى. ويبدو أنه يفعل هذا حتّى يتجنّب جرح العضو عند القطع. ولكن الآلة القاطعة في هذا النقش تختلف في شكلها عن النقش الأوّل، فهي هنا أشبه بمشرط أو سكّين مكشوط الحد. وقد حفظ لنا متحف الآثار المصريّة بالقاهرة عدداً من التماثيل الحجريّة والخشبيّة لرجال عراة مختونين يرجع زمنهم إلى عصر الدولة القديمة. فالختان كان يمارس في مصر، إمّا بقطع كامل للغلفة أو بشق الغلفة على شكل V لإظهار الحشفة. وقد أوضح الكشف عن الموميات أن الختان بشكليه كان يمارس ولكن ليس بصورة عامّة على الجميع [6] .

وهناك مسلّة تخلّد إنتصار الملك النوبي «بيي» عام 728 ق.م على تحالف من أمراء الدلتا وارتقائه عرش مصر. كُتب على هذه المسلّة أن حكاماً ذهبوا إلى الملك ليعربوا عن ولائهم له ولكنّهم لم يدخلوا القصر لأنهم كانوا غير مختونين وأكلة سمك، عدا «نمرود» لأنه كان طاهراً ولا يأكل السمك. وكان للقصر في ذاك الزمن صبغة دينيّة إذ إن الملك يمثّل الآلهة على الأرض. وقد كُتب على هيكل الإلهة إيزيس في جزيرة «فيلي» تعليمات تحرِّم دخول الهيكل على غير المختون ومن يأكل السمك. وقد يكون لذِكر السمك مع الختان في هاتين الكتابتين صلة بأسطورة «إيزيس» و«أوزيريس» كما يرويها المؤلّف اليوناني «بليتارك» (توفّى حوالي عام 125). تقول الأسطورة أن الإلهة «إيزيس» حاولت أن تجمع جسم الإله «أوزيريس» الذي قطعه «سيث» ولكنّها لم تجد قضيبه الذي إبتلعته ثلاث سمكات تمثّل قوى الشر [7] .

وقد زار هيرودوت (توفّى عام 424 ق.م)، المعروف بأبي التاريخ، منطقة الشرق الأوسط وسجّل في كتابه إشارة إلى عادة الختان في مصر. فهو يقول: «بينما كل شعوب الأرض تُبقي على الأعضاء التناسليّة كما هي، فإن المصريّين ومن تعلّم منهم يمارسون عادة الختان». ويضيف «بأنهم يمارسون الختان حفظاً للنظافة، لأن النظافة عندهم أولى من الجمال». ثم يشرح كيف أنهم كانوا مثابرين على النظافة. فهم يشربون بأكواب من النحاس يغسلونها جميعهم كل يوم ويلبسون ثياباً من الكتّان نظيفة. والكهنة منهم كانوا يحلقون أجسادهم كل يومين حتّى لا يبقى عليهم قمل أو نجاسات أخرى [8] .

ثم ذكر هيرودوت في مكان آخر أن عادة الختان تمارس لدى شعب يعيش في منطقة شرق البحر الأسود جنوب القوقاز يشبه شعرهم شعر المصريّين ولهم عادات تشبه عادات المصريّين قد يكونون مستعمرة أقامها فرعون مصري يسمّى سيزوسترس (سنوسرت). ثم يقول إن عادة الختان قديمة جدّاً عند المصريّين والأثيوبيين لدرجة عدم تمكّنه معرفة من أخذ عن الآخر عادة الختان. ولكنّه يُرجِّح أن يكون الأثيوبيون قد أخذوها عن المصريّين [9] .

وعندما يتكلّم سترابو، عالم الجغرافيا والمؤرّخ اليوناني الذي زار مصر بين 25-23 ق.م، عن الختان في مصر، يربط بين هذه العادة عند المصرين والعادة عند اليهود، وهو يُرجع اليهود إلى أصل مصري. فهو يقول: «هناك عادة يلاحظها الإنسان في دهشة بين المصريّين، ذلك أنهم يُربّون باهتمام كل طفل يولد لهم وانهم يختنون الأولاد ويخفضون البنات، كما هي العادة أيضاً بين اليهود، الذين هم من أصل مصري» [10] .

ويؤكّد المؤلّف اليهودي «فيلون» (توفّى عام 54) أن المصريّين كانوا يمارسون الختان [11] . فيختنون كل من الذكر والأنثى عندما يبلغون سن الرابعة عشر، أي عندما يبدأ «الخطيب» بالإمناء و«الخطيبة» بالعادة الشهريّة [12] . وهنا نرى إرتباط الختان بالزواج.

وقد أصدر الإمبراطور الروماني «هادريان» (توفّى عام 138) قانوناً يمنع الختان ولكنّه إستثنى من المنع كهنة الديانة الفرعونيّة، ممّا يدل على أن الختان كان من شروط الكهنوت عند المصريّين القدامى. فكان الشاب الذي يرغب في بلوغ درجة الكهنوت يحصل على ترخيص من السلطات بختن نفسه بعد أن يثبت أنه إبن كاهن وأهل للكهنوت [13] . وبعد إستعراض الكتابات والنقوش المصريّة القديمة، يخلص كتاب عن الطفل المصري القديم إلى ما يلي:

«إن الدلائل تثبت إنتشار الختان في العهود القديمة. وإنه كان إجباريّاً على الفتى وشرطاً للإعتراف ببلوغه من الهيئة الإجتماعيّة. ويقوّي هذا الإستنتاج تصوير عضو الذكورة الهيروغليفي مختوناً. ثم أصبح الختان إختياريّاً في العصور التالية، إلاّ لفئات معيّنة يتحتّم فيها الختان مثل الفتيان الذي يلتحقون بالخدمة الكهنوتية. وقد يكون الختان من الأمور الإجباريّة أيضاً في الدولة الوسطى لكل من يلتحق بوظيفة حكوميّة. والحقيقة أن معظم الرجال الذين دلّت تماثيلهم أو نصوصهم على ختانهم كانوا من الطبقات الرفيعة في المجتمع. ومع ذلك فقد ثبت أن فرعوناً أو إثنين لم يختتنا» [14] .

هذا ويزعم رجال الدين اليهود أن يوسف هو الذي أدخل الختان إلى مصر. ففي رواية لهم أنه بعد أن أقام فرعون يوسف على مصر وخزن القمح لسني المجاعة، بدأ المصريّون يأتون يوسف ليطلبوا منه خبزاً. فكان جوابه: أنا لا أعطي خبزاً لغير المختونين. إذهبوا واختنوا أنفسكم وارجعوا لي. فتذمّر المصريّون واشتكوا إلى فرعون. إلاّ أن فرعون أرجعهم إلى يوسف قائلاً: إعملوا كما يأمركم [15] .

بالإضافة إلى مصر، هناك شواهد على ممارسة الختان في مناطق أخرى من الشرق الأوسط. فقد وُجد في سوريا ثلاثة تماثيل معدنيّة صغيرة لرجال عراة ترجع إلى القرن الثامن والعشرين قَبل المسيح. ويظهر على إثنين منهم انهما ختنا ختاناً كاملاً، والثالث ختن ختاناً جزئيّاً [16] . ويذكر هيرودوت أن الفينيقيّين والفلسطينيين قد أخذوا عادة الختان عن المصريّين وأن الفينيقيّين قد ألغوا عادة الختان منذ أن تاجروا مع الإغريقيّين [17] . وتعتبر التوراة العرب شعباً غير مختون [18] . وكذلك الأمر بخصوص الفلسطينيين [19] . ويذكر المؤرّخ اليهودي «يوسيفوس» (توفّى قرابة عام 100) أن العرب كانوا يختنون أطفالهم عندما يبلغون سن الثالثة عشر لأن إسماعيل خُتن في هذا العمر، بينما اليهود يختنون في اليوم الثامن لأن إسحاق ختن في اليوم الثامن [20] . ولكنّه يضيف أن اليهود كانوا السكّان الوحيدين الذين يمارسون الختان في فلسطين [21] .

2) الختان وأسطورة العهد بين الله واليهود

إذا رجعنا إلى نصوص الكتب المقدّسة اليهوديّة التي ذكرناها في الفصل الأوّل نجد تسلسلاً يمكن إجماله كما يلي:

التكوين فصل 17: أمر الله بختان إبراهيم وإسماعيل وذرّيته

التكوين فصل 21: ختان إسحاق

الخروج فصل 4: ختان إبن موسى من قِبَل أمّه صفّورة

الخروج فصل 12: أمر الله موسى بالختان كشرط لإقامة الفصح

الأحبار فصل 12: أمر الله موسى بختان كل ذكر في اليوم الثامن

يشوع فصل 5: ختان يشوع لليهود في البرّية

وهكذا توحي لنا الكتب المقدّسة اليهوديّة أن الختان بدأ بأمر أعطاه الله لإبراهيم الأب الأسطوري للعرب واليهود. ولكن هناك شاهد في التوراة ذاتها يبيّن أن الختان كان يمارس منذ عهود قديمة قد تعود إلى العصر الحجري. ويثبت هذا إستعمال الصوّان كآلة للختان (الخروج 25:4؛ يشوع 2:5-3) [22] . والمؤرّخون، يهوداً كانوا أو غير يهود، يشكّون في تاريخ تصنيف هذه النصوص ودمجها في التوراة. فهناك من يعتبر قصّة ختان إبن موسى من قِبَل أمّه صفّورة هو أقدم نص كُتب عن الختان وقد تمّت صياغته وإضافته إلى التوراة في القرن العاشر قَبل المسيح. ثم يأتي نص ختان يشوع لليهود في البرّية الذي تمّت صياغته وإضافته إلى التوراة في القرن السابع قَبل المسيح. أمّا النص المتعلّق بأمر الختان الذي تلقّاه إبراهيم فهو نص يرجع إلى ما بعد القرن السادس قَبل المسيح [23] . وقد تكون الآية التي تنص على أمر الله لموسى بختان كل ذكر (أحبار 12) قد أضيفت إلى التوراة أيضاً في نفس الوقت.

وحتّى إن قَبلنا بأن الفصل السابع عشر من سفر التكوين الخاص بأمر الله بختان إبراهيم هو أقدم نص في التوراة حول الختان إلاّ أن هذا النص يطرح عدّة أسئلة.

فالمؤرّخون لم يتّفقوا على تاريخ ميلاد إبراهيم. وبعضهم يرى أن إبراهيم قد عاش في القرن التاسع عشر قَبل المسيح، أي أن إبراهيم عاش عشرة قرون قَبل صياغة سفر التكوين في صورته الحاليّة، إذا إفترضنا أن النص صيغ في القرن التاسع قَبل المسيح. وهناك من يشكّك في وجود إبراهيم أصلاً. ومن بين المشكّكين المسلمين نذكر هنا طه حسين (توفّى عام 1973) إذ يقول:

«للتوراة أن تحدّثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدّثنا عنهما أيضاً، لكن ورود هذين الإسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي [...] ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصّة نوعاً من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة، وبين الإسلام واليهوديّة، والقرآن والتوراة من جهة أخرى» [24] .

ومن المشكّكين المسيحيّين العرب نذكر كمال الصليبي الذي يرى في قصّة إبراهيم التي تحكيها التوراة شخصيّتين مختلفتين: إبراهيم العبراني وإبراهيم الآرامي [25] .

كما أن المؤرّخين يرون أن سفر التكوين في صورته الحاليّة، بما فيه النصوص الخاصّة بالختان في الفصل السابع عشر، هو تجميع لروايات وحكايات وأساطير تنتمي إلى عصور متباعدة لمجتمع مر بأطوار مختلفة من البداوة إلى الزراعة إلى حُكم ملك. فالآية 6 تقول: «وسأنميك جدّاً جدّاً وأجعلك أمماً، وملوك منك يخرجون» وهذه الآية والآية 16 من نفس الفصل تبيّنان أن كاتب هذه الرواية هو كاهن مجهول الهويّة كان يعيش في عصر حَكمه ملك حوالي القرن التاسع قَبل المسيح. وقد حاول فيها تنسيق هذه الأساطير في قصّة توحي وكأنها متجانسة تحكي ختان رئيس قبيلة إسمه إبراهيم الذي ولد إسماعيل وإسحاق، وهذا الأخير ولد عيسو ويعقوب. وبينما نبذ الله عيسو، إختار يعقوب الذي سمّاه الله إسرائيل فأصبح أباً لأسباط اليهود الإثني عشر المعروفين [26] .

وإذا عدنا إلى محتوى الفصل السابع عشر من سفر التكوين، نجد أنه يحكي لنا قصّة فحواها أن الله ظهر لإبراهيم عندما كان عمره 99 سنة وعمر إبنه إسماعيل 13 سنة، فسقط على وجهه، أي أغمي عليه. وكان ذلك قَبل ميلاد إبنه إسحاق بسنة. وقد يظن البعض أن عمر 99 سنة لم يكن ذو أهمّية إذ إن التوراة تحكي أن إبراهيم مات وعمره 175 سنة (التكوين 5:25). إلاّ أن التوراة تقول إن إبراهيم كان عندما بشّره الله بميلاد إسحاق «شيخاً طاعناً» (التكوين 11:18). ويرى رجال الدين اليهود علامة في ختان إبراهيم في هذا السن المتأخّرة. فهو يعني لهم أن إبراهيم هو مثال لكل شخص يتحوّل لليهوديّة. فكما أن إبراهيم تحمّل ألم الختان في هذا السن، فعلى من يتهوّد أن يختن أسوة بإبراهيم دون أن يتحجّج بسنّه المتأخّرة. وهذا يعني أيضاً بأنه يجب عدم صد الباب أمام كل من يريد أن يتحوّل لليهوديّة مهما كانت سنّه [27] . والمؤلّف اليهودي «فيلون» حاول تفسير عمر إبراهيم المتأخّر بصورة رمزية. فيقول إن العدد 99 يقترب من العدد 100، الذي يُقسم على 10. وهذا العدد الأخير هو العُشر الذي يحق لخدَمة المعبد أخذه. والعدد 99 يتكوّن من العدد 50 ومن العدد 49. والعدد 49 يتكوّن من سبعة سبعات وهي إشارة إلى السنة السابعة التي يستريح فيها الجسم والنفس. وهذا إشارة إلى نص التوراة: «وفي السنة السابعة، يكون للأرض سبت راحة، سبت للرب، فلا تزرع حقلك ولا تقضب كرمك. [...] لأنها سنة راحة للأرض» (الأحبار 4:25-5). إلى غير ذلك من الكلام الذي يقرب من الهوس [28] .

يقول الفصل 17 من سفر التكوين إن الله قطع عهداً على نفسه لإبراهيم وذرّيته بأن يكثر ذرّيته ويعطيه أرض الميعاد، أي «أرض كنعان»، ويطالب إبراهيم مقابل ذلك أن يختتن وأن يجرى هذه العمليّة على جميع أفراد عائلته وعلى عبيده الذكور. وهذا الفصل أساس لثلاثة مبادئ يهوديّة مترابطة ما زالت حتّى يومنا هذا تطرح مشاكل سياسيّة وأخلاقيّة جمّة:

- مبدأ «شعب الله المختار»، وهي فكرة عنصريّة.

- مبدأ «أرض الميعاد» التي يرتكز عليها اليهود في مطالبتهم بأرض فلسطين وحرمان أهلها منها. وهناك من يرى أن ختان يشوع اليهود بعد خروجهم من مصر وقَبل دخولهم فلسطين (يشوع فصل 5) ناتج عن إرتباط إعطاء الأرض بالختان.

- مبدأ وجوب ختان الذكور طاعة لأمر الله. وهذا يطرح مشكلة التعدّي على سلامة جسم طفل غير بالغ.

وقد ذكرنا في القسم الأوّل أن اليهود يستعملون كلمتي «بريت ميلا» للتعبير عن الختان. وهذه تعني حرفيّاً «عهد القطع». وهي إشارة واضحة إلى العهد بين الله وإبراهيم كما يرويه نص الفصل السابع عشر في سفر التكوين. والعرب يستعملون عبارة «قطع عهداً» لتعني أخذ عهداً على نفسه. ونحن نجد عهداً مماثلاً بين الله وإبراهيم في الفصل 15 من سفر التكوين الذي يروي أن إبراهيم تذمّر بأن لا نسل له. فأراه الله السماء وقال له: «أنظر إلى السماء وأحص الكواكب إن إستطعت أن تحصيها» وقال له: «هكذا يكون نسلك [...] أنا الرب الذي أخرجك من اور الكلدانيين لأعطيك هذه الأرض ميراثاً لك». فقال إبراهيم للرب: «أيها السيّد الرب، بماذا أعلم أني ارثها؟». فأشار إليه الرب بأن يأخذ عجلة وعنزة وكبشاً ويمامة وجوزلاً وأن يشطرها ويجعل كل شطر قبالة الآخر إلاّ الطائران فلم يشطرهما. فلمّا غابت الشمس وخيّم الظلام، إذا بتنور دخان ومشعل نار يسيران بين تلك القطع. وتضيف التوراة بأنه في ذلك اليوم «قطع الرب مع أبرام عهداً قائلاً: لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات». فهناك علاقة بين شطر الحيوانات من قِبَل إبراهيم وقطع العهد من قِبَل الله. وفي الفصل 17 أعاد الله العهد مع إبراهيم ولكن بدلاً من شطر الحيوانات طلب الله من إبراهيم شطر غلفته. فالختان هو علامة (اوت بالعبريّة: آية بالعربيّة) لإظهار العهد: عهد الله مع إبراهيم بتكثير نسله وإعطائه أرض الميعاد [29] .

وقد جاء في الفصل 17 من سفر التكوين أمر الختان (القطع) الذي يجب أن يجرى للذكور. ولكن هذا النص لم يُعرف العضو الذي يجب أن يتم عليه هذا القطع ولا كيفيته ولا آلة القطع. إلاّ أن العلماء اليهود إعتبروا أن القطع يتم على غرلة العضو التناسلي. وقد إعتمدوا في ذلك على نص الفصل 17 الذي يقول: «وابن ثمانية أيّام يختن كل ذكر منكم» [30] . وسوف نرى في القسم القادم كيف أن بعض رجال الدين المسيحيّين قد فسّروا الختان بالمعنى الرمزي، أي الإمتناع عن إرتكاب الفواحش بالعضو التناسلي، وليس قطعه.

وهناك روايات مختلفة عند اليهود حول ختان إبراهيم. إحدى هذه الروايات تقول إن الله لم يذكر الختان لإبراهيم بل أشار إلى ذكر إبراهيم ففهم إبراهيم بالإشارة فختن نفسه [31] . ورواية أخرى تقول إن إبراهيم كان في بداية أمره معارضاً لأمر الله خوفاً من أن يكون الختان حاجزاً بينه وبين باقي الناس. فكان رد الله: يكفيك إني إلهك. فتشاور إبراهيم مع ثلاثة من أصدقائه. فعارضه الأوّل قائلاً بأنه قد قارب المائة فكيف يفكّر في إيقاع هذا الألم بنفسه. وعارضه الثاني لأن الختان سيكون علامة يسهّل على أعدائه تمييزه بها. وأمّا الثالث فوافقه قائلاً: كيف يمكنك أن تتردّد بينما الله نجاك من النار، وساعدك ضد أعدائك، وحرص عليك في زمن الجوع. عند ذلك قرّر إبراهيم ختان نفسه، وذلك في وضح النهار لكي يتحدّى الكل فلا يقول أحد إنه لو رآه لكان منعه من فعله. وتقول الرواية أن ختان إبراهيم كان في اليوم العاشر من تشرين، يوم الغفران، في نفس المكان الذي بني فيه المذبح داخل الهيكل، حتّى يكون ختان إبراهيم تكفيراً دائماً عن إسرائيل [32] .

وهناك رواية يهوديّة تقول إن إبراهيم قد ختن نفسه بسيفه. وهناك رواية ثانية تقول إن عقرباً قد قرصه فقطع غلفته [33] . وقد تكرم أحد معارفي اليهود بإرسال ترجمة هذه الرواية الأخيرة كما جاءت ضمن مؤلّف مدراشي يُدعى «تنهوما»:

«سر أمامي وكن كاملاً» (التكوين 1:17). كما جاء في الكتاب: «الله طريقه كامل» (مزامير 31:18). ماذا تعني كلمة «كامل» في هذا النص؟ إنها تعني الختان. قال رابي إشماعيل: عظيمة هي وصيّة الختان، لأن ثلاثة عشر عهداً بني عليها كما هو واضح من تفسير الآيات. لقد كان إبراهيم جالساً ومتحيّراً كيف يختتن، لأن القدّوس، ليكن مباركاً، قال له: «سأجعل عهدي بيني وبينك» (التكوين 1:17). وماذا هو مكتوب بعد ذلك؟ «فسقط أبرام على وجهه» (التكوين 3:17). ولأنه سقط على وجهه، أشار القدّوس، ليكن مباركاً، على ذاك الموضع فلسعه عقرب وهكذا تم ختانه. ولكن كيف نعرف هذا الأمر؟ لأنه مكتوب: «وخاطبه الله قائلاً: ها أنا أجعل عهدي معك» (التكوين 3:17-4). ممّا يعني «ها أنت مختوناً». وقد جاء في الكتاب: «في ذلك اليوم عينه خُتن إبراهيم» (التكوين 26:17). فلم يقل النص «إن إبراهيم ختن نفسه»، بل «خُتن». كيف يمكن أن نشبّه ذلك؟ نشبّهه بأحد أصدقاء الملك الذي كان يرغب الزواج من إبنة الملك ولكن كان مرتبكاً لا يعرف كيف يفاتحه، مباشرة أو بواسطة غيره. وفهم الملك ما كان في قلب الرجل فقال له: «أنا أعرف ما تريد، ها هي إبنتي في بيتك». وهذا ما حدث مع إبراهيم. فعندما قال له القدّوس، ليكن إسمه مباركاً: «سأجعل عهدي بيني وبينك»، كان إبراهيم مرتبكاً فسقط على وجهه، وبسقوطه وجد نفسه مختوناً. وهكذا قال له القدّوس: «ها أنا أجعل عهدي معك». وهذا معنى الكلمات «قول الرب نقي» (المزمور 31:18). فقد نقَّى الله نسل إبراهيم بالختان».

3) الختان علامة إنتماء وتمييز وخلاص

يعتبر الختان عند اليهود علامة إنتماء. فكل من يريد الإنضمام إليهم كان عليه أوّلاً أن يختتن. فيروي لنا الفصل 34 من سفر التكوين قصّة إغتصاب دينة إبنة يعقوب من رجل غير يهودي. وقد طلب المغتصب الزواج منها. فوضع أبناء يعقوب شرط الختان، عليه وعلى كل ذكر من مدينته. وقد تم الزواج فعلاً من دينة بعد الختان. ولكن ذلك لم يكن إلاّ حيلة. فبعد الختان، لم يكن باستطاعة رجال المدينة المدافعة عن أنفسهم بسبب الألم. فدخل إخوة دينة عليهم وأخذوا أختهم وقتلوا كل ذكر بحد السيف وسبوا كل ثروتهم وجميع أطفالهم ونسائهم، وسلبوا كل ما في البيت.

ويروي الفصل 14 من سفر القضاة أن شمشون وقع في حب فلسطينيّة. ولكن أبوه وأمّه كانا معارضين لذاك الزواج: «أليس في بنات إخوتك وفي شعبي كلّه إمرأة، حتّى تذهب وتأخذ إمرأة من الفلسطينيين الغلف؟». وهذا يبيّن أن الفلسطينيين لم يكونوا يختنون أولادهم.

وفي الفصل 18 من سفر صموئيل الأوّل إشارة إلى زواج داود من ميكال إبنة الملك شاول مقابل مهر من نوع غريب. فقد طلب الملك من داود أن يقدّم له «مائة غلفة من الفلسطينيين إنتقاماً من أعداء الملك». وكان قصد شاول أن يُقتل داود في غزوته ضد الفلسطينيين. إلاّ أن داود نجى «وقتل من الفلسطينيين مأتي رجل وجاء بغلفهم، فسلمت بتمامها إلى الملك ليصاهره». فزوجه شاول ميكال إبنته. وهكذا «رأى شاول وعلم أن الرب مع داود». والظن هنا أن داود لم يحضر فقط الغلفة بل العضو التناسلي بأكمله للملك. والغلفة هنا إثبات بأن القتلى من الفلسطينيين لأنهم غير مختونين.

وفي الفصل 9 من سفر أرميا نقرأ: «ها إنها تأتى أيّام، يقول الرب، أعاقب فيها كل المختونين في أجسادهم. مصر ويهوذا وادوم وبني عمون وموآب، وكل مقصوصي السوالف الساكنين في البرّية، لأن كل الأمم غلف، وكل بيت إسرائيل غلف القلوب». وكلمة «مقصوصي السوالف» تعني العرب الذين كان لهم عادات خاصّة في قص الشعر حرّمتها الشريعة: «ولا تحلقوا رؤوسكم حلقا مستديرا، ولا تقص أطراف لحيتك» (الأحبار 27:19). وكلمة «الأمم» (بالعبريّة: غوييم)، تعني الشعوب غير اليهوديّة، وهي كلمة إحتقار.

وفي الفصل 4 من سفر يهوديت نقرأ: «ورأى أحيور كل ما فعل إله إسرائيل فآمن بالله إيماناً راسخاً وختن لحم غلفته فضُم إلى بيت إسرائيل إلى اليوم». كما في الفصل 56 من سفر أشعيا إشارة إلى أن الغرباء الذين يحترمون السبت والختان يصبحون ضمن الشعب.

توضّح هذه النصوص أن الختان كان علامة إنتماء للشعب اليهودي، وأن الختان كان شرطاً للزواج وأن الشعوب التي كانت تحيط باليهود لم يكونوا مختونين.

ويربط اليهود بين الختان وبين مصيرهم الجماعي. فتقول رواية إن اليهود قد نجوا من مصر لأنهم لم يُغيّروا أسمائهم ولم يتركوا لغتهم ولم يبوحوا بسرهم ولم يتركوا الختان. والسر الذي تتكلّم عنه هذه الرواية هو أن موسى قال لهم بأنهم سيغنمون ممتلكات كثيرة من المصريّين [34] . ورواية أخرى تقول إن الله غيَّر حب المصريّين لليهود إلى بغض لأن اليهود تركوا الختان بعد موت يوسف [35] . وقد علّق كاتب أمريكي بأن هذه الروايات نابعة من إعتقاد اليهود أن عدم الختان يذكي حنق إلههم المنتقم فينكل بهم جميعاً، إذ إنه - في رأيهم - يعد القبيلة متضامنة على الخير والشر ويقتص من الناس أمماً لا أفراداً. وهذا ما جعل اليهود يختنون خدمهم أيضاً من غير اليهود حتّى لا يتغلغل الشر في وسط القبيلة [36] .

الختان إذاً علامة يتعرّف بها الله على «شعبه». ونحن نجد علامة مشابهة لذلك في سفر الخروج إذ توعّد الله أن يقتل كل بكر في أرض مصر. وحتّى ينجوا اليهود من هذه الضربة كان عليهم أن يلطّخوا قائمتي الباب وعارضته بدم ذبيحة الفصح. فعند مرور الله يرى الدم فيعرف أن في داخل ذاك البيت يهوداً فيعبر من فوقهم ولا تحل بهم ضربة مهلكة (الخروج 7:12-13 و22-23). فهذا يعني أن الله لا يستطيع تمييز الأفراد إلاّ بعلامة خارجيّة فينزل الله بمنزلة الراعي البسيط الذي يحتاج لعلامة لتمييز غنمه من غنم غيره.

ويرى موسى* إبن ميمون (توفّى عام 1204) في الختان علامة تماسك وتعاون بين اليهود. فبعد أن ذكر أن الهدف الأوّل من الختان هو إضعاف الشهوة الجنسيّة، أضاف يقول:

«وفي الختان أيضاً عندي معنى آخر وكيد جدّاً وهو أن يكون أهل هذا الرأي كلّهم، أعني معتقدي توحيد الله، لهم علامة واحدة جسمانيّة تجمعهم، فلا يقدر من ليس هو منهم يدّعي أنه منهم، وهو أجنبي، لأنه قد يفعل ذلك كي ينال فائدة، أو يغتال أهل هذا الدين. وهذا الفعل لا يفعله الإنسان بنفسه، أو بولده إلاّ عن إعتقاد صحيح. لأن ما ذلك شرطة ساق أو كيّة في ذراع، بل أمر كان مستصعباً جدّاً جدّاً. معلوم أيضاً قدر التحابب والتعاون الحاصل بين أقوام كلّهم بعلامة واحدة وهي بصورة العهد والميثاق. وكذلك هذه الختانة هي العهد الذي عهد إبراهيم أبونا على إعتقاد توحيد الله. وكذلك كل من يُختن إنّما يدخل في عهد إبراهيم والتزام عهده لاعتقاد التوحيد: لأكون لك إلهاً ولنسلك من بعدك» (سفر التكوين 7:17)» [37] .

ونحن نجد ممارسة الختان كعلامة إنتماء للشعب اليهودي عند كثير من اليهود الذين لا يمارسون شعائر ديانتهم، وحتّى بين الملحدين منهم. وما زال المؤلّفون اليهود في يومنا يعتبرون الختان «علامة لا تمحى» لليهودي وأنه واحد من أقوى المساعدين للبقاء اليهودي [38] . وموسوعة المعارف اليهوديّة تعتمد هنا على قول الفيلسوف اليهودي «سبينوزا» (توفّى عام 1677) الذي ننقله هنا:

«ليس لليهود ما يعزونه لأنفسهم ممّا هو خليق بأن يضعهم فوق سائر الأمم. أمّا عن حياتهم الطويلة كأمّة ضاعت دولتها، فليس فيها ما يدعو إلى الدهشة إذ إن اليهود قد عاشوا بمعزل عن جميع الأمم حتّى جلبوا على أنفسهم كراهيّة الجميع. ولم يكن ذلك عن طريق مراعاة الطقوس الخارجيّة التي تعارض طقوس الأمم الأخرى فحسب، بل أيضاً عن طريق علامة الختان التي ظلوا متمسّكين بها دينيّاً. وقد أثبتت التجربة أن كراهيّة الأمم عامل قوي إلى أبعد حد في الإبقاء على اليهود [...]. وأنا أعزو إلى طقس الختان بدوره من القيمة والأهمّية في هذا الصدد ما يجعلني أعتقد أنه وحده يستطيع أن يضمن لهذه الأمّة اليهوديّة وجوداً أزليا. فإذا لم تضعف مبادئ دينهم ذاتها قلوبهم، فإني أعتقد بلا أدنى تحفّظ، عالماً بتقلبات الأمور الإنسانيّة، بأن اليهود سيعيدون بناء إمبراطوريتهم في وقت ما، وإن الله سيختارهم من جديد. وإننا نجد مثلاً رائعا عند الصينيين للأهمّية التي يمكن أن تكون لهم صفة مميّزة كالختان إذ يحتفظ الصينيون بدورهم بخصلة من الشعر على شكل ذيل فوق الرأس ليتميّزوا بها عن سائر الناس، وبذلك ابقوا على أنفسهم عبر آلاف من السنين، تجاوزوا في القِدم سائر الأمم بكثير. صحيح أنهم لم يبقوا على إمبراطوريتهم دون فترات إنقطاع، ولكنّهم كانوا دائماً يعيدون بناءها عندما تنهار، وسيقيمونها من جديد حتماً عندما يضعف التتار بسبب الحياة الناعمة المترفة. وأخيراً، فلو شاء أحد أن يتمسّك بأن اليهود قد تم إختيارهم من الله إلى الأبد لهذا السبب أو ذاك، فإني لن أعارض في ذلك، بشرط أن يكون مفهوماً أن إختيارهم الزمني أو الأبدي، بقدر ما هو وقف عليهم، يتعلّق فقط بالدولة وبالمزايا المادّية (إذ لا يوجد أي فرق غير ذلك بين أمّة وأخرى). أمّا بالنسبة إلى الذهن وإلى الفضيلة الحقّة فلم تخلق أمّة متميّزة عن الأخرى في هذا الصدد، وعلى ذلك لم يختر الله أمّة بعينها، مفضّلاً إيّاها في هذه الناحية على الأمم الأخرى» [39] .

وقد علّق الدكتور حسن حنفي على الجملة الخاصّة باستعادة بناء إمبراطوريّة اليهود واختيار الله لهم من جديد، قائلاً: «هذه سخرية من «سبينوزا» لأنه لا يعتقد أن اليهود شعب الله المختار أو بأن الحُكم الإلهي الذي كان مميّزاً لهم هو أنسب أنظمة الحُكم للطبيعة البشريّة» [40] . وعلى خلاف ما جاء في موسوعة المعارف اليهوديّة، نرى أن مقارنة «سبينوزا» ختان اليهود بخصلة الشعر على شكل ذيل فوق الرأس عند الصينيين تعبير تهكّمي. فليست تلك الخصلة هي التي أبقت على الشعب الصيني عبر آلاف من السنين.

وسوف نرى لاحقاً أن القول بأهمّية الختان للحفاظ على الهويّة اليهوديّة محل نقاش من قِبَل اليهود الذين يرفضون الختان. ومن المعروف أن الختان قد أستُعمِل كوسيلة للتعرّف على اليهود خلال الحرب العالميّة الثانية ولاعتقالهم [41] .

4) علاقة الختان بالقرابين والغلة والزواج

لقد حاول البعض تفسير الختان اليهودي من خلال ربطه بمفاهيم توراتيّة وعادات يهوديّة أخرى. فالعادات قد تحل محل عادات سابقة أكثر عنفاً وثقلاً على الإنسان مع تطوّر الفكر البشري ومتطلّبات الحياة الإجتماعيّة. ولكن تبقى بعض الآثار للعادات القديمة نسي سببها وعلاقتها بالعادات المستحدثة.

وأوّل تلك المفاهيم التي تفرض نفسها هي تلك المتعلّقة بالقرابين. فهناك من يرى في الختان اليهودي عمليّة بديلة للتضحية البشريّة وموازية للتضحية الحيوانيّة. فمن المعروف أن الشعوب الشرقيّة مارست تضحيّة أحد أبناء العائلة للآلهة. وقد إحتفظت لنا التوراة بآثار هذه العادة من خلال قصّة أمر الله لإبراهيم بتضحية إبنه البكر. فأعد إبراهيم حطب المحرقة وربط إبنه فوق الحطب هامّاً ذبحه وحرقه لله. ولكن تم إستبدال الإبن بكبش بأمر من ملاك (التكوين 1:22-13). فتحوّلت هكذا القرابين البشريّة إلى قرابين حيوانيّة. ووازى هذا التحوّل تقديم ألبوا كير: «فائض بيدرك لا تبطئ في تقريبه، وبكر بنيك تعطيني إيّاه. وكذلك تصنع ببقرك وغنمك. سبعة أيّام يكون مع أمّه، وفي اليوم الثامن تعطيني إيّاه» (الخروج 28:22-29) [42] . ونحن نلاحظ أن اليوم الثامن هو أيضاً يوم الختان عند اليهود.

وفيما يخص أبكار الإنسان، تقول التوراة إن الله قد إختار اللاويين بدلاً عن باقي الشعب، فكان على اليهودي أن يدفع للاويين خمسة مثاقيل من الفضّة فداء لأبكارهم [43] . وهذه العادة ما زالت تمارس بين اليهود حسب طقس خاص يدعى طقس الفداء [44] . فالفداء حل محل الذبائح البشريّة التي كانت تمارسها الشعوب الأخرى والتي منعتها التوراة: «لا تصنع هكذا نحو الرب إلهك، فإنها صنعت لآلهتها كل قبيحة يكرهها الله، حتّى أحرقت بنيها وبناتها بالنار لآلهتها» (تثنية 13:12) [45] . ولكن اليهود إستمرّوا على تلك العادة. فقد أحرق الملك اليهودي آحاز إبنه «بالنار، على حسب قبائح الأمم» (2 ملوك 3:16). وكان في القدس محرقة تدعى « تُوفَت» بوادي إبن هنوم، يحرق عليها اليهود بنيهم وبناتهم بالنار (أرميا 31:7). وقد وبّخ على ذلك النبي حزقيال: «وأخذت أبناءك وبناتك الذين ولدتهم لي فذبحتهم لها [للتماثيل] طعاماً. أفكانت فواحشك أمراً يسيراً؟ انك ذبحت بني وسلّمتهم ليمرّوا في النار لأجلها» (حزقيال 20:16-21) [46] .

وربّما قد تكون عمليّة تضحية الأطفال قد تحوّلت أيضاً إلى تضحية الأعضاء الجنسيّة من خلال الخصي الذي حرّمته التوراة فيما يخص رجال الدين: «لا يدخل مرضوض الخصيتين ولا مجبوب في جماعة الرب» ( تثنية 32:1). وكلمة مجبوب تعني الرجل الذي قطع ذكره. وعمليّة الخصي تحوّلت بدورها إلى ختان.

ويقول مؤلّف يهودي حديث إن الختان عبارة عن ضحيّة يقدّمها الأب لله لخلاص نفسه. وبهذا تشبه ما عزم إبراهيم عمله طاعة لأمر الله عندما عزم تضحية إبنه إسحاق كما سبق ذكره. وقد تبع طاعة إبراهيم لله وعد من الله: «بما أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك عني إبنك وحيدك، لأباركنك وأكثرن نسلك كنجوم السماء وكالرمل علي شاطئ البحر، ويرث نسلك مدن أعدائه، ويتبارك بنسلك جميع أمم الأرض، لأنك سمعت قولي» (التكوين 16:22-18) [47] . ونحن نجد علاقة بين فكرة تكثير النسل وتكثير الغلة بعد إستئصال جزء منه في سفر الأحبار: «وإذا دخلتم الأرض وغرستم كل شجر يؤكل، فاصنعوا بثمره صنيعكم بغلفته: ثلاث سنين يكون لكم أغلف لا يؤكل منه. وفي السنة الرابعة يكون ثمره قدس إبتهاج للرب. وفي السنة الخامسة تأكلون ثمره لتزداد لكم غلته» (23:19-25). وقد إحتار المفسّرون في فهم هذه الآية.

هذا ويرى البعض أن الختان كان يجرى في الأصل على البالغين كما تبيّنه بعض نصوص التوراة فيما يخص ختان إسماعيل (التكوين 25:17) وختان إبن موسى (الخروج 25:4-26) وختان من ولدوا في البرّية بعد الخروج من مصر (يشوع فصل 5). فتكون عمليّة الختان عتبة لدخول مرحلة الرجولة والزواج. وهذا ما قد يفسّر ما جاء بخصوص ختان صفّورة، زوجة موسى، لابنه البكر وقولها: «انك لي عروس دم» (الخروج 25:4). و«عروس دم» هي في الأصل العبري «ختن دميم»، وقد فُهِمت كلمة «ختن» بأنها تعني «عروس» وذلك بالرجوع إلى تلك الكلمة في اللغة العربيّة لعدم وجودها في اللغة العبريّة [48] . وذلك يعني أن زوجة موسى لم تكن يهوديّة. واليهود يمارسون طقساً دينيّاً في سن الصبا يطلقون عليه طقس التثبيت (بار متسفا) قد يكون بديلاً لعمليّة الختان التي كانت تجرى في ذاك العمر قديماً [49] . وسوف نرى لاحقاً أن الختان يتم عند المسلمين في بعض المناطق في الجزيرة العربيّة قَبل الزواج.

ويُظن أيضاً أن الختان الذي يجرى على الرجل قَبل الزواج وإنزال دم من ذكره هو عمليّة موازية لعمليّة فك البكارة وإنزال الدم من الزوجة ليلة الزواج في العلاقة الجنسيّة الأولى والذي يتم إثباته بواسطة منديل مبلل بدم الزوجة (تثنية 13:22-19). ومن هنا جاءت كلمة الختان والختن بالعربيّة تعبيراً عن عمليّة الختان والزواج أو حتّى الزوج أو الحمو (أب الزوج أو أب الزوجة) كما ذكرنا في الجزء الأوّل.

كما يُظن أن إستعمال الصوّان لإتمام الختان في قصّة صفّورة وفي قصّة ختان يشوع لليهود في البرّية (يشوع فصل 5) هو إشارة واضحة إلى محاكاة لعمليّة الختان التي تصوّرها لنا النقوش المصريّة والتي يُستعمل فيها الصوّان للختان. وقد ذكرنا سابقاً أن قصّة صفّورة في التوراة تعتبر أقدم نص توراتي يذكر الختان. ويرجع تاريخ إدخاله في التوراة إلى القرن العاشر قَبل المسيح. وهذه القصّة تسبق قصّة ختان إبراهيم التي أضيفت إلى التوراة بعد القرن السادس قَبل المسيح. ويُظن أن الختان قد تحوّل في زمن سيطرة رجال الدين اليهود من إشارة قبليّة ومراسيم تسبق الزواج إلى أمر ديني جاء من الله يجعل منه علامة عهد بين الله والقبيلة المذكورة. ولهذه الغاية إخترعوا قصّة أمر الله بختان إبراهيم لتبرير كل هذا التحوّل الذي أرادوا فرضه على المجتمع [50] .

ويقول حاخام يهودي حديث إن رجال الدين اليهود فهموا أن العضو التناسلي هو خالق الحياة. وقد دمغ الله عهده على الذكر حتّى يتذكّر الإنسان أن العضو الجنسي هو هبة من الله ويجب التقرّب منه كهبة إلهيّة. ويضيف أن الختان لا علاقة له بالصحّة الجسديّة رغم أنه لا شك - حسب رأيه- أن فيه بعض الفوائد الصحّية [51] .

الفرع الثاني: النتائج المترتّبة على عدم الختان

1) عقاب مخالفة الشريعة

يرى رجال الدين اليهود أن الكتب المقدّسة هي التي تقرّر ما هو شر وما هو خير وهي التي يجب أن يتّبعها الإنسان. فالله هو المشرّع الذي يسن ما يجب على المرء عمله أو تفاديه. وأحكام التوراة كلّها بارة ومن يخالفها يتعرّض لعواقب خطيرة. فسفر تثنية الإشتراع يقول:

«والآن يا إسرائيل، إسمع الفرائض والأحكام التي أعلّمكم إيّاها لتعملوا بها، لكي تحيوا وترثوا الأرض التي يعطيكم الرب إله آبائكم إيّاها. لا تزيدوا كلمة على ما آمركم به ولا تنقصوا منه، حافظين وصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها. إن عيونكم قد رأت ما صنع الرب ببعل فغور، فإن كل من سار وراء بعل فغور أباده الرب من وسطكم. وأمّا أنتم المتعلّقون بالرب إلهكم، فكلكم أحياء اليوم. أنظر: إني قد علمتكم فرائض وأحكاماً كما أمرني الرب إلهي، لتعملوا بها في وسط الأرض التي أنتم داخلون إليها لترثوها. فاحفظوها وأعملوا بها، فإنها حِكمتكم وفهمكم أمام عيون الشعوب التي، إذا سمعت بهذه الفرائض، تقول: لا شك أن هذه الأمّة العظيمة هي شعب حكيم فهيم. لأنه أيّة أمّة عظيمة لها آلهة قريبة منها كالرب إلهنا في كل ما ندعوه؟ وأيّة أمّة عظيمة لها فرائض وأحكام بارة ككل هذه الشريعة التي أضعها اليوم أمامك؟» (تثنية 1:4-8).

معتمداً على هذا النص، يرى إبن ميمون، أكبر لاهوتي وفيلسوف يهودي، أن أوامر الكتب المقدّسة اليهوديّة أوامر أبديّة ولا يحق لأحد أن يغيّرها وكل من تخوّل له نفسه أن يغيّرها أو يلغيها أو يفسّرها بخلاف ما فسّرت به سابقاً يجب قتله خنقاً لأنه كذّب الله الذي يقول في آياته: «بكل ما أنا آمركم به تحرسون أن تعملوه، لا تزد عليه ولا تنقص منه» (تثنية 1:13)؛ «الخفايا للرب إلهنا، والمعلنات لنا ولبنينا للأبد، لكي نعمل بجميع كلمات هذه الشريعة» (تثنية 28:29)؛ «فريضة أبديّة مدى أجيالكم في جميع مساكنكم» (الأحبار 24:23) [52] .

2) الأغلف يقطع من الشعب اليهودي

يقول الفصل 17 من سفر التكوين: «أي أغلف من الذكور لم يختن في لحم غلفته، تفصل تلك النفس من ذويها، لأنه قد نقض عهدي» (14:17). وفي الطبعة العربيّة السابقة للكتاب المقدّس، نقرأ: «تقطع تلك النفس من شعبها».

هناك من يربط بين هذا الجزاء وبين ما حدث لموسى الذي أهمل ختان إبنه وهو في طريقه إلى مصر. فقد لاقاه الرب وهمّ قتله، فأنقذته زوجته صفّورة بقيامها بتلك المُهمّة (الخروج 20:4-26). أي أن عدم الختان يعرّض غير المختون للموت. ويبيّن هذا النص أن موسى لم يكن قد ختن إبنه في يومه الثامن وأن الختان لم يتم إلاّ على الإبن البكر. ويعني أيضاً أن موسى نفسه لم يُختن وقد اكتفت زوجته بمس رجليه (وهذا ربّما تعبير مؤدّب عن مس عضوه التناسلي) بيديها الملطّختين بدم إبنها البكر. وهناك رواية يهوديّة تقول إن الذي لاقى موسى ليس الله بل الملاك، وفي رواية ثالثة هو الشيطان [53] .

وعقوبة القطع من الشعب بالعبريّة: قريطوت (وتذكّرنا بالكلمة العربيّة: قرط، وقد ترجمت بالإنكليزيّة: extirpation ) تقع في التوراة حسب المشنا على 36 جريمة منها 15 جريمة ذات صلة بالعلاقات الجنسيّة غير المشروعة واستباحة السبت الخ. وقد ذكرت المشنا ترك الختان آخر قائمة تلك الجرائم [54] . ومن غير الواضح معنى هذه العقوبة. فسفر الخروج يقول صراحة إن إستباحة السبت تعاقب بالقتل: «فاحفظوا السبت، فإنه مقدّس لكم، من إستباحه يقتل قتلاً. كل من يعمل فيه عملاً تفصل تلك النفس من وسط شعبها» (الخروج 14:13). وفي حالة إقتراف إحدى تلك الجرائم سهواً، فإنه يجب عليه أن يقدّم للكاهن ذبيحة تضحية، كبش تام من الغنم يقدّر بمقدار الإثم (الأحبار 17:5-18) [55] . وأمّا بخصوص الختان، فمنهم من رأى أن القطع الذي يتعرّض له من لا يختن يعني القتل، ومنهم من إعتبره حرمان الشخص من عضويّة المجتمع اليهودي أو نفيه، وهو مصير أشر من الموت. ومنهم من إعتبر أن الجزاء الوحيد لعدم الختان هو الجزاء بعد الحياة الدنيا. ومهما يكن، فإن للختان عواقب مُهمّة. فالأغلف يعتبر نجساً، فلا يحق له المشاركة بالأعياد ولا يدخل الهيكل ولا القدس، كما لا يحق له الزواج من يهوديّة ولا يُناسب، ولا يحق معاشرته لا في الحياة ولا في الموت، ولا نصيب له في الآخرة. وهو ما سنراه في النقاط اللاحقة.

ويتساءل «فيلون» لماذا فرضت التوراة عقوبة القطع على الطفل غير المختون رغم أن لا ذنب له. فيجيب أن البعض فسّر هذه العقوبة بأنها تقع على الأهل وليس على الطفل. وغيرهم رأى فيها أسلوباً لمعاقبة الأهل من خلال وقوعها على الطفل. وللخروج من هذه الأزمة، يحاول «فيلون» تقديم تفسيراً رمزياً. فهو يرى أن ختان الذكر يعني ختان العقل، أي بالتخلّص من الرذائل والشهوات. والقطع الذي يتم بسبب عدم الختان يخص ليس موت الجسد، بل موت النفس. ولذلك جاء في النص «تفصل تلك النفس من ذويها». فلم يقل النص إنه يجب فصل الجسد، بل فصل النفس [56] .

3) الأغلف نجس

تعتبر الشعوب الأستراليّة البدائيّة غير المختون نجساً. فلا أحد يأخذ أكلاً من يد رجل غير مختون أو حتّى يأكل في حضرته. وفي كل المجتمعات البدائيّة التي تمارس ختان الإناث، لا يمكن لامرأة مختونة أن تتزوّج من رجل غير مختون ولا رجل مختون أن يتزوّج من إمرأة غير مختونة. فعدم الختان يعتبر علامة نجاسة في تلك المجتمعات [57] . ونحن نجد مثل هذه القواعد بخصوص النجاسة في النصوص اليهوديّة المقدّسة.

وإذا كان الختان في سفر التكوين هو علامة عهد، فإنه في الفصل 21 من سفر الأحبار قد جاء ضمن القواعد الخاصّة بتطهير المرأة من نجاستها بعد ولادتها. فلا يحق للام أن «تلامس شيئاً من الأقداس ولا تدخل المقدس، حتّى تتم أيّام تطهيرها». ومدّة تطهير الأم تختلف حسب المولود. فإن كان ذكراً، تكون نجسة لمدّة سبعة أيّام ومن بعدها تختن غلفة المولود وتظل 33 يوماً في تطهير دمها. أمّا إذا ولدت أنثى، فإن الأم تكون نجسة أسبوعين، و66 يوماً تظل في تطهير دمها. وفي الآية الثالثة من هذا النص، هناك أمر بختان المولود الذكر تقول: «في اليوم الثامن تختن غلفة المولود». ووجود أمر الختان في هذا الفصل الخاص بنجاسة الأم وسبل تطهيرها طرح مشكلة للمفسّرين. فمنهم من إعتقد أن الطفل أعتبر نجساً بسبب ملامسته أمّه النجسة بسبب الولادة، فيكون الختان أسلوباً لتطهيره من نجاسة أمّه. إلاّ أن بعض المفسّرين إختصر الطريق معتبراً تلك الآية قد دست دساً في النص من قِبَل جامع سفر الأحبار المجهول الإسم [58] . وتجدر الإشارة هنا إلى أنه يوجد عند المسلمين موقفاً مماثلاً للموقف اليهودي بخصوص عدم طهارة الأم التي تلد، وقد يكون هذا إمتداداً للفكر اليهودي.

ومهما يكن، فإن نصوص التوراة تعتبر الأغلف (أي غير المختون) نجساً. فهي تطلق كلمة الأغلف على غير اليهودي وهي تعني الرجل غير الطاهر الذي لا يحمل علامة الإنتماء لشعب الله المختار [59] . كما أن سفر الأحبار يطلق كلمة الأغلف على ثمار الشجر في السنين الثلاث الأولى والتي لا يحق أكلها لأنها غير طاهرة (23:19-25). وفي سفر يشوع نقرأ أن يشوع ختن اليهود قَبل دخولهم أرض الميعاد. وهكذا رفع عار المصريّين عن اليهود (يشوع 9:5). ويمكن أن يفسّر هذا النص بأن عدم ختان المصريّين هو عار على المصريّين. كما أنه يمكن أن يفسّر أن المصريّين كانوا يعيِّرون اليهود بعدم ختانهم. فبختان اليهود رفع تعيير المصريّين عنهم. وفي كلا التفسيرين، يعتبر عدم الختان عاراً.

وتعيد علينا المشنا أن الغلفة نجسة لأن الكتاب المقدّس اليهودي يعيب على الوثنيّين عدم ختانهم، معتمدة في ذلك على آية أرميا 25:9: «مصر ويهوذا وادوم وبني عمون وموآب، وكل مقصوصي السوالف الساكنين في البرّية، لأن كل الأمم غلف، وكل بيت إسرائيل غلف القلوب» [60] .

وفي رواية يهوديّة طرحت ملكة سبا على سليمان إعجازاً. فقد جمعت عدداً من الرجال، بعضهم مختون والبعض الآخر غير مختون، وطلبت من سليمان أن يفرّق بين المختون وغير المختون. فأشار سليمان على كاهن الهيكل أن يفتح تابوت العهد الذي يحتوي نص التوراة. عندها إنحنى المختونون نحو التابوت مملوئين إشعاعاً من وجود الله. أمّا غير المختونين فقد سقطوا على وجههم لأنهم لم يتحمّلوا وجود الله [61] .

4) الأغلف لا يشارك بالأعياد ولا يدخل الهيكل ولا القدس

نجد إمتداداً لفكرة عدم طهارة غير المختون في الفصل 12 من سفر الخروج الذي يمنع الأغلف من إقامة فريضة الفصح أو الأكل من ذبيحة الفصح. والتلمود يمنع من هو غير مختون أن يأكل من الأكل المخصّص للكهنة، ولكنّه يحق له أن يساعد في تحضير رماد البقرة الحمراء التي تذبح تقدمة للرب وأن يأكل من العُشر المقدّم للهيكل [62] .

وسوف نرى أن الطفل الذي مات بعض إخوته يعفى من الختان. وهذا اليهودي أيضاً لا يسمح له أكل ذبيحة الفصح. وكذلك الأمر بخصوص الأب الذي لا يختن أطفالاً أو عبيداً له كان عليه ختانهم. وكذلك الأمر بخصوص الطفل الذي يولد مختوناً، فلا يحق له أن يأكل من ضحيّة الفصح حتّى تنزل نقطة دم منه. وإذا ذبحت ذبيحة الفصح لمثل أولئك فإن المعنى الديني لهذه الذبيحة يفسد. وهناك إعفاء من المنع إذا أُجِّل الختان لأن الطفل مريض أو كان الطفل خنثى أو كان والديه في السجن ولم يتمكّنوا من ختانه [63] .

وحزقيال يمنع الأغلف دخول الهيكل (9:44). وأشعيا يمد هذا المنع لكل مدينة أورشليم (1:52). وقد كان في زمن السيّد المسيح كتابة باليونانيّة في هيكل هيرودوس (توفّى عام 4 ق.م) تمنع الغرباء من دخول الهيكل تحت طائلة الموت [64] . وهناك من يرى أن منع الأغلف من دخول الهيكل والمدينة المقدّسة عند اليهود مأخوذ من مصر القديمة حيث كان مكتوباً على باب هيكل الإلهة إيزيس منع مشابه كما ذكرنا سابقاً [65] . وسوف نرى في القسم الإسلامي أن هذا المنع قد طبّقه القرآن على المشركين الذين أعتبرهم نجساً، ولكن دون ذكر للختان.

5) الأغلف لا يُقبل زواجه من يهوديّة ولا يناسب

والختان في التوراة يعتبر شرطاً للزواج. فلا يحق أن يتزوّج الأغلف من يهوديّة. وقد رأينا ذلك من قصّة إغتصاب دينة من قِبَل غير يهودي (التكوين 14:34-16). كما أنه لا يحق لليهودي أن يأخذ إمرأة من جماعة غير مختونة كما هو واضح من إعتراض أهل شمشون على زواجه من فلسطينيّة (القضاة 3:14). ويرى أحد المؤلّفين اليهود اليوم أن هذه القصّة قد كُتبت بعد رجوع اليهود من المنفى وهي من وضع رجال الدين الذين كانوا يرفضون التزاوج بين اليهود وغير اليهود [66] .

ومنع الزواج بين اليهود وغير اليهود هو إمتداد لفكرة شعب الله المختار التي تضمّنها النص الخاص بالختان. فلا يحق لليهودي أن يختلط بالشعوب الأخرى لإفساد صفاء الدم اليهودي. ونجد هذا الفكر العنصري اليهودي في أجلى صوره في سفر عزرا الكاهن. فهذا الكاهن يهيج غضباً ضد اليهود الذين إتّخذوا زوجات من خارج الشعب اليهودي «فاختلط النسل المقدّس بشعوب البلاد» (2:9). ويحكي لنا سفر عزرا كيف أنه مزّق ثيابه ونتف شعره ولحيته غيظاً (3:9) وطلب من جميع الشعب الإجتماع في ساحة الهيكل «وأن كل من لا يأتي في ثلاثة أيّام تحرّم كل أمواله» (7:10). فاجتمعوا هناك في يوم ممطر فقال لهم: «إنكم خالفتم واتّخذتم نساء غريبات، لتزيدوا في إثم إسرائيل. فاحمدوا الآن الرب إله آبائكم وأعملوا بما يرضيه، وانفصلوا عن شعوب الأرض والنساء الغريبات» (11:10). وهذا الجزء من الكتاب المقدّس اليهودي كان قد ألهم القوانين العنصريّة الهتلريّة في عصرنا وما زال يلهم رجال الدين اليهود في موقفهم المعادي من الزواج المختلط لأسباب عنصريّة مقيتة [67] .

ويذكر التاريخ كيف أن «سلّومة» إبنة الملك «هيرودوس» كانت ترغب في الزواج من «سيلا» وزير الملك العربي «عبادا» فوافق الملك «هيرودوس» على شرط أن يقبل «سيلا» بأن يختتن. و«أغريبا» أعتُبر كفؤاً بأن يرأس اليهود لأنه زوّج إبنته بملك غير يهودي على شرط أن يختتن [68] . وفي أيّامنا ما زال اليهود يحتفظون بالملابس الملطّخة بدم الختان لكي تعرض يوم تثبيت الطفل اليهودي وزواجه كبرهان لختانه.

6) الأغلف لا يعاشر

يعتبر الأغلف في نظر اليهودي رجلاً نجساً. ولذلك لا يحق معاشرته في مأكله أو مشربه أو دخول بيته أو أكل ذبائحه. كما أنه لا يحق دفن الأغلف في مقابر اليهود. ولذا يتم ختان اليهودي غير المختون قَبل دفنه.

وقد دار جدل في التلمود حول أطفال إمرأة عبدة تم ختانهم ولكن لم يغطّسوا في الحمّام الطقسي. فهل يدنّسون الخمر إذا مسّوه؟ وكان الجواب نفياً لأن الطفل لا يميّز طبيعة الوثن. أمّا إذا كان من مس الخمر بالغاً فإن الخمر يفسد، فلا يحق شربه [69] .

ويذكر «موشي مينوهين»، والد عازف الكمان «يهودي مينوهين»، أن جدّه المتديّن الذي كان يسكن في مستعمرة في فلسطين كان يسكب في المجاري قناني الخمر التي تبقى على مائدته بعد رحيل ضيوفه غير اليهود. وعندما سأله حفيده عن سبب ذلك، كان جوابه بأن الخمر الذي في القناني المفتوحة من قِبَل غير اليهود (الجوييم) تصبح فاسدة وممنوعة من الشرب حسب القواعد اليهوديّة [70] .

وهذه النظرة اليهوديّة للأغلف نجدها في بداية المسيحيّة. فقد عاتب مسيحيّون من أصل يهودي بطرس لقبوله دعوة قرنيليوس، قائد مائة من الكتيبة التي تدعى الكتيبة الإيطاليّة. فقالوا له: «لقد دخلت إلى أناس غلف وأكلت معهم» (أعمال 1:11-3). وبطرس يعرف هذا المنع ويعرف أن الوثنيّين على علم به. ففي مخاطبته لداعيه يقول: «تعلمون أنه حرام على اليهودي أن يعاشر أجنبياً أو يدخل منزله» (أعمال 28:10). وفي رسالته إلى أهل غلاطية، يعلمنا بولس كيف أن بطرس، «قبل أن يقدّم قوم من عند يعقوب، كان يؤاكل الوثنيّين. فلمّا قدموا أخذ يتوارى ويتنحّى خوفاً من أهل الختان» (غلاطية 12:2).

والغلف في نظر اليهودي هم في نفس منزلة الخطأة. فالمسيح، عندما دخل بيت زكا العشّار، تذمّر اليهود قائلين: «دخل منزل رجل خاطئ ليبيت عنده» (لوقا 7:19). وقد كانت الأفكار المتداولة عند اليهود أن معاشرة الخاطئين تؤدّي إلى النجاسة (إبن سيراخ 25:50-26) [71] . وهم أيضاً في منزلة المنشقّين مثل السامريين. يقول سفر يشوع بن سيراخ: «أمَّتان مقتتهما نفسي والثالثة ليست بأمّة: الساكنون في جبل سعير، الفلسطينيون والشعب الأحمق الساكن في شكيم» (بن سيراخ 25:50-26). وفي إنجيل يوحنّا قصّة مرور يسوع ببئر يعقوب فطلب من إمرأة سامريّة أن تسقيه ماءاً. فكان جوابها: «كيف تسألني أن أسقيك وأنت يهودي وأنا إمرأة سامريّة؟» (يوحنّا 9:4).

هذا وسوف نرى لاحقاً كيف أن معارضي الختان يجدون عنتاً كبيراً من قِبَل أهلهم ومن قِبَل المجتمع اليهودي في أيّامنا.

7) الأغلف لا نصيب له في الآخرة

هناك «مدراش» يهودي يقول بأن الله سيخلّص نسل اليهود من الجحيم بسبب الختان، بينما غير المختونين سيرمون فيها. وقد كان إعتقاد سائد بين اليهود أن لا نصيب لغير المختونين في الآخرة. وقد ترك هذا الإعتقاد أثره في الكتابات اليهوديّة في العصور الوسطى [72] .

وهناك رواية يهوديّة تقول إن إبراهيم يقف يوم الدينونة على باب الجحيم فلا يسمح أن يدخل في الجحيم أي شخص يحمل علامة الختان [73] . ورواية أخرى تقول إن الله يغفر لليهود خطايا كثيرة بسبب الختان. وإنه سوف لا يحاكمهم في نفس الوقت الذي يحاكم فيه غيرهم من الأمم. فالأمم تحاكم في ظلمة الليل، واليهود في وضح النهار، وهؤلاء يتمتّعون بنعم لا يحصل عليها غيرهم. وهم وحدهم الذين سيتمتّعون بالأفراح والسعادة عند مجيء المسيح [74] . وهناك قول لرابي يهودي: إن الدم الذي نزل من الطفل عند الختان يُحفظ أمام الله. وعندما يأتي يوم الدينونة فإن الله ينظر للدم فيخلّص العالم [75] .

ولكن ماذا عن الأطفال الذين يموتون قَبل يومهم الثامن دون ختان؟ قال بعض رجال الدين اليهود بأن الطفل حتّى وإن بقي في الحياة لحظة واحدة فإن له نصيب في الحياة الأخرى، خُتن أم لم يختن. وأنكر ذلك غيرهم معتبرين أن لا نصيب لهم إلاّ إذا ماتوا وهم قادرون على الكلام. وغيرهم جعل الختان هو أساس الخلاص لهؤلاء الأطفال: فمن خُتن يخلص، ومن لم يُختن لا يخلص. وهذا هو السبب الذي من أجله قرّر التلمود ضرورة ختان الطفل الذي يموت قَبل اليوم الثامن إذ إن المختونين فقط لهم نصيب في الحياة الأخرى [76] . ولنا عودة إلى ختان الميّت لاحقاً.

وقد طرحت فكرة ابتداء الختان بإبراهيم حسب التوراة مشكلة عند اليهود أنفسهم الذين يعتبرون الختان شرطاً للخلاص الأبدي. فإن كان الختان بتلك الأهمّية، فهل هذا يعني أن كل الصالحين الذين سبقوا إبراهيم قد هلكوا؟ هل هؤلاء جميعهم في الجحيم؟ هذا ما أثاره القدّيس يوستينوس في حواره مع تريفون (كما سنرى في الفصل الثاني من القسم الثاني عن الختان في الفكر الديني المسيحي). وحتّى يحلّوا هذه المشكلة، لجأ رجال الدين اليهود إلى القول بأن أولئك الصالحين قد ولدوا مختونين من أمّهاتهم، دون غلفة، حاملين علامة العهد [77] . وهم يرون أن الله قد أنعم على عدد آخر من الذين ولدوا بعد إبراهيم، فولدوا مختونين، معتبرين ميلادهم هكذا إشارة على إختيار الله لهم وتطهيرهم منذ بداية حياتهم. وتقول إحدى الروايات اليهوديّة أن عدد المختونين يبلغ 13 شخصاً، ولكن هذه القائمة غير ثابتة ونجد في الروايات اليهوديّة الأسماء الآتية: آدم وشيت (إبن آدم الثالث)، وانوخ، ونوح، وشم، وتيره، وملكصادق، ويعقوب، وجاد، ويوسف، وموسى (حسب إحدى الروايات، بينما تقول رواية أخرى إن أبويه ختناه في اليوم الثامن)، وبلعام، وصموئيل وداود وأشعيا وأرميا وزروبابل وعوبيد [78] . لا بل أضافوا أن بعض الملائكة خُلقوا مختونين [79] . وإحدى الروايات اليهوديّة تقول إن الله كلّم آدم بعد سقوطه قائلاً: ملعونة الأرض بسببك. فسأله آدم: والى متى؟ وكان جواب الله: «حتّى يولد طفلاً لا يحتاج للختان». وقد تم ذلك مع نوح الذي كان مختوناً من بطن أمّه [80] .

8) المبالغة في أهمّية الختان

إذا كانت التوراة قد سنّت الختان، فإن الآيات التي جاءت بخصوصه قليلة وبسيطة. وقد إكتسب الختان أهمّية خاصّة وتوسّعاً في القواعد التي تحكمه في ما يدعى العصر التلمودي، أي ما بين القرن الثاني والسابع الميلاديين. وفي التلمود فقرة توضّح سبب أهمّية الختان: إن الختان مهم لأنه يحق إباحة السبت من أجله، ولأن موسى بكل عظمته لم يعفى منه ساعة واحدة (إشارة إلى سفر الخروج الفصل الرابع)، ولأن إبراهيم لم يدعى كاملاً إلاّ بعد أن أتم الختان (إشارة إلى سفر التكوين 1:17)، ولأن لولا الختان لم يكن الله قد خلق العالم. وهذا إشارة إلى أرميا 25:33-26: «هكذا قال الرب: إن لم يكن هناك عهدي مع النهار والليل، ولم أجعل فرائض للسماوات والأرض، فإني أنبذ أيضاً ذرّية يعقوب وداود عبدي». وهم يترجمون هذا النص كما يلي: « هكذا قال الرب: إن لم يكن هناك عهدي نهاراً وليلاً، لم أكن لأجعل فرائض للسماوات والأرض». ويضيف التلمود أن الختان يساوي في قيمته كل أوامر التوراة [81] .

وما زال المؤلّفون اليهود المعاصرون يردّدون على مسامعنا هذا الكلام. و«كوهين» يضيف إليه كلاماً للحاخام «جوزيف سوليفيتشيك» يقول فيه عن الختان: «إنه عهد أبدي لا يمكن أبداً حذفه. إن الشعب اليهودي والله ينتميان إلى تجربة واحدة [...]. إن الإنسان دون عهد الختان يشبه حبّة رمل تطيش على مياه المحيط مرّة هنا ومرّة هناك». كما يذكر كلاماً للحاخام «آريه كابلان»: «إن الختان قد أعاد إبراهيم وذرّيته إلى وضع آدم قَبل الخطيئة. وقد إستطاعت ذرّية إبراهيم أن تكون إناءاً للتوراة بسبب الختان. وهكذا، فإنه من خلال وصيّة الختان أمكن إتمام هدف الخلق» [82] . ويرى اليهود أن إتمام الختان له الأولويّة على دفن قريب [83] .

الفصل الثالث: التيّار اليهودي الناقد لختان الذكور

رغم أن الأكثريّة الساحقة من اليهود ما زالت متمسّكة بالختان، فإن موقف اليهود منه لم يكن أبداً موقفاً ثابتاً. فهناك تحوّل في الفكر اليهودي يتأرجح بين فرض الختان جبراً، وبين إهماله وبين رفضه وإدانته. وبما أن الكتابات العربيّة لا تتعرّض بتاتاً لهذا الموضوع وأكثر الناس حتّى في الغرب يجهلون وجود نقاش في الأوساط اليهوديّة حول الختان، قرّرنا أن نعطي هذا الموضوع أهمّية خاصّة.

1) هل مارس اليهود دائماً الختان؟

توحي لنا نصوص التوراة أن الختان قد بدأ بإبراهيم الذي يُظن أنه عاش في القرن التاسع عشر قَبل المسيح. ولكن هناك شواهد تبيّن أن يهود مصر لم يكونوا يمارسون الختان بصورة شاملة. فسفر الخروج يخبرنا أن موسى هرب من مصر واتّجه إلى مدين حيث تزوّج بصفّورة إبنة كاهنها فأنجب منها ولدين، هما جرشوم واليعاز (خروج 15:2-22 و3:18). ثم رجع مع زوجته وابنيه إلى مصر. وفي طريقه إلى مصر ظهر له الله فطلب قتله. فأخذت صفّورة صوّانة وقطعت غلفة إبنها ومسّت به رجلي موسى وقالت: «إنك لي عريس دم. فانصرف عنه (خروج 19:4-26). وهذا النص يبيّن أن موسى لم يكن مختوناً، وأن ولديه لم يكونا مختونين في الوقت الذي حدّدته التوراة (اليوم الثامن)، وأن صفّورة ذات الأصل غير اليهودي ختنت فقط واحداً من ولديها بصوّانة، وقد يكون الإبن البكر. فالنص يتكلّم عن رجوع موسى مع إبنيه بصيغة المثنى (خروج 20:4)، بينما يتكلّم عن ختان صفّورة لابنها بصورة المفرد (خروج 25:4). وهناك رواية يهوديّة تقول إن اليهود قَبل خروجهم من مصر قد تركوا ممارسة الختان واختلطوا بغير اليهود. ولم يبقى ممارساً لهذه العادة إلاّ سبط لاوي. وترك اليهود عادة الختان أغضب الله فغيّر حب المصريّين لليهود إلى بغض [84] .

ويروي لنا سفر يشوع أن اليهود الذين ولدوا في البرّية بعد خروجهم من مصر لم يختنوا في صغرهم. وقد جاء أمر الله ليشوع بختانهم في البرّية (يشوع 2:5-9). ويعتمد المؤلّفون اليهود في أيّامنا على التلمود لشرح أن عدم الختان هذا كان بسبب المناخ الصحراوي القاسي الذي لا يسمح بعمل الختان على الأطفال دون تعرّضهم لضرر في صحّتهم، ولأنهم لم يكونوا يعرفون متى يجب عليهم أن يكمّلوا مسيرتهم في الصحراء [85] . وقد أعيد أمر ختان الذكور في سفر الأحبار: «وفي اليوم الثامن تختن غلفة المولود» (الأحبار 3:12)، وهي آية تعتبر مدسوسة على النص الأصلي أدخلها الكهنة في عصور لاحقة بعد المنفى لتأييد شريعة الختان.

ونحن نجد في بعض نصوص التوراة إستعمالاً مجازياً للختان. ففي سفر التكوين يرتبط وعد أرض الميعاد لإبراهيم ونسله بختان الذكر، بينما في سفر تثنية الإشتراع يرتبط هذا العهد بختان القلب (تثنية 5:30-6). وفي فصل آخر نقرأ: «والآن يا إسرائيل، ما الذي يطلبه منك الرب إلهك إلاّ أن تتقي الرب إلهك سائراً في جميع طرقه ومحباً إيّاه، وعابداً الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك [...]. فاختنوا غلف قلوبكم، ولا تقسّوا رقابكم بعد اليوم» (تثنية 12:10 و16). وفي سفر الأحبار يتوعّد بإهلاك وإذلال قلوب اليهود الغلف بسبب إثمهم (الأحبار 38:26-41). وسفر أرميا يقول إن الله يعاقب على السواء غير المختونين في الجسد من الأمم واليهود المختونين في الجسد ذوي القلوب الغلف (عرلي لب): «ها إنها تأتي أيّام، يقول الرب، أعاقب فيها كل المختونين في أجسادهم. مصر ويهوذا وادوم وبني عمون وموآب، وكل مقصوصي السوالف الساكنين في البرّية، لأن كل الأمم غلف، وكل بيت إسرائيل غلف القلوب» (أرميا 24:9-25) [86] .

وقد إستعملت التوراة كلمة «غرلة» متّصلة مع كلمة الشفاه. فموسى يقول عن نفسه إنه «عرل شفتيم»، وقد تُرجمت بثقيل اللسان، أي يتعثر بكلامه (الخروج 12:6 و30).

وأرميا يستعمل كلمة «غرلة» متّصلة بكلمة الآذان: «من ذا أكلّم ومن أشهد عليه فيسمعوا. ها إن آذانهم غلف فلا يستطيعون الإصغاء. ها إن كلمة الرب صارت لهم عاراً لا يهوونها» (أرميا 10:6).

والمؤلّف اليهودي «فيلون» يرى أن الختان يقع على أمرين: أوّلاً ختان الجسد وختان الذكر. ختان الجسد يتم بقطع الغرلة، وختان الذكر، يتم على مستوى الفكر. فالذكر الحقيقي هو العقل الذي فينا والذي يجب تهذيبه ببتر ما لا فائدة فيه فيتطهّر من كل شر وكل شهوة فيتمكّن هكذا من ممارسة الكهنوت الإلهي. وهذا ما تشير إليه الآية: «أزيلوا غلف قلوبكم» (أرميا 4:4) [87] .

هناك إذاً بجانب ختان غلفة الذكر ختان الشفتين وختان القلب وختان الآذان. وهو تعبير عن تطهير النفس وعدم إقتراف الإثم بتلك الأعضاء. وقد يكون هذا تطوّراً لاحقاً للختان الجسدي، أو سابقاً له، أو تيّاراً فكريّاً موازياً له يرفض النظر إلى المظاهر الخارجيّة. وسوف نرى لاحقاً أن الكتب المقدّسة المسيحيّة قد تخطّت ختان الجسد واستبدلته بختان القلب.

هذا ويرى المؤلّف اليهودي «هوفمان» أن الختان لم يصبح إجباريّاً عند اليهود إلاّ بعد الرجوع من المنفى أي في القرن السادس قَبل المسيح. وهو يعتمد على عدم وجود أثر للختان في سفر أشعيا الذي سبق المنفى إلاّ في الفصلين 25 و56 وهما فصلان أضيفا إلى سفر أشعيا بعد المنفى. والختان قد تم فرضه من قِبَل الكهنة الذين سيطروا على الشعب فكتبوا النصوص الخاصّة بالختان بصيغة الأمر، منها النص الخاص بختان إبراهيم (التكوين فصل 17) والنص الخاص بالزواج (التكوين: الفصل 34) والنص الخاص بالطهارة (الأحبار: الفصل 12) [88] .

وفرض الختان على الشعب من قِبَل الكهنة لم يلقَ قبولاً كاملاً. فهناك من رفض ممارسته. وتذكر رواية يهوديّة أن أقدم محاولة لرفض ختان الذكور هي تلك التي قام بها عيسو إبن إسحاق بإلغاء ختانه بشد الغلفة لإطالتها ( epispasm ). وعيسو هو في نظر الكتاب المقدّس (التكوين فصل 25 و27 و28) وفي نظر الروايات اليهوديّة الرجل المرذول من الله. ورواية أخرى تقول إن أولاد عيسو إستخفّوا بالختان بعد موت أبيهم [89] .

وتذكر التوراة أن الختان قد منع من قِبَل ملك إسرائيل آحاب (875-853 ق.م) وزوجته إيزابيل، إبنة كاهن من كهنة عشتاروت الذي تولّى السلطة في صور. وفي هذا الإطار نقرأ قول إيليّا في سفر الملوك الأوّل: «إني غرت غيرة للرب، إله القوات، لأن بني إسرائيل قد تركوا عهدك وحطّموا مذابحك وقتلوا أنبياءك بالسيف، وبقيت أنا وحدي، وقد طلبوا نفسي ليأخذوها» (1 ملوك 9:19-10) [90] . وإشارة إلى هذا القول، يقوم اليهود بوضع كرسي لإيليّا كشاهد للختان، كما سنرى لاحقاً.

ويروي لنا سفر المكابيين الأوّل أنه «خرج من إسرائيل أبناء لا خير فيهم فأغروا كثيرين بقولهم: هلمّوا نعقد عهداً مع الأمم التي حولنا، فإنّنا منذ انفصلنا عنهم لحقتنا شرور كثيرة» (1 المكابيين 11:1). وبناء على طلبهم، تم منع الختان من قِبَل الملك أنطيوخس (توفّى عام 164 ق.م). فترك اليهود الختان ومنهم من ألغى علامة الختان بمد جلد الذكر لاسترجاع الغلفة (1 المكابيين 15:1 و48). وقد قاد رجال الدين ثورة على القوانين التي تمنع الختان وختنوا «بالقوّة كل من وجدوه في بلاد إسرائيل من الأولاد الغلف» (1 المكابيين 46:2). وهكذا لم يكن رجال الدين اليهود أكثر تسامحاً من القوانين التي تمنع الختان.

ونجد تيّاراً مماثلاً في القرنين اللاحقين للميلاد ممّا جعل رجال الدين اليهود يتشدّدون في الختان ويتمادون في القطع حتّى يمنعوا إسترجاع الغلفة وإخفاء الختان كما سنرى لاحقاً. وتقول رواية يهوديّة إنه لو لم تكن هناك عادة إستعادة الغلفة لما كان الهيكل قد خرب. وتروي هذه الرواية أن إبراهيم حاول التدخّل عند الله لمنع خراب الهيكل ولكن الله رفض وساطته لأن علامة العهد قد ألغيت [91] . وسوف نعود لعمليّة إسترجاع الغلفة هذه في الجزء الطبّي.

ويرى المؤلّفون اليهود والمتعاطفون معهم أنهم وقعوا في الماضي ضحيّة إضطهادات وقوانين جائرة من قِبَل الأمم الأخرى وأن التعدّي على الختان شكل من أشكال التعدّي على اليهود (وهو ما يطلقون عليه معاداة الساميّة). وعبثاً تبحث عند هؤلاء المؤلّفين عن نظرة متفحّصة للموقف اليهودي تجاه تلك الأمم التي إضطهدتهم لمعرفة ما إذا كان هذا العداء لليهود يقابله عداء من اليهود نحو تلك الأمم. ويكفي هنا النظر في الكتب اليهوديّة للبرهنة على أن اليهود لم يكونوا بحد ذاتهم أبرياء، وأنهم لا يختلفون عن غيرهم. فهذه كتبهم المقدّسة تبيّن أن اليهود ينظرون إلى غير اليهودي نظرة إحتقار ويكِنّون له العداء. وهؤلاء المؤلّفون يصوّرون لنا أن اليهود إذا ما تركوا الختان في ماضيهم، فإن ذلك كان نتيجة الإضطهاد والقوانين الجائرة. وهم يعتبرون أبطالاً أولئك الذين تمسّكوا بالختان وضحّوا بحياتهم في سبيله. ولكنّهم لا يطرحون السؤال الآخر، وهو ما إذا كان الختان الذي مارسه اليهود كان فعلاً إختياريّاً أم كان مفروضاً عليهم من قِبَل رجال الدين الذين سيطروا عليهم. وقد رأينا أن اليهود قد فرضوا الختان على الأطفال والعبيد ومن يصاهرهم. واعتبروا غير المختونين نجساً واحتقروهم، كما أن بعض الذين خضعوا للسيطرة اليهوديّة تم ختانهم جبراً أو خوفاً من سطوة اليهود. ولم يكن رجال الدين اليهود، كلّما كانت السلطة بين أيديهم، يتسامحون مع اليهود الذين يريدون ترك الختان.

وفي عصرنا هذا ما زال المؤلّفون اليهود ينظرون لليهود الذين مُنعوا من ممارسة الختان في الإتّحاد السوفييتي كضحايا وأن أوّل مطلب لهم بعد خروجهم من بلدهم هو ختانهم وختان أطفالهم [92] . ولكن هل إختار اليهود السوفييت عند خروجهم بكل حرّية ممارسة الختان عليهم وعلى أطفالهم؟ فمن المعروف أن رجال الدين اليهود فرضوا الختان عليهم كشرط لحصولهم على الإقامة في إسرائيل والإستفادة من المعونات اليهوديّة، خاصّة داخل إسرائيل حيث سيطرة رجال الدين في أوجّها [93] . ومن المعروف أيضاً أن من يرفض ختان إبنه من اليهود يلقى معارضة شديدة من قِبَل محيطه العائلي، حتّى في دولة متحرّرة مثل الولايات المتّحدة [94] . ولذلك يمكننا أن نقول إن القوانين «الجائرة» التي كانت تمنع اليهود من الختان يقابلها في حقيقة الأمر قوانين يهوديّة لا تقل جوراً تفرض الختان. فهناك إذاً صراع بين سلطتين: سلطة الدولة الحاكمة التي كانت ترى في الختان تعبيراً عن ترفع اليهود على الغير وشكل من أشكال التعدّي على سلامة الجسد، وسلطة رجال الدين اليهود الذين كانوا يريدون أن ينفردوا بالشعب معتبرين غير المختونين نجساً، يهوداً كانوا أو غير يهود.

2) الجدل ضد الختان قديماً

لقد صوّر لنا رجال الدين اليهود في كتبهم المقدّسة أن الختان فريضة إلهيّة. وإن ذكروا بين الحين والآخر إهمال أو رفض بعض اليهود للختان، فإنهم تناسوا ذكر آرائهم، لا بل نعتوا معارضي الختان بأبشع الأوصاف كما ذكرنا سابقاً. إلاّ أننا نجد بعض الآثار للجدل ضد الختان ليس بين اليهود أنفسهم، بل بين اليهود وغير اليهود. فقد نقلت لنا بعض الكتب اليهوديّة ذلك الجدل الذي ينتهي دائماً، حسب روايتهم، إلى إفحام معارضيهم. ونحن نذكر بعض ما عثرنا عليه مع الأمل أن يقوم غيرنا من الباحثين بإكمال هذا البحث.

سأل الملك «أجريبّا» «رابي اليعازر» لماذا لم يذكر الله الختان ضمن الوصايا العشر إذا كان الختان مُهمّاً جدّاً. فأجابه أن الختان أُعطي قَبل الوصايا العشر. وقد إعتمد في ذلك على الآية الآتية: «والآن، إن سمعتم سماعاً لصوتي وحفظتم عهدي، فإنكم تكونون لي خاصّة من بين جميع الشعوب، لأن الأرض كلّها لي. وأنتم تكونون لي مملكة من الكهنة وأمّة مقدّسة» (الخروج 5:19-6). والعهد هنا يعني عهد الختان وهذا النص جاء قبل أن تنزل الوصايا العشر التي ذكرت في الفصل 20 من سفر الخروج [95] .

وتروي لنا رواية يهوديّة جدلاً بين رابي عكيفا ومن تسمّيه «روفس الطاغية». فقد سأل هذا الأخير رابي عكيفا: ما هو أفضل: عمل الله أم عمل الإنسان؟ فقال رابي عكيفا: عمل الإنسان. فقال له الطاغية: أنظر إلى السماء والأرض، هل يمكن لأحد أن يصنع مثلهما؟ فقال رابي عكيفا: لا تتكلّم عن أمور هي أعلى من الإنسان الفاني ولا قدرة له عليها، بل إسأل عن أمور يقدر عليها الإنسان. فقال له الطاغية: لماذا تختن نفسك؟ فقال رابي عكيفا: كنت أعرف بأنك ستسألني هذا السؤال. ولذلك أجبتك بأن عمل الإنسان هو أفضل من عمل الله. فأخذ رابي عكيفا سنبلة قمح ورغيف خبز وقال: هذه السنابل هي من عمل الله، وهذا الخبز هو من عمل الإنسان. أليس رغيف الخبز أفضل من سنابل القمح؟ ثم احضر ساقا من الكتّان وثوباً صنع في بيسان وقال: ساق الكتّان هذا هو من صنع الله، وهذا الثوب من الكتّان هو من صنع الإنسان. أليس ثوب الكتّان يستحق تقديراً أكبر من ساق الكتّان؟ فقال عند ذلك الطاغية: إذا كان الله يريد الختان، فلماذا لم يخلق الطفل من بطن أمّه مختوناً؟ فأجاب رابي عكيفا: لماذا الحبل السُري يخرج متعلّقاً مع الطفل؟ ألم يكن من الأفضل أن يولد الطفل وحبله السري مقطوعاً؟ وأمّا بخصوص سؤالك لماذا لا يولد الطفل مختوناً، فالجواب هو لأن الله أعطى الأمر للإسرائيليين لكي يتطهّروا [96] .

ونحن نجد فكرة إكمال خلق الله في رواية أخرى ترويها لنا «بريشيت رابّا»، وهي «مدراش» فلسطيني من القرن الخامس الميلادي. ففي تعليق على سفر التكوين، يقول «رابي يهوذا»: إن عيب ثمرة التين في قمعها. إفصل قمعها منها فتصبح كاملة. وهكذا فإن الله قد قال لإبراهيم: عيبك في غرلتك. إقطعها فيزال عيبك. «سر أمامي وكن كاملاً» (التكوين 1:17). وقال «رابي ليفي»: يمكن أن نشبّه الأمر بسيّدة شريفة قال لها الملك: سيري أمامي. وبينما هي تمر، إصفر وجهها خجلا ظانة أنه هناك عيب فيها. فقال لها الملك: لا عيب فيك إلاّ ظفر إصبعك الصغير فهو طويل. قصيه فيزال عيبك. وهكذا فإن الله قد قال لإبراهيم: عيبك في غرلتك. اقطعها فيزول عيبك. «سر أمامي وكن كاملاً» [97] .

في هاتين الروايتين الأخيرتين فسّر الختان وكأنه عمليّة تجميليّة الغاية منها تكميل خلق الله. ولكن هذا يتناقض مع موقف الكتاب المقدّس اليهودي الذي يعتبر قطع جزء من الجسم إنقاص له. فالذبيحة التي تقدّم محرقة لله يجب أن تكون تامّة: «لكي يرضى عنكم يجب أن يكون ذكراً تامّاً من البقر أو الضأن أو المعز. ولا تقرّبوا ما به عيب، فإنه لا يرضى به عنكم» (الأحبار 19:22). كما أن الكتاب المقدّس اليهودي يمنع خدش الجلد والوشم عامّة: «وخدشاً من أجل ميّت لا تضعوا في أبدانكم، وكتابة وسم لا تضعوا فيكم» (الأحبار 28:19). وفي مكان آخر: «أنتم أبناء للرب، فلا تصنعوا شقوقاً في أبدانكم» (تثنية 1:14). وقد تشدّد الكتاب المقدّس بخصوص الكهنة: «أي رجل من نسلك مدى أجيالهم كان به عيب، فلا يتقدّم ليقرّب طعام إلهه. فإن كان رجل به عيب لا يتقدّم: الأعمى والأعرج والمشوّه وسقيم البنية، والذي به كسر رجل أو كسر يد، والأحدب والضامر والذي في عينيه بياض، والأجرب ومن به القوباء ومرضوض الخصية. كل رجل به عيب من نسل هارون الكاهن لا يتقدّم ليقرّب الذبائح بالنار للرب: إنه به عيب. فلا يتقدّم ليقرّب طعام إلهه» (الأحبار 17:21-21) أنظر أيضاً الأحبار 5:21 وتثنية 2:23. وهناك قصّة تقول إن أحد الكهنة قد أبعد عن خدمة يوم الغفران لأن أحد خصومه عضه في أذنه [98] .

وقد حاول «رابي اشماعيل» تبرير عدم تأثير قطع الغرلة على كمال الشخص: إن إبراهيم كان كاهناً أكبر حسب قول سفر المزامير: «أقسم الرب ولن يندم: أن أنت كاهن للأبد على رتبة ملكيصادق» (المزامير 4:110) وفي مكان آخر تقول التوراة: «فتختنون في لحم غلفتكم» (التكوين 11:17). ولو ختن إبراهيم في أذنه أو في فمه، لكان ذاك عيب يمنعه من تقديم الذبيحة. أمّا ختانه في غرلته فهذا لا يمنعه من تقديم الذبيحة. وأضاف رابي عكيفا أن كلمة الغرلة تنطبق على غلفة العضو التناسلي، والشفتين والآذان والقلب. ولكن الله قال لإبراهيم: «سر أمامي وكن كاملاً». فلو قطع إبراهيم فمه أو أذنيه أو قلبه لكان غير كامل. ولكن بقطعه غرلة ذكره فإنه أصبح كاملاً. ممّا يعني أنه هناك إختلاف بين قطع غرلة الذكر وبتر عضو آخر من جسم الإنسان [99] .

ونظريّة كمال خلق الله هي أحد الأسباب التي من أجلها يُرفَض الختان في أيّامنا. ونحن نجد تأكيداً على هذه النظريّة عند المؤلّف اليهودي «فيلون» في تعليقه على الآية «وإن صنعت لي مذبحاً من حجارة، فلا تبنيه بالحجر المنحوت، فإنك إن رفعت حديدك عليها دنّستها» (خروج 25:20): «إن الذين يريدون أن يغيِّروا ويشكِّلوا أعمال الطبيعة يدنّسون ما لا يحق تدنيسه. فإن أمور الطبيعة كاملة وسويّة، ولا تحتاج إلى بتر أو إضافة بأي شكل من الأشكال» [100] . ولكن «فيلون» لم يستطع متابعة فكرته، وإلاّ لكان توصّل إلى نقد الختان، وهو ما لا يريد الوصول إليه. فكتبه هي مجرّد تبرير للتوراة بحيل كلاميّة.

وقد رفض موسى إبن ميمون تفسير رجال الدين اليهود القدامى في أن الختان يكمّل خلق الله. فهو يرى أن القصد من الختان هو تأذية وإضعاف العضو التناسلي لإنقاص الشهوة الجنسيّة عند الرجل، أو حسب تعبيره «نقص الكَلَب والشره الزائد على ما يحتاج»، وفي نفس الوقت إنقاص لذّة المرأة في العلاقة الجنسيّة مع الرجل المختون. ويذكر برهاناً على إنقاص لذّة المرأة قول الحُكماء «أنه من الصعب أن تفارق المرأة الأغلف الذي جامعها». وهكذا يكون الختان ليس « لتكميل نقص الخِلقة، بل لتكميل نقص الخُلق» [101] .

وقصد إبن ميمون هو إثبات أن كل أمر في التوراة له عِلّة وحِكمة خفيّة. فهو يقول: «كل أمر أو نهي شرعي تخفى عنك عِلّته إنّما هو طب مرض من تلك الأمراض التي ما بقينا اليوم نعلمها، والحمد لله على ذلك. هذا هو الذي يعتقده من له كمال ويحقّق قوله تعالى: ولم أقل لذرّية يعقوب إلتمسوني عبثاً» (أشعيا 19:45) [102] . ولنا عودة لعلاقة الختان باللذّة الجنسيّة في الجزء الطبّي.

وموضوع مخالفة الختان لمبدأ كمال خلق الله ما زال يُطرح حتّى في أيّامنا. فقد سُئل رجل دين محافظ: «لماذا لم يخلق الله ذكر الإنسان دون غلفة إذا لم يكن يرغب في إبقاء هذه الغلفة عليه؟». فأجاب: «إن هذا تخمين. لماذا لم يخلق الله كل الناس كاملين رغم أنه كان بإمكانه خلقهم كذلك إذ إنه قادر على كل شيء؟ لماذا بعض الأفراد عندهم حدبة ثم نصلحهم؟ لقد كان من الممكن أن يكونوا أصحّاء من البداية. قد يقول لك البعض إن الله خلق الذكر في تلك الصورة لأنه كان يريد أن يمتحن اليهود أنفسهم ويأخذوا على عاتقهم بعض الواجبات والتضحيات. ليس بمعنى أننا نقدّم الغلفة قرباناً، بل نقدّم الألم وعدم الرفاهيّة. وسؤالك هو كمن يسأل لماذا لم يخلق الله الإنسان بارع ومتطوّر؟ لماذا عليه أن يولد طفلاً ثم ينمو؟» [103] . وهذا الجواب ينقصه المنطق. فمن جهة يعتبر وجود الغلفة (التي هي عامّة في كل ذكر) مثل تشويه الأحدب (وهو أمر شاذ). ومن جهة أخرى، فإنه يضع اليهود في موقع متعال بإعطائهم واجباً إلهيا فرض عليهم دون غيرهم. ومن جهة ثالثة، يتغاضى هذا الجواب عن دور الغلفة الوظيفي في الجسم. أضف إلى ذلك أنه لا يأخذ بالإعتبار قضيّة التعدّي على سلامة جسم شخص قاصر دون سبب طبّي. وفي نفس المقابلة يرى رجل الدين هذا في الختان أمراً يسيراً يشبّهه بضربة على خد الطفل بعد ميلاده.

ونشير أخيراً إلى حوار جاء في مدراش «بريشيت رابّا» من القرن الخامس الميلادي بين إبراهيم والله. فقد سأل إبراهيم الله: إذا كان الختان بتلك الأهمّية، لماذا لم تعطه لآدم؟ وأضاف: قبل أن أختن تبعني أناس. فهل تظن بأنهم سيستمرّون بإتّباعي بعد ختاني؟ وكان رد الله عليه: «يكفيك أني إلهك». وهذا الحوار الذي تصوّره رجال الدين اليهودي هو تعبير عن الشكوك التي أحاطت الختان في عصرهم [104] .

3) الجدل ضد الختان عند المجدّدين اليهود الألمان

بعد الثورة الفرنسيّة عام 1789، كان في أوروبا توجه عام يهدف إلى خلق مجتمع مدني تُلغى فيه الحواجز الطائفيّة وتجعل من الأفراد مواطنين متساوين في الحقوق. فقد أبدت الحكومات إستعداداً لدمج الطوائف الدينيّة كاليهود. وكان مطلوباً من تلك الطوائف الدينيّة الخروج من تقوقعها لكي يستفيد أفرادها من الحقوق التي تهبها الحكومات. وكان نابليون شخصياً معادياً لهذا التقوقع الطائفي إذ فرض على اليهود كسر الغيتو اليهودي للإنفتاح على الخارج في المناطق التي وقعت تحت سيطرته [105] .

وضمن هذا الإتّجاه كان ميلاد التيّار المجدّد اليهودي الذي كان يدعو إلى القبول المتبادل بين اليهود وغير اليهود. ففي خطاب إفتتاح أوّل «هيكل يهودي مجدّد» في عام 1810 في مدينة «سيسين» الألمانيّة التي كانت تحت سيطرة الجيش النابليوني، إعتبر «إسرائيل جاكوبسون» أن الطقوس والعادات الدينيّة اليهوديّة معادية للعقل وهي إهانة للإنسان العاقل. وطالب طائفته بالتجديد الديني وبث مبادئ أكثر سلامة. وطالب في نفس الوقت من المسيحيّين أن يتقبّلوا اليهود في مجتمعهم وفي أعمالهم المهنيّة [106] .

وكان من بين إشارات الإنفتاح مثلاً في مجال الطقوس أن أدخل الأرغن ضمن الطقس الديني بينما كان رجال الدين اليهود يرفضون إدخال أيّة آلة موسيقيّة في طقوسهم حتّى يعودون إلى أرض الميعاد ويعاد بناء هيكل سليمان من جديد. وإدخال الأرغن يعني أن على اليهودي أن يعتبر البلد الذي يقوم فيه كبلده ولا ينتظر عودته إلى أرض الميعاد. وهذه النظرة اليهوديّة الجديدة لمكان الإقامة نجده في تسمية المعبد. فهو عند المجدّدين ليس الكنيس بل الهيكل، وهو الإسم الذي كان يطلق حصراً على هيكل سليمان. ممّا يعني أن كل مكان يسكن فيه اليهودي هو بمثابة القدس له. وهكذا حاول اليهود الإندماج في المحيط الإجتماعي الجديد الذي خلَّفَته مبادئ الثورة الفرنسيّة ومبادئ فلاسفة التنوير [107] .

ويرى اليهود المجدّدون أن طائفتهم مكوّنة من قشرة ونواة. فالقشرة تحمي النواة ضد العاهات الخارجيّة. وإذا كان الجو مناسباً، فإن على القشرة أن تنشق لتسمح للنواة بالنمو مستغنية عن القشرة. وتلك القشرة كانت في نظرهم النظام الطائفي اليهودي المتقوقع المتوارث عن العصور الوسطى. ومنهم من أضاف إليه التلمود. فهم يعتبرون أن لليهوديّة ثلاث مراحل: العصر التوراتي، تبعه عصر التلمود الذي تبع خراب الهيكل والذي حمى اليهود ضد الخارج. ثم جاء حاليّاً العصر الحديث الذي لا يحتاج للتلمود لأنه يعيق نمو اليهوديّة وتطوّرها [108] .

وقد قاد هذا الفكر التجديدي عند اليهود إلى التصدّي لتقاليد طائفتهم الدينيّة معتبرين أن كل تقليد لا يتّفق مع العقل والتقدّم العلمي يجب إبعاده. ومن بين تلك التقاليد الختان. وكانت هذه العادة ممارسة بصورة عامّة بين اليهود لسببين: الأوّل هو إعتقادهم أن الختان أمر إلهي موحى ومُلزِم، والثاني خضوعهم لنظام الطوائف الذي يسيطر عليه رجال الدين. وكان هؤلاء يفرضون الختان فرضاً، وكل من تساوره نفسه بعدم ختان إبنه كان يستبعد من الطائفة. ومع تزعزع سلطة رجال الدين اليهود، أتيحت الفرصة لبعض اليهود طرح تساؤلات حول معنى الوحي ولزوم تطبيقه، بما في ذلك الأمر الإلهي بالختان. وقد فُتح النقاش حول الختان فعلاً عام 1842 في مدينة فرانكفورت الألمانيّة من قِبَل مجموعة يهوديّة علمانيّة أطلقت على نفسها «أصدقاء التجديد»، وهو تعبير يوازي تعبير «أصدقاء النور» الذي كان يأخذ به مناصرو التيّار الحر البروتستانتي ذو الصبغة العالميّة. وكان من بين مطالب «أصدقاء التجديد» حذف الختان كعلامة تمييز بين الناس. فوضعوا في برنامجهم إعتبار الختان أمر غير مُلزِم لليهودي. إلاّ أنهم حذفوا هذه النقطة لاحقاً تحت ضغط رجال الدين اليهود. وقد إقترح هؤلاء المجدّدون في منشور دون ذكر إسم المؤلّف بأن يُستَبدَل الختان الدموي بطقس ديني للذكر والأنثى أطلق عليه تقديس اليوم الثامن، الهدف منه إدخال كل من الذكر والأنثى في العهد وإعطاؤه إسماً يهوديّاً. وكان بعض المجدّدين لا يخفون بأن قصدهم كان إلغاء الإعتقاد بديانة ذات وحي وإلغاء الفروق بين الأديان.

وبعد هذا بقليل، وعلى أثر حوادث موت أطفال يهود نتيجة للختان، قامت إدارة الصحّة في مدينة فرانكفورت بنشر تعليمات بأنه على «اليهود المحلّيين الذين يريدون ختان أطفالهم» اللجوء إلى أشخاص مؤهّلين طبّياً وإدارياً. وقد كان القصد من هذه التعليمات ظاهرياً تفادي المشاكل الصحّية للختان، ولكن في حقيقتها أخِذَت تحت تأثير التيّار المجدّد المعادي للختان بقصد إضعاف سلطة رجال الدين. وقد فُسِّرَت فعلاً من قِبَل هذا التيّار بأن الختان أمر متروك لإرادة أهل الأطفال وليس لإرادة السلطة الدينيّة اليهوديّة، ممّا أدّى إلى ترك بعض اليهود أولادهم دون ختان. وقد حاول الحاخام «سلمون ابراهام ترير» الحصول من حكومة مدينة فرانكفورت على تعديل للتعليمات المذكورة بحيث لا تُفسَّر بالمعني الذي يريده المجدّدون. إلاّ أن الحكومة أجابت بأن القصد من تلك التعليمات لم يكن إلغاء أمر إلهي، رافضة التدخّل في موضوع يخص الحرّية الفرديّة. وبعد أن رفض بعض اليهود ختان أبنائهم، رجع الحاخام للحكومة طالباً الحق في فصلهم من الطائفة اليهوديّة، مبيّناً أن اليهودي الذي يرفض ختان إبنه يعاقب حسب القوانين اليهوديّة بالموت. ولكن الحكومة أجابت بأنها تأسف أن يقوم بعض الأفراد اليهود في الإساءة للطائفة اليهوديّة، ولكنّها في الوقت نفسه تأسف لعدم إمكانيّة أخذ الإجراء الذي يطلبه الحاخام. عندها، أرسل الحاخام المذكور رسالة إلى 80 حاخاماً يهوديّاً أوروبياً طالباً أخذ موقف ضد حركة المجدّدين. وقد جاءت أكثر الأجوبة مؤيّدة لموقف هذا الحاخام، معتبرة اليهود الذين يرفضون الختان مرتدّين يجب إقصائهم عن الطائفة اليهوديّة وقطع كل علاقة معهم ورفض زواجهم أو دفنهم في المقابر اليهوديّة. وهكذا بقي الختان شرطاً أساسياً للإنتماء للطائفة اليهوديّة. ولكن ذلك أدّى إلى انشقاق الطائفة اليهوديّة [109] .

وفي هذا الجو المشحون داخل الطائفة اليهوديّة تم بلورة أفكار رافضة للختان. فحتّى بعض رجال الدين إعتبروا أن الختان «عمليّة وحشيّة وممارسة دمويّة تقلق الأب وتضع الأم في كآبة»، كما أقر بذلك الحاخام «ابراهام جايجر» في رسالة شخصيّة، متمنّياً أن يُستبدل الختان الدموي بالطقس الديني الذي إقترحه المجدّدون. وفي إجتماع رجال الدين اليهود المجدّدين الألمان عام 1844، كان موضوع إلغاء الختان هو حديث الساعة وأثار كثيراً من العصبيّة. وبينما كان الحاخام «منديل هيس» يحاول أن يقدّم بياناً يستنكر ترك الختان ولكن يرفض مجازاة تاركيه، قرّرت الجمعيّة أن تترك الموضوع دون بيان واكتفت بالطلب من رجال الدين أن يحتفظوا بسجلات للختان كل في طائفته. وفي إجتماعهم الثاني في عام 1845، لم يتمكّن رجال الدين اليهود إتّخاذ قرار في موضوع لزوم الختان. ولمّا إشتكى أحد الأطبّاء من إنتقال الأمراض المعدية بسبب الختان، ناقش الإجتماع الموضوع في جلسة مغلقة ورفض الشكوى قائلاً بأن غيره من الأطبّاء لا يوافق على إدِّعائه وأن السلطات المدنيّة تحاول أن تستبعد من لا خبرة له من إجراء تلك العلميّة. وفي إجتماعهم الثالث والأخير عام 1846 تفادى أيضاً رجال الدين اليهود المجدّدون أخذ قرار بخصوص لزوم الختان. وقد أثار أحد الأطبّاء موضوعاً شخصياً حيث أن أحد أبنائه قد أصيب بنزيف دم بعد ختان إبنه الأوّل لم يشفى منه بعد، وأن إبنه الثاني مات بسبب الختان. فهل يسمح له رجال الدين أن لا يختن إبنه الثالث وأن يكتفي بإعطائه إسماً يهوديّاً في المعبد؟ عندها قرّر رجال الدين التخفيف من القاعدة التلموديّة التي لا تعفي من الختان إلاّ في حالة موت ولدين بسبب الختان. فبدلاً من موت طفلين، إكتفوا بموت طفل واحد لإعفاء الطفل الثاني من الختان. كما قرّرت الجمعيّة أن لا يمص الخاتن دم الطفل بعد ختانه [110] . وسوف نرى أن المص بالفم ما زال يمارس عند اليهود رغم أن بعضهم قد إختار المص بإنبوب أو قطن.

وقد إمتد نقد الختان من ألمانيا إلى فينا حيث قام ما لا يقل عن 66 طبيباً يهوديّاً في عام 1866 برفع عريضة لمجمع الطائفة اليهوديّة هناك يعارضون فيها ممارسة الختان. ولكن رجال الدين اليهود إختلفوا فيما بينهم بسبب عواقب إلغاء الختان إذ منهم من يعارض تزويج إمرأة يهوديّة لرجل غير مختون. وفي عام 1871 جاء القرار الآتي من المجمع اليهودي المنعقد في مدينة «اوجسبورج»: «إذ يقر المجمع أنه لا شك في المعنى السامي والهام للختان في اليهوديّة، إلاّ أنه يقر أيضاً بأن الطفل الذي يولد من أم يهوديّة ولم يختن لأي سبب كان هو طفل يهودي ويجب أن يعامل كذلك في كل المواضيع المتعلّقة بالطقوس الدينيّة». وقد جاء هذا الموقف رداً على تزايد عدد الأطفال اليهود غير المختونين في ألمانيا والنمسا [111] .

وقد إنتقل هذا التيّار المجدّد من ألمانيا مع المهاجرين اليهود إلى الولايات المتّحدة. وقد توصّل إلى قرار مشابه رجال الدين اليهود المجدّدين في فيليديلفيا عام 1869. وقد أثير هناك أيضاً موضوع ختان الذي يتحوّل إلى اليهوديّة. وقد إختلف رجال الدين اليهود فيما بينهم. فبينما رأي البعض عدم ضرورة الختان، إلاّ أن القرار كان بضرورة ختان من يتحوّل لليهوديّة لأنه «يُدخل في اليهوديّة أموراً كثيرة غير طاهرة» ولأن الختان «يحمي اليهوديّة من تلك النجاسات». وقد إنقلب الوضع عام 1892 حيث قرّر رجال الدين اليهود المجدّدين عدم فرض الختان على من يتحوّل إلى اليهوديّة [112] .

والأسباب التي من أجلها طالب المجدّدون ترك الختان والتي من أجلها أهمل بعض اليهود ختان أطفالهم يمكن إجمالها فيما يلي:

1) إن الأمر الإلهي بالختان موجّه إلى إبراهيم، أمّا موسى فلم يؤمر بالختان وهو لم يختن إبنه البكر.

2) إن جيل التيه الذي عاش في الصحراء لم يختتن.

3) إن الختان لم يعد عادة تميّز اليهود، إذ يمارسه أيضاً المسلمون.

4) لم يذكر الختان إلاّ مرّة واحدة في قوانين موسى ولم يتم ذكره في سفر تثنية الإشتراع.

5) لا يوجد ختان مماثل للنساء.

6) إن اليهودي هو من يولد من أم يهوديّة وليس من يختن.

7) المخاطر الطبّية لعمليّة الختان.

8) مساس الختان بالعضو التناسلي: إعتبر المجدّدون أنهم يتّبعون اليهوديّة ذات الطابع النبوي. وأرميا تكلّم عن ختان القلب ذات التطبيق العام. أمّا الختان فإنه كان يمارس من قبائل بدائيّة مختلفة. وهم يرون أن الديانة يجب أن تهتم بأمور روحيّة تسمو على قطع العضو التناسلي.

9) الختان علامة تميّز اليهودي عن المسيحي وتبقيه في حالة التقوقع التي يعيشها اليهود في المجتمع المسيحي الذي كان يريد إدماج الأفراد وكسر التقوقع الطائفي [113] .

4) تراجع نقد الختان عند المجدّدين اليهود الأمريكيّين

سوف نرى في الفصل الذي نكرّسه عن موقف المسيحيّين الأمريكيّين من الختان كيف أن هذه الممارسة أصبحت عادة واسعة الإنتشار بينهم تمارس بصورة روتينيّة على الأطفال حديثي الولادة قَبل خروج الأم من قسم الولادة في المستشفيات. وقد خُتن اليهود بين من ختن هنالك. وتدريجيّاً لم يعد سبب للجدل الذي أوجده المجدّدون الألمان ضد الختان ضمن خطتهم في الإندماج مع محيطهم. فقد إختلف الأمر في الولايات المتّحدة إذ أصبح الختان هو العادة وعدم الختان هو الشذوذ [114] . والآن الأكثريّة الساحقة من اليهود المجدّدين يختنون أولادهم في الولايات المتّحدة وخارجها.

بطبيعة الحال، هذا الختان الطبّي في المستشفيات إعتبره رجال الدين اليهود حتّى المجدّدون مسخاً للختان الديني واعترضوا عليه. وحاولوا الإستفادة من تمكّن عادة الختان الطبّي لإدخال الختان الديني. فقاموا بتأهيل خاتنين دينيين في مدارس خاصّة لإعطاء الختان الطابع الديني ممّا يساعد على إستعادة مركزهم ودورهم الذي فقدوه في القرن الماضي. وقد ساعد على ذلك كون أن الولايات المتّحدة تعترف بالزواج الديني. فجعل رجال الدين اليهود عقد زواج أعضائهم مرتبطاً بالختان [115] .

وقد أدّت الأحداث المفجعة التي ألمّت باليهود في الحرب العالميّة الثانية في ألمانيا وخلق دولة إسرائيل على إنتعاش الختان. فهناك من يرى فيه رباط مع اليهوديّة. وقد قرّرت الجمعيّة العموميّة لحاخامات أمريكا عام 1979 بأن الختان هو وصيّة واجبة لإدخال الطفل في العهد، وأن الختان وحده لا يكفي لدخول العهد بل يجب أن يصاحبه الصلوات الطقسيّة وأن تجرى على قدر الإمكان من قِبَل شخص متخصّص عنده معرفة دينيّة وطبّية، أي الموهيل [116] .

وهناك تأرجح بين الختان الديني والختان غير الديني كما تبيّن قصّة يرويها «هوفمان» في كتابه. فقد إتّصلت به سيّدة طالبة منه أن تستأجره لمدّة ساعة لحضور عمليّة ختان حفيدها في المستشفى من قِبَل طبيب. ولكنّه رفض ذلك. ويضيف المؤلّف أن السيّدة المذكورة رغم ضعف إنتمائها الديني التقليدي، بقيت متعلّقة بالختان الديني ولو تحت صورة مختلفة. فقد بقي الختان معتبراً ضروريّاً للإنتماء اليهودي بالتمام كما هو الأمر بالنسبة للعمّاد عند المسيحيّين [117] .

ويلاحظ أن محاولة رجال الدين اليهود إسترجاع نفوذهم السابق وإعطاء الختان دوره التقليدي يصطدم في الولايات المتّحدة بمشكلة ضعف الإنتماء الطائفي بين اليهود إذ إن فقط 30% منهم ينتمون إلى طوائف ( congregations ). ممّا يعني أن رجال الدين اليهود بقوا على علاقة فقط بأعضاء طوائفهم ويقومون بزيارتهم في المستشفيات حيث يولد الطفل فيؤثّرون عليهم سلباً أو إيجاباً في موضوع الختان. أمّا الباقون، فإنهم، رغم شعورهم بالإنتماء لليهوديّة، أقل تعرّضاً للضغوطات الإجتماعيّة ولهم إمكانيّة قبول أو رفض الختان التقليدي بقرار ذاتي، يساعدهم في ذلك إمكانيّة القيام بالختان في المستشفى من قِبَل طبيب تخلّصاً من طقس الختان في اليوم الثامن ومن حضور الخاتن الديني ومن تكاليف حفلة الختان.

5) تجدّد نقد الختان بين اليهود الأمريكيّين

لقد كان الجدل حول الختان في ألمانيا مقتصراً في القرن الماضي على اليهود الذين يمارسونه. ولكن مع إنتشار الختان بين مسيحيّي الولايات المتّحدة، أخذ المسيحيّون يشاركون في الجدل حول الختان بسبب مضارّه الطبّية والنفسيّة، ولحق بهم بعض اليهود.

فرغم عدم تعرّض المسيحيّين في جدلهم حول الختان للفكر الديني إلاّ قليلاً، فإن توجيه النقد للختان على أساس المضار الطبّية والنفسيّة يؤثّر أيضاً على ممارسة الختان الديني بين اليهود ذاتهم. فإذا ما فقد الختان أهمّيته كعادة إجتماعيّة، ولم يعد له سبب طبّي يبرّره، ولم تعد شركات التأمين تغطّية تكاليف العمليّة الطبّية، فإن عدد غير المختونين بين غير اليهود سينقص. وهذا يؤدّي إلى إنخفاض المحيط المشجّع للختان بين اليهود إذ لن يعود هناك ختان لأسباب طبّية بل فقط ختان لأسباب دينيّة. وهذا يعني أن اليهود الذين كانوا يختنون أطفالهم لأسباب طبّية أو إجتماعيّة أكثر ممّا لأسباب دينيّة سوف يفقدون السبب الذي من أجله سيختنون أطفالهم [118] . وإذا ما أغلقت نافذة الختان الطبّي في الولايات المتّحدة، فإن ذلك يعني أن رجال الدين سوف يفقدون القاعدة التي كانوا يراهنون عليها كما أنه يعني تجدّد الجدل حول الختان بين اليهود كما كان عليه في بداية عصر المجدّدين اليهود الألمان. وهذا فعلاً ما بدأ يحصل في الولايات المتّحدة. فهناك عدد غير قليل من اليهود الذين يشاركون في هذا الجدل. وقد زاد هذا النقد ضد الختان حدّة دخول النساء ساحة المعركة ومطالبتهن بالمساواة مع الرجال. ثم جاء تقدّم علم النفس ليدعم موقف التيّار المعادي [119] . وقد أجمل «هوفمان» في ثلاث نقاط الجدل حول الختان بين اليهود في الولايات المتّحدة:

- على المستوى الطقسي، يُعتبر الختان مخالفاً لمبدأ المساواة بين الذكر والأنثى. فالختان هو أحد الطقوس التي تؤهل الطفل الذكر في دخول حلقة الرجال المسيطرين على المجتمع. وفي عصرنا الذي يطالب بالمساواة، أصبحت النظرة إلى ختان الذكور نظرة سلبيّة. ممّا جعل البعض يحاول إيجاد مخرج لهذه المشكلة بخلق نظام ختان رمزي للبنت.

- على المستوى الطبّي، لم يَعد للختان تلك الأهمّية الطبّية التي كانت تظن سابقاً. وبما أنه لا فائدة صحّية له فإنه لا حاجة له.

- على المستوى الأخلاقي، يُنظر حاليّاً للختان كعمليّة تشويه جسديه تجرى على الأعضاء الجنسيّة لطفل لا يستطيع الدفاع عن نفسه. ممّا يعني أن الختان أصبح عملاً منافياً للأخلاق [120] .

ويمكننا أن نجمل مواقف اليهود الحاليّة من الختان الديني كما يلي:

1) هناك تيّار يطالب بالإبقاء على الختان التقليدي: هذا التيّار يفهم النص الديني ويطبّقه بحرفيّته كنص منزل من عند الله ومُلزِم لليهودي، ويعتبر أن الختان أمر إلهي موجّه إلى إبراهيم وسلالته من بعده كعلامة عهد بين الله وبينهم كشعب مختار من قِبَل الله.

2) هناك تيّار ثانٍ يطالب بإدخال بعض الإصلاحات على الختان التقليدي: هذا التيّار يحاول تفسير الكتاب المقدّس تاريخياً واجتماعياً وفلسفيّاً مع الإبقاء على صبغته الدينيّة والمحافظة على ضرورة إجراء الختان مع إدخال بعض التعديلات عليه مثل عدم الإلتزام بضرورة أن يكون الطفل من أم يهوديّة لإجراء الختان عليه، وإجراء مراسيم دينيّة للإناث تشبه تلك التي تجرى للذكور ولكن دون قطع.

3) هناك تيّار ثالث يطالب بإلغاء الختان والمحافظة على مراسيمه: هذا تيّار متديّن يضيف إلى ما سبق حلقة جديدة ملغياً عمليّة القطع في مراسيم ختان الذكور ومبقياً على المراسيم الدينيّة يتم فيها إعطاء الطفل إسماً يهوديّاً. وهذا التيّار يحاول أن يواكب التطوّر العلمي ويعطي أهمّية للعهد، أي دخول الذكر والأنثى في حظيرة الشعب اليهودي. وقد حاول البعض بدلاً من قطع غلفة ذكر الطفل قطع رأس جزرة. ومنهم يكتفي بإنزال نقطة دم من ذكر الطفل بدلاً من قطع الغلفة [121] .

4) تيّار رابع يلغي المراسيم مع المحافظة على الختان: لقد تطوّر هذا التيّار مع حركة ولادة الأطفال في المستشفيات، إذ تتم عمليّة الختان بصورة روتينيّة للأطفال من قِبَل الأطبّاء، مهما كانت ديانة الطفل. وفي هذا الختان لا يلتزم اليهود باليوم الثامن الذي فرضه الكتاب المقدّس اليهودي، وقليلاً ما يطلبون من رجل الدين اليهودي الحضور لإجراء بعض الصلوات. فالختان هو عمليّة طبّية مثل غيرها وقد تعني عند البعض منهم عمليّة إنتماء إلى الشعب اليهودي.

5) تيّار خامس يلغي المراسيم والختان معاً: هناك يهود يرفضون كلاًّ من الختان والمراسيم. فهم لا يجرون الختان بتاتاً على الأطفال.

نضيف أن بعض رافضي الختان بين هذه التيّارات المختلفة يحاول مد جلد الذكر لإلغاء علامة الختان من جسدهم. وسوف نعود إلى هذه العمليّة في الجزء الطبّي.

ولا بد من ملاحظة أن هذا التطوّر الذي نشهده بين اليهود نشهده أيضاً بين المسيحيّين الغربيّين بخصوص العمّاد. فالعمّاد في سن مبكّر خوفاً من وفاة الطفل دون أن يعمّد، ممّا يعني عدم خلاصه الأبدي، لم يعد له تلك الأهمّية التي كانت له سابقاً. فكثير من العائلات المسيحيّة الغربيّة تقرّر عدم اللجوء إلى العمّاد إمّا لأنها لا ترى فيه المعنى الروحي، أو لأنها تريد أن تبقي للطفل حرّية الإختيار عندما يكبر. إلاّ أن الختان يختلف عن العمّاد بسبب عواقبه الصحّية والنفسيّة. ففي الختان قد يموت الطفل أو يصاب بتشوّه دائم، وقد يحتفظ بآثار نفسيّة خطيرة بسبب الألم الذي ينتج عنه. ونجد حاليّاً كثيراً من اليهود الذين يبدون بشهادات تبيّن مدى الأثر المؤلم الذي أبقاه في ذاكرتهم ختان أطفالهم [122] .

هناك إذاً تصدّع عميق أصاب الختان وهذا التصدّع سينتهي عاجلاً أو آجلاً إلى القضاء عليه لا محالة مهما تشبّث به مؤيّدوه. ففقدان رجال الدين اليهودي السيطرة على مجتمعهم يعني ترك قرار الختان في يد العلمانيين اليهود. لا بل إننا نجد رجال دين يهود يدخلون في صفوف المعارضين ويرفضون إجراء الختان على أولادهم. وهناك الآن عدد من المؤلّفين اليهود الذين يغذون هذه المعارضة فكراً وعملاً. وهذا ما سنراه من خلال بعض الكتابات اليهوديّة التي إخترناها. وهذا قليل من كثير بين أيدينا.

أ) رأي رولاند جولدمان

تحت يدي كتيّب صغير لدكتور يهودي في علم النفس إسمه «رولاند جولدمان» يحاول فيه تشجيع ترك الختان بين أفراد طائفته وغير طائفته. وقد أسّس هذا المؤلّف مركزاً متخصّصاً في مناهضة الختان [123] . ولا بد من الإشارة إلى أن كاتبنا هذا أصدر كتاباً كبيراً عرض فيه الآثار السلبيّة التي يبقيها الختان على الطفل والمجتمع، هدفه الواضح منه أن يبيّن ضرورة ترك الختان. وسوف نعود لهذا الكتاب في كتابنا القادم.

يبيّن هذا المؤلّف تطوّر الفكر الديني عند المؤلّفين اليهود وأثر ذلك على الختان. فبموازاة الفكر التقليدي اليهودي الذي يرى في التوراة كلام الله وفي الختان طاعة لأوامر الله، هناك فكر يهودي يرى ضرورة الإصغاء ليس فقط لكلام الله، بل أيضاً للكلام الذي يأتي من داخل الإنسان. ولا تضارب بين الصوت الخارجي (كلام التوراة) والصوت الداخلي (صوت الضمير). فإذا كان الإنسان على صورة الله، فهناك إذاً وحدة بين طبيعة الله وطبيعة الإنسان. وبطبيعة الحال، هذا الفكر لا يعطي للتوراة المعنى التقليدي، أي كتاب منزل من عند الله. ففي إستطلاع للرأي لعام 1990، إعتبر 13% فقط من التيّار المجدّد أن التوراة كلام الله. ويضيف المؤلّف أن الختان قد كاد يفقد معناه عند المؤلّفين اليهود المجدّدين الذين أدخلوا تفاسير جديدة للختان. فهم يرون بأن شعوباً أخرى غير اليهود مارست الختان قَبلهم. وهو تضحية لله حلّت محل تضحية الإبن البكر التي نرى أثراً لها في كتاب الخروج حيث نقرأ: «فائض بيدرك ومعصرتك لا تبطئ في تقريبه. وبكر بنيك تعطيني إيّاه. وكذلك تصنع ببقرك وغنمك. سبعة أيّام يكون مع أمّه، وفي اليوم الثامن تعطيني إيّاه» (الخروج 28:22-29). ومنهم من يرى أن الختان هو طريقة كانت تتّبع لتهدئة الآلهة لضمان الخصب كما هو الأمر حاليّاً بين القبائل الإفريقيّة البدائيّة. فيهب الإنسان الله جزءاً من الذكر لضمان حماية الباقي. ومنهم من يعتبر الختان علامة العبيد وبرهان ذلك ما جاء في سفر التكوين: «يُختن المولود في بيتك والمشترى بفضّتك» (13:17). وقد ورثها اليهود عن المصريّين عندما كانوا عبيداً في مصر. فبعد خروجهم من مصر، إستمر الآباء بختان أبنائهم حتّى يتم الشبه بينهم وبين أبنائهم. ولكي يستريح الآباء من توبيخ ضمائرهم بسبب ما يفعلوه بأطفالهم، فقد ربطوا الختان بوصيّة دينيّة إلهيّة. أو كما يقول أحدهم: «بما أني لا أستطيع تحمّل كل المسؤوليّة بنفسي، لذا فإني بحاجة إلى أمر إلهي». وهكذا القوا التبعيّة على الله [124] .

ويرد المؤلّف على من يحاول تثبيت الختان بإثارة مشاعر الإنتماء للشعب اليهودي وتاريخه وذكر من صمد منهم أمام إضطهاد الذين أرادوا منعهم من ختان أولادهم. يقول مؤلّفنا بأن شجاعة السلف للحفاظ على إيمانهم تستحق كل التقدير، إلاّ أن السلف كانوا يجهلون ما نعرفه نحن حول الختان. أضف إلى ذلك أن ليس كل اليهود يشاركوهم إيمانهم ذاك. كما أن الختان لا يمكن إعتباره إشارة إنتماء للشعب اليهودي لأن اليهودي حسب الشريعة اليهوديّة هو من يولد من أم يهوديّة وليس من يُختن، والإبقاء على الغلفة لا ينقص من يهوديّة اليهودي. وقد يكون رفض الختان تأكيداً أكبر للإنتماء اليهودي من الختان ذاته إذ يتطلّب إثبات الذات [125] .

هناك من يعتبر رفض الختان نوع من الإلحاد والتحلّل من القيم اليهوديّة. يرد المؤلّف على هذا القول: إذا كانت اليهوديّة مرتبطة بقطع غلفة الطفل، فهذا يعني إهمال المبادئ والأفكار اليهوديّة الأساسيّة. فالشخص المختون الذي يعمل أعمالاً سيّئة لا يمكن إعتباره أعلى درجة من الشخص الأغلف الذي يعيش حياة أخلاقيّة رفيعة. هل يهودي كافر مختون هو أكثر إعتباراً من يهودي أغلف يؤمن بالله؟ فقطع الغلفة لا يضمن أن يكون الشخص مؤمناً أو غير مؤمن [126] .

ويبيّن هذا المؤلّف أنه بالرغم من صلابة موقف الرافضين على المستوى الفكري والعلمي، إلاّ أن هذا الموقف يتطلّب شجاعة خاصّة لمواجهة الضغوط من قِبَل العائلة والطائفة. وهناك يهود يرفضون الختان ولكنّهم لا يستطيعون مواجهة محيطهم، فيتمنّون أن يكون المولود أنثى حتّى لا يجبرون على ختانه. وهذا الخوف يُحوّل حمل بعض الأمّهات إلى جحيم. وهذه الأمّهات تتنفّس الصعداء عندما تولد لها بنت [127] .

وفي مقال عنوانه «الختان مصدر ألم يهودي»، يشرح هذا المؤلّف موقفه الناقد للختان. يقول المؤلّف صدرت خلال القرون كتابات لليهود تبيّن أهمّية الختان. والتأييد للختان منتشر في الطائفة اليهوديّة فلا جدل مفتوح يوجد داخل هذه الطائفة حول الختان. ولكن هناك نظرة أخرى تم تجاهلها. فخلافاً للإعتقاد السائد، لم يكن الختان معمولاً به دائماً. فموسى لم يختن إبنه (الخروج 25:4). كما أن الختان تم تركه خلال الأربعين سنة التي قضاها الشعب اليهودي في الصحراء (يشوع 5:5). وبعض اليهود تركوا الختان في العصر الهيليني ما بين عام 300 قَبل المسيح وعام 100 بعد المسيح تمشّياً مع المجتمع الذي يعيشون فيه. وفي ألمانيا، خلال مرحلة التجديد في القرن الماضي ترك بعض الأهل ختان أولادهم. وهرتسل نفسه لم يختن إبنه الذي ولد عام 1891. والختان لا يُمارس بصورة عامّة بين اليهود داخل أو خارج الولايات المتّحدة. حتّى في إسرائيل هناك من لا يختن أولاده. فهناك منظّمة تكافح ضد الختان.

ثم يعرض المؤلّف الأسباب التي من أجلها ترك هؤلاء اليهود الختان.

- في مسح لعام 1990، تبيّن أن 90% من اليهود يعتبرون إنتماءهم لليهوديّة إنتماءاً عرقياً وثقافياً، وأن فقط 13% يعتقدون أن التوراة هي كلمة الله الحقيقيّة. وينقل المؤلّف قولاً لحاخام يهودي مجدّد بأن اليهود المجدّدين يؤمنون بأنهم يعبدون الله بصورة أفضل إذا ما كانوا صادقين مع عقولهم وضمائرهم حتّى وإن إصطدموا بمواضيع مُهمّة من تراثهم. وهذا القول يتّفق مع رأي الأكثريّة اليهوديّة في أمريكا.

- أكثريّة اليهود يقومون بالختان لأسباب ثقافيّة وليس لأسباب دينيّة لأنه ينقصهم المعنى الديني للختان. فهم يختنون لأنهم يرون فيه رباط مع الشعب اليهودي والثقافة اليهوديّة ووسيلة للإبقاء عليهما، وليس لأسباب دينيّة أو صحّية. وبطبيعة الحال غريزة البقاء مُهمّة أمام الخطر الأكبر الذي يتهدّد اليهود اليوم وهو انخراطهم في مجتمعاتهم (assimilation) . فأكثر من نصف اليهود يختارون اليوم زوج أو زوجة غير يهوديين. ولذلك يعتبر الختان وسيلة للحفاظ على هويّتهم. ولكن هذه الفكرة مغلوطة. فاليهودي هو من يولد من أم يهوديّة وليس من هو مختون. وعدم الختان لا يعني تخلّي اليهودي عن هويّته.

- إن الشكوك المتزايدة حول الختان اليهودي تعتمد على كون الختان يؤدّي إلى أذى. إن الدراسات توصّلت إلى ما تشعر به الأم وهو أن الطفل يتألّم. فالطفل ينفعل مع الألم مثل الكبير إن لم يكن أكثر. وهذا مُعترف به من جميع الأوساط الطبّية. والختان هو من أشد العمليّات ألماً بين تلك التي يتعرّض لها الطفل. وإذا لم يصرخ الطفل خلال الختان، فهذا سببه المخدّرات التي أعطيت للأم خلال عمليّة الولادة والتي مرّت في جسمه. وبعض الأطفال يمرّون في مرحلة نصف غيبوبة وصدمة بسبب ألم الختان. ورغم عدم صراخه، فإن مستوى هرمونات الضيق يرتفع في الدم، وهذا أكبر دليل على أن الطفل يتألّم. ممّا يعني أن عدم الصراخ لا يعني بحد ذاته أن الطفل لا يتألّم.

- يترك الختان في ذاكرة الطفل أثراً قد يحد من قدرته على التأقلم بمحيطه على المدى القصير ويخلق توتّراً في علاقته مع أهله. فالختان يفسد العلاقة بين الأم والطفل. وقد أوضحت مجموعة الدراسة الخاصّة بالختان في الأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال بأن الطفل بعد الختان يصبح أكثر تهيّجاً ويتغيّر نظام نومه وعلاقته مع أمّه. والأطفال المختونون يصرخون ويتألّمون أكثر من غير المختونين عند تطعيمهم ما بين أربعة وستّة أشهر من عمرهم.

- مهما كان مكان الختان، في المستشفى أو من قِبَل الموهيل في البيت، هناك ما لا يقل عن 20 خطراً يتعرّض لها الطفل أثناء الختان، منها النزيف والإلتهاب، وقد يؤدّي الختان إلى الموت في بعض الحالات النادرة. ولهذا السبب تمنع الشريعة اليهوديّة إجراء العمليّة على أطفال مات إخوتهم بسبب الختان.

- الختان يضعف الجنس حسب قول إبن ميمون. وهذا ما تثبته الدراسات الحديثة. فالغلفة تحمي الحشفة من الجفاف والتخشّن وتقليل حساسيّتها. والغلفة بحد ذاتها تحتوي على شرايين مهيّجة جنسيّاً، وإذا ما فُقِدَت فإن التهيّج الجنسي يضعف. وهي تلعب دوراً في تشحيم العضو التناسلي، فإذا ما قُطِعَت يلزم اللجوء إلى مواد دهنيّة إصطناعيّة. وقد تبيّن من أشخاص تم ختانهم كباراً بأن الختان أضعف حساسيّتهم الجنسيّة. وكثيراً من الذين ختنوا كباراً يتندّمون على ذلك. والمختونون أكثر لجوءاً من غير المختونين لوسائل التهيّج غير العاديّة مثل العلاقة الجنسيّة بالفم أو العادة السرّية.

- قد يخلق الختان توتّراً في العلاقة بين اليهودي وطائفته. فموضوع الختان قليلاً ما يطرح، ممّا يسبّب شعور بعدم إرتياح وبالوحدة أمام المشكلة التي تعيشها الأم. وكثيراً من المشاكل الناتجة عن الختان يتم التكتّم عنها. وشعور الطفل الذي يرحّب به في الطائفة لا يؤخذ بالحسبان.

- بعض الأمّهات تتمنّى أن يكون المولود بنتاً حتّى تحل المشكلة من أساسها. وبعض العائلات التي عاشت الختان وأحسّت بألم الطفل مرّت بتجربة أليمة، خاصّة عند الأم. وإذا كانت بعض العائلات لم تشعر بهذا الأمر فهذا ناتج إمّا لأن عدم مساندة المحيط لها في ألمها يجبرها على إخفائه، وإمّا لأن الطفل في حالة إغماء وصدمة تمنعه من الصراخ.

- الختان مخالف للأخلاقيّات اليهوديّة. فالشريعة اليهوديّة ترفض إيلام أي مخلوق حي. كم واحد منّا سيقبل بالختان لو تم عليه كبيراً؟ وبأي حق نمارس الختان على الغير؟ إن هذا مخالف للقاعدة التي تقول: «ما كان بغيضاً لك لا تفعله للغير». كل ما كُتِب عن الختان يتجاهل تماماً شعور الطفل. فالطفل يُربط ويُقطع وهو يتصارع للهروب من الهجوم الواقع عليه. حاوِل أن تضع نفسك محل هذا الطفل. وهذا مخالف لتعاليم التوراة التي تفرض دفع تعويض عن الضرر الذي يصيب الغير (الخروج 18:21-27). والطفل هو شخص حسب هذه التعاليم. إن الختان يتجاهل إنسانيّة الطفل وشعوره. وفي هذا الموضوع يجب التساؤل: لمن الغلفة التي تقطع؟ إنها غلفة الطفل. إن بترها يؤدّي إلى خسارة من جانبه. وهذا هو بحد ذاته مخالف للقاعدة التي تُحَرِّم السرقة (الخروج 13:20). من جهة أخرى اليهودي مُلزَم بمساعدة الضعيف. والطفل يتطلّب الحماية من الألم والخسارة. إن التعاطف مع الغير يسهّل في حل هذه المشكلة، ولكن بعض الناس لا يقدرون على ذلك وهم فاقدون كل شعور. ومن جهة أخرى الختان مخالف للتوراة التي تمنع وسم الجسم (الأحبار 28:19).

- إذا قَبل شخص أن الختان أمر إلهي، فإن الشخص كطرف في العلاقة مع الله يحتفظ بحقّه في طرح السؤال على الله كند له، دون سيطرة طرف على الآخر. ولكل طرف الحق في أن يقول «لا» للآخر. وقد تغيّرت القواعد اليهوديّة عبر التاريخ كما هو الأمر بخصوص الزنى (الأحبار 10:20، وتثنية 21:22) والعلاقات الجنسيّة الشاذّة (الأحبار 13:20) والتجذيف (الأحبار 21:12) وسب الأهل (الخروج 17:21) والتمرّد على أمر الأهل (تثنية 18:21-21) التي كان عقابها الموت. وهذه القواعد لم تعد تُنَفَّذ من قِبَل المحافظين على الدين. ومن جهة أخرى، تسمح التوراة فقط للزوج أن يطلّق إمرأته (تثنية 1:24) وقد غُيِّرَت هذه القاعدة للسماح للزوجة بإنهاء الزواج. والتوراة لا تُعطي نصيباً في الميراث إلاّ للبنين دون البنات (تثنية 15:21-17). والآن تم تغيير هذه القاعدة للسماح للبنات بالميراث. وهذه التغييرات تسمح لنا أن نطرح مشكلة الختان.

- رغم الضغوطات التي تُمَارس لفرض الختان، فإن هناك عدداً من الأهل اليهود الذين يقولون لا للختان. لقد سمعوا لصوتهم الداخلي، هذا الصوت الذي لا يخالف حتماً صوت الله. وكما يقول الحاخام «لورنس كيشنير»: «إذا كان الصوت حقاً صوت الله فإنه ينطق من الداخل والخارج. وهو نفس الصوت». وإذا تم خلق الإنسان على صورة الله، والله هو روح، فنحن إذاً نشترك بصورة الله الروحيّة. ولا يمكن أن نثق بالله ونفقد الثقة بأنفسنا. وإذا تصرّفنا حسب شعورنا العميق، فإن الله يتصرّف من خلال تصرّفنا.

- بإمكان اليهود الذي يرغبون الإبقاء على المراسيم الدينيّة الإبقاء عليها مع إلغاء عمليّة القطع لتكون أكثر تمشّياً مع إحساس الطفل والطائفة اليهوديّة. وهذه المراسيم تدعى «بريت شلوم» (أي عهد السلام) بدلاً من «بريت ميلا» (أي عهد القطع الذي يطلق على الختان). وهذه المراسيم لها نفس بهجة مراسيم الختان ولكن دون إيلام الطفل. وهذه المراسيم لها فائدة إضافيّة. فالحاخام «جوئيل روت» يقول لنا بأن الطقس الديني لا معنى له إلاّ إذا صاحبه إستعداد عقلي إرادي. والختان عامّة يتم بصورة جبريّة مع خصام داخلي خاصّة من قِبَل الأم. وفي المراسيم الدينيّة البديلة التي لا يُقطَع فيها يمكن إضفاء الإستعداد العقلي الإرادي لها فتصبح أكثر قيمة دينيّاً. ويمكن اللجوء إليها للذكر كما للأنثى فيكون هناك مساواة بينهما. فبدلاً من عمل عمليّة جراحيّة على البنات، وهو أمر يرفضه جميع اليهود، يمكن عمل مراسيم دينيّة لهن دون تلك العمليّة الجراحيّة.

يضيف المؤلّف بأن على الذين يريدون رغم ذلك القيام بختان أولادهم أن يتذكّروا ما يلي:

1) إن مصلحة الطفل يجب أن تكون فوق كل إعتبار.

2) إذا كان الأب لا يحس بأي ضرر للختان فلا يعني ذلك أن الختان لا أثر له أو أنه لن يؤثّر على إبنه. فالآثار الجنسيّة والنفسيّة للختان تحدث على المدى البعيد، وقد تم عمل تقرير عنها لدى مئات الرجال على مستوى الولايات المتّحدة.

3) إن عمليّة الختان لا رجوع فيها، أمّا غير المختون فيبقى له إمكانيّة ممارسة الختان في كبره إذا أراد ذلك. وفي حالة الشك عليك أن تختار عدم الختان.

4) هل سوف تختن إبنك لو أن أكثر اليهود لا يختنون أطفالهم؟

5) إحضر عمليّة ختان وضع نفسك محل الطفل واشعر بشعوره. إبقى على مقربة منه وعاين العمليّة عن كثب. وإذا أحسست بنفور من ذلك، فما هو سبب نفورك منه؟

ويختم المؤلّف مقاله قائلاً إن طرح موضوع الختان لا يعني تعريض اليهوديّة للخطر. ولكنّه فقط إلغاء لآثار الختان المؤلمة. إن التساؤل الشريف حول الختان سيقوّي اليهوديّة ويعطي وسيلة لتعميق العلاقة بين اليهود [128] .

وفي رسالة، يقول هذا الكاتب اليهودي إن نيّة الأهل قد تكون طيّبة عندما يختنون أطفالهم، ولكن عمليّة الختان بذاتها ليست طيّبة لأنها تؤدّي إلى ألم شديد وتحذف الحماية ومنطقة حساسة جنسيّاً وتؤدّي إلى مضاعفات طبّية. وعلى من يقول إنه ليس من المؤكّد أن يرفض الطفل إذا كبر عمليّة الختان، يُرَد بأن المنطق السليم في هذه الحالة يفرض أن يُترك الأمر للشخص عندما يكبر إذ إن الطفل بصراخه يرفض مثل تلك العمليّة. وعلى من يقول إن الختان عمليّة دينيّة، يُرَد بأن ذلك لا يُحوّل تلك العمليّة إلى عمليّة طيّبة. فختان الإناث أيضاً يجري عند البعض لسبب ديني، كما أن تضحية الأطفال كانت أيضاً عمليّة دينيّة. ويرفض المؤلّف تتفيه الختان بمقارنته بالوشم أو تخديش الجسم. وعلى كل حال، فإن هاتين العمليّتين إذا فرضتا على شخص فإنهما تعتبران خرقا للأخلاق. ويضيف أنه لا يمكن إستثناء اليهود من نقد الختان بسبب ما عانوه في الماضي لأن ذلك يعني أن القواعد الأخلاقيّة مزدوجة، وهو ما يخالف عموميّة المبادئ الأخلاقيّة. والختان هو في حد ذاته عمليّة بتر mutilation حسب تعريف هذه الكلمة في مختلف القواميس اللغويّة [129] .

ب) رأي ليزا برافر موس

شرحت هذه السيّدة اليهوديّة الأمريكيّة في مقالين الأسباب الدينيّة التي من أجلها ترفض الختان نختصرها في النقاط الآتية:

- الختان عمليّة مؤلمة للطفل: لقد كان يُظن سابقاً أن الطفل لا يحس بالألم كالكبار. ولكن هذا ليس صحيحاً. فالأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال قالت في تقريرها لعام 1987 إن الأطفال يحسّون بالألم تماماً كالكبار ويتألّمون على المدى القصير والبعيد من الآثار السلبيّة للختان. ورغم ذلك ما زال البعض يقول بأن الطفل لا يتألّم مبرهنين على ذلك بأن الطفل لا يبكي خلال عمليّة الختان. والحقيقة أن الأطفال في هذه الحالة هم في وضع صدمة عصبيّة بسبب الألم الشديد. والبعض يقول إن الألم لا يدوم أكثر من دقيقة وإن الخمر الذي يعطى لهم بعد الختان يهدئهم. ولكن هذا المنطق لا يقبل به الكبار إذا ما خلع لهم سن. وهذا مخالف للشريعة اليهوديّة التي تمنع إيذاء حي. وتمنع الشريعة أن تحرث على حيوان صغير وحيوان كبير لأن في ذلك ضيق لهما. وهذا إشارة إلى الآية: «لا تحرث على ثور وحمار معاً» (تثنية 10:22).

- الختان تشويه لعضو سليم خلقه الله: وهذا مخالف للشريعة اليهوديّة التي تمنع تخديش الجسم وعمل وشم عليه (الأحبار 28:19).

- للختان مخاطر ويمكن أن يؤدّي للموت. ففي عام 1982 توفّى ما لا يقل عن 225 طفلاً بسبب الختان. وعامّة يتم السكوت عن المضاعفات الناتجة عن ختان الأطفال. ولكن هناك من يقدّرها بين 1250 و12.500 حالة سنويّة من جرّاء الختان الجراحي. أمّا مخاطر الختان الذي يجريه الموهيلون، فليس هناك أي إحصاء لها. وهذا مخالف للشريعة اليهوديّة التي تقدّس الحياة وتعتبرها أهم من أي شيء آخر. ولذلك ترفض كل عمليّة جراحيّة تعرّض الإنسان لخطر الموت. ولا يمكن القبول بالرأي القائل أن مثل هذه المخاطر والمضاعفات ناتجة عن عدم خبرة الموهيلين.

- الختان عادة روتينيّة وليست روحيّة: هناك قواعد شرعيّة تطلب تبدية الأفعال على الإيمان، ولكن هناك أيضاً قواعد تطلب تنفيذ الأوامر الدينيّة من كل القلب. فإذا لم تكن هناك نيّة دينيّة وراء الختان، فما الفرق بينه وبين الوثنيّة العمياء؟ لقد أصبح الختان محل عبادة وغاية بحد ذاته بدلاً من عبادة الله. وهكذا يكون الختان الروتيني مخالف للشريعة اليهوديّة. وتتكلّم المؤلّفة عن ختان طفليها فتقول إن القصد من الختان كان تفادي المشاكل مع زوجها ومع محيطها اليهودي ورغبة في أن يكون الطفل مشابها لأبيه ولغيره. ولكنّها في صميم نفسها لم تكن مقتنعة بما تعمل، ولم تتمكّن من مناقشة شكوكها مع غيرها من اليهود. وهكذا أدّى طقس ديني يُقصد منه الإتّحاد مع الشعب اليهودي إلى شعورها بالضياع. فقرارها لم يكن له أي أساس ديني، فهو ليس إدخال في عهد مع الله. لا بل العكس: فالختان لا يعبّر عن روحانيتها. وتذكر قولاً لخاتن يهودي بأن أقل من 10% من الأهل الذين يطلبون خدماته يختنون لأسباب دينيّة.

- الختان إجراء يستغلّ الأهل فيه ضعف الطفل: وهذا مخالف للشريعة اليهوديّة التي تطلب حماية الضعيف وتطالب أن تعامل الغير كما تريد أن يعاملك الغير.

- الختان يجري على أطفال قُصّر لا يُعَبِّرون عن إرادتهم. هناك من يقول إن إرادة الأب تحل محل إرادة الطفل. ولكن هل العهد الذي يفرض بالقوّة هو عهد شرعي؟ لقد رفض بعض الحاخامات تخدير الطفل خلال الختان لأن ذلك يجعل منه حجراً جامداً، ولا يمكن أن نقيم عهداً مع حجر. وهناك من يرفض عمل ختان لطفل نائم لنفس السبب.

- الختان يتم على أطفال في سن مبكّرة معتبرين بأن الأطفال لا يتألّمون في هذا العمر أو هم أقل تألّماً من الكبار، ولأن تعلّق الأهل بهم أقل من تعلّقهم بالأكبر سنّاً حسب قول إبن ميمون. ولكن هذا مخالف للشريعة اليهوديّة التي تطلب أن تعامل الغريب بمحبّة وتمنع ظلمه في 36 آية من التوراة. فرفض ختان الأطفال في سن متأخّرة بينما نقبل ختانهم في سن مبكّرة مخالف لمبادئ الشريعة اليهوديّة.

- رغم أن الختان يخالف عدداً من المبادئ اليهوديّة الثابتة، فإن الختان ما زال يعتبر أساساً للعهد بين الله وشعبه وشعاراً للشخصيّة اليهوديّة. ولكن قرار عدم الختان هو قرار يتّفق مع المبادئ اليهوديّة. وكل سنة هناك ثلاثة آلاف إتّصال هاتفي من قِبَل أهالي يهود مع حاخاماتهم بخصوص المشكلة التي تطرح لهم بالختان طالبين إجراء بديل للختان وأن لا يتم العهد بين الله وشعبه من خلال تفسير حرفي للتوراة. وهم بذلك يعبِّرون عن تفكيرهم اليهودي. وهناك عدد آخر من اليهود الذين يقرّرون عدم الختان دون الإتّصال بالحاخامات. وبعض الحاخامات بدأوا بعمل مراسيم دينيّة رمزية توازي الختان للبنات ولكن دون الإفصاح عن هويّتهم. وهناك يهود يوزّعون دعاية للختان الرمزي ويُقدّمون العون للعائلات التي تختار مثل هذا الختان الرمزي. والمؤلّفة ترى أن الختان الرمزي يمكن أن يكون له أثر ديني أكثر من الختان الحرفي لأنه يعني أن الأهل لا يمارسون هذا الطقس بصورة روتينيّة وانهم يتعهّدون بتربية أطفالهم تربية دينيّة يهوديّة. ويبقى السؤال: هل نُعرِّض الطفل لنبذ اليهود له؟ والجواب هو أن يترك للطفل أخذ القرار بختان نفسه عندما يكبر إذا شاء ذلك.

- هناك من يقول بأنه لا يحق طرح موضوع الختان في وقت يزداد فيه الزواج المختلط والإندماج، لأن في ذلك إغراق لليهوديّة. وتجيب المؤلّفة بأن إعتبار الختان موضوعاً لا نقاش فيه يجعلنا نفقد مناسبة جلب اليهود للإهتمام بديانتهم. وهكذا فإننا نجعل من الختان محل تعبّد بدلاً من أن نعبد الله ونترك اليهود يجدون حلاً لمشكلتهم من خارج ديانتهم. إن إنكار وجود مشكلة في الختان لا يعني أن المشكلة غير موجودة.

وتقول المؤلّفة بأنها توصّلت إلى هذا الموقف الرافض للختان بسبب شعورها بالذنب بعد ختانها لولديها. وقد كانت في بداية أمرها شديدة الهجوم ضد الختان حتّى تجعل الناس يفكّرون. ولكن ذلك أدّى إلى إغضابهم. ففسَّرت غضبهم بأنه تعبير عن عدم عقلانيتهم. ثم تحوّلت إلى أسلوب كلامي تعبّر فيه عن شعورها دون إغضابهم. فأخذت في التفكير ضمن الفكر اليهودي لتجد وسيلة للإقناع من خلال دراستها للشريعة اليهوديّة. فكان هناك حوار بينها وبين رجال الدين وبين الأهل الذين كانت تجتمع بهم وتسألهم عن رأيهم في مقالاتها. وقد ساعدها هذا في تثبيت معتقدها الديني وارتباطها بالشريعة والطائفة اليهوديّة. فبدأت تدرس العبريّة والطقوس اليهوديّة وتداوم على العبادات. وأصبحت تعطي لمعتقدها وتراثها اليهوديّة أهمّية أكثر ممّا كان عليه الأمر عند بداية هجومها ضد الختان.

وترى الكاتبة بأن ممارسي المهن الطبّية يجب أن لا يناقشوا موضوع الختان مع اليهود إلاّ إذا كانوا هم أنفسهم يهوداً أو أن يكونوا مطّلعين تماماً على الدراسات اليهوديّة. فيكاد يكون من غير الممكن من الخارج تفهّم تعقيد الموضوع والضغوطات التي يتعرّض لها الأهل في موضوع الختان، حتّى وإن كان اليهود غير مواظبين على العبادات الدينيّة. وفي بعض الأوقات يجب عدم الإباحة بكل ما يشعر به الإنسان، إحتراماً لليهوديّة. صحيح أن الأهل اليهود يريدون معلومات طبّية عن الختان، ويجب أن يعطي ممارسو المهن الصحّية مثل تلك المعلومات لهم. كما يجب عليهم أن يبيّنوا أن الختان مغلوط طبّياً إذا إقتنعوا بذلك، ولكن دون الخوض في النقاش الديني حول الختان إلاّ إذا كان ممارسو المهن الطبّية يهوداً ذوي إهتمام باليهوديّة. فهذا النقاش نقاش يهودي. فيجب إيجاد الحل للختان الديني من داخل الفكر الديني.

ولكن ما العمل إذا ما أراد الأهل إجراء الختان لأسباب دينيّة؟ تقول المؤلّفة بأنه يجب عدم التدخّل في هذا القرار إلاّ إذا كان الموضوع يخص معرفة إذا ما كان يجب عمل الختان في اليوم الثامن أو كعمليّة طبّية في المستشفى. وفي هذه الحالة يجب عرض عمل الختان في اليوم الثامن لأن غير ذلك ليس معترف به في اليهوديّة كختان. والختان الديني له أكثر معنى من الختان الطبّي.

وتضيف الكاتبة بأنه يجب أخذ أكبر قدر ممكن من الحيطة في مناقشة الختان الديني مع اليهود. فيجب الإشارة عليهم في حال إهتمامهم في الموضوع بأن يتكلّموا مع رجل دين يهودي. وهكذا يتم نقل تساؤلهم إليهم. ولكن للأسف فإن رجال الدين اليهود كثيراً ما يردّون عليهم بالأسلوب التقليدي. وهي ترى بأن رجال الدين يجب عليهم أن لا يتغاضوا عن تساؤل الأهل حول الختان ويجب إيجاد أسلوب لدخول العهد دون ختان. وهناك أهل يهود يريدون أن يجدوا جواباً حول الختان فقط في المجال الطبّي دون مناقشة للمحتوى الديني كأن الشريعة اليهوديّة لا يمكنها الرد على تساؤلهم. ولكن هذه ليست صورة صحيحة لليهوديّة الحاليّة. فجمال اليهوديّة يكمن في إمكانيّة تفهّمها التغييرات. فاليهوديّة عضو حي يمكن أن يتغيّر. وتذكر الكاتبة في هذا المجال نصّاً من كتاب صلاة يهوديّة حول موضوع الشك يقول:

«أعِز الشكوك لأن الشك هو خادم الحقيقة وهو مفتاح باب المعرفة وخادم الإكتشاف. فالإيمان الذي لا يمكن أن يناقش يقودنا إلى الخطأ، لأن هناك نقص وعيب في كل إيمان. والشك هو محك الحقيقة. وهو كالحامض يأكل كل ما هو غلط. لا تخف من أن يقتل الشك الحقيقة، فالشك هو إمتحان للإيمان. والحقيقة إن كانت حقيقة فإنها تقوى أمام كل إمتحان. وكل من يريدون أن يسكتوا الشك هم أشخاص مليئين بالخوف. فبيت روحهم مبني على رمال متحرّكة. والذين لا يخافون الشك بيتهم مبني على الصخر وسوف يسيرون في ضوء المعرفة المتنامية. وسوف تدوم أعمال أيديهم. لذلك دعونا لا نخاف من الشك بل لنفرح بمساعدته. فالشك كعصا للأعمى. وهو خادم الحقيقة».

وتنهي المؤلّفة مقالها بأنها ترغب أن ترى الأهل اليهود يتساءلون حول الختان بصورة علنيّة من داخل الطائفة اليهوديّة حتّى يتمكّنوا من إختيار الختان التقليدي أو الختان الرمزي لدخول العهد. وهذا لن يأتي إلاّ من داخل الطائفة اليهوديّة عندما يصبح إهتمام اليهود حول الختان إهتماماً يهوديّاً. ويجب تشجيع مشاركة اليهود الذين يلجأون للمهن الطبّية في هذا النقاش، إن كانوا مؤيّدين أو شاكّين أو رافضين للختان. فاليهوديّة في حاجة لصوتهم [130] .

ج) رأي ناتالي بيفاس

بعثت هذه السيّدة اليهوديّة الأمريكيّة رسالة إلى أهلها مؤرّخة في 20 مايو 1986 تخبرهم فيها أنها قرّرت عدم ختان طفلها الذي سيولد قريباً وتبيّن الأسباب لذلك. ونحن ننقل نص هذه الرسالة:

آبي وأمي العزيزين

بما أننا على علم أن ولدنا القادم سيكون طفلاً، كان علينا أن نأخذ قراراً قاسياً وحزيناً جدّاً، قراراً يجب أن نُخبِر به الأهل. إننا لن نختن إبننا. لقد حضرنا عدداً من عمليّات الختان (عهد القطع) قام بإجرائها أطبّاء وموهيلين ورأينا أن الطفل يتألّم حقاً. وفي أحشائنا شعرنا بأنه من غير الممكن أن نسمح ممارسة هذا الأمر على طفلنا. لقد أخذنا بالإعتبار شعورنا في أحشائنا وتحرَّينا أشهراً حتّى يكون قرارنا موضوعياً وواضحاً. وقد قرأنا ثلاثة كتب من بينها كتاب كتبه يهودي وآخر كتبته إمرأة متزوّجة مع يهودي، واتّصلنا بمؤلّفي هذه الكتب شخصياً، وتكلّمنا مع الأطبّاء والحاخامات، وجمعنا عدداً ضخماً من المقالات حول الختان، وتكلّمنا مع أهل يهود من جميع جهات البلد لم يختنوا أطفالهم واشتركنا في حلقات لخبراء في هذا الموضوع.

وأخيراً فقد أخذنا قرارنا للأسباب التالية. فمن الواضح أن العمليّة مؤلمة ومؤذية للطفل (وكثيراً أيضاً للأهل). ولذلك ما هو السبب الذي من أجله علينا أن نعمل هذه العمليّة؟

1) إن السبب الأوّل والأهم لعمل الختان هو الإعتقاد الديني العميق بأن هناك إله ينتظر دم وغلفة إبننا كعلامة لعهد. يقول إبن ميمون إن «هذا الفعل لا يفعله الإنسان [...] إلاّ عن إعتقاد صحيح». وهذا لا ينطبق علينا. فنحن نعتبر إبراهيم كنموذج رمزي وأمر ختان جميع أهل بيته كأسطورة لتبرير عمليّة كانت موجودة من قَبله. وإذا كنّا نؤمن بكل أوامر التوراة، فعلينا المحافظة على الأوامر الخاصّة بالطعام والسبت. ولكنّنا حقيقة علمانيين نتّبع المذهب الإنساني. فما معنى المحافظة على الختان بينما نأكل الوجبة الصينيّة التي تحتوي على لحم الخنزير وسمك الروبيان الممنوعين في الشريعة اليهوديّة؟ وإذا قمنا بالختان ونحن لا نؤمن، فإننا قد قمنا برجس كبير.

وبقراءة الفصل السابع عشر من سفر التكوين الذي فيه أمر الله إبراهيم بختن كل ذكور أهل بيته، إتّضح لنا أن هذه كانت ضحيّة دمويّة لضمان أرض إسرائيل وتكثير نسله. وبما أننا لا نؤمن بالتفسير الحرفي للتوراة، نرى أن هذا التبادل مهين. نحن لا نؤمن بأننا نضمن إسرائيل أو نكثِّر الشعب بتضحية جزء من طفلنا. فعندما كان جيراننا قَبل 3000 عام يقومون بتضحية أولادهم، كان طلب الشريعة تقدّمياً عندما طلبت تضحية جزء من الدم وجزء من العضو التناسلي الذي يمكن العيش من دونه. وأمّا في أيّامنا، فإننا لا نجد أي تقدّم في مثل هذه التضحية الأثريّة عام 1986.

2) هل نختن لأن اليهود يختنون؟ وبسبب مظهر اليهود؟ هذا السبب هو الأكثر إنتقاداً. وعلماء الإنسان ينظرون إلى هذا الأمر كعلامة قبليّة. والنصوص التوراتيّة تبيّن أن الختان كان مستعملاً كعلامة قبليّة للتفريق بين جنودنا وجنود أعدائنا. ونحن نعتبر عمليّة قبليّة وبتراً مروّعاً تخديش الجسد طقسيّاً، وعمل الوشم، ومد شحمة الأذن والعنق، وتربيط القدم وبرد أنياب الأطفال وختان الإناث (تلك العمليّة التي يقوم بها أكثر الشعوب الذين يختنون الذكور ومن بينهم الفلاشة). وختان الذكور لا يختلف عن تلك العلامات إلاّ لأننا تعلّمنا قبوله. وإذا كنّا موضوعيين، علينا أن نتروَّع من العمليّة التي تُجرى على الطفل والتي تجعل منه عضواً من قبيلة. وللغرابة، فإن اليهوديّة ترفض كل أنواع الوشم أو البتر التجميلي ما عدا الختان.

كان بإمكاننا أن نقول إن علينا أن نختن طفلنا كغيرنا من اليهود لأن اليهود مختونين. وإذا عملنا ذلك رغم عدم إيماننا بالتوراة ككتاب مقدّس، فإننا نجعل من الختان علامة قبليّة. فهل نقبل بأن الشعب اليهودي شعب بدائي إلى درجة عمل علامة في أطفالهم؟ والذي يظهر أن هرتسل (توفّى عام 1904) لم يكن يرى في الختان علامة إنتماء للشعب اليهودي فهو لم يختن إبنه.

3) ولكن هل علينا أن نعمل عمليّة الختان لأسباب طبّية أو صحّية؟ ليس هناك أي سبب لذلك. ففي عام 1971 قرّرت الأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال بأن الختان لا قيمة طبّية أو صحّية له البتّة ويجب عدم إجرائه بصورة روتينيّة. وقد أكّدت ذلك أيضاً الكلّية الأمريكيّة للمولّدات وطب النساء والجمعيّة الأمريكيّة لطب المسالك البوليّة للأطفال عام 1978. وعلينا أن نتساءل لماذا إذاً علينا إجراء الختان؟ وشركتا التأمين ( Medical and Blue Shield ) في مقاطعة بنسلفانيا لم تعودا تغطّيان مصاريف هذه العمليّة، وعدد من شركات التأمين تخطّط لحذف مثل هذه التغطية.

كل الدراسات الخاصّة بسرطان العنق والذكر والبروستاتة تبيّن أن لا أساس لها من الصحّة ورُفِضت من الأوساط الطبّية. والأمريكيّون هم الرجال الوحيدون في العالم الذين يختنون بالإضافة إلى العرب وبعض القبائل الإفريقيّة والأستراليّة وبعض هنود جنوب أمريكا واليهود. وباقي العالم يعيشون بصورة طبيعيّة مع غلفهم. فهم لا يموتون مثل الذباب من السرطان أو الإلتهابات والأمراض التناسليّة. وقد وعينا من خلال حياتنا في كندا وفرنسا أن الختان خاص بالولايات المتّحدة وأن تلك العمليّة تعتبر وحشيّة من قِبَل الآخرين.

وقد أخبرتنا طبيبتنا المختصّة بطب الأطفال أن الختان لا فائدة فيه وأنه مؤلم وأن لا سبب البتّة لإجرائه (رغم أن زوجها يهودي وابنها مختون). وقد قالت لنا بأنها تجد مشاكل أكثر مع المختونين ممّا مع غير المختونين.

وقد إتّصل بنا طبيب آخر، إسمه «دين اديل»، وهو المعِّلق الطبّي في التلفزيون والراديو [...] عندما سمع بورطتنا. وقد تكلّمنا معه لمدّة 45 دقيقة. وهو يهودي ولم يختن إبنيه. وهو يتّفق بأن الختان عمليّة لا ضرورة لها ومؤذية وخطرة، مبيّناً ذلك بوثائق. وهو يتعجّب لماذا يرفض اليهود الرضوخ للقواعد الخاصّة بالطعام والسبوت بينما لا يجدون أن الختان يجب أن يكون أوّل ما يُلغى. وقد أثنى على تمسّكنا بتحدّي العادات وهو يعتقد أن هذه العادات لا معنى لها.

إن الختان، ككل عمليّة جراحيّة له مخاطره. ورغم أنه العمليّة الأكثر رواجاً في الولايات المتّحدة، لا توجد أيّة دراسة عن هذه المخاطر ممّا يجعل كل الإحصائيّات موضع شك. والدراسات في بريطانيا وفي كندا تبيّن أن خطر التعقيدات يصل إلى 22% إلى 42%. وحسب تجربتنا (من خلال أولاد وإخوة أصدقائنا) رأينا عدداً من الإلتهابات تطلّبت اللجوء إلى المضادّات الحيويّة على طفل حديث الولادة، ونزيف دم تطلّب خياطة الجرح، وتسمّم حاد بالدم أدَّى إلى عطب دائم في المخ (وقد تم وضع طفل في مصح أمراض عقليّة) والى الموت. حتّى وإن كانت هذه الحوادث نادرة (الإلتهابات والنزيف الدموي ليسا نادرين)، لماذا نعرّض الطفل للخطر دون سبب؟ وقد يكون معدَّل الختان في تناقص في بعض الأماكن، ولكن نسبة الختان هنا هي50%. وبعض الجهات الطبّية تقول بأن نسبة الختان أعلى وبعضها يقول بأنها أقل. ومهما يكن، فإن طفلنا لن يكون من الشواذ في عالم علماني.

ويمكن النظر إلى ما إذا كان الشواذ ضمن العالم اليهودي سوف يؤدِّي إلى نتائج سلبيّة للطفل. لقد تكلّمت مع عدد من اليهود حول العالم لم يختنوا أطفالهم وهم حاليّاً فوق سن الثالثة عشرة. وقد تكلّمت مع شخص عمره فوق الثلاثين لم يُختن. وزوجته يهوديّة ويُعلِّم في مركز يهودي. وكلّهم أكّدوا لي بأن عدم ختان الطفل لا يخلق أيّة مشكلة البتّة مع رفاقه أو أهله. فالأطفال خجولون من أعضائهم الجنسيّة فلا يظهرونها للغير. و«غرفة المناظرة» ما هي إلاّ خرافة. وأحد هؤلاء الأطفال سوف يتخرّج قريباً من مدرسة يهوديّة، والآخر سوف يتثبَّت. ليس هناك أي ضمان بأن طفلنا سوف يحس بأن كل شيء على ما يرام إذا ما بقي دون ختان كيهودي، ولكن لا شيء يثبت لنا عكس ذلك.

إنني أعتقد أن عدم الختان سوف يصبح أمراً إعتياديّاً بين اليهود. وعندما ألغي التأمين الطبّي للختان في إنكلترا، هبط معدّل الختان من 30% و40% إلى أقل من 1% في مدّة ثلاث سنوات. وإذا قامت شركات التأمين في الولايات المتّحدة بإلغاء التأمين على الختان، فإن معدّل الختان سوف ينخفض أيضاً هنا كنتيجة لذلك. إني أعتقد أن أكثر اليهود علمانيون ممّا يعني أنه إذا أصبح تمييز أطفالهم سهلاً بواسطة علامة الختان، فإنهم سوف يلغون الختان أيضاً. فمزاولة الختان من قِبَل غير اليهود تبقي على فكرة أن الختان جيّد في عقل اليهودي. ولكن هذا بدأ في التغيير. وعلى كل حال فإن طفلنا سيبقى يهوديّاً، خُتن أو لم يُختن لأنه ولد منّي كأم يهوديّة. فالختان لا يجعل من الطفل يهوديّاً.

وقد وجدنا أربعة حاخامات يقبلون عمل مراسيم العهد دون ختان. إثنان منهم مجدّدان أصدقاء لنا وإثنان متدرّبان كيهود حاسديم. ورغم أنهم ليسوا ضد الختان، فإنهم يتفهَّمون بأن يعيش الغير دون إتِّباع التوراة. وقد قام الإثنان الحاسديم بمزاولة مثل هذه المراسيم الدينيّة أكثر من عشر مرّات. ولذلك فقد خطّطنا بعمل مراسيم دخول العهد لكي نرحّب بالطفل في الطائفة اليهوديّة. وسيكون هناك حفلة فرح وخمر وأكل. وسوف يقيم الحاخامان المجدّدان المراسيم وسوف نشرح قرارنا للحضور. وإذا وافق الرجلان الحاسديم فسوف يقومان بالترانيم لأنهما معروفان بترانيمهما (وبالصدفة هما من نسل حاخامات لا شك فيهم من القدس).

إننا نأمل بتقبّلكما قرارنا الصادر من قلبنا. وهناك أمر أكيد، وهو أننا إذا تركنا طفلنا يربط ويقطع بسكّين، فإننا سوف نموت ألف موت في قلبنا وفي روحنا. إننا نأمل أن يكون بخير وبصحّة جيّدة ولا نريد أن نراه يتألّم حتّى نحمي حياته. ومن المؤكّد بأنه غير الممكن النظر إليه يتألّم دون سبب معقول.

مع المحبّة [131] .

وتقوم هذه الأم بدعاية ضد ختان الذكور في الأوساط اليهوديّة لدى النساء. وهي تشرح في رسالة توزّعها سبب رفضها للختان حتّى تساعد اليهود في اتِّباع طريقها. تقول في رسالتها:

إني أرسل إليكِ هذه المعلومات التي طلبتها والتي آمل أن تساعدكِ لأخذ قرار بخصوص ختان إبنك ِاليهودي.

أنا يهوديّة غربيّة (اشكنازية) تربّيت في مجتمع محافظ، وزوجي يهودي شرقي نفي من مصر إلى فرنسا وتربّى في طائفة أرثوذكسيّة. ونحن نعتبر أنفسنا مُتعمّقين في اليهوديّة وكنا نشيطين في الطائفة اليهوديّة هنا وفي كل مكان عشنا فيه سابقاً. وقد علّمت في مدرسة يهوديّة لمدّة خمس سنين. وهذه المعلومات تبيّن أننا لسنا يهوداً منحرفين.

إن القرار الصعب الذي أخذناه بعدم ختان إبننا المولود في 18/9/1986 جاء نتيجة قصّة طويلة من الإكتشافات بأن الختان أمر مزعج. فبعد أن حضرنا حفلة ختان في مونتريال، أعربت عن عدم إرتياحي لزميلتي الإسرائيليّة. فأخبرتني أن أخاها قد مات بسبب تقيّح الدم الناتج عن ختانه عام 1939. وقد كانت هذه أوّل مرّة أسمع فيها أن هناك مخاطر للختان. ومنذ ذلك الوقت سمعت قصصاً كثيرة صدمتني لا تُذكَر للمدعوّين إلى حفلة ختان. وقد سمعت أمّهات يبحن كم هن تعيسات مع إحساس بالذنب لأنهن سمحن بختان أولادهن ولكن لم يكن أمامهن أي مفر من ذلك.

وآخر دفعة جاءت بعد أن حضرت حفلة ختان قَبل ميلاد بنتي بثلاثة أسابيع عام 1983. لقد كان الطفل شاحباً وظل يصرخ لمدّة عشرين دقيقة بينما كان الطبيب يختنه. وقد أغمي على زوجي وبكيت دون إمكانيّة السيطرة على نفسي. عندها قرّرت بأنني لن أسمح أبداً بختان إبني.

وقد كان ميلاد إبنتي تثبيتا لقناعتي. لقد كانت صلتي بها شديدة بعد أسبوع من ولادتها حتّى إني لم أكن أتصوّر السماح لأحد بإيلامها. وعندما حملت ثانية بيّنت الفحوصات بأنه ذكر. وعندها أحسست بخيبة الأمل لأني لم أكن أعرف كيف يمكنني أن أستمر في الحياة دون ختان إبني اليهودي. وأنا أفهم أن القرار صعب جدّاً لكِ. لقد قضيت كل أوقات حملي وأنا أبكي وأراجع وأفكّر وأقرأ عن الختان.

وبعد كل قراءاتنا ونقاشاتنا توصّلنا إلى تبرير بسيط. نحن لا نتّبع القواعد اليهوديّة ولا نقبل التعهّد بإتّباع كل أوامر الله. فقد تفاوضنا في كل الأمور. فنحن لا نحترم القواعد الخاصّة بالطعام أو السبوت. والختان هو أمر مقدّس صادر عن إيمان ولكنّه لا يتّفق مع إيماننا. فنحن لا نؤمن بحرفيّة أوامر الله ولا نحترم الأوامر الأخرى كغيرنا من اليهود الأمريكيّين. وقد شعرنا بأن إتمامنا الختان رغم عدم إتِّباعنا القواعد اليهوديّة هو عبث بالمقدّسات.

إننا مقتنعون أن أكثر اليهود لا يقومون بالختان عن إيمان بل إحتراماً للعادات، معتبرين إيّاه ممارسة ثقافيّة وليس دينيّة، تشبّهاً بغيرهم من اليهود. وقد أحسسنا أن الختان كممارسة ثقافيّة هو عمل بدائي جدّاً. فهو من العصر الحجري ثم أصبح بالأمر الذي أعطي لإبراهيم طقساً للخصب. وكان بديلاً متحضّراً لعادة الخصي الذي كان يمارسه جيراننا الفلسطينيون في ذاك الوقت.

وقد برَّرنا قرارنا بعدم الختان على أساس أن الختان من متبقّيات الضحايا الدمويّة في اليهوديّة القديمة. ونحن اليهود العلمانيون لا يمكننا أن نقبل إستعمال أولادنا كضحيّة. فالدم هو أمر أساسي في طقس الختان. حتّى أن الذي يتحوّل لليهوديّة مختوناً يهرق دم من حشفته. كما أن الختان في المحيط الأرثوذكسي يتضمّن مص دم الذكر إمّا بالفم أو بأنبوب. ومراسيم الختان عند اليهود الشرقيّين تطلب من الله أن يتقبّل دم المختون كدم الضحيّة في الماضي. وكل هذا مخالف للذوق في نظرنا.

سوف أناقش بعض النقاط التي ستطرح عليكِ وكيف يمكنكِ الرد عليها.

1) من الأفضل ختان الطفل اليوم بدلاً من إجباره على أخذ هذا القرار لاحقاً. ولكن العيب في هذا الأمر هو أن الختان لا رجعة فيه، بينما من بقي سليماً يمكن أن يرجع عن سلامة جسده. وبما أن الختان بدأ بالانحدار في الولايات المتّحدة، فإنه سوف يقارن نفسه مع أصدقائه غير المختونين. وعندها لا وسيلة له ليتراجع عن الختان. وإذا شرحتِ له أنه خُتن لأنه يهودي، فسوف يتّهمكِ بالمراءاة إذا كنت لا تعيشين حياة دينيّة أرثوذكسيّة. وسوف يكون من حقّه أن يغضب.

2) إن الطفل لا يحس بالألم لأن أعصابه ليست نامية، أمّا لاحقاً، فسوف يتحتّم إستعمال المخدّرات. غير أن الأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال قرّرت في سبتمبر من عام 1987 أن الأطفال يحسّون بالألم وأن لا إثبات علمي بأن عدم نمو أعصابهم يمنع إحساسهم بالألم. وقد قرّرت بأنه يجب عدم إجراء أيّة عمليّة دون تخدير. والبالغ يمكنه أن يعي ما يجري عليه ويمكن إجراء التخدير موضعياً عليه ويمكن أن يعطى المهدّئات بخلاف الطفل.

3) سيكون الطفل غير المختون ولداً أحمقاً بين اليهود، وسوف يستحي من نفسه ولن يتزوّج بيهوديّة. ورغم أن معطياتي في الأمر قليلة (ثلاثة يهود بالغين وستّة يهود مراهقين)، فإنني لم أجد أي أساس لهذا القول. وقد تزوّج البالغون نساءاً يهوديّات وكان لهم هويّة يهوديّة أقوى من المعتاد.

4) يقول الرجل: لقد تم ذلك وأنا مسرور بذلك. ولكنّه في الحقيقة فقد جزءاً حسّاساً جدّاً من جسمه. فالغلفة ليست عضواً جانبياً كما يعلّموننا. فهي تغطّي الحشفة وتحميها. والحشفة هي جسم ناعم ومخاطي مثل داخل الخد. وحشفة المختون تصبح ست مرّات أكثر تصلباً من حشفة غير المختون.

إني آمل أن تكون هذه المعلومات مفيدة للتعاطي مع نقاط النقاش الأهم التي ستثار معكِ. وها أنا اشرح لكِ الوثائق التي أرسلها لك. هناك مقالات من مصادر يهوديّة تبيّن أن التشكيك بالختان له سوابق، وأن الختان عمليّة بدائيّة ولها معنى التضحية، وأن الأهل تندّموا على إجراء الختان. كما أرسل لكِ قائمة بأهالي يهود إتّصلوا بي وعدد من الطقوس الدينيّة البديلة لدخول العهد وتسمية الطفل وقائمة بطوائف اليهوديّة الإنسانيّة. وهؤلاء لا يساندون الختان، وقد تجدين بينهم من يقبل بالقيام بمراسيم تسمية الطفل. كما أرفق طيّه عدداً من المقالات الطبّية والقانونيّة والخاصّة بعلم الإنسان. وهناك مقال عنوانه: «الختان إساءة معاملة للأطفال: وجهة نظر قانونيّة ودستوريّة» [...]. كما أرسل لكِ الرسالة التي بَعثتُها لأهلي. وأنصحك بأن تتكلّمي مع أهلك مبكّراً خلال حملكِ لكي تشرحي لهم موقفكِ مع الوثائق لأن عدم ختان الطفل يحدث صدمة لديهم.

أعطيك أيضاً نصيحة كيف يمكنك أن تعملي دخول العهد دون ختان. إلتجئي إلى حاخام مسؤول عن مجموعة دينيّة «خفورة» ولكن ليس له رعيّة. فهو ليس له ما يخسره إذا ما قام بمثل هذا العمل الشاذ. وقد كانت تجربتنا مع الحاخامات الإعتياديين، حتّى المتحرّرين جدّاً، لأنهم كانوا غير لطيفين بتاتاً. فقد طلب زوجان من أحد رجال الدين المجدّدين إقامة حفلة تسمية الطفل بعد صلاة السبت فسكت تماماً عن الختان. وربّما كان هذا يعتقد أن الختان قد تم. فيمكنكِ محاولة ذلك إذا كنتِ لا تظنّين أنه خداع. كما يمكنكِ أن تطلبي من صديق أو أب أو جد بأن يقوم بدور رئيس الطقس. ويمكنكِ الإتّصال بطائفة اليهود الإنسانيين في منطقتك. وعلى كل حال يمكنكِ أن تحصلي على شهادة تسمية للطفل رسميّة جدّاً مقابل نصف دولار من مكتبهم الرئيسي في «ميتشيجان».

وقد عملنا لطفلنا دخول العهد دون ختان. فقد كان لنا صديق وهو رجل دين مجدّد ويرأس مجموعة دينيّة. وقد أتم المراسيم حسب طقس حوَّرناه. وقد كان لطيفاً جدّاً. وهناك أيضاً أخوان متديّنان من الحاسديم من تيّار الجيل الجديد. وقد حضر أحدهما وقام بالتراتيل. وقد أرسل لي المعلّق الطبّي في التلفزيون في «سان فرانسيسكو» طاقم تصوير. وهو طبيب يهودي لم يختن إبنه الأصغر. وهكذا كان عندنا شريط فيديو ممتاز عن حفلة دخول العهد. وإذا أردت إستعارته، اتّصلي بي هاتفياً. وقد كان الحظ بجانبنا إذ وافق أهلنا وأخواتنا على قرارنا بسهولة. إني أتفهّم أن الخوف من فقدان محبّة واحترام العائلة يُصعّبان أخذ القرار. ونحن قد فقدنا كثيراً من أصدقائنا وكان هذا أمراً قاسياً جدّاً علينا.

أتمنّى لكِ حظّاً سعيداً وميلاداً موفّقاً إن كنت حاملاً. فاعتبري نفسك رائدة تعطي المثال الطيّب للغير حتّى وإن كان القرار صعباً. إني أعتقد أن إبني سيكون عارفاً للجميل لأني تركته سليماً.

إني اقدّر جدّاً أي تعليق على الوثائق التي أرسلها لك حتّى أتمكّن من إضافة أو حذف البعض في مراسلاتي القادمة. كما اقدّر إن أمكنكِ أن ترسلي لي خمسة جنيهات مقابل تصوير الأوراق إن كان ذلك في إمكانك. وإني أنصحكِ أن تقرئي الكتب التالية لمؤلّفين يهود [132] .

بكل إخلاص

وفي رسالة أرسلها حاخام يهودي إليها عام 1992 نقرأ

عزيزتي ناتالي

أشكرك على إرسالك النصوص المطبوعة. أرفق طيّه شيك بمبلغ 36 دولاراً. هل يمكنك أن ترسلي إلى أمي نسخة من هذه الوثائق بأسرع وقت ممكن؟

إعتماداً على أبحاث قمت بها، أجد أنه لا يوجد تبرير للختان من نظرة العلم والطب وعلم النفس وعلم الأعصاب. إنها عمليّة طبّية تبحث عن سبب. ومن الجهة السلبيّة، فإن الختان يحرم الشخص من وظيفته الجنسيّة الطبيعيّة. وهي أيضاً قضاء على عضو صحّي دون موافقة مستنيرة. ومن الوجهة القانونيّة، الختان هو جريمة يمكن عقابه حسب قانون صحّة الأطفال في أيّة ولاية من الولايات المتّحدة وهو خرق للقانون الدولي الذي يُحَرِّم القسوة والبتر.

هل يمكن تبرير الختان من النظرة الروحيّة؟ هذا الأمر لم يتم البرهنة عليه بصورة ترضيني. هناك كثير من الناس المتطوّرين روحيّاً الذين ليسوا مختونين، وهناك كثير من المتخلّفين روحيّاً رغم أنهم مختونون.

هل يمكن تبرير الختان من منظور الثقافة اليهوديّة؟ ربّما يكون هذا السبب الوحيد. بطبيعة الحال، الختان ليس ضروريّاً لكي يكون الإنسان يهوديّاً (إذ إن الشرط الوحيد هو الولادة من أم يهوديّة والنساء لسن مختونات)، ولكنّها عادة ترجع لعدّة آلاف من السنين. إني أرى أن ضرورة هذه العمليّة أمر شخصي وقرار شخصي كما هو الأمر بخصوص العادات اليهوديّة الأخرى. وكحاخام، لا أرى أن موافقتي لإزالة غلفة إبني تجعل منّي شخصاً أفضل. وإذا أحس إبني أن الختان يجعل منه شخصاً أفضل، فيمكنه أن يقرّر بذاته عندما يصبح بالغاً. إني لا أعتقد أن لي الحق في أن أزعج أو أغيّر أو أضعف جسده. لا بل من واجبي حماية وتحسين صحّته والمحافظة عليها.

إن إلهي هو إله محبّة، لا يفرض ألماً ووجعاً لا داعي لهما، ولا يطلب تضحية وعقاباً للذات، وقد زرع في عقل الإنسانيّة الحِكمة لكي نخطّط قَدَرَنا، وزرع في نفس الإنسانيّة الرحمة والفهم، وخلق جسدنا باهتمام وحلم كبيرين.

وحتّى إن إقتنعت أن الختان أمر جيّد لابني، فإني لن أوافق على ختانه. إني لا أريد أن أُحصَر داخل علبة الخرافات والخوف والجهل [133] .

د) رأي مريم بولاك

في مقال تشرح فيه نظرتها للختان كامرأة، تقول هذه السيّدة اليهوديّة الأمريكيّة إن الختان هو في صميم عدم المساواة بين الذكور والإناث في اليهوديّة. فهو للذكور علامة إنتماء للشعب أو الإيمان اليهودي. أمّا للمرأة اليهوديّة فإنه قد يكون له معنى إلى أن تحمل. وعندها ترتجف في أحاسيسها الداخليّة آملة بأن يكون المولود أنثى. فكثير من الأمّهات اليهوديّات أحسسن بهذه المشكلة بخجل. نحن لا نخجل من إنتقاد الختان، ولكن نخجل من التعبير عن شعورنا لأن في ذلك تصدٍّ لعادات أجيال كثيرة سبقتنا ومس بالهويّة اليهوديّة وتعريضها للخطر وخلق مشاكل مع الأهل ودخول منطقة يسيطر عليها الرجال والتصادم معهم. فالثمن الذي تدفعه الأم اليهوديّة إن أرادت التصارع في هذا الموضوع باهظ جدّاً. وكل منّا تعرف أنها إذا رفضت ختان إبنها فقد تُنبذ من شعبها. وقد ختنت أبنائي لهذا السبب وصراخهم ما زال عالق في ذهني.

وتشرح المؤلّفة الأسباب الطبّية والصحّية التي أدّت دون أساس علمي إلى إنتشار الختان في الولايات المتّحدة وكيف أن الختان يفقد الذكر جزءاً حسّاساً من جسمه. والوظائف الطبيعيّة إذا ما تم تعكيرها فإن العقل والروح يتعكّران أيضاً. وأمام بتر إبنها، تتألّم الأم وتتحرّق، ومَن حولها يحاولون إقناعها بأنها تنفعل أكثر من اللزوم، متجاهلين شعورها وشعور إبنها. والأبناء الذين لا يصرخون تحت الختان قد يكونوا تحت التخدير بسبب المخدّر الذي أعطي لأمّهم خلال الولادة. والختان يترك عندهم أثراً نفسيّاً، خاصّة بسبب فقدان الثقة التي تنتج عن فصله عن أمّه وقطعه دون أن تتدخّل للدفاع عنه.

وتشرح المؤلّفة كيف أن الختان كان موجوداً قَبل اليهوديّة وكيف أن الرجل هو الذي كان مسيطراً على المجتمع اليهودي. فقد طلب الله من إبراهيم أن يقدّم إبنه إسحاق ذبيحة له، ولا ذِكر في هذه القصّة لسارة أمّه. فقد تم تجاهلها تماماً. والنص التوراتي يتكلّم عن إسحاق وكأنه إبن إبراهيم وحده بينما لإبراهيم أيضاً إسماعيل. فإسحاق هو الإبن الوحيد لسارة ورغم ذلك فقد تجاهلها النص تماماً في قرار تقديم الذبيحة. وقد نجح إبراهيم ليس فقط في إمتحان قبوله تضحية إبنه بل أيضاً في تجاهل إمرأته. وهكذا أصبحت سارة في حُكم الميّتة وأصبح إبراهيم أباً للأمم. ولكن بقي أثر لدور المرأة إذ يُعتبر اليهودي من ولد من أم يهوديّة. وقد جاء الختان لكي ينافس قوّة الأم ويربط الطفل بقومه من خلال قضيبه. وقد تم التشديد في أسلوب عمل الختان لتثبيت الهويّة اليهوديّة رغم أن هذه العلامة سبّبت إضطهاد الشعوب لليهود. فاليهود فضَّلوا الإبقاء على الختان حتّى لا يذوبوا بالشعوب الأخرى. وانتقاد الختان يعتبر اليوم تصدّياً للهويّة اليهوديّة وتعريضها للخطر، وكل نقد للختان أصبح يدخل تحت خانة معاداة الساميّة. وبقي الختان أسلوباً لفصل الطفل عن أمّه والتعدّي على سلطتها ورباطها مع إبنها: «أيتها الأم، ليس في إمكانك حماية إبنك». فتجبر الأم على التخلّي عن شعورها كأم وتترك إبنها للذكور. والأم كما في ختان الإناث، تتخلّى عن إبنها وبنتها وتقبل قطعها حماية لقبيلتها. ومن الغلط إستعمال كلمة ختان الذكور والإناث. فهذه كلمة لا معنى لها. إن ما يجرى هو في حقيقة الأمر بتر أعضاء جنسيّة وتعسّف واقع على الأطفال.

وتحاول المؤلّفة التحايل على القواعد الدينيّة اليهوديّة الآمرة بالختان مبرهنة بأن ما يجرى مخالف للقواعد الدينيّة اليهوديّة مثل إحترام حياة وجسم الإنسان. حتّى السبت يمكن أن يُترَك لهذا الهدف. والتوراة والتلمود يفرضان الرحمة حتّى للحيوان. وكذلك يجب عدم تخريب ثمار الأرض حتّى في زمن الحرب. والختان مخالف لهذه الوصيّة.

وتضيف المؤلّفة بأنه يجب إعتبار الدين اليهودي ديناً قابلاً للتكميل وليس ديناً كاملاً. ولذلك يجب إعادة النظر في الختان وفي مركز المرأة في اليهوديّة. فيجب عمل مراسيم دينيّة غير عنيفة تتم على الذكور والإناث على السواء، وعمل عهد دون قطع (بالعبريّة: بريت بلا ميلا)، ويجب أن نساعد الرجل في كفاحه لمراجعة فكرة الذكورة المبنيّة على الخوف من النساء [134] .

وتذكر المؤلّفة في مقال آخر أن الختان كما يُمارس اليوم يختلف تماماً عن الختان كما كان يمارس قَبل العصر الإغريقي والروماني. فقد كان الختان يتم ببتر الجزء الذي يزيد عن الحشفة، ممّا يعني ترك جزء كبير من جلد الذكر سليماً. وهذا كان يسمح لليهود أن يمدّوا جلد الذكر لتغطية الحشفة في الألعاب الأولمبيّة وتفادي سخرية الإغريقيين والرومان منهم واضطهادهم. وعند ذلك قرّر رجال الدين اليهود ممارسة الختان بأسلوب أكثر شدّة ببتر أكبر كمّية ممكنة من جلد الذكر لمنع مد الجلد. وكان هذا تحدّي للإضطهاد ولموقف العداء ضد اليهود وتثبيتاً لهويّتهم خوفاً من الإندماج في المجتمعات التي تحيط بهم. ولذلك أُعتبِر كل تعدّي على الختان تعدّياً على الشعب اليهودي [135] .

وتُنكر المؤلّفة أن الختان هو تثبيت للهويّة اليهوديّة. فهناك يهود مختونون لا صلة لهم باليهوديّة. كما أن النساء اليهوديّات حافظن على هويّتهن اليهوديّة عبر القرون رغم أنهن غير مختونات. ولذلك للختان معنى غير الهويّة القوميّة أو الروحيّة. إنه مرتبط بسيطرة الرجل على المرأة. فهو يبطل سلطة الأم بفصل الطفل عنها وإيذائه دون تمكّنها من الدفاع عنه في أشد الأوقات تعلّقاً بطفلها، أي بعد ميلاده. فالسكّين المصوّب إلى ذكر الطفل هو في حقيقته مصوّب إلى قلب ونفس الأم. والختان هو جرح للأم وإخضاع لها. فبالختان يتم توجيه خطاب للأم فحواه: «إن سلطتك على الذكور محدودة وهذا الطفل ينتمي إلى الرجال». وهكذا يتم تشويش العلاقة بين الرجل والمرأة وبين الطفل وأمّه. وفصل الطفل عن أمّه هو مقدّمة لفصله عنها ثانية عندما يُجبَر على الإلتحاق بالجيش [136] .

وتعيد المؤلّفة أن الختان وسيلة لإضعاف اللذّة الجنسيّة كما يقول إبن ميمون. فالختان إذاً هو عمليّة ضد أمرين يخاف منهما اليهودي: المرأة والجنس. فالختان هو ضرورة للمجتمع الذكوري، ولكنّه ليس أمراً مقدّساً. وهو مخالف لمبادئ إحترام الحياة وعدم إيذاء الحي الذي تقول به الشريعة اليهوديّة [137] .

وتطالب الكاتبة اليهود بأن يطرحوا موضوع قدسيّة الختان. وتقول للذين يدّعون أن الختان هو تعبير عن بقائهم، إن اليهوديّة بقيت رغم الأوقات العصيبة خلال 4000 سنة بسبب مقدرتها على التطوّر. وقد تم حذف التضحية الحيوانيّة. وبعد أن هُدِم الهيكل وطُرد اليهود من وطنهم فإنهم حافظوا على هويّتهم دون أرض ودون هيكل. وقد حمل اليهود معهم ثقافتهم ولغتهم وموسيقاهم. فأصبح دينهم محمولاً في عقولهم وليس في قضيبهم. تضيف بأنه كما أن الملاك أوقف يد إبراهيم لكي لا يذبح إبنه، علينا أيضاً أن نتدخّل لنمنع السكّين الموجّه ضد الأعضاء الجنسيّة لأطفالنا الأبرياء. وهكذا نقرّر ما هو مقدّس في عاداتنا [138] .

هـ) رأي نلي كارسنتي

كتبت هذه الأم اليهوديّة الأمريكيّة وزوجة لحاخام يهودي مقالاً حول موقفها المعارض للختان بعد أن تم ختان إبنها غصباً عنها.

تقول هذه الأم بأنها لم تكن تتوقّع أن يثير رفضها للختان معارضة شديدة. فكأم يهوديّة، كان عليها أن تقبل تلك الممارسة دون أي سؤال. وكل من يتعرّض للختان يُسكَّت بعنف. فقد مارس اليهود الختان وقَبلوا الموت بدلاً من تركه. وكل رفض للختان هو تدنيس لموقف اليهود. وعندما يتكلّم اليهودي عن الختان، يذكر بأنه أمر سعيد، وسريع ودون ألم. وكل كلام عن عمليّة جراحيّة تتم دون تخدير وتسبّب الألم يثير الغضب عند اليهود. ومن المحرّمات التكلّم عن المشاكل الطبّية التي يسبّبها الختان. وحقيقة الأمر أن أكثر الناس الذين يحضرون عمليّة الختان يتفادون النظر إلى الأعضاء الجنسيّة للطفل عندما تُقطع.

وتذكر هذه الأم أنه بعد إبداء رفضها للختان إستلمت عدداً كبيراً من الرسائل والإتّصالات الهاتفيّة توضّح أنها ليست وحدها التي ترفض عمليّة الختان. فكثير من الذين إتّصلوا بها إعتبروا أن أحاسيسهم لا تؤخذ بالحسبان وأنهم يتّهمون في إنتمائهم لليهوديّة وأن لا معين لهم في محنتهم هذه. وتذكر هذه السيّدة الأسباب التي من أجلها ترفض الختان:

1) الألم: يحلو لليهود إعتبار الختان الذي يجري في المستشفيات عمليّة مؤلمة، بخلاف الختان الذي يتم دينيّاً. ولكن في الحقيقة أن كل ختان مؤلم. فالغلفة ملتصقة بالحشفة في السنين الأولى ويجب فصلها بقوّة عن الحشفة. ثم يتم قطعها دون اللجوء إلى مخدّر رغم أن هذه الجلدة من أكثر أعضاء الجسد حساسيّة. والطفل يتألّم من هذه العمليّة كما هو واضح من خفقان قلبه ومن تنفّسه ومن تغيّر تصرّفاته في الأكل والنوم. ويرد اليهود على ذلك بأن ألم الطفل يأتي من ربطه أو من الإضاءة في الغرفة أو من برودتها أو حرارتها. وهناك من يضيف أن الله لا يمكنه أن يقبل بألم الطفل، وعليه فالطفل لا يتألّم. والبعض يعترف بوجود ألم ولكن يعتبرونه ضئيلاً بالنسبة للفوائد الصحّية الناتجة عن الختان، وأن الألم الناتج عن الختان هو مقدّمة للألم الذي يحيط بالطفل في حياته. واليهود يبذلون جهداً كبيراً لإنكار وجود ألم في الختان رغم حدوث وفاة أطفال بسببه.

2) عمليّة الختان عمليّة جراحيّة غير ضروريّة: ليس هناك حاجة لتبيين فوائد الختان الصحّية عِلماً بأن الختان لم يكن مقصوداً منه الصحّة أبداً بل العهد بين الله وبين الشعب اليهودي. ورغم ذلك فهناك يهود يختنون أطفالهم في المستشفى بحجّة الفائدة الصحّية ناسين أن هذا الختان لا قيمة دينيّة له، وناسين أيضاً أن الطفل يهودي لأنه ولد من أم يهوديّة وليس لأنه مختون. فهناك خلاف بين المعموديّة التي تجعل من الطفل مسيحيّاّ، وبين الختان الذي لا يجعل من الطفل يهوديّاً. وتذرّعهم بالأسباب الصحّية هو لجعل الختان أكثر مدنيّة وأكثر قبولاً. ولكن الولايات المتّحدة هي الدولة الوحيدة التي تمارس الختان لأسباب صحّية بينما الدول الأخرى ترفض ذلك تماماً وتستهجنه. 80% من ذكور العالم غير مختونين وقد بدأت نسبة الختان بالهبوط. وقد تذرّعت أمريكا بحجج كثيرة كلّها رُفضت. فالعضو الجنسي سليم لا يحتاج إلى تدخّل طبّي والغلفة لها فوائدها الصحّية. والختان ليس فقط لا فائدة صحّية له، لا بل يُعرِّض الطفل إلى عدد من المخاطر المرتبطة بكل عمليّة جراحيّة.

3) عدم موافقة الطفل: يُمسك الطفل ويُعَرَّى ويُقطع أمام جمع دون أن يُؤخَذ رأيه ولا نعرف ما إذا كان يريد أن يشارك في مراسيم دينيّة تجعل منه طرفاً في عهد مع الله وعضواً في الشعب اليهودي. وهناك يهود يقولون بأن الأهل يفرضون عدّة أموراً على الطفل دون موافقته مثل الذهاب به إلى المدرسة. كما أن الطفل يتمشّى حول المسبح عارياً أمام الغير. ولكن هل يمكن مقارنة هذين الأمرين بالختان؟ ولماذا يطلب اليهود من أطفالهم ما لا يفرضونه على أنفسهم في مجال الممارسات الدينيّة والمحافظة على الشرائع اليهوديّة؟ لماذا هذه المراءاة؟ فهؤلاء اليهود غير متديّنين، لذا يجب تذكيرهم بقول إبن ميمون بأنه يجب عدم عمل مثل هذه الممارسة إلاّ لأسباب دينيّة.

4) بتر الأعضاء الجنسيّة: إن اليهود لا يعتبرون الختان نوع من البتر، ولكن في حقيقة الأمر هو بتر للأعضاء الجنسيّة مثله مثل بتر الأعضاء الجنسيّة للفتاة والتي يرفضها المجتمع اليهودي والغربي. والختان هو عمليّة بدائيّة تتطلّب إنزال دم من الذكر وله رمز ديني قوي. وهو صورة للعصر البدائي الذي بدأ فيه. حتّى وإن إعتبر تقدّماً بالنسبة للذبائح البشريّة إلاّ أنه مخالف للإحساس الإنساني في عصرنا.

5) الختان عمليّة ذكوريّة: إن الذكر له مكانة كبيرة في الفكر اليهودي. وعمل الختان للذكر يعني إبعاد البنت والحط من مكانتها في مجتمع ذكوري. وهذا المجتمع الذكوري يبعد المرأة اليهوديّة عن الحياة الدينيّة بقوانين خلقها الرجال. والرجل اليهودي يشكر الله كل يوم لأنه لم يخلقه إمرأة. والمرأة ما زالت في كثير من الأحوال خادمة تقدّم الشاي والكعك. والأم عامّة مستبعدة عن حفلة الختان تحت حجّة حساسيّتها بعد عمليّة الولادة. ولكن إذا أعتُبِر الختان مؤثّراً على الأم لماذا لا يُعتَبَر الختان مؤثّراً على الطفل ذاته؟ وعامّة لا يؤخذ بالإعتبار شعور الأم في هذا المجال. ورجال الدين ينسبون هذا الشعور إلى قلب الأم الحسّاس ويستبعدونه. وكل رفض للختان يُعتَبَر مخالفاً لليهوديّة. وتذكر الكاتبة أن إحدى المدارس الدينيّة (يشيفا) التي تبعتها في إسرائيل تقول بأن المرأة ولدت مختونة. ويقوم اليهود المتحرّرون بمراسيم تسمية للبنت لموازاة عمليّة ختان الذكور. وهناك أيضاً من حاول شق غشاء بكارة البنت. وعلى الأم اليهوديّة، بدلاً من المطالبة بعمليّة توازي ختان الذكور أن تنمِّي شعورها وتحمي طفلها من الختان حتّى يتم تطوير مراسيم دينيّة أكثر إنسانيّة.

وتسأل الكاتبة لماذا يتمسّك اليهود بهذه العادة رغم أنهم يتركون الأوامر الدينيّة اليهوديّة الأخرى. وتجيب على هذا التساؤل بما يلي:

1) عدم فصل الدين عن الجنسيّة: فاليهود، حتّى العلمانيون منهم، يرون ضرورة اللجوء إلى شعائر دينيّة لإبراز الهويّة اليهوديّة. فاليهودي الذي لا يؤمن بالله يُخضع طفله للختان حسب أمر من الله الذي يرفضه.

2) حاجة الإنسان إلى مراسيم في مراحل الحياة: فاليهودي قد لا يضع رجله في الكنيس اليهودي ولكنّه يختن إبنه. وقد لا يُتم هذا الختان لأسباب دينيّة ورغم ذلك يُتمه في اليوم الثامن.

3) الختان علامة إنتماء لليهوديّة أخف من المحافظة على الأوامر الدينيّة الأخرى كالقيام بالصلوات اليهوديّة أو المحافظة على الأوامر الخاصّة بالطعام.

4) اليهود حسّاسون أمام كل إضطهاد ومعادة للساميّة. وبما أن الختان قد مُنع وكان أحد أسباب العداء الذي لاقوه، فهم يعتبرون الختان علامة تمسّك منهم بهويّتهم. فهم يعيدون عليك أن أجدادهم فضّلوا الموت على ترك الختان. وترك الختان هو تدنيس لذكرى موتاهم. ومعاداة الختان هو نوع من معاداة الهويّة اليهوديّة. والتساؤل حول ترك الختان هو إعطاء النصر لهتلر بعد وفاته.

5) هناك خلط كبير بخصوص الفوائد الصحّية الناتجة عن الختان. فكثير من اليهود يظنّون أنه بختان أطفالهم ينجونهم من السرطان.

6) الختان هو وسيلة للإختلاف عن المسيحيّين. ورفض الختان يعني الإنتماء إلى المسيحيّة.

تقول هذه الأم اليهوديّة إن هذه الأسباب لها جذور عميقة في النفسيّة اليهوديّة. ورغم ذلك يمكن التغلّب عليها. فعدم الختان لا يعني رفض الإنتماء لليهوديّة أو رفض العهد مع الله. فالنساء لا تُختن ورغم ذلك هن يهوديّات. وقد تم وضع مراسيم دينيّة جديدة دون قطع. وهناك بعض رجال الدين اليهود الذين يقبلون المشاركة بمثل هذه المراسيم. فهناك كثير من الوسائل للإحساس بالإنتماء لليهوديّة غير الختان. واليهوديّة إستمرّت عبر العصور رغم التغيّرات ولن يُؤثِّر إلغاء الختان عليها. ويمكن إعادة تفسير الختان كما تم تفسير أمور كثيرة في اليهوديّة [139] .

و) رأي جيني جودمان

تقول هذه الطبيبة اليهوديّة البريطانيّة المتخصّصة بالأمراض العقليّة إنها حضرت عدّة مرّات مراسيم ختان أطفال يهود، وبدلاً من أن تنظر إلى تكريم الآخرين لهذه المراسيم الدينيّة، كانت تنظر إلى الأطفال الذين يتألّمون. وهي ترى في هذه المراسيم بقايا زيغ في قلب دين يؤكّد على الحياة. وكل من تتكلّم معهم حول الختان من اليهود يظنّون أن الختان قطع بسيط مفيد للصحّة أو أمر ديني لا يترك أيّة مخلّفات في الطفل أو في الأم. وهم يعتقدون أن اليهوديّة سوف تنهار إذا ما ألغينا الختان الذي يعتبرونه علامة خاصّة بهم رغم أن المسلمين وكثيراً من المسيحيّين والقبائل البدائيّة الأستراليّة يمارسونه. وإذا كان الختان هو المفتاح للهويّة اليهوديّة، فما القول إذاً في 52% من النساء اليهوديّات التي لا تُختن؟

وتقول هذه الطبيبة إنها تشرح لمستمعيها عدم وجود أيّة فوائد طبّية للختان لا بل فيه مخاطر صحّية ونفسيّة وجنسيّة للطفل، ويخلق توتّر في العلاقة بين الأم وابنها. وردود اليهود والمسلمين في هذا الخصوص يمكن إختصارها بكلمة: الخوف. والمتزمّتون دينيّاً يقولون: «إنه أمر إلهي وكفى». وهم يحسّون أنفسهم في خطر ويردّدون عليك القول بأن الختان مُورِس خلال آلاف السنين ولا يمكن إلغاؤه الآن، وهو جزء من هويّتنا. والجواب على ذلك أن آلاف السنين لا تبرّر إيلام طفل وأن العادات الدينيّة تتطوّر. ورغم إقتناع الغير بما تقول إلاّ أنهم يبقون على قرارهم بأن يختنوا أولادهم لأنه هناك إرهاب ثقافي ضد من يريد إيقاف الختان. ولكن بدأ تحوّل من الولاء نحو القبيلة إلى الولاء نحو الطفل [140] .

تضيف هذه الطبيبة أن الختان يُبقي مخلّفات نفسيّة في الطفل. ولكن حتّى وإن لم يبق مثل تلك المخلّفات وإن كان الألم قصير الأمد، إلاّ أنه لا يحق لأحد أن يعرّض الغير للألم. هناك نوع من تكرار إنكار الألم في الختان: «لم أتألّم من الختان والختان لن يؤلمه». ولكن قليل من الناس عنده الشجاعة ليعترفوا بأن أمراً ما ينقصهم وأنهم يتألّمون. فهناك ضغط جماعي عليهم [141] .

وتقول كيف أنه بعد عرض فيلم «فيكتور شونفيلد» المُعَنون «إنه صبي» على شاشة التلفزيون البريطاني في سبتمبر 1995 بدأت بعض السيّدات اليهوديّات يتكلّمن عن ألمهن وكأن الغطاء قد أزيل من فوق طنجرة الضغط. وتذكر أن إحدى السيّدات لم تعد تقوى على إنجاب طفل آخر بعد أن كاد إبنها الأوّل يموت من النزيف الناتج عن الختان. وتذكر أن البعض يلومونها لهجومها على الختان بينما اليهود حتّى في المعتقلات الجماعيّة وتحت خطر الموت كانوا يختنون أطفالهم تكريماً للأمر الإلهي. فتجيب بأن ألم اليهود عبر التاريخ لا يمحو ألم طفلنا اليوم. وأولئك كانوا قد قرّروا ختان أولادهم لاعتقادهم بأنهم يقومون بما هو الأفضل لهم، وهذا لا يمنع من أن نقوم نحن بعمل ما نظنّه الأفضل أخلاقيّاً بتركنا أطفالنا سالمين [142] .

وتشرح كيف أن الختان كان قد مُنع في الإمبراطوريّة الرومانيّة من قِبَل أعداء اليهود. ولذلك من يطالب بإلغاء الختان في أيّامنا ينظر إليه وكأنه معاد للساميّة حتّى وإن كان هو نفسه يهوديّاً. ويعتبر الإبقاء على الختان تعبيراً عن بقاء اليهود عبر التاريخ. ولذلك يُعتبر نقد الختان تهديداً لبقاء اليهود. وتتساءل ما هي أهمّية أمر في العقليّة اليهوديّة الجماعيّة يعود بألم على الطفل المختون؟ [143]

وتضيف بأنه تم تعليم الناس بأن الله تكلّم مع إبراهيم طالباً منه ختان إبنه. وهي لا تريد أن تنكر أن الله تكلّم مع إبراهيم. ولكنّها تسمع صوتاً آخر لله يكلّمها ويجب عليها أن تتبع ضميرها في سماع هذا الصوت يقول لها: «لا تمد يدك إلى الصبي ولا تفعل به شيئاً» (التكوين 11:22). وأرميا النبي يتكلّم عن ختان القلب. وهذا هو الأمر الوحيد الذي له معنى في أيّامنا: بأن نذيب الصدفة التي تحيط بقلوبنا حتّى نسمع صراخ أطفالنا ونتوقّف عن إيلامهم. واليوم نقوم نحن بختان أطفالنا بينما لا نفعل ذلك مع البالغين لأننا لا نعتبر الأطفال إنساناً. وهذا في حقيقته تعدّ على الطفل الذي له نفس حساسيّة البالغ والذي هو إنسان كامل. وكثيراً ما يتم التعدّي على الطفل في المستشفى الذي يضج بالآلات الحديثة. وبعد أن تم إدخال أساليب ولادة بديلة أكثر إحتراماً للأم وللطفل، فإن الأم أصبحت أكثر إحساساً بطفلها وأكثر مناعة أمام سطوة المستشفيات عليها، ممّا يسمح لها برفض الختان.

وتختتم الطبيبة قولها بأن مكافحة الختان ليس موضوعاً منفصلاً. فهو يتعلّق بتوعية البالغين حتّى يروا في الطفل إنساناً كاملاً يستحق كل الإحترام والتكريم، وهذا نوع من التقدّم التاريخي في مجتمع متحضّر فعلاً. وهذا الكفاح ضد الختان هو جزء من الكفاح لجعل العالم أكثر تحضّراً [144] .

6) إنتقال نقد الختان إلى إسرائيل

بالإضافة إلى عدد من اليهود غير المختونين القادمين من الإتّحاد السوفييتي، هناك في إسرائيل عشرات من أهالي الأطفال اليهود الذين يرفضون ختانهم. فهم يعتقدون بأنه ليس من الضروري بتر غلفة الطفل حتّى يصبح يهوديّاً إذ إن اليهودي هو كل من يولد من أم يهوديّة. وقد أسّس بعض نشطاء حقوق الإنسان في إسرائيل جمعيّة تدعى «جمعيّة مكافحة الختان في إسرائيل وفي العالم» [145] .

هذه الجمعيّة تعتبر الختان عمليّة بدائيّة وهمجيّة. وقد رد عليهم طبيب ولادة إسرائيلي في مستشفى «شآري تصيديق» في القدس بأن الختان يحمي من الأمراض ومفيد للنظافة. وتجيب الجمعيّة بأن عدد الأطفال الذين يموتون بسبب الختان أكبر من عدد الأطفال الذين قد ينجون من الموت بسبب الأمراض التي قد يحمي منها الختان. والختان ليس ضروريّاً للمحافظة على النظافة، فيكفي غسل الجسم للوصول إلى هذه الغاية. وتضيف بأن موسى إبن ميمون يرى في الختان وسيلة لإضعاف اللذّة الجنسيّة. كما أن الختان عمليّة مؤلمة للأطفال تجرى عليهم دون موافقتهم وتسبّب لهم إضطرابات عقليّة. والذين يقومون بالختان يحتفلون ويفرحون من حول الطفل المختون دون أن يعيروا أي إهتمام لألمه.

ومعارضة الختان في إسرائيل ليس بالأمر البسيط إذ إن غير المختون لا يُدفن في المقابر اليهوديّة. والأهالي الذين يرفضون ختان أطفالهم يلقون عنتاً كبيراً من قِبَل أقاربهم وأصدقائهم الذين يقطعون العلاقات معهم. وهؤلاء الأهالي يلتقون مرّة كل أسبوعين لدراسة كيفيّة تكثيف كفاحهم ضد الختان. هذا وقد إنضم لهذه الحملة المغني والناقد الأدبي الإسرائيلي «مناحيم بن» الذي يقول بأنه ختن إبنه على طريقته وذلك من خلال ختان القلب كما جاء في التوراة.

وقد تصدّى لهذه الحملة رئيس الحاخامات الإسرائيلي «الياهو باكشي دورون» الذي قال بأنه كان يعلم أن هذا سوف يحدث في آخر الأمر. فقد إستولى بغض الذات على الشعب. وفكرة أن كل ما هو يهودي هو شيء بغيض إمتد حتّى إلى الختان علامة العهد. ويضيف أن ضرر الطفل الذي يدَّعيه معارضو الختان لا يسمح بالشك في عادة قديمة. ويتساءل: «من هو الذي يقرّر بأن أمراً ما بدائي وقديم ومؤلم؟ فالحمد لله أن الشعب اليهودي قد عاش على هذه الوتيرة منذ أجيال. وحتّى أن كان صحيحاً أن الختان ينقص اللذّة الجنسيّة، فهذا ليس مصيبة كبرى».

وقد كتب لي أمين عام هذه الجمعيّة رسالة بتاريخ 31 ديسمبر 1997 يقول فيها إن جمعيّته «تأخذ موقفاً مشمئزاً من عادة الختان البغيضة التي تُفرض فرضاً في إسرائيل، وإنها تقوم بحملة عامّة نشيطة لإقناع الناس بالتخلّي عنها. وهذا الموقف نابع ليس فقط من الشعور الأخلاقي لكل صاحب ضمير مثقّف، بل أيضاً من إكتشافي بأن ناموس الختان الذي سنّه الله قد تم إلغاؤه تماماً [...] وبما أن المسيحيّين والمسلمين يعتمدون على التوراة في ممارسة الختان، فإن هذا الإكتشاف قد يساعد في نجاح إلغاء الختان بصورة كبيرة». هذا وقد أرفق برسالته نداءاً باللغة الإنكليزيّة يشرح فيه هذا الإكتشاف نترجمه هنا:

نداء للرجل اليهودي والمرأة اليهوديّة

حول الختان وتدهور ثقافة إسرائيل والجنس البشري

أيها الرجل اليهودي

إذا كنت غير مختون، فلا توافق على إجراء الختان عليك. وإذا قَبلت أن تختن، فلن يكون بإمكانك أن تكون «إسرائيلي» [أي منتمياً إلى اليهوديّة]، لأن الإسرائيليين الحقيقيين لهم جسد سليم وكامل، دون أي بتر ديني، ممّا يعني بأنهم على صورة الله. وهذا لأن الله قد ألغى الختان. وبرهان ذلك يأتي من كلمة «إسرائيل» ذاتها والتي تعني الشخص الذي يتصارع مع الله ويتغلّب عليه. وهذا الرمز يعني أن للإنسان القدرة على أن يكون حراً ومستقلاً تماماً وأن يسيطر على القضاء والقدر. وهذه القدرة تتمثّل أيضاً في إلغاء هذا الطقس الديني التعيس الذي يتمثّل في الختان.

أيها الرجل اليهودي وأيتها المرأة اليهوديّة

إن قصّة إلغاء الختان يحكيها لنا نص طويل في التوراة وقد تم ذِكر هذا الإلغاء بوضوح في الآية التالية «ولذلك لا يأكل (ياخلو) بنو إسرائيل عِرق النّسا الذي في حُق الورك إلى هذا اليوم» (التكوين 33:32).

إن إلغاء الختان يُفهم اليوم على خلاف للقصد الأصلي. فإن حركات أحرف كلمة «ياخلو» في العبريّة الأصليّة (والتي تحتمل عدّة معاني منها «يمزّقون» أو «يهلكون» أو «يأكلون») قد نُسِيَت، فضاع معنى عبارة «عِرق النَّسا» الأصلي بسبب جهل تاريخ الشعب اليهودي وصعوبة فهمه. ولكن الآن عليك أيها الرجل اليهودي وعليكِ أيتها المرأة اليهوديّة أن تتنبّها بذاتكما وسوف تجدان الحقيقة من خلال تقدّم علم النقد النصّي. وتلك الحقيقة هي أن الحركات الصحيحة للكلمة المذكورة هي «يَاخلو» بمعنى «يُمزِّقون» و«يُهلِكون» وليس «يُوخلو» بمعنى «يأكلون». كما أنكما ستجدان أن عبارة «عِرق النّسا» هي تعبير بياني منمّق عن العضو التناسلي الذكوري كما توضّحه المصادر الرابينيّة والطقسيّة.

إن الختان الذي يُفرَض قسراً هو أمر مقيت أخلاقيّاً وثقافياً، خاصّة عندما يتم على طفل صغير ينقصه الفهم والقدرة لكي يوافق بصورة حرّة وواعية. إن فرض الختان هو عار على من يقومون به كما أنه مخالفة لناموس التوراة ولإرادة إله إسرائيل، الذي هو إله كل الجسد، واله كل الأرض، إله المحبّة والرحمة والحرّية، إله كرامة الإنسان.

وبسبب عادة الختان الرذيلة، فإن شعب إسرائيل غير قادر على إتمام رسالته لكي يكون نوراً للأمم وخلاصاً لأقاصي الأرض. وبسبب هذه العادة، ليس في إمكان القدس أن تفي بقدرها وبرسالتها حتّى تصبح عاصمة العالم الموحّد.

«لا يمزّقون» (التكوين 33:32) [بالإنكليزيّة والعبريّة]

جمعيّة مكافحة الختان في إسرائيل وفي العالم

نرسل معلومات مفصّلة لجميع أنحاء العالم بمجرّد الطلب

Tel./Fax 972-3-5375633; P.O.Box 32320; Jerusalem 31322

ونشير هنا إلى أن الآية محل النزاع جاءت ضمن قصّة صراع يعقوب مع الله كما يرويها الفصل 23 من سفر التكوين. ونحن ننقل هنا هذه القصّة:

«وقام [يعقوب] في تلك الليلة فأخذ إمرأتيه وخادمتيه وبنيه الأحد عشر فعبر مخاضة يبّوق. أخذهم وعبّرهم الوادي وعبّر ما كان له. وبقي يعقوب وحده. فصارعه رجل إلى طلوع الفجر. ورأى أنه لا يقدر عليه. فلمس حُقّ وركه، فأنخلع حُقّ ورك يعقوب في مصارعته له. وقال: «إصرفني، لأنه قد طلع الفجر». فقال يعقوب: «لا أصرفك أو تباركني». فقال له: «وما إسمك؟». قال: «يعقوب». قال: «لا يكون إسمك يعقوب فيما بعد، بل إسرائيل، لأنك صارعت الله والناس فغلبت». وسأله يعقوب قال: «عرّفني إسمك؟». فقال: «لِمَ سؤالك عن إسمي؟». وباركه هناك. وسمّى يعقوب المكان فنوئيل قائلاً: «إني رأيت الله وجهاً إلى وجه، ونجت نفسي». وأشرقت له الشمس عند عبوره فنوئيل، وهو يعرج من وركه. ولذلك لا يأكل بنو إسرائيل عِرق النّسا الذي في حُق الورك إلى هذا اليوم، لأنه لمس حُقّ ورك يعقوب على عرق النَّسا» (التكوين 23:32-33).

ونجد ذكر لقصّة صراع يعقوب في سفر هوشع 3:12-5: «للرب دعوى على يهوذا وعقاب على يعقوب بحسب طرقه. فعلى حسب أعماله يُرد عليه. من البطن أخذ مكان أخيه، وفي رجولته صارع الله. صارع ملاكاً وغلبه». وكلمة إسرائيل فسّرت بأنها تعني «صارع الله» على أساس هذين النصّين.

وقد نشر أمين عام «جمعيّة مكافحة الختان في إسرائيل وفي العالم» المذكورة مقالاً عنونه «إلغاء الختان في إسرائيل» [146] . وقد شرح فيه مشكلة الآية: «ولذلك لا يأكل بنو إسرائيل عِرق النّسا الذي في حُق الورك إلى هذا اليوم» (التكوين 33:32).

يتساءل مؤلّف المقال ما علاقة صراع يعقوب مع الله ومنع أكل عِرق النَّسا؟ لقد صارع يعقوب الله وغلبه، فكيف يمكن للغالب أن يخضع لنهي بأكل قطعة لحم، خاصّة أن القوانين بخصوص موانع الطعام لم تكن قد نزلت بعد؟ وقد طلب يعقوب من مصارعه بركة، فهل يكون عدم «أكل» عِرق النَّسا هو البركة؟ وهنا تطرح مشكلة فهم النص التوراتي. فالكلمات العبريّة، كالعربيّة، تحتمل عدّة قراءات إذا لم تكتب الحركات على أحرفها. فالكلمة ذاتها يمكن قراءتها بمعان مختلفة. وهذا ما حصل مع كلمة «أكل». وعرق النَّسا هو في جسم يعقوب، فلماذا لا يأكل الإنسان عرق النسا للحيوان؟ هل عرق النّسا له معنى آخر؟

ولحل مشكلة فهم النص العبري، يقترح مؤلّف المقال قراءة كلمة «أكل» بأن لا علاقة لها بالطعام، بل تعني «يمزّق»، وكلمة «عرق النّسا» تعني قضيب الإنسان. وهنا توضح الصورة فيكون معنى النص: «ولذلك لا يمزّق بنو إسرائيل القضيب الذي في حُق الورك إلى هذا اليوم». وهو إشارة إلى ترك الختان الذي كان الله قد فرضه على إبراهيم ونسله. أي أن يعقوب بانتصاره على الله طلب منه بركة أن تُلغى عمليّة الختان، ثمناً لانتصاره.

وقد يرى البعض أن هذا ليس إلاّ تلاعب بالكلمات. فلا يمكن قبول تفسير جديد وإلغاء أمر الختان من خلال فهم جملة من التوراة. ويرد المؤلّف بأن هذا التفسير تؤكّده النصوص اللاحقة في التوراة. فإن اليهود لم يمارسوا الختان نتيجة لهذا الإلغاء. فسفر الخروج (25:4) يبيّن لنا أن موسى لم يختن إبنه. كما أن سفر يشوع يبيّن لنا أن اليهود الذين ولدوا في سينا لم يختنوا (5:5). ودون إلغاء الختان، لا يمكن فهم سبب ترك موسى ختان إبنه وترك اليهود الختان في سينا. وهناك في التلمود نص يبيّن أن اليهود تم ختانهم ليلة خروجهم من مصر. ممّا يعني أن اليهود عاشوا مدّة 400 سنة في مصر دون ختان. وهناك قصّة في التوراة تقول إن إبنة فرعون وجدت موسى في سلّة بين القصب على حافّة النهر فعرفت أن «هذا من أولاد العبريين» (خروج 6:2). وتعرّفها على أصله هو لأنه لم يكن مختوناً بخلاف المصريّين الذين كانوا يختنون أولادهم.

ولكن إذا أُلغيت فريضة الختان، فلماذا إذاً تم ختان اليهود ليلة خروجهم من مصر وقَبل دخولهم أرض الميعاد؟ يجيب المؤلّف أن السبب في ذلك هو أن اليهود كانوا مزمعين أن يسيلوا دم شعوب أخرى بالحرب. والتوراة تقول: «من سفك دم الإنسان سفك دمه من يد الإنسان» (التكوين 6:9). فحتّى يشعر اليهود بألم الغير، تم إخضاعهم للألم أنفسهم فلا يتصرّفوا بصورة وحشيّة مع غيرهم. والختان في هاتين الحالتين تم لوضع خاص وليس رجوعاً إلى فريضة الختان. فقد أمر الله يشوع قائلاً: «عد إلى ختن بني إسرائيل مرّة أخرى» (يشوع 2:5). ولم يقل له كما قال لإبراهيم: «إبن ثمانية أيّام يختن كل ذكر منكم من جيل إلى جيل» (التكوين 12:17).

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا إذاً إستمر اليهود في الختان رغم إلغائه في زمن يعقوب؟ ويجيب المؤلّف على ذلك بأنه بعد موت يشوع «نشأ من بعده جيل آخر لا يعرف الرب ولا ما صنع إلى إسرائيل. فصنع بنو إسرائيل الشر في عيني الرب وعبدوا البعل وتركوا الرب، إله آبائهم» (القضاة 10:2-12). وقد تم في عصر الملك يوشيا العثور على سفر الشريعة في بيت الرب. فعرف أن الشعب قد ترك أوامر الله (2 أخبار 14:32-21) إذ رجع إلى عادة الختان الوحشيّة: «فسد الذين ولدهم بلا عيب، جيل شرّير مُعوج» (تثنية 5:32). فأعطى الملك أمراً بالمحافظة على ما جاء في سفر الشريعة من جديد «ليعملوا بكلام العهد المكتوب في هذا السفر، وألزم به جميع الذين كانوا في أورشليم وبنيامين، ففعل سكّان أورشليم بحسب عهد الله، إله آبائهم. وأزال يوشيا كل القبائح من جميع بلاد بني إسرائيل» (2 أخبار 31:34-33). وحتّى يثني الشعب من ممارسة الختان أقام عيد الفصح من جديد (2 أخبار 53:1). وهكذا تم إلغاء الختان. وعندما نُفي اليهود إلى بابل، نسوا مجدّداً عهد الله فعادوا إلى الختان بسبب عادات الشعوب المحيطة بهم. وبعد رجوعهم من المنفى نسوا نص التوراة كما نسوا اللغة العبريّة وخصائصها التي تكلّمنا عنها. وهكذا إستمر اليهود في ممارسة عادة الختان البذيئة حتّى يومنا هذا.

ينتهي هنا مقال أمين عام «جمعيّة مكافحة الختان في إسرائيل وفي العالم». وهو يعتمد على تأويل جديد لنصوص التوراة كوسيلة لإقناع قومه الذي يتمسّك بصورة شديدة بحرف التوراة. وقد يشكّك بعض اليهود والأصوليّين المسيحيّين في هذا التفسير ولكن لا ندري مدى تأثيره على الأكثريّة اليهوديّة الساحقة التي تمارس الختان في إسرائيل وخارجها. وفي كلامي معه أخبرته بأن هذه النظرة تتطلّب أوّلاً الإيمان بقصّة أمر الله لإبراهيم بالختان. وهذه القصّة الغريبة التي يستهجنها العقل لا تقل غرابة عن قصّة مصارعة الله ليعقوب وتغلّب هذا الأخير عليه. فلماذا إذاً لا نسدل الستار على كل هذه الخرافات من بدايتها ونرفض الانصياع لها؟

وقد حاولت في يناير 1998 جمعيّة يهوديّة أخرى معارضة للختان في إسرائيل إسمها «الجمعيّة المعارضة لبتر الأعضاء الجنسيّة للأطفال» الحصول على قرار من المحكمة الإسرائيليّة العليا يجعل من ختان الذكور مخالفاً للقانون الخاص بكرامة الإنسان وحرّيته، ويفرض إجراءه في المستشفيات مثله مثل العمليّات الجراحيّة الأخرى بعد الحصول على موافقة خطّية من الأهل. وتطلب الجمعيّة من المحكمة أن تفرض مناقشة هذا الأمر على وزارتي الصحّة والشؤون الدينيّة، والمدّعي العام والهيئة الخاصّة بمراقبة الموهيلين [147] . وقد قَبلت المحكمة دعوى الجمعيّة، ممّا أزعج المدّعي العام الذي إعتبر بأنه من غير المعقول أن تكون إسرائيل هي الدولة والوحيدة في العالم التي تمنع ختان الذكور [148] . غير أن المحكمة عادت ورفضت القضيّة في مايو 1999 دون تقديم أسباب لذلك الرفض، مكتفية برد الحكومة [149] .

وقد أوضح مقال صادر في إحدى الصحف الإسرائيليّة [150] المشاكل التي يلاقيها رافضو الختان في إسرائيل. فهذه أم يهوديّة رفضت أن يختن إبنها. فهدّدها أبوها بحرمانها من الميراث وقد قطع والدا الأم كل علاقة لهما مع إبنتهما. وصديق للعائلة شبّه الزوجين بهتلر واتّهمهما بمحاولة هدم اليهوديّة. ويذكر المقال إن هذين الزوجين لهما صلة مع قرابة 30 عائلة يهوديّة في إسرائيل ترفض ختان أطفالها. ورغم أنها تعتبر نفسها علمانيّة، فهي ليست ضد مراسيم الختان إن توقّفت هذه المراسيم عند حد الكلام ولم تتعدّاه إلى قطع قضيب الطفل. وهذه العائلات تحاول التضامن مع عائلات أخرى وتعطي لها النصائح في مواجهة ضغط الأهل. وقد ذكرت عائلة أخرى أن جد الطفل رفض مس الطفل أو النظر إليه وقد قطع كل علاقة مع العائلة. وقد أوضحت أم الطفل بأن في إسرائيل أطفال ينتمون إلى أجناس مختلفة ولا سبب لجعل شكل ذكرهم علامة الوحدة بينهم. ويذكر أب الطفل أن رفضه للختان بدأ بعد معاينته يهوديّاً يصرخ فعندها عادت به الذكريات إلى ختانه. ممّا يعني له أن الختان يترك في أعماق الشخص أثراً مؤلماً، وقد دعّمت رفضه للختان معاينته صورة له وهو يصرخ من الألم في عمليّة ختانه بينما الكل من حوله لا يعير صراخه أي إهتمام. ثم أحس بالإشمئزاز كل مرّة حضر فيها ختان طفل. وأمّا الأم، فهي ترى في الختان مخالفة لكمال خلق الطبيعة وكسراً لعلاقة الثقة بين الطفل والأم التي ترفض حمايته من الألم. وهي تستشهد بقول أمّهات لاحظت إختلافاً في علاقتهن مع أطفالهن بعد الختان. ومن الواضح أن آراء هذا التيّار متأثّر بآراء الجمعيّات الأمريكيّة المعادية للختان التي تبث دعايتها من خلال شبكة الانترنيت والتي هي باتّصال مع هذا التيّار الإسرائيلي وتدعمه.

ويشير المقال إلى أن موضوع الختان في إسرائيل يدخل ضمن المحرَّمات خوفاً من رجال الدين اليهود. فالأطبّاء يتفادون التكلّم في هذا الموضوع. وعندما حاول طبيب في مستشفى مدينة «العفوّلة» القيام ببحث لمعرفة آثار الختان على اللذّة الجنسيّة رفض أحد المستشفيات إعطاء قائمة بأسماء الأشخاص الذين تم ختانهم كباراً رغم أن مثل تلك القائمة تُقدّم بصورة روتينيّة لغيرها من العمليّات للقيام بالبحوث. وأضاف أحد أعضاء الجمعيّة المذكورة أنه لم يتمكّن من الحصول على أيّة مساعدة من جمعيّات حماية حقوق الإنسان في إسرائيل أو من جمعيّات اليهود المجدّدين.

ويوضّح المقال أن عدم الختان يخلق مشكلة لغير المختونين في إسرائيل. فاليهود الذين لم يختنوا أطفالهم خلال الحرب العالميّة الثانية ختنوهم عندما جاؤوا إلى إسرائيل. وكذلك الأمر بالنسبة لليهود السوفييت. وقد ذكر أحد الشباب بأنه يخفي عدم ختانه معتبراً ذلك سرّاً. والختان يتم في إسرائيل لعدّة أسباب: هناك الضغوط الإجتماعيّة، وهناك الرأي القائل بأنه إذا كان مفيداً للولايات المتّحدة فهو مفيد لنا. وهناك أيضاً عدم وجود قانون يفرض الختان يتمرّد الإنسان ضدّه. فلو كان هناك قانون يفرض الختان في إسرائيل، فإن عدداً كبيراً من اليهود العلمانيين سوف يتمرّد عليه ويرفض الختان.

7) محاولة رجال الدين اليهود تخليص سفينة الختان من الغرق

ممّا سبق ذكره نرى أن الجدل حول الختان قد واكبه جدل حول الكتاب المقدّس اليهودي بالذات، أثّر عليه وتأثّر به. فالختان هو مختبر صغير يتعرّف المرء من خلاله على نقاط الضعف في الكتاب المقدّس وعلى الآراء التي أثيرت من حوله. وتطوّر مفهوم الختان هو صورة لتطوّر مفهوم الكتاب المقدّس كما هو تطوّر للفكر الديني والفلسفي والإجتماعي اليهودي عبر العصور. وهناك رغبة من قِبَل بعض اليهود في جعل الختان أكثر ملاءمة لهذا التطوّر [151] . ورجال الدين اليهود يدركون أن السهام الموجّهة للختان سوف تصيب بنيان الكتاب المقدّس ونظريّاتهم الدينيّة. فهم يرون فيه بداية المخاض لميلاد عصيب لا يعرفون ماذا يخفي. وهذا ما يجعلهم شديدي الانفعال كلّما أثير موضوع الختان. وزوال الختان هو زوال بعض من سلطة رجال الدين على المجتمع. فهم ما زالوا يرون في الختان «أحد أهم أوامر التوراة وأكبر المحافظين على اليهوديّة» [152] . لذا لا يتورّعون من مواجهة معارضي الختان الديني باتّهامهم بمعاداة الساميّة [153] . ولنا عودة إلى هذه الإتّهامات عندما سنتكلّم عن الختان والسياسة.

في كتاب عن الختان صادر من اليهود المجدّدين في الولايات المتّحدة نقرأ النص الآتي: «رغم المؤثّرات القويّة الحاليّة ضد الختان، يظهر أن الختان الديني سيبقى ينعم بمركزه الحالي المهم الذي لا مثيل له بين المجدّدين اليهود الأمريكيّين. ويظهر أن بهجة الإحتفال بالحياة والرغبة في التأكيد على التجارب اليهوديّة المحسوسة ما زالت متوهّجة. إن الختان الذي كان موضع جدل ونقد أصبح حاليّاً طقساً ذا معنى عميق» [154] .

يستشف من هذا النص خوف رجال الدين اليهود من عدم إمكانيّة صمود الختان أمام التيّار اليهودي المعارض في المستقبل. ويقر «هوفمان» في كتاب صدر حديثاً أن هذا التيّار لا مثيل له في العصور الماضيّة لأنه يلاقي مزيداً من القبول بين رجال الدين اليهود أنفسهم. ويذكر كيف أنه دار حديث بينه وبين مجموعة من رجال الدين اليهود الذين طرحوا فعلاً إحتمال إلغاء الختان. فسألهم: «ولكن هل هناك أحد منكم لم يمارس الختان على إبنه؟» فخيّم سكون على القاعة ثم تحوّل إلى غضب. فقد أجابه أحد الحاضرين: «لا حق لك للتدخّل. فأنت رجل عجوز أنجبت أولادك وكبروا وانتهيت من مشكلة الختان، أمّا نحن فنعيش في مرحلة الشباب وعلينا أن نواجه المشكلة بخصوص أطفالنا». وأضاف «هوفمان»: «إنه من السهل علي أن اطرح أفكاري بصورة أكاديميّة دون أي إهتمام. أمّا رجال الدين الشباب أولئك فهم يعيشون المشكلة على الطبيعة ويحسّون بها كلّما يولد لهم طفل».

ولكن هذا المؤلّف يعزّي نفسه بذكر مقال للحاخام «ميخائيل هيرتسبرين». فهذا الحاخام يحكي كيف أنه بينما كان ينظر إلى دمع إبنه المختون، رأى نفسه يتساءل: «ولكن ماذا عن حاجة إبني؟ عندما كان يكافح في ألم، هل تخلّيت عنه لأجل طقس الختان؟» لقد كان شعوره بأنه خان إبنه. وبينما كان ينظر للجمع قائلاً: «كل شيء على ما يرام»، كان في صميم نفسه يقول: «هذا ليس صحيحاً». ومع ذلك ختم مقاله قائلاً: «رغم قطع اللحم والألم الناتج عن عمليّة الختان، فإن عهد القطع يظهر وكأنه قدّر له أن يبقى دون مساس». وهذا المؤلّف وضع هذه الحكاية في بداية كتابه ثم عاد في خاتمته إليها [155] .

وأمام شدّة التيّار المعارض للختان، يحاول رجال الدين اليهود تخليص سفينة الختان من الغرق أو إخراج ما أمكن إخراجه منها. فقاموا بتمرين الأطبّاء وتثقيفهم في مجال الطقس الديني، حتّى يقوموا بدور الخاتن الديني. ثم تنازلوا عن معارضتهم لإستعمال التخدير في الختان لكي يخفّفوا من الألم. ثم فتحوا الباب للنساء لممارسة الختان للرد على نقد الحركات النسائيّة. ويقترح «هوفمان» إدخال تجديدات في طقس الختان بحيث تشارك المرأة بفعاليّة أكبر في عمليّة الختان. فبدلاً من أن تكون الصلاة حكراً على الأب، يمكن أن تصبح شراكة بين الأب والأم. كما أنه يقترح أن تُقام للبنات طقوساً مماثلة للتي تقام للأبناء. ففي اليوم الثامن بعد ولادة البنت، يمكن إجراء طقس يسمّيه «عهد شعبنا إسرائيل» بدلاً من «طقس أبينا إبراهيم». كما أنه يقترح أن يقام ختان الطفل ليس ضمن طقس الختان بل خارجه، ويستعمل فيه التخدير لتهدئة الألم. وهكذا تعطى الأهمّية ليس للختان كعمليّة جراحيّة، بل للطقس الديني في معناه اللاهوتي الذي هو دخول العهد [156] . وهذا العالم اليهودي هو صاحب النظريّة التي تقول بأن العهد بين الله وإبراهيم لم يكن عهد ختان (بريت ميلا) بل عهد دم الختان (بريت دم ميله). فالمهم في هذا العهد، حسب رأيه، ليس القطع بل إنزال الدم من حشفة الذكر. فيكون الختان في زمن إبراهيم مختلفاً تماماً عمّا نفهمه نحن في أيّامنا. ولنا عودة إلى هذه النظريّة في فصلنا القادم.

الفصل الرابع: عمليّة الختان عند اليهود

رأينا سابقاً أن الختان عند اليهود يرتبط بمعانٍ مختلفة وله أهمّية خاصّة تنتج عن تركه عواقب وخيمة في الحياة الدنيا وفي الآخرة. وعمليّة في هذه الأهمّية كان لا بد أن تحاط بقواعد توضّح الشخص الذي يتم الختان عليه، والقائمين به وسبل تنفيذه والصلوات التي تصاحبه.

في الفرع الأوّل من هذا الفصل نقدّم عرضاً لعمليّة الختان التقليدي، ثم نتكلّم في الفرع الثاني عن طقس الختان الرمزي كما يقترحه معارضو عمليّة الختان التقليدي.

الفرع الأوّل: الختان التقليدي

1) الشخص الذي يتم الختان عليه

أ) كل مولود يهودي؛ سن الختان

القاعدة الأساسيّة في التوراة هي أن يتم ختان كل مولود ذكر يهودي في يومه الثامن [157] . وقد طرحت هذه القاعدة البسيطة عدّة مشاكل، أوّلها من هو اليهودي؟ وهل يختن الذكر إذا وقع موعد الختان يوم سبت؟ وهل هناك إمكانيّة لتأخير أو ترك الختان في حالة المرض وخطر الموت؟ هذا ما سنراه في النقاط التالية.

من هو اليهودي

الختان علامة إنتماء للشعب اليهودي وعلامة عهد بين الله وهذا الشعب. لذا كان لزاماً تعريف من هو اليهودي.

حسب التعاليم اليهوديّة، اليهودي هو من ولد من أم يهوديّة مهما كان دين والده. وإذا أصبحت الأم يهوديّة قَبل ميلاد الطفل، حتّى وإن كان في زمن الحبل، فإن طفلها يصبح يهوديّاً بالتبعيّة. أمّا إذا أصبحت يهوديّة بعد ولادته، فيجب أن يحوّل الطفل يهوديّاً قبل أن يختن. والشريعة اليهوديّة، مثلها مثل الشريعة الإسلاميّة، لا تعترف بالتبنّي. ولكن في إسرائيل هناك قانون يسمح بالتبنّي. وكذلك الأمر في دول أخرى. فإذا تبنّت عائلة يهوديّة طفلاً غير يهودي، فإنه يصبح يهوديّاً بالتبعيّة ويختن [158] .

وقد كان هناك جدل عام 1864 في «نيو اورليانز» حول ختان أطفال من أب يهودي وأم غير يهوديّة. وقد قرّر أحد الحاخامات اليهود بأن ذلك غير مسموح به. وقد أيّده في ذلك الحاخامات اليهود الأوروبيون. إلاّ أن الحاخام «تسفي هيرش كاليشر» أيّد ختان الأطفال غير اليهود عموماً، والأطفال من أب يهودي خاصّة لأن التوراة في رأيه لجميع البشريّة. وقد خص بها اليهود قديماً بسبب حالة الشعوب في ذاك الوقت. وعليه يجب إجراء كل ما يمكن أن يشجّع الآخرين لقبول التوراة. وبما أن الخوف من الختان على كبر قد يكون مانعاً لتحوّل البالغين لليهوديّة، لذلك ينصح بإجراء الختان على الأطفال الذين هم من أب يهودي، إذ إنهم من بذر يهودي. وهكذا يسهّل عليهم التحوّل إلى اليهوديّة عندما يكبرون [159] .

وطرح تزايد الزواج المختلط بين اليهود مشكلة فيما يخص الختان [160] . وقد قرّر «المؤتمر المركزي للحاخامات الأمريكيّين» في عام 1983 المنعقد في مدينة «لوس انجيليس» بأن اليهودي هو كل من كان أحد والديه يهوديّاً، لا فرق بين الأب والأم. وإن على هذا الشخص أن يقرّر إنتماءه للإيمان والشعب اليهودي من خلال تصرّف علني وشكلي. وهكذا ربطوا بين حرّية الإختيار والإنتماء الديني. فلا ينتمي إبن اليهودي أو اليهوديّة للإيمان والشعب اليهودي إلاّ إذا قرّر ذلك. وقد أثار هذا الموقف من المجدّدين غضب رجال الدين الأرثوذكس معتبرينه نقضاً لمبادئ الديانة اليهوديّة. وقرار اليهود المجدّدين يفتح الباب لعدد كبير من الأشخاص الذين يعتبرون يهوداً في أعين المجدّدين، بينما هم غير يهود في أعين الأرثوذكسيين. ورغم إنفتاح التيّار المجدّد، فإننا قد نجد حالات يقبل فيها الأرثوذكس ختان طفل بينما يرفضه المجدّدون. هذا ما حصل لأم يهوديّة تؤمن بيسوع الناصري بأنه السيّد المسيح أرادت ختان طفلها. فرفض الخاتن اليهودي المجدّد ختان طفلها بينما قَبل الخاتن الأرثوذكسي ذلك. ويمتد هذا الأمر للزواج. فبينما رفض الحاخام اليهودي المجدّد تزويج يهودي من سيّدة ولدت من أم يهوديّة وربّيت تربية مسيحيّة، قَبل الحاخام الأرثوذكسي عمل هذا الزواج [161] . وموقف الأرثوذكس هذا نابع من إعتقادهم أن اليهودي يبقى يهودي مدى الحياة.

يرى خاتن وطبيب يهودي أرثوذكسي أن الموهيل اليهودي يجب أن لا يشارك في أي إجراء لا يكون 100% متمشّياً مع القواعد اليهوديّة [162] . فلا يمكن لأحد أن يكون نصف يهودي. فهو إمّا يهودي أو غير يهودي. والقرار يرجع للشريعة اليهوديّة. فاليهودي هو الذي يقول عنه الله إنه يهودي. وهو يرفض ختان طفل إذا كانت أمّه قد تحوّلت لليهوديّة على يد رجل دين يهودي مجدّد أو محافظ. فالتحوّل إلى اليهوديّة يجب أن يتم على يد رجل دين أرثوذكسي، وإلاّ فالطفل ليس يهوديّاً حتّى وإن ربّي تربية يهوديّة [163] . ويتساءل المؤلّف ما إذا كان الأجر الذي يتقاضاه الخاتن هو أحد أسباب ترك القواعد اليهوديّة في هذا المجال. فإذا كان الختان يتم لإتمام أمر ديني وليس للمال، فإنه لن يكون من الصعب رفض إجراء الختان إذا كان هناك أي مانع مثل كون الطفل غير يهودي [164] .

ولكن هل يحق للخاتن الديني اليهودي ختان غير اليهود؟ هناك خلاف في ذلك. فمنهم من يرفض ذلك لأنه لا يدخل في الختان الديني بل في الختان الطبّي وهذا الختان من تخصّص الجرّاحين وممارسته من قِبَل الخاتن الديني يعتبر تعدّياً على قوانين الدولة التي تخص العمليّات الجراحيّة بالأطبّاء [165] . ونشير هنا أنه في فرنسا، قَبل أن يتم ختان طفل من أم يهوديّة وأب غير يهودي، يقوم الموهيل بأخذ موافقة خطّية من الأب لتفادي أي إعتراض لاحق [166] .

سن الختان ويوم السبت

تفرض التوراة الختان في اليوم الثامن. فإذا تم الختان في اليوم السابع بدلاً من اليوم الثامن لا يعتبر هذا الختان ختاناً بل جرحاً كغيره من الجروح والخاتن يأثم [167] . وقد ناقشت المشنا حالة ختان طفلين لأب: واحد كان يجب أن يختن في السبت، والثاني بعد أو قَبل السبت. إلاّ أن الأب غلط فختن الثاني في التاريخ المحدّد للثاني، والثاني في التاريخ المحدّد للأوّل. يأثم الأب في هذه الحالة وعليه تقديم كفّارة [168] . وقد طُرح هذا الموضوع خاصّة في أيّامنا في الولايات المتّحدة إذ إن كثيراً من اليهود يقومون بختان أولادهم قبل أن يتركوا المستشفى إمّا لأسباب إقتصاديّة لأن شركات التأمين تغطّي مثل هذه المصاريف بعكس الختان الذي يتم من قِبَل موهيل، وإمّا تهرباً من الطقس الديني الذي فقد معناه عند كثير من اليهود. يؤكّد المؤلّفون اليهود أن مثل هذا الختان لا قيمة دينيّة له إلاّ إذا تم إنزال نقطة دم من حشفة الذكر لاحقاً [169] . ولكن هناك حالة يختن فيها الطفل يوم ولادته إذا ما ولدت إمرأة طفلاً ثم أصبحت يهوديّة في نفس اليوم. حين ذاك يختن الطفل في يوم ولادته. أمّا إذا تحوّلت الأم إلى اليهوديّة ثم ولدت إبنها، فإن ختان الطفل يتم في يومه الثامن كالأطفال اليهود [170] .

وقد ذكرنا سابقاً أن الكتب المقدّسة اليهوديّة تتشدّد في ضرورة إحترام السبت وتعاقب على إستباحته بالقتل. ولكن رجال الدين إعتبروا الختان أكثر أهمّية من السبت باعتبار أن الأوامر الإيجابيّة (يجب أن يختتن) تمر قَبل الأمر السلبي (لا تعمل يوم السبت) [171] . فإذا وقع موعد الختان يوم السبت، يحق لليهودي إجراء عمليّة الختان فيه، كما يحق له أن يجري كل التحضيرات اللازمة للختان. فيحق مثلاً قطع الخشب لعمل الفحم الضروري لصياغة سكّين الختان. كما أنه يحق غسل الطفل في اليوم الثامن إذا وقع هذا اليوم يوم سبت [172] . ويتم الختان أيضاً في اليوم الثامن حتّى وإن وقع في يوم الغفران أو غيره من الأيّام المقدّسة. ولكن ماذا لو وقع اليوم الثامن للختان في يوم سبت، ولكن حتّى يتمكّن الحاخام من المجيء لبيت الطفل عليه أن يسوق سيّارته. فهل يؤخّر الختان ليوم لاحق حتّى لا تخرق حرمة السبت أم نعتبر أمر الختان أهم من السبت ونختن فيه؟ هناك من طلب من الخاتن أن يحضر قَبل السبت، ولكن هناك أيضاً من يسمح للحاخام أن يسوق في يوم السبت وذلك لأن كثيراً من اليهود زاغوا عن إحترام أمر الختان في اليوم الثامن [173] .

ورغم وضوح نص الكتب المقدّسة اليهوديّة بضرورة الختان في اليوم الثامن، إلاّ أن رجال الدين اليهود دخلوا في متاهات حسابيّة غريبة. فالمشنا تقول إن الختان يتم في اليوم الثامن أو التاسع أو العاشر أو الحادي عشر أو الثاني عشر بعد الولادة. فالختان في اليوم الثامن هو الوقت الإعتيادي. أمّا إذا ولد الطفل عند الشفق، فإنه يختن في اليوم التاسع. وإذا ولد عند الشفق مساء السبت، فإنه يختن في اليوم العاشر (أي يوم الأحد). وإذا وقع عيد بعد السبت، فإنه يختن في اليوم الحادي عشر (أي يوم الإثنين). وإذا وقع يومي عيد رأس السنة بعد السبت، فإنه يختن في اليوم الثاني عشر (أي يوم الثلاثاء) [174] . وسبب تلك الحسابات المعقّدة هو لأنه لا يحق خرق حرمة السبت والأعياد إلاّ إذا وقع اليوم الثامن بصورة أكيدة في تلك الأيّام [175] . ولمعرفة متى يكون الطفل في يومه الثامن ينصح موهيل يهودي تسجيل وقت الميلاد والوقت الرسمي لغروب الشمس في المكان الذي ولد فيه الطفل بدقّة وعرض الأمر على رجل الدين اليهودي لكي يقرّر ذلك [176] . وإذا ولد طفل نتيجة عمليّة قيصريّة، فإن الختان يجرى في اليوم الثامن من ولادته. أمّا إذا وقع هذا اليوم يوم سبت أو عيد، فإن الختان يؤخّر لبعد السبت أو العيد [177] .

والتلمود ينقل لنا جدل حول طفل ولد بعد ثمانية أشهر بدلاً من تسعة. فهذا الطفل يعتبره رجال الدين اليهود كالحجر، فلا يحق تحريكه في يوم السبت لإرضاعه. ولكن لأمّه الحق أن تميل عليه لترضعه. فهل يحق ختان مثل ذاك الطفل في يوم السبت إذا كان السبت هو اليوم الثامن؟ هناك من سمح بذلك، وهناك من إعتبر الختان في هذه الحالة دون فائدة كقطع قطعة من اللحم [178] .

ونشير هنا إلى أن عمليّة الختان تتم في ساعات النهار على أساس قول التوراة: «وفي اليوم الثامن تختن غلفة المولود» (الأحبار 4:12). ويُنصح عامّة أن يتم طقس الختان في الصباح الباكر بعد مراسيم الصلاة الصباحيّة كتعبير عن حماس العائلة في تنفيذ أوامر الله في أسرع وقت ممكن، محاكاة لإبراهيم في تلهّفه على تنفيذ الأمر الإلهي. وإذا كان الحاضرون يلبسون أدوات الصلاة، فيجب أن يبقوا عليها خلال طقس الختان. وإلاّ فإن على الخاتن والعرّاب أن يلبساها. كما أن التيّار المجدّد يشجّع كلاًّ من الأب والأم بأن يلبساها [179] .

وهناك جدل بين رجال الدين ما إذا كان ممكناً إجراء عمليّة الختان ليلاً على الطفل الذي أجّل ختانه بعد اليوم الثامن وعلى من إستعاد غلفته وعلى من تحوّل لليهوديّة. غير أن رابي اليعازر رأى أن من خُتن ليلاً عليه أن يختن ثانية نهاراً. وهنا الختان ثانية يعني إنزال نقطة دم من حشفة الذكر تدعى «دم العهد» [180] .

يجادل اليهود حول سبب الختان في اليوم الثامن. والسبب الأوّل الذي يذكرونه هو أن الله أمر بذلك كما رأينا. وتذكر كتب المدراش أسباباً أخرى. منها وجود سبت ضمن هذه الأيّام، فيعيش الطفل سبتاً قبل أن يمر بالختان. ويعتبر اليهود السبت رمزاً للملكة التي تسبق مجيء الملك. فقبل أن تقابل الملك أي الله من خلال عمليّة الختان، عليك أن تمر بالملكة لتسلّم عليها [181] .

وقد حاول «فيلون» تقديم عدّة أسباب. والسبب الأوّل هو أن ترك الختان إلى عمر أكبر قد يؤدّي إلى رفض الختان بسبب الخوف ولأنه أكثر حرّية في تصرّفاته. أمّا الصغير فلا يمكنه أن يقاوم. والسبب الثاني لطهارة القرابين التي تقدّم في الأماكن المقدّسة [182] . ثم يعطينا «فيلون» أسباباً رمزية من خلال الأعداد. فهو يقول مثلاً إن العدد 8 يمثّل جمالًا كبيراً لأنه يعبّر عن المكعّب بزواياه الثمانية. والثمانية إذا قُسِّمَت أصبحت: 4، 2، 1، والتي مجموعها 7، وهو عدد رمزي عند اليهود. ثم يدخل في متاهات هندسيّة وحسابيّة إن دلّت على شيء إنّما تدل على الهوس العقلي [183] .

وقد حاول موسى بن ميمون إعطاء أسباب أكثر عقلانيّة:

- لو ترك الصغير حتّى يكبر، قد لا يفعل.

- الطفل لا يتألّم كتألّم الكبير للين جلده، ولضعف خياله، لأن الكبير يستهول ويستصعب الأمر الذي يتخيّل وقوعه قبل أن يقع.

- إن الصغير يتهاون والده بأمره عند ولادته لأنه لم تتمكّن إلى الآن الصورة الخياليّة الموجبة لمحبّته عند والديه. فلو ترك سنتين، أو ثلاث، لكان ذلك يوجب تعطيل الختان لشفقة الوالد ومحبّته له.

- كل حيوان عندما يولد ضعيف جدّاً وكأنه إلى الآن في البطن إلى إنقضاء سبعة أيّام. وكذلك الأمر في الإنسان [184] .

وسوف نرى في القسم الثاني كيف أن بعض الأوساط الأصوليّة المسيحيّة قد حاولت الترويج لفكرة أن ذِكر اليوم الثامن كان لحِكمة إلهيّة طبّية.

تأخير وإلغاء الختان في حالة المرض وخوف الموت

تفرض التوراة الختان في اليوم الثامن، ولكن رجال الدين اليهود يسمحون في حالات مرض الطفل بتأخير الختان حتّى يشفى [185] . ويوضّح التلمود بأنه حتّى وإن كان على الطفل حرارة لحظة، فإن ختان الطفل يؤخّر إلى يومه الثلاثين. وخلال مدّة بقائه غير مختون لا يحق للطفل أن يأكل من فريضة الفصح أو يمسح بزيت الفصح. ولكن هناك من حسب هذا المنع بداية من اليوم الثامن [186] . وهناك من يرى أنه إذا كان المرض شاملاً يجب أن يجرى الختان سبعة أيّام بعد شفائه. أمّا إذا كان المرض بسيطاً، فيجرى حالاً بعد شفائه [187] .

ويذكر طبيب وموهيل يهودي أنه يجب تأخير الختان في حالة إصابة الطفل بمرض الصفار أو كان عليه بعض الحرارة أو تغيَّر نظامه الغذائي حتّى وإن رأى طبيب الأطفال بأن الختان لن يضرّه. فحياة الإنسان لا يمكن إرجاؤها بينما يمكن إرجاء الختان. ويجب تنبيه الأهل قَبل الختان بأن الختان قد يُؤخّر في هذه الحالات حتّى وإن كان هذا التأخير سيخلق مشاكل عائليّة، عِلماً بأن الختان يتم عادة بحضور مدعوّين جاؤوا من أماكن بعيدة وتكلّفوا مصاريف طائلة. ولكن كثير من اليهود الأرثوذكسيين الأمريكيّين لا يحترمون هذه القاعدة ويختنون رغم المخاطر [188] . وهناك أيضاً عائلات تتحجّج بمرض طفلها إمّا لكي يتاح لها وقت كافٍ لتحضير حفلة الختان أو لكي يتم الختان يوم الأحد فيسهّل دعوة الأقارب والمعارف. فتقوم العائلة بتقديم شهادة مرضيّة للموهيل [189] . وإذا تأخّرت عمليّة الختان، فإنه لا يمكن إجراؤها في أيّام السبوت والأعياد الدينيّة.

ويعتمد الخاتن في تحديد حالة الطفل على خبرته الشخصيّة أو على فحوصات الأطبّاء. وفي تونس، يقوم الخاتن بالكبس بشدّة على الإصبع الكبير لرجل الطفل بين الإبهام والسبّابة. فإذا صرخ الطفل بصوت عال، أعتبر الطفل بصحّة جيّدة ومؤهّلاً لإجراء عمليّة الختان عليه. ولكن إذا كان صراخه هافتاً، فهذا دليل على ضعف صحّته. وعمليّة الكبس هذه ليست إلاّ عمليّة شكليّة لأن الكشف عن صحّته يتم قَبل عمليّة الختان [190] .

وهناك جدل بين رجال الدين اليهود حول ضرورة ختان طفل توفّى أخوه بسبب الختان. فالمشنا تنقل لنا آراء رجال دين يرون بأنه إذا توفّى أخوان، فإن الأخ الثالث لا يختن. وبعضهم يرفع هذا العدد إلى ثلاثة. وكذلك الأمر إذا مات أبناء خالة الطفل [191] . ويذكر تلمود أورشليم حادثة موت ثلاثة إخوة متلاحقين. وعندها نصح رابي ناتان بأن يؤخّر ختان الطفل الرابع ثم تم ختانه فبقي على قيد الحياة فسمّي بإسمه [192] .

ونشير إلى أن الختان قد يتم في سن متأخّرة كما هو الأمر مع اليهود الذين هاجروا من الإتّحاد السوفييتي. وقد قامت الطائفة اليهوديّة في الولايات المتّحدة بتأمين ختانهم متحمّلة في ذلك تكاليف بالغة في بعض الحالات إذ كان يُرسل الأشخاص إلى أماكن بعيدة في حالة عدم توفّر موهيل متخصّص [193] .

ب) العبيد ومن يعتنق اليهوديّة والعدو

تفرض التوراة على اليهودي أن يختن عبيده [194] . وكانت العادة أن يتم ختان العبيد حالاً بعد شرائهم. ولكن لا يمكن ختانهم يوم السبت إذ إن خرق السبت لا يسمح به إلاّ لختان طفل يكون يومه الثامن يوم سبت [195] .

كما أن من يريد التحوّل إلى اليهوديّة، عليه أن يختتن. نقرأ في سفر يهوديت: «ورأى أحيور كل ما فعل إله إسرائيل فآمن بالله إيماناً راسخاً وختن لحم غلفته فضم إلى بيت إسرائيل إلى اليوم» (يهوديت 10:14). ويشرح مؤلّف يهودي حديث أن من يريد التحوّل لليهوديّة، رجلاً كان أو إمرأة، عليه أن يتعلّم مبادئ الشريعة اليهوديّة وبعض اللغة العبريّة حتّى يتمكّن من إتمام شعائر العبادة مع غيره في الكنيس. وبعد ذلك، يتم ختانه ويغطّس في حمّام طقسي (مكفاه)، إذا كان رجلاً. أمّا إذا كانت إمرأة، فإنها تغطّس في حمّام طقسي ولا تختن [196] . هذا ويجب أن يشهد على تحوّل الشخص لليهوديّة وعلى ختانه (إن كان ذكراً) ثلاثة رجال [197] . وهناك تطوّر في هذا المجال. فالأرثوذكس يفرضون الختان، بينما المجدّدون لا يفرضونه. أمّا المحافظون، فإنهم يعتبرون الختان عمليّة مؤلمة يمكن التغاضي عنها. ولذلك يقوم بعضهم بختان الرجل المتهوّد بعد وفاته [198] .

وقد سبق أن ذكرنا أن الختان هو شرط للزواج كما تبيّنه قصّة طلب غاصب دينة الزواج منها (التكوين 15:34-16). وما زال اليهود الأرثوذكس يعتبرون أنه محرَّم على اليهود الزواج من غير اليهود. وهذا الزواج ليس فقط لا قيمة له في نظر القانون اليهودي، بل أيضاً يقترف فاعله إثماً كبيراً. ولكن الأطفال الذين يولدون من هذا الزواج يتّبعون ديانة أمّهم. وإذا كانت الأم غير يهوديّة، يمكن تحوّلها لليهوديّة حسب القواعد اليهوديّة. وهكذا يتم ختانهم [199] .

وقد فرض اليهود الختان على الشعوب التي إستطاعوا أن يسيطروا عليها. ففي سفر أستير نقرأ أنه بعد تتويج أستير ملكة في فارس تحوّل عدد كبير من الناس إلى اليهوديّة خوفاً من سطوة اليهود (أستير 17:8) الذين إنتقموا من أعدائهم بحد السيف (أستير 5:9). ويذكر المؤرّخ اليهودي «يوسيفوس» هذا الحدث قائلاً إن كثيراً من الشعوب ختنوا أنفسهم خوفاً من اليهود وهكذا إستطاعوا النجاة [200] . كما يذكر بأن الكاهن الأكبر «هيركانوس» قد فرض على الأدوميين بعد إخضاعهم الختان واحترام القوانين اليهوديّة كشرط لبقائهم في ديارهم. وبما أنهم كانوا متمسّكين بأرضهم وافقوا على ختانهم [201] . وفي سياق مشابه يذكر بأن «اريستوبولوس» قد فرض نفس الشرط على الإيطوريين [202] . ويسرد هذا المؤرّخ كيف أن نبيلين من رعايا الملك «اغريبا» طلبا اللجوء إلى صف اليهود. وقد إشترط عليهما اليهود لمنحهم حق الإقامة أن يختنا. إلاّ أن «يوسيفوس» ذو الميول الرومانيّة رفض إخضاعهم للختان مبدياً رأيه بأن لكل شخص الحق في أن يعبد الله حسب ضميره [203] . هذا ويزعم رجال الدين اليهود أن يوسف هو الذي أدخل الختان إلى مصر. ففي رواية لهم أنه بعد أن أقام فرعون يوسف على مصر وخزن القمح لسني المجاعة، بدأ المصريّون يأتونه لطلب الخبز. فكان جوابه: أنا لا أعطي خبزاً لغير المختونين. إذهبوا واختنوا أنفسكم وارجعوا لي. فتذمّر المصريّون واشتكوا إلى فرعون. إلاّ أن فرعون أرجعهم إلى يوسف قائلاً: إعملوا كما يأمركم [204] .

ج) من ولد أو تهوّد مختوناً

يرى التلمود أن من ولد مختوناً، أي من دون غلفة، يجب أن ينزل منه نقطة دم من حشفته كعلامة عهد [205] . ولكن في هذه الحالة لا يحق التعدّي على السبت [206] . ويقول كاتب يهودي حديث إن ولادة طفل مختوناً من بطن أمّه أمر نادر جدّاً فقد تكون الغلفة ملتصقة بالحشفة. ففي هذه الحالة ينتظر الخاتن أن يكبر الطفل حتّى تتطوّر الغلفة. ثم يجري له الختان. وإذا لم تتطوّر الغلفة كالعادة يسلخ الخاتن ما وجد منها. وإذا لم يجد شيئاً، أنزل من الحشفة نقطة دم. وعلى كل حال لا يمكن إجراء مثل تلك العمليّات يوم السبت [207] .

وإنزال نقطة دم من حشفة الذكر تتم أيضاً على من تهوّد مختوناً، أو من تم ختانه في المستشفى قَبل موعد الختان المحدّد في الشريعة، أو بأسلوب غير مقبول مثل الختان بآلة لا تسمح بإنزال الدم، أو من يتم ختانه من قِبَل شخص لا يُعترف به. فمثلاً الأرثوذكس لا يعترفون بختان جرى على يد موهيل غير أرثوذكسي أو غير متديّن [208] . ويقول طبيب وموهيل يهودي أرثوذكسي إن عدداً من الأطفال من أوساط غير أرثوذكسيّة تم إرسالهم له بعد تحوّلهم إلى التيّار الأرثوذكسي حتّى يتحقّق من أن ختانهم كان مستوفياً الشروط الدينيّة. وكان هذا الطبيب يثقب طرف الحشفة بإبرة حادّة لإنزال نقطة دم منها. وفي هذه الحالة لا داعي لإعادة الصلوات الخاصّة بالختان بسبب القاعدة التي تقول إنه لا داعي لإجراء الصلاة إذا كان هناك شك في ضرورتها [209] .

ولكن قد يكون هناك تشدّد. فقد جاء في خبر حول يهودي هنغاري هاجر إلى إسرائيل أن رجال الدين قد كشفوا عليه وقرّروا أن ما قُطع منه في ختانه لا يكفي وأن عليه أن يختن من جديد [210] .

د) ختان الخنثى ومن له غلفتين

لقد تكلّمت المشنا عن إجراء الختان يوم السبت على من كانت معالم عضوه التناسلي ذات شك أو من كان عنده عضو تناسلي ذكر وعضو تناسلي أنثى. فهناك قول بأنه لا يحق إستباحة السبت من أجل ختان مثل هذا الطفل. وهناك قول آخر يسمح بذلك [211] . وقد إعتمد رافضو ختان الخنثى يوم السبت على سفر التكوين 14:17: «وأي أغلف من الذكور، لم يختن في لحم غلفته» وهذا العبارة تعني في نظرهم من هو كامل الذكورة [212] .

ونجد في التلمود ذكراً لمن عنده غلفتان. وهذه العبارة غير الواضحة قد تكون أصل العبارة (مولد شخص بذكرين) التي جاء ذكرها في الفقه الإسلامي والتي سنعود إليها لاحقاً. يقول التلمود إن من له غلفتان يختن فقط في النهار وفي الوقت المحدّد خلال النهار. أمّا إذا فات وقته، فإنه يختن في النهار أو في الليل [213] .

هـ) ختان الميّت

رأينا أن اليهود يعتبرون غير المختون نجساً وأن الختان وسيلة للخلاص في الحياة الأخرى. لذا فهم يختنون الطفل الذي يتوفّى قَبل ختانه. وفي هذه الحالات لا تُقرأ البركة على الطفل. ويعطى الطفل إسماً حتّى يحصى بين الخالصين يوم قيامة الموتى. وأمّا إذا كان الطفل قد ولد ميّتاً دون نمو أظافره وشعره، فإنه لا يُختن [214] .

ويرى حاخام محافظ ضرورة ختان الطفل الذي يموت دون ختان بعد أن عاش ثلاثين يوماً، وأنه لا ضرر في ختانه «لإدخاله العهد» إذا لم يُتِم الثلاثين يوماً. وهذا الحاخام يقول إن رجال الدين اليهود يتغاضون عن ختان الذي يتهوّد كبيراً لأن تلك العمليّة مؤلمة فيقومون بختانه بعد وفاته، قَبل دفنه [215] .

ويقول موهيل أرثوذكسي إن القواعد اليهوديّة واضحة بأن من يولد حيّاً ويموت دون ختان يجب ختانه قَبل دفنه لاستئصال الغلفة التي تعتبر عاراً. وفي هذه الحالة، لا تقرأ البركة عليه ولا تقام المراسيم الدينيّة. ولكن يُعطى إسماً يهوديّاً حتّى تبقى ذِكراه وحتّى تصله الرحمة ويحسب في قيامة الموتى وحتّى يَتَعَرَّف على أهله في الحياة الأخرى. وإذا دُفن الميّت دون ختانه ولم يتحلّل الجسم كثيراً، فإنه يجب نبش القبر وحذف الغلفة. وفيما يخص الولد الذي يُجهض أو يولد ميّتاً، فالعادة أيضاً أن يتم ختانه ضمن مراسيم الدفن. وفي هذه الحالة يجرى الختان دون أخذ المحاذير الطبّية على الطفل الحي. فلا تستعمل الأدوات الخاصّة بالختان بل آلة جراحيّة. ولا حاجة في هذه العمليّة للمرحلة الثانية والثالثة في الختان (سلخ بطانة الغلفة ومص الدم). وهنا أيضاً يعطى الطفل إسماً يهوديّاً. وقد يسحب الجنين قطعة قطعة من بطن أمّه. وفي هذه الحالة يجب أيضاً الكشف عن القضيب وختانه. وكذلك الأمر إذا كان الجنين في أوّل مراحله إذا ما تمكّن الموهيل من رؤية القضيب [216] .

وقد تم ختان اليهود البالغين قَبل دفنهم إذا وجدوا غير مختونين كما حدث مع الذين هاجروا إلى إسرائيل من الإتّحاد السوفييتي وماتوا في إسرائيل. وقد نشرت جريدة «جيروزليم بوست» عام 1993 خبراً يقول إن وزارة الشؤون الدينيّة قد كشفت أن جمعيّات الدفن في كل إسرائيل تختن الأموات قَبل دفنهم دون إذن أهل الميّت. وقد دافعت جمعيّات الدفن ورئيس الحاخامات الشرقيّين الحاخام مردخاي الياهو عن هذا التصرّف. بينما أصدر رئيس الحاخامات الغربيّين «إسرائيل لو» تصريحاً يقول فيه إن الحاخامات لا يفرضون الختان لا على حي ولا على ميّت [217] .

وقد دار جدل ساخن في البرلمان الإسرائيلي في يوليو 1998 حول هذا الموضوع حيث صرّح «يوسي سريد»: «أنا وحدي المسؤول عن أعضائي الجنسيّة وليس أحد سواي. إن السلطات الدينيّة لا تكتفي بالسيطرة على حياتنا بل تراقب أيضاً موتنا». ووصف «عوفير بينس» ختان الموتى بأنه «إنحراف جنسي مرضي». وقد ردَّت وزارة الشؤون الدينيّة بأن هناك حالات قليلة يتم فيها ختان الميّت دون موافقة أهله، ولكن يجب الأخذ بالإعتبار أن من هو غير مختون لا يمكن دفنه في المقابر اليهوديّة [218] .

2) القائمون بالختان ومن يحضره

الختان عمليّة ذات مغزى جماعي يقوم بها خاتن يحيط به عدد من الأشخاص هم أهل الطفل والعرَّابون والأصدقاء. كما أنه هناك شخص حاضر غائب يعتقد اليهود أنه يحضر كل ختان وهو النبي إيليّا.

أ) الخاتن

يرى التلمود أن على الأب مسؤوليّة قرار ختان إبنه إعتماداً على النص التوراتي الذي يقول «فأخذ إبراهيم إسماعيل إبنه وجميع مواليد بيته [...] فختن لحم غلفتهم في ذلك اليوم عينه، بحسب ما أمره الله به» (التكوين 23:17). فالأمر موجّه لإبراهيم وليس لأم الطفل. وإذا لا يريد الأب أخذ قرار ختان إبنه، فللأم أن تقرّر ذلك. وإذا لم يقم الأب والأم بواجبهما، فإن المحكمة الحاخاميّة هي التي تقرّر ذلك. وإذا لم يكن هناك أحد، فمسؤوليّة الختان تعود لأي فرد من جماعة اليهود [219] .

وللأب ذاته أن يقوم بإجراء العمليّة. ولكن بإمكانه أن يوكّل أحداً بختان إبنه إذا كان لا يعرف كيف يختن. فيقوم بالختان خاتن يطلق عليه إسم «موهيل». وبعض الموهيلين يسلّمون السكّين إلى أب الطفل حتّى يوضّحوا له أن الختان من مسؤوليّته، ثم يرجع الأب السكّين إلى الموهيل تعبيراً عن توكيله بالختان. ولكن البعض الآخر يوضّح الأمر للأب شفهياً قَبل قيامه بالختان. وهناك أيضاً من يسلّم السكّين للام لكي تضعها تحت مخدّتها في الليلة التي تسبق الختان. ومن غير الواضح السبب الذي من أجله يتم هذا [220] .

هل يحق للمرأة إجراء عمليّة الختان؟ يذكر سفر الخروج أن صفّورة، زوجة موسى، أخذت صوّانة وقطعت غلفة إبنها (الخروج 25:4). ولكن رجال الدين اليهود فسّروا هذا النص بأن صفّورة لم تقم بعمليّة الختان بل جعلت غيرها يستعمل الصوّانة للختان [221] . وفي أيّامنا يسمح اليهود المجدّدون للنساء بإجراء العمليّة. أمّا اليهود الأرثوذكس فلا يسمحون بذلك إلاّ في حالة عدم وجود أي رجل مؤهّل ومستعد لإجراء العمليّة. ويقول كاتب يهودي إنه يحق نظريّاً للمرأة أن تقوم بالختان، ولكن جرت العادة في أن يوكّل الرجال بذلك. وفي أيّامنا هناك نساء كثيرات يمارسن مهنة الطب ولذلك لا يوجد مانع من أن تمارس المرأة الختان مثلها مثل الطبيب [222] .

ويظهر أن وظيفة الموهيل قد وجدت منذ قديم الزمان عند اليهود. هذا ويشجّع علماء الدين تعلّم مهنة الختان. فيقول رابي يهوذا بأن على عالم الدين أن يتعلّم أشياء ثلاثة: الكتابة والذبح حسب النظام اليهودي والختان. وإذا لم يكن بذاته خاتناً فإنه لا يحق له أن يسكن في مكان لا يوجد فيه خاتن [223] . واليوم يُدرّب الموهيل على يد مرب له، ويخضع لدراسات دينيّة وطبّية. ويقوم بأوّل عمليّات الختان تحت إشراف مربّيه. وعندما يقتنع المربّي بمقدرته، يوصيه لهيئة الموهيلين التي تضم رجال دين وأطبّاء فيمتحنونه. وتقبل المستشفيات عامّة الموهيلين ليقوموا بالختان فيها. وهناك بعض المدارس في الولايات المتّحدة لتخريج الموهيلين يحصلون على شهادة بعد إنتهاء دراستهم.

ويرى طبيب وموهيل أنه يُشترط في الخاتن أن يكون متديّناً يخاف الله، محافظاً على وصاياه. فمثلاً عليه أن لا يحلق لحيته بشفرة، أو يسوق سيّارته يوم السبت أو أن يأكل في مطعم لا يحترم قواعد الطعام اليهوديّة. فعندئذ قد يكون الختان الذي يجريه ليس شرعيّاً [224] . ويضيف بأن على الطائفة اليهوديّة تنظيم مهنة الخاتن دون تدخّل حكومي لأن ذلك سيكون حيلة لمحو القواعد التقليديّة وتحويل الختان إلى عمليّة طبّية، خالية من كل معنى ديني. ممّا يؤدّي إلى فرض عمل الختان من قِبَل الطبيب يصاحبه الحاخام أو المرنّم الذي يتلفّظ ببعض الصلوات، وهذا مرفوض من قِبَل القانون اليهودي. وقد يؤدّي ذلك لاحقاً إلى حذف الختان تماماً [225] .

وفي مدينة تونس، كان يقوم بالختان في بداية القرن العشرين عدد من الأشخاص يمارسون مهناً مختلفة. ولا يحصل الخاتن على مقابل مالي لإجراء الختان. فهو يعتبر تلك العمليّة عملاً دينيّاً يعبّر عن التقوى. ولكن تعطي العائلات الغنيّة مبلغاً من المال كهبة. ويتسابق الخاتنون في الحصول على شرف إجراء تلك العمليّة للأطفال اليهود. فمنذ ظهور علامة الحمل عند المرأة اليهوديّة، يطلبون منها أن يختنوا وليدها إن كان ذكراً. وإذا كانت العائلة فقيرة، يقوم الخاتن بتقديم مبلغ للكنيس اليهودي عنها كما يدفع مبلغاً للحاخام الذي يقوم بترنيم الصلوات خلال الختان وبعد الختان بخمسة أيّام كما ويقومون بدفع تكاليف حفلة الختان [226] . ويرافق الخاتن في تونس خمسة أشخاص مارسوا الختان من قَبل [227] . ويقول كاتب يهودي حديث إنه من المستحسن وجود موهيل ثاني على الأقل بجانب الموهيل الأوّل حتّى يتشاورا في حالة حدوث أيّة مشكلة. وهذا أيضاً يجبر الخاتن الديني على إجراء الطقس الديني كاملاً وبصورة عاديّة دون إستعجال أو إنتقاص [228] .

ليس إذاً من الضروري أن يكون الموهيل رجل دين. فهناك أطبّاء يهود تدرّبوا علي الختان الديني. وقد دار جدل حول ما إذا كان من المفضّل صحّياً تسليم الطفل إلى طبيب أم إلى موهيل. فقد يكون للموهيل اليهودي خبرة ولكن تنقصه المعرفة الطبّية في حالة حدوث مضاعفات. ولكن هناك أيضاً من يرى أن الطبيب قلّما يعير الختان أهمّية كبيرة كما يعيرها الموهيل. فالطبيب يقوم بالختان عامّة في الولايات المتّحدة في آخر عمله، فيختن عدّة أطفال بالتوالي في غرفة مغلقة بقصد إضافة ربح إلى ربحه. بينما الموهيل يقوم بتلك العمليّة في حضور الأهل والمدعوّين ممّا يجعله أكثر حرصاً في عمله [229] . ويقول مؤلّف يهودي بأنه في حالة عدم وجود موهيل، فإنه يسمح باللجوء إلى طبيب لإجراء الختان. ولكن يجب أن يكون الطبيب يهوديّاً وعلى علم بعمليّة الختان الديني والصلوات المرافقة وعليه أن يتصرّف بالإحترام اللائق بهذا الطقس الديني. والعادة أن يصاحب الطبيب حاخام يشرف على إجراء العمليّة ولكن إذا وُجد موهيل، فعلى الحاخام أن يؤكّد على ضرورة إجراء الختان من قِبَل الموهيل [230] .

ويشرح طبيب يهودي كيف أنه قبل أن يتعلّم مهنة الختان الديني إلتجأ إلى حاخام طائفته لطلب نصيحته، معتبراً أن رأي الحاخام أقرب إلى الصواب بسبب قربه من المصدر الديني، وأن اليهودي لا يقوم بأي عمل مهم كزواج أو شراء بيت أو تجارة دون أن يطلب نصيحة رجل الدين. وكان عليه بعد ذلك أن يلجأ إلى موهيل متمرّس في مهنته لتعلّم فن الختان الديني حسب القواعد الدينيّة رغم أنه كان قد أجرى عدد من عمليّات الختان كطبيب جرّاح من قَبل. ويذكر هذا الطبيب أن بعض الموهيلين يرفضون رفضاً قاطعاً تدريب رجال الطب على مهنتهم حتّى لا يُنظر للختان بأنه عمليّة جراحيّة وليس عمليّة دينيّة. وحتّى تختفي هذه النظرة إلى الختان فإن هذا الطبيب الموهيل يلبس ملابس دينيّة خلال عمليّة الختان الديني بالإضافة إلى فرضه وجود عرَّاب وإتمام الصلوات الدينيّة حتّى وإن تمّت عمليّة الختان في المستشفى [231] . وهو يرى أن أحد أسباب نظرة بعض اليهود إلى الختان وكأنه عمليّة جراحيّة يرجع إلى تصرّفات بعض الموهيلين الذي يتصرّفون وكأنهم رجال طب، فيلبسون الملابس الطبّية ويستعملون في كلامهم التعابير الطبّية. ويضيف أن قيام الطبيب بمُهمّة الموهيل قد يساعد بعض العائلات لإتمام الختان الديني. فلولا أنه كان طبيباً وموهيلاً في نفس الوقت للجأ كثير من اليهود فقط إلى طبيب جرّاح لعمل الختان دون أي إعتبار للشروط الدينيّة. فالبعض يرى أن كون الموهيل طبيباً يطمئنهم أكثر [232] .

هل يحق لغير اليهودي ختان اليهودي؟ يجيب التلمود أنه لا يحق لأحد أن يختن طفلاً إلاّ إذا كان هو مختوناً. وهذا ينطبق على اليهودي وغير اليهودي. ويضيف بأن لليهودي الحق في ختان السامري، أمّا السامري فلا يحق له ختان اليهودي [233] . ويقول مؤلّف يهودي حديث إنه لا يحق لغير اليهودي أو لليهودي غير المتديّن أن يقوم بختان الطفل، ومن المفضّل أن يُترك الطفل دون ختان ممّا أن يُختن من قِبَل شخص كهذا. وإذا تم الختان من قِبَلهم، فيجب تصحيح الختان بإنزال نقطة دم من ذكر الطفل [234] .

ولا يعتبر ختاناً دينيّاً الختان الذي يتم في المستشفيات من قِبَل طبيب في الأيّام الأولى من حياة الطفل تحت صورة عمليّة جراحيّة. فهذا الختان يخالف الأوامر الدينيّة اليهوديّة لأنه لا يتم في اليوم المحدّد له (اليوم الثامن)، ولا يتم القطع بالأسلوب الديني، ولا تصاحبه المراسيم الدينيّة. ولكن هذا الختان يمكن تصحيحه بإنزال نقطة دم من حشفة الذكر وإقامة المراسيم الدينيّة. وتذكر «روزماري رومبيرج» حالة ختان طفل يهودي في مستشفى دون موافقة الأهل فرفض الخاتن اليهودي إجراء المراسيم الدينيّة للختان بعدما أن إكتشف أن الطفل مختون طبّياً. فرفع الأهل دعوة على المستشفى [235] . وفي عام 1958 هدّدت أم يهوديّة أمريكيّة بالإنتحار عندما علمت أن إبنها قد تم ختانه بيد جرّاح في المستشفى وليس من قِبَل موهيل [236] .

وبما أنه من غير الممكن صد الأطبّاء قانونيّاً عن ممارسة ختان الأطفال اليهود كعمليّة طبّية، إقترح الطبيب الموهيل السابق الذكر أن يرسل اليهود إلى جميع الأطبّاء اليهود وغير اليهود في مدينتهم رسالة يبيّنوا فيها أن الختان اليهودي هو طقس مارسه اليهود كعلامة عهد وجزء أساسي من تراثهم عبر العصور رغم الإضطهادات ورغم إندماجهم في الثقافات التي عاشوا بينها. فقد يترك اليهودي القوانين الخاصّة بالأكل أو باحترام السبت، إلاّ أنه يستمر في ممارسة الختان. وهذا الختان اليهودي يختلف عن الختان الطبّي لأنه لا يتم قَبل اليوم الثامن، ويجب أن يقوم به موهيل. وتطلب الرسالة من الأطبّاء أن يشيروا على اليهود الذين يلجأون إليهم بأن يمارسوا الختان الديني، وتُصحب الرسالة ببعض الكتابات حول هذا الموضوع تم إعدادها من قِبَل مستشفى يهودي في «كليفيلاند» [237] .

ب) السندك والعرَّابين

الختان في الكتاب المقدّس اليهودي هو حدث عائلي يقوم به الأب بحضور أفراد العائلة بما فيهم الأم. ثم أصبح حدثاً جماعيا يتم ضمن «الخفروت»، وهي إجتماعات للأكل والشرب للإحتفاء بالسبت أو بالأعياد والمناسبات الأخرى كالزواج والولادة والوفاة على غرار المآدب في المجتمع الوثني اليوناني والروماني. وهذه الإجتماعات كانت مفتوحة للجميع، رجال الدين والعلمانيين على السواء، ولكنّها ممنوعة «للنساء والعبيد والصغار» [238] .

وانتقل بعد ذلك الختان إلى الكنيس (أي المجمع). ولم يكن هذا المكان يلعب دوراً دينيّاً. ممّا سمح بحضور المرأة. وبعد سيطرة رجال الدين على مؤسّسة الكنيس وتحويلها إلى مؤسّسة دينيّة سارعوا باستبعاد المرأة من الختان. وهناك نص لرجل دين يهودي ألماني توفّى حوالي عام 1285 يقول فيه إن على كل شخص يخاف الله أن يخرج من المعبد إذا حضر ختان طفل على حضن أمّه، حتّى وإن كان الخاتن هو أب الطفل. وهو يعتمد على قول للتلمود: من الأفضل أن تسير خلف أسد ممّا أن تسير خلف إمرأة. كما يذكر قول للنبي صموئيل: «إن الطاعة خير من الذبيحة» (1 صموئيل 22:15). ويشير أن النساء كانت تجلس في الهيكل في مكان منفصل حتّى لا تشوش فكر الكهنة باستثارتهم جنسيّاً.

وقد سن رجال الدين اليهود في العصور الوسطى إنه لا يحق للام حتّى إيصال الطفل إلى الكنيس، بل توكّل إمرأة بذلك، أطلق عليها إسم «بعلة بريت» (أي خادمة العهد). وهذه لا تدخل الكنيس بل تسلّمه إلى «بعل بريت»، أي «خادم العهد». ويتم الختان على حضن هذا الرجل في حال غياب أبيه عن الختان. وقد تحوّل الإسم وأصبح السندك، ويُظن أن هذه الكلمة تحوير للكلمة اليونانيّة anadekomenos التي تعني الضامن أو ما يسمّيه المسيحيّون «العرَّاب» أو «الشبين». وقد أخذ اليهود هذا النظام من طقس العمّاد عند المسيحيّين. فالمسيحيّون منذ القرن الرابع أدخلوا هذا الشخص في طقس العمّاد. وهناك من يظن أن كلمة السندك تأتي من كلمة يونانيّة أخرى sunteknos والتي تعني المساعد. وقد أستُعمِلت كلمة السندك لأوّل مرّة في القرن الحادي عشر. وقد أعتُبر العرَّاب بدرجة أعلى من الخاتن إذ شبّهت ركبتيه التي يجلس عليها الطفل بالهيكل الذي يُقدّم عليه البخور لله. ثم أعتُبر وكأنه كاهن في المعبد.

هكذا أضيف العرَّاب لطقس الختان في القرون الوسطى بهدف إبعاد الأم. ولم تدخل المرأة في الكنيس لحضور الختان إلاّ في القرن السادس عشر بجانب زوجها. ولكن دون أن يكون لها الحق في إجلاس الطفل في حضنها كعرَّابة للطفل. فبقي الختان في يد الرجال [239] .

هذا ولا بد من الإشارة هنا إلى أن المرأة مستبعدة من الطقوس الدينيّة اليهوديّة. والرجل في صلاته يذكر: «أحمدك اللهم لأنك لم تجعلني إمرأة». أمّا المرأة، فهي تقول: «أحمدك اللهم لأنك جعلتني حسب إرادتك». ولا يحق للمرأة أن تصبح رجل دين. وهذا لم يتغيّر إلاّ في عصرنا في الأوساط اليهوديّة المجدّدة. وقد أصبح لها الآن الحق في أن تعمل كموهيل [240] . كما أن العرَّاب عند التيّار المجدّد يمكن أن يكون إمرأة [241] . وفي زمننا يُختار رجل وامرأة يدعيان kvatter وهي كلمة من أصل ألماني تعني أيضاً العرَّاب يحضران الختان بالإضافة إلى العرَّاب الذي يحمل الطفل في حضنه وقت الختان.

وفي أيّامنا كثيراً ما يتم الختان في بيت أهل الطفل أو في قاعة خاصّة في المستشفى. والختان في البيت يطرح مشكلة المكان للمدعوّين. ولذلك يقترح بعضهم أن يجرى الختان ضمن الكنيس [242] . ورغم هذا التحوّل في المكان من الكنيس إلى البيت، بقيت الإحكام اليهوديّة التي تُهَمِّش دور الأم سارية المفعول. فلا يحق لها أن تحمل الطفل عند إجراء الختان. ويوضّح طبيب يهودي يمارس الختان الديني أن في الختان دور لسبعة أشخاص بالإضافة إلى الخاتن: 1) العرَّابة؛ 2) العرَّاب؛ 3) الشخص الذي يضع الطفل على كرسي إيليّا؛ 4) الشخص الذي يأخذ الطفل من كرسي إيليّا ليسلّمه لأبيه الذي يسلّمه بدوره إلى السندك؛ 5) السندك الذي يحمل الطفل عند الختان؛ 6) الشخص الواقف للبركة أو السندك الثاني؛ 7) الشخص الذي يقول البركة. وهذه الأدوار، ما عدا الدور الأوّل، ترجع إلى الرجال. وواضح أنه ليس للأم دور يذكر في هذا المنطق. وإذا لم يكن الأب يهوديّاً، فإن الذي يتناول الطفل من كرسي إيليّا ليسلّمه إلى السندك هو جد الطفل من أمّه (أب الأم) [243] .

ج) الجمع

لا يتطلّب الختان حتّى يكون صحيحاً إلاّ وجود الخاتن، ولكن من المفضّل أن يكون هناك العرَّاب والأب وعدد من الحضور. ومنهم من يقول بأنه يفضّل وجود عشرة أشخاص أعمارهم فوق سن الثالثة عشرة، أي النصب الضروري لإقامة الصلاة الجماعيّة إكراماً لوجود النبي إيليّا الذي يزعم اليهود إنه يحضر كل ختان كما سنرى في النقطة التالية [244] . وفي التيّار اليهودي المجدّد يمكن أن يكون هذا النصب من عشرة رجال أو نساء [245] .

وهناك إعتقاد بأن حضور ختان طفل هو وسيلة ضد العقم. ففي بعض الحالات يحضر الموهيل معه زوجين لا ينجبان إلى حفل الختان دون إعلام أهل الطفل بذلك. ممّا يسبّب حرجاً [246] .

د) إيليّا الغائب الحاضر

لإجراء عمليّة الختان يؤتى بكرسيين بجانب بعضهما أو كرسي مع مقعدين: واحد للسندك الذي سيحمل الطفل خلال الختان والآخر للنبي إيليّا. ولذا يدعى هذا الكرسي «كرسي النبي إيليّا». وقد يكون هذا الكرسي مزيّن بعبارة مثل «هذا كرسي النبي إيليّا، يذكره الله بالخير». وقد يكون كرسي عادي. وهو تقليد يهودي نجده في كتب المدراش من القرن التاسع الميلادي مبني على إعتقاد أن النبي إيليّا موجود في كل ختان [247] .

هذا الإعتقاد ذو علاقة بسفر الملوك الأوّل (الفصل 19) الذي يحكي كيف أن إيليّا إشتكى لله ترك اليهود للختان. تقول الرواية إن الله غضب على إيليّا قائلاً: «أحلف بحياتي أنك ستكون حاضراً في كل مكان يضع أبنائي هذه العلامة المقدّسة على جسدهم. والفم الذي إدّعى أن إسرائيل قد نسي هذا العهد سيشهد في المستقبل أن إسرائيل قد أتمّه». وتضيف الرواية إنه عندما يأخذ رجل إبنه للختان، فإن الله يقول لحاشيته: «أنظروا ماذا يفعل إبني في العالم». حينذاك يُدعى إيليّا فيطير ليحضر الختان ثم يصعد ويقدّم شهادة عن الختان لله [248] . ونقرأ في سفر النبي ملاخي: «هاءنذا مرسل رسولي فيعد الطريق أمامي، ويأتي فجأة إلى هيكله السيّد الذي تلتمسونه، وملاك العهد الذي ترتضون به. ها إنه آت. قال رب القوات» (ملاخي 1:3). ويظن اليهود أن عبارة «ملاك العهد» تعني النبي إيليّا الذي يكون سابقاً لمجيء السيّد المسيح. وكلمة العهد تعني الختان. وإيليّا يعتبر المحامي الخاص للأطفال. وهذا تلميح إلى ما ورد في سفر الملوك الأوّل (17:17-24) الذي يحكي كيف أعاد إيليّا الحياة بأمر الرب إلى طفل أرملة مات في حضرته.

ويذكر موهيل إنه بعد الختان يضع ورقة على الكرسي يكتب عليها بأن تبقى هذه الكرسي في مكانها وأن لا تستعمل في الأيّام الثلاثة التي تتبع الختان [249] . وبين الجالية اليهوديّة الجزائريّة في فرنسا عادة وضع زجاجة مملوءة بالماء تحت كرسي إيليّا تسقى للنساء العواقر أو لمن لا يرزقن إلاّ بناتاً [250] .

3) تنفيذ الختان

أ) الإعداد الروحي والمادّي للختان

الختان في إعتقاد اليهود هو أمر إلهي وعلامة عهد بين الله وبينهم. لذا فهو لا يقتصر على عمليّة جراحيّة، بل تصاحبه إستعدادات روحيّة دخلت فيها عدّة عادات وأساطير.

ومن بين تلك العادات حفلة تدعى «سلام للذِكر» (شلوم زكور) تتم يوم الجمعة التي تسبق الختان أو في أوّل جمعة بعد مولد الطفل. فاليهود يعتقدون أن ملاكاً يعلّم الطفل كل التوراة داخل بطن أمّه ولكنّه ينسى التوراة عند مولده. ويذكر طبيب موهيل قصّة طفل ولد في إسرائيل وهو حافظ كل التوراة. فلجأ أهله إلى حاخام، فصلّى هذا حتّى ينسى الطفل التوراة ويتعلّم التوراة بالأسلوب الطبيعي من خلال الجهد والعمل. واليهود الذين يتعلّمون التوراة يعتقدون أنهم لا يقومون إلاّ بتذكّر ما كانوا يعلموه في بطن أمّهم ونسوه عند خروجهم منه. وبناء على هذا الإعتقاد، يقوم اليهود في حفلة «سلام للذِكر» بأكل طعام خاص من حب البازيلا، وهو الطعام الذي يُقدّم أيضاً عند الرجوع من المقبرة بعد دفن الميّت. فحب البازيلا لا فتحة فيه شبيهة في ذلك بالموت الصامت، بخلاف الحبوب الأخرى التي لها فتحة. فيكون أكل البازيلا في حفلة تحيّة الذكر تعبيراً عن الحداد على نسيان الولد التوراة عند ولادته [251] .

وهناك إعتقاد سائد بين اليهود بوجود أرواح شرّيرة أهمّها زوجة آدم الأولى والتي يطلقون عليها إسم «ليليت». وهذه الأرواح تحوم حول الإنسان لتطيح به. وهي تحاول إضاعة مني الرجل وخنق الأطفال الذكور خلال الأيّام الثمانية الأولى حتّى ختانهم، والأطفال الإناث خلال العشرين يوماً الأولى. فيكون الختان أسلوباً لتخليص الطفل من شرور تلك الأرواح التي تختفي أمام منظر الدم. ويقيم اليهود في الأيّام السابقة للختان سهرات حول الطفل لحمايته من تلك الأرواح يتم فيها قراءة الكتب المقدّسة وإقامة الصلوات. وهناك أهمّية خاصّة لليلة السابقة للختان لأنهم يعتقدون أن تلك الأرواح تحاول منع الطفل من الختان الذي به ينجو من الجحيم. ويطلق اليهود الألمان على هذه الليلة إسم «ليلة اليقظة». وهم يستعملون لنفس الهدف الطلاسم. ومنهم من ينصب مائدة عليها مأكولات حتّى تلتهي بها الأرواح وتبعد عن الطفل. ويهود اليمن لا يتركون الطفل والأم وحدهما في الليلة السابقة للختان ويحرقون البخور داخل الغرفة حماية من الأرواح الشرّيرة. ونجد عند اليهود الألمان منذ القرن الخامس عشر عادة رمي الطفل بعد الختان ثلاثة مرّات في الهواء حتّى ينجو من سحر عجوز قبيحة [252] . ويعلّق اليهود في مدينة تونس عدد من الأشياء التي تحمي الطفل من العين مثل يد فاطمة وذنب السمك. وحتّى لا يكون هناك شك في أن إحدى الزائرات قد أصابت الطفل المختون بالعين، تقوم هذه بتبليل خد الطفل بلعابها، وهناك أيضاً من تبصق في فم الطفل [253] .

ويحاول اليهود إحاطة الختان بمظاهر البهجة وذلك عملاً بقول التوراة: «هذا إلهي فيه اعجب، إله أبي فيه أشيد» (الخروج 2:15). وهذا الإبتهاج يعبّر عنه في عدّة الختان وثياب الطفل والوجبة التي تعد لذلك [254] . وتضاء في حفلة الختان الشموع. ويرى البعض أن ذلك إشارة لنص التوراة: «إن الوصيّة مصباح والتعليم نور» (الأمثال 23:6) أو رمز الإبتهاج، أو علامة لإشعار المارّة بأنه في ذاك البيت يُعد لإجراء الختان في زمن كان الختان ممنوعاً فيتم بالسرّية. ومنهم من يضيء ثلاث عشرة شمعة بعدد المرّات التي ذُكرت فيها كلمة ختان في الفصل 17 من سفر التكوين، أو إشارة إلى أولاد يعقوب الإثني عشر يضاف إليهم الطفل. ومنهم من يرى أن الغاية من تلك الشموع إبعاد الأرواح الشرّيرة عن الطفل [255] .

والخاتن اليهودي يشارك في الإستعداد الروحي والمادّي للختان. يقول كتاب يهودي عن الختان أن على الخاتن أن يعتبر نفسه وسيطاً بين الله والعائلة لتنفيذ وصيّة إلهيّة. فعليه أن يلتقي مع الأهل لإفهامهم معنى الختان وإعدادهم روحيّاً لهذا الحدث ويُحَضِّر معهم النص الذي سوف يقرأه في تلك المناسبة، ويغتنم مناسبة الختان لتثقيف العائلة والمدعوّين دينيّاً حتّى يثبّت فيهم المبادئ اليهوديّة [256] .

وينصح طبيب موهيل الأهل الإتّصال به بعد ولادة الطفل بيوم أو يومين حتّى يعد نفسه ويحجز الموعد المحدّد. فيقوم عامّة بزيارة الطفل قَبل الختان بيوم أو يومين ليفحصه ويرى ما إذا كان هناك أي مانع من إجراء الختان مثل صحّة الطفل أو كون أمّه غير يهوديّة. ويعطي في هذه المناسبة الأهل النصائح بخصوص الإستعدادت للختان ومكانه وترتيب الأشخاص الذين سيتوالون في حمل الطفل منذ دخوله إلى إنتهاء العمليّة والإسم العبري الذي سيعطى للطفل. ويسأل أيضاً الخاتن عن الأدوية واللفّافات وقنّينة الخمر التي يستعملها في الختان والمأدبة التي تقام بعد الختان.

ويبيّن هذا الموهيل بأنه في يوم الختان، يستيقظ مبكّراً ويذهب إلى المغطس الديني الذي تديره طائفته. ثم يذهب إلى الصلاة الجماعيّة مع الذين سيحضرون الختان. وعامّة لا يأكل إفطاره قَبل الختان بل يذهب مباشرة لإجراء الختان، إلاّ إذا كان الختان في وقت غير الصباح.

وقَبل الختان بدقائق يكشف هذا الموهيل عن غلفة الطفل ويمرّر قضيباً فضياً بين غلفته وحشفته لفصلهما وذلك أمام والده وأمّه. ثم يقوم باسترجاع الصلوات التي سيقولها الأب. وفي الوقت المحدّد يتّجه إلى الغرفة المعدّة للختان حيث الجمع فيشرح لهم المعني الديني للختان ثم يلبس ثيابه الدينيّة ويضع على جبينه ويلف على ذراعه أدوات الصلاة ويقترح على الحضور وضعها خلال الختان حتّى يحيط هذه العمليّة بجو ديني. وكثيراً ما يكون لبس هذه الأدوات لأوّل مرّة من قِبَل الحاضرين. وهكذا يتم زرع الشعور الديني عندهم. ثم يغسل يديه ويطلب من العرَّابة أن تُحضِر الطفل من أمّه وتسلّمه للعرَّاب. وعند دخول الطفل يقول الجمع: مبارك الآتي. ثم يأخذ الطفل شخص آخر ليضعه على كرسي إيليّا [257] .

وهذا الموهيل يصاحب الختان بشرح وافٍ لكل حركة يقوم بها ويرد على أسئلة الحاضرين فيما يخص الختان. وهو ينتقد زملاءه الذين يتمّون العمليّة بسرعة بعيداً عن أعين الناس ودون شرح لعملهم. فيقول: «دعونا نبيّن للناس ماذا يجري ولنتركهم يقارنون الوضع قَبل وبعد الختان فسيقدّرون حين ذاك حق قدره رمز العهد الأبدي هذا بين الشعب اليهودي والخالق» [258] .

ب) عدّة الختان

لا تذكر لنا التوراة الآلة التي ختن إبراهيم نفسه بها. وروايات يهوديّة تقول بأنه قد ختن نفسه بسيف أو بصوّانة أو قرصه عقرب فقطع غلفته كما ذكرنا سابقاً. وتروي التوراة أن صفّورة إمرأة موسى ختنت إبنه البكر بصوّانة (الخروج 25:4). وكذلك فعل يشوع مع اليهود في البرّية (يشوع 2:5-3). وقد يكون لإستعمال الصوّانة عدّة أسباب: عدم تواجد آلة معدنيّة، ممّا يعني أن الختان عادة كانت تمارس قَبل إكتشاف المعادن، أو محاكاة لعمليّة الختان التي تصوّرها لنا النقوش المصريّة والتي يُستعمل فيها الصوّان للختان، أو لأن الحديد كمعدن للآلات الحادّة كان معتبراً نجساً في النصوص التوراتيّة. ففي سفر الخروج نقرأ: «وإن صنعت لي مذبحاً من حجارة، فلا تبنه بالحجر المنحوت. فإنك إن رفعت حديدك عليها دنّستها» (25:20). وفي سفر تثنية الإشتراع: «وتبني هناك مذبحاً للرب إلهك، مذبحاً من الحجارة لم ترفع عليها حديداً» (5:27) وفي سفر يشوع نقرأ: «كما أمر موسى، عبد الرب، بنى إسرائيل، على ما هو مكتوب في سفر توراة موسى، مذبحاً من حجارة منحوتة، لم يرفع عليها حديد» (31:8). ونشير هنا إلى أن خادمي وخادمات الإلهة «سيبيل» كانوا يبترون أعضاءهم أيضاً بصوّانة.

وفي أيّامنا يُسمح باستعمال آلة من أيّة مادّة كانت على شرط أن لا تترك شظية في جرح الختان، مثل القصبة. ورغم أن المقص يسمح به، إلاّ أن العادة المتّبعة عامّة هو إستعمال سكّين حاد يدعى «إزميل». وتكون السكّين ممضيّة من حدَّيها إعتماداً على نص المزمور «يبتهج الأصفياء بالمجد، يهللون على أسرّتهم. تعظيم الله ملء حلوقهم وسيف ذو حدَّين بأيديهم» (المزامير 4:149-6). وبعض الموهيلين يستعملون شفرة مشرط جراحي عادي ترمى بعد كل إستعمال لأنهم يجدون صعوبة في إبقاء السكّين حادّاً [259] .

وبعض الموهيلين يلجأون إلى آلات أخرى. فهناك الترس، وهو صفيحة فضيّة رقيقة تشبه آلة الكمان مشقوقة من وسطها شقّاً ضيّقا تحشر الغلفة داخله بعد مدّها فوق الحشفة كالملقط، ويتم القطع ما بين أصابع الخاتن وبين الترس لحماية الحشفة من السكّين ولجعل القطع مستقيماً. وعامّة يكون مع الخاتن عدد من تلك الآلة ذات فتحات مختلفة حسب الحاجة.

ويستعمل بعض الخاتنين مجس، وهو قضيب رقيق من الفضّة مدبّب الرأس لفصل الغلفة عن الحشفة قَبل إجراء عمليّة الختان. ويقوم بعض الموهيلين بفصل الغلفة عن الحشفة في اليوم السابق للختان إذا وقع الختان يوم سبت، ممّا قد يسبّب إنتفاخ في الذكر ومضاعفات في عمليّة الختان. ولكن البعض يرى أن عمليّة الفصل هذه مسموح بها في السبت باعتبارها جزءاً من الختان [260] .

وبالإضافة إلى السكّين والترس والمجس والتي لا يثير إستعمالها مشاكل في الأوساط اليهوديّة، قد يستعمل الموهيل ملازم مختلفة ذكرناها في القسم الأوّل. كما تفرض بعض المستشفيات إستعمال إحدى تلك الملازم على الموهيل الديني. ولكن إتّحاد الحاخامات الأرثوذكسيين والسلطات الدينيّة اليهوديّة في إسرائيل لم يُقِرّوا إستعمال هذه الملازم لأنها لا تنزل كمّية كافية من الدم، وهو أمر مهم في الختان اليهودي [261] . ويرد عليهم مؤيّدو إستعمال هذه الآلة أن جرح الغلفة قَبل إستعمال الملزم كفيل بأن ينزل دم من الطفل [262] .

وبالإضافة إلى موضوع إنزال الدم، يطرح إستعمال الملازم مشكلة دينيّة أخرى. فالختان يجب أن يتم على لحم حي. وإذا ما كُبِسَت الغلفة بالملزم، فإن الجلد يموت، فيتم عند ذلك الختان عبر لحم ميّت وتكون البركة التي تُذكَر في الختان على أمر لا فائدة فيه، وهذا ممنوع في الشريعة اليهوديّة. ويرى طبيب موهيل بأنه يجب تفادي اللجوء إلى تلك الملازم إلاّ في الحالات النادرة كما هو الحال إذا كان الموهيل الوحيد الموجود ليس له خبرة لإجراء الختان إلاّ بواسطة هذه الملازم، على أن يتم الختان بعد إستشارة السلطات الدينيّة الأرثوذكسيّة وعلى أن يتم خلال الختان إنزال بعض الدم حتّى تكون بركة الختان لها فائدة. وهو يرى أن إستعمال الملازم ليس ضروريّاً ويؤدّي إلى ألم لا داع له وقد تكون له مضاعفات خطيرة بالإضافة إلى مخالفته للقواعد الدينيّة اليهوديّة [263] .

ويستعمل الموهيل أيضاً مقص حاد لقطع بطانة الغلفة إذا لم يتمكّن من سلخ تلك البطانة عن الذكر بإظفره المدبّب [264] . كما يستعمل رباطاً من الجلد لتثبيت الطفل ومنعه من الحركة خلال الختان. ولكن عند بعضهم يقوم السندك بمنع الطفل من الحركة إمّا بيديه أو بربطه بقطة من القماش. وهناك لوحة من البلاستيك مجوّفة على شكل طفل يربط عليها الطفل مُزوَّدة بأقشطة لاصقة للأرجل والأيدي تضع على حضن السندك أو على المائدة [265] . ويطلق على هذه اللوحة إسم circumstraint .

وعلى الموهيل أن يكون معه أنواع من الأدوية والمطهّرات والمراهم والعصابات وإبرة وخيط لتخييط الجرح إذا إستلزم الأمر عند النزيف. ونجد في الكتب اليهوديّة في أيّامنا تشديداً على إستعمال المطهّرات وعلى النظافة حتّى لا تكون هناك مضاعفات طبّية [266] . وهناك نقاش طويل بين اليهود حول إستعمال البنج لتخفيف ألم الطفل. وسوف نعود إلى ذلك عند عرضنا للجدل الطبّي.

ج) القطع

لا توضّح الكتب المقدّسة اليهوديّة مقدار الجلدة التي يجب قطعها. وهناك عالم يهودي يعتقد أن العهد بين الله وإبراهيم لم يكن عهد ختان (بريت ميلا) بل عهد دم الختان (بريت دم ميلا). وهذا هو عنوان كتابه «عهد الدم». فالمهم في هذا العهد ليس القطع بل إنزال الدم من غلفة الذكر. فيكون الختان في زمن إبراهيم مختلفاً تماماً عمّا نفهمه نحن في أيّامنا.

يشرح هذا العالم أن للدم أهمّية خاصّة عند اليهود. فهو تعبير عن الخلاص. وهذا هو السبب الذي من أجله ينزل حتّى في أيّامنا نقطة دم من الطفل إذا ولد مختوناً أو أصبح يهوديّاً وهو مختون. ونحن نجد دوراً للدم في رواية خروج اليهود من مصر. فقد توعّد الله أن يقتل كل بكر في أرض مصر. ولكي ينجو اليهود من هذه الضربة كان عليهم أن يلطّخوا قائمتي الباب وعارضته بدم ذبيحة الفصح. فعند مرور الله يرى الدم فيعرف أن في داخل ذاك البيت يهوداً فيعبر من فوقهم ولا تحل بهم ضربة مهلكة (الخروج 7:12-13 و22-23).

وتقول رواية يهوديّة إن اليهود كانوا قد مُنعوا من الختان في مصر. ولكن قَبل خروجهم من مصر خُتنوا جميعاً وخلطوا دماءهم بدماء ذبيحة الفصح ولطّخوا بها قائمتي الباب وعارضته. وتعتمد هذه الرواية على الآية «وكان كل الشعب الذي خرج من مصر قد إختتن» (يشوع 5:5). فعندما مر الله من أمام أبواب اليهود تحنّن على إسرائيل كما هو مكتوب في سفر حزقيال: «فمررت بكِ [يا أورشليم] ورأيتكِ متخبّطة بدمك، فقلت لكِ في دمكِ عيشي» (حزقيال 6:16). وعبارة «في دمكِ عيشي» غيِّرت في هذه الرواية إلى «بدمكِ عيشي»، أي أن دم الختان إعتُبر سبباً للحياة والنجاة. وسوف نرى لاحقاً أن هذه الآية دخلت في طقس الختان. ويروي سفر الخروج أن موسى تلا على مسامع الشعب كلام الله ثم أخذ دم العجول التي ذبحها محرقة لله ورشّه على الشعب قائلاً: «هوذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم على جميع هذه الأقوال» (الخروج 8:24). وتضيف رواية يهوديّة أن الله في يوم الغفران ينظر إلى دم إبراهيم الذي يكفّر عن آثام اليهود [267] .

هذه النظريّة حول طبيعة الختان قد تكون صدى للحركة المعارضة لختان الذكور التي تتنامى في الولايات المتّحدة حتّى بين اليهود. وسوف نرى لاحقاً كيف أن بعضهم إقترح إقامة ختان رمزي دون قطع معتبرين أن الختان كما هو عليه منذ أكثر من ألفي عام يخالف عدّة مبادئ يهوديّة وهو تعدّي على سلامة جسم الطفل. إلاّ أنه لا أحد يدري كيف تحوّل الختان من «عهد الدم» كما يراه هذا العالم، إلى «عهد القطع». ولكن المعروف هو أن بعض اليهود عبر التاريخ قد حاولوا إلغاء نتيجة «عهد القطع» بمد جلد الذكر حتّى يغطّي الحشفة لأسباب مختلفة، منها تفادي تعيير الغير لهم أو الرغبة في الإندماج بغيرهم من الشعوب. وقد لاقوا عنتاً كبيراً من رجال الدين اليهود. فسفر المكابيين الأوّل يسمّيهم «أبناء لا خير فيهم [...] عملوا لأنفسهم غلفاً وارتدوا عن العهد المقدّس واقترنوا بالأمم». وهناك إشارة أخرى لهذا المد في رسالة القدّيس بولس الأولى إلى أهل قورنتس (17:7-20). وسوف نعود إلى ذلك لاحقاً.

وقد تشدّد رجال الدين اليهود في ضرورة إبقاء علامة الختان ظاهرة. ونجد هذا التشدّد واضحاً في المشنا التي تعتبر الختان باطلاً إذا بقيت قطعة من لحم الغلفة تغطّي الجزء الأكبر من الحشفة [268] . وهذا يعني بأنه يجب إعادة عمليّة الختان مرّة ثانية. وينقل لنا التلمود جدلاً حول نفس الموضوع. فقد رأى بعض رجال الدين عدم ضرورة إعادة الختان خوفاً من تعريض الشخص للخطر، بينما رأى الآخرون أن يُعاد باعتبار أنه قد سبق وأعيدت عمليّة الختان ولم يؤثّر ذلك على من أعيدت عليهم. وهناك أخيراً من رأى ضرورة إسالة نقطة دم منهم علامة للعهد. ويضيف التلمود أنه إذا كان الشخص سميناً وبان ذكره وكأنه غير مختون، فيجب شد الحشفة إلى الأمام حتّى تظهر [269] .

وهناك أيضاً جدل في التلمود حول شكل القطع في الختان حتّى يكون صحيحاً فيكون للمختون الحق في أن يأكل من الأكل المقدّم لكهنة الهيكل. فهل يجب أن يُقطع إطار الحشفة كاملاً حول كل الذكر، أم حول أكبر جزء منه، أم يكفي أن يقطع كقلم القصب أو كالمزراب؟ وهل يجب أن يكون القطع تحت إطار الحشفة أم فوقها عندما يكون ثقب الذكر تحت إطار الحشفة في حالة تشويه الذكر؟ وقد إقترح التلمود في هذه الحالة الأخيرة أن يُنظر في كيفيّة قذف المني. فيوضع رغيف ساخن من الشعير على الشرج فيقذف. فإذا كان القذف من فوق الحشفة، يحق للشخص أن يأكل من الأكل المقدّم للكهنة. أمّا إذا كان القذف من تحت إطار الحشفة، فإنه لا يحق له أن يأكل من ذاك الأكل [270] . وهناك ذِكر في التلمود لمن شد غلفته إلى الأمام. فإذا خُتن في الوقت المحدّد، فإنه يُعاد ختانه في النهار. أمّا إذا فات وقته، فإنه يختن في النهار أو في الليل [271] .

وقد حاول التلمود تبرير هذا التشدّد في الختان معتمداً على سفر التكوين (13:17) حيث تكرار لكلمة الختان: بالعربيّة «يختن المولود» وحرفيّاً: «خِتاناً يُختن المولود». فالكلمة الأولى فسّرت بمعنى الختان، والكلمة الثانية فسّرت بمعنى كشف الحشفة بقطع بطانة الغلفة [272] . وقد أعتمد أيضاً على صيغة الجمع (مولوت) في نص سفر الخروج: «فأخذت صفّورة [زوجة موسى] صوّانة وقطعت غلفة إبنها ومسّت بها رجلي موسى وقالت: إنك لي عروس دم. فانصرف عنه. كانت قد قالت: عروس دم، من أجل الختان [ختن دميم لمولوت]» (25:4-26) [273] .

هذا الجدل جعل البعض يقول إن الختان في بدايته كان يقتصر على قطع جزء من غلفة الذكر، وأن تطوّراً حدث في العصر الذي يطلق عليه عصر المشنا (70-200). فقد أضيف حوالي عام 140 بعد المسيح إلى القطع سلخ بطانة الغلفة بظفر حاد لجعل عمليّة إخفاء علامة الختان بمد الجلد أكثر صعوبة [274] . وهذا التطوّر الخطير ما زال يحُكم عمليّة ختان اليهود في أيّامنا. وهذه العمليّة تتم في ثلاث مراحل تعتبر ضروريّة حتّى يكون الختان شرعيّاً. وكل موهيل يترك إحدى هذه المراحل يجب إبعاده عن الختان [275] .

- مرحلة قطع الغلفة ويطلق عليها إسم «شيتوخ»: يمسك الخاتن الغلفة بإبهام يده اليسرى وسبّابتها ويشدّها شداً ويضع الترس الواقي أمام الحشفة تماماً، ثم يأخذ السكّين ويستأصل الغلفة بضربة واحدة سريعة على طول الترس الواقي، فيقع الترس عن الذكر. وقد ذكرنا سابقاً أن الأوساط الأرثوذكسيّة اليهوديّة ترفض عمليّة قطع الغلفة التي تتم الآن بواسطة ملازم خاصّة.

- مرحلة سلخ بطانة الغلفة ويطلق عليها إسم «بيريه»: بعد إستئصال الغلفة يمسك الخاتن بالبطانة الداخليّة للغلفة، وهي ما زالت تغطّي الحشفة، بظفري الإبهام والسبّابة من كلتا يديه، ويمزّقها حتّى يتسنّى له إزاحتها تماماً عن الحشفة وتعرية الحشفة تعرية تامّة. ويعد الخاتن ظفر إبهاميه إعداداً ملائماً لهذا الغرض، بحيث يجعله حادّاً ومدبّباّ كالسهم. وكثيراً ما تكون البطانة الداخليّة للغلفة ملتصقة بالحشفة في سن الصغر. ولذلك يمرّر الختان مجسّاً بين الحشفة والغلفة لفصلهما قَبل إجراء عمليّة الختان. وإذا إستعمل الموهيل ملزم «جومكو» لأجراء الختان، فإنه يقطع في نفس الوقت الغلفة ويزيل بطانتها، ممّا يعني أن العمليّتين تتمان في عمليّة واحدة. وهذا أحد أسباب رفض هذا الملزم من قِبَل اليهود الأرثوذكس. ويرد مؤيّدو هذا الملزم بأنه أكثر نظافة من اللجوء إلى سلخ بطانة الغلفة بالظفر. إلاّ أن المعارضين يؤكّدون أن إستعمال الظفر أكثر حساسيّة، فيعرف الخاتن متى عليه أن يتوقّف [276] .

- مرحلة المص ويطلق عليها إسم «مزيزا»: يضع الخاتن في فمه شيئاً من الخمر ثم يحتوي بفمه الجزء الذي أُجرِيَت فيه الجراحة ويمصّه ثم يمج مزيج الخمر والدم في وعاء معد لذلك ويُكرّر المص عدّة مرّات. وكان سابقاً يُظن أن عمليّة المص هذه تساعد على الشفاء [277] . ولكنّه تبيّن أن هذه العمليّة سبب تفشّي أمراض شتّى كالزهري والدفتيريا التي تنتقل جراثيمها من فم الخاتن إلى المختون وقد يكون فيه حتفه. وقد حظرت الجمعيّة الطبّية بباريس في عام 1843 هذه العمليّة ممّا أدّى إلى معارضة شديدة من قِبَل الموهيلين [278] . وما زال كثير من الموهيلين في الأوساط التقليديّة حتّى يومنا هذا يمصّون الدم بفمهم. ويُقترح عليهم تفادي مثل هذا التصرّف أو على الأقل أن ينظّفوا فمهم بالكحول قَبل ذلك [279] . وقد أوجد بعضهم حلاً وسطاً باستعمال شافطة من الزجاج يثبّت طرفها على الذكر ويقوم الموهيل بشفط الدم من الطرف الآخر إمّا بفمه أو بواسطة آلة مطّاطيّة. وهناك من يستعمل فقط قطعة من القطن لمص الدم. وعند اليهود المجدّدين لا توجد شروط خاصّة لهذه العمليّة وكل موهيل يقوم بها كما يشاء [280] . ويرى طبيب موهيل أرثوذكسي أمريكي أنه يجب النظر إلى عمليّة المص بالفم نظرة إحترام لأن الكتب اليهوديّة القديمة تتكلّم عنها بصورة إيجابيّة جدّاً كجزء من عمليّة الختان وكوسيلة للوقاية من الأمراض [281] . وهذا يبيّن مدى تزمّت الأوساط الدينيّة وابتعادها عن منطق العقل.

بعد الختان يُلف مكان القطع بلفّافة. وهناك من يضع فوق الجرح مادّة لقطع الدم. ثم يلبّس الطفل ويعطى للشخص المعيّن لحمله إستعداداً لإعطائه الإسم العبري. وهذا شرف كبير للشخص الذي يحمل الطفل، يأتي بعد شرف السندك، ولذلك يطلق عليه السندك الثاني. وإذا كان حاخام العائلة موجوداً، فهو الذي يعطي الطفل الإسم، وإلا، فالخاتن هو الذي يقوم بذلك. وبعد تبادل التهاني تبدأ المأدبة [282] . ويعتبر اليهود أن من يُدعى للمأدبة عليه أن يلبي الدعوة [283] .

وبعد مأدبة الختان، يقوم الموهيل بالكشف عن الطفل وتغيير لفّافته المبلّله بالدماء ووضع لفّافة جديدة وعند الضرورة بعض الدواء لإيقاف النزيف وتسريع الشفاء. ويجب أن يكون طرفا اللحم متوازيين حتّى يلتحما بسرعة كما يجب المحافظة على النظافة حتّى لا يكون هناك تعقيدات طبّية. ثم يشرح الموهيل للأهل كيفيّة العناية بالجرح وضرورة تغيير اللفّافة كلّما تم تغيير الملابس ودهن الذكر بمضادّات حيويّة لتفادي العدوى. ويبقى الموهيل أربع ساعات بعد الختان لكي يتابع تطوّر العمليّة إذا ما كان هناك نزيف خاص لتغيير اللفّافة ثم يطلب من الأهل الإتّصال به في أي وقت يحتاجونه فيه، نهاراً أو ليلاً في حالة حصول أيّة مشكلة. ويعود الموهيل للطفل في اليوم الثاني ويغيّر للطفل ويقدّم النصائح الدينيّة للأهل حتّى يكونوا أكثر تمسّكاً بمعتقداتهم الدينيّة ويشاركوا بالحياة الدينيّة الجماعيّة [284] .

هذا وختان الطفل ليس كختان البالغ. فإذا أصبح اليهودي بالغاً ولم يكن مختوناً، يدخل الموهيل مع الطبيب الجرّاح في غرفة العمليّات، ويبدأ هو بالقطع ويدعو الطبيب لإكمال العلميّة على أن يترك آخر قطع للخاتن. وبعد شفاء الختان، يغطّس الشخص في حمّام [285] . وفي حالة تشوّه للذكر مثل عارضة المبال التحتاني (أي أن ثقب البول ليس في رأس الذكر ) أو إعوجاج الذكر، يقوم الطبيب بعمليّة تصليح للذكر. وقد يحتاج الطبيب عندها إلى جلدة الغلفة للترقيع. فينتظر الخاتن موعد العمليّة الجراحيّة ثم يدخل مع الطبيب الجرّاح في غرفة العمليّات ويجري شقّاً في الذكر ويردّد بركة الختان ثم يتبعه الجرّاح في تصليح التشويه [286] . ونذكر هنا بما قلناه سابقاً بأن من ولد أو تهوّد مختوناً ينزل دم من حشفته (دم العهد).

د) مصير الغلفة

بعد قطع الغلفة، توضع على رمال أو رماد كعلامة على العهد بين الله وإسرائيل. ويقصد بذلك التمنّي بأن يصبح الطرف الأخير (إسرائيل) وافر العدد كحبات الرمال على شاطئ البحر (التكوين 17:22). ويذكر كتاب طقس يهودي بابلي من القرن التاسع الميلادي بأن الطفل يختن فوق ماء معطّر ثم يغسل جميع الحاضرين أيديهم ووجههم في هذا الخليط من الماء والدم إعتقاداً منهم بأن ذلك يجلب بركة الله ونعمه. والختان على الماء يعتمد على نص للنبي حزقيال: «فغسلتك بالماء ونظّفت دمك الذي عليك» (حزقيال 9:16). أمّا في فلسطين فإن الختان كان يجري فوق التراب وذلك إعتماداً على نص للنبي زكريّا: «وبدم عهدك أنت أيضاً أطلق أسراك من الجب الذي لا ماء فيه» (زكريّا 11:9) [287] .

وفي بعض الأوساط اليهوديّة يجفّف الخاتن غلف الأطفال الذين ختنهم ويحتفظ بها حتّى مماته فتقبر معه لتؤمّن خلاصه الأبدي وتبعد عنه الشياطين. وهناك إعتقاد أن العفن والدود لا يمس فم الخاتن. وعند يهود منطقة طرابلس في ليبيا تضع الغلفة في بيضة تشربها إمرأة عاقر تيمناً بها. كما أن بعضهم يأخذ تلك الغلفة ويضعها في فم طفل لم يختن بعد لكي تبعد عنه الأرواح الشرّيرة. ومنهم من يقوم بحرق الغلفة معتبرين أنها قرباناً لله. وحرق القرابين عادة معروفة في التوراة. ويكفي هنا ذكر عزم إبراهيم ذبح إبنه وحرقه بأمر من الله قبل أن يُستبدل الإبن بكبش [288] .

وسوف نرى في الجدل الإجتماعي أن الغلفة أصبحت في أيّامنا سلعة تجاريّة تباع وتشترى. فتدخل في مستحضرات التجميل والإختبارات الطبّية أو توسّع فتستعمل لترقيع الحروق.

4) طقس الختان

أ) مقدّمة

تركّز الكتب اليهوديّة الحديثة على أن الختان اليهودي ليس عمليّة جراحيّة بحتة، بل هو تنفيذ لأمر إلهي كعلامة عهد بين الله والشعب اليهودي. ولذلك لا بد أن يكون هناك نيّة تنفيذ تلك الوصيّة الدينيّة وأن تصاحب الختان صلوات خاصّة لإدخال الله في العمليّة [289] . وإذا تم الختان في المستشفى من قِبَل طبيب دون مراسيم الصلاة، فهذا مخالف للشرائع اليهوديّة ورجال الدين اليهود لا يعترفون به ويطالبون بإنزال نقطة دم لكي يصبح شرعيّاً [290] .

عبثاً نبحث في الكتب المقدّسة اليهوديّة عن طقس ديني واحتفالات ترافق عمليّة الختان. والطقس الذي بين أيدينا اليوم والذي سنترجمه لاحقاً وضعه رجال الدين اليهود بعد القرن الأوّل. وهو خليط من رموز وصلوات تراكمت عبر العصور ممّا جعل من الصعب فهمها، حسب إعتراف الكتّاب اليهود أنفسهم. وهذا الطقس يتم باللغة العبريّة التي تخفى على كثير من اليهود في عصرنا. ونشير هنا إلى أن الصلوات في المعابد تتم بالعبريّة مع بعض التداخلات باللغة المحلّية تتضمّنها كتب توزّع على الحاضرين لمتابعة الصلاة. ولكن في طقس الختان لا يوزّع على الحاضرين كتاباً يحتوي النص والترجمة لمتابعة ما يقال. إلاّ أن بعض الكتب حول الختان تضم الطقس الديني بالعبريّة مع «ترجمة لمعانيه» [291] . وللعلم فإن اليهود يقدّسون اللغة العبريّة إذ يعتبرونها اللغة التي كلّم الله بها موسى [292] . وارتباط الصلاة بلغة معيّنة نجده أيضاً عند المسلمين حيث تتم الصلاة باللغة العربيّة حتّى بين من لا يفهمونها.

ونشير هنا أنه إذا تم ختان توأمين، فهناك من يرى ضرورة عمل طقسين منفصلين للختان بينما يضم البعض التوأمين في طقس واحد مع تغيير المفرد إلى المثنّى في الصلوات التي تقرأ. ويقول كاتب يهودي بأن على كل طائفة دينيّة أن تتّبع عاداتها في ذلك. وإذا لم يكن هناك عادة متّبعة، فمن المفضّل إقامة طقسي ختان منفصلين [293] .

ولا ندري إذا كان هناك نص عربي لطقس الختان عند اليهود. لذلك قمنا نحن بترجمته مع بعض التعليقات معتمدين على كتابين يهوديين عن الختان [294] . وهذا الطقس يضم نصوصاً مأخوذة من الكتب المقدّسة اليهوديّة وضعناها بين قوسين.

ب) ترجمة الطقس

عندما يحضر الطفل ليختتن، يقف الجميع ويقولون: «بروخ هابا» (مبارك الآتي).

والترحيب هذا ليس للطفل بل لمجيء النبي إيليّا الذي يتخيّله الحاضرون داخلاً ليحضر حفل الختان كما ذكرنا سابقاً. وقد تفنّن اليهود في تفسيرهم لهذا الدعاء الذي أخذوه من سفر المزامير (26:118). فمنهم من إعتبر كلمة (هابا) إختصاراً لجملة (هنا با إيليّاهو) بما معناه: هنا يأتي إيليّا. ومنهم من إعتبر هذه الكلمة تعني اليوم الثامن على طريقة حساب الأحرف.

ويبقى الحاضرون واقفون كل مدّة الطقس. وقد يكون هذا تطبيقاً لما جاء في سفر الملوك الثاني بأن الشعب كلّه كان واقفاً عندما قرأ عليهم الملك يوشيا كتاب العهد (2 ملوك 3:23).

إذا كان الخاتن غير الأب، فإن هذا الأخير يمكن له أن يصرّح بأنه وكّل الخاتن في إجراء الختان، ويسلّمه السكّين. وهذا التصريح في التيّار المجدّد يمكن أن يصدر عن الأب والأم سوياً.

يأخذ الخاتن الطفل من الشخص الذي يحضره ويقول بفرح: «إن القدّوس، ليكن مباركاً، قال لإبراهيم: سر أمامي وكن كاملاً (التكوين 1:17). إني مستعد وراغب في إتمام الوصيّة التي أمرنا بها الخالق، ليكن مباركاً، بأن نُتِم الختان».

وإذا كان الأب الذي يقوم بالختان يقول: «إني مستعد وراغب في إتمام الوصيّة التي أمرنا بها الخالق، ليكن مباركاً، بأن أختن إبني كما هو مكتوب في التوراة: إبن ثمانية أيّام يختن كل ذكر منكم من جيل إلى جيل» (التكوين 12:17). وفي التيّار المجدّد يمكن للأب وللأم قراءة هذا النص سوياً.

يضع الخاتن الطفل على كرسي النبي إيليّا ويردّد: «هذا كرسي إيليّا، ليذكره الله بالخير. خلاصك إنتظرت يا رب (التكوين 18:49). إنتظرت يا رب خلاصك وعملت بوصاياك (المزامير 166:119). إنتظرت يا رب خلاصك (المزامير 166:119)، سررت بقولك كمن أصاب غنيمة وافرة (المزامير 162:119). سلام وافر لمحبّي شريعتك وليس لهم حجر عثار (مزمور 165:119). طوبى لمن تختاره وتقرّبه فيسكن في قدس هيكلك (المزامير 5:64). مثل هذا يسكن في قدس هيكلك». ويرد الحاضرون: «فنشبع من خيرات بيتك ومن قدس هيكلك» (المزامير 5:64).

يضع الخاتن الطفل في حضن العرَّاب ويقول هذه البركة قَبل إجراء العمليّة: «مبارك أنت يا رب إلهنا، ملك العالم، الذي قدّستنا بوصاياك وأمرتنا بخصوص الختان».

يقوم حين ذلك الخاتن بإجراء عمليّة الختان. فيبدأ بقطع الغلفة ثم يسلخ بطانتها حتّى تنكشف الحشفة. وبين قطع الغلفة وسلخ بطانتها يقول الأب (أو العرَّاب في حالة عدم وجود الأب) هذه البركة: «مبارك أنت يا رب إلهنا، ملك العالم، الذي قدّستنا بوصاياك وأمرتنا بإدخال هذا الطفل في عهد إبراهيم أبينا». ويرد الحاضرون: «كما دخل العهد، كذلك ليدخل التوراة والزواج والأعمال الصالحة».

وبعد كشف الحشفة، يأخذ الخاتن كأساً من الخمر ويقول: «مبارك أنت يا رب إلهنا، ملك العالم، الذي تخلق ثمر هذا الخمر. مبارك أنت يا رب إلهنا، ملك العالم، الذي قدّست خليلك [إبراهيم] من البطن ووضعت شريعتك على لحمه وختمت نسله بعلامة العهد المقدّس. ولذلك، أيها الحي، نصيبنا وصخرتنا، أؤمر أن ينجو خليل لحمنا هذا من الجب، لأجل عهده [عهد إبراهيم] الذي وُضع في لحمنا. مبارك أنت يا رب الذي قطعت عهداً. إلهنا واله آبائنا، إحفظ هذا الطفل لأبيه ولأمّه وليكن إسمه في إسرائيل (فلان إبن فلان، أبيه). إجعل الأب يفرح بما إنحدر من صلبه، واجعل الأم تسر بثمر بطنها، كما هو مكتوب: فليفرح أبوك وأمّك ولتبتهج والدتك (الأمثال 25:23). وكما هو مكتوب: مررت بكِ (يا أورشليم) ورأيتكِ متخبّطة بدمكِ، فقلت لك في دمكِ عيشي (حزقيال 6:16)».

في التقليد اليهودي يمص الخاتن ذكر الطفل وبفمه الخمر وقد رأينا أن هذه العادة قد كادت تنتهي لأنها معدية واستبدِلت بوسائل أخرى لشفط الدم [295] . ويضع الخاتن بعض الخمر على فم الطفل بإصبعه ويقدّم كأس الخمر لوالدة الطفل لتشربه. وفي التيّار اليهودي المجدّد يشرب الخمر كل من الأم والأب. هذا ولا يعرف متى أدخل الخمر في طقس الختان. والخمر يستعمل في الطقوس الدينيّة اليهوديّة والمسيحيّة والوثنيّة كرمز للدم. فالدم يخرج من ذكر الطفل ويعاد بالخمر إلى فمه. ويعتبر أن في الدم حياة على أساس نص حزقيال: «في دمك عيشي» [296] . ومن المعروف أن الخمر يجب أن يكون مباحاً شرعاً، أي مصنّعاً حسب القواعد الدينيّة الخاصّة بالأطعمة (كوشير). ويجب أن يكون الكأس مغسولاً بالماء ومجففاً حسب القواعد الدينيّة أيضاً [297] .

ويقول الخاتن بعد وضع بعض الخمر على فم الطفل: «يتذكّر للأبد عهده، الكلمة التي أوصى بها إلى ألف جيل، العهد الذي قطعه مع إبراهيم، والقسم الذي أقسمه لإسحاق (المزامير 8:105-9). وقد قيل: وختن إبراهيم إسحاق إبنه، وهو إبن ثمانية أيّام، بحسب ما أمره الله به (التكوين 4:21). احمدوا الرب لأنه صالح، لأن للأبد رحمته (المزامير 1:18). ليكبر هذا الطفل (فلان). وكما دخل العهد فليدخل التوراة والزواج والأعمال الصالحة».

وبعد ذلك يقف الخاتن ويقول: «يا سيّد العالم، لتكن إرادتك بأن تنظر إلى هذا وتقبله حسب إرادتك كما لو أني قدّمته ضحيّة أمام عرش مجدك. برحمتك العظيمة إبعث مع ملائكتك المقدّسة روحاً مقدّسة وطاهرة لـ(فلان) الذي خُتِن الآن بإسمك العظيم، واجعل قلبه مفتوحاً واسعاً كوسع القاعة التي تؤدّي إلى داخل هيكلك، مفتوحاً لتوراتك المقدّسة، ليتعلّم وليعلّم، ليحفظ وليعمل».

ثم يقول صلاة للطفل: «من بارك إبراهيم وإسحاق ويعقوب فليبارك هذا الطفل الغض الذي ختن، وليشفه، وليكن أبوه مستحقّاً لشرف إدخاله في التوراة والزواج والأعمال الصالحة. ولنقل آمين». ويرد الحاضرون: «علينا».

ويمكن هنا ترديد هذا الدعاء قبل أن يودع الطفل في مهده: «يباركك الرب ويحفظك ويضيء الرب بوجهه عليك ويرحمك، ويرفع الرب وجهه نحوك ويمنحك السلام» (العدد 24:6-26). كما أنه يمكن أن تقرأ فقرة من المزمور 119 تتناسب مع إسم الطفل. وهذا المزمور مقسّم إلى فقرات مرقّمة حسب أحرف الأبجديّة. وعامّة يلقي الأهل كلمة للحضور يفسّرون خلالها معنى الإسم الذي أعطي للطفل.

ويشير طبيب موهيل أنه إذا تم الختان على بالغ تُردّد الصلوات المرافقة للختان بعد تغطية عورته لأنه لا يليق حسب القواعد الدينيّة ذكر تلك الصلوات أو ذِكر إسم الله والعورة مكشوفة [298] .

ينتهي هنا طقس الختان الذي تتبعه عادة وجبة تقدّم للحضور. ويسبق الأكل غسل الأيدي تُردّد عندها بركة خاصّة بهذا الإجراء كما أن بركة أخرى تُردّد للأكل.

ج) ملاحظتان على الطقس

لن ندخل في تفاصيل طقس الختان الذي يحتوي على رموز عدّة ذكرنا بعضها في التعليقات، ونكتفي بالإشارة إلى نقطتين:

تسمية الطفل

يعطى الطفل عند اليهود يوم الختان إسماً عبريّاً، وذلك أسوة بإبراهيم الذي كان إسمه أبرام قَبل الختان ثم سمّاه الله إبراهيم بعد الختان (التكوين 5:17). ونحن نجد ذِكر لعادة تسمية الطفل يوم ختانه في إنجيل لوقا عندما يتكلّم عن يوحنّا المعمدان: «وجاؤوا في اليوم الثامن ليختنوا الطفل وأرادوا أن يسمّوه زكريّا بإسم أبيه. فتكلّمت أمّه وقالت: لا بل يسمّى يوحنّا» (لوقا 59:1-60). ونفس الأمر عندما يتكلّم عن السيّد المسيح: «ولمّا إنقضت ثمانية أيّام فحان للطفل أن يختن، سمّي يسوع، كما سمّاه الملاك قبل أن يحبل به» (لوقا 21:2). إلاّ أننا نجد أيضاً في العهد القديم تسمية الطفل يوم ولادته [299] . وإذا تأخّر الختان لأسباب صحّية، فإن الطفل يعطى إسماً عبريّاً قَبل الختان [300] . وإذا مات الطفل قَبل اليوم الثامن، يختن ويعطى إسماً عبريّاً قَبل دفنه [301] .

وكثيراً ما يحمل اليهودي إسمين: إسم للإستعمال الخارجي ويدخل في السجل المدني، وأسم عبري يعطى له يوم الختان للإستعمال الديني وبين الأقرباء. وفي الختان يحمل الطفل إسمه العبري مضافاً إليه إسم أبيه العبري: مثلاً يوسف إبن إبراهيم. وإذا كان الأب غير يهوديً، فالطفل يحمل إسمه واسم أمّه: مثلاً: يوسف إبن رفقة.

ويعطي اليهود أهمّية كبيرة للإسم العبري. فيقول طبيب موهيل بأن الإسم العبري يحمي ثقافة الشخص من المحيط المعادي. وبعض الأسماء لا يمكن بأي حال حملها مثل الأشخاص الذين إضطهدوا اليهود: ادولف أو طيطس أو هامان. ويجب على اليهودي أن يبدأ بداية حسنة بإعطاء الطفل إسماً عبريّاً. والبنت تعطى إسماً عبريّاً بعد أسبوع من ولادتها ضمن إحتفال يقيمه أهلها بعد الصلاة في الكنيس [302] .

أمنية دخول التوراة والزواج والأعمال الصالحة

هناك ثلاثة تمنّيات للطفل تعاد ثلاث مرّات في طقس الختان عند اليهود: أن يدخل التوراة والزواج والأعمال الصالحة. وهذا ليس مجرّد تمنّي، بل إعادة للواجبات التي يجب أن يقوم بها الأب نحو إبنه. فبعد أن أتم واجب الختان، بقي عليه أن يعلّمه التوراة ثم يزوّجه. وهناك رأي ديني يقول: واجبات الأب نحو إبنه هي ستّة: ختانه، وشراؤه من الكاهن (إذا كان بكراً)، وتعليمه التوراة، وتعليمه تجارة، وتزويجه، وتعليمه السباحة [303] .

وعبارة الأعمال الصالحة أضيفت على طقس الختان لاحقاً رداً على جدل دار بين المسيحيّين واليهود. فالقدّيس بولس ألغى ضرورة العمل بشريعة الختان التي حل محلّها الإيمان بالمسيح. فهو يقول: «فنحن نعلم أن الإنسان لا يبرّر بالعمل بأحكام الشريعة، بل بالإيمان بيسوع المسيح [...]. فإذا كان البر ينال بالشريعة فالمسيح إذاً قد مات سدى» (غلاطية 16:2 و21). وإبراهيم حسب رأي بولس خُلّص ليس بالختان بل بإيمانه بالله (رومية 13:4). ولذلك أضاف اليهود إلى طقس الختان عبارة «الأعمال الصالحة» رداً على بولس. وقد رأينا بأن اليهود قد وضعوا حلاً لمشكلة الأتقياء الذين ولدوا قَبل سَن شريعة الختان إذ إعتبروهم مختونين من بطن أمّهم [304] .

الفرع الثاني: طقس الختان الرمزي

1) المحافظة على طقس الختان وإلغاء القطع

رأينا أن الختان في التوراة هي علامة عهد دمويّة بين الله وشعبه المختار. وإذا كان الختان عمليّة همجيّة عند معارضيه، فإنه أيضاً يوم إحتفال عائلي وأكل وشرب وتبادل الهدايا، وهو أيضاً تجديد ذكرى الإنتماء لقوم. فبجانب سلبيّات الختان التي يتعرّض لها الطفل، هناك إيجابيّات إجتماعيّة. وهذه الإيجابيّات هي أحد أسباب دوام عمليّة الختان. وقد فهم معارضو ختان الذكور هذين الجانبين فحاولوا إلغاء السلبيّات دون الإيجابيّات حتّى لا يحس المرء بفراغ إجتماعي. فحذفوا عمليّة القطع واستبقوا مراسيم الختان واحتفالاته. وبهذا الأسلوب يتجنّبون تعريض الطفل للألم، وفي نفس الوقت يحافظون على الشعور الديني عند اليهود وانتمائهم القومي. ولكي يحلّوا مشكلة عدم المساواة بين الذكر والأنثى، كما في الختان التقليدي، أباحوا بأن تتم مراسيم الختان الرمزي على الذكور كما على الإناث.

نحن هنا في مرحلة إنتقال هامّة جدّاً من عهد الختان الدموي إلى العهد الرمزي. وهو يشبه إلى حد كبير ما تقوم به بعض معارضات ختان الإناث في دول إفريقيّة والتي تستبدل قطع العضو التناسلي بإنزال نقطة دم منه بواسطة دبّوس مع الحفاظ على مراسيم الختان الإجتماعيّة. ولكن لا بد من التنبّه أن محاولة إيجاد بديل للختان قد يعني أيضاً محاولة لاسترجاع رجال الدين سلطتهم على الشعب. ورغم ذلك يجب النظر لهذا التحوّل إيجابيّاً لأنه يوفّر على الطفل آلاماً وتعدّياً على سلامته الجسديّة لا داعي لها.

وقد وضع مؤيّدو الختان البديل طقوساً خاصّة بالختان الرمزي حيث يدخل الطفل في عهد مع الله، كاملاً، دون قطع، إخترنا منها نموذجين. وهذه الطقوس تلقى رفضاً من قِبَل الأوساط الدينيّة اليهوديّة. ولكن مؤيّدوها يردّون بأن 80% من عمليّات الختان التي تجرى لليهود في الولايات المتّحدة لا تفي بشروط الختان الديني إذ إن كثيراً من اليهود يختنون في المستشفى وليس من قِبَل الموهيل. ويضيفون أن المهم في الختان هو المعنى وليس عمليّة الختان بالذات. وطقس الختان الرمزي أكثر مساواة إذ من الممكن أن يجرى على البنات أيضاً بعكس الختان التقليدي الدموي الذي يجرى فقط على الأولاد.

2) نموذج أوّل لطقس الختان الرمزي

جاء هذا الطقس في كتاب معارض يهودي للختان الدموي عرضنا رأيه سابقاً [305] . وهو يقترح الصلاة التالية يقرأها الشخص الذي يقود الشعائر الدينيّة ضمن حفل يقام لدخول الطفل العهد ويتم فيه تسميته:

«إن القدّوس، له المجد، قال لأبينا إبراهيم: «سر أمامي وكن كاملاً» (التكوين 1:17). إننا نعيش في عصر جديد، عصر حيث قوانين جديدة تحُكم علاقة الإنسان مع الله والطبيعة. نشكرك اللهم لأنك وهبتنا فهم هذه القوانين الجديدة ولأنك سمحت لنا النمو الذي حصل لنا بفهم هذه القوانين وبوجودك. وبصلتنا الوثيقة بك كسبنا ثقة كاملة بكلمتك وإيماناً بكمال خليقتك. لقد أريتنا عجباً على عجب ونحن على إستعداد لقبول أعمالك في كل كمالها. هذا الطفل، مخلوق على صورتك، كامل، دون نقصان. إنه إبن الله.، إبن الجديد، إبن النور. نقبله كما جاء لنا وهو يدخل في عهدك كما يدخل اليوم الجديد الفجر».

وقد تضمّن هذا الطقس إعلان يقرأه الأهل. ويقترح على الأهل إختيار أحد النصوص التي تتكلّم عن الأطفال. وأوّل هذه النصوص نص جبران خليل جبران (توفّى عام 1931) مأخود من كتابه «النبي» يقول فيه:

«إن أولادكم ليسوا أولاداً لكم. إنهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم ولكن ليس منكم. ومع أنهم يعيشون معكم فهم ليسوا ملكاً لكم.

أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبّتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكاراً خاصّة بهم.

وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادهم، ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم. فهي تقطن في مساكن الغد، التي لا تستطيعون أن تزوروها ولا في أحلامكم.

وأن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم. ولكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم. لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء، ولا تلذ لها الإقامة في منزل الأمس.

أنتم الأقواس وأولادكم سهام حيّة قد رمت بها الحياة عن أقواسكم. فإن رامي السهام ينظر العلامة المنصوبة على طريق اللانهاية، فيلويكم بقدرته لكي تكون سهامه سريعة بعيدة المدى. لذلك فليكن التواؤم بين يدي رامي السهام الحكيم لأجل المسرّة والغبطة. لأنه كما يحب السهم الذي يطير من قوسه، هكذا يحب القوس التي تثبت بين يديه» [306] .

3) نموذج ثانٍ لطقس الختان الرمزي

هناك طقس مفصّل مبني على نسق الطقس التقليدي ألّفه إبن حاخام أمريكي إسمه «نورم كوهين» ووزّعه في شبكة الانترنيت. وقد أطلق عليه إسم «بريت بلا ميلا (أي عهد بلا قطع)، طقس بديل لدخول العهد للأهل اليهود الذين يهمّهم الأمر». وهذا الشخص هو رئيس مركز «نوسيرك» في مقاطعة «ميتشيجان» الذي يكافح ضد الختان. وقد بدأ طقسه بنص المزمور: «يهلّل قلبي وجسمي للإله الحي» (مزامير 3:84).

يقول المؤلّف في مقدّمة الطقس إن الأمّهات والآباء اليهود إعترفوا منذ زمن طويل بالآثار المؤلمة والضارّة والخطيرة للختان (عهد القطع) على أطفالهم. وقد رغب الكثيرون منهم بديلاً لهذا الطقس لا يؤذي أطفالهم عند إدخالهم عهد إبراهيم. وخلافاً للـ«بار متزفا» (طقس التثبيت عند اليهود)، فإن الطفل لا يحس بالتجربة الروحيّة للختان، لا بل إن الختان هو عمليّة جراحيّة مؤلمة لها مخاطرها الطبّية وهي خرق لسلامة جسم الطفل. واستجابة لهذه المطلب تم وضع عدد من الطقوس الدينيّة البديلة لتحل محل طقس الختان الدموي وتؤدّي دوره الديني والواجب الطائفي الجماعي. دون إيذاء للطفل أو خرق للحقوق. بهذه الطقوس يتم إستقبال الطفل في الطائفة بأسلوب المحبّة مع الإبقاء على سلامة جسمه وحقوقه الإنسانيّة. والطقس الذي يقترحه يأخذ طقس الختان الدموي كأساس له ويبقي على روحه بينما يشارك العصر الحديث في حِكمته. وهو يمكن أن يتم على الذكور كما على الإناث.

ويشرح المؤلّف أن الفوائد الطبّية والصحّية للختان تم تفنيدها، ولم يعد بعد أي مبرّر لاستمرار الختان بين الأطفال اليهود. فالختان لا يمكنه أن يعتبر شعاراً للهويّة اليهوديّة إذ إن اليهودي هو من ولد لأم يهوديّة، والديانة اليهوديّة لم تخترع الختان، فقد تم ممارسة الختان منذ ما لا يقل عن 6000 سنة في مصر القديمة. والمسلمون يختنون كما أن أكثر من 65% من غير اليهود في الولايات المتّحدة مختونون. فكيف يمكن إعتبار الختان تعبيراً عن الهويّة اليهوديّة أو تقوية لها؟ ولا يمكن لليهود اللجوء إلى التبريرات الطبّية للإبقاء على الختان. فالختان، حسب الشريعة اليهوديّة لا يمكن تبريره إلاّ كعمل إيمان. وعمليّة الختان التي تتم في المستشفيات لا يمكن إعتبارها ملبّية للشروط التي تضعها الشريعة اليهوديّة لأنها ليست مصحوبة بطقس ديني، وعليه فهي ليست ختاناً شرعيّاً.

ويضيف المؤلّف أن الغلفة تدعى بالعبريّة «غرلة»، وهذه الكلمة أستُعمِلت بمعنى الحاجز الذي يمنع حصول فائدة. وهكذا تتكلّم التوراة عن غلفة القلب. فالغرلة هي الحاجز الذي يمنع القداسة. وعلى اليهود أن يعترفوا بأن الحواجز الحقيقيّة هي تلك التي افتعلوها بأنفسهم. وقد غيّر اليهود تلك الحواجز عبر التاريخ، ومن بين تلك الحواجز حاجز الختان الذي بدأ تغييره منذ 150 سنة. والعهد بين اليهود وبين الله سوف يستمر بعد حذف الرمز وبعد إبطال بتر الجسد. فلن يقوى أحد أن يقف أمام العمق الروحي للديانة اليهوديّة. ويقول موجهاً كلامه لليهودي: «كن مرتاحاً جدّاً لأن الديانة اليهوديّة سوف تبقى رغم حذف الختان. ولا يحق لأي يهودي أن يلومك لأنك تبعت أوامر ضميرك التي تمنعك من عمل طقس دموي يمس بطفلك. فكن مرتاحاً وتمتّع بميلاد إبنك الرائع». وهذه ترجمة لهذا الطقس كما يقترحه.

يجتمع المدعوّون من العائلة والأصدقاء في بيت أهل الطفل بمناسبة طقس العهد. ويكون ترتيب الأشخاص الذين يوكّل لهم بعض الأدوار التشريفيّة بالإضافة إلى الطفل كما يلي:

- الرئيس الديني (الخزّان) الذي يقود الطقس

- السندك، وهو إمّا الجد أو الأب.

- راعي الطفل

- أب وأم الطفل

- العرَّاب: ينقل الطفل من العرَّابة إلى السندك

- العرَّابة: تحمل الطفل إلى داخل الغرفة

يبقى الحاضرون في غرفة منفصلة بينما العائلة والأصدقاء المدعوّون ينتظرون دخولهم الغرفة الرئيسيّة.

يدخل الرئيس الديني الغرفة الرئيسيّة ويبدأ بقراءة النص الآتي:

«وربط إبراهيم إبنه إسحاق وجعله على المذبح فوق الحطب ومد إبراهيم يده فأخذ السكّين ليذبح إبنه. فناداه ملاك الرب من السماء قائلاً: إبراهيم! قال: هاءنذا. قال: لا تمد يدك إلى الصبي ولا تفعل به شيئاً» (التكوين 11:22).

يبدأ الحضور دورة ويحضر الطفل مع آخرهم. فيقف الجميع ويقولون: «بروخ هابا، مبارك الآتي!»

الرئيس: «بروخ هابا، مبارك الآتي لعهد إبراهيم في اليوم الثامن. مبارك أنت يا رب إلهنا، ملك العالم، الذي قدّستنا بوصاياك. لقد إجتمعنا الآن لنرحّب بهذا المولود الجديد في عهدك وفي جماعة إسرائيل».

الأب والأم: «مبارك أنت يا رب إلهنا، ملك العالم، الذي وهبتنا الحياة وعضدتنا وسمحت لنا الوصول إلى هذا الموسم. مبارك أنت يا رب إلهنا، ملك العالم، الذي أمرتنا بالترحيب بابننا في عهدك. إن هذا الطفل الذي خلقته على صورتك كامل وسوي وتام. ونحن نعطيه عهد سلامك. آمين».

السندك مشيراً إلى كرسي إيليّا: «هذا كرسي النبي إيليّا الذي يُذكر كمحامي عن الأطفال».

ويمرّر الطفل من العرَّابة إلى العرَّاب ومنه إلى السندك الذي يجلس مع الطفل على كرسي إيليّا ويقول: «لقد قال الرب: وخدشاً من أجل ميّت لا تضعوا في أبدانكم، وكتابة وسم لا تضعوا فيكم» (الأحبار 28:19)»

الحضور: «إجعل اللهم هذا الطفل سعيداً في الدنيا، في قداسة هذا البيت وفي قداسة هذا المكان».

الأب والأم: «إنها بركة أن نكون مقدّسين بالأوامر وموكّلين للحفاظ على العهد. إنها بركة أن نكون مقدّسين بالأوامر وموكّلين للترحيب بطفلنا في عهد سارة وإبراهيم».

الجميع: «كما دخل العهد، كذلك ليدخل التوراة والمحبّة والسعادة».

يمسك الرئيس كأساّ من الخمر ويقول: «مبارك أنت يا رب إلهنا، ملك العالم، الذي تخلق ثمر هذا الخمر».

الجميع: «مبارك أنت يا رب إلهنا، ملك العالم، الذي تخلق ثمر هذا الخمر».

ويمرّر الرئيس كأس الخمر إلى العرَّابين اللذين يشربان منه ويقدّمانه إلى الأب والأم ليشربا منه أيضاً.

ويقول الرئيس: « مبارك طريق العالم، الذي قدّس الأطفال ووهبهم المحبّة من البطن ووضع قانون الدنيا على لحمنا وختم نسلنا بعلامة العهد المقدّس».

الأب والأم: «إننا نصلّي بأن يكبر طفلنا في عالم خال من العنف مليء بالفرح والسلام».

الجميع: «مقدّسون أنتم الذين إجتمعتم هنا للمشاركة في هذا العهد المقدّس».

يمسك السندك الطفل ويقول: «احمدوا الرب لأنه صالح، لأن للأبد رحمته (مزامير 1:18). ليكبر هذا الصغير. هيا بك إلى الأمام، انك كامل».

يعطي السندك الطفل إلى الأب والأم ويقول العرَّابان: «لينمو هذا الطفل مع أمّه وأبيه. وليكن إسمه معروفاً بيننا كفلان إبن فلان (يعطى الطفل إسماً عبريّاً كاملاً).

الجميع: «كما دخل العهد، كذلك ليدخل التوراة والمحبّة والسعادة».

الرئيس: «يباركنا الرب ويحفظنا ويضيء الرب بوجهه علينا ويرحمنا، ويرفع الرب وجهه نحونا ويمنحنا السلام. آمين».

الجميع: «عمل مبرور».

ثم تقام حفلة فرح وتقدّم المأكولات والمشروبات.

الفصل الخامس: ختان الإناث عند اليهود

1) ختان الإناث في الشرق الأوسط قديماً

هناك إشارات بأن المصريّين كانوا يمارسون ختان الإناث. وحتّى يومنا هذا ما زال يطلق على ختان الإناث في السودان إصطلاح الخفاض الفرعوني. ولكن لا توجد نقوش واضحة لختان الإناث على جدران المعابد والمقابر. وقد يكون سبب ذلك هو أن المصريّين القدامى لا يصوّرون أبداً إمرأة عارية. وهناك مظهر واحد في معبد خنسو الصغير في معبد الكرنك بالأقصر يقول الباحثون إنه قد يكون ختان لأنثى. فعلى الجانب الأيمن من التصوير عضو الذكر واضحاً ويقوم الخاتن بعمليّة الختان. وعلى الجانب الأيسر نشاهد ذراع الشخص المختون وقد أخفى الأعضاء التناسليّة الخارجيّة للطفل الثاني. ويقول العلماء إن ختان الفتاة لدى المصريّين القدماء كان يتم بإزالة البظر والشفرين الصغيرين [307] . وهناك برديّة كتبها باليونانيّة كاهن مصري يرجع تاريخها إلى عام 163 قَبل المسيح جاء فيها ذكر لختان الإناث. وتتضمّن البرديّة شكوى قدّمها شحاذ معتزل وقع ضحيّة إحتيال. فقد أودعت عنده فتاة مبلغ 1300 درهم. وجاءت أم الفتاة وطالبته بالوديعة لأن إبنتها بلغت عمر يتم فيه ختانها وبحاجة لملابس ومهر لزواج محتمل. وقد وعدته بأنها سوف تعيد المبلغ له إذا لم تجرِ للفتاة عمليّة الختان. وقد نكثت الأم بوعدها فطالبت الفتاة بوديعتها [308] . وتذكر «فران هوسكن» أن بعض الأثريين قد شاهدوا موميات مصريّة قديمة لإناث مختونات [309] . لكن هناك مراجع أخرى تقول بوجود موميات إناث غير مختونات.

ويقول الدكتور الأمين داوود، نقلاً عن الدكتور أنور أحمد حلواني من كلّية الطب بجامعة الخرطوم:

«الخفاض الفرعوني قديم جدّاً في السودان. ولقد إنحدرت هذه العادة مع الفتح الفرعوني ولا زالت تمارس إلى الآن» [310] .

وفي مكان آخر يقول:

«كانت عادة الخفاض الفرعوني عند الفراعنة القدماء، وبالأخص في عصر رمسيس قَبل الميلاد بأكثر من ألف سنة، ودخلت على السودان من طريق الفتوحات الفرعونيّة على بلاد النوبة. كما إن ملوك بلاد النوبة قد إستولوا على مصر، فانتشرت عادة الخفاض الفرعوني في وادي النيل» [311] .

ويرى الدكتور محمّد فيّاض أن القول بوجود ختان الإناث في مصر القديمة هو أكذوبة تفتري على المصريّين الفراعنة. ويضيف:

«إن ختان الأنثى لم يكن معروفاً لدى الفراعنة المصريّين، الذين حرصت حضارتهم وتحضّرهم على تكريم المرأة وتبجيلها. ليس فقط كملكة تَحكُم وإنّما كإلهة تُعبَد. وقد قضيت عشرات السنين أدرس مئات الكتب والمراجع عن الفراعنة، وأفحص البرديات الطبّية التي تعرّضت لكل ما يخص المرأة من أمراض وأعراض وعلاجات، فلم أجد إشارة واحدة إلى ختان الأنثى في أيّة أدبيات [...]. يبقى أن أقول إن هذا الربط الزائف بين الفراعنة وبين ختان الأنثى، ربّما يرجع إلى فترة الإنحطاط التي وقعت فيها مصر تحت إحتلال الأجانب الوافدين من إفريقيا. وكان طبيعيّاً أن تنتقل إليها في عهدهم بعض عاداتهم وممارساتهم، ومنها الختان» [312] .

2) ممارسة اليهود لختان الإناث وإنكارهم ذلك

ولكن ماذا عن ختان الإناث عند اليهود؟ لا يوجد أي ذكر في الكتب المقدّسة اليهوديّة لختان الإناث. ويرى جوزيف لويس أن ختان الذكور كان علامة تطهير للطفل الذكر من دنس أمّه بعد الولادة. وقد كان الختان أيضاً يمارس على الطفل الأنثى. إلاّ أن ختان الإناث قد قلّت ممارسة القبائل البدائيّة له لما ينطوي عليه من مشاق قد تسبّب الموت إذا قامت به يد غير دريّة. ولهذا إستعاضت التوراة عن خفاض الطفلة الأنثى بمضاعفة مدّة التكفير التي تكون الأم فيها نجسة ومضاعفة الزمن الذي تقيم فيه في دم تطهيرها (أنظر الأحبار فصل 12) [313] .

وعدم وجود نص في التوراة عن ختان الإناث لا يعني بحد ذاته أن اليهود لم يمارسوه. يقول «سترابو» الذي زار مصر عامي 25-23 قَبل المسيح بأن ختان الذكور والإناث كان يمارس على السواء عند المصريّين واليهود [314] . وفي مكان آخر، يعيد علينا القول إن عند اليهود عادة يحرسون عليها جدّاً وهي عادة ختان الإناث، موضّحاً بأنه يتم في هذه العمليّة قطع الشفرين الصغيرين [315] .

إلاّ أن الكتّاب اليهود في أيّامنا يرفضون ما قاله «سترابو» متعلّلين بنص لـ«فيلون» [316] يقول فيه إن المصريّين كانوا يختنون الذكور والإناث. ولكن الله لم يفرض على اليهود إلاّ ختان الذكور [317] . ولكن وجود أمر إلهي فقط بختان الذكور لا يعني بحد ذاته أن اليهود لم يمارسوا ختان الإناث على أساس العادة. والتوراة لا يوجد فيها ما يمنع ذلك. وليست كل العادات اليهوديّة جاء فيها نص توراتي.

وفي نفس المنهج، كتب أستاذ قانون إسرائيلي: «إن اليهوديّة لم تمارس أبداً ختان الإناث» [318] . وواضح أن هذا الأستاذ يتلاعب بالكلام. فإن كان صحيحاً أن اليهوديّة كشريعة لم تأمر بختان الإناث، إلاّ أن اليهود كمجموعة بشريّة مارسوا هذه العادة.

تقول المؤلّفة «اليزابيت جولد ديفس» أن اليهود ينكرون أنهم مارسوا الختان على بناتهم، ولكن هناك براهين تثبت العكس. وهي تستند إلى ما كتبه «ريتشارد بيرتون» في القرن الماضي بأن ختان الإناث كان جارياً بين اليهود الألمان حتّى أيّام «رابي جيرشون» (توفّى عام 1028) الذي إنتقده معتبراً ذلك عملاً مخزياً. وقد أضاف «بيرتون» بأن تلك العادة ما زالت سارية في بعض القبائل اليهوديّة في زمنه [319] .

ونلاحظ هنا أن اليهود الفلاشة من أصل حبشي يمارسون حتّى يومنا هذا ختان الإناث [320] . وقد نقل عنهم الرحّالة الاسكتلندي «جيمس بروس» في القرن الثامن عشر قولهم بأن ختان الإناث كان منتشراً في القدس على زمن الملك سليمان وأنهم كانوا يمارسونه هناك قَبل مجيئهم إلى الحبشة [321] . ويذكر هذا الرحّالة أن المبشّرين الكاثوليك قد منعوا ختان الإناث في مصر بين أتباعهم لاعتقادهم أنها عادة يهوديّة. ولنا عودة إلى هذا الحدث في القسم القادم. وقد سألت من خلال شبكة الانترنيت ما إذا كان اليهود الفلاشة ما زالوا على تلك العادة بعد ترحيلهم إلى إسرائيل، وإذا كان غيرهم من اليهود يمارسها. فكان رد الفعل من قِبَل اليهود هستيرياً. فمنهم من أنكر تماماً أن يكون اليهود قد مارسوا ختان البنات في أي عصر من العصور ورفضوا المصدر الذي ذكرته لهم وهو مصدر يهودي. وبعضهم قال بأن الفلاشة على كل حال ليسوا يهوداً.

من جهة أخرى شارك الأطبّاء اليهود مع غيرهم من الأطبّاء الغربيّين في بريطانيا والولايات المتّحدة في الدعاية لختان الإناث وممارسته بداية من القرن التاسع عشر، خاصّة تحت شعار مكافحة العادة السرّية التي كان الفكر اليهودي أحد دعائمها كما سنرى في الجدل الطبي. وقد رأينا في الفصل الأوّل كيف أن طبيباً أمريكياً يهوديّاً إسمه «راثمان» إبتكر عام 1959 آلة مثل الكمّاشة لبتر غلفة بظر المرأة [322] . وقد تعرّفّت شخصياً على سيّدة أستراليّة عمرها 23 سنة تم ختانها من قِبَل موهيل يهودي عندما كان عمرها 12 سنة بعدما إكتشف والدها، وهو طبيب يهودي، أنها تمارس العادة السرّية.

وهناك خبر صدر في جريدة الوفد القاهريّة تحت عنوان «إسرائيل تنظّم رحلات لإجراء عمليّات الختان والطهارة» يقول:

«في إسرائيل هناك نوع من الرحلات السياحيّة تسمّى رحلات الطهور وتتم تحت شعار «طهور الأولاد وختان البنات». وطرحت إسرائيل عدداً من برامجها السياحيّة في السوق الأمريكيّة لليهود الأمريكيّين لإتمام عمليّة طهارة الأولاد وختان البنات في إسرائيل على الطريقة اليهوديّة. إسرائيل نظّمت رحلات من هذا النوع لأكثر من ألف أسرة بأطفالها» [323] .

وهذا الخبر لم أتمكّن من التأكّد من صحّته. وقد وضعته على شبكة الانترنيت لمعرفة رأي اليهود فيه فكانت ردّة الفعل هستيريّة أيضاً رغم أنه كان يكفي أن يجيب القارئ بكلمة لا أو نعم أو لا أعرف. ومن بين الذين أجابوا رأوا في مجرّد السؤال إتّهام لليهود بممارسة ختان الإناث وهو، كما سبق وذكرنا، ينكره أكثرهم. ولكن رد الفعل الهستيري لا يعني بحد ذاته أن الخبر الصادر في جريدة الوفد صحيح. لا بل نحن نشك في صحّة جزئه الخاص بختان الإناث.

3) إشراك الإناث في طقس الختان الرمزي

وإذا تركنا جانباً محاولات اليهود إنكار ممارستهم ختان الإناث في الماضي والحاضر، نجد أن معارضي ختان الذكور قد إستبدلوا الختان الدموي الذي يجري على الذكور بختان رمزي يجرى على كل من الذكر والإناث أخذاً بمبدأ المساواة، كما رأينا في النقطة السابقة.

ولتفادي الإتّهام بعدم المساواة، يقترح أيضاً مؤيّدو ختان الذكور الدموي إقامة مراسيم دينيّة للإناث أسوة بالمراسيم الدينيّة التي تقام للذكور، ولكن دون أن يتم قطع أعضائها الجنسيّة. وقد برّروا إقتراحهم بالرجوع إلى التوراة. فالفصل السابع عشر من سفر التكوين الذي سن الختان للذكور يذكر أن الله غيّر إسم أبرام إلى إبراهيم (التكوين 5:17) واسم ساراي إلى سارة (التكوين 15:17) ولكن دون أن يسن الختان عليها. وعليه فإن بعض اليهود يقترحون أن يشارك الخاتن في اليوم الثامن من ميلاد الطفلة بمراسيم دينيّة يتم خلالها تسمية الطفلة وإدخالها العهد واعتبار دم حيضها كبديل لدم الطفل الذي يسال عند الختان. ومنهم من يقترح تغطّيس البنت كلّياً أو جزئيّاً في الماء كعلامة ميلاد جديد وذلك رجوعاً إلى نص من التلمود فُسِّر بأن سارة قد غسلت نفسها بعد حصولها على إسمها الجديد. وهناك أيضاً من يقترح أن تغسل أرجل البنت تعبيراً عمّا فعله إبراهيم مع ضيوفه عندما غسل أرجلهم (التكوين 4:18). ومنهم من يقترح أن يوضع حوض في وسط الأرض ويطلب من الحضور سكب كاس من الماء في هذا الحوض وغسل أرجل الطفلة فيه بينما يرتّل الجمع كلام النبي أشعيا: «وتستقون المياه من ينابيع الخلاص مبتهجين» (أشعيا 13:12). وفي هذه المناسبة، يمكن لأهل الطفلة أن يذكروا للجمع معنى الإسم العبري الذي أعطي للطفلة كما هو الأمر عند ختان الطفل [324] .

القسم الثاني: الختان في الفكر الديني المسيحي

هذا القسم ينقسم إلى خمسة فصول. الفصل الأوّل يستعرض نصوص الكتب المقدّسة لدى المسيحيّين حول ختان الذكور وموقف السيّد المسيح ورسله منه من خلال تلك النصوص. والفصل الثاني يبيّن موقف آباء الكنيسة واللاهوتيّين المسيحيّين أيضاً من ختان الذكور. وأمّا الفصلان الثالث والرابع، فنكرّسهما للجدل الديني حول كل من ختان الذكور والإناث بين مسيحيّي مصر والولايات المتّحدة. ونتكلّم في الفصل الخامس عن ظواهر مسيحيّة غريبة لها علاقة بالختان منها تكريم ختان المسيح وطائفة الخصيان في روسيا واستعمال الخصيان في ترانيم الكنيسة.

الفصل الأوّل: الختان في نصوص الكتب المقدّسة المسيحيّة

1) التعريف بالكتب المقدّسة المسيحيّة

يعترف المسيحيّون بالكتب المقدّسة اليهوديّة التي يطلقون عليها إسم «كتاب العهد القديم» وهم غير متّفقين على تعدادها. فبينما تنشر الكنيسة الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة 46 سفراً يهوديّاً، نجد أن نشرات الكتب المقدّسة في الكنائس الأخرى أقل عدداً، وخاصّة عند البروتستنت الذين، مثلهم مثل اليهود، لا يعترفون بأسفار طوبيا ويهوديت والمكابيين الأوّل والثاني والحِكمة ويشوع بن سيراخ، وباروك.

وللمسيحيّين كتب مقدّسة خاصّة بهم يطلقون عليها إسم «كتاب العهد الجديد تضم سبعة وعشرين سفراً هي: الأناجيل الأربعة (إنجيل متّى وإنجيل مرقص وإنجيل لوقا وإنجيل يوحنّا) وأعمال الرسل وأربع عشرة رسالة للقدّيس بولس ورسالة للقدّيس يعقوب، ورسالتين للقدّيس بطرس، وثلاث رسائل للقدّيس يوحنّا ورسالة للقدّيس يهوذا ورؤيا يوحنّا. والأناجيل الأربعة المسيحيّة تختلف عن القرآن لكونها سيرة المسيح وأقواله وليست كلاماً منزلاً بالمعنى الإسلامي. ونعيد القارئ إلى قائمة الكتب المقدّسة اليهوديّة والمسيحيّة في التنبيه الذي وضعناه في أوّل الكتاب.

وكما فعلنا في القسم الخاص باليهود، سوف نذكر هنا نصوص الكتب المقدّسة المسيحيّة التي تتكلّم عن الختان قبل أن نستعرض الجدل الذي دار حوله بين المسيحيّين في الماضي والحاضر.

2) نصوص الكتب المقدّسة المسيحيّة عن الختان

لوقا: الفصل 1

(57) أمّا اليصابات، فلمّا حان وقت ولادتها وضعت إبناً. (58) فسمع جيرانها وأقاربها بأن الرب رحمها رحمة عظيمة، ففرحوا معها. (59) وجاؤوا في اليوم الثامن ليختنوا الطفل وأرادوا أن يسمّوه زكريّا بإسم أبيه. (60) فتكلّمت أمّه وقالت: لا بل يسمّى يوحنّا.

لوقا: الفصل 2

(21) ولمّا إنقضت ثمانية أيّام فحان للطفل أن يختن، سمّي يسوع، كما سمّاه الملاك قبل أن يحبل به. (22) ولمّا حان يوم طهورهما بحسب شريعة موسى، صعدا به إلى أورشليم ليقدّماه للرب، (23) كما كُتب في شريعة الرب من أن كل بكر ذكر ينذر للرب. (24) وليقرّبا كما ورد في شريعة الرب: زوجي يمام أو فرخي حمام.

يوحنّا: الفصل 7

(19) لماذا تريدون قتلي؟ (20) أجاب الجمع: بك مس من الشيطان، فمن يريد قتلك؟ (21) أجاب يسوع: ما عملت إلاّ عملاً واحداً فتعجّبتم كلكم. (22) سن موسى فيكم الختان (ولم يكن الختان من موسى، بل من الآباء) فتختنون الإنسان يوم السبت. (23) فإذا كان الإنسان يتلقّى الختان يوم السبت لئلاّ تخالف شريعة موسى، أفتحنقون علي لأني أبرأت يوم السبت إنساناً بكل ما فيه؟ (24) لا تحكموا على الظاهر، بل احكموا بالعدل.

أعمال الرسل: الفصل 7

(51) [فقال استفانس لليهود:] يا صلاب القلوب، ويا غلف القلوب والآذان، إنكم تقاومون الروح القدس دائماً وأبداً، وكما كان آباؤكم فكذلك أنتم.

أعمال: الفصل 01

(1) كان في قيصريّة رجل إسمه قرنيليوس، قائد مائة من الكتيبة التي تدعى الكتيبة الإيطاليّة. (2) وكان تقياً يخاف الله هو وجميع أهل بيته، ويتصدّق على الشعب صدقات كثيرة، ويواظب على ذكر الله. (3) فرأى نحو الساعة الثالثة بعد الظهر في رؤيا واضحة ملاك الله يدخل عليه ويقول له: يا قرنيليوس (4) فحدّق إليه، فاستولى عليه الخوف فقال: ما الخبر سيّدي؟ فقال له: إن صلواتك وصدقاتك قد صعدت ذِكراً عند الله. (5) فأرسل الآن رجالاً إلى يافا وادعُ سمعان الذي يلقّب بطرس (6) فهو نازل عند دبّاغ إسمه سمعان. وبيته على شاطئ البحر. (7) فلمّا إنصرف الملاك الذي كلّمه، دعا إثنين من خدمه وجندياً تقياً ممّن كانوا يلازمونه، (8) وروى لهم الخبر كلّه وأرسلهم إلى يافا. (9) فبينما هم سائرون في الغد وقد إقتربوا من المدينة، صعد بطرس إلى السطح نحو الظهر ليصلّي، (10) فجاع فأراد أن يتناول شيئاً من الطعام. وبينما هم يعِدّون له الطعام، أصابه جذب. (11) فرأى السماء مفتوحة، ووعاء كسماط عظيم نازلاً يتدلّى إلى الأرض بأطرافه الأربعة. (12) وكان فيه من جميع ذوات الأربع وزحّافات الأرض وطيور السماء. (13) وإذا صوت يقول له: قم يا بطرس فاذبح وكل. (14) فقال بطرس: حاشى لي يا رب، لم آكل قط نجساً أو دنساً. (15) فعاد إليه صوت فقال له ثانياً: ما طهّره الله لا تنجّسه أنت. (16) وحدث ذلك ثلاث مرّات. ثم رُفع الوعاء من وقته إلى السماء. (17) فتحيّر بطرس وأخذ يسائل نفسه ما تعبير الرؤيا التي رآها. وإذا الرجال الذين أرسلهم قرنيليوس، وكانوا قد سألوا عن بيت سمعان، وقفوا بالباب (18) ونادوا مستخبرين أنازل بالمكان سمعان الملقّب بطرس. (19) وبينما بطرس يفكّر في الرؤيا، قال له الروح: هناك ثلاثة رجال يطلبونك. (20) فقم فانزل إليهم واذهب معهم غير متردّد، فإني أنا أرسلتهم. [...] (23) فدعاهم وأضافهم وفي الغد قام فمضى معهم، ورافقهم بعض الإخوة من يافا، (24) فدخل قيصريّة في اليوم الثاني. وكان قرنيليوس ينتظرهم وقد دعا أقاربه وأخص أصدقائه. (25) فلمّا دخل بطرس إستقبله قرنيليوس وارتمى على قدميه ساجداً له. (26) فأنهضه بطرس وقال: قم، فإني نفسي أيضاً بشر. (27) ودخل وهو يحادثه، فوجد جماعة من الناس كثيرة. (28) فقال لهم: تعلمون أنه حرام على اليهودي أن يعاشر أجنبياً أو يدخل منزله. أمّا أنا فقد بيّن الله لي أنه لا ينبغي أن أدعو أحداً من الناس نجساً أو دنساً. (29) فلمّا دعيت جئت ولم أعترض. فأسألكم ما الذي حملكم على أن تدعوني. (30) فقال له قرنيليوس: كنت قَبل أربعة أيّام في مثل هذا الوقت أصلّي في بيتي عند الساعة الثالثة بعد الظهر، وإذا رجل عليه ثياب برّاقة قد حضر أمامي (31) وقال: يا قرنيليوس، سُمعت صلواتك وذُكرت لدى الله صدقاتك، (32) فارسل إلى يافا، وادعُ سمعان الملقّب بطرس، فهو نازل في بيت سمعان الدبّاغ على شاطئ البحر. (33) فأرسلت إليك لوقتي، وأنت أحسنت صنعاً في مجيئك. ونحن الآن جميعاً أمام الله لنسمع ما أمرك به الرب. (34) فشرع بطرس يقول: أدركت حقاً أن الله لا يُراعي ظاهر الناس (35) فمن إتّقاه من أيّة أمّة كانت وعمل البر كان عنده مرضيّاً [...] (44) وكان بطرس لا يزال يروي هذه الأمور، إذ نزل الروح القدس على جميع الذين سمعوا كلمة الله. (45) فدهش المؤمنون المختونون الذين رافقوا بطرس، ذلك أن موهبة الروح القدس قد أفيضت على الوثنيّين أيضاً. (46) فقد سمعوهم يتكلّمون بلغات غير لغتهم ويعظّمون الله. فقال بطرس: (47) أيستطيع أحد أن يمنع هؤلاء من ماء المعموديّة وقد نالوا الروح القدس مثلنا؟ (48) ثم أمر أن يعتمدوا بإسم يسوع المسيح. فسألوه أن يقيم عندهم بضعة أيّام.

أعمال: الفصل 11

(1) وسمع الرسل والإخوة في اليهوديّة أن الوثنيّين أيضاً قَبلوا كلمة الله (2) فلمّا صعد بطرس إلى أورشليم، أخذ المختونون يخاصمونه. (3) قالوا: لقد دخلت إلى أناس غلف وأكلت معهم. (4) فشرع بطرس يعرض لهم الأمر عرضاً مفصّلاً قال: (5) كنت أصلّي في مدينة يافا. فأصابني جذب فرأيت رؤيا، فإذا وعاء هابط كسماط عظيم يتدلّى من السماء بأطرافه الأربعة حتّى إنتهى إلي. (6) وحدّقت إليه وأمعنت النظر فيه فرأيت ذوات الأربع التي في الأرض والوحوش والزحّافات وطيور السماء. (7) وسمعت صوتاً يقول لي: قم يا بطرس فاذبح وكل. (8) فقلت: حاش لي يا رب، لم يدخل فمي قط نجس أو دنس (9) فعاد صوت من السماء فقال ثانياً: ما طهّره الله لا تنجّسه أنت. (10) وحدث ذلك ثلاث مرّات، ثم رفع كلّه إلى السماء. (11) وإذا ثلاثة رجال قد وقفوا في الوقت نفسه بباب البيت الذي كنّا فيه. وكانوا مرسلين إلي من قيصريّة (12) فأمرني الروح أن أذهب معهم غير متردّد. فرافقني هؤلاء الإخوة الستّة. فدخلنا بيت الرجل [قرنيليوس]. (13) فأخبرنا كيف رأى الملاك يمثّل في بيته ويقول له: أرسل إلى يافا وادعُ سمعان الملقّب بطرس. (41) فهو يروي لك أموراً تنال بها الخلاص أنت وجميع أهل بيتك. (15) فما شرعت أتكلّم حتّى نزل الروح القدس عليهم كما نزل علينا في البدء. (16) فتذكّرت كلمة الرب إذ قال: إن يوحنّا عمّد بالماء وأمّا أنتم فستعمّدون في الروح القدس. (17) فإن كان الله قد وهب لهم مثل ما وهب لنا، لأننا آمنّا بالرب يسوع المسيح، هل كان في إمكاني أنا أن امنع الله. (18) فلمّا سمعوا ذلك، هدأوا ومجّدوا الله وقالوا: قد وهب الله إذا للوثنيّين أيضاً التوبة التي تؤدّي إلى الحياة.

أعمال: الفصل 15

(1) ونزل أناس من اليهوديّة وأخذوا يلقّنون الإخوة فيقولون: إذا لم تختتنوا على سُنّة موسى، لا تستطيعون أن تنالوا الخلاص. (2) فوقع بينهم وبين بولس وبرنابا خلاف وجدال شديد. فعزموا على أن يصعد بولس وبرنابا وأناس آخرون إلى أورشليم حيث الرسل والشيوخ للنظر في هذا الخلاف. (3) فشيّعتهم الكنيسة. فاجتازوا فينيقيّة والسامرة يروون خبر إهتداء الوثنيّين، فيُفرحون الإخوة كلّهم فرحاً عظيماً. (4) فلمّا وصلوا إلى أورشليم رحّبت بهم الكنيسة والرسل والشيوخ، فأخبروهم بكل ما أجرى الله معهم. (5) فقام أناس من الذين كانوا على مذهب الفرّيسيين ثم آمنوا، فقالوا: يجب ختن الوثنيّين وتوصيتهم بالحفاظ على شريعة موسى. (6) فاجتمع الرسل والشيوخ لينظروا في هذه المسألة. (7) وبعد جدال طويل قام بطرس وقال لهم: أيها الإخوة، تعلمون أن الله إختار عندكم منذ الأيّام الأولى أن يَسمع الوثنيّون من فمي كلمة البشارة ويؤمنوا. (8) والله العليم بما في القلوب قد شهد لهم فوهب لهم الروح القدس كما وهبه لنا. (9) فلم يفرّق بيننا وبينهم في شيء، وقد طهّر قلوبهم بالإيمان. (10) فلماذا تجرّبون الله الآن بأن تجعلوا على أعناق التلاميذ نيراً لم يقوَ آباؤنا ولا نحن قوينا على حمله؟ (11) فنحن نؤمن أننا بنعمة الرب يسوع ننال الخلاص كما ينال الخلاص هؤلاء أيضاً. (12) فسكت الجماعة كلّهم وأخذوا يستمعون إلى برنابا وبولس يرويان لهم ما أجرى الله عن أيديهما من الآيات والأعاجيب بين الوثنيّين. (13) فلمّا إنتهيا تكلّم يعقوب فقال: أيها الإخوة، إستمعوا لي. (14) روى لكم سمعان كيف عني الله أوّل الأمر بأن يتّخذ شعباً لإسمه من بين الوثنيّين. (15) وهذا يوافق كلام الأنبياء كما ورد في الكتاب [...] (19) ولذلك فإني أرى ألاّ يُضَيَّق على الذين يهتدون إلى الله من الوثنيّين، (20) بل يكتب إليهم أن يجتنبوا نجاسة الأصنام والزنى والميّتة والدم. (21) فإن لموسى منذ الأجيال القديمة دعاة في كل مدينة، فهو يُقرأ كل سبت في المجامع. (22) فحسن لدى الرسل والشيوخ، ومعهم الكنيسة كلّها، أن يختاروا أناساً منهم، فيوفدوهم إلى إنطاكية مع بولس وبرنابا. فاختاروا يهوذا الذي يقال له برسابا، وسيلا، وهما رجلان وجيهان بين الإخوة. (23) وسلّموا إليهم هذه الرسالة: من إخوتكم الرسل والشيوخ إلى الإخوة المهتديّن من الوثنيّين في إنطاكية وسوريّة وقيليقية، سلام. (24) بلغنا أن أناساً منّا أتوكم فالقوا بينكم الإضطراب بكلامهم وبعثوا القلق في نفوسكم، على غير توكيل منّا. (25) فحَسُن لدينا بالإجماع أن نختار رجلين نوفدهما إليكم مع الحبيبين برنابا وبولس، (26) هما رجلان بذلا حياتهما من أجل إسم ربّنا يسوع المسيح. (27) فأرسلنا يهوذا وسيلا ليبلغانكم الأمور نفسها مشافهة. (28) فقد حَسُن لدى الروح القدس ولدينا ألاّ يلقى عليكم من الأعباء سوى ما لا بد منه، (29) وهو اجتناب ذبائح الأصنام والدم والميّتة والزنى. فإذا احترستم منها تحسنون عملاً. عافاكم الله.

أعمال: الفصل 16

(1) وقدم [بولس] دربة ثم لسترة، وكان فيها تلميذ إسمه طموتاوس، وهو إبن يهوديّة مؤمنة وأب يوناني (2) وكان الإخوة في لسترة وايقونية يشهدون له شهادة حسنة. (3) فرغب بولس أن يمضي معه فذهب به وختنه بسبب اليهود الذين في تلك الأماكن، فقد كانوا يعلمون أن أباه يوناني.

أعمال الرسل: الفصل 21

(18) وفي الغد دخل بولس معنا إلى يعقوب، وكان الشيوخ كلّهم حاضرين. (19) فسلّم عليهم وأخذ يروي لهم رواية مفصّلة جميع ما أجرى الله بخدمته بين الوثنيّين. (20) فلمّا سمعوا مجّدوا الله وقالوا له: أنت ترى، أيها الأخ، كم ألف من اليهود قد آمنوا وكلّهم ذو غيرة على الشريعة (21) وقد بلغهم ما يشاع عنك من أنك تُعَلِّم جميع اليهود المنتشرين بين الوثنيّين أن يتخلّوا عن موسى، وتوصيهم بألاّ يختنوا أولادهم ولا يتّبعوا السُنّة. (22) فما العمل؟ لا شك أنهم سيسمعون بقدومك. (23) فافعل بما نقول لك. فينا أربع رجال عليهم نذر (24) فسِر بهم واطهّر معهم، وانفق عليهم ليحلقوا رؤوسهم، فيعرف جميع الناس أن ما يشاع عنك باطل، في حين أنك سالك مثلهم طريق الحفاظ على الشريعة. (25) أمّا الذين آمنوا من الوثنيّين فقد كتبنا إليهم ما قرّرناه: بأن يجتنبوا ذبائح الأصنام والدم والميّتة والزنى.

رومية: الفصل 2

(25) لا شك أن في الختان فائدة إن عملت بالشريعة، ولكن إذا خالفت الشريعة فقد صار ختانك غلفاً. (26) وإن كان الأغلف يراعي أحكام الشريعة، أفما يعد غلفه ختاناً؟ (27) فأغلف الجسد الذي يعمل بالشريعة سيدينك أنت الذي يخالف الشريعة ومعه حروف الشريعة والختان. (28) فليس اليهودي بما يبدو في الظاهر، ولا الختان بما يبدو في ظاهر الجسد (29) بل اليهودي هو بما في الباطن، والختان ختان القلب العائد إلى الروح، لا إلى حرف الشريعة. ذلك هو الرجل الذي ينال الثناء من الله، لا من الناس.

رومية: الفصل 3

(1) فما فضل اليهودي إذاً؟ وما الفائدة من الختان؟ (2) هي كبيرة من كل وجه. وأوّلها أنهم ائتمنوا على كلام الله (3) فماذا يكون؟ إن خان بعضهم أفتبطل خيانتهم أمانة الله؟ [...] (27) فأين السبيل إلى الافتخار؟ لا مجال له. وبأي شريعة؟ أبشريعة الأعمال؟ لا، بل بشريعة الإيمان (28) ونحن نرى أن الإنسان يبرّر بالإيمان بمعزل عن أعمال الشريعة. (29) أو يكون الله إله اليهود وحدهم؟ أما هو إله الوثنيّين أيضاً؟ بلى، هو إله الوثنيّين أيضاً. (30) لأن الله أحد، بالإيمان يبرّر المختون وبالإيمان يبرّر الأغلف.

رومية: الفصل 4

(1) فماذا نقول في جدّنا إبراهيم؟ ماذا نال من جهة الجسد؟ (2) فلو نال إبراهيم البر بالأعمال لكان له سبيل إلى الافتخار بذلك، ولكن ليس عند الله. (3) فماذا يقول الكتاب؟ «إن إبراهيم آمن بالله فحسب له ذلك براً» (التكوين 51:6). (4) فمن قام بعمل، لا تحسب أجرته نعمة بل حقاً، (5) في حين أن الذي لا يقوم بعمل، بل يؤمن بمن يبرّر الكافر، فإيمانه يحسب براً. (6) وهكذا يشيد داود بسعادة الإنسان الذي ينسب الله إليه البر بمعزل عن الأعمال: (7) «طوبى للذين عُفي عن آثامهم وغفرت لهم خطاياهم! (8) طوبى للرجل الذي لا يحاسبه الرب بخطيئة» (مزامير 1:32-2). (9) أفهذه الطوبى للمختونين فقط أم للغلف أيضاً؟ فإننا نقول: إن الإيمان حسب لإبراهيم براً. (10) ولكن كيف حسب له؟ أفي الختان أم في الغلف؟ لا في الختان، بل في الغلف. (11) وقد تلقّى سمة الختان خاتماً للبر الذي يأتي من الإيمان وهو أغلف، فأصبح أباً لجميع المؤمنين الذين في الغلف، لكي ينسب إليهم البر، (12) وأباً لأهل الختان الذين ليسوا من أهل الختان فحسب، بل يقتفون أيضاً آثار الإيمان الذي كان عليه أبونا إبراهيم وهو في الغلف. (13) فالوعد الذي وُعِده إبراهيم أو نسله بأن يرث العالم لا يعود إلى الشريعة، بل إلى بر الإيمان.

رومية: الفصل 15

(1) فعلينا نحن الأقوياء أن نحمل ضعف الذين ليسوا بأقوياء ولا نسع إلى ما يطيب لأنفسنا. (2) وليسع كل واحد منّا إلى ما يطيب للقريب في سبيل الخير من أجل البنيان. (3) فالمسيح لم يطلب ما يطيب له، بل كما ورد في الكتاب: «تعييرات معيّريك وقعت علي» (المزامير 10:69). (4) فإن كل ما كتب قَبلاً إنّما كتب لتعليمنا حتّى نحصل على الرجاء، بفضل ما تأتينا به الكتب من الثبات والتشديد. (5) فليعلّمكم إله الثبات والتشديد إتّفاق الآراء فيما بينكم كما يشاء المسيح يسوع، (6) لتمجّدوا الله أبا ربّنا يسوع المسيح بقلب واحد ولسان واحد. (7) فتقبّلوا إذاً بعضكم بعضاً، كما تقبّلكم المسيح، لمجد الله. (8) وإني أقول إن المسيح صار خادم أهل الختان ليفي بصدق الله ويثبت المواعد التي وعد بها الآباء. (9) أمّا الوثنيّون فيمجّدون الله على رحمته كما ورد في الكتاب: «من أجل ذلك سأحمدك بين الوثنيّين وأرتّل لإسمك» (2 صموئيل 50:22).

1 قورنتس: الفصل 7

(17) فليسر كل واحد في حياته على ما قسم له الرب كما كان عليه إذ دعاه الله. وهذا ما أفرضه في الكنائس كلّها. (18) أدعي أحد وهو مختون؟ فلا يحاولن إزالة ختانه. أدعي أحد وهو أغلف؟ فلا يطلبن الختان. (19) ليس الختان بشيء ولا الغلف بشيء. بل الشيء هو حفظ وصايا الله. (20) فليبق كل واحد على الحال التي كان فيها حين دعي.

غلاطية: الفصل 2

(1) ثم إني بعد أربع عشرة سنة صعدت ثانية إلى أورشليم مع برنابا واستصحبت طيطس أيضاً. (2) وكان صعودي إليها بوحي. وعرضت عليهم البشارة التي أعلنها بين الوثنيّين، وعرضتها في إجتماع خاص على الأعيان، مخافة أن أسعى أو أكون قد سعيت عبثاً. (3) على أن رفيقي طيطس نفسه، وهو يوناني، لم يُلزم الختان. (4) وإلاّ لكان ذلك بسبب الإخوة الكذّابين المتطفّلين الذين دسّوا أنفسهم بيننا ليتجسّسوا حرّيتنا التي نحن عليها في المسيح يسوع فيستعبدونا. (5) ولم نذعن لهم خاضعين ولو حيناً لتبقى لكم حقيقة البشارة. (6) أمّا الأعيان - ولا يهمّني ما كان شأنهم: إن الله لا يحابي أحداً من الناس - فإن الأعيان لم يفرضوا علي شيئاً آخر. (7) بل رأوا أنه عُهد إلي في تبشير الغُلف كما عهد إلى بطرس في تبشير المختونين. (8) لأن الذي أيّد بطرس للرسالة لدى المختونين أيّدنى أنا أيضاً في أمر الوثنيّين. (9) ولمّا عرف يعقوب وبطرس ويوحنّا، وهم يحسبون أعمدة الكنيسة، ما أعطيت من نعمة، مدّوا إلي والى برنابا يُمنى المشاركة، فنذهب نحن إلى الوثنيّين وهم إلى المختونين، (10) بشرط واحد وهو أن نتذكّر الفقراء، وهذا ما إجتهدت أن أقوم به. (11) ولكن لمّا قدم بطرس إلى إنطاكية، قاومته وجهاً لوجه لأنه كان يستحق اللوم: (12) ذلك أنه، قبل أن يقدم قوم من عند يعقوب، كان يؤاكل الوثنيّين. فلمّا قدموا أخذ يتوارى ويتنحّى خوفاً من أهل الختان.

غلاطية: الفصل 3

(23) فقبل أن يأتي الإيمان، كنّا بحراسة الشريعة مغلقاً علينا من أجل الإيمان المنتظر تجلّيه. (24) فصارت الشريعة لنا حارساً يقودنا إلى المسيح لنبرّر بالإيمان. (25) فلمّا جاء الإيمان، لم نبق في حُكم الحارس. (26) لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع. (27) فإنكم جميعاً، وقد إعتمدتم في المسيح، قد لبستم المسيح: (28) فليس هناك يهودي ولا يوناني، وليس هناك عبد أو حر، وليس هناك ذكر وأنثى، لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع. (29) فإذا كنتم للمسيح فأنتم إذا نسل إبراهيم وأنتم الورثة وفقاً للوعد.

غلاطية: الفصل 5

(1) إن المسيح قد حرّرنا تحريراً. فاثبتوا إذاً ولا تدعوا أحداً يعود بكم إلى نير العبوديّة. (2) فهاءنذا بولس أقول لكم: إذا إختتنتم، فلن يفيدكم المسيح شيئاً. (3) وأشهد مرّة أخرى لكل مختتن بأنه ملزم بعمل الشريعة جمعاء. (4) لقد إنقطعتم عن المسيح، أنتم الذين يلتمسون البر من الشريعة، وسقطتم عن النعمة. (5) فنحن بالروح ننتظر ما نرجوه من البر الآتي من الإيمان. (6) ففي المسيح يسوع لا قيمة للختان ولا للغلف، وإنّما القيمة للإيمان العامل بالمحبّة [...] (12) ليت الذين يثيرون الإضطرابات بينكم يجبّون أنفسهم.

غلاطية: الفصل 6

(12) إن أولئك الذين يريدون تبييض وجوههم في الأمور البشريّة هم الذين يلزمونكم الختان، وما ذلك إلاّ ليأمنوا الإضطهاد في سبيل صليب المسيح (13) فإن المختتنين أنفسهم لا يحفظون الشريعة، ولكنّهم يريدون أن تختتنوا ليفاخروا بجسدكم. (14) أمّا أنا فمعاذ الله أن أفتخر إلاّ بصليب ربّنا يسوع المسيح! وفيه أصبح العالم مصلوباً عندي. وأصبحت أنا مصلوباً عند العالم. (15) فما الختان بشيء ولا الغلف بشيء، بل الشيء هو الخلق الجديد.

فيلبّي: الفصل 3

(2) إحذروا الكلاب. إحذروا العملة الأشرار. إحذروا ذوي الختان. (3) فإنّما نحن ذوو الختان الذين يؤدّون العبادة بروح الله ويفتخرون بالمسيح يسوع، ولا يعتمدون على الأمور البشريّة. (4) مع أنه من حقّي أنا أيضاً أن أعتمد عليها أيضاً. فإن ظن غيري أن من حقّه الإعتماد على الأمور البشريّة، فأنا أحق منه بذلك: (5) إني مختون في اليوم الثامن، وأني من بني إسرائيل، من سبط بنيامين.

قولُسّي: الفصل 2

(11) وفي [المسيح] ختنتم ختاناً لم يكن فعل الأيادي، بل بخلع الجسد البشري، وهو ختان المسيح. (12) ذلك أنكم دفنتم معه بالمعموديّة وبها أيضاً أقمتم معه، لأنكم آمنتم بقدرة الله الذي أقامه من بين الأموات. (13) كنتم أمواتاً أنتم أيضاً بزلاّتكم وغلف أجسادكم فأحياكم الله معه وصفح لنا عن جميع زلاّتنا.

قولُسّي: الفصل 3

(8) القوا عنكم أنتم أيضاً كل ما فيه غضب وسخط وخبث وشتيمة، لا تنطقوا بقبيح الكلام (9) ولا يكذّب بعضكم بعضاً، فقد خلعتم الإنسان القديم وخلعتم معه أعماله، (10) ولبستم الإنسان الجديد، ذاك الذي يُجدّد على صورة خالقه ليصل إلى المعرفة. (11) فلم يبق هناك يوناني أو يهودي، ولا ختان أو غلف، ولا أعجمي ولا أسكوتي، ولا عبد أو حر، بل المسيح الذي هو كل شيء وفي كل شيء.

طيطس: الفصل 1

(10) هناك كثير من العصاة الثرثارين المخادعين، وخصوصاً من المختونين. (11) فعليك أن تكم أفواههم لأنهم يهدمون أسراً بجملتها، إذ يُعلِّمون ما لا يجوز تعليمه، من أجل مكسب خسيس.[...] (13) [...] فلذلك وبّخهم بشدّة ليكونوا أصحّاء الإيمان (14) ولا يُعنوا بخرافات يهوديّة ووصايا قوم يعرضون عن الحق. (15) كل شيء طاهر للأطهار، وأمّا الأنجاس وغير المؤمنين فما لهم من شيء طاهر، بل إن أذهانهم وضمائرهم نجسة.

هذه هي إذاً النصوص التي جاءت في الكتب المقدّسة المسيحيّة حول ختان الذكور. ولا ذكر فيها لختان الإناث. والآن سوف نستعرض الجدل الديني الذي دار وما زال يدور بين المسيحيّين حول الختان. ونبدأ بموقف المسيح.

3) موقف المسيح من الختان

لقد إنفرد لوقا بذكر خبر ختان يوحنّا المعمدان (النبي يحيى حسب القرآن) وختان المسيح (النبي عيسى حسب القرآن) كما سنّت عليه التوراة (أنظر أعلاه لوقا الفصل 1 و2). وهذا الخبر لم يأتِ ذكره في الأناجيل الثلاثة الأخرى.

لا نجد موقفاً واضحاً للمسيح حول الختان ولكن يمكن إستشفاف موقفه من خلال نظرته للشريعة اليهوديّة. فهو يقول: «ولا تظنّوا إني جئت لأبطل الشريعة أو الأنبياء: ما جئت لأبطل بل لأكمّل» (متّى 17:5). ورغم ذلك فإنه قد ألغى شريعة العين بالعين والسن بالسن (متّى 38:5-39) ورفض تطبيق حد الرجم على الزانية (يوحنّا 3:8-11). ولم يحترم حرمة السبت (متّى 1:12-2) معتبراً أن الله يريد «الرحمة لا الذبيحة» (متّى 7:12)، مردّداً بذلك مقولة النبي هوشع (6:6) ومعتبراً أن «إبن الإنسان سيّد السبت» (متّى 8:12). وهدم نظام التعالي الذي رافق الختان. فبدأ بالتمرّد على رجال الدين الذين وصفهم بـ«العميان الجهّال» (متّى 17:23)، طالباً من تلاميذه: «لا تدَعوا أحداً يدعوكم رابي [...]. وليكن أكبركم خادماً لكم» (متّى 8:23-11). وأكل مع الخطاة (متّى 10:9-11)، ودخل بيت زكا العشّار (لوقا 7:19)، وتحدّث مع السامريّة (يوحنّا 9:4)، ومدح شكر الأجنبي له (لوقا 18:17)، وعظَّم إيمان المرأة الكنعانيّة وإيمان قائد المائة الروماني (متّى 10:8؛ 28:15). وقد وصل به الأمر إلى سن محبّة الأعداء (متّى 44:5). كما أنه غيَّر مفهوم الطهارة في الطعام: «ما من شيء خارج من الإنسان إذا دخل الإنسان ينجّسه، ولكن ما يخرج من الإنسان هو الذي ينجّسه» (مرقس 15:7)، أي ما يقوله وما يسيء به إلى قريبه (مرقص 20:7-22). وعلّق مرقس على هذا القول: «وفي قوله ذلك جعل الأطعمة كلّها طاهرة» (مرقس 19:7). فالنجاسة، حسب قوله، ليست ما يدخل الفم بل ما يخرج منه وينبعث من القلب، أي «المقاصد السيّئة والقتل والزنى والفحش والسرقة وشهادة الزور والشتائم. تلك هي الأشياء التي تنجّس الإنسان. أمّا الأكل بأيد غير مغسولة فلا ينجّس الإنسان» (متّى 15: 18-20).

هذا الموقف من الشريعة اليهوديّة ورجال الدين اليهود قد يساعدنا في تفسير رد المسيح على من إعترضوا على إبرائه مريضاً يوم السبت بأن اليهود تختن يوم السبت، وطلبه منهم أن يكون حُكمهم ليس بحسب الظاهر (أنظر أعلاه يوحنّا الفصل 7). فالظاهر لا يمكن أن يرتكز عليه للحُكم على أحد. ونحن نجد نفس التعبير لرفض الختان في أعمال الرسل على لسان بطرس عندما دعي إلى بيت قرنيليوس (أنظر أعلاه أعمال الرسل 34:10-35) وفي إحدى رسائل بولس (أنظر أعلاه رومية 28:2).

هذا ونجد قولاً للسيّد المسيح في إنجيل توما يؤكّد على رفض المسيح للختان: «فسأله تلاميذه: هل الختان مفيد أم لا؟ فأجابهم: لو كان مفيداً لكان خلقهم أباهم مختونين من أمّهاتهم. ولكن الختان الحقيقي الذي فيه كل الفائدة هو ختان الروح» [325] . وإنجيل توما هذا مكتوب باللغة القبطيّة تم إكتشافه في نجع حمادي (مصر). وهو أحد الأناجيل التي لم تعترف بها الكنيسة الرسميّة. ويعتبره بعض الباحثين أحد أصول الأناجيل الحاليّة والبعض الآخر يعتبره من وضع تيّار ديني مسيحي منشق.

وإذا إستثنينا ما جاء في إنجيل توما من رفض قاطع للختان، يمكننا القول إن المسيح لم يتعرّض للختان مباشرة إذ لم يطرح الأمر عليه. ولكنّه مهّد الطريق لرسله لكي يلغوا الختان عندما أخذوا بتبشير غير اليهود حسب وصيته لهم (متّى 19:28). فعالميّة تعاليم المسيح لم تكن تتماشى مع قبليّة شريعة موسى ومع تسلّط رجال الدين اليهود في مواجهة مجتمع تغلغلت فيه الفلسفة اليونانيّة والثقافة الرومانيّة المتوجّهة لخرط جميع الشعوب في بوتقة واحدة. وهذا ما سنراه في النقطة اللاحقة.

4) موقف رسل المسيح من الختان

نشر رسل المسيح تعاليمه بين اليهود وبين الوثنيّين. وقد أطلق أتباع المسيح من اليهود على أنفسهم لقب «النصارى» نسبة إلى المسيح الذي كان يلقّب بالناصري لأنه من مدينة الناصرة. وهم رغم إتّباعهم المسيح يحافظون أيضاً على شرائع موسى، خاصّة شريعة الختان. أمّا أتباع المسيح من الوثنيّين، فقد أطلقوا على أنفسهم لقب «المسيحيّين». وهذه الطائفة ترفض الختان، خاصّة أن القوانين الرومانيّة كانت تعاقب غير اليهود على ممارسة هذه العادة كما سنرى في الجزء القانوني. وقد بقيت الطائفتان منفصلتين ومتخاصمتين حتّى تغلّبت الطائفة المسيحيّة بتحوّل الإمبراطوريّة الرومانيّة من الوثنيّة إلى المسيحيّة في القرن الرابع.

وقد إصطدم رسل المسيح بموضوع الختان في بداية تبشيرهم كما يبيّنه لنا سفر أعمال الرسل من خلال عدّة أحداث نذكرها بالتسلسل:

الحدث الأوّل (الفصل 7) يعرض لنا إستشهاد اسطفانس رجماً من قِبَل مجلس الكهنة اليهود بعد أن إتّهمهم بأنهم «صلاب القلوب»، و«غلف القلوب والآذان» وانهم خونة وقتلة الأنبياء مثل آبائهم. وكان بين الحاضرين شاب إسمه شاول (أعمال 58:7)، معروف عنه غيرته على شريعة موسى واضطهاده اليهود الذين تبعوا تعاليم المسيح [326] . وبينما كان في طريقه إلى دمشق لاضطهاد أتباع المسيح من اليهود هناك بتفويض من رئيس كهنة اليهود، حدث له حدث غريب. فقد رأى نوراً ساطعاً وسمع صوت المسيح يسأله: «لماذا تضطهدني»؟ وبعد هذه الحادثة، تنصّر شاول (أعمال 1:9-18) وغيّر إسمه فدعي بولس وقام بدور رئيسي في نشر تعاليم المسيح بين الوثنيّين وفي إلغاء الختان.

الحدث الثاني (الفصلان 10 و11) يتعلّق بتلبية دعوة وجّهها إلى بطرس رجل روماني، وثني، إسمه قرنيليوس، قائد مائة من الكتيبة الإيطاليّة المتمركزة في مدينة قيصريّة في فلسطين، فعمّده هو وأهل بيته. ولكن أتباع المسيح من اليهود عاتبوا بطرس لأنه دخل في بيت أناس غلف وأكل معهم رغم أنه يعلم بأنه «حرام على اليهودي أن يعاشر أجنبياً أو يدخل منزله». وقد برّر بطرس قبوله دعوة قرنيليوس بسرد رؤيا رآها قَبل وصول مبعوثي قرنيليوس إليه. فقد رأى وعاءاً هابطاً كسماط عظيم يتدلّى من السماء بأطرافه الأربعة فيه من جميع أنواع الحيوانات وقد سمع صوتاً يقول له: قم يا بطرس فاذبح وكل. فأجاب: حاش لي يا رب، لم يدخل فمي قط نجس أو دنس. فجاء رد من السماء: ما طهّره الله لا تنجسه أنت. وقد تكرّر هذا الأمر ثلاث مرّات. ثم أضاف أن ذهابه إلى قرنيليوس كان بأمر من الروح القدس، وأن من دعاه قد نال موهبة الروح القدس، وأنه، أي بطرس، قد سأل مرافقيه من المختونين: أيستطيع أحد أن يمنع هؤلاء من ماء المعموديّة وقد نالوا الروح القدس مثلنا؟ فلم يعارضوه. وقد تعلّم بطرس من هذا الحدث مبدأين يختلفان تماماً عن المبادئ اليهودية التي نشأ عليها:

- «قد بيّن الله لي أنه لا ينبغي أن أدعو أحداً من الناس نجساً أو دنساً» (28:10)

- «أدركت حقاً أن الله لا يُراعي ظاهر الناس. فمن إتّقاه من أيّة أمّة كانت وعمل البر كان عنده مرضيّاً» (34:10-35).

ويذكر سفر أعمال الرسل أن قرنيليوس قد إعتمد دون أيّة إشارة إلى ختانه. ومن فحوى الكلام يمكن أن نستنتج بأنه لم يختن، خصوصاً أنه قائد روماني تعاقب قوانين دولته ختان غير اليهود. ويضيف سفر أعمال الرسل أن معارضي بطرس، لمّا سمعوا حججه، «هدأوا ومجّدوا الله وقالوا: قد وهب الله إذا للوثنيّين أيضاً التوبة التي تؤدّي إلى الحياة» (18:11). ولكن هدوءهم لم يدم طويلاً.

الحدث الثالث (الفصل 15) يدور حول «خلاف وجدال شديد» دار بين «النصارى» و«المسيحيّين». فقد ذهب «أناس من اليهوديّة» إلى «المسيحيّين» من أصل وثني في «إنطاكية وسوريّة وقيليقية» يقولون لهم: «إذا لم تختتنوا على سُنّة موسى، لا تستطيعون أن تنالوا الخلاص». وعلى أثر هذا الخلاف إجتمع بولس وبرنابا مع الرسل والشيوخ في أورشليم وتباحثوا في الأمر. فانقسموا فيما بينهم. فقام «النصارى» من مذهب الفرّيسيين وقالوا: «يجب ختن الوثنيّين وتوصيتهم بالحفاظ على شريعة موسى». وأمّا بطرس، فقد إقترح عدم فرض الختان على الوثنيّين لأن الله قد «طهّر قلوبهم بالإيمان». وتساءل: «لماذا تجرّبون الله الآن بأن تجعلوا على أعناق التلاميذ نيراً لم يقوَ آباؤنا ولا نحن قوينا على حمله؟». وكان الحل النهائي للقدّيس يعقوب الذي قرّر ما يلي: «إني أرى ألاّ يضيّق على الذين يهتدون إلى الله من الوثنيّين، بل يكتب إليهم أن يجتنبوا نجاسة الأصنام والزنى والميّتة والدم». لم يعد إذاً هناك حاجة للختان. وقد تم إبلاغ القرار إلى الإخوة المهتدين من الوثنيّين في إنطاكية وسوريّة وقيليقية.

ورغم قرار الرسل هذا، فإن «النصارى» بقوا متمسّكين بضرورة الختان لليهودي الذي يتّبع المسيح، معتبرين قرار عدم فرض الختان خاص بالوثنيّين الذين يدخلون الدين الجديد. وقد تقاسم الرسل مُهمّة التبشير: فبولس وبرنابا توجّها إلى تبشير الوثنيّين، أمّا يعقوب وبطرس ويوحنّا، فقد قاموا بتبشير اليهود [327] . وكان على كل مجموعة إتّخاذ الحيطة لتفادي تشكيك الناس خارج محيط تبشيره. فالفصل 61 من سفر أعمال الرسل يبيّن لنا كيف أن بولس قام بختان طموتاوس وهو إبن يهوديّة مؤمنة من أب يوناني قبل أن يستصحبه معه. كما يبيّن لنا الفصل 21 أن «النصارى» من أصل يهودي لم يكونوا راضين عن بولس بسبب إشاعات تقول إنه يوصي اليهود المنتشرين بين الوثنيّين بعدم ختان أولادهم. فعند مجيئه إلى أورشليم نصحه الشيوخ بأن يتظاهر أمامهم باحترام الشريعة: «فينا أربع رجال عليهم نذر، فسِر بهم واطهّر معهم، وانفق عليهم ليحلقوا رؤوسهم، فيعرف جميع الناس أن ما يشاع عنك باطل، في حين انك سالك مثلهم طريق الحفاظ على الشريعة». ولكن الأمر لم يكن سهلاً. فعند زيارة بطرس إلى إنطاكية كان هذا الأخير يؤاكل الوثنيّين هناك. وعندما قدم قوم من أورشليم من عند يعقوب أخذ يتوارى ويتنحّى خوفاً من «أهل الختان». فلامه بولس على فعله هذا لأن ذلك يشكّك الجماعة التي يقوم بتبشيرها [328] .

ونتيجة لتقاسم التبشير بين الرسل، فإننا لا نجد أي ذكر للختان في رسالة يعقوب ورسالتي بطرس، ورسائل يوحنّا الثلاث ورسالة يهوذا ورؤيا يوحنّا. بينما نجد فقرات طويلة حول الختان في ستّة رسائل للقدّيس بولس الذي كان من نصيبه تبشير الوثنيّين الذين لم يفرض عليهم الختان. ويمكننا هنا أن نختصر فكر بولس في الفقرات الأربع الآتية دون دخول في الجدل اللاهوتي العويص التي تحتويها بعض فقرات رسائله:

- «ليس اليهودي بما يبدو في الظاهر، ولا الختان بما يبدو في ظاهر الجسد. بل اليهودي هو بما في الباطن، والختان ختان القلب العائد إلى الروح، لا إلى حرف الشريعة» (رومية 28:2-29).

- «ليسر كل واحد في حياته على ما قسم له الرب كما كان عليه إذ دعاه الله. وهذا ما أفرضه في الكنائس كلّها. أدعي أحد وهو مختون؟ فلا يحاولن إزالة ختانه. أدعي أحد وهو أغلف؟ فلا يطلبن الختان. ليس الختان بشيء ولا الغلف بشيء. بل الشيء هو حفظ وصايا الله. فليبق كل واحد على الحال التي كان فيها حين دعي» (1 قورنتس 17:7-20).

- «في المسيح يسوع لا قيمة للختان ولا للغلف، وإنّما القيمة للإيمان العامل بالمحبّة» (غلاطية 6:5).

- «في [المسيح] ختننم ختاناً لم يكن فعل الأيادي، بل بخلع الجسد البشري، وهو ختان المسيح. ذلك أنكم دفنتم معه بالمعموديّة وبها أيضاً أقمتم معه، لأنكم آمنتم بقدرة الله الذي أقامه من بين الأموات. كنتم أمواتاً أنتم أيضاً بزلاّتكم وغلف أجسادكم فأحياكم الله معه وصفح لنا عن جميع زلاّتنا» (قولُسّي 11:2-13).

هذا ونجد في رسائل بولس هجوماً لاذعاً ضد أتباع المسيح من أصل يهودي (النصارى) الذين كانوا يريدون فرض الختان على أتباع المسيح من أصل وثني (المسيحيّين): «إحذروا الكلاب. إحذروا العملة الأشرار. إحذروا ذوي الختان» (فيلبّي 2:3). «هناك كثير من العصاة الثرثارين المخادعين، وخصوصاً من المختونين. فعليك أن تكم أفواههم لأنهم يهدمون أسراً بجملتها، إذ يعلّمون ما لا يجوز تعليمه، من أجل مكسب خسيس[...] فلذلك وبّخهم بشدّة ليكونوا أصحّاء الإيمان ولا يُعنوا بخرافات يهوديّة ووصايا قوم يعرضون عن الحق» (طيطس 10:1-14). «ليت الذين يثيرون الإضطرابات بينكم يجبّون أنفسهم» (غلاطية 12:5). وهذه الآية الأخيرة تقارن بين من يدعون للختان وبين كهنة الأوثان الذين كانوا يخصون أنفسهم تعبّداً لآلهتهم كما سنرى لاحقاً.

وباختصار شديد، يمكننا أن نقول إن أتباع المسيح إنقسموا من اللحظة الأولى إلى قسمين: هناك من كان يعتبر الختان فريضة واجبة، بينما الآخرون كانوا يعتبرون الختان مجرّد إباحة، لا يقدّم ولا يؤخّر. ولم يكن يجمع بينهم إلاّ المعموديّة التي كانت تمارس ليس فقط على الرجال كما في الختان، بل أيضاً على النساء. وقد تم تدريجيّاً التنصّل من فريضة الختان. وإن كان الهدف الأوّل هو اجتذاب الوثنيّين إلى المسيحيّة إلاّ أن هذا الهدف أدّى إلى تبنّي قاعدة أخلاقيّة ذات أهمّية كبرى وهي عدم الحُكم على الإنسان من خلال الظاهر. فالمهم ليس «ختان الجسد»، بل «ختان القلب والإيمان العامل بالمحبّة». وعليه فقد تم رفض إتّهام الآخرين بالنجاسة أو الترفع عليهم لأنهم غير مختونين. وهذا هو التيّار الذي إنتصر في النهاية عند المسيحيّين رغم أن بعضهم ما زال يمارسه كما سنرى لاحقاً.

ولكن علينا أن نوضّح أن الكتب المقدّسة اليهوديّة والمسيحيّة لم تعالج موضوع الختان من منظور حرمة جسد الإنسان كما نفعل نحن في عصرنا. فنحن اليوم نعتبر أنه لا يحق المساس بجسد الإنسان إلاّ بإذنه أو بإذن وليّه في حالة الضرورة الطبّية. وخارج هذا الإطار الضيّق، نعتبر التعدّي على سلامة الجسد حراماً وجرماً.

الفصل الثاني: موقف آباء الكنيسة واللاهوتيّين من الختان

1) إنتصار التيّار الرافض للختان

ذكرنا سابقاً كيف أن أتباع المسيح قد إنقسموا فيما بينهم إلى «نصارى» من أصل يهودي و«مسيحيّين» من أصل وثني.

كانت طائفة «النصارى» تتكلّم اللغة السريانيّة وتحافظ على نواميس موسى كممارسة الختان وعدم أكل لحم الخنزير، وكان لها كنائسها الخاصّة بها وكهنتها. وكان اليهود يلاحقون هذه الطائفة ويطلقون على أتباعها لقب «مينيم»، أي الهراطقة، أو المرتدّين حسب التعبير الإسلامي. وكان هناك أيضاً تناحر بين طائفة «النصارى» وطائفة «المسيحيّين» حتّى داخل مدينة القدس. ويروي أحد الكتّاب القدامى كيف أن رجل دين «مسيحي» من أصل وثني في زمن الإمبراطور قسطنطين (توفّى عام 337) كان يعرض على الناس في القدس أكل لحم الخنزير عند خروجهم من الكنيسة يوم الفصح. فمن كان يرفض أكل الخنزير أعتُبِر «ناصري» فيقتل [329] . وكانت طائفة «النصارى» تبغض القدّيس بولس، فلا تعترف به كرسول ولا تقبل رسائله كجزء من الكتاب المقدّس لرفضه الانصياع لنواميس موسى ورفضه للختان [330] . ولطائفة «النصارى» أناجيل خاصّة بها رفضتها طائفة «المسيحيّين» واعتبرتها نصوصاً محرّفة، وكثير من تلك النصوص فُقِد، وقد تم إكتشاف بعض تلك النصوص في مصر [331] .

وقد تم تذويب طائفة «النصارى» تدريجيّاً والسيطرة عليها من قِبَل طائفة «المسيحيّين» بعد تحوّل الإمبراطوريّة الرومانيّة إلى «المسيحيّة» وانحسار الوثنيّة. ففي عام 325، إلتئام مجمع نيقية، في آسيا الصغرى، بحضور الإمبراطور الروماني قسطنطين الذي تبنّى قراراته كقانون روماني [332] . وقد شارك في هذا المجمع 318 أسقفاً من بينهم 18 أسقفاً فلسطينياً أسماؤهم كلّها يونانيّة. ولم يُدعَ لهذا المجمع أسقف مدينة طبريّا الذي كان من أصل يهودي وله نشاط تبشيري كبير بين اليهود [333] .

ورغم إندماج طائفة «النصارى» بطائفة «المسيحيّين» في نهاية القرن الرابع الميلادي، إستمر الجدل حول الختان عبر العصور. فقد حاول دائماً اليهود الذين تحوّلوا إلى المسيحيّة لاحقاً في الإبقاء على عادة الختان. ويبيّن لنا مجمع اللاتران الرابع المنعقد عام 1215 أن بعض اليهود قد أصبحوا مسيحيّين ولكن دون أن يتخلّوا عن عاداتهم اليهوديّة كالختان. «فهم، حسب قرارات هذا المجمع، لم يخلعوا الإنسان العتيق ليلبسوا الإنسان الجديد» كما يقول القدّيس بولس في رسالته إلى أهل قولسي (9:3). وهم بذلك يعكّرون صفاء الدين المسيحي. وبما أنه مكتوب: «ويل للخاطئ الذي يمشي في طريقين» (إبن سيراخ 12:2) وكذلك: «لا تلبس ثوباً مختلطاً من صوف وكتّان معاً» (تثنية 11:22)، فقد قرّر المجمع بأنه يجب إجبار أولئك اليهود لكي لا يعودوا إلى شعائرهم القديمة [334] .

هذا ونجد جدلاً متواصلاً حول موضوع الختان في كتابات آباء الكنيسة واللاهوتيّين المسيحيّين عبر العصور. ولكن هذا الجدل لم يلقى إهتماماً كبيراً عند الباحثين الغربيّين أو الشرقيّين. ونحن نحث هؤلاء الباحثين على تتبّع هذا الجدل لفهم تطوّر الفكر البشري حول مبدأ سلامة الجسد واحترام الغير. وبانتظار مثل تلك الدراسة المتعمّقة، إخترنا خمسة مصادر يمكن إعتبارها من أهم المصادر عند المسيحيّين، ثلاثة شرقيّين هم «يوستينوس» و«أوريجين» و«كيرلوس»، وغربيّين هما «توما الأكويني» و«مارتن لوثر». وفي الفصلين اللاحقين سوف نستعرض هذا الجدل الديني في عصرنا بين مسيحيّي مصر ومسيحيّي الولايات المتّحدة.

2) رأي يوستينوس (توفّى حوالي عام 165)

القدّيس الشهيد «يوستينوس» فلسطيني المولد، من مدينة نابلس، من عائلة رومانيّة ولكنّه كتب باليونانيّة. فهو ينتمي إلى طائفة «المسيحيّين». وهو من أوائل من كتب دفاعاً عن المعتقد المسيحي في مواجهة اليهود وفي مواجهة الدولة الرومانيّة الحاكمة. وكان له مدرسة لاهوتيّة رائدة. وقد ألّف كتاباً يعرض فيه جدلاً دار بينه وبين يهودي إسمه «تريفون»، إحتل فيه الختان مكاناً كبيراً إذ لامه اليهودي في بداية حديثه بأنه غير مختون كما أنه لا يحترم الأوامر الأخرى الخاصّة بالسبت والقرابين والصيام والطعام. وقد قدّم يوستينوس عدداً من الآراء في ردّه على اليهودي نختصرها في النقاط الآتية:

- إن أشعيا (3:55، 5) وأرميا (31:31-32) تكلّما عن عهد جديد. وهذا العهد هو المسيح. فمن بعد مجيء المسيح يجب ختان جديد وهو ختان القلب بالإبتعاد عن الفحشاء كما جاء في التوراة: «فاختنوا غلف قلوبكم، ولا تقسّوا رقابكم بعد اليوم» (تثنية 16:10). والمحافظة على السبت ليس بالبقاء بطّالين دون عمل بل بالكف عن السرقة. والمحافظة على الصيام، ليس بالحرمان من الأكل بل بالصوم عن الشرور كما يقول أشعيا (1:58-11) [335] .

- فرض الله على اليهود الختان كعلامة لتميّزهم عن غيرهم من الأمم وعن المسيحيّين حتّى يذوقوا وحدهم العذاب الذي يتعرّضون له الآن بكل عدل. فالله كان يعرف الأحداث المستقبليّة فيُبَيِّت لكل واحد حسب إستحقاقه. فكل ما يحصل لليهود من عذاب ينالونه بعدل لأنهم قتلوا المسيح والأنبياء من قَبله، ورفضوا الإيمان به، ورفعوا صلواتهم في مجامعهم ضد من يؤمن بالمسيح. وإن كانوا لا يستطيعون أن يرفعوا أياديهم على المسيحيّين بفضل الحكّام، إلاّ أنهم يفعلون كلّما تمكّنوا من ذلك [336] .

- الختان ليس ضروريّاً للخلاص. ولو كان كذلك، لما كان خلق الله آدم غير مختون، ولما قَبل محرقات هابيل الذي لم يختن، ولا رضي عن أخنوخ الذي رفعه إليه وهو غير مختون. وقد نجَّى الله لوطاً من صدوم، ودخل نوح وأولاده سفينته عند الطوفان ولم يكونوا مختونين. وكذلك الأمر لملكيصادق الذي على صورته أوحى الله لداؤد أنه سيقيم الكاهن الأبدي. ولم يحفظ أي منهم يوم السبت رغم أن الله كان راضياً عنهم جميعاً. كما أن إبراهيم لم يكن مختوناً عندما آمن بالله فرضي الله عنه (التكوين 6:15) ولم يكن في زمن إبراهيم أمر باحترام السبت والأوامر الأخرى الخاصّة بالطعام. فالختان واحترام السبوت وتقديم القرابين والأوامر الخاصّة بالطعام فرضها الله على اليهود لاحقاً بسبب شرورهم وقساوة قلوبهم. ففرض الله السبت عليهم حتّى يتذكّروه في ذاك اليوم. وفرض عليهم تقديم القرابين له لأنهم عبدوا العجل. وفرض عليهم الأوامر الخاصّة بالطعام لأنهم كانوا ينسون الله في أكلهم. فقد ذكرت التوراة أن يعقوب أكل فشبع وسمن فرفس فنبذ الإله الذي صنعه (تثنية 15:32) [337] . هذا ونحن نقرأ في القرآن الكريم قولاً مماثلاً لقول يوستينوس: «فبظلم من الذين هادوا حرّمنا عليهم طيّبات أحلّت لهم وبصدّهم عن سبيل الله كثيراً» (النساء 160:4). وهذا قد يكون من تأثير فكر يوستينوس الذي تناقله المسيحيّون الشرقيّون.

- الختان مجرّد رمز وليس وسيلة للخلاص. وبرهان ذلك أن النساء لا تختن، ورغم عدم ختانهن، يمكنهن ممارسة الفضائل وأن تكنَّ صالحات. فليس الختان الذي يميّز الإنسان، بل التقوى والصلاح [338] .

- على اليهودي أن لا يلومه بسبب الغلفة، فالغلفة قد عملها الله، وأن لا يلومه لأنه يشرب مشروباً ساخناً يوم السبت، فالله يقود العالم يوم السبت كغيره من الأيّام [339] . وهذا إشارة إلى أن اليهود لا يستطيعون حتّى تسخين أكلهم في يوم السبت.

- إن أمر الختان الذي يجب أن يجرى في اليوم الثامن هو رمز للمسيح الذي قام في اليوم الثامن والذي به يختتن المسيحي من الإثم والشر [340] .

- الختان والأوامر التوراتيّة الأخرى كالسبت والقرابين التي خصّها الله باليهود بسبب قساوتهم تم إلغاؤهها بميلاد المسيح من نسل إبراهيم. فقد بُشِّر به كناموس أبدي وعهد جديد للعالم أجمع. وقد حل محل الختان الجسدي ختان الروح الذي مارسه أخنوخ وأمثاله. وبخلاف الختان الذي يخص فقط اليهود، فإن المعموديّة مفتوحة للجميع [341] .

- جاء في التوراة أن يشوع قد أمر بختان اليهود في سيناء مرّة ثانية بسكّين من حجارة (يشوع 2:5). والمسيح يشار إليه في الأنبياء بأنه حجر وصخرة. وهذه إشارة إلى ختان الروح الذي أتى به المسيح. فهو حجر الزاوية، وهو ختان يقي من عبادة الأوثان ومن عمل الشر. فقلوب المسيحيّين قد تم ختانها بصورة مثاليّة إلى درجة أنهم يفرحون أمام الموت لأجل الحجر الجميل الذي هو المسيح والذي تجري منه مياه حيّة لمن يريد أن يشرب [342] .

هذا وقد أثار «يوستينوس» موضوع «النصارى» من أصل يهودي الذي كانوا يريدون المحافظة على الختان وأوامر موسى مع إيمانهم بالمسيح. وهو يرى بأنه يحق لهم ذلك على شرط أن لا يفرضوا الختان على الغير كوسيلة للخلاص [343] .

3) رأي أوريجين (توفّى عام 254)

ولد «أوريجين» في مصر ورحل بعدها إلى فلسطين حيث إستقر في مدينة قيصريّة. وهو من أغزر وأعمق الكتّاب المسيحيّين الأوائل، وكل كتبه باللغة اليونانيّة. وقد خصى نفسه عندما كان في أوّل شبابه بسبب فهمه الخاص لقول من أقوال المسيح، وكان هذا أحد أسباب حرمانه من الكنيسة. وسوف نعود إلى هذا الحدث لاحقاً. ورغم حرمانه، فقد بقيت كتاباته مصدراً لكل من أتى بعده من الكتّاب المسيحيّين.

تعرّض «أوريجين» لموضوع الختان في خطبه الدينيّة حول سفر التكوين التي هاجم فيها اليهود والنصارى (المسيحيّين من أصل يهودي) الذين كانوا يدافعون عن فريضة الختان [344] .

حاول «أوريجين» حل مشكلة فريضة الختان بتفسيرها تفسيراً رمزياً. فهو يرى أن ختان إبراهيم في الجسد هو صورة للختان الروحي، معتمداً على قول بولس: «وقد جرى لهم ذلك ليكون صورة وكُتِب تنبيها لنا نحن الذين بلغوا منتهى الأزمنة» (1 قورنتس 11:10). ثم يستشهد بقول بولس: «إحذروا ذوي الختان. فإنّما نحن ذوو الختان الذين يؤدّون العبادة بروح الله ويفتخرون بالمسيح يسوع، ولا يعتمدون على الأمور البشريّة» (فيلبّي 2:3-3)؛ «فليس اليهودي بما يبدو في الظاهر، ولا الختان بما يبدو في ظاهر الجسد، بل اليهودي هو بما في الباطن، والختان ختان القلب العائد إلى الروح، لا إلى حرف الشريعة» (رومية 28:2-29). ويضيف: «ألا يظهر لك بأنه من الأفضل التكلّم عن ختان الروح عند القدّيسين وأصدقاء الله بدلاً من بتر جزء من الجسد؟» [345] .

ثم يذكر «أوريجين» قول حزقيال: «هكذا قال السيّد الرب: لا يدخل مقدسي إبن غريب أغلف القلب أغلف الجسد من جميع بني الغرباء الذين بين بني إسرائيل» (9:44) وقول أرميا: «إن كل الأمم غلف، وكل بيت إسرائيل غلف القلوب» (25:9). ممّا يعني أن غلف الجسد وغلف القلب لن يدخلوا مقدس الرب. ويتساءل أوريجين ما إذا كان ختان الجسد وختان القلب ضروريّين كلاهما للخلاص؟ [346] . ويرد على ذلك بأن أرميا يقول: «ها إن آذانهم غلف فلا يستطيعون الإصغاء» (10:6). فإن كان المعنى المقصود من الختان هو المعنى الحرفي لكان على اليهودي أن يقطع أذنيه التي خلقها الله للسمع ولجمال الإنسان. ولا يمكن حل هذه المشكلة إلاّ إذا فسّرنا الغلف بالمعنى الرمزي [347] .

وعلى هذا الأساس يرى «أوريجين» أن الإنسان مطالب بختان الآذان، والشفتين والقلب والغلفة وكل جزء آخر من جسم الإنسان، ليس بالمعنى الحرفي، أي ببتره، بل بالمعنى الرمزي، أي بالإمتناع عن إستعماله لمعصية الله. فختان الآذان يعني عدم الإصغاء إلى النميمة، وختان الشفتين يعني عدم التلفّظ بكلام بذيء، وختان الغلفة يعني عدم إقتراف الزنا، وختان القلب يعني الإبتعاد عن الشهوات [348] . وبعد أن فرّق «أوريجين» بين ختان الجسد والختان الروحي يسأل معارضيه:

«ألا يظهر لك أن ختاناً بهذا المعنى هو أفضل لإقامة عهد الله؟ قارن بين فهمنا للختان وبين خرافاتك اليهوديّة وأحاديثك المخزية وتساءل إن كان الختان يطبّق بصورة أفضل من خلال تعاليمك أم من خلال تعاليم المسيح؟ ألا يظهر لك أن ختان الكنيسة هو عمل شريف، مقدّس يليق بالله بينما ختانك مقزّز ومعيب، وهو في أسلوبه ومظهره الخارجي مشين؟» [349] .

4) رأي كيريلّوس الكبير (توفّى عام 444)

شغل القدّيس «كيريلّوس» منصب بطريرك الإسكندريّة. ويلقّب بعمود الكنيسة. وقد ألّف كتباً باللغة اليونانيّة.

كما فعل من قَبله «أوريجين»، يرى «كيريلّوس» أن الختان المقصود في التوراة هو ختان الروح، أي الكف عن الآثام، وليس ختان الجسد، أي قطع غلفة الذكر. وهو يعتمد في ذلك على قول بولس: «والختان ختان القلب العائد إلى الروح، لا إلى حرف الشريعة» (رومية 29:2)، وما جاء في سفر النبي أرميا: «إختتنوا للرب وأزيلوا غلف قلوبكم يا رجال يهوذا وسكّان أورشليم» (4:4). ويضيف كيريلّوس: «إن الختان الحقيقي ليس ما يمس الجسد، بل هو في الرغبة بإتمام ما أمر به الله. فاستمع إلى ما يقوله بولس بوضوح: «ليس الختان بشيء ولا الغلف بشيء. بل الشيء هو حفظ وصايا الله» (1 قورنتس 19:7) [350] .

ويعتبر «كيريلّوس» أن الفهم الحرفي لنصوص التوراة يؤدّي إلى نتائج لا يقبلها العقل. إضافة إلى كونها تعدّي على كمال خلق الله. ففي أحد خطبه عن سفر التكوين، يقول مخاطباً اليهود والنصارى من أصل يهودي:

«إنك تعتبر الختان حسب الجسد عمل مهم وأنه أفضل وسيلة للتعبّد [...]. دعنا إذاً نرى فائدة الختان والفضل الذي يريد المشرّع أن يعود علينا منه. إن ممارسة الختان المؤلمة على أجزاء من الجسم خصّتها الطبيعة بالتناسل، إن لم تكن هناك أسباب واهية جدّاً لتلك الممارسة، هي أمر سخيف، لا بل إتّهام لعمل الخالق، كأننا نتّهمه بإضافة نواتئ لا فائدة منها إلى مظهر الإنسان. وإن كان الأمر كذلك، فكيف لا يكون هذا حُكم على الحِكمة الإلهيّة بأنها غلطت فيما يليق؟ وقل لي: إذا ما إدّعى أحد أن الطبيعة المعصومة عن الغلط قد غلطت، ألن يقول عنه الجميع بأن ذاك المدّعي قد أصبح مختل العقل؟

إن الله الذي يعلو على كل شيء قد خلق آلاف الأجناس الحيّة التي لا عقل لها. وهي في تكوينها المتّجه نحو الكمال لا يوجد فيها شيء عبث وغير كامل [...] فكيف إذاً يمكن لله، وهو المبدع العظيم، والذي يهتم في كل الأمور الصغيرة، أن يغلط في أعز مخلوقاته كلّها؟ وبعد أن أدخل في العالم من إعتبره على صورته هل جعله بصورة أقل جمالاً من المخلوقات التي لا عقل لها إذا ما إعتبرنا أن لا عيب في تلك المخلوقات بينما هناك عيب في الإنسان؟» [351]

ونحن نجد فكرة كمال الخليقة في نص مختصر وبليغ لـ«ترتليانوس» (توفّى حوالي عام 220) وهو من المدافعين عن العقائد المسيحيّة. يقول ترتليانوس: «إننا بالمسيح عدنا لبدء الخلق، فقد أعادنا الإيمان من الختان إلى كمال الخلق [...] والإنسان يُدعى إلى الجنّة كاملاً حيث كان في البداية» [352] .

5) رأي توما الأكويني (توفّى عام 1274)

كان «توما الأكويني» راهباً دومينيكاني، له عدد كبير من المؤلّفات اللاهوتيّة والفلسفيّة باللغة اللاتينيّة. ويعتبر من أكبر علماء اللاهوت والفلسفة الكاثوليك في العصور الوسطى وما زال يؤثّر على الفكر الديني والفلسفي المسيحي الغربي في عصرنا.

في كتابه المشهور «الخلاصة اللاهوتيّة»، يورد «توما الأكويني» الإعتراضات التي يمكن توجيهها للختان. هناك أوّلاً صعوبة تقديم سبب مقبول لأوامر التوراة. فالطقوس الإلهيّة يجب أن لا تشابه ممارسات الوثنيّين كما جاء في التوراة: «لا تصنع هكذا نحو الرب إلهك، فإنها قد صنعت لآلهتها كل قبيحة يكرهها الرب، حتّى حرقت بنيها وبناتها بالنار لآلهتها» (تثنية 31:12). كما تذكر التوراة أن كهنة بعل كانوا يسيلون دماءهم: «وخدشوا أنفسهم على حسب عاداتهم بالسيف والرماح حتّى سالت دماؤهم عليهم» (1 ملوك 28:18). وهي تمنع تجريح الجسد: «فلا تصنعوا شقوقاً في أبدانكم ولا تحلقوا ما بين عيونكم من أجل ميّت» (تثنية 1:14). وعلى هذا الأساس كيف يمكن تبرير الختان؟

وقد رد «توما الأكويني» على هذه الإعتراضات قائلاً أن الختان تعبير عن الإيمان باله واحد وعلامة دائمة في جسد اليهودي حتّى لا ينسى الله. وهو أيضاً وسيلة لإضعاف الشهوة الجنسيّة في العضو التناسلي (وهذا قول مأخوذ عن موسى بن ميمون). وأخيراً هو وسيلة للسخرية من عبدة الأصنام الذين كانوا يكرّمون هذا العضو. ولا يمكن في هذا المجال مقارنة الختان بتجريح كهنة الأصنام أجسادهم الذي ترفضه التوراة. ويقول توما إن سبب فرض الختان في اليوم الثامن هو لأن الطفل قَبل ذاك الوقت يكون ضعيفاً والتوراة لا تسمح أن يُفصل الحيوان عن أمّه قَبل اليوم الثامن لتقديمه قرباناً لله (الأحبار 27:22). ولم يؤخّر الختان عن ذلك العمر، حتّى لا يتهرّب البعض من عمله بسبب الألم وحتّى لا يتقاعس الأهل في تعريضهم لهذا الألم بسبب تعاظم حبّهم لطفلهم مع مرور الوقت ومعاشرتهم (وهذا قول مأخوذ أيضاً عن موسى بن ميمون). ويضيف الأكويني أن الختان في اليوم الثامن له معنى رمزي. فهو يرمز إلى أن المسيح سيلغي كل فساد في الأرض في اليوم الثامن، أي في يوم قيامته الذي تم أوّل الأسبوع. وبما أن الفساد يأتي عن طريق الجسد، من خطيئة أبينا الأوّل آدم، فكان لا بد من عمل الختان في عضو التناسل [353] .

ويورد «توما الأكويني» إعتراضاً على حذف فريضة الختان عند المسيحيّين. فالنبي باروك يقول: «هي كتاب أوامر الله والشريعة القائمة للأبد» (باروك 1:4). وقد أمر المسيح للأبرص الذي شفاه أن يقرّب «ما أمر به موسى من قربان» (متّى 4:8). وقد فرض الختان ليعني إيمان إبراهيم. وكذلك الأمر بخصوص الفرائض التوراتيّة الأخرى. فيجب لذلك المحافظة على الختان بعد مجيء المسيح.

ويجيب توما على هذا الإعتراض بذكر قول بولس: «فلا يحكم عليكم أحد في المأكول والمشروب أو في الأعياد والأهلّة والسبوت. فما هذه إلاّ ظل الأمور المستقبلة» (قولسي 16:2-17). وبولس الذي يذكر قول أرميا أن الله أقام عهداً جديداً (13:13) يضيف: «فإنه إذ يقول عهداً جديداً، فقد جعل العهد الأوّل قديماً، وكل شيء قدم وشاخ يصبح قريباً من الفناء» (عبرانيين 13:8). ويرى توما أن الأوامر الأخلاقيّة تدوم أبداً، ولكن الأوامر الخاصّة بالشعائر الخارجيّة فهي تفنى مع تحقيق ما ترمز إليه. فقد قال المسيح في آخر لحظة من حياته قَبل موته: «تم كل شيء» (يوحنّا 30:19). وقد شُق حجاب الهيكل إلى شطرين (متّى 51:27). وعندها، إنتهت الشعائر اليهوديّة. وقد وعد الله إبراهيم أن يجعل له نسلاً يبارك به كل الأمم، وهذا النسل هو المسيح. فبعد مجيء المسيح تحقّق الوعد ولا حاجة بعد ذلك للختان الذي كان علامة للعهد القديم. وحلّت محل علامة العهد القديم علامة العهد الجديد وهي المعموديّة. كما حل الأحد محل السبت، وحل محل عيد فصح اليهود عيد فصح المسيح وقيامته. وإن إستمر بعض التلاميذ في ختان المسيحيّين من أصل يهودي في بداية إنتشار المسيحيّة، فالهدف منه كان عدم تشكيكهم حتّى تبليغ الإنجيل لهم. أمّا وقد بُلِّغُوا الإنجيل، فلم يعد بعد لفريضة الختان مكان. فمن يمارس الختان يقترف خطيئة كبيرة لأن ذلك يعني التصميم على الخطأ [354] .

ويورد «توما الأكويني» إعتراضاً آخر. يقول المسيح: «قد جعلت لكم من نفسي قدوة لتصنعوا أنتم أيضاً ما صنعت إليكم» (يوحنّا 15:13). ولكن يقول القدّيس بولس: «إذا إختتنتم، فلن يفيدكم المسيح شيئاً» (غلاطية 5:2). فلماذا ختن المسيح؟ ويرى «توما الأكويني» أن ذلك قد تم لأسباب كثيرة:

- ليثبت أن له جسد حقيقي، وذلك رداً على من كان يرى فيه جسداً غير حقيقي.

- ليؤكّد على الختان الذي أمر به الله سابقاً.

- ليثبت أنه من نسل إبراهيم الذي أمر بالختان.

- لكي لا يرفضه اليهود بسبب عدم ختانه.

- حتّى يعلّمنا فضيلة الطاعة.

- حتّى يريح الآخرين من حمل الناموس بحمله هو ذاك الناموس: «أرسل الله إبنه مولوداً في حُكم الشريعة ليفتدي الذين هم في حُكم الشريعة» (غلاطية 4:4).

ويضيف «توما الأكويني» ثلاثة إيضاحات:

1) إن الختان، بتعريته عضو التناسل، كان يعني تعرية الجيل القديم. وقد عُرّينا بآلام المسيح. ولم يتم ذلك بمولد المسيح، بل بموته. فقَبل ذلك كان للختان كل فاعليّته. ولذلك كان لا بد للمسيح من أن يُختن.

2) لقد قَبِل المسيح الختان كقانون ساري المفعول في زمنه، وعلينا أن نقبل نحن القانون الذي يسري في عصرنا. فسفر الجامعة يقول: «إذ لكل غرض زمان ثم قضاء» (6:8). ويقول أوريجين: «إننا إذ متنا مع المسيح وقمنا بقيامته فكذلك خُتِنَّا روحيّاً بختانه فلا حاجة لنا لختان الجسد». ويقول بولس: «في [المسيح] خُتِنتُم ختاناً لم يكن فعل الأيادي، بل بخلع الجسد البشري، وهو ختان المسيح» (قولسي 11:2).

3) إن الموت هو عقاب الخطيئة. والمسيح قَبِل أن يموت مثلنا رغم أنه لا خطيئة فيه حتّى يخلّصنا من الموت باماتتنا روحيّاً عن الخطيئة. وكذلك، قَبِل ختان الجسد الذي هو دواء ضد الخطيئة الأصليّة حتّى يخلّصنا من نير الناموس ويختننا روحيّاً . أي أنه قَبِل الرمز حتّى يحقّق ما يرمز إليه من واقع [355] .

يرى «توما الأكويني» أن الختان يشبه المعموديّة في أثرها الروحي. فكما أن الختان ينزع جزء من جسمه، كذلك المعموديّة تنزع عن الإنسان نزعاته وميوله الجسديّة. وكما أن اليهودي كان بالختان يتعهّد بالمحافظة على الناموس، كذلك بالمعموديّة يتعهّد المسيحي بالمحافظة على الناموس الجديد. فكان الختان رمزاً للمعموديّة مع إختلاف في أن المعموديّة دعوة للجميع كما جاء في متّى 19:28.

ويتساءل «توما الأكويني» إذا كان الختان علامة الإيمان، فلماذا وضعها الله علامة في العضو التناسلي بدلاً من وضعها على رأس الإنسان حيث المقدرة الذهنيّة التي ينبع منها الإيمان. ويرد بأن وضع علامة الختان في العضو التناسلي يشير إلى إيمان إبراهيم أن المسيح سيأتي من نسله، وأن الختان هو دواء ضد الخطيئة الأصليّة التي تتوارث بالتناسل، وأخيراً أن الهدف هو إنقاص الشهوة الجسديّة التي تتمركز خاصّة في الأعضاء التناسليّة بسبب شدّة اللذّة الجنسيّة.

ويفسّر «توما الأكويني» إستعمال الحجر في ختان إبن موسى (الخروج 25:4) وفي ختان اليهود في سيناء من قِبَل يشوع (الخروج 2:5) بأنه رمز للختان الروحي الذي تم بالمسيح الذي يقول عنه القدّيس بولس «وهذه الصخرة هو المسيح» (1 قورنتس 4:10). كما يُفسِّر الختان في اليوم الثامن بأنه رمز لقيامة المسيح في اليوم الثامن [356] .

وختاما يمكننا أن نأخذ على «توما الأكويني» تناقضه مع ما قاله في فصل آخر من كتابه. فهو يرفض مقارنة الختان بتجريح كهنة الأصنام أجسادهم (أنظر أعلاه). ولكن في الفصل الذي كرّسه لدراسة العنف الواقع على الأشخاص يذكر قول يوحنّا الدمشقي الذي يعتبر خطيئة «تغيير ما هو مطابق للطبيعة لعمل ما هو مخالف لها»، ممّا يعني أنه لا يحق لأحد أن يبتر عضو شخص آخر. وتوما لا يسمح بالقيام بذلك البتر إلاّ للسلطات عقاباً على إثم أقترف [357] . والختان يعتبر هنا بتراً لعضو حسب تعريف يوحنّا الدمشقي إذ هو «تغيير ما هو مطابق للطبيعة»، ولكن الطفل الذي يختن لا يقترف إثماً لبتر أحد أعضائه. فكيف يمكن في هذه الحالة تبرير الختان كما جاء في التوراة؟ هذا ما لا يجيب عليه «توما الأكويني».

6) رأي مارتن لوثر (توفّى عام 1546)

كان «مارتن لوثر» في بداية أمره راهباً من رهبنة الاغسطينيين. قاد حملة إصلاحيّة ضد الكنيسة الكاثوليكيّة التي حرمته عام 1520. وقد أدّى ذلك إلى انشقاق داخل هذه الكنيسة ما زال له أثره حتّى اليوم من خلال الحركات البروتستنتيّة العديدة التي لا تعترف بسلطة بابا روما. وقد كتب «مارتن لوثر» عدّة كتب لاهوتيّة وقام بترجمة الكتب المقدّسة إلى اللغة الألمانيّة حتّى يتمكّن الشعب من فهمها. وقد إعتمدنا هنا على الترجمة الفرنسيّة لمجموعة أعماله التي تم نشرها في جنيف في 17 مجلّداّ.

سوف نرى لاحقاً أن بعض الأوساط البروتستنتيّة، خاصّة الأمريكيّة، ترى في الختان فريضة على جميع البشر فيها حِكمة طبّية خفيّة إذ تقي من الأمراض. وقد رجعنا إلى مؤلّفات «مارتن لوثر» الضخمة فلم نجد فيها ما يبرّر هذا التفسير. وكان هم «مارتن لوثر» الأوّل في تعرّضه للختان كمظهر خارجي فرضته التوراة هو التصدّي للسلطة البابويّة والكنسيّة في زمنه التي كانت تعطي الشعائر الدينيّة وصكوك الغفران قدرة على غفران الخطايا مستعملة ذلك للسيطرة على الشعب ولابتزاز الأموال. ولكن لا يخلو نقاشه حول الختان من نقاط لاهوتيّة حول علاقة الخلاص بالإيمان والأعمال.

يرى «مارتن لوثر» أن الختان هو خاتماً للبر الذي هو نتيجة إيمان إبراهيم بوعد الله. فهو ليس بر الإيمان، بل الإشارة لذاك البر مثله مثل عدّة إشارات خارجيّة نجدها في التوراة. فمثلاً تروي لنا التوراة أن جدعون أراد من الله أن يبيّن له أنه سينتصر في حربه مع أعدائه فوضع جزاز صوف في البيدر وقال لله: «فإذا سقط الندى على الجزاز وحده، وعلى سائر الأرض جفاف، علمت انك تخلّص إسرائيل عن يدي» (القضاة 36:6). فالختان هو إشارة للإيمان، وليس الإيمان كما أن سقوط الندى على الجزاز هو إشارة للنصر وليس النصر. ويضيف «مارتن لوثر» أن الأمر هو نفسه عند المسيحيّين فيما يخص شعائر المعموديّة وغيرها من الشعائر المسيحيّة. فليس المظهر الخارجي الذي يهم، بل ما تحتويه من معنى داخلي. فالكنيسة الرسميّة ولاهوتيّوها يهتمّون بالمظهر وينسون الإيمان الذي هو أهم من المظهر. فلا يكفي أن تغمس الإنسان في الماء، بل يجب أن يكون الإيمان من وراء الغمس في الماء [358] .

ويرى «مارتن لوثر» أن إيمان إبراهيم بالله وبوعوده هو ختان الروح. وقد أضيف ختان الجسد كإشارة للختان الروحي. فلا يكفي أن يختن الإنسان نفسه، بل يجب أن يسبق الختان إيماناً بالله. ونفس الأمر فيما يخص الشعائر المسيحيّة أو الملابس الدينيّة التي يرتديها رجال الدين والرهبان. فملابس الراهب لا تجعل منه راهباً، بل الإيمان الداخلي الذي يعيشه [359] . وهو يرى أن المعموديّة قد حلَّت محل الختان كإشارة خارجيّة فرضها المسيح على أتباعه. فالله يستعمل إشارات خارجيّة مختلفة حسب إختلاف الأزمان [360] ، ميسراً الأمور عليهم. فبينما كان مفروضاً على اليهود الختان وتقديم القرابين إكتفى الله بقليل من الماء يُسكب على رأس الإنسان أو يغطّس فيه مع التلفّظ ببعض الكلمات. وهكذا الأمر فيما يخص شعائر القدّاس التي فيها طلب المسيح أن نأكل ونشرب ذِكراً له، بدلاً من تقديم ذبائح دمويّة [361] .

ويرى «مارتن لوثر» أن الشعائر التي جاءت في التوراة قد ألغيت بمعنى أنه لم يعُد واجب للإنسان أن يتّبعها. فهو حر في إتّباعها أو في تركها. فلم يعد ترك الختان إثماً كما يظن اليهود، وكذلك ممارسة الختان ليس إثماً كما كان يظن الوثنيّون. فترك الختان أو ممارسته مباح على شرط أن لا يظن من يقوم به أنه سيخلص بممارسته. فالختان لا يؤدّي إلى الخلاص. وهو يعتمد في ذلك على قول بولس: «فما الختان بشيء ولا الغلف بشيء، بل الشيء هو الخلق الجديد» (غلاطية 15:6)، «ليس الختان بشيء ولا الغلف بشيء. بل الشيء هو حفظ وصايا الله» (1 قرنتس 19:7). فبولس لا يفرض الختان على أحد ولم يمنع أحداً بالقوّة من أن يختتن [362] .

ويضيف «مارتن لوثر» أن الختان أو عدمه أمر تافه بحد ذاته. ولكن إذا أضيف إليه معنى أنه يجب الخضوع له للخلاص، فهنا الجحيم وهنا إنكار لنعمة الله. وهكذا الأمر فيما يخص البابا وشعائره. فإن أراد البابا فقط إحترامنا له، فذلك ليس بشيء، أمّا إذا فرض علينا إحترامه واحترام شعائره كوسيلة للخلاص، فهنا الخطر الكبير. كذلك فإن عمل تمثال لقدّيس من خشب أمر لا شيء، أمّا إعتبار التمثال أمر مقدّس وأنه يحتوي إلهاً، فهذا أمر غير مقبول. لذلك يجب أن لا نعطي للختان أو للتمثال أو لثوب الراهب أيّة أهمّية [363] . وهذا لا يعني في نظر «مارتن لوثر» أنه يجب ترك كل المظاهر الخارجيّة، ولكن يجب عدم عبادة هذه المظاهر الخارجيّة. فإذا إعتبرنا أن الختان أو عدم الختان ضرورة للخلاص، جعلناهما محل عبادة، وهذا أمر ملعون. أمّا إذا لم نجعل للختان أو عدمه أهمّية، عند ذلك يكون الختان وعدمه أمر حسن [364] . فـ«مارتن لوثر» يرى أن الخلاص يتم بالإيمان بالمسيح، وليس بالمظاهر الخارجيّة. وهذه المظاهر الخارجيّة تحذف تدريجيّاً من خلال الإقناع وليس من خلال التصدّي لها بالقوّة. وهو يقارن هنا بين الختان وبين الذين أرادوا التصدّي للبابويّة والشعائر الكنسيّة والصور في الكنائس، فبدلاً من أن يقضوا عليها زادوها قوّة. فكذلك الأمر فيما يخص اليهود الذين كانوا يريدون فرض الختان على الوثنيّين، لم يكسبوا شيئاً [365] .

ويفسّر «مارتن لوثر» مقولته أن الخلاص يتم بالإيمان قائلاً بأن إبراهيم لم يعتبر باراً لأنه ترك وطنه أو أراد ذبح إبنه أو ختن نفسه، بل لأنه آمن بالله. وهذا إشارة إلى قول التوراة: «إن إبراهيم آمن بالله فحسب له ذلك براً» (التكوين 6:15). وقد جاء تقرير التوراة هذا قَبل ختان إبراهيم وقَبل مجيء موسى وقوانينه. فقد آمن إبراهيم أن من نسله سيأتي المخلّص، أي المسيح، ونحن المسيحيّون نؤمن بأن المسيح قد جاء وإيماننا هذا هو سبب خلاصنا. فقد مات المسيح لآثام إبراهيم كما مات لآثامنا نحن [366] . وقد جاء الختان كعلامة خارجيّة، وتبعتها الفرائض الدينيّة الأخرى كما يوضع الختم في نهاية كتاب الوصيّة ليثبتها [367] . ونحن أبناء الله ليس لأننا مختونون، بل لأننا آمنّا بالمسيح [368] . وإذا إعتبرنا الخلاص في الختان، ألغينا إيماننا بالمسيح المخلّص حسب قول بولس: «إذا إختتنتم، فلن يفيدكم المسيح شيئاً» (غلاطية 2:5)، أي أن المسيح جاء عبثاً ما دام الخلاص في الختان. ويضيف «مارتن لوثر»: «إن إتّباع البابا أو اليهود أو الأتراك [يعني الإسلام] أو أهل الشيع الذين يرون أنه هناك أمر ضروري للخلاص غير إنجيل المسيح، أو يفرضون عملاً أو عبادة أو إحترام قاعدة أو عادة أو شعائراً، مهما كانت، للحصول على غفران الخطايا والبر والحياة الأخرى، كل أولئك يصغون لحُكم الروح القدس من خلال رسالة بولس: إنهم بذلك يعتبرون أن المسيح لا فائدة منه. وإذا تجرّأ بولس في الحُكم على قانون وعلى ختان جاء في تعاليم إلهيّة، وهو أمر غريب حقاً، فكيف لا يجرؤ على الحُكم على القش من عادات البشر [369] . «إن تصريح بولس يعني أنه لا فائدة لمجيء المسيح بالنسبة لمن يختن، أي من يضع ثقته في الختان، أي أن المسيح ولد وتألّم عبثاً» [370] . والإيمان بالمسيح ليس مجرّد شعور، بل هو كما يقول بولس: «ففي المسيح يسوع لا قيمة للختان ولا للغلف، وإنّما القيمة للإيمان العامل بالمحبّة» (غلاطية 6:5). إن الذي يريد أن يؤمن بالمسيح عليه أن يكون مؤمناً حقاً، ولا يعتبر مؤمناً من لا تكون أعماله موازية لإيمانه. فبولس يستنكر إعتقاد اليهود بالمظاهر، كما يستنكر الاكتفاء بالإيمان مع تكتيف الأيدي كسلاً. فالإيمان يجب أن يكيِّف حياة المسيحي بأكملها، وهو ليس مجرّد مظاهر وشعائر خارجيّة [371] .

ويسترجع لنا «مارتن لوثر» ما جرى عليه الأمر في بداية المسيحيّة إذ إن الرسل لم يلغوا الختان بين المسيحيّين الذين من أصل يهودي وذلك حتّى لا ينفِّروهم في بداية إيمانهم، بينما رفضوا أن يفرضوا الختان على الوثنيّين. فلا يحق للإنسان أن يشكّك ضعاف النفوس بل عليه أن يعاملهم بمحبّة. فبولس ختن طموتاوس (أعمال 1:16) الذي كان من أم يهوديّة. بينما وبّخ بطرس على تصرّفه المتلاعب الذي كاد أن يشكّك الوثنيّين بابتعاده عنهم في إنطاكية عندما حضر يهود من القدس (غلاطية 14:2). ويستخلص «مارتن لوثر» من هذه الحادثة درساً هو أنه يجب عدم إستعمال الحرّية الفرديّة (في الختان أو عدمه) لتشكيك الغير [372] . وقد رفض بولس فرض الختان على طيطس، وهو يوناني، حتّى لا يظن البعض أن الختان فريضة على الوثنيّين للخلاص ويكون فرضه الختان عليه مصادرة لحرّيته في الاختيار (غلاطية 3:2-4) [373] .

ويعيد «مارتن لوثر» مراراً، معلّقاً على تعاليم القدّيس بولس، بأن المظاهر الخارجيّة ليست ذات فائدة إذا لم يسبقها إيمان وتقوى، رافضاً بذلك الإعتقاد اليهودي الذي يرى في الختان الخلاص الأبدي. فالمهم هو ختان الروح وليس ختان الجسد. فرجال الدين اليهود كانوا يتمسّكون بالظواهر، تاركين الجوهر كما جاء في أقوال المسيح عنهم: «الويل لكم أيها الكتبة والفرّيسيون المراؤون، فإنكم أشبه بالقبور المكلّسة، يبدو ظاهرها جميلاً، وأمّا داخلها فممتلئ من عظام الموتى وكل نجاسة. وكذلك أنتم تبدون في ظاهركم للناس أبراراً وأمّا باطنكم فممتلئ رياءاً وإثماً» (متّى 27:23) [374] . ويرى «مارتن لوثر» أن اليهود يتفاخرون بانتمائهم إلى إبراهيم، بينما هم ليسوا أبناء إبراهيم، بل أبناء الختان بتعلّقهم بالمظاهر [375] . وهم يبغون التفاخر بتلك المظاهر الخارجيّة كالختان ليمجّدهم الناس، بينما المهم ليس تمجيد الناس بل إن يلقوا قبولاً من الله. وينطبق عليهم في ذلك قول المسيح: «وجميع أعمالهم يعملونها لينظر الناس إليهم» (متّى 5:23) [376] .

ورغم أن «مارتن لوثر» جعل الختان من المباحات وأكّد على حرّية الفرد في الختان أو عدمه مع تفريغ الختان من منافعه الروحيّة، إلاّ أنه لم يتكلّم عن موضوع مدى ملاءمة الختان لمبدأ سلامة الجسد ولا ما إذا كان للأب إمكانيّة فرض الختان على إبنه القاصر أم لا. ونحن نجد هذا النقص في كتابات «يوستينوس» و«أوريجين» و«كيريلّوس» و«توما الأكويني» و«مارتن لوثر» التي ذكرناها سابقاً. فقد إهتمّوا جميعاً بالجدل الديني حول الختان ولم يتعرّضوا بتاتاً لملاءمة الختان للمبادئ الأخلاقيّة. وسكوتهم عن هذه المبادئ يعني أنهم لا يعيرون إحترام الإنسان كبير إهتمام. والآن علينا أن ننظر في الجدل الديني الذي يثيره الختان اليوم عند مسيحيّي مصر وعند مسيحيّي الولايات المتّحدة.

الفصل الثالث: الجدل الديني حول الختان عند مسيحيّي مصر

رأينا في الفصلين السابقين كيف أنه تم في الكتب المقدّسة المسيحيّة وكتابات آباء الكنيسة ورجال الدين المسيحيّين التأكيد على إلغاء فريضة ختان الذكور كعلامة دخول عهد بين الله والشعب اليهودي، وعلى إحلال المعموديّة محلّها كعلامة دخول في عهد جديد مفتوح لجميع الناس دون تفريق بين ذكر وأنثى وبين يهودي وغير يهودي.

ورغم ذلك، إستمر بعض المسيحيّين، خاصّة أقباط مصر، في ممارسة ختان الذكور، الذي أضافوا له ختان الإناث. كما أن بعض مسيحيّي الغرب قد عادوا في القرن التاسع عشر إلى ختان الذكور الذي ما زال منتشراً بصورة واسعة خاصّة بين مسيحيّي الولايات المتّحدة، وأضافوا له ختان الإناث. وسوف نستعرض في هذا الفصل وفي الفصل الذي يليه الجدل الديني القائم بين هاتين المجموعتين حول هذا الموضوع.

1) ختان الذكور عند مسيحي مصر

رأينا سابقاً أن اليهود والنصارى (المسيحيّين من أصل يهودي) قد حاولوا إدخال الختان في المجتمع الوثني الذي أصبح تدريجيّاً مسيحيّاّ. وقد تصدّى آباء الكنيسة لهذه المحاولة التي إستمرّت مدّة طويلة. وقد ساعدت القوانين الرومانيّة في الحد من ممارسة الختان. فقد أصدرت السلطات الرومانيّة قوانين تعاقب بالموت أو النفي ومصادرة أموال الطبيب الذي يجري عمليّة الختان على غير اليهودي كما سنرى في الجدل القانوني. وإن تركت هذه القوانين الحرّية لغير اليهود في التحوّل للدين اليهودي، إلاّ أنها منعتهم من ممارسة الختان تحت طائلة العقوبات السابقة الذكر.

كانت مصر خاضعة للحُكم الروماني ولكن القوانين الرومانيّة لم تكن تطبّق فيها بكل صرامة فيما يخص الختان الذي كان يمارسه ليس فقط اليهود بل أيضاً رجال الدين الوثنيّون، إن صح هذا التعبير على ديانة أهل مصر القديمة. فقد سمحت لهم القوانين الرومانيّة الإستمرار في الختان على شرط تقديم وثيقة ميلاد تثبت إنتماء الشخص لطبقة رجال الدين. ومن جهة أخرى، كانت مصر بلد بعيدة عن سيطرة الرومان، مثلها مثل الحبشة والجزيرة العربيّة. ممّا سمح لليهود في هذه البلاد أن يستمرّوا في نشاطهم لتهويد غير اليهود وختانهم. كما أنهم كانوا أيضاً يفرضون الختان على عبيدهم [377] . وكما هو الأمر في فلسطين، تحوّل بعض اليهود المصريّين إلى المسيحيّة وكوّنوا طائفة خاصّة منفصلة عن الطائفة المسيحيّة من أصل وثني واستمرّوا في ممارسة الختان حسب الشعائر اليهوديّة [378] . وبرهان ذلك موقف كيريلّوس الذي ذكرناه في الفصل السابق ضد الختان والذي ما كان ليحدث لولا أنه كان يمارس في زمنه بصورة كبيرة.

وفي الجزيرة العربيّة إستمر اليهود في ممارسة الختان. وعندما جاء محمّد، أسلم عدد من اليهود الذين لعبوا دوراً مهما في بلورة الفكر الديني الإسلامي، كما سنرى في القسم القادم. فأدخلوا فيه ما يطلق عليه اليوم بالإسرائيليّات، ومن بينها الختان. وقد نجحوا في ذلك على عكس ما حدث في الإمبراطوريّة الرومانيّة عندما أصبحوا «نصارى». وبعد أن فتح المسلمون مصر وتحوّل عدد من المصريّين للإسلام، ثبّتوا فيها عادة الختان التي كانت تمارس هناك.

لا يسمح المجال هنا في إستعراض موقف مسيحيّي مصر من الختان منذ الفتح الإسلامي. ويكفينا هنا عرض ما جاء حول الختان في كتاب القوانين المعروف بـ«المجموع الصفوي» الذي ألّفه الشيخ الصفي أبي الفضائل بن العسّال (توفّى حوالي عام 1265). وقد إستبدلنا هنا ترجمته للكتاب المقدّس بالترجمة الحديثة إلاّ إذا أشرنا إلى عكس ذلك. يقول إبن العسّال:

«وأمّا الختان فهو من الفرائض العتيقة فُرِض لتمييز شعب الله من باقي الأمم على سبيل ما توسم الأشياء لمالكها. ولذلك لم تكن التسمية تجوز إلاّ بعد الختان. ويدل على هذا قول لوقا في الإنجيل عن يوحنّا والسيّد [المسيح] ولمّا أتوا بالطفل ليختنوه دعي إسمه. فلمّا عمّت المسيحيّة سائر الأمم جُعل للإنسان لأنه مركّب من جسم ونفس سمة روحيّة وهي المعموديّة التي بها يفارق المسيحي غيره. وجعلت له التسمية وقت المعموديّة كما تضع الموالي أسماءاً لعبيدهم. ولهذه الحال أحضرت الأشياء لآدم الإنسان الأوّل ليسمّيها دلالة على تمليكه إيّاها وسيادته عليها.

وأمّا في [الفرائض] الحديثة [عند المسيحيّين]، فالختانة عند من يختتن من أصحابها على سبيل العادة لا من الفرائض الشرعيّة. وذلك أنه فرض عملها في التوراة في ثامن يوم من ولادة المختون. فهي في غير اليوم الثامن لا تعد ختانة شرعيّة. والذين يعملونها من أصحاب الحديثة [المسيحيّين] لا يعملونها في اليوم الثامن ولا يجيزون ذلك.

والختانة عندنا ممّا يجوز تركها ويجوز عملها عملاً غير شرعي. والدليل على ذلك قول الرسول [بولس] في الفصل السابع من رسالته إلى أهل قورنتس: «ليس الختان بشيء ولا الغلف بشيء. بل الشيء هو حفظ وصايا الله» (19:7). وقوله أيضاً لأهل غلاطية في الفصل الخامس: «ففي المسيح يسوع لا قيمة للختان ولا للغلف، وإنّما القيمة للإيمان العامل بالمحبّة» (6:5). وكرّر هذا القول في الفصل السادس منها فقال: «فما الختان بشيء ولا الغلف بشيء، بل الشيء هو الخلق الجديد» (15:6)، يعني المعموديّة.

فأمّا أقواله [أي بولس] التي يظهر من ظاهر لفظها المنع من الختان، فإنّما كان قصده بها المنع من التمسّك بشريعة التوراة التي مبدئها فريضة الختان. فسمّى [بولس] الشريعة بمبدأها كما سمّيت الأسفار بمبادئها أعني سفر التكوين وسفر العدد. فعلى هذا المنهاج سمّى شريعة التوراة بالختانة في الأماكن المذكورة وسمّى ما سواها بالغرلة. ودليل ذلك قوله في الفصل السابع إلى أهل قورنتس «إن دعي إنسان إلى الإيمان وهو مختون فلا يعد إلى الغرلة» (18:7) [نص إبن العسّال]. وظاهر من هذا القول إنه لو أشار بالختان إلى فريضة الختان المخصوصة أعني قطع اللحم لما قال فلا يعد إلى الغرلة لأن من الممتنع أن يعود المختون غير مختون».

في هذه الفقرة الأخيرة، واضح أن إبن العسّال ليس على علم بعمليّة شد جلد الذكر لمسح آثار الختان كما كانت تجرى في العصر القديم. فالعودة «إلى الغرلة» في نظره تعني العودة إلى «شريعة الختان»، أي وجوب ممارستها. ويضيف إبن العسّال:

«نعم لا يجوز الإختتان بعد التعمّد ودليل ذلك ما كمّل به [بولس] قوله في الختان لأهل قورنتس: «فليبق كل واحد على الحال التي كان فيها حين دعي» (1 قورنتس 20:7).

وأيضاً فلو كان الختان لا يجوز أصلاً لما كان بولس الرسول يستجيز عمله في طموتاوس الأسقف تلميذه الشاهد كتاب أعمال الرسل أنه ختنه. فإن قيل إن الضرورة دعته إلى ختنه كان الجواب أن الأمور الشرعيّة تنقسم إلى قسمين:

أحدهما الفروض التي يجب عملها وما يجوز تركها على كل حال وفي كل زمان في ما أمر به ونُهِي عنه. أمّا في الأمر فكالمعموديّة التي بغيرها لا يُنال ملكوت السماء وكاعتقاد توحيد الذات الإلهيّة وتثليث أقانيمها [...] وأمّا في النهي فكالنهي عن القتل والزنا فإنه [بولس] قال إن أصحاب هذه الكبائر لا يرثون ملكوت الله.

والثاني يجوز عمله وتركه كالصلوات والأصوام النوافل والختان المستشهد في جواز الأمرين فيه بما تقدّم ذكره وما يجري مجراه من الأمور الإعتياديّة.

وباقي الطوائف عند كل منها من العادات ما هي له مستحسنة ويقبّحه عليها من سواها كتشطيب الوجه عند الحبشة والنوبة وكحلق الذقن عند الفرنج وكحلق كهنة الروم أوساط رؤوسهم. فإن قالت الطائفتان إن بطاركتهم أمرتهم بذلك قيل لهما وكذلك القبط المختتنون جوّزت لهم بطاركتهم الختان.

ولقائل أن يقول وكما فعل الرسول [بولس] الختان لضرورة ومنفعة كذلك فعله القبط للضرورة والمنفعة. أمّا الضرورة فلكونهم ذمّة بين من يختتنون فقد يميل صبيانهم لأسباب رديّة أن يختتنوا بعد العمّاد وهذا محذور فعله، وضرورات أخر قد ذكرت في غير هذا الكتاب. وأمّا المنفعة فقد ذكر بعض الطب المتفلسفين المصنّفين أن الختان يضعف آلة الشهوة فتقل وهذا بالإتّفاق مستحب» [379] .

من هذه الفقرة الأخيرة يظهر واضحاً أثر المسلمين في مصر على إبقاء عمليّة الختان بين المسيحيّين «لكونهم ذمّة بين من يختتنون». كما يظهر أيضاً أثر الفكر اليهودي. فأبن العسّال ينقل عن الطبيب والفيلسوف اليهودي إبن ميمون الذي توفّى في القاهرة عام 1204، دون أن يذكر إسمه، بأن الختان يضعف آلة الشهوة وأن ذلك مستحسن. هذا وقد أكّد إبن العسّال على أن لا تجرى عمليّة الختان بعد العمّاد في مكان آخر من كتابه إذ يقول: «والحذر من الختان بعد المعموديّة. فإنه يقطع من درجته وعليه في ذلك إثم وخطيئة» [380] . ويرى أن المعموديّة حلّت محل الختان: «ولمّا كانت المعموديّة سرّاً من أسرار العهد الجديد يغسل النفس من أدناسها مجدّداً كل من إقتبله بإيمان ومميّزاً إيّاه عن الكفّار والوثنيّين كما كان الختان مستعملاً في العهد القديم عند الإسرائيليين يميّزهم عن بقيّة الأمم» [381] .

وبخصوص ضرورة العمّاد للخلاص، يقول إبن العسّال: «وإذ كان من الضروري لكل مسيحي أن يتقبّل المعموديّة إذا أراد الدخول إلى ملكوت الله كان لازماً أن تمنح أيضاً للأطفال لأنهم مشتركين مثل الكبار في الخطيئة الجدّية [أي خطيئة آدم وحوّاء]. ليس فقط قياساً على ما كان عند الإسرائيليين من ختان الطفل وهو صغير إبن ثمانية أيّام ولكن لِما كان السيّد المسيح نفسه قد قال: «دعوا الأطفال، لا تمنعوهم أن يأتوا إلي، فإن لأمثال هؤلاء ملكوت السماوات» (متّى 14:19) ولأنه لم يأتِ ليخلّص الكبار والشيوخ فقط تاركاً أمر الصغار والشبان كان عمّاد الأطفال أيضاً ضروريّاً» [382] .

باختصار يمكن القول إن إبن العسّال يعتبر الختان من المباحات، ولكنّه لا دور له في الخلاص. فقد حلّت المعموديّة محلّه. ولذا لا يمكن إجراء الختان بعد المعموديّة لأن ذلك حط من قدرها. والختان يمارس كعادة مفيدة إجتماعيّاً سمح بها رجال الدين المسيحيّين في مصر بسبب تواجدهم كذمّة بين المسلمين، كما أن الختان مفيد لأنه «يضعف آلة الشهوة فتقل».

وموضوع ختان الذكور كان سبب خلاف بين الكنيسة الغربيّة والكنيسة القبطيّة والحبشيّة. ونحن نجد صداه في المجمع الكنسي الذي عقد في ثلاث مدن إيطاليّة متوالية هي مدينة فرّاري، فلورنسا وروما بين عامي 1438 و1445 والذي كان الهدف منه ردم الصدع الذي أصاب الكنيستين. فصدر عن هذا المجمع في فلورنسا إتّفاق إتّحاد مع أقباط ويعاقبة مصر وإثيوبيا مؤرّخ في 4 فبراير 1442. وقد حضر هذا المجمع الراهب القبطي اندراوس، رئيس دير انطونيوس في مصر، مرسلاً من قِبَل بطريرك اليعاقبة يوحنّا. ونص هذا الإتّفاق بلغة عربيّة مكسّرة تكاد لا تفهم. ونحن نقدّم للقارئ هنا فحوى هذا الإتّفاق من خلال النص اللاتيني والنص العربي.

ذكر هذا الإتّفاق بنود الإيمان المسيحي والكتب المقدّسة التي يجب تقبّلها تحت طائلة الحرمان كما حدث مع كثير من الشيع المسيحيّة التي يذكرها إتّفاق الإتّحاد. ثم تعرّض هذا الإتّفاق إلى موضوع الختان فيقول إن الكنيسة تعتقد وتعترف وتعلم جميع الأشياء المتعلّقة بناموس موسى والتي حلّت محلّها القرابين الحديثة. فتلك الأشياء التي كانوا يصنعوها في القديم مثل الذبائح والقرابين المحروقة وغيرها سنّها الله كدلالة لشيء آخر وكانت موافقة لخدمة الله في ذلك الزمان. ولكن بعد مجيء المسيح «الذي كان دليلاً على جميع هذا» إنتهى وقتها. فبعد آلام المسيح، من يرى في الناموس القديم ضرورة للخلاص يرتكب خطيئة مميتة لأنه بذلك يعني أن الإيمان بالمسيح لا يكفي للخلاص دون طاعة الناموس القديم. وقد كانت هذه النواميس متّبعة مؤقّتاً بعد آلام المسيح، ولكن بعد إنتشار الإنجيل قرّرت الكنيسة عدم تطبيق هذه النواميس. فالذين يختتنون ويطبّقون النواميس القديمة يعتبرون خارجين عن الإيمان بالمسيح ولا نصيب لهم في الخلاص الأبدي إن لم يتركوا تلك الممارسات قَبل موتهم. فتوصي الكنيسة لجميع الذين يفتخرون بإسم المسيح أن يمنعوا ويبطلوا الختان في كل زمان، قَبل أو بعد المعموديّة. فلا يمكن الحصول على الخلاص الأبدي إلاّ بترك الختان، إن كان وضع رجاءه في الختان أو لم يضع [383] .

هذا وقد أرسل بابا روما عام 1637 للأسقف الكاثوليكي الحبشي طلباً بالتخلّي عن الختان وحرمان من يرفض ذلك. وفي عام 1839 و1866 حاول بعض المرسلين الكاثوليك في الحبشة تبرير الختان بأنه طقس غير ديني ولا يتم في الكنيسة ولا على يد رجال دين. وقد رفضت روما هذا التبرير لأن الحبشيين يعتبرون أن دخول غير المختونين في كنائسهم يدنّسها ويعتبرون الختان أوّل علامات المسيحيّة. وقد ذكّر بابا روما بنص إتّفاق مجمع فلورنسا بأن من يختتن لا نصيب له في الخلاص الأبدي إلاّ إذا تاب عن هذه الممارسة [384] .

ورغم الإتّفاق الصادر عن هذا المجمع فإن الختان ما زال يمارس بين مسيحيّي مصر على نطاق واسع بنسبة قد تصل 100% ولكن الإحصائيّات تنقصنا في هذا المجال. وفي جدلي مع عامّة الأقباط، وجدت أنهم يعيدون نفس الأسباب التي يذكرها المسلمون هناك. فهم يرون أن الختان فُرض على إبراهيم، كما أن المسيح قد خُتن. ويضيفون بعد ذلك أن الختان يحافظ على نظافة العضو. وهم عامّة يجهلون ما دار بين الرسل حول الختان أو موقف القدّيس بولس وكيريلّوس الكبير بطريرك الإسكندريّة من ختان الذكور. أمّا عند رجال الدين منهم، فقد وجدنا ثلاثة مواقف بخصوصه.

فقد كتب الأنبا غريغوريوس، وهو أعلى سلطة دينيّة قبطيّة في مصر بعد البابا شنودة، كتيّباً عنوانه «الختان في المسيحيّة». وبعد أن عرض موقف الكتب المقدّسة اليهوديّة من ختان الذكور قال:

«العهد القديم [...] كان تحضيراً للمسيح الآتي، وكانت أكثر طقوسه تشير إلى الفادي الذي سوف يأتي، وهو الحمل الذي سيحمل خطيئة العالم، وبموته عنّا ذبيحاً يرفع عنّا خطايانا. لذلك كان الدم في العهد القديم يشير إلى دم المسيح الفادي الآتي. وكان لا بد للدخول في العهد القديم من الدم علامة العهد. فالختان كان علامة بالدم في لحم البدن تذكيراً للإنسان بحاجته إلى الفادي الآتي، وهو المسيح» [385] .

ويضيف أنه بعد مجيء المسيح، «لم يعد للختان بقطع جليّدة من لحم البدن كعلامة دم، ذات الأهمّية الروحيّة في العهد الجديد. فقد صارت الأهمّية بالأحرى للمعموديّة. فهي المدخل الحقيقي للعهد الجديد» [386] . ثم يستعرض نصوص الكتاب المقدّس عند المسيحيّين ويستنتج أن «المعموديّة إذاً هي ختان المسيح في العهد الجديد» [387] وأن المختونين «بالروح والقلب هم المختونون على الحقيقة. أمّا المختونون في الجسد، فلا يُعد ختانهم بشيء» [388] . ويضيف:

«الختان في الجسد [...] أصبح في المسيحيّة نظافة لا طهارة، أمراً مندوباً إليه لما له من فوائد صحّية، مثله في ذلك مثل تقليم أظافر اليدين والرجلين حتّى لا تتراكم فيها الأوساخ وبالتالي الميكروبات الضارّة. وإذاً فالختان للذكور حسن ومفيد، ولكنّه لم يعد شريعة في الدين المسيحي، بحيث يعاقب الإنسان على تركه» [389] .

وقد شدّد الأنبا غريغوريوس على عدم إجراء الختان بعد المعموديّة:

«وعملاً بمبدأ ضرورة المعموديّة للخلاص، وتهافت القيمة الروحيّة للختان مع فائدته الصحّية، أمرت الكنيسة بأن يسبق الختان العمّاد، وحذّرت من الختان بعد العمّاد، حرصاً على توكيد قيمة المعموديّة وبياناً لسموّها، وأنها المرموز إليه بالختان القديم. وإذا جاء المرموز إليه بطل الرمز».

ويذكر هنا قول إبن العسّال:

«وأمّا الختان فهو من الفرائض العتيقة [...] وأمّا في الحديثة، فالختانة عند من يختتن من أصحابها على سبيل العادة لا من الفرائض الشرعيّة [...]. والختانة عندنا ممّا يجوز تركها، ويجوز عملها عملاً غير شرعي [...]. ولا يجوز الإختتان بعد التعميد».

كما يذكر قول العلاّمة الأنبا أثناسيوس أسقف قوص في أواخر القرن الثالث عشر «والحذر من الختان بعد المعموديّة فإنه [...] عليه في ذلك إثم وخطيئة» [390] . وفي ردّه على سؤال وجّهه له مطران الروم الكاثوليك في أمريكا الشماليّة حول الختان، يقول الأنبا غريغوريوس:

«الختان عند الأقباط عادة قديمة ترجع جذورها إلى مصر القديمة الفرعونيّة، فهو عادة موروثة ومحترمة. وحيث إنها في العهد القديم كانت رمزاً إلى المعموديّة، وقد حلّت المعموديّة محلّها في العهد الجديد، لذلك فقدَ الختان عند الأقباط معناه الديني وصار عادة صحّية ومفيدة لنظافة البدن ووقاية من الأمراض الناتجة عن قذارة الغلفة إذا تجمّعت حولها الأوساخ والميكروبات. ولمّا كان رمزاً إلى المعموديّة، فالكنيسة تحرص على تنبيه المؤمنين إلى وجوب ممارسة الختان قَبل المعموديّة، وتوجّه نظرهم إلى قوانين الكنيسة التي تأمر بذلك» [391] .

وفي كتيّب حول ختان البنات، يؤكّد موريس أسعد، مدير مجلس الكنائس في الشرق، ما توصّلنا إليه من دراسة الكتب المقدّسة اليهوديّة والمسيحيّة بأن ختان الذكور في العهد القديم هو «إتمام بعهد الله تعالى مع أبينا إبراهيم»، أمّا في المسيحيّة، فإنه «لم يعد فرضاً وقد حسم الرسل في القرن الأوّل للميلاد هذا الأمر في مجمع أورشليم. فلم يعد مفروضاً على المسيحيّين من غير اليهود أن يمارسوا ختان الذكور» [392] .

وفي التقنين الكنسي الذي ألّفه عوني برسوم ونشر عام 1994، تقول المادّة 23: «نحن نؤمن أن بنوَّتنا للمسيح ربّنا هي بقبولنا نعمة الروح القدس التي حلّت علينا بالمعموديّة المقدّسة» (يوحنّا 6:1-8). ويعلّق عوني برسوم على هذه المادّة بقوله:

«نحن نؤمن أن ختاننا المقدّس ليس نزع غلفة جسدنا ختاناً لحمياً لفرز الأجناس، بل ختان الروح بالمعموديّة المقدّسة كنص الكتاب: «وفي [المسيح] ختنتم ختاناً لم يكن فعل الأيادي، بل بخلع الجسد البشري، وهو ختان المسيح. ذلك أنكم دفنتم معه بالمعموديّة وبها أيضاً أقمتم معه، لأنكم آمنتم بقدرة الله الذي أقامه من بين الأموات» (1 قولُسّي 11:2-12). إن صورة ختان الرجل هي من الأعمال الصحّية التي تجرى طبّياً بمفهوم فسيولوجي أي قطع الغلفة كأجراء صحّي إذ كانت بالمفهوم الناموسي القديم علامة فرز لرجال الله في العهد القديم» [393] .

وتقول المادّة 51: «المعموديّة المقدّسة هي بالتغطيس الكامل داخل ماء جرن المعموديّة ثلاث مرّات بإسم الثالوث الأقدس نخلص بها من الخطيّة ونولد من الله بختان القلب والروح». ويعلّق برسوم على هذه المادّة قائلاً:

«والمعموديّة صارت ختان الروح للإنسان ليس كما في ختان العهد القديم بنزع غلفة الجسد بل ختان القلب والروح (رومية 29:2). فالإنسان بالمعموديّة خلع الإنسان العتيق الفاسد ولبس المسيح: «قد خلعتم الإنسان القديم وخلعتم معه أعماله، ولبستم الإنسان الجديد، ذاك الذي يُجدّد على صورة خالقه ليصل إلى المعرفة» (كولُسّي: الفصل 9:3-10). «فدُفِنَّا معه في موته بالمعموديّة لنحيا نحن أيضاً حياة جديدة كما أقيم المسيح من بين الأموات بمجد الأب. فإذا إتّحدنا به فصرنا على مثاله في الموت، فسنكون على مثاله في القيامة أيضاً» (رومية 4:6-5) [394] .

وفي مكان آخر، يقول برسوم: «إن عمليّة الختان أو الطهارة جاءت في الكتاب المقدّس بالنسبة للذكور فقط وهي علامة أراد الله بها أن يميّز شعبه وأن يكون ذلك عهداً إلتزم به وتسلَّمَه أبينا إبراهيم». ثم يذكر المؤلّف النصوص التي جاءت في سفر التكوين (9:17 و11) وسفر الخروج (48:12) وسفر الأحبار (1:12-2). كما يذكر قول المسيح (يوحنّا 22:7) ويضيف: «وصار ختان الذكر أمراً مستقراً دينيّاً بل أظهرت الأحداث طبّياً أن نزع غرلة الذكر لها فائدة صحّية للذكر منعاً لتراكم أيّة مواد أو إفرازات خلف الغرلة فتكون سبباً للأذى. ومن ثم تعارف الناس إيماناً أو عرفاً على الختان كظاهرة صحّية للذكر على مدى العصور» [395] .

2) ختان الإناث عند مسيحيّي مصر

لقد سبق وذكرنا في نهاية القسم الثاني عند عرضنا لختان الإناث عند اليهود أن عادة ختان الإناث كانت معروفة في مصر قَبل المسيح. وقد إستمرّت بعد ذلك. ففي القرن السادس بعد المسيح، يستعرض لنا «أيتوس»، عمليّة ختان الإناث في مصر، وقد كان طبيباً في البلاط البيزنطي:

«فبالإضافة إلى أن بعض النساء يكبر لديهن البظر في الحجم أكثر ممّا يجب، ويصبح بشع المنظر، وهذا شيء مخجل، فإنه إلى جانب ذلك يحتك بملابسهن طول الوقت، ويسبّب لديهن تهيّجاً ويثير لديهن شهوة المضاجعة. فبسبب كبر حجمه عزم المصريّون على إستئصاله، وعلى الخصوص في الوقت الذي تستعد فيه الفتاة للزواج. ويتم إجراء هذه الجراحة على النحو التالي: يحضرون الفتاة ويجلسونها على مقعد بدون ظهر. ويقف خلفها شاب قوي ويضع يديه وذراعيه تحت فخذيها وعجزها، ويمسك برجليها وكل جسدها بقوّة. ويقف أمامها الشخص الذي يجري العمليّة. ويمسك ببظرها في يده اليمنى، ويشدّه إلى الخارج بيده اليسرى، وبيده اليمنى يبتره بأسنان أداة تشبه الكمّاشة» [396] .

وقد سئل الأنبا أثناسيوس أسقف قوص في أواخر القرن الثالث عشر: هل يجوز ختان البنات؟ فكان جوابه واضحاً قاطعاً: «لا رخصة لهن في ذلك، لا بعد عمّادهن ولا قَبل» [397] .

إلاّ أن ختان البنات إستمر في مصر. وقد أشار الرحّالة الاسكتلندي «جيمس بروس» إلى محاولة المبشّرين الكاثوليك في بداية القرن السابع عشر مكافحة هذه العادة، ليس لأسباب أخلاقيّة أو صحّية، ولكن لأنهم كانوا يرون فيها عادة يهوديّة. وقد بدأت العادة تتراجع بين من أصبحوا كاثوليك. إلاّ أن الرجال الكاثوليك فضّلوا الزواج من المختونات غير الكاثوليك على غير المختونات من طائفتهم. ممّا يعني إرتداد الكاثوليك وضياع جهد المبشّرين. وعند ذلك، رفع المبشّرون القضيّة إلى سلطاتهم الدينيّة في روما التي أرسلت بعثة طبّية. وقد قرّرت هذه البعثة أن العضو الجنسي عند المرأة في مصر يختلف عمّا هو في بلاد أخرى، ممّا يجعل هذا العضو مقزّزاً لدرجة أنه يمنع ما لأجله يتم الزواج. وهكذا سمحت السلطات الدينيّة باستمرار تلك العادة على شرط أن تعلن الفتاة وأهلها بأن هذه العمليّة لا تجرى بنيّة تنفيذ عادة يهوديّة بل لأن عدم الختان يمنع الزواج [398] .

والقول إن العضو الجنسي عند المرأة في مصر يختلف عمّا هو في بلاد أخرى مجرّد هراء وجهل بالواقع. فلا يوجد أي إثبات طبّي يثبت مثل هذا التعميم [399] . وفي أيّامنا يحاول الأقباط محاربة ختان الإناث لسببين: أوّلاً لأنه لم يذكر في الكتب المقدّسة، وثانياً لأنه ضار. فيرى الأنبا غريغوريوس في رسالته السالفة الذكر أن ختان الإناث «خطأ، لأنه قتل لجزء حيوي من جسم البنت، ونحن نُعَلِّم شعبنا أن الختان الذي أمر به الله في العهد القديم كان للذكور وحدهم. أمّا البنات فلا ختان لهن. ولذلك نكرز للشعب أن ختان الإناث خطأ» [400] . وفي مكان آخر يقول: «الشريعة المسيحيّة لا تجيز ختان الإناث، وكل مصادرنا الكنسيّة مجمعة على ذلك». ويعيد علينا هنا جواب الأنبا أثناسيوس أسقف قوص في أواخر القرن الثالث عشر الذي ذكرناه أعلاه [401] . ثم يضيف: «إن ختان البنات خطأ وخطيئة. وهو ممنوع دينيّاً وإنسانيّاً وصحّياً، وهو يمثّل بالنسبة للمرأة جريمة تشبه من بعض الوجوه جريمة خصاء الذكور من الرجال» [402] . ويسوق الأنبا غريغوريوس عدداً من شهادات الأطبّاء المسلمين وغير المسلمين الذين يؤكّدون على ضرر ختان الإناث [403] .

ويؤكّد موريس أسعد، مدير مجلس الكنائس في الشرق، أنه لا يوجد أيّة إشارة إلى ختان الإناث لا في الكتب المقدّسة اليهوديّة ولا في الكتب المقدّسة المسيحيّة. وإنه عادة فرعونيّة تناقلتها الأجيال عبر القرون «واستمرّت الأمّهات في ممارستها مع بناتهن، وحبّذ كثير من الآباء ممارستها مع بناتهم ظنّاً منهم أن في ذلك صوناً لعفاف البنت» [404] .

ورغم عدم وجود مصدر ديني يبرّر ختان الذكور أو الإناث في المسيحيّة، فإن موريس أسعد يفرّق بينهما. فهو يرفض عادة ختان الإناث

«ليس فقط من حيث إنها لم يرد لها أي ذكر في الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد، وإنّما لأنها عمليّة بشعة غير إنسانيّة، يتم فيها إستئصال بعض أجزاء من الأعضاء التناسليّة للمرأة. ومثل هذا البتر لأجزاء من جسد الفتاة تحرّمه المسيحيّة التي تحرّم على الإنسان أن يعبث بخلقة الله. فقد خلق الله الإنسان -الرجل والمرأة- على هذه الصورة الكريمة وليس من حق الإنسان أن يستأصل أي جزء من أجزاء جسده. فختان البنت يختلف عن ختان الولد إذ إن ختان الذكر ليس فيه إستئصال لأي عضو من جسم الإنسان، وإنّما فقط إزالة غشاء سطحي دون المساس بالعضو التناسلي للذكر. أمّا ختان الأنثى ففيه إستئصال لبعض أجزاء من الأعضاء التناسليّة للفتاة قد تكون جزءاً من البظر أو البظر كلّه وربّما أيضاً الشفران الكبيران، وعلى الخصوص في اقاصي الصعيد وفي السودان. ويروي لنا الأطبّاء ما يحدث من مضاعفات نتيجة لختان البنات» [405] .

ويضيف موريس أسعد أن

«المسيحيّين في أوروبا وأمريكا ومعظم بقاع آسيا لم يعرفوا هذه العادة على الإطلاق. وفي الشرق الأوسط على وجه التحديد لم تُعرف هذه العادة بين المسيحيّين العرب في أي من سوريا أو الأردن أو العراق أو لبنان أو فلسطين» [406] .

وهو يرى ضرورة التصدّي لتلك العادة:

«إن التمسّك بالإيمان المسيحي يلزم القادة المسيحيّين أن يواصلوا المشاركة في الإهتمام الوطني والقومي لمحاربة عادة ختان الإناث وذلك إنطلاقاً من إلتزام الكنيسة بالمشاركة في الجهود القوميّة لتبصير المواطنين لمواجهة سائر مشكلات الإنسان والمجتمع. وهكذا في إطار الإهتمام بحياة الأسرة والتربية الأسريّة والنمو بحياة المرأة والطفل تقوم الكنائس المسيحيّة في مصر بالتصدّي لهذه العادة السيّئة والعمل على القضاء عليها في مجتمعنا المصري جنباً إلى جنب مع جهودنا في مجال تنظيم الأسرة» [407] .

ونقرأ في المادّة 335 من التقنين الكنسي الذي ألّفه عوني برسوم ونشر عام 1994: «إن الشريعة المسيحيّة تشجب ختان البنات ولا تقر أي مساس بطبيعة جسد المرأة». وبعد أن أيّد عمليّة ختان الذكور دينيّاً وصحّياً، علّق على هذه المادّة قائلاً:

«الختان هو إهدار لطبيعة الأنثى إذ هو قطع ونزع لأعضاء أساسيّة من جسدها وهو إستئصال لأنسجة مليئة بالأوعية الدمويّة وهي شديدة الحساسيّة يترتّب عليها حرمانها من حاسّة طبيعيّة لها دورها الفعّال في نجاح العلاقة الجنسيّة والتحضير للوصول إلى ذروة الإرتياح الحسّي والعاطفي في العلاقة، التي هي من حقّها كشريك مع زوجها أن تحصل على هذا الشبع والإرتياح.

ومن ثم فإن ختان المرأة هو إهدار ومساس بطبيعة جسدها وهو أمر مؤثم وضد حقوق الإنسان الطبيعيّة، وإن الهدف منه عند ممارسته يشبه العمل التأديبي لغير جرم إرتكبته الأنثى. إن هذا العمل معارضة واحتجاج جاهل على الطبيعة الحقيقيّة التي أراد الله أن يجعل عليها الأنثى. فهذا العمل من العنصريّة في التفكير.

بل إن الأمر يدخل تحت طائلة التجريم العقابي في الدول المتحضّرة إذ إن هذا عبارة عن جرح عمد مجرم يمكن أن يصل إلى حد إعتباره عاهة شبه مستديمة يكون في نظر الشريعة إثماً. إن كل خليقة الله طاهرة ومقبولة فلا يجوز أن نعارض هذه الخليقة أو نطّوع شكل هذه الخليقة بإرادتنا. فلا يجوز مثلاً حرمان المرأة من شعرها ونعمة الجمال الذي أعطاه الله لها بغير عثرة للآخرين. كما ينص الكتاب: «من الفخر للمرأة أن تعفي شعرها لأن الشعر جعل غطاءاً لرأسها» (1 قورينتس 15:11). وهكذا ننظر خليقة الله باحترام وأن نحفظ هذه الخليقة بالوقار والعفّة وكل مظاهر اللياقة التي ليس فيها حجب أو إهدار لكرامة ونعمة خليقة الله» [408] .

هذا ونجد في كتاب الممارسات التقليديّة محاولة لرفض ختان الإناث من وجهة الدين المسيحي:

«ترفض المسيحيّة عادة ختان الإناث لما فيها تشويه لما خلق الله. إذ تحرّم المسيحيّة قطع أي عضو أو أي جزء ممّا خلقه الله على أبهى صورة: «فقد وضع الله الأعضاء كل منها في الجسد كما أراده» (1 قورنتس 18:12). وتدعو المسيحيّة إلى الإقلاع عن عادة ختان الإناث لما تسبّبه للفتاة من آلام نفسيّة وبدنيّة، ولما تتركه من أضرار في حياتها الحاضرة، وفي مستقبل حياتها الزوجيّة، ولما في هذه العادة من عدوان على حقوق الفتاة في الحفاظ على بدنها دون الإساءة إليه بقطع جزء من أعضائها «فخلق الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكراً وأنثى خلقهم» (التكوين 17:1) [409] .

يظهر من هذه المصادر القبطيّة الحديثة أن الأقباط المصريّين في أيّامنا يبيحون ختان الذكور للعادة ولأسباب صحّية، على أن يسبق العمّاد. ولكن الخلفيّة الدينيّة لم تختفي تماماً من ممارستهم له. أمّا ختان الإناث، فإنهم لا يجدون مبرّراً له، لا بل يرفضونه لأنه مساس بطبيعة المرأة ولأنه ضار. ورغم ذلك فإن كثيراً من الأقباط يمارسونه «ظنّاً منهم أن في ذلك صوناً لعفاف البنت».

ولا بد من ملاحظة أن تفريق المصادر القبطيّة الحديثة بين ختان الذكر وختان الأنثى، خاصّة فيما يتعلّق بتغيير الطبيعة البشريّة، غير منطقي، فختان الذكر هو تغيير للطبيعة البشريّة تماماً كما هو الأمر في ختان الأنثى. وهذه المصادر القبطيّة تجهل أو تتناسى موقف كيريلّوس الكبير بطريرك الإسكندريّة الرافض لختان الذكور الذي يعتبره «إتّهام لعمل الخالق» بأنه خلق عضواً في جسم الإنسان عبثاً. ونحن نعيب على برسوم خاصّة تناسيه القاعدة 311 التي وضعها في كتابه والتي تقول:

«أ) المبدأ العام أن كل خليقة الله حسنة وليس فيها شيء مرذول وكل ما يؤخذ منها حسب ناموس الله مقبول.

ب) لا تضف جمالاً على الجمال الذي أعطاه لك الله منذ ولادتك».

ويعلّق برسوم على هذه المادّة قائلاً:

«أ) بمعنى أنه لا يوجد شيء غير مقبول أو مرفوض من عطايا الله أو خلقه لتبغضه لأن الله «قد خلق كل شيء حسناً» (التكوين 31:1). ويحدّثنا الكتاب: «إني عالم علم اليقين في الرب يسوع أن لا شيء نجس في حد ذاته. ولكن من عد شيئاً نجساً كان له نجساً» (رومية 14:14) وكذلك أيضاً كل الأشياء طاهرة لكنّه شر للإنسان أن يأكل بعثرة ( (رومية 14:14). «ما طهّره الله لا تنجّسه أنت» (أعمال 15:10) [...]

ب) المبدأ واحد مع الشق أ) إن خليقة الله تقبلها كما هي لا كما يجب أن تكون في تقديرك الشخصي. فإذا كانت الخليقة كمأكل ومشرب فأقبله كما هو بشكر وطلبك أن يديمه الله عليك لا تغيّر من طبيعته أو أوصافه. كذلك كل صفات الوجه والجسد الذي خلق عليه الإنسان حسن ومقبول من يد الله. فلا تحاول المزايدة على الله في هذا الأمر فلا تزوّقي وجهك الذي خلقه الله، فليس فيه شيء ينقصه زينة، لأن كل ما خلقه الله هو حسن جدّاً. فنص الكتاب هو أن الزينة ليست الزينة الخارجيّة «بل الخفي من قلب الإنسان، أي زينة بريئة من الفساد لنفس وادعة مطمئنّة، ذلك هو الثمين عند الله» (1 بطرس 4:3) [410] .

وسوف نرى في الجزء الطبّي أن الأسباب الصحّية التي تدافع عنها المصادر القبطيّة الحديثة في تبرير ختان الذكر لا أساس لها من الصحّة بتاتاً. هناك إذاً قصور أخلاقي وعلمي كبير بين الأوساط الدينيّة والمثقّفة المسيحيّة القبطيّة في معالجة موضوع ختان الذكور. وسوف نرى في النقطة التالية أن الجدل الديني والأخلاقي الذي يدور بين مسيحيّي الولايات المتّحدة أكثر عمقاً ممّا يدور بين أقباط مصر.

الفصل الربع: الجدل الديني حول الختان عند المسيحيّين الأمريكيّين

تعتبر الولايات المتّحدة اليوم أكبر دولة مسيحيّة في العالم مارست وما زالت تمارس ختان الذكور على أطفالها على نطاق واسع لأسباب مختلفة غير ثابتة كان أهمّها في البداية الحد من العادة السرّية التي كانت تعتبر سبباً لعدد كبير من الأمراض، كما سنرى في الجزء الطبّي. ولكن لعب وما زال يلعب التفسير الحرفي للتوراة عند الأصوليّين المسيحيّين دوراً هامّاً في تثبيت ختان الذكور في هذا البلد.

ومثلها مثل بريطانيا، مارست الولايات المتّحدة منذ القرن التاسع عشر ختان الإناث على نطاق واسع، وما زالت تمارسه ولو على نطاق ضيّق. وكان القصد من ذلك أيضاً الحد من العادة السرّية. ولم نجد جدلاً دينيّاً عند مسيحيّي الولايات المتّحدة مؤيّداً أو رافضاً لختان الإناث كما هو الأمر فيما يخص ختان الذكور. لذا نقتصر هنا على الجدل الديني المسيحي حول ختان الذكور.

1) التفسير الحرفي للتوراة عند الأصوليّين المسيحيّين

دخل ختان الإناث في الولايات المتّحدة عام 1860 أخذاً عن الشعوب القديمة والقبائل الإفريقيّة من خلال دراسات علم الإنسان (الانتروبلوجية) التي أوضحت أن ختان الإناث يحد من النشاط الجنسي عندهن. وإذ أعتبر ختان الإناث مفيداً في هذا المجال، خاصّة للحد من العادة السرّية، رأى مؤيّدوه بأن تلك الفائدة يمكن أن تنتج أيضاً عن ختان الذكور. وهكذا تم إدخال ختان الذكور في الولايات المتّحدة عام 1870، أي عشر سنين بعد ختان الإناث. فلم يكن ختان الذكور ممارساً في ذلك البلد قَبل ذلك التاريخ إلاّ في حالات نادرة [411] .

وفي أيّامنا، أصبحت الأسباب وراء ختان الذكور في الولايات المتّحدة كثيرة ومتشابكة بين بعضها. فإذا ما سألت أهالي الأطفال حول سبب الختان، نجد أن منهم من يظن أن المستشفى أو القانون يفرضه. ومنهم من يرى فيه عادة إجتماعيّة تمارس من الأكثريّة لا يمكن تركها دون الوقوع تحت ضغط إجتماعي. وهناك من يريد أن يشابه الطفل أباه أو إخوته أو رفاقه في الصف. ومنهم من يظن أن الختان يعطي صبغة جماليّة للذكر. وهناك كثير من الأهل والأطبّاء الذين يحاولون ربط قرار الختان بأسباب طبّية [412] .

هذا ويلعب الدين دوراً في قرار الختان في الولايات المتّحدة. وقد نجد هذا السبب إمّا عند أهل الطفل أو عند الشخص الذي يقوم بالعمليّة أو عند إثنيهما. فمثلاً في حالة ختان طفل يهودي من قِبَل رجل دين يهودي نجد السبب الديني مهيمن عند أهل الطفل وعند الخاتن. وإذا تم ختان طفل مسلم من قِبَل طبيب مسيحي، فإن الأهل يرون في الختان ممارسة دينيّة، بينما يرى الطبيب في ذلك ممارسة صحّية بحتة. وعندما يقوم طبيب مسيحي بختان طفل مسيحي في المستشفى، فإن السبب الديني يكاد يكون مفقوداً عند الأهل وعند الطبيب وعامّة يظن كل من الأهل والطبيب أن الختان له أسباب صحّية. وهناك من يرى أن اليهود يقفون وراء إنتشار الختان في الولايات المتّحدة لغايات سنعود إليها في كتابنا القادم.

ورغم تشعّب الأسباب، إلاّ أنه لا يمكن إستبعاد أثر الدين حتّى عندما يتم الختان لأسباب صحّية. فالأسباب الصحّية تخفي من ورائها تبريرات دينيّة دخلت في تركيبة الفكر الأمريكي وأصبحت أحد مكوّناته اللاشعوريّة. وإضافة إلى هذا التأثير غير المباشر، هناك تيّار مسيحي بروتستنتي يساند الختان بين المسيحيّين بصورة صريحة تنفيذاً لمبادئ التوراة التي يعتبرها هذا التيّار كتاباً لا ينطق إلاّ بالحق. وعلى هذا الأساس، يرى هذا التيّار أن الله لم يأمر عبثاً إبراهيم بختن نفسه، ولا بد من حقيقة علميّة وفائدة طبّية وراء هذا الأمر. وهذا التيّار المسيحي يؤيّد عامّة اليهود حتّى في مجال السياسة ونجد بينهم من يدافع عن إسرائيل حتّى أكثر من اليهود أنفسهم. ولقد رأينا في عرضنا موقف «مارتن لوثر»، مؤسّس البروتستنتيّة أنه لا أثر في كتبه لمثل هذه الآراء. فكيف نشأ هذا الفكر في الولايات المتّحدة؟

يشرح «جيم بيجيلو»، وهو قس وعالم نفس أمريكي معارض للختان، بأن الأمر بدأ في شكل منافسة بين رجال الدين ورجال الطب. فمع تقدّم علم الطب ومقدرة الأطبّاء في شفاء عدد متزايد من الأمراض، أخذت منزلة الأطبّاء تعلو على منزلة رجال الدين في أعين الناس. وعندما بدأ الأطبّاء يلجأون إلى الختان كوسيلة للحد من العادة السرّية التي كانوا يظنّوها سبباً لكثير من الأمراض، وجد رجال الدين في هذه المناسبة وسيلة لتأكيد دورهم ولسان حالهم يقول: «ألم نقل لكم ذلك قَبل رجال الطب؟ أنظروا كيف أن الله كان على حق عندما فرض الختان على إبراهيم ونسله». ولم يكتفوا بذلك، بل حاولوا البحث في التوراة عن وصفات طبّية يمكن إستغلالها لإثبات أن التوراة كتاب مقدّس منزل من عند الله وهو احق بالإتّباع والتقدير من الأطبّاء [413] .

وقد إنضم إلى رجال الدين أطبّاء حاولوا بناء شهرتهم على صرحين: صرح العلم وصرح الدين. وهذا التوجّه الأمريكي المسيحي لا يختلف بتاتاً عمّا نجده عند بعض اليهود والمسلمين. ويكفي هنا التذكير بكتاب الطب النبوي والكتب الكثيرة المشابهة له التي تغزو السوق يومياً في العالم العربي والإسلامي. وسوف نستعرض هنا ما جاء في أربعة كتب من هذا التيّار المسيحي الأمريكي.

أ) موقف ماكميلان

نبدأ بكتاب الطبيب المسيحي «ماكميلان» والذي صدر عام 1963 وقد أعاد طبعه عام 1995 للمرّة الخامسة عشرة حفيده الطبيب «ستيرن» بعد أن أدخل عليه ما إستجد من معلومات طبّية مثل مرض الإيدز. وقد ذكر على غلافه أنه بيع منه أكثر من مليون نسخة. وعنوان الكتاب (لن أنزل بك أي من تلك الأمراض) مقتبس من سفر الخروج: «إن سمعت لصوت الرب إلهك، وصنعت ما هو مستقيم في عينيه، وأصغيت إلى وصاياه، وحفظت جميع فرائضه، لن أنزل بك أي من تلك الأمراض التي أنزلتها بالمصريّين، لأني أنا الرب معافيك» (الخروج 26:15). ويسأل مؤلّف الكتاب إن كان هذا الوعد ما زال ثابتاً حتّى قرننا هذا؟ ويجيب بأن العلوم الطبّية تكتشف دوماً كيف أن طاعة الأوامر القديمة خلّصت اليهود من الأمراض وأنها الوسيلة الأمثل للخلاص من ويلات كثيرة تصيب الجنس البشري [414] .

ويكرّس الكتاب في كل طبعة فصل عن الختان. وفي الطبعة الأخيرة التي بين أيدينا [415] ، يروي لنا الكتاب حالة سرطان ذكر أدّى بصاحبه إلى الموت، ويقول: «إن ما يجعل هذا الموت فاجعة كبيرة هو أن علم الطب قد أثبت أن مثل هذا السرطان يمكن تفاديه من خلال إتّباع الوصيّة التي أعطاها الله لإبراهيم قَبل أربعة آلاف سنة». ثم يدّعي المؤلّف أن اليهود قليلاً ما يصابون بمثل هذا الداء بسبب الختان. ففي عام 1932 لم يكن يهودي واحد بين 1103 إصابة بسرطان الذكر، ومنذ ذلك الوقت لم يكتشف بين اليهود إلاّ ست حالات من هذا السرطان. ولنا عودة إلى هذا الموضوع في الجزء القادم عند مناقشة الأسباب الطبّية وراء الختان لنبيّن مدى المغالطات العلميّة التي يقع فيها مؤيّدو كل من ختان الذكور والإناث.

ويرفض الكتاب ما يقوله بعض اليهود بأن الختان هو علامة عهد بين الله وبين شعبه وليس وصفة طبّية. فقد يكون لله قصد غير الفائدة الصحّية، ولكن الواقع أن اليهود إستفادوا من الختان صحّياً بطاعتهم أوامر الله. فحتّى لو أننا لا نعرف الأسباب الحقيقيّة وراء أوامر الله، فإننا نستفيد من إطاعتها في الحياة وفي الآخرة.

ويرى الكتاب أنه يجب إجراء عمليّة الختان في اليوم الثامن كما جاء في التوراة وهذا ما أثبته العلم بسبب بلوغ فيتامين «ك» أعلى كمّية في هذا اليوم. فإذا أجريت هذه العمليّة قَبل هذا العمر، هناك خطر النزيف الدموي، وإذا أجريت متأخّرة، فإن هذه العمليّة تؤدّي إلى مضاعفات نفسيّة لأن الطفل يعتبرها تعدّ على جسده. ويضيف الكتاب: «إنه يجب أن نحترم مئات العاملين في المختبرات الذين توصّلوا بعد سنين طويلة بأن أفضل يوم هو اليوم الثامن لأجراء تلك العمليّة. ولكن في نفس الوقت الذي نهنئ به علم الطب، فإننا نستمع إلى صفحات التوراة التي تؤكّد على ضرورة الختان في اليوم الثامن. وهذا اليوم الثامن لم يختاره عبقري في علم الإحصاء بل إختاره خالق الفيتامين «ك». وهنا المؤلّف يقدّم معلومات طبّية مغلوطة إذ إن فيتامين «ك» لا يظهر في جسم الطفل قَبل سن 15 يوم وليس قَبل 8 أيّام. كما أن الختان في هذا العمر يمثّل خطراً إضافيّاً بسبب إلتساق الغلفة بالحشفة عامّة، ممّا يتطلّب سلخها مع ما ينتج عن ذلك من نزيف كما سنرى في الجدل الطبّي. ولذلك من المفضّل إجراء الختان بعد سن الثالثة أو الرابعة عندما تكون الغلفة منفصلة عن الحشفة طبيعيّاً [416] . ونحن نرى بأنّه يجب ترك الولد دون ختان إلا في الحالات المرضيّة النادرة جدّاً عندما يصعب مداواتها.

ب) موقف دان جيمان

وهناك كتيّب نشره القس «دان جيمان» تحت عنوان: «أنظروا، أيها الأبناء، أن ميراثنا من الله» وهو مأخوذ من سفر المزامير: «ها إن البنين ميراث من الرب وثمرة البطن ثواب منه. كالسهام في يد الجبّار هكذا يكون أبناء سن الشباب. طوبى للرجل الذي ملأ جعبته منهم! فإنهم لا يخزون إذا رافعوا ضد أعدائهم عند الأبواب» (3:127-5) [417] .

يعتبر هذا الكتيّب الختان بأنه أمر إلهي ليس فقط للفائدة الصحّية بل أيضاً الأخلاقيّة. وعليه فكل نسل إبراهيم يجب أن يتمُّه، بما فيهم المسيحيّون. ولا يمكن إعتبار المعموديّة بديل عنه كما لا يمكن الإتّكال على ما جاء في الفصل الخامس عشر من سفر أعمال الرسل لإلغائه إذ أن القدّيس بولس قد ختن طموتاوس كما جاء في نفس السفر (أعمال 61:3). وإن كان بولس لم يختن طيطس (غلاطية 2:3) فذلك حتّى لا يُظن أن الختان ضروري للخلاص. ونحن لا نختن للخلاص بل لكي نثبت أننا من نسل إبراهيم ولأننا نريد أن نؤكّد على طاعتنا لله [418] .

ويضيف هذا الكتيّب أن الختان يحافظ على الطهارة. فعدم الختان تعبّر عنه التوراة بالنجاسة (حزقيا 7:44-9). فالختان يهدف إلى إضعاف الشهوة الجنسيّة. والرجال غير المختونين أكثر شهوة من المختونين ونساؤهم معرّضات لسرطان الرحم بدرجة أكبر. والأطفال غير المختونين يركّزون إهتمامهم في أعضائهم الجنسيّة ممّا يؤدّي للعادة السرّية والنشاط الجنسي. والحقيقة أن الله عندما أمر إبراهيم ونسله بالختان، فإنه كان يعلم ما يفعل. ومن المؤكّد بأننا سنستفيد روحيّاً وطبّياً من ممارسة الختان عندما نطيع أوامر الله. فنحن لا يمكننا أن نتعرّف على المسيح إلاّ إذا احترمنا وصاياه (1يوحنّا 3:2). إن العقل البشري قاصر عن أن يعي أن الله عندما يأمر فإنه يعطي بركات كثيرة لمن يطيع أوامره وإن من يعصي تلك الأوامر عليه أن يتحمّل نتائج عصيانه [419] . هذا ويستعرض الكتيّب الفوائد الصحّية والأخلاقيّة التي يجنيها الفرد من ممارسة الختان التي يجب أن تتم في اليوم الثامن تماماً كما أمر الله بها، ولا يمكن في أي حال تعديل هذا التاريخ، وهكذا نجلب لأطفالنا بركات طاعة الله وقوانينه [420] .

ج) موقف لايندسي

في كتيّبه المعنون «الموافقة بين العلم والكتب المقدّسة»، يقول لايندسي بأنه من الضروري إجراء الختان لأنه خضوع لرغبة الله، فالله لم يكن ليأمر اليهود بالختان لو كان ضارّاً بهم. وحتّى إن لا يؤمن الناس بالإحصائيّات التي تبيّن ضرورة الختان للنظافة، فإن هذه العمليّة يمكن إعتبارها حياديّة من وجهة النظر الطبّية. والمهم في الأمر هو الله [421] . وإن كان الأطبّاء يرفضون الختان فلأنّهم ضد الله. فغير المسيحيّين يبغضون كل عمل مرتبط بإله التوراة، والختان يذكّرهم بالعهد بين الله والإنسان [422] . والختان هو تشابه مع شعب الله وشرط لنيل بركات الله [423] .

د) موقف أرمسترونج

في كتيّبه المعنون «البعد المفقود للجنس»، يقول أرمسترونج بأن الله جعل الختان إجباريّاً في العهد القديم. وقد تم إلغائه جسديّاً ولكن ليس روحيّاً. ويطالب القدّيس بولس بإجرائه في القلب وليس في الجسد. ولكن بالتأكيد مسموح بإجراء الختان لأسباب جسديّة وصحّية. ولذلك يشجّع أرمسترونج بشدّة إجراءه على الأطفال الذكور. فالأم تضطر لسحب غلفة الطفل إن كان غير مختون لتنظيفه ويجب تعليم الطفل عندما يكبر سحب غلفته. وهذا يؤدّي إلى ممارسة العادة السرّية. وبما أن الله أمر إبراهيم ونسله بإجراء الختان فلا يمكن أن يكون ضارّاً. ويضيف أرمسترونج بأنه متأكّد من حصوله على موافقة الله بتشجيعه على إجراء الختان لأسباب صحّية وأخلاقيّة. وهو يرى بأنه يجب إجراء الختان في اليوم الثامن كما أمر الله. ويجب رفض إجرائه قبل ذلك التاريخ لراحة الأطبّاء. فهم لا يريدون أن يزعجوا مرّة ثانية في اليوم الثامن. ويجب قطع جزء بسيط لأن القطع الكبير يؤدّي إلى التهيّج الجنسي [424] .

وقد أصبحت هذه الآراء عملة متداولة في المجتمع الأمريكي. وبرهان ذلك قول للداعية الإنجيلي (كما يلقّب نفسه) «بات روبيرتسون» الذي يعتمد في دعايته على التلفزيون، وكان قد رشّح نفسه لرئاسة الولايات المتّحدة عام 1988: «إن كان الله قد أعطى أمراً لشعبه بأن يختن، فمن المؤكّد أن ذلك أمر حسن إذ إن الله كامل في حِكمته وعلمه» [425] .

2) رفض معارضي ختان الذكور للتفسير الحرفي

أ) موقف جيم بيجيلو

تصدّى لهذه الآراء المسيحيّة المتزمّتة القس وعالم النفس الأمريكي «جيم بيجيلو» الذي يرفض التفسير الحرفي للتوراة. فهو يقول بأنه إذا كان من الضروري إجراء عمليّة الختان طاعة لأمر إلهي توراتي، فلا بد أيضاً من طاعة جميع أوامر الله التي جاءت في التوراة كالتي تخص الأكل والتي يخالفها جميع المسيحيّين في الغرب. والتوراة تقول: «ولا تأكلوا شيئاً من الجيف، وإنّما تعطيها للنزيل الذي في مدينتك، فيأكلها أو تبيعها للغريب، لأنك شعب مقدّس للرب إلهك» (تثنية 21:14). ويتساءل: كيف يمكن أن يمنع الله «شعبه» من أكل الجيف، بينما يسمح به للنزيل والغريب؟ أضف إلى ذلك كل قواعد الطهارة بخصوص الأم وابنها [426] والتي تعتبر اليوم منافية للذوق والأخلاق ولقاعدة المساواة بين الرجل والمرأة.

ويشدّد المؤلّف على أنه لا يريد الإستهزاء بالتوراة، بل يريد أن يوضّح أن قواعد التوراة مرتكزة على إعتبارات رمزية وإطاعة. فليس فيها أي إعتبار طبّي يتماشى مع المعلومات الطبّية الحديثة. فالحُكم على شيء أنه نجس أو طاهر من قِبَل الله يقصد منه تعليم درس في الطاعة الرمزية من قِبَل شعب معيّن وفريد لأوامر الله [427] .

ويشير المؤلّف إلى أن الختان كما جاء في التوراة هو ختان رمزي ولا يمكن بأي حال أن نقارنه مع ما يجري اليوم. ولذلك لا يمكن أن نستخلص منه أيّة فائدة علميّة كما يدّعي البعض في أيّامنا. وإن كان من الضروري إتّباع وصايا الله كما جاءت في التوراة، فيجب بالأحرى عدم إجراء الختان كما يقوم به رجال الدين اليهود اليوم والذي لا يتّفق مع تعاليم التوراة [428] .

ثم يتساءل المؤلّف لماذا ترك الله شعبه مدّة أربعين سنة في الصحراء دون ختان (أنظر سفر يشوع: الفصل 5)؟ فإن كان الختان ضرورة صحّية، لما كان الله قد عرّض شعبه في الصحراء لهذا الوضع ولكان فرض عليهم الختان هناك [429] . ثم كيف يمكن أن يترك الله الشعب المسيحي لمدّة عشرين قرنا دون ختان معتبراً هذه الممارسة «لا شيء» حسب قول القدّيس بولس (1 قورنتس 19:7)؟ هل يمكن أن يعرّض الله المؤمنين كل هذه المدّة للمخاطر الصحّية لعدم الختان بينما نعتبر نحن أن الكتب المقدّسة موحاة من الروح القدس؟ [430] ويختم المؤلّف قوله: «منطقياً، لا يمكنك أن تنتقي حسب رغبتك. فعليك أن تعتبر أن قوانين الكتاب المقدّس اليهودي الذي أنزل من إله حكيم هي كلّها قوانين طبّية أو أنها شيء آخر. وإذا ما نظرنا لتلك الأوامر التي ناقشناها سابقاً، يظهر أنه بالإمكان إعتبار أن غاية الله لم تكن إيحاء معلومات طبّية من خلال قوانينه، بل لتشكيل شعب خاص على الأرض» [431] .

ونحن إذ نتّفق مع المؤلّف بأن التوراة ليست كتاب طب، نختلف معه في إعتبار الشعب اليهودي «شعب خاص على الأرض». ونحن نرى أن التوراة هو كتاب كغيره من الكتب يحتوي على الغث والسمين في كل ما هب ودب وعلى تعليمات مخالفة للأخلاق ولا تتّفق لا مع المعطيات العلميّة في زمننا ولا مع مبادئ حقوق الإنسان. فلا داعي في نظرنا لكل هذا الدوران واللف في تبرير التوراة.

ب) موقف رومبيرج

قامت الممرّضة الأمريكيّة المسيحيّة «روزماري رومبيرج»، وهي متزوّجة من يهودي، بتأليف كتاب ضد ختان الذكور والإناث [432] . ثم نشرت مذكّرة من ست صفحات عنوانها «الختان والعائلات المسيحيّة» الغاية منها إقناع هذه العائلات بأن الختان مرفوض من وجهة النظر المسيحيّة [433] .

تقول هذه المؤلّفة إن العائلات المسيحيّة تختن أطفالها رغم معرفتها أن لا فائدة طبّية للختان. والسبب من ذلك هو شعور بأنه قد يكون للختان فائدة ما دام أنه مذكور في التوراة. إلاّ أن التوراة تحتوي على أمور لا يمكن تقبّلها في زمننا مثل حرق الحيوانات. إن المسيح، بالنسبة للمسيحي، قد أصبح علامة العهد التي ألغت كل ممارسات العهد القديم، بما فيها الختان. وتُذكِّر بما دار من جدل بين الرسل الذين ألغوا فريضة الختان واعتبروه «لا شيء»، وأن المسيحيّين لم يختنوا إلاّ نادراً خلال الفي عام. كما أن كثير من الثقافات لا تعرف الختان.

وتتساءل المؤلّفة إن كانت التوراة قد أمرت بالختان لأسباب طبّية. وتجيب بأن التوراة لم تذكر ذلك، لا بل إنها تتكلّم في بعض فقراتها عن ختان رمزي مثل ختان القلب وختان الأذنين. ولكن ماذا عن ختان المسيح؟ تجيب المؤلّفة أن مريم ويوسف كانا يهوديين لا خيار لهما في ختان طفلهما في ذاك الوقت. وقد فسّر آباء الكنيسة هذا الختان بصورة خاصّة. فيقول القدّيس أمبروسيوس: «ما دام أن المسيح قد دفع الثمن بآلامه، لم يعد هناك سبب لإنزال دم كل فرد بالختان». وكثير من الناس يتساءلون عن مدى أخلاقيّة تعريض الطفل لصدمة الختان ليس إلاّ لأن المسيح أو شخصيّة أخرى قد تم ختانهما. وتقول المؤلّفة إن الذين يعتمدون على قصّة ختان المسيح لتبرير ختان الأطفال، عليهم أيضاً أن يتذكّروا قصّة صلب المسيح. فكلا الأمرين تعذيب لشخص بريء.

وبخصوص فوائد الختان الطبّية، ترى المؤلّفة أنه قد تم إدخال الختان في القرن الثامن عشر لأسباب خرافيّة مثل الوقاية من العادة السرّية أو من الأمراض. وقد أثبت العلم بأن هذه الأسباب لا أساس لها من الصحّة. ويتم الختان في أيّامنا في المستشفى كطقس إكتسب قدسيّته ككل العمليّات التي تقام في المستشفى. والمسيحي مطالب بأن لا يقدّس دين مغلوط أو أي شيء آخر، وأن لا يعبد إلاّ الله. فكل عبادة لغير الله مرفوضة وتخالف المعتقد المسيحي.

وتضيف المؤلّفة أن كل من يرفض الإجهاض، لأنه تعدّي على طفل قَبل ولادته، يجب عليه أن يرفض الختان لأنه تعدّي على الطفل بعد ولادته. فالختان يتم دون إذنه ويعرّضه لألم غير ضروري. والقيام بختان الطفل يخالف مبدأين من المبادئ الدينيّة المسيحيّة: المبدأ الأوّل ما جاء في رسالة القدّيس بولس: «إن ثمر الروح هو المحبّة والفرح والسلام والصبر واللطف وكرم الأخلاق والإيمان والوداعة والعفاف. وهذه الأشياء ما من شريعة تتعرّض لها» (غلاطية 22:5-23). والمبدأ الثاني، والذي يدعى القاعدة الذهبيّة، جاء في إنجيل متّى: «كل ما أردتم أن يفعل الناس لكم، إفعلوه أنتم لهم: هذه هي الشريعة والأنبياء» (12:7). فالختان يعرّض الطفل للآلام. وقد تكوّنت جمعيّات مكافحة الختان على مبدأ الرحمة نحو الطفل الذي يفصل عن أمّه ويقطع، وهذا مخالف لثمر الروح. فعلى المسيحي أن يكون مليءً بالمحبّة نحو الآخرين ويعطي المثل الصالح في هذا المجال. ولكن الذي نراه أن كثيراً من غير المسيحيّين أكثر رأفة على الأطفال من المسيحيّين. على المسيحي أن يتّسم بالشجاعة ويرفض أن يسير وراء الذين يمارسون الختان كمن يتبع قطيع من الخراف.

هذا وتتذمّر المؤلّفة من عدم سماع صوت مسيحي منتظم يرتفع لإبطال تلك العادة، وتطالب الكنائس المسيحيّة أخذ موقف ضد ختان الأطفال. وتتساءل كيف يمكن للمسيحيّين أن يتعاملوا مع الغير على أساس القاعدة الذهبيّة وبمحبّة ورفق إن كانوا هم أنفسهم لا يحترمون أطفالهم ولا يشفقون عليهم؟

الفصل الخامس: ظواهر مسيحيّة غريبة حول الختان

سوف نكرّس هذا الفصل لظواهر مسيحيّة غريبة لها علاقة بالختان: تكريم ختان السيّد المسيح وطائفة الخصيان الروس واستعمال الخصيان في ترانيم الكنيسة.

1) تكريم ختان المسيح وغلفته

رغم أن التيّار العام عند المسيحيّين قد سار وراء حذف فريضة الختان، أقامت الكنيسة عيداً لختان المسيح ولم يُلغَ هذا العيد عند الكاثوليك إلاّ بعد الإصلاح الليتورجي في عام 1971 على أساس قرارات مجمع الفاتيكان الثاني ولكن دون توضيح الأسباب.

كان اليوم الأوّل من السنة مكرّساً لذكرى اليوم الثامن من ميلاد المسيح ولتكريم العذراء مريم. وقد أضيف إليه ذكرى ختان المسيح. ولا يعرف تماماً متى تم إدخال هذا الحدث في الشعائر المسيحيّة. فمنهم من يرجعه إلى الرسل. وأوّل ذكر له نجده في المجمع الذي عقد في مدينة «تورز» الفرنسيّة عام 567. وهذا المجمع يتكلّم عنه وكأنه عادة قديمة يتم الإحتفال بها في أوّل يوم من السنة. وهذا اليوم كان يصادف في روما ومدن رومانيّة أخرى عيداً وثنيّاً شهيراً لتكريم الإله «يانوس»، ومن هنا جاء إسم الشهر «يناير»، وهو يوم عبث وفواحش. والقصد من وضع العيد المسيحي في هذا اليوم هو تجنيب المسيحيّين المشاركة في العيد الوثني وكذلك للتكفير بالصلاة والصوم عن الآثام التي تقترف في هذا اليوم [434] .

بالإضافة إلى عيد ختان المسيح، هناك هوس ديني حول غلفة المسيح. وقد جاء ذكر لهذه الغلفة في رواية يحكيها «الإنجيل العربي للطفولة» الذي يُنسب إلى القرن السادس الميلادي، وهو من الأناجيل المنحولة التي لا تعترف بها الكنيسة. تقول الرواية في نصّها العربي:

«ولمّا كانت أيّام الختانة وهو اليوم الثامن أوجبت السُنّة ختانة الصبي فختنوه في المغارة أيضاً. وأخذت العجوز العبريّة تلك الجلدة المقطوعة. وقد كان لها إبن عطّار فوضعتها عنده في قارورة دهن الناردين الفايق وتقدّمت إليه وقالت إيّاك أن تبع هذه القارورة الناردين ولو دفع إليك بها ثلثمائة دينار. وهذه القارورة هي التي إبتاعتها مريم الخاطئة وسكبتها على رأس يسوع» [435] .

وقصّة هذه القارورة دون ذكر لغلفة المسيح جاءت في ثلاثة أناجيل [436] . ومها يكن من مصير هذه الغلفة، إلاّ أنها أصبحت موضع تعبّد في القرون الوسطى. وهناك عدد من الكنائس الأوروبيّة التي تتنافس في إمتلاك غلفة المسيح [437] . وقد طرح أمر تكاثر غلفة المسيح على البابا انوسينسوس الثالث (1160-1216) فحكم بأنه من الأفضل ترك الأمر لعلم الله بدلاً من البت فيها دون تيقّن. وهكذا تجنّب غضب مالكي الذخيرة. فاستمرّت الكنائس بعرض ذخيرتها المقدّسة. ولكل ذخيرة أساطيرها وأعاجيبها.

فمثلاً غلفة المسيح التي في Abbaye de Couloumbs عندها مقدرة في شفاء العقم وتساعد الحبالى في ولادة أولادهن. وفي عام 1422، طلب الملك هنري الخامس من رئيس الدير أن يعيره تلك الذخيرة بعد إحتلاله لجزء من فرنسا لكي يأخذها لزوجته كاترينا في لندن التي كانت حاملاً. وما لمست تلك الذخيرة، حتّى وضعت إبناً ذكراً هو الذي أصبح الملك هنري السادس. وبعد ذلك أعادها الملك إلى فرنسا. إلاّ أنه خوفاً من أخطار الحرب على الدير التي أتت منه، وضع الغلفة مؤقّتاً في باريس في Sainte-Chapelle de Paris . وعند تذمّر الدير صاحب الغلفة، قرّر وضعها في دير آخر ينتمي إلى نفس الجمعيّة في باريس على أن لا تُخرَج من هذه المدينة. ولكن رهبان الدير الأصلي إستطاعوا الحصول على قرار ملكي عام 1447 بعودة الذخيرة إليهم. وقد قدم الملك لويس الحادي عشر عام 1464 إلى الدير ليكرّمها.

وقد رأى القدّيس واللاهوتي «بونافتورا» (توفّى عام 1274) أن المسيح قام مع غلفته والتي قد تكون قد نمت مع التغذية تاركاً غلفته التي قطعت منه للتعبّد. أمّا اللاهوتي اليسوعي «سواريز» (توفّى عام 1617) فقد تعرّض لسؤال مشابه حول الذخيرة المحفوظة في Saint-Jean de Latran في روما. فأجاب أن جسد المسيح قد قام كاملاً فيما يخص أجزاءه المتماسكة: لحمه وعظمه ورأسه ويديه ورجليه الخ. وكذلك الأمر فيما يخص شعره ولحيته وأسنانه وأظافره الخ. أمّا غلفته فلم تقم معه. وقد ذكر «روجي بيرفيت» في روايته المعنونة «مفاتيح القدّيس بطرس» [438] أن الكنيسة الكاثوليكيّة قد منعت التكلّم عن غلفة كنيسة اللاتران بقرار صادر عام 1900 تحت طائلة الحرمان بعد أن نشر بروتستنت ألمان مقالات عن هذه الغلفة تستهزئ بالكنيسة. وقد أكّدت الكنيسة على هذا المنع عام 1954. وقد كتب المؤلّف وصفاً مطوّلاً للجلسة التي عقدت في الفاتيكان في هذا الخصوص. ولا ندري إن كانت هذه الجلسة حقيقيّة أم من نسج خياله. إلاّ أن المعلومات التي عرضها حول قصّة هذه الغلفة تاريخيّة.

وبخصوص غلفة المسيح الموجودة في Charroux تذكر الأسطورة أن «شارلمان» (توفّى عام 814) قد حصل عليها من الإمبراطورة «إيرين» كهديّة بمناسبة خطوبته. ثم أهداها «شارلمان» إلى دير Charroux عند تأسيسه له. وقد منح عدد من الباباوات بركات خاصّة لمن يحضر عرض هذه الذخيرة في إحتفال ديني. وقد إختفت هذه الذخيرة من الدير خلال إحتلاله من قِبَل البروتستنت ( Huguenots ) في القرن السادس عشر. ثم عادت للظهور عام 1856 في علبة إكتشفها عامل كان يهدم حائط. فقرّر الأسقف أن ما بداخل العلبة هو غلفة المسيح المختفية. فأعادها إلى دير الراهبات الأصلي مع التكريم وأعاد عرض الغلفة في الإحتفالات الدينيّة [439] .

وهناك قصص دينيّة كثيرة تدور حول غلفة المسيح. فالراهبة «أغنيس بلانبيكان» (توفّت عام 1315) كانت منذ صغرها تتألّم ألماً كبيراً كل أوّل يناير (يوم ذكرى ختان المسيح) وكان لها رؤيا متكرّرة وهي تبتلع تلك الغلفة ثم تشعر بها على لسانها بلذّة كبيرة [440] . والقدّيسة «بريجيت» (توفّت عام 1375) تروي أن العذراء مريم قد ظهرت لها وأوحت لها أموراً قامت بتسجيلها. من بينها ما يلي:

«عندما ختن إبني، إحتفظت بغلفته بكل تبجيل حيثما ذهبت. كيف يمكنني أن أضيّع ما كوّن في بطني دون خطيئة أصليّة؟ وعندما نمت نومي الأخير، سلّمت هذه الغلفة إلى القدّيس يوحنّا الإنجيلي الذي كان حارسي. وبعد ذلك أخفيت حتّى تجنّب خبث الناس فبقيت مجهولة مدّة طويلة. ولكن ملاك الله أوحى بوجودها إلى النفوس التقيّة. آه يا روما، لو عرفتِ لابتهجتِ، أو لبكيتِ، لأن فيك كنزاً عزيزاً علي ولكنك لا تمجّدينه».

وكانت القدّيسة «كاترين دي سيين» (توفّت عام 1380) تدّعي أنها عروس المسيح وأنها تحمل بخنصرها خاتماً لا يراه غيرها هو غلفة المسيح [441] .

2) الكنيسة بين الختان والخصيان

لقد رأينا سابقاً كيف أن المسيحيّين رفضوا فريضة الختان كما جاءت عند اليهود رغم أن بعضهم ما زال يمارسها. ولكن هذا الموقف لم يكن ناتجاً عن منطق إنساني (إحترام سلامة الجسد وحرّية الآخرين) بل عن منطق لاهوتي وسياسي (إستبدال عهد الختان بعهد المعموديّة، وجذب الوثنيّين لدخول الدين الجديد). وعدم الأخذ بالإعتبار إحترام الجسد وحرّية الآخرين أدّى إلى تناقض غريب. فمن جهة رفض المسيحيّون الختان، بينما قَبلوا ما هو أبشع منه، وهو نظام الخصي. وسوف نقتصر هنا على ظاهرة طائفة الخصيان في روسيا وظاهرة الخصيان في ترانيم الكنسيّة. وما كانت هاتان الظاهرتان لتوجدا لو أن المسيحيّين أخذوا بمبدأ سلامة الجسد واحترام الغير بدلاً من الإعتبارات اللاهوتيّة والسياسيّة.

أ) طائفة الخصيان في روسيا

مارست كل الحضارات في العالم نظام الخصي. ويُظن أن أوّل من قام بتلك العمليّة هم الفرس وأن الكلمة castration (الخصي) قد جاءت من كلمة sastram التي تعني «السكّين» في اللغة السنسكريتية، أم اللغات الهندوأوروبيّة. وكان الرومان واليونانيون يتاجرون بالخصيان الذين يجلبونهم من إفريقيا وآسيا. فكانوا يرون أن الحيوان الخصي أكثر سهولة للتدجين والقيام بالأعمال من الحيوان غير الخصي. وعلى أساس ذلك إستعملوا الخصيان عبيداً في المنازل.

وأستُعمِل الخصي في العصور الوسطى في أوروبا كوسيلة لتعذيب الأسرى أو كعقاب على جرائم مثل الإغتصاب. كما أن كلّيات الطب لجأت للخصي لأسباب وقائيّة أو علاجيّة مثل البرص والجنون والصرع وانتفاخ الخصية وداء المفاصل والفتق وأمراض أخرى. ويذكر في هذا السبيل أن جمعيّة الطب الملكيّة قامت بإحصائيّات عام 1676 في إحدى مقاطعات فرنسا تبيّن منها أن أكثر من 500 طفل تم خصاؤهم بسبب الفتق [442] .

وللخصي علاقة بالدين. فقد كان شرطاً للإلتحاق بخدمة بعض الآلهة كإلهة الخصب «سيبيل» التي إنتقلت من منطقة فريجيا إلى بلاد اليونان والرومان في القرن الثالث قَبل المسيح حتّى أصبحت إلهة رسميّة في روما. وتروي الأسطورة التي تحيط بهذه الإلهة أن عشيقها «أتِّيس» قد بتر أعضاءه الجنسيّة في حمية الشوق ومات من نزيف الدم تحت شجرة. وكل من كان يريد أن يصبح خادماً لـ«سيبيل» كان عليه أن يبتر أعضاءه الجنسيّة مثل عشيقها ضمن إحتفالات دينيّة صاخبة. وكان الخصيان يرمون أعضاءهم على الجموع. وكان رئيس الكهنة يجرح ذراعه وينزف دماً على هيكل الإلهة تكريماً لها. والمكرّسات لخدمة الإلهة كانت أيضاً تبتر أحد ثدييها أو كليهما. ويلاحظ هنا أنه كان ممنوعاً إستعمال المعدن في عمليّات البتر تلك التي كانت تجرى بحجر صوّان. وفي هذه المناسبة كان يتم خصي الحيوانات ثم ذبحها على لوح من خشب فيه ثقوب. وكل من يريد أن تغفر له آثامه كان يمر تحت الخشبة حتّى يتطهّر بالدم [443] . هذا وقد حرّمت التوراة خصي رجال الدين: «لا يدخل مرضوض الخصيتين ولا مجبوب في جماعة الرب» ( تثنية 1:23). وكلمة مجبوب تعني الرجل الذي قطع ذكره. ومن خدمة الآلهة، تحوّل الخصي وسيلة لتأمين خدمة الحريم ومراقبتهن. وكان عدد هائل من الخصيان يستعملون لهذه المُهمّة في بلاط الإمبراطوريّة العثمانيّة.

وقد أخذ بتر الأعضاء الجنسيّة معنى التخلّص من عضو غير طاهر، حتّى سمّيت عمليّة الختان بالتطهير أو الطهارة عند العرب. وأطلق على الأعضاء الجنسيّة التي تبتر عبارات مثل «مفاتيح الجحيم» و«التنّين المتوحّش». وهكذا تحوّل بتر الأعضاء من عمليّة تكريم للآلهة إلى عمليّة تطهير. ونحن نجد تقارباً بين كلمة الحرم والحرمة والحرام والحريم التي تغيّر معناها من الأمر المقدّس الذي لا يمكن مسّه إلى الأمر الممنوع. هكذا تتحوّر الأفكار والكلمات من معنى إلى معنى آخر [444] .

وقد لجأ بعض المسيحيّين إلى الخصي كوسيلة لتكريم الله والتخلّص من عضو غير طاهر وبرّروا ذلك بعدّة نصوص من الكتب المقدّسة بعهديها القديم والجديد، بنفس الأسلوب الذي يبرّر فيه اليهود ختان الأطفال. نذكر منها:

«طوبى للخصي الذي لم تفعل يده إثماً ولم يفكّر أفكاراً شرّيرة على الرب! فإنه سينال لأمانته نعمة ساميّة ونصيباً شهياً في هيكل الرب» (الحِكمة 14:3).

«لا يقل الخصي: ها أنا شجرة يابسة. إنه هكذا قال الرب للخصيان: الذين يحافظون على سبوتي ويؤثّرون ما رضيت به ويتمسّكون بعهدي أعطيهم في بيتي وداخل أسواري نصباً واسماً خيراً من البنين والبنات وأعطي كل واحد منهم إسماً أبديّاً لا ينقرض» (أشعيا 3:56-5).

«سمعتم أنه قيل: لا تزنِ. أمّا أنا فأقول لكم: من نظر إلى إمرأة بشهوة، زنى بها في قلبه. فإذا كانت عينك اليمنى سبب عثرة لك، فاقلعها والقها عنك. فلأن يهلك عضو من أعضائك خير لك من أن يلقى جسدك كلّه في جهنّم. وإذا كانت يدك اليمنى سبب عثرة لك، فاقطعها والقها عنك. فلأن يهلك عضو من أعضائك خير لك من أن يذهب جسدك كلّه إلى جهنّم» (متّى 27:5-30).

«هناك خصيان ولدوا من بطون أمّهاتهم على هذه الحال. وهناك خصيان خصاهم الناس. وهناك خصيان خصوا أنفسهم من أجل ملكوت السماوات» (متّى 11:19).

«طوبى للعواقر والبطون التي لم تلد، والثدي التي لم ترضع» (لوقا 29:23).

«إن كان لا بد من الافتخار فسأفتخر بحالات ضعفي» (2 قورنتس 30:11).

«أميتوا إذاً أعضاءكم التي في الأرض بما فيها من زنى وفحشاء وهوى وشهوة فاسدة وطمع وهو عبادة الأوثان» (قولسي 5:3).

«فالذي لم تستطعه الشريعة، والجسد قد أعياه، حقّقه الله بإرسال إبنه في جسد يشبه جسدنا الخاطئ، كفّارة الموت [...]. فالجسد ينزع إلى الموت، وأمّا الروح فينزع إلى الحياة والسلام. ونزوع الجسد عداوة لله [...]. والذين يحيون في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله» (رومية 3:8، 6، 8).

«لا تَحِبُّوا العالم وما في العالم. من أحب العالم لم تكن محبّة الله فيه لأن كل ما في العالم من شهوة الجسد وشهوة العين وكبرياء الغنى ليس من الرب بل من العالم» (1 يوحنّا 16:2).

«وسمعت أن عدد المختومين مائة وأربعة وأربعون ألفاً من جميع أسباط بني إسرائيل» (الرؤيا 4:7).

«ورأيت حملاً واقفاً على جبل صهيون ومعه مائة وأربعة وأربعون ألفاً كتب على جباههم إسمه واسم أبيه [...] ولم يستطع أحد أن يتعلّم النشيد إلاّ المائة والأربعة والأربعون ألفاً الذين افتدوا من الأرض. هؤلاء هم الذين لم يتنجّسوا بالنساء، فهم أبكار» (لرؤيا 1:14، 3-4).

وأشهر حالة خصي في المسيحيّة هي التي قام بها «أوريجين» على نفسه عندما كان شابّاً. وقد حاول الأسقف والمؤرّخ «أوزبيوس» (توفّى عام 340) تبرير تصرّفه. فهو يقول بأنه عندما كان «أوريجين» يقوم بدور معلّم التعليم المسيحي في الإسكندريّة قام بعمل هو أكبر برهان على عدم بلوغه وصغر سنّه، وأيضاً على إيمانه وطهارته. فقد فهم بصورة مبسّطة وطفوليّة قول المسيح المذكور أعلاه (متّى 11:19) فخصى نفسه إمّا لإتمام قول المسيح، وإمّا لأنه كان يُعَلِّم كلمة الله في شبابه للرجال وللنساء على السواء فأراد أن يبعد عنه شبهات الوثنيّين [445] . وقد أخفى أوريجين هذا الأمر عن أكثر أصدقائه. ولكن رئيس كنيسته كشف أمره غيرةً للأساقفة عندما رُسم كاهناً. وقد قرّرت عدّة مجامع كنسيّة حرمان أوريجين من الكنيسة لعدّة أسباب من بينها تصرّفه هذا.

ومن بين الشيع المسيحيّة التي مارست الخصي نخص بالذكر في القرن الثالث الميلادي شيعة أسّسها «فاليزيوس»، الذي يُظن أنه من أصل عربي. وكان مركز هذه الشيعة في «بقاطه» قرب «ناعور» في الأردن. وكانت هذه الشيعة تمارس بتر الأعضاء الجنسيّة لتفادي السقوط في الخطيئة. كما كانت تمتنع عن شرب الخمر وأكل اللحم. وكانت تلجأ للإقناع أو الوعود المادّية أو القوّة لخصي أتباعها [446] .

وقد جاء في قرارات «مجمع نيقية الأوّل» الذي عقد عام 325 أنه إذا تم خصي شخص من قِبَل طبيب خلال مرضه، أو أنه كان قد خصي من البرابرة، فليبقَ في منصب الكهنوت. ولكن إذا خصى شخص نفسه وهو بصحّة جيّدة بمحض إرادته، فأنه يجب فصله عن منصب الكهنوت كما أنه يجب عدم قبوله في ذلك المنصب مستقبلاً. أمّا الذين خصيوا من قِبَل البرابرة أو سادتهم، فيحق إدخالهم في منصب الكهنوت إذا إستحقّوا ذلك [447] . إلاّ أن الكنيسة الشرقيّة لم تحترم منع المخصيّين من الوصول إلى المناصب الدينيّة. ففي دولة بيزنطة كان الخصيان يحتلّون مناصب عالية في الدولة وفي الكنيسة. وقد أسّس بطريرك القسطنطينيّة غريغوريوس الخامس (1739-1821) رهبانيّة تضم عذارى وخصيان. كما أننا نجد 72 قدّيسا مسيحيّاّ مخصيّين [448] .

كان لبيزنطة تأثيراً على روسيا حيث نجد ذِكراً للخصيان في بداية القرن الحادي عشر. وقد عرفت روسيا عدداً من الأساقفة الخصيان. ولكن ظاهرة الخصيان إنتشرت هناك خصوصاً في القرن الثامن عشر إذ تكوّنت هناك طائفة تدعى طائفة الخصيان. وقد كتب «فولكوف» دراسة مستوفية عن هذه الطائفة باللغة الروسيّة عام 1929 تمّت ترجمتها حديثاً بالفرنسيّة. ونحن نعتمد عليها هنا.

عند هذه الطائفة خليط من الأفكار الدينيّة المسيحيّة والوثنيّة وتعتبر تطويراً لطائفة روسيّة أخرى تدعى طائفة الذين يجلدون أنفسهم. ويتّبع أعضاء هذه الطائفة عامّة مبدأ التقيّة في معاملاتهم مع الخارج. فالعضو يحلف بأن لا يذيع سر الطائفة ولو عُذِّب حتّى الموت. وكانوا يعيشون في جماعات ليس فقط في الريف ولكن أيضاً في المدن. وكانت هذه الجماعات في بدايتها منفصلة عن بعض ثم ربط فيما بينها. وقد تم تنظيم هذه الطائفة حوالي عام 1820 [449] .

ترى هذه الطائفة أن الله خلق آدم وحوّاء على صورته. والإختلاف بين الله والإنسان نتج بعد الخطيئة الأصليّة بنمو الأعضاء الجنسيّة للرجل والمرأة التي تُذَكِّر في شكلها جذع شجرة التفّاح وثمرتها. وإذ إن البشر تاهوا في آثامهم، أرسل الله لهم إبنه المسيح واتّخذ له إثنتى عشر تلميذاً وخصى نفسه وخصى تلاميذه. ولكن زيارته هذه للأرض لم تأتِ بنتيجة، فوعد أن يأتي ثانية. وفي زيارته الثانية جاء في روسيا في شخص «سليفانوف» الذي ظهر على الساحة عام 1774. وتنسبه الطائفة للعائلة المالكة وتطلق عليه لقب القيصر بطرس الثالث، المخلّص الثاني، الإله الصباؤوت. وهو ليس الشخص الوحيد الذي إدَّعى أتباعه أنه المسيح في روسيا [450] . وهذا الفكر ليس بعيداً عن الفكر اليهودي الذي يعتقد بمجيء المسيح، أو بالفكر الإسلامي الذي يعتقد بمجيء المهدي المنتظر. وقد عاش «سليفانيف» حياة مليونير يزوره التجّار والأغنياء من كل روسيا يتبرّكون به ويقدّمون له الهدايا. ويعتقد كثير من أعضاء الطائفة أنه ما زال حيّاً وأنه سوف يرجع من جديد للعالم. وحين ذاك سيكون يوم الدينونة.

ولطائفة الخصيان طقوس دينيّة يلبسون فيها فوق ملابسهم قميصاً أبيضاً طويلاً. ولذلك يطلقون على أنفسهم إسم «الحمائم البيض». ويختارون أحد أعضائهم ليتنبّأ لهم بفتح كتاب المزامير بمفتاح يضعه عليه بحيث يمس نصّين. وهم في ذلك يفسّرون كلمات الكتاب المقدّس: «الويل لكم يا علماء الشريعة. قد إستوليتم على مفتاح المعرفة. فلم تدخلوا أنتم. والذين أرادوا الدخول منعتموهم» (لوقا 52:11)؛ «والى ملاك الكنيسة التي بفيلدلفية، أكتب: إليك ما يقول القدّوس الحق، من عنده مفتاح داود» (الرؤيا 7:3). وفتحهم المزامير نابع من إيمانهم أن مؤلّف هذا الكتاب هو داود. ثم يلجأون إلى حركات تشبه حركات الدراويش حيث يدورون حول أنفسهم في غرف مغلقة حتّى يبتلّون فيها من العرق ويدخلون في الغيبوبة. وهم يعتمدون في ذلك على نصوص من التوراة تشير إلى أن داود رقص أمام الرب (2 صموئيل 5:6 و14:6-22) [451] .

وترى طائفة الخصيان أنه حتّى يرجع الإنسان ليشبه الله والملائكة عليه أن يقطع الأعضاء الجنسيّة التي ترمز إلى خطيئة آدم وحوّاء. فبقطع هذه الأعضاء يتم نزع «مفاتيح الجحيم» التي تمنع من الذوبان في الذات الإلهيّة. ويتم الإنتماء لطائفة الخصيان بتقديم المرشّحين خلال الطقس الديني ويطلق عليهم إسم «المبتدءون» الذين لا يتم كمالهم إلاّ بعد التخلّص من الأعضاء الجنسيّة والتناسليّة. فيبدأون بالقضاء على الخصيتين بالحديد المحمّى أو سكّين أو مقص أو فأس. ويسمّون هذه العمليّة «التطهير الأوّل» أو «الختم الأصغر»، أو «ركوب الحصان الأنمر». ثم يتبعون الخصي ببتر القضيب ذاته، ويسمّى «التطهير الثاني» أو «الختم الملكي» أو «ركوب الحصان الأبيض». وعبارة الختم تشير إلى الآية في سفر الرؤيا التي تتكلّم عن المختومين (4:7) والتي ذكرناها أعلاه. والعبارة الحصان الأبيض نجدها في سفر زكريّا: «وعدت ورفعت عيني ورأيت رؤيا، فإذا بأربع مركبات خارجات من بين جبلين، والجبلان جبلا نحاس. وفي المركبة الأولى أفراس حمر وفي المركبة الثانية أفراس سود، وفي المركبة الثالثة أفراس بيض، وفي المركبة الرابعة أفراس نمر وقويّة» (زكريّا 1:6-4). وقد جاء ذكر للحصان الأبيض عدّة مرّات في سفر الرؤيا نذكر منها: «فرأيت فرساً أبيض قد ظهر وكان الراكب يحمل قوساً فأعطي إكليلاً فخرج غالباً» (الرؤيا 2:6). وهناك من يضيف إلى هذا البتر قطع بعض عضلات الصدر عند الثديين والورك. وهكذا يصبح الشخص مماثلاً للمسيح بجروحه الخمسة [452] .

وهذه الطائفة لا تكتفي ببتر الأعضاء الجنسيّة للرجال، بل تبتر أيضاً النساء. وهذا البتر على درجات: بتر حلمة الثدي، بتر الثدي كاملاً، ندب الثديين أو تجريحهما، بتر الشفرين الصغيرين مع أو دون بتر البظر، بتر الجزء الأعلى للشفرين الكبيرين مع الشفرين الصغيرين والبظر. وبعد إجراء هذه العمليّات تتحوّل المرأة من «وقواق» إلى «حمامة بيضاء» [453] . ولقد فحص بعضهم نحو خمسة آلاف شخص ممّن ينتمون إلى تلك الطائفة، منهم 3900 ذكر و1400 أنثى. فكان بين الذكور 588 بتر لهم كل شيء و833 بترت خصاهم و62 بترت لهم أجزاء أخرى. وكان بين الإناث 99 مبتورات الثديين والأعضاء التناسليّة جميعاً و308 بتر ثديا كل منهن و182 بترت حلمات أثدائهن و251 بترت أعضاؤهن التناسليّة و108 بترت لهن أجزاء أخرى من أجسامهن [454] .

ونحن نجد عند هذه الطائفة أفكاراً تشابه الأفكار التي نجدها عند مؤيّدي الختان. فهي تحاول أن ترد على من ينتقدها باللجوء إلى الجدل المنطقي. فمثلاً يرى منتقدو هذه الطائفة في الأعضاء الجنسيّة عطيّة من الله تؤدّي وظيفة التكاثر التي على الإنسان القيام بها. وحذف هذه الأعضاء هو ضد الطبيعة. وقد رد أحد أعضاء هذه الطائفة عام 1917 قائلاً بأن وجود تلك الأعضاء في الإنسان لا تعني ضرورة إستعمالها لأن ذلك سيؤدّي إلى تكاثر البشر وانتقاص المواد الغذائيّة حسب نظريّة «مالتوس» وانتشار المجاعة والحروب والأمراض وتراجع التقدّم الإنساني. وترى هذه الطائفة أن قوانين الطبيعة تثبت لنا بأنه علينا إذا ما أردنا الوصول إلى مستوى حياتي أعلى أن نحذف القوانين التي تحكم المستوى الأسفل. وهذا ليس ضد الطبيعة. فحبّة القمح حتّى تصبح نبتة والبيضة حتّى تصير دجاجة يجب عليها أن تموت قَبل ذلك. وهكذا لا يمكن تطوير الحياة الروحيّة عند الإنسان إلاّ إذا أنقصنا الحياة الجسديّة [455] .

وفي نص من عام 1925، حاول عضو من الطائفة تقديم تبريرات أخرى رداً على من يرى أن الأعضاء الجنسيّة ضروريّة للحياة العقليّة والروحيّة وأن تنشيط هذه الأعضاء يطيل الحياة. يرد الخصي على هذه الإدّعاءات قائلاً بأن الخصاء لا يؤثّر على الحياة العقليّة والروحيّة فقد خصي وعمره تسع سنين وعاش ستّين سنة في مجموعة من الخصيان عددهم 200 شخص. فخبرته تمكّنه من قول ما يلي:

- إن الأطبّاء لا علم لهم بما يجري ضمن جماعة الخصيان وهم لم يبحثوا عن إثبات لأقوالهم على أرض الواقع.

- على المستوى الجسدي: يتمتّع الخصيان بنشاط ومقدرة على التصرّف وحِكمة أكبر من غير المخصيّين.

- على مستوى الذكاء: الخصيان ليسوا أقل ذكاء من غير المخصيّين.

- على المستوى الروحي والأخلاقي: يعلو الخصيان عن المستوى العام من الطبقة التي يخرجون منها. وهم رحماء وكرماء وشرفاء.

- على المستوى السياسي: يهتم الخصيان بالسياسة أكثر من غيرهم وهم فلاسفة حقيقيّون.

- على المستوى الإقتصادي: يتصرّف الخصيان بصورة مثاليّة وهم أكثر غنى من غيرهم وأكثر نجاحاً، فلهم بيت ولهم قطعان ولهم قمح من أجود الأنواع.

- على المستوى الجسدي: الخصيان مظهرهم سليم، إلاّ أن الذين خصيوا صغاراً لا ينبت لهم شعر الوجه ويصبح وجههم وصوتهم أكثر رقّة مثل وجه وصوت النساء. أمّا فيما تبقّى فهم مثل غير الخصيان، لا بل أكثر: فهم أنظف، وصحّتهم أحسن من غير الخصيان.

- صحيح أن هناك بعض الخصيان الذين لا تنطبق عليهم هذه الأحكام، ولكن هؤلاء لا يزيد عددهم عن 10 أو15% من الخصيان [456] .

وقد أضاف صاحب هذا النص في رسالة أخرى يقول إن «أوريجين» و«سليفانوف» لم يكونا غبيّين، وكلاهما لم يتخلّص من خصيتيه لأنهما ثقيلتان. فهاتان الخصيتان قد سبّبتا شرورا كثيرة للإنسان والبشريّة: منازعات وخصومات وقتل وحروب وأمراض وتشويه أجسام وغيرها من العاهات التعيسة مع تدنّي الأخلاق والجنس. فالإنسان لم يتوقّف عن عمل الإثم بهاتين الخصيتين. ومستشفيات كثيرة تداوي الأمراض الجنسيّة والسيلان الناتجة عنهما. وهناك آلاف من حالات الإجهاض وقتل الأطفال حديثي الولادة كما تكاثرت بيوت الدعارة بسبب تلك الخصيتين. فخصي الرجل نفسه لا يضر الدولة [457] .

أرجع «فولكوف» إنتشار طائفة الخصيان كغيرها من الشيع الروسيّة إلى أسباب إقتصاديّة واجتماعيّة. فقد ثار الفلاّحون على أوضاعهم أمام ملاكي الأرض ولكن فشلوا في ثورتهم تلك. فانضم رجال ونساء إلى شيع دينيّة يجدون في ظلّها حماية وتضامناً. وقد جمعتهم مع التجّار المظلومين من الدولة مصالح مشتركة. ولعب الفكر الديني دوره في ترابطهم. فهم يؤمنون بمجيء قيصر يحميهم خلافاً للقيصر الذي يظلمهم. وقد إنضم عدد من النساء لهذه الطائفة للهروب من الظلم الواقع عليهن من قِبَل أصحاب الأرض وأزواجهن. وكان أعضاء الطائفة يرون فيها وسيلة للخلاص الروحي وللخلاص من عبء العائلة. وكان أصحاب الأرض يتفادون تقسيم الأرض مع أفراد عائلتهم. وفي نفس الوقت كانوا يستطيعون إستغلال أعضاء الطائفة الذين ليس لهم أرض. وكان التجّار يرون في الطائفة جمعيّة منظّمة يمكن الإرتكاز عليها تجاريّاً وماليّاً. وكانت الطائفة غنيّة إذ إن أعضاءها لا يأكلون اللحم ولا يشربون الخمر ولا يقتربون النساء وليس لهم أولاد يصرفون عليهم وكان العمل هو همّهم الوحيد. أضف إلى ذلك أنهم كانوا أمناء للطائفة التي لم يكن في إمكانهم تركها للإنخراط بالعالم بسبب فقدهم لأعضائهم الجنسيّة [458] .

وقد لجأت هذه الطائفة لعدّة وسائل لجذب أعضاء جدد لها إذ إنها لا تتكاثر بالتناسل. منها توزيع نصوص من الكتاب المقدّس تحث على الخصي وتعتبره الأسلوب الأمثل للخلاص. كما لجأت إلى خصي الأطفال واستغلال ديون الآخرين وحاجاتهم الإقتصاديّة. فالخصي الغني كان يشتري إحتياجات الفقير ثم يطالبه بثمنها، ويتنازل عن الدين إذا قَبل الفقير بالخصي. وكانت الطائفة تقصر التوظيف على الخصيان وتوظيف عائلات فقيرة وأطفال بهدف خصيهم لاحقاً. كما أنها إستعملت الشبيبة من الجنسين في جذب الشباب. وبما أن هؤلاء الشباب لا يمكنهم الرجوع عمّا فعلوه كانوا يبحثون عن أعضاء جدد حتّى لا يكونوا وحدهم.

وقد عرفت هذه الطائفة رواجاً كبيراً رغم شذوذ تصرّفاتها. وقد قُدِّر عدد أفراد هذه الطائفة في وسط القرن التاسع عشر قرابة ستّة آلاف شخص تنتمي أكثريّتهم إلى الكنيسة الأرثوذكسيّة ولكن نجد أيضاً بينهم أعضاء منشقّين عن اللوثريين والكاثوليك وبعض اليهود والمسلمين. وكانت الطائفة غنيّة جدّاً ولها مصانع ومحلاّت تجاريّة هامّة. وقد إقترح «إيلينسكي»، أحد زعماء الخصيان، على القيصر «اليكسندر الأوّل» عام 1804 تحويل روسيا إلى إمبراطوريّة يحكمها الخصيان حيث يرأس مجلساً من 12 رسولاً ويكون هو من ضمنهم كرئيس للجيش. واقترح أن يكون «سليفانوف» دائماً مع القيصر وأن يسلّم حُكم المدن إلى الخصيان. وكانت هذه أوّل محاولة للإستيلاء على السلطة من قِبَل الخصيان. إلاّ أنها فشلت واعتُبِر مقترحها مجنوناً وأدخل ديراً. وهناك محاولة أخرى جرت عام 1872 من قِبَل شخص خصي إدّعى أنه المسيح فأراد الذهاب إلى القيصر ليعلن يوم الدينونة الأخير في العالم ولكنّه أوقِف في طريقه وحُكِم عليه بالأشغال الشاقة [459] .

وقد حاول البعض تصوير طائفة الخصيان وكأنها مجتمع يحكمه العدل والمساواة. إلاّ أن هذه الطائفة لم تخلو من الإستغلال الإقتصادي والإجتماعي ليس فقط نحو الذين لم يكونوا أعضاءاً فيها. فالخوف من العزلة عند العجز يحث البعض إلى البحث عن رفقاء يساعدونه. ولكن هؤلاء كثيراً ما يغتنمون هذه الحاجة حتّى يؤمِّنوا لأنفسهم الحصول على ميراث رفيقهم العجوز. ونحن نجد بين هذه الطائفة الغني والفقير، وكانت المرأة أقل حظّاً من الرجل في هذه الطائفة. فهي تهرب من ظلم المجتمع فتقع في ظلم الطائفة ورجال الطائفة. فتَحت غطاء التديّن نجد بؤسا إقتصاديّاً واجتماعيّاً كبيراً. وكثيراً ما كانت الطائفة تستولي على الأرض وتستغلّ الفلاّحين الفقراء في حرثها [460] .

وقد لاقى أعضاء هذه الطائفة كثيراً من الإضطهاد في روسيا من قِبَل السلطة ومن قِبَل الكنيسة التي كانت ترى فيهم جماعة خارجة عن سلطتها الدينيّة. فبين عام 1805 و1870، تم نفي 5444 رجلاً وامرأة من هذه الطائفة إلى سيبيريا. وقد هرب أكثر من 1500 عضو من روسيا إلى رومانيا قَبل إنتصار الشيوعيّة في روسيا. ولكنّهم إحتلّوا أحياناً مناصب عالية في الدولة. وأحد من حوكموا عام 1929 كان رئيس السوفييت للريف والتربية في منطقته. وعدد الذين حوكموا في الإتّحاد السوفييتي لانتمائهم لهذه الطائفة يقدّر بأكثر من 2000 شخص. وهناك شواهد على وجود عشرات من أعضاء هذه الطائفة في روسيا حتّى عام 1970 [461] . وقد برّر «فولكوف» معاداة الحكومة لهذه الطائفة كما يلي:

«في ظل حُكم البروليتاريّة، تظهر طائفة الخصيان كتعبير حاد للمعارضة الإجتماعيّة والإقتصاديّة ضد مبادئ النظام السوفييتي. فطبيعة دينها ودورها المالي السابق والحالي لا يسمح لها بأن تكون مؤيّدة لهذا النظام. ويجب أن نعير إنتباهاً كبيراً لهذه الطائفة بسبب فكرها الرافض للثورة وبسبب خطورة نشاطها الإجتماعي والإقتصادي وتعاليمها الدينيّة البشعة التي تؤدّي إلى بتر جسد وأخلاق أتباعها» [462] .

وقد إقترح «فولكوف» لمكافحة هذه الطائفة تنظيم شبكة من الهيئات السياسيّة والتعليميّة والتثقيفيّة وإرسال أشخاص للتثقيف ضد الدين وأطبّاء للمناطق التي تتواجد فيها تلك الطائفة، وعمل قائمة بالخصيان المعروفين ومراقبتهم بشدّة، وأخذ الإجراءات الإداريّة لفصل الخصيان المتعصّبين ووعّاظهم ومن يقومون بالخصي وإبعادهم عن الشعب. فهو يرى أن العقاب لم يؤدِّ إلى نتيجة إيجابيّة. لا بل إن ذلك قد يؤدّي إلى نتيجة عكسيّة إذ يعطيهم الشعور بأنهم يتّبعون مخلّصهم. فقد أمضى بعض الخصيان عشرات السنين في السجن في عصر القيصر دون أن يتعلّموا درساً. ويضيف «فولكوف»: «يجب فصل 40 أو 50 مجرماً حتّى نحرمهم من بتر عشرات أو مئات من الأفراد» [463] .

ب) الخصيان في ترانيم الكنيسة

إستعمال الخصيان في ترانيم الكنيسة ظاهرة غريبة أخرى ناتجة عن عدم الأخذ بمبدأ سلامة الجسد. وقد ترعرعت هذه الظاهرة على أساسين: الأوّل هو النتيجة الفيزيولوجيّة للخصي والثاني النظرة السلبيّة للمرأة.

فمن المعروف أن الصبي إذا خصي إحتفظ بصوته الرقيق عندما يكبر. فالخصي يمنع حصول إفرازات الذكورة التي تحوّل صوت الصبي إلى صوت رجل. واحتفاظ الرجل بصوت الصبي يسمح له أن يؤدّي أصعب الأصوات السبرانو. كما أن الخصي يعطي للرجل ملامح نسائيّة ناعمة، ويؤدّي إلى بروز في الصدر، كما يمنع نبات الشعر في وجهه وتساقط شعر الرأس وبزوغ ما يسمّى بتفّاحة آدم في حنجرته. ومع تقدّم العمر، يؤدّي الخصي إلى تضخّم في الفخذين والورك تماماً كما عند المرأة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المغنّين والممثّلين الرومان كانوا يلجأون إلى عمليّة «شبك الغلفة» للمحافظة على المني ظنّاً منهم أن ذلك مفيداً لصوتهم [464] .

من جهة أخرى، إعتبرت الكنيسة المرأة سبيلاً للفاحشة، تماماً كما كان بعض فقهاء اليهود والمسلمين ينظرون إليها. فمنعت الكنيسة النساء من المشاركة في الترانيم الروحيّة كما يمنع المسلمون للمرأة أن تؤذّن للصلاة. وقد إعتمدت الكنيسة في ذلك على قول بولس: «ولتصمت النساء في الجماعات، شأنها في جميع كنائس القدّيسين، فإنه لا يؤذن لهن بالتكلّم» (1 قورنتس 34:14). واستبدلت النساء بالخصيان. فنجد مرنّمين خصيان في الكنيسة البيزنطيّة منذ القرن الثاني عشر وفي كنائس إسبانيا منذ القرن السادس عشر. وكانت الكنيسة البابويّة في روما تستعمل الخصيان الإسبان في الترانيم الدينيّة [465] .

وإضافة إلى منع النساء من المشاركة بالترانيم الدينيّة، منعت الكنيسة المرأة من التمثيل على المسرح بقرار من البابا «سيكتوس الخامس» (توفّى عام 1590). وقد تكرّر هذا المنع في عصر عدد من الباباوات. وفي بداية القرن الثامن عشر قام البابا «كليمنتوس الحادي عشر» بتحريم الغناء على المرأة لأن ذلك يمنعها من القيام بواجباتها المنزليّة. وحرّم أيضاً دخول أي معلّم موسيقى عند إمرأة. وتمشّياً مع الأوامر الدينيّة أو للإلتفاف حولها، تم في إيطاليا إستعمال الخصيان وإلباسهم بزي النساء ليقوموا بدور النساء [466] .

وقد ترعرع سوق الغناء والتمثيل في إيطاليا في القرن السابع عشر والثامن عشر وتهافت الناس على سماع المغنّين والمرنّمين. وكان على الأهل، خاصّة من الطبقات الفقيرة، الذين يريدون أن يتبع أطفالهم مهنة الغناء والترنيم أن يعرّضوا أطفالهم للخصي لإلحاقهم بمدارس خاصّة منذ صغرهم لتعلّم الغناء والآلات الموسيقيّة. وكان يطلق على الطالب في تلك المدارس لقب «الخصي» eunuco دون أن يعني ذلك شيئاً مشيناً. وعندما يتطوّر الشخص يطلق عليه لقب «الموسيقي» musico أو «البارع» virtuoso . أمّا خارج إيطاليا، فقد أحتفظ لهم بلقب «الخصي» مع مزيج من الإحترام لفنّهم والإحتقار لحالهم. وكانت القصور الملكيّة والأميريّة في إيطاليا وخارجها تتفاخر بدعوتهم للغناء، كما أن الخصيان كانوا يؤمّنون الترانيم في جميع كنائس إيطاليا، وخاصّة في كنيسة الفاتيكان. ويصعب اليوم إعادة ترنيم وغناء القطع الموسيقيّة التي كتبت خصّيصاً لهم بعد أن إنتهى عهدهم. وقد ولعت النساء بهم لملامحهم الناعمة أو لعدم خطورة العلاقة الجنسيّة معهم. فالخصي، إذا لم يقطع له القضيب، يستطيع أن يمارس العلاقة الجنسيّة ولكن السائل المنوي لم يكن يسبّب الحمل. ومنهم من دخلوا الرهبانيّات والكهنوت وأصبحوا من رجال الدين واستمر بعضهم في مُهمّة الترتيل الديني [467] .

ولكن هؤلاء الخصيان لم يكونوا بحد ذاتهم راضين عمّا أصابهم دون موافقتهم. وبعضهم أهمل أهلهم بغضاً لهم. وكانت عمليّة الخصي تجرى من قِبَل حلاّق أو جرّاح دون تخدير على أطفال بين عمر 7 و12 سنة، بسحب الخصيتين تماماً. وتقدّر نسبة الوفاة ما بين 10% و80% حسب أسلوب العمليّة [468] . ولم يكن الأهل والذين يجرون العمليّة يعتبرون عملهم منافياً للأخلاق، تماماً كما هو الأمر للذين يختنون الأولاد أو البنات في القاهرة. فالأهل والحلاّقون كانوا يعتبرون أنهم يقومون بعمل خير للولد بفتح باب المكسب والشهرة. ولكن لتفادي تحريم الخصي من الكنيسة والحرج الإجتماعي الناتج عن الخصي وعقدة الذنب وتوبيخ الأولاد عندما يكبرون، أو الحُكم عليهم بالجشع المادّي، كانوا يرجعون الخصي لأسباب مختلفة مثل التشويه الخلقي أو السقوط عن الحصان أو عضة حيوان أو ضربة بالرجل من أحد الرفاق، أو أنهم كانوا يتذرّعون بأسباب وقائيّة أو علاجيّة. وكثيراً ما جهل الخصيان السبب الحقيقي الذي من أجله فقدوا خصيتيهم. وبعد الشفاء من الخصي يقوم الأهل بالبحث عن مدرسة لتعلّم الترنيم والموسيقى. ولكن لم يكن الحظ يصيب الجميع. فمنهم من بقي في جوقات الكنائس الصغيرة، والبعض الآخر الأكثر حظّاً كانوا يسلّمون إلى وكلاء متخصّصين في جمع الخصيان من القرى لحساب الأمراء داخل وخارج إيطاليا لكي يقوموا بالترنيم في جوقاتهم الكنسيّة أو على مسارحهم. وكان هناك أيضاً مدارس الأيتام التي تقوم بتربية الخصيان لهذا الغرض، يلتحق بها أيضاً أولاد الفقراء. وكانت هذه المدارس تؤجر الخصيان للكنائس والمسارح. وكان على الخصيان البقاء في خدمة تلك المدارس لمدّة معيّنة مقابل تعليمهم [469] .

وتم رسميّاً قبول أوّل مرتّلين إيطاليين خصيان في الجوقة البابويّة عام 1599 وقد تحوّل كاملاً قسم السبرانو في الجوقة البابويّة إلى جوقة خصيان عام 1625 [470] . وقد سمح البابا «كليمنتوس الثامن» بالخصي فقط لـ«مجد الله»، معتمداً في ذلك على قول بولس في رسالته الأولى لأهل قورنتس السابق الذكر رغم أن بولس لم يعني بذلك ضرورة وجود الخصيان في جوقات الكنيسة [471] . وهكذا لعبت الكنيسة دوراً متناقضاً في موضوع الخصيان. فهي كانت تحرّم الخصي من جهة وتحمي الخصيان وتستعملهم إلى درجة أنها كانت آخر من إستغنى عنهم في جوقاتها الكنسيّة. ولم يعر رجال الدين إهتماماً كبيراً بالخصي. فالراهب الدومينيكاني «سيروس» الذي (توفّى عام 1602) كتب يقول: «إن الصوت أكثر أهمّية من الرجولة لأن الإنسان يتميّز عن الحيوان بصوته وعقله. فإذا كان ضروريّاً لتحسين الصوت أن نحذف الرجولة، يمكن القيام بذلك دون الإخلال بالتقوى. وفي الحقيقة أن الأصوات السبرانو هي ضروريّة جدّاً لتمجيد الله لا يمكن الإستغناء عنها مهما غلا الثمن» وقد كتب الأب اليسوعي «تمبوريني» (توفّى عام 1675) أن الخصي أمر يتّفق والقانون «على شرط أن لا ينتج عنه خطر الموت وأن يوافق عليه الصبي. والسبب في ذلك هو أن الخصيان يخدمون المصلحة العامّة بترانيمهم الدينيّة داخل الكنيسة. والحفاظ على أصواتهم بالخصي هو خير لا يمكن إهماله عندما يمكن تحسين أوضاعهم المعيشيّة ويتمتّعون بتأييد ومساعدة النبلاء على المستوى المالي».

وقد أخذ البابا «بنديكتوس الرابع عشر» (توفّى عام 1758) موقفاً معادياً للخصي معتبراً «أن قطع أي جزء من جسم الإنسان لا يمكن أن يعتبر قانونيّاً إلاّ إذا كان خلاص كل الجسم متعلّق بقطع ذاك الجزء». ولكن بسبب النجاح الذي لاقاه الخصيان في الترنيم والمسارح لم يستطع أن يحرّمه. وقد خطى البابا «كليمنتوس الرابع عشر» (توفّى عام 1775) خطورة أخرى بالسماح للنساء بالترنيم في الكنائس والقيام بصوت السوبرانو كما سمح لهن أن يمثّلن على خشبة المسرح. وقد رافق هذا الموقف نقد متصاعد ضد الخصي وبدأ دور مدارس الخصيان يتلاشى. ولكن لم ينتهي دور الخصيان في الجوقة البابويّة إلاّ عام 1902 حيث منع البابا «لاون الثالث عشر» إلحاق الخصيان بها. وما تبقّى منهم فيها تركوها تدريجيّاً، كان آخرهم دومينيكو مصطفى الذي ترك الجوقة البابويّة عام 1913 [472] .

وقد شن الفلاسفة الفرنسيون حملة ضد الخصي، خاصّة «فولتير» و«روسو»، اللذين إعتبرا الخصي إهانة للإنسانيّة. وقد جاء في المادّة السادسة من «وثيقة حقوق الإنسان» لعام 1793 «لا تعمل لغيرك ما لا ترغب أن يعمله الغير لك». وقد لعب العداء بين فرنسا وإيطاليا دوراً في الحملة ضد الخصي، كما أن الفرنسيين قليلاً ما كان يتذوّقون أغاني وترانيم الخصيان وكانوا يستهزئون منهم بشدّة. وقد شذ عن ذلك الإمبراطور «نابليون» الذي كان مولعاً بصوتهم وكان يدعوهم إلى مسارحه ويستضيفهم ويكرمهم. ولكن «نابليون» منع الخصي في كل الدول الأوروبيّة التي سيطرت عليها جيوشه. وقد منع قبول الصبيان المخصيّين في مدارس الموسيقى في إيطاليا عام 1806، ثم منع الخصيان من الصعود على خشبة المسرح عام 1814. وهكذا تم إستبدال الخصيان الذين كانوا يلعبون دور النساء بنساء ومغنّيات. ودار التاريخ وبدأ المفكّرون في إيطاليا ينتقدون الخصي الذي أصبحوا يعتبرونه من الأمور الشائنة والهمجيّة التي أصابت بلدهم خلال القرنين السابقين بعدما كان مفخرة بلدهم [473] .

القسم الثالث: الختان في الفكر الديني الإسلامي

سوف ننهج في هذا القسم نفس المنهج الذي تبعناه في القسمين السابقين. فنبدأ بالقرآن، الكتاب المقدّس عند المسلمين والمصدر الرئيس للشريعة الإسلاميّة، لنستعرض ما جاء فيه من نصوص حول ختان الذكور والإناث حتّى يتسنّى للقارئ أن يقارن بين ما جاء في الكتب المقدّسة اليهوديّة والمسيحيّة وما جاء في القرآن. ثم سنرى ما قام به الفقهاء والمفكّرون من تفسير لبعض آياته لتأييد أو رفض الختان. وبعد ذلك سوف نتكلّم عن المصدرين الآخرين للشريعة الإسلاميّة، أي السُنّة وشرع من قَبلنا واعتراضات الفقهاء والمفكّرين عليها قَبل أن ننتقل إلى سُنّة السلف وآراء الفقهاء والأدلّة الأخرى التي يتداولها مؤيّدو ومعارضو ختان الذكور والإناث. وفي الفصل الأخير سوف نتكلّم عن عمليّة ختان الذكور والإناث كما تجرى عند المسلمين.

الفصل الأوّل: الختان في القرآن

1) القرآن المصدر الأوّل للشريعة الإسلاميّة

القرآن هو الكتاب المقدّس لدى المسلمين والمصدر الأوّل للشريعة الإسلاميّة. والمسلمون، على إختلاف مذاهبهم، يعتبرونه كلام الله المنزل على النبي محمّد بين عامي 610 و632 (تاريخ وفاته) لهداية البشريّة، وهم يعتقدون أن كل ما جاء في القرآن صحيح وحقيقة لأنه صادر عن الله الذي لا يمكن الشك في حِكمته وعلمه. وعلى كل مسلم أن يرجع إلى هذا النص للتعرّف على التصرّف الصحيح الذي يجب عليه أن يسلكه في علاقته مع البشر ومع الله.

ويعتبر المسلمون القرآن الكتاب السماوي الوحيد الذي لا يعتريه التحريف، على خلاف الكتب المقدّسة اليهوديّة والمسيحيّة. والمؤرّخون يتّفقون على أنه أقدم وأوثق مصدر كتابي عربي للتعرّف على عادات ونظم المجتمع العربي في زمن النبي محمّد إذ إن النص الحالي الذي بين أيدينا - والذي يطلق عليه النص العثماني نسبة للخليفة عثمان بن عفان (توفّى عام 656) – يُظن أنه تم جمعه بعد 15 أو 20 سنة من وفاة النبي. أمّا النصوص الأصليّة التي أُعتمِد عليها في توثيق النص الحالي فقد تم حرقها.

2) سكوت القرآن عن ختان الذكور والإناث

رأينا في القسمين الأوّلين أن الكتب المقدّسة اليهوديّة والمسيحيّة تكرّس صفحات طويلة حول ختان الذكور ولكن لا ذكر فيها لختان الإناث. فما هو موقف القرآن من ختان الذكور والإناث؟

بعد التحرّي، وجدنا أنه لا يوجد أي ذكر لختان الذكور أو ختان الإناث في القرآن. فكلمة «ختان» بذاتها لم ترد بتاتاً فيه بأي شكل من أشكالها. وكل ما نجده هو كلمة «أغلف» في نصّين على لسان اليهود للتعبير عن «غلف القلب» وليس عن «غلف الجسد». ولم يفسّر أحد هذين النصّين، لا قديماً ولا حديثاً، بأنهما يعنيان الختان أو يبرّرانه. وهذان النصان هما:

«ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى إبن مريم البيّنات وأيّدناه بروح القدس أفكلّما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم إستكبرتم ففريقاً كذّبتم وفريقاً تقتلون. وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلاً ما يؤمنون» (البقرة 2: 78-88).

«فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلاّ قليلاً» (النساء 155:4).

وأصل عبارة «قلوبنا غلف» في التوراة. فأرميا يقول: «إختتنوا للرب وأزيلوا غلف قلوبكم يا رجال يهوذا وسكّان أورشليم لئلاّ يخرج غضبي كالنار فيحرق وليس من مطفئ بسبب شر أعمالكم» (أرميا 4:4). وفي مسند إبن حنبل (توفّى عام 855) حديث يقول: «القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر، وقلب أغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مصفّح [...]. وأمّا قلب الأغلف فقلب الكافر» [474] .

ونشير هنا إلى أن التوراة تعتبر غير المختونين نجساً. لذا يمنعهم حزقيال من دخول الهيكل (9:44). وأشعيا يمد هذا المنع لكل مدينة أورشليم (1:52). أمّا القرآن، فهو يمنع المشركين الذين ينعتهم بالنجاسة من الإقتراب من المسجد الحرام: «يأيها الذين آمنوا إنّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا» (التوبة 28:9). ولكن القرآن لا يذكر غير المختونين كما في التوراة، ممّا يعني أن غير المختونين في نظر القرآن ليسوا نجساً. ورغم أن القرآن ذكر إبراهيم 69 مرّة ويعتبره «أسوة حسنة» (الحشر 4:60)، فإنه لم يتكلّم بتاتاً عن ختانه كما تفعل التوراة.

يمكننا إذاً أن نستنتج ممّا سبق أن القرآن يسكت تماماً عن الختان على عكس الكتب المقدّسة اليهوديّة والمسيحيّة.

3) تفسير آيات متشابهات من القرآن لتأييد ختان الذكور

لم يقتنع الفقهاء والمؤلّفون المسلمون قديماً وحديثاً أن القرآن لم يتكلّم عن الختان، تلك العادة الواسعة الإنتشار، خاصّة وأن القرآن يقول: «ما فرّطنا في الكتاب من شيء» (الأنعام 38:6)؛ «ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين» (النحل 89:16)؛ «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي» (المائدة 3:5). ولذلك حاولوا البحث عن آيات قد تسعفهم فوقع إختيارهم على عدد منها تنتمي إلى ما يسمّى بـ«الآيات المتشابهات»، ففسّروها بحيث تتّفق مع إتّجاههم المؤيّد لختان الذكور. ونبدأ بكلمة مختصرة عن «الآيات المتشابهات».

يقول القرآن الكريم: «هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأُخر متشابهات. فأمّا الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة وابتغاء تأويله. وما يعلم تأويله إلاّ الله» (آل عمران 7:3). إعتماداً على هذه الآية، يقول علماء الدين المسلمون «إن من القرآن ما إتّضحت دلالته على مراد الله تعالى منه، ومنه ما خفيت دلالته على هذا المراد الكريم. فالأوّل هو المحكم، والثاني هو المتشابه» [475] . والمتشابه «هو الخفي الذي لا يدرك معناه عقلاً ولا نقلاً، وهو ما إستأثر الله تعالى بعلمه» وهو ما يحتمل تأويله أوجهاً. أمّا المحكم فهو «ما لا يحتمل إلاّ وجهاً واحداً من التأويل» [476] . ويضيف الزرقاني منبّهاً لمن يتعرّض لتفسير الآيات المتشابهة: «لو أنصف هؤلاء لسكتوا عن الآيات والأخبار المتشابهة، واكتفوا بتنزيه الله تعالى عمّا توهمه ظواهرها من الحدوث ولوازمه؛ ثم فوّضوا الأمر في تعيين معانيها إلى الله وحده» [477] .

والآيات التي إعتمد عليها مؤيّدو ختان الذكور هي التالية:

«ثم أوحينا إليك أن إتّبع مِلّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين» (النحل 123:16).

«قل صدق الله فاتّبعوا مِلّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين» (آل عمران 3: 59).

«آولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتد» (الأنعام 6: 90).

«شرّع لكم من الدين ما وصّى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصيّنا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرّقوا فيه» (الشورى 13:42).

«(130) ومن يرغب عن مِلّة إبراهيم إلاّ من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وأنه في الآخرة لمن الصالحين (131) إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمت لرب العالمين (135) وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا. قل بل مِلّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين (136) قولوا آمنّا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما اوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون [...] (138) صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون» (البقرة 2: 130-138).

«وإذ إبتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمّهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذرّيتي قال لا ينال عهدي الظالمين» (البقرة 124:2).

تتكلّم هذه الآيات عن ثلاثة أمور:

- إنه يجب إتّباع مِلّة إبراهيم.

- إن الله إبتلى إبراهيم «بكلمات» فأتمّها فكافأه على ما أتم فجعله إماماً للناس.

- إن صبغة الله هي أحسن صبغة.

لا ذكر في هذه الآيات لموضوع الختان. ورغم ذلك فقد إستنتج منها مؤيّدو ختان الذكور أنه واجب على المسلم. فكيف توصّلوا إلى هذه النتيجة؟ باختصار شديد يمكن أن نقول إن المؤيّدين حاولوا تفسير عبارة «وإذ إبتلى إبراهيم ربّه بكلمات» بأن الله إبتلى إبراهيم بالختان. وبما أن المسلم ملزم بإتّباع «مِلّة إبراهيم»، فعليه إتمام الختان كما أتمّه إبراهيم. ثم فسّروا عبارة «صبغة الله» بأنها تعني الختان. ولكن هذا التفسير لم يلقَ إجماعاً بين الفقهاء. هذا ما سوف نراه في النقطتين التاليتين.

أ) «وإذ إبتلى إبراهيم ربّه بكلمات» تعني ختان إبراهيم

لم يتّفق المفسّرون على رأي واحد في تفسير معنى «الكلمات» في آية البقرة 124:2 السابقة الذكر. فهذا الطبري (توفّى في 923) يقول إن الإبتلاء بمعنى الإختبار. ثم يضيف:

«وكان إختبار الله تعالى ذكره إبراهيم إختباراً بفرائض فرضها عليه وأمر أمره به، وتلك هي الكلمات التي أوحاهن إليه وكلَّفه العمل بهن إمتحاناً منه له واختباراً ثم إختلف أهل التأويل في صفة الكلمات التي إبتلى الله بها إبراهيم نبيّه وخليله».

ثم يذكر الطبري عدّة آراء في فهم هذه «الكلمات»:

- قول لابن عبّاس (توفّى عام 687): إن «الكلمات» هنا تعني شرائع الإسلام وهي ثلاثون سهماً: عشر منها في سورة الأحزاب، وعشر منها في سورة براءة وعشر منها في المؤمنين. ويضيف إبن عبّاس أنه ما أبتلي أحد بهذا الدين فقام به كلّه غير إبراهيم.

- قول ثانٍ لابن عبّاس: إن الله إبتلى إبراهيم بالطهارة، خمس في الرأس وهي قص الشارب والمضمضة والإستنشاق والسواك وفرق الرأس، وخمس في الجسد وهي تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغوط والبول بالماء.

- قول ثالث لابن العبّاس: إن «الكلمات» تعني: «ستّة في الإنسان وأربعة في المشاعر. فالتي في الإنسان: حلق العانة والختان ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب والغسل يوم الجمعة. وأربعة في المشاعر: الطواف والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار والإفاضة».

- قول رابع لابن العبّاس: إن «الكلمات» التي أبتلي بها إبراهيم هي مناسك الحج.

- قول لقتادة عن أبو هلال: إن «الكلمات» تعني أن الله «إبتلاه بالختان وحلق العانة وغسل القبل والدبر والسواك وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط قال أبو هلال ونسيت خصلة».

- قول عن أبي الخلد: «أبتلي إبراهيم بعشرة أشياء هن في الإنسان سُنّة: الإستنشاق وقص الشارب والسواك ونتف الإبط وقلم الأظفار وغسل البراجم والختان وحلق العانة وغسل الدبر والفرج».

- قول عن أبي صالح: «وإذ إبتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمّهن فمنهن إني جاعلك للناس إماماً وآيات النسك».

- قول عن مجاهد وعن عكرمة: «قال الله لإبراهيم إني مبتليك بأمر فما هو؟ قال تجعلني للناس إماماً؟ قال نعم. قال ومن ذرّيتي؟ قال لا ينال عهدي الظالمين. قال تجعل البيت مثابة للناس؟ قال نعم. وآمناً؟ قال نعم. وتجعلنا مسلمين ومن ذرّيتنا أمّة مسلمة لك؟ قال نعم. وترينا مناسكنا وتتوب علينا؟ قال نعم. قال وتجعل هذا البلد آمناً؟ قال نعم. قال وترزق أهله من الثمرات من آمن منهم؟ قال نعم».

- قول عن الشعبي: «قال منهن الختان».

- قول عن الحسن: إبتلى الله إبراهيم بأمر فصبر عليه. إبتلاه بالكواكب والشمس والقمر فأحسن في ذلك وعرف أن ربّه دائم لا يزول فوجَّه وجهه للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما كان من المشركين ثم إبتلاه بالهجرة فخرج من بلاده وقومه حتّى لحق بالشام مهاجراً إلى الله ثم إبتلاه بالنار قَبل الهجرة فصبر على ذلك. فابتلاه الله بذبح إبنه وبالختان فصبر على ذلك [478] .

وفي «تفسير جوامع الجامع» للطبرسي (توفّى عام 1153) نقرأ ما يلي:

«وقيل في الكلمات: هي خمس في الرأس: الفرق وقص الشارب والسواك والمضمضة والإستنشاق. وخمس في البدن: الختان والإحتداد (أي الإحتلاق بالحديد) والإستنجاء وتقليم الأظفار ونتف الإبط. وقيل هي ثلاثون خصلة من شرائع الإسلام: عشر في البراءة: «التائبون العابدون»، وعشر في الأحزاب: «إن المسلمين والمسلمات»، وعشر في المؤمنون: «وسأل سائل» إلى قوله «والذين هم على صلاتهم يحافظون». وقيل هي مناسك الحج. وقيل: هي الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه، وهي أسماء محمّد وآل بيته عليه وعليهم السلام» [479] .

والتأويل نفسه نجده عند الرازي (توفّى عام 1209) في «التفسير الكبير» مضيفًا: «المناظرات الكثيرة في التوحيد مع أبيه وقومه ومع نمروذ والصلاة والزكاة والصوم وقسم الغنائم والضيافة والصبر عليها» [480] . ويعيد علينا القرطبي (توفّى عام 1273) كلاماً مشابها [481] . كما نجد إعادة لذلك عند إبن كثير (توفّى عام 1373) وهو يدعم قول إبن عبّاس بخصوص الخصال العشرة بحديث للنبي عن عائشة: «عشر من الفطرة: قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء. قال مصعب: ونسيت العاشرة إلاّ أن تكون المضمضة»، ويذكر أيضاً حديثاً آخراً للنبي عن أبي هريرة (توفّى عام 679) : «الفطرة خمس: الختان والإستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط» [482] .

والمهم في الأمر أن مؤيّدي ختان الذكور تمسّكوا بتفسيرهم للـكلمات بأنها تعني الختان. أي أن الله إبتلى إبراهيم بالختان فأتمَّه. وبما أن المسلمين مأمورون بإتّباع مِلّة إبراهيم، كما جاء في الآيات السابقة الذكر، فعلى المسلمين أن يختتنوا أسوة بإبراهيم.

وهكذا يكون ختان إبراهيم هو أساس الختان عند المسلمين. وقصّة ختان إبراهيم جاءت في الفصل السابع عشر من سفر التكوين في التوراة كما رأينا في القسم الثاني. وبما أن الفقهاء المسلمين يعتبرون التوراة محرّفة، فلا يرجعون لما جاء فيها، بل يعتمدون على الأحاديث النبويّة التي تتكلّم عن ختان إبراهيم نذكر منها:

- ما ذكره البخاري (توفّى عام 870) في صحيحه نقلاً عن أبي هريرة: «قال رسول الله (ص): إختتن إبراهيم عليه السلام وهو إبن ثمانين سنة، بالقدوم» [483] . وقد ذكر هذا الحديث مسلم في صحيحه [484] . ولهذا الحديث صيغة أخرى عن أبي هريرة أن النبي قال: «إختتن إبراهيم عليه السلام وهو إبن مائة وعشرين سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة». ويقول إبن حجر (توفّى عام 1449) في تعليقه على هذا الحديث إن إبراهيم قد إختتن وهو إبن مائة وعشرين سنة. ورأى البعض أنه إختتن وهو إبن ثمانين سنة. وإن ختانه كان بالقدوم. وقد إختلفوا ما إذا كان هذا القدوم مكان، قيل قرية بالشام أو بقرب حلب، أو آلة النجارة أو الفأس. والراجح أنه الآلة. ويذكر قولاً عن بن رباح: «أمر إبراهيم بالختان فاختتن بقدوم فاشتد عليه فأوحى الله إليه أن عجّلت قبل أن نأمرك بآلته فقال: يا رب كرهت أن أؤخر أمرك» [485] [486] .

- حديث للنبي عن أبي هريرة يقول: «ربط إبراهيم عليه السلام عورته وجمعها إليه، فحد قدومه وضرب بقدومه بعود معه، فذب بين يديه بلا ألم ولا دم» [487] .

- عن إبن عبّاس أن النبي سئل: من أختن لآدم؟ قال: إختتن بنفسه. قال: ومن إختتن بعد آدم؟ قال: إبراهيم خليل الرحمن. قال: صدقت يا محمّد [488] .

- عن علي أن النبي قال: «إن الله عز وجل بعث خليله بالحنيفيّة، وأمره بأخذ الشارب وقص الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة والختان» [489] .

هذه أهم الأحاديث التي جاءت في ختان إبراهيم عندما كان عمره 80 أو 120 سنة. ولكن هناك روايات أخرى تقول بأن إبراهيم قد ختن وعمره 30 أو 70 أو 130 سنة [490] .

ويعتقد المسلمون أن إبراهيم هو أوّل من إختتن. وأساس هذا الإعتقاد حديث ينقله مالك (توفّى عام 795) في موطّأه: «كان إبراهيم أوّل الناس ضيّف الضيف وأوّل الناس إختتن وأوّل الناس قص الشارب وأوّل الناس رأى الشيب فقال يا رب ما هذا فقال الله تبارك وتعالى وقار يا إبراهيم فقال يا رب زدني وقاراً» [491] . ولكن هذا الحديث لا وجود له في الموطّأ برواية محمّد بن الحسن الشيباني (توفّى عام 804). فمن المعروف أن موطّأ مالك إشتمل في أوّل تأليفه على تسعة آلاف حديث، ثم لم يزل ينتقي منه سنة بعد سنة حتّى رجع إلى سبعمائة [492] أو أقل من ثلاثمائة أو نحوها حسب إبن خلدون (توفّى عام 1406) [493] .

ويذكر إبن عساكر (توفّى عام 1176) حديثاً يقول: «كان إبراهيم أوّل من إختتن، وأوّل من رأى الشيب، فقال: يا رب ما هذا الشيب؟ قال: الوقار. قال: يا رب زدني وقاراً. وكان أوّل من أضاف الضيف وأوّل من جز شاربه وأوّل من قص أظفاره وأوّل من إستحد» [494] . وفي حديث آخر: «أوّل من أضاف الضيف إبراهيم، وأوّل من لبس السراويل إبراهيم، وأوّل من إختتن إبراهيم بالقدوم، وهو إبن عشرين ومائة سنة» [495] . ويقول إبن العربي (توفّى عام 1148): «ولم يختتن أحد قَبل إبراهيم عليه السلام» [496] .

وإن كان الإعتقاد السائد أن إبراهيم قد ختن نفسه بأمر من الله، إلاّ أن الثعلبي (توفّى عام 1035) يعطينا سبباً آخر لختان إبراهيم. يقول الثعلبي:

«عن العبّاس قال: إن إبراهيم أوّل من أضاف الضيف وأوّل من ثرد الثريد وأوّل من لبس النعلين وأوّل من قسم الفيء وأوّل من قاتل بالسيف وأوّل من إختتن. واختتن على رأس مائة وعشرين سنة من ميلاده. ختن نفسه في موضع يقال له القدوم بالقدوم وهو الفأس وذلك أنه كان وقع بينه وبين العمالقة وقعة عظيمة فقُتِل من الفريقين خلق عظيم فلم يعرف إبراهيم أصحابه ليدفنهم فجعل الختان علامة أهل الإسلام. فاختتن يومئذ بالقدوم، وهو أوّل من إتّخذ السراويل» [497] .

والقول بأن إبراهيم هو أوّل من إختتن يناقض الحديث النبوي السالف الذكر الذي يقول بأن آدم هو أوّل من إختتن. كما أن هناك من يعتقد أن إبراهيم قد ولد مختوناً مع عدد آخر من الأنبياء بفضل من الله. فقد سئل علي من خلق الله تعالى من الأنبياء مختوناً فقال: خلق آدم مختوناً، وولد شيت مختوناً وإدريس ونوح وإبراهيم وداود وسليمان ولوط وإسماعيل وعيسى وموسى ومحمّد [498] . ويذكر القرطبي عن أبي الفرج الجوزي (توفّى عام 1021) عن كعب الأحبار (يهودي يمني أسلم، توفّى عام 652): «خلق من الأنبياء ثلاثة عشر مختونين: آدم وشيت وإدريس ونوح وسام ولوط ويوسف وموسى وشعيب وسليمان ويحيى وعيسى والنبي (ص)». ويذكر عن محمّد بن حبيب الهاشمي: «هم أربعة عشر: آدم وشيت ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب ويوسف وموسى وسليمان وزكريّا وعيسى وحنظلة بن صفوان نبي أصحاب الرس ومحمّد (ص)» [499] . ويروي الجمل عن الجلال أنه قد ولد مختوناً من الأنبياء أربعة عشر وقال السيّوطي (توفّى عام 1505) سبعة عشر وهم آدم وشيت وإدريس ونوح وسام وهود وصالح ولوط وشعيب ويوسف وموسى وسليمان وزكريّا ويحي وحنظلة وعيسى ومحمّد [500] . وفي السيرة الحلبيّة نقرأ: «ولد من الأنبياء على صورة المختون أيضاً غير نبيّنا (ص) ستّة عشر نبياً. وقد نظم بعضهم الجميع فقال:

وفي الرسل مختون لعمرك خلقة ثمان وتسع طيّبون أكارم

وهم زكريّا شيت إدريس يوسف حنظلة عيسى وموسى وآدم

ونوح شعيب سام لوط وصالح سليمان يحيى هود يس خاتم [501]

وواضح من الرواية الأولى أن الإعتقاد بأن الأنبياء يولدون مختونين بفضل من الله هو إعتقاد يهودي أخذه المسلمون عن كعب الأحبار، وكان قَبل إسلامه من كبار علماء اليهود في اليمن. وقد تكلّمنا عن هذا الإعتقاد اليهودي في القسم الثاني.

وللشيعة رواية خاصّة حول ختان إبراهيم. فقد سئل الصادق (توفّى عام 765) عن ختان إبراهيم نفسه بقدوم على دن فقال: «سبحان الله! ليس كما يقولون كذبوا على إبراهيم» وأضاف:

«إن الأنبياء كانت تسقط عنهم غلفتهم مع سررهم في اليوم السابع. فلمّا ولد لإبراهيم من هاجر عيّرت سارة هاجر بما تعيّر به الإماء فبكت هاجر واشتد ذلك عليها. فلمّا رآها إسماعيل تبكي بكى لبكائها. ودخل إبراهيم فقال: ما يبكيك يا إسماعيل؟ فقال إن سارة عيّرت أمّي بكذا وكذا فبكت وبكيت لبكائها. فقام إبراهيم إلى مصلاّه فناجا فيه ربّه وسأله أن يلقي ذلك عن هاجر فألقاه الله عنها. فلمّا ولدت سارة إسحاق وكان يوم السابع سقطت عن إسحاق سرّته ولم تسقط عنه غلفته فجزعت من ذلك سارة. فلمّا دخل إبراهيم عليها قالت: يا إبراهيم ما هذا الحادث الذي حدث في آل إبراهيم وأولاد الأنبياء؟ هذا إبنك إسحاق قد سقطت عنه سرّته ولم تسقط عنه غلفته. فقام إبراهيم إلى مصلاه فناجا ربّه وقال: يا رب ما هذا الحادث الذي قد حدث في آل إبراهيم وأولاد الأنبياء وهذا إبني إسحاق قد سقطت عنه سرّته ولم تسقط عنه غلفته؟ فأوحى الله تعالى إليه أن يا إبراهيم هذا لمّا عيّرت سارة هاجر فآليت أن لا أسقط ذلك عن أحد من أولاد الأنبياء لتعيير سارة هاجر فاختن إسحاق بالحديد واذقه حر الحديد. قال فختنه إبراهيم بالحديد وجرت السُنّة بالختان في أولاد إسحاق بعد ذلك» [502] .

هناك إذاً روايات متناقضة حول معنى «الكلمات» التي إبتلى الله بها إبراهيم. كما أنه هناك إختلاف حول ما إذا كان إبراهيم قد ختن أم ولد مختوناً، واختلاف حول السن والآلة التي ختن بها. وهذه الروايات تتضمّن كثيراً من «الإسرائيليّات» وهي أساطير وروايات يرجعها الكتّاب المسلمون اليوم إلى التراث الإسرائيلي [503] . ويطالب البعض إعادة نشر كتب التفسير بعد تنقيتها منها [504] .

ومن المهم الإشارة هنا إلى أن هذا التفسير القديم لهذه «الكلمات» قد رفضها عدد من علماء الدين المسلمين المتأخّرين نذكر منهم الإمام محمّد الشوكاني والإمام محمّد عبده والإمام محمود شلتوت ووهبة الزحيلي.

- محمّد الشوكاني (توفّى عام 1834): بعد عرضه لأقوال المفسّرين القدامى الذين فسّروا الكلمات المبتلى بهن إبراهيم بأنها خصال الفطرة - ومن بينها الختان، يقول الشوكاني:

«إذا لم يصح شيء عن رسول الله (ص) ولا جاءنا من طريق تقوم بها الحجّة تعيين تلك الكلمات لم يبق لنا إلاّ أن نقول: إنها ما ذكره الله سبحانه في كتابه (قال إني جاعلك) إلى آخر الآيات، ويكون ذلك بياناً للكلمات أو السكوت وإحالة العلم في ذلك على الله سبحانه. وأمّا ما روي عن إبن العبّاس ونحوه من الصحابة ومن بعدهم في تعيينها، فهو أوّلاً أقوال صحابة لا تقوم بها الحجّة فضلاً عن أقوال من بعدهم. وعلى تقدير أنه لا مجال للإجتهاد في ذلك، وأن له حُكم الرفع فقد إختلفوا في التعيين إختلافاً يمتنع معه العمل ببعض ما روي عنهم دون البعض الآخر بل إختلفت الروايات عن الواحد منهم كما قدّمنا عن إبن العبّاس. فكيف يجوز العمل بذلك - وبهذا تعرف ضعف قول من قال: إنه يصار إلى العموم ويقال تلك الكلمات هي جميع ما ذكر هنا، فإن هذا يستلزم تفسير كلام الله بالضعيف والمتناقض وما لا تقوم به الحجّة» [505] .

- محمّد عبده (توفّى عام 1905): جاء في تفسير المنار قول مشابه لكلام الشوكاني:

«قال الأستاذ الإمام عند إيراد قول المفسّر (الجلال) في تفسير الكلمات أنها الخصال العشرة: إن هذا من الجراءة الغريبة على القرآن. ولا شك عندي في أن هذا ممّا أدخله اليهود على المسلمين ليتّخذوا دينهم هزؤاً، وأي سخافة أشد من سخافة من يقول: إن الله تعالى إبتلى نبياً من أجل الأنبياء بمثل هذه الأمور وأثنى عليه بإتمامها وجعل ذلك كالتمهيد لجعله إماماً للناس وأصلاً لشجرة النبوّة - وأن هذه الخصال لو كلّف بها صبي مميّز لسهل عليه إتمامها ولم يعد ذلك منه أمراً عظيماً. والحق أن مثل هذا يؤخذ كما أخبره الله تعالى به، ولا ينبغي تعيين المراد إلاّ بنص عن المعصوم» [506] .

وفي ردّه على من ينتقده لمخالفته إبن عبّاس، يقول محمّد عبده إنه يجل إبن عبّاس ولكن لا يصدق روايته [507] .

- محمود شلتوت (توفّى عام 1965): يقول:

«وليس أغرب من أن يستدل الذاهبون إلى وجوب الختان بقوله تعالى: «ثم أوحينا إليك أن إتّبع مِلّة إبراهيم حنيفاً» ويقولون إنه قد جاء في الحديث: «إن إبراهيم إختتن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة» والإتّباع الذي أمر به محمّد وأصحابه يقضي عليهم أن يفعلوا ما فعله إبراهيم، وإذاً يكون الختان وقد فعله إبراهيم واجباً على محمّد وأتباعه. إسراف في الإستدلال، غاية ما قوبل به عدم التسليم له، وهو من نوع إستدلال آخر للقائلين بالوجوب أيضاً وهو: إن الختان أحد الأمور التي إبتلى الله بها إبراهيم وأتي ذكرها بعنوان «الكلمات» بقوله تعالى: «وإذ إبتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمّهن». قالوا: وورد عن إبن عبّاس أن تلك الكلمات هي خصال الفطرة: وهي الختان، وقص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر، إلى آخر ما قالوا ونقرؤه في المتداول من كتب التفسير» [508] .

- وهبة الزحيلي: يرى وهبة الزحيلي في «التفسير المنير» أن أصح الأقوال في فهم «الكلمات» التي إبتلى الله بهن إبراهيم هو قول إبن عبّاس: «الكلمات التي إبتلى الله بهن إبراهيم فأتمّهن: فراق قومه في الله حين أمر بمفارقتهم، ومحاجّة نمرود في الله، وصبره على قذفهم إيّاه في النار ليحرقوه، والهجرة من وطنه حين أمر بالخروج عنهم، وما أبتلى به من ذبح إبنه حين أمر بذبحه» [509] .

ب) «صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة» تعني الختان

يقول القرآن: «صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون» (البقرة 138:2). يرى مؤيّدو ختان الذكور قديماً وحديثاً أن كلمة «الصبغة» تعني الختان. فالختان في رأيهم هي صبغة الله للمسلم التي تحل محل العمّاد الذي يصبغ به المسيحيّون أطفالهم بقصد الطهارة.

يقول القرطبي:

«إن النصارى كانوا يصبغون أولادهم في الماء، وهو الذي يسمّونه المعموديّة، ويقولون: هذا تطهير لهم. وقال إبن العبّاس: هو أن النصارى كانوا إذا ولد لهم ولد فأتى عليه سبعة أيّام غمسوه في ماء لهم يقال له ماء المعموديّة فيصبغوه بتلك ليطهّروا به مكان الختان، لأن الختان تطهير. فإذا فعلوا ذلك قالوا: «الآن صار نصرانياً حقاً. فرد الله تعالى عليهم بأن قال «صبغة الله» أي صبغة الله أحسن صبغة وهي الإسلام. فسمّي الدين صبغة إستعارة ومجازاً من حيث تظهر أعماله وسمته على المتديّن، كما يظهر أثر الصبغ في الثوب [...]. وقيل: إن الصبغة الختان، إختتن إبراهيم فجرت الصبغة على الختان لصبغهم الغلمان في الماء» [510] .

ويقول إبن قيّم الجوزيّة:

«إن الله عز وجل لمّا عاهد إبراهيم ووعده أن يجعله إماماً وعده أن يكون أباً لشعوب كثيرة وأن تكون الأنبياء والملوك من صلبه وأن يكثر نسله، وأخبره أنه جاعل بينه وبين نسله علامة العهد أن يختنوا كل مولود منهم ويكون عهدي هذا ميسماً في أجسادهم. فالختان علم للدخول في مِلّة إبراهيم وهذا موافق لتأويل من تأوّل قوله تعالى: «صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة» (البقرة 138:2) على الختان. فالختان للحنفاء بمنزلة الصبغ والتعميد لعبّاد الصليب. فهم يطهّرون أولادهم بزعمهم حين يصبغونهم في ماء المعموديّة. ويقولون الآن صار نصرانياً. فشرّع الله سبحانه للحنفاء صبغة الحنيفيّة وجعل ميسمها الختان فقال: «صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة» [511] .

وما زال الكتّاب المسلمون المؤيّدون لختان الذكور يعيدون علينا هذا التفسير لأيّة الصبغة [512] . ويعتمد عليها مجدي فتحي السيّد ضمن كتيّب عن ختان الإناث بمعنى تعاليم الإسلام. فهو يقول:

«عندما يتّجه البعض إلى نظم الغرب، أو تقاليع الشرق في حياتهم، أو عاداتهم، ينبغي لنا نحن أهل الإسلام، أن نلوذ بمنهاج الإسلام وتعاليمه وآدابه ليتحقّق لنا معنى كوننا «مسلمين». وهذا الفرار إلى دين الله الخالد لأن هو النظام الوحيد الصالح والشامل والمنزّه عن القصور والأخطاء الناتجة من المناهج البشريّة. وصدق الله العظيم حيث يقول: «صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون». لذا فيتحتّم على كل مسلم ومسلمة أن يحرصا على التمسّك بسُنَن وشرائع الإسلام، ليفوزا بخيري الدنيا والآخرة» [513] .

4) تصادم الختان مع فلسفة القرآن

أمام تفاقم الجدل حول ختان الذكور والإناث وضغط الأوساط الدينيّة المؤيّدة لهذه الممارسة، حاول معارضو ختان الذكور والإناث في أيّامنا الرد عليهم بالرجوع إلى القرآن حتّى تكون الحجّة القرآنيّة مقابل الحجّة القرآنيّة ما دام القرآن هو المصدر الرئيسي للشريعة الإسلاميّة. فهم يقولون إن الختان يتصادم مع فلسفة القرآن الذي يؤكّد في آيات عدّة على كمال خلق الله نذكر منها:

«خلق كل شيء فقدّره تقديراً» (الفرقان 2:25).

«أفحسبتم إنّما خلقناكم عبثاً» (النور 115:23).

«فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله» (الروم 30:30).

«وصوّركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيّبات» (غافر 64:40).

«وصوّركم فأحسن صوركم وإليه المصير» (التغابن 3:64).

«هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم» (آل عمران 6:3).

«الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكّرون في خلق السماوات والأرض ربّنا ما خلقت هذا باطلاً سبحنك فقنا عذاب النار» (آل عمران 191:3).

«الذي أحسن كل شيء خلقه» (السجدة 7:32).

«وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار» (ص 27:38).

«لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (التين 4:95).

«الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار» (الرعد 8:13).

«إنا خلقنا كل شيء بقدر» (القمر 49:54).

«يا أيها الإنسان ما غرّك بربّك الكريم الذي خلقك فسوّاك فعدلك في أي صورة ما شاء ركّبك» (الانفطار 7:82).

«وقال [الشيطان] لاتّخذن من عبادك نصيباً مفروضاً ولأضلنهم ولأمنيهم ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعم ولأمرنهم فليغيّرن خلق الله ومن يتّخذ الشيطان من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً» (النساء 118:4-119).

فإذا ما إعتبرنا أن ختان الذكور والإناث هو بتر عضو سليم لا يعوّض يلعب دوراً هامّاً في العلاقة الجنسيّة، فإنه علينا أن نعترف بأنه مخالف للقرآن ومرفوض منه. لا بل إن الآية الأخيرة تعتبر التعدّي على آذان الأنعم طاعة للشيطان. فكم بالأحرى التعدّي على سلامة جسد الإنسان؟!

ذكرنا في الفصل الخاص باليهود والمسيحيّين أن معارضة ختان الذكور في تلك المجموعتين قد إعتمدت على هذه الحجّة. ولكنّنا لا نجد عند فقهاء المسلمين القدامى إلاّ نقاشاً دار بين جعفر الصادق و«الزنديق» - دون ذكر إسمه - ننقله عن العاملي (توفّى عام 1692):

«عن الصادق في سؤال الزنديق: أخبرني هل يعاب شيء من خلق الله؟ قال: لا. قال فإن الله خلق خلقه عز وجل فلم غيّرتم خلق الله، وجعلتم فعلكم في قطع الغلفة أصوب ممّا خلق الله، وعبتم الأغلف والله خلقه، ومدحتم الختان وهو فعلكم، أم تقولون: إن ذلك كان من الله خطأ غير حِكمة؟ فقال أبو عبد الله: ذلك من الله حِكمة وصواب غير أنه سن ذلك وأوجبه على خلقه كما أن المولود إذا خرج من بطن أمّه وجدتم سرّته متّصلة بسرّة أمّه كذلك أمر الله الحكيم فأمر العباد بقطعها، وفي تركها فساد بين المولود والأم. وكذلك أظفار الإنسان أمر إذا طالت أن تقلّم، وكان قادراً يوم دبّر خلقة الإنسان أن يخلقها خلقة لا يطول. وكذلك الشعر في الشارب والرأس يطول ويجز، وكذلك الثيران خلقها فحولة وإخصاؤها أوفق، وليس في ذلك عيب في تقدير الله عز وجل» [514] .

لنا على هذا النص ملاحظتان:

- دعا جعفر الصادق المعترض على الختان معتمداً على فلسفة كمال الخلق «الزنديق». أي أنه يستحق القتل حسب نظريّات الفقهاء.

- يقارن جعفر الصادق بين الختان وبين قص الأظافر والشعر. ولا يخفى على أحد الفرق الكبير بينهما. فإذا قُص الظفر والشعر، فإنهما يطولان، والإبقاء عليهما دون قص يعيق صاحبهما. أمّا الغلفة التي تقطع في الختان، فإنها لا تطول بعد قصها، وبقاؤها لا يعيق صاحبها لا بل فيه فائدة لأنها تحتوي على شرايين مهيّجة تجعلها أشد أعضاء الجسم حساسيّة، كما سنرى في الجزء الطبّي.

ونشير هنا إلى أن إبن الجوزي يرفض ثقب الأذن الذي يشبّهه بالوشم والذي لعنه النبي: «لعن الواشمة والمستوشمة». إلاّ أنه يسمح بالختان. يقول إبن الجوزي: «النهي عن الوشم تنبيه على ثقب الأذن [...] وكثير من النساء يستجزن هذا في حق البنات ويعلّلن بأنه يحسّنهن، وهذا لا يلتفت إليه لأنه تعجّل أذى لا فائدة منه. فليعلم فاعل هذا أنه آثم معاقب». ويذكر قول أبي حاتم الطوسي:

«لا رخصة في ثقب آذان الصبيّة لأجل تعليق الذهب فإن ذلك جرح مؤلم، ولا يجوز مثله إلاّ لحاجة مُهمّة، كالفصد والحجامة والختان. والتزيّن بالحلق غير مهم، بل تعليقه على الأذن تفريط، وفي المخانق والأسورة كفاية عنه. وهو حرام والمنع منه واجب، والإستئجار عليه غير صحيح والأجرة المأخوذة عليه حرام». ولكنّه يضيف: «يجوز للمرأة أن تلبس الحلق إذا أذنها قد ثقبت في صغرها» [515] .

والمرداوي (توفّى عام 1480) يرفض قطع الإصبع الزائدة ولكن يسمح بالختان:

«لا تقطع الإصبع الزائدة. نقله عبد الله عن أحمد. ويكره ثقب أذن الصبي إلاّ الجارية، على الصحيح من المذهب [...] وقيل يحرّم في حقّها. وقال إبن عقيل: هو كالوشم. وقيل يحرّم على الذكر. وقال في الفصول: يفسق به في الذكر، وفي النساء يحتمل المنع» [516] .

وقد ذم محمّد عبده تغيير خلق الله وتشويه الأبدان مستشهداً بحديث «لعن الله الواشمة والمستوشمة»، إلاّ أنه إستثنى الختان: «وجملة القول إن التغيير الصوري الذي يجدر بالذم ويعد من إغراء الشيطان هو ما كان فيه تشويه وإلاّ لما كان من السُنّة الختان والخضاب وتقليم الأظافر» [517] .

هناك إذاً رفض من قِبَل الفقهاء القدماء لتغيير خلق الله إلاّ أنهم إستثنوا منه الختان. ولكن هذه النظرة بدأت تتغيّر في عصرنا، خاصّة من قِبَل معارضي ختان الإناث. ونذكر هنا بعض أقوال المسلمين المعاصرين:

- يقول محمّد سليم العوّا:

«قد نهى رسول الله (ص) عن تغيير خلق الله، وصح عنه لعن «المغيّرات خلق الله»، والقرآن الكريم جعل من المعاصي قطع بعض الأعضاء ولو من الحيوان، بل هو ممّا توعّد الشيطان أن يضل به بني آدم في أنعامهم وقرنه بتغيير خلق الله [يذكر هنا آية النساء 118:4-119]. والختان [للإناث] بصورته التي يجرى بها في مصر، وفي أجزاء أخرى من العالم الإسلامي، فيه تغيير خلق الله، ومن قطع بعض أعضاء الإنسان المعصومة ما لا يخفى. وإذا كان هذا في الحيوان من إضلال الشيطان فكيف يكون في حق الإنسان؟؟» [518] .

- يقول الشيخ عبد الرحمن النجّار:

«البنت الصغيرة التي يريد أبواها أن يختناها لو كانت عندها قدرة على التعبير لصاحت في وجههما: أتركاني ولا تعذّباني. والإسلام نهى عن التعذيب. والرسول قال: من آذى مسلماً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله». أتركاني لطبيعتي الأنثويّة التي خلقني الله عليها ولا تضرّاني صحّياً ونفسيّاً واجتماعيّاً والله تعالى يقول: «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم». إن هذا هو نداء الفطرة التي فطرني الله عليها» [519] .

- وفي تقديم كتاب نشره المكتب الإقليمي لشرق المتوسّط لمنظّمة الصحّة العالميّة، يقول مدير هذا المكتب الدكتور حسين عبد الرزّاق الجزائري:

«لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان في أحسن تقويم، وأراد له أن يبقى محافظاً على هذه الفطرة التي فطره عليها، ونهاه عن أي تبديل في خلق الله، وبين له أن تغيير خلق الله رجس من عمل الشيطان، ولعن - على لسان رسوله (ص) المغيّرات خلق الله».

ويضيف: «وأي تغيير لخلقة الله أشنع من هذا العدوان على هذا الجهاز الرئيسي من أجهزة المرأة؟» [520] . إلاّ أنه في نفس الوقت يبرّر ختان الذكور:

«أن الشارع الحكيم قد سمح بإزالة بعض ما نسمّيه في الطب «ملحقات الجلد» كلّما طالت، حفاظاً على نظافة البدن وصحّته، وأعتبر ذلك من تمام الفطرة، بل سمّى هذه الإزالة «سُنَن الفطرة»، وهي تقليم الأظفار، وإزالة شعر الإبط وشعر العانة، وقص ما يتدلّى من الشارب على الفم فيتلوّث بالمآكل والمشارب. وجعل من سُنَن الفطرة كذلك إزالة تلك الجلدة التي تغطّي رأس الحشفة في عضو الذكر التناسلي والتي يقال لها «الغلفة» وهي جلدة تؤلف شبه تجويف محيط بالحشفة، يمكن إذا أهملت نظافتها، وما أكثر ذلك، أن تكون مصدراً لالتهابات وتعفّنات» [521] .

- ويقول منشور صادر عن جمعيّة تنظيم الأسرة بالقاهرة إن ختان الإناث: «تعديل في خلقة الله سبحانه وتعالى». ويقول منشور مماثل صادر عن الجمعيّة السودانيّة لمحاربة العادات الضارّة بصحّة الأم والطفل أن ختان الإناث «إنتهاك جسدي وتشويه لخلق الإنسان الذي خلقه سبحانه وتعالى في أحسن تقويم وفي أحسن صورة سوّاه».

إكتشف إذاً معارضو ختان الإناث في أيّامنا أنه يتصادم مع فلسفة القرآن التي تقول بكمال خلق الله. وهذا ما لا نجده بتاتاً عند الفقهاء القدامى. إلاّ أن معارضي ختان الإناث، بدلاً من تطبيق هذه الفلسفة أيضاً على ختان الذكور، إستثنوه من منطقهم. لا بل برّروه معتبرين أن غلفة الذكر هو جلد زائد. وهذا جهل بالمعطيات الطبّية الحديثة (كما سنرى في الجزء الطبّي) بالإضافة إلى كونه إستخفاف بحِكمة الخالق. ولم يشذ عنهم إلاّ عدد قليل جدّاً نذكر منهم أربعة رفضوا ختان الذكور إعتماداً على القرآن:

أ) نوال السعداوي

تقول نوال السعداوي:

«إن الدين بمعناه العام هو الصدق والمساواة والعدالة والحب والصحّة لجميع الناس رجالاً ونساء. ولا يمكن أن يكون هناك دين يدعو إلى المرض أو تشويه أجساد البنات وقطع بظورهن. وإذا كان الدين من عند الله فكيف يمكن للدين أن يأمر بقطع عضو في الجسم خلقه الله؟ المفروض أن الله لا يخلق الأعضاء إعتباطاً. ولا يمكن أن الله يخلق البظر في جسد النساء ثم ينزل على الناس ديناً يأمرهم بقطع هذا البظر. فهذا تناقض خطير لا يقع فيه الله. وإذا كان الله قد خلق البظر كعضو حسّاس للجنس وظيفته الأساسيّة والوحيدة هي الإحساس بلذّة الجنس فمعنى ذلك أن الله قد أباح للنساء اللذّة الجنسيّة وأنها جزء من الصحّة النفسيّة. وعلى هذا فإن المرأة التي تحرم من اللذّة الجنسيّة تحرم من جزء من الصحّة النفسيّة ولا يمكن أن تكتمل صحّة المرأة النفسيّة بدون إكتمال لذّتها الجنسيّة» [522] .

وهذا النص يتكلّم فقط عن ختان الإناث. وقد كشفت في السنين الأخيرة أن سكوتها عن ختان الذكور لم يكن بإرادتها، بل فُرِض عليها. فقد كتبت في مقال صدر في مجلّة أكتوبر بتاريخ 5 فبراير 1995:

«منذ تخرّجت في كلّية الطب في ديسمبر 1954 وأنا أشعر بمسؤوليّة كبيرة تجاه هذا الشيء الذي إسمه الختان أو قطع جزء من جسم الطفل أو الطفلة تحت شعارات صحّية أو أخلاقيّة أو دينيّة أو جماليّة.

عرفت في كلّية الطب أن المشرط يجب ألاّ يقطع من الجسم إلاّ الجزء المريض. أمّا الأجزاء السليمة فلماذا تقطع؟ بالطبع لم ندرس في كلّية الطب شيئاً عن أسباب ختان الذكور أو الإناث. درّبونا فقط على إجراء هذه العمليّات في قسم الجراحة حين إشتغلنا أطبّاء إمتياز أو نوّاباً في القصر العيني.

بالإحساس الفطري رفضت أن أجري هذه العمليّات للإناث أو الذكور. كيف أقطع بالمشرط في جسم طفل سليم؟ كل شيء في جسم الإنسان له وظيفة حتّى الزائدة الدوديّة [...]

في الستّينات من هذا القرن كنت عضواً في مجلس نقابة الأطبّاء. في إحدى الجلسات طلبت من مجلس النقابة التدخّل لمنع عمليّات الختان في مصر سواء للإناث أو الذكور. ورفضت الأغلبيّة مناقشة الموضوع. قال معظم الأطبّاء إن عمليّة ختان الذكور ضروريّة للصحّة والنظافة والشكل أيضاً. إنها عمليّة طهارة رقيقة. بمجرّد تقليم أطراف مثل تقليم الأظافر. قال بعضهم إنها عادة قديمة صحّية جدّاً وبالتالي جاءت في التوراة. ونحن المسلمون نؤمن بالتوراة والإنجيل والقرآن.

هكذا قفل الحديث في موضوع ختان الذكر. ثم سألت في موضوع ختان الإناث. أيضاً رفض معظم الأطبّاء الحديث في الموضوع. قال أحدهم طهارة البنت ضروريّة للصحّة والنظافة والشكل أيضاً. إنها عمليّة رقيقة، مجرّد تقليم أطراف لا تؤثّر على حياة المرأة أو صحّتها. إن عضو المرأة الذي يقطع في الطهارة ليس له فائدة، بل بالعكس، إنه ضار. إنه يجعل المرأة تنصرف إلى إشباع رغبتها الجنسيّة على حساب مصلحة الزوج والأطفال.

لم يكن لي أن أقنع زملائي الأطبّاء في نقابة الأطبّاء. لهذا لجأت إلى القلم ومخاطبة الناس العاديين عن طريق الكتابة. كانت الرقابة على الكتب تقطع أي شيء عن الختان سواء للذكور أو للبنات. ثم بدأت الرقابة في نهاية الستّينات تخفّف قليلاً من حدّتها. إستطعت أن أكتب ضد ختان البنات إلاّ أن الرقابة كانت قادرة دائماً على حذف أهم الأشياء. كما إنها لم تكن تسمح أبداً بأي شيء ضد ختان الذكور» [523] .

وفي مقال آخر أكّدت نوال السعداوي رفضها لختان الذكور:

«وهناك من يربطون ختان الذكور بالدين اليهودي لأنه ورد في التوراة. لكن الرق ورد في التوراة والإنجيل والقرآن ولا يعني ذلك أن الرق بدأ بهذه الأديان. بل لقد حاربت هذه الأديان ضد الرق وخاصّة الدين الإسلامي الذي سعى إلى تحرير الأرقّاء والعبيد. وهناك دلائل تاريخيّة على أن الختان بدأ مع الرق مع نشوء النظام العبّودي الذي أدّى إلى القتل والحروب وإخضاع الأسرى بوسائل متعدّدة منها الختان والإخصاء) وليس العكس» [524] .

ب) القاضي الليبي مصطفى كمال المهدوي

في كتابه «البيان بالقرآن» يقول المهدوي إن القرآن لا يذكر الختان الذي هو عادة يهوديّة. وهو يرى أنه ليس في القرآن كلّه حرف واحد زائد أو ليس مسطوراً في الكتاب لحِكمة بالغة، فهذا كتاب الله الذي أتقن كل شيء وقال قوله الحق فيما خلق من شيء «ربّنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار» (آل عمران 3:191) [525] . وإن لم يتكلّم المهدوي عن ختان البنات، فليس قبولاً منه لهذه العادة بل لأنها غير معروفة في بلده، وربّما لأن عادة ختان البنات لا يرجعها المسلمون إلى القرآن.

وقد تعرّض المهدوي لحملة شعواء. فقد رفعت ضدّه دعوى لسحب الكتاب من الأسواق كما أتّهِم بالردّة. وقد دار حديث كثير في ليبيا ضدّه في الصحف وفي خطب المساجد. ونشر الشيخ أبو بكر جابر الجزائري، الواعظ بالمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، كتيّباً تحت عنوان «يا علماء الإسلام أفتونا» ضدّه يقول في خاتمته: «وأخيراً ! فليعلم كل ذي دين ويقين أن مطالبتي علماء الإسلام بإصدار فتوى جماعيّة تدور على مطالبة صاحب كتاب البيان بالقرآن بالتوبة العاجلة الصادقة، وإحراق كتابه، وإلاّ فبإقامة حد الردّة عليه ليقتل كفراً، ثم تجمع كل نسخ كتابه وتحرق، ويعلن عن منع تداول هذا الكتاب وقراءته منعاً باتّاً. إنها - مطالبتي - غضبة لله ورسوله (ص) وللمؤمنين حيث سخر هذا الضال من الكل وخرج عن تعظيم وتقدير واحترام الكل» [526] .

وقد أخذ الجزائري على مصطفى كمال المهدوي 34 مأخذاً. وقد جاء في المأخذ 21: «إنكاره الختان في الإسلام». وقد علّق قائلاً: «الذي يعنينا هنا أيها العلماء أن هذا الرجل الضال المضل أنه ينفي مشروعيّة الختان في هذه الأمّة ويكذّب بكل حديث أو أثر يثبت هذه السُنّة الشرعيّة ويقرّرها، مع العلم أن الإجماع قائم على سُنّة الختان وأنه لا يوجد تابعي واحد ولا صحابي لم يختن. فما ندري ماذا يريد هذا الذي يكذّب أمّة بأكملها وعلى رأسها نبيّها - صلوات الله وسلامه عليه - إنه أمر عجب فأفتونا يا علماء الإسلام فيه!» [527] .

وبعد محاكمة دامت عدّة سنين، أصدرت محكمة إستئناف بنغازي حكماً متناقضاً في يونيو 1999 يبرّر ساحة المهدوي من تهمة الردّة ولكنه يمنع توزيع أو إعادة نشر كتابه.

ج) جمال البنّا

يرفض جمال البنّا، الشقيق الأصغر للإمام حسن البنّا، كل من ختان الذكور والإناث لأنهما مخالفان لفلسفة كمال الخلق بالإضافة إلى مضارّهما. يقول:

«إن ما جاء في القرآن «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم» (التين 59:4) يفنّد ما يدّعونه من أن الختان يصحّح نقصاً في طبيعة خلق الإنسان، وهو ما ينافي النص القرآني. لقد أراد الله للرجال والنساء أن يكونوا كما خلقهم [...]. وأنا مؤمن كل الإيمان أن من حق الرجال والنساء أن يعيشوا كما خلقهم الله وأن الله تعالى جعل كل الأعضاء «في أحسن تقويم»، بما في ذلك أعضاء الجهاز التناسلي للرجل والمرأة» [528] .

د) أستاذ طب سوري مجهول الهويّة

يروي لنا القادري، وهو مدرّس في كلّية الطب بجامعة دمشق، في مقدّمة كتابه «الختان بين الطب والشريعة»:

«أمّا السبب الذي دفعني لأن أتطرّق لموضوع الختان فهو أحد الأساتذة من الأطبّاء كان يتهجّم على عمليّة الختان أثناء إلقائه لمحاضرته أمام الطلاّب، وكان يصفها بالعمليّة الوحشيّة الهمجيّة، إضافة إلى زعمه أن الله لم يخلق شيئاً زائداً عند الإنسان يحتاج إلى قطع، كما أنه كان يشجّع على إيقاف عمليّة الختان والإقلاع عنها. لكنّه بعد أن تبيّن لي أثناء حياتي العمليّة فوائد الختان العديدة من النواحي الطبّية، ومنها الوقاية من سرطانات الأعضاء التناسليّة راحت ذاكرتي تشك بأحد الأمرين التاليين اللذين يجولان في تفكير ذلك الأستاذ وهما: إمّا أن يكون الأستاذ الكريم يجهل فنون الطب، أو أن تفكيره ينطوي على نيّة خبيثة غايتها محاربة هذه الشعيرة التي أقرّها هذا الدين القويم» [529] .

ولم يذكر لنا القادري لا إسم الأستاذ الطبيب ولا الكلّية التي كان يدرّس بها حتّى نتمكّن من الإتّصال به إن كان حيّاً للتعرّف على آرائه. وقد حاول مؤيّدو ختان الذكور والإناث تحوير فلسفة الخلق القرآنيّة لصالحهم. فهذا مجدي فتحي السيّد يقول إن في التمسّك بخصال الإسلام التي من بينها الختان

«تبدو المحافظة على الصورة الحسنة التي خلق الله عز وجل الإنسان عليها، والتي أشار إليها جلّت قدرته، فقال تبارك وتعالى «وصوّركم فأحسن تصويركم» (التغابن 3:64). وقول جل شأنه: «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم» (التين 4:95). وكأن هذا الإنسان قد خلق كاملاً في صورة لا تعلو عليها صورة أخرى. وبالتخلّي أو التبديد في هذه السُنَن الفطريّة التشويه لتلك الخلقة الربّانيّة» [530] .

وهذا يعني - حسب رأيه - أن الإنسان يصبح في أحسن تقويم بإتمام ختان الذكور والإناث، وليس بالكف عنهما. ونشير هنا إلى أن إبن قيّم الجوزيّة يعتبر الختان تحسين للخلقة وتعديل للشهوة لكل من الذكور والإناث. فهو يقول إن من ميّزات الختان «الطهارة والنظافة والتزيين وتحسين الخلقة وتعديل الشهوة التي إذا أفرطت ألحقت الإنسان بالحيوانات، وإن عدمت بالكلّية الحقته بالجمادات. فالختان يعدّلها ولهذا تجد الأغلف من الرجال والغلفاء من النساء لا يشبع من الجماع» [531] .

الفصل الثاني: الختان في السُنّة

1) السُنّة المصدر الثاني للشريعة الإسلاميّة

رأينا في الفصل الثاني أن القرآن قد سكت عن ختان الذكور والإناث. وقد إجتهد البعض في تفسير سكوت القرآن على أساس فلسفة القرآن القائلة بكمال خلق الله معتبرين أن ختان الذكور والإناث مخالفاً للقرآن.

أمّا مؤيّدو ختان الذكور فقد فسّروا بعض آيات القرآن المتشابهات لتأييد ختان الذكور. وهم يرفضون التعلّل بعدم وجود ذكر صريح للختان في القرآن. فالقرآن لم يتعرّض لجميع المسائل. وهناك مسائل تم تقريرها في السُنّة، ومن بين تلك المسائل ختان الذكور والإناث: «إن ما حسَّنه رسول الله (ص) هو نفسه ما حسَّنه الله تعالى [...]. أليست السُنّة من الشرع؟ وأليس إتِّباع الرسول (ص) مأموراً به في كل ما جاء به؟» [532] . وقَبل أن نعرض ما تقوله السُنّة عن ختان الذكور والإناث علينا أن نوضّح مكانة السُنّة في الشريعة الإسلاميّة.

تنقسم السُنّة إلى

- سُنّة قوليّة: وهي أقوال النبي محمّد، مثل قوله «إنّما الأعمال بالنيّات وإنّما لكل إمرئ ما نوى»، وتسمّى أحاديث.

- سُنّة فعليّة: هي أعمال النبي محمّد، كحجّه وصلاته.

- سُنّة تقريريّة: هي إقراره لما يفعله بعض أصحابه ويراه أو يعلمه، كإقراره للتيمّم في حال البرد الشديد وعدم وجود وقود [533] .

ويعتبر المسلمون عامّة السُنّة النبويّة المصدر الثاني للشريعة الإسلاميّة، وأن محمّداً معصوم من الخطأ على أساس شهادة القرآن له «وما ينطق عن الهوى» (النجم 3:53). والقرآن يقرّر ضرورة اللجوء إلى النبي محمّد: «وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» (الحشر 7:59). وفي حالة الإختلاف، على المسلم أن يحتكم إلى السُنّة: «ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتّبعتم الشيطان إلاّ قليلاً» (النساء 83:4). ونقرأ في تمهيد كتاب «المنتخب من السُنّة»: «إن شرع الله لا يعلم إلاّ من بيان رسول الله (ص). وإذا كان القرآن هو المصدر الأوّل، فالسُنّة هي الشارحة له، والمبيّنة لمبهمه، وهي المصدر الثاني، وإن شئت فقل إنهما مصدران متلازمان، أو جزءان لمصدر واحد، وهو ما أنزل من السماء» [534] .

وغالبيّة المسلمين تعتبر أن السُنّة تبقى المرجع الذي يجب التقيّد به رغم مرور الزمن وتطوّر العادات، حتّى في مجال ختان الذكور والإناث. يقول السكّري:

«لا جدل في أن خير القرون هو القرن الذي عاش فيه رسول الله (ص) ثم القرن الذي يليه وهكذا تتناقص القرون قرنا بعد قرن. والتناقص لا يكون فقط في الإلتزام والتمسّك بأهداب الدين بل إنه في كل أنشطة الحياة البشريّة على الرغم من التقدّم الصناعي والطبّي وغيرهما ممّا لم يتيسّر لزمن قَبل زمننا. ذلك لأن صمّام أمان هذه الحياة ينحصر في إقتفاء أثر رسول الله» [535] .

يعتمد المسلمون خاصّة على كتب الحديث للتعرّف على السُنّة. ولكل من أهل السُنّة والشيعة كتبهم الخاصّة بهم. ولذلك فالمؤلّفون السنيِّون الذين كتبوا عن ختان الذكور والإناث يتجاهلون عامّة ما جاء في كتب الحديث الشيعيّة ولا يلتفتون إلى مواقف الشيعة. ونفس الأمر ينطبق على المؤلّفين الشيعة. ولكنّنا في كتابنا هذا لن ننحاز لطرف على طرف آخر، بل سنذكر موقف كل طرف كما تتطلّبه الأمانة العلميّة، موضّحين الطرف الذي نعنيه حيث يلزم.

ورغم الأهمّية البالغة التي يعيرها المسلمون للسُنّة النبويّة، فإنهم يرون في نفس الوقت أن أقوال النبي تختلف عن القرآن الذي هو في إعتقادهم كلام الله. فكتب الأحاديث كثيرة ولا تتساوى فيما بينها، وما إحتوته من أحاديث ليس على مستوى واحد من الصحّة. فقد فرّق علماء الحديث بين القدسي، والصحيح، والحسن، والضعيف، والمدلّس، والمنكر، والمتروك، والمطروح، والشاذ، والمضطرب، والمصحّف، والموضوع، الخ... [536] . ويذكر إبن خلدون في هذا المجال:

«وأعلم [...] أن الأئمّة المجتهدين تفاوتوا في الإكثار من هذه الصناعة والإقلال. فأبو حنيفة رضي الله عنه يقال عنده بلغت روايته إلى سبعة عشر حديثاً أو نحوها. ومالك رحمه الله إنّما صح عنده ما في كتاب الموطّأ وغايتها ثلثمائة حديث أو نحوها. وأحمد إبن حنبل رحمه الله في مسنده خمسون ألف حديث [...] وإنّما قلّل منهم من قلّل الرواية لأجل المطاعن التي تعترضه فيها والعلل التي تعرّض في طرقها» [537] .

ويعتمد معارضو ختان الإناث والذكور على هذا الإضطراب في السُنّة لرفض الإعتماد عليها في هذا المجال.

ونشير هنا إلى أن أهل الشيعة يعتبرون أئمّتهم معصومين عن الخطأ كما هو الأمر بخصوص النبي محمّد. يقول محمّد جوّاد مغنيّة عن الإمام:

«حُكمه حُكم الله الذي لا يحتمل العكس [...]. إن الإمامة بمعنى النبوّة والوصاية تستدعي العصمة ولا تنفك عنها بحال، بل هي هي، لأن الأعمى لا يقود أعمى» [538] .

لذلك سوف ننقل ما جاء في كتبهم على لسان الإمام علي (توفّى عام 661) وعلى لسان جعفر الصادق بخصوص ختان الذكور والإناث. ولتفرقة أقوالهما عن الأحاديث النبويّة سبقناها بعبارة «قول لعلي» أو «قول لجعفر الصادق». وهذه الأقوال ما زالت تذكر في الكتب الشيعيّة المعاصرة كما هو واضح في النصّين الشيعيين في الملحقين 18 و19 في آخر الكتاب.

2) الأحاديث التي تذكر لتأييد ختان الذكور والإناث

سوف نجمع هنا ما جاء من أحاديث في كتب أهل السُنّة وأهل الشيعة مكتفين بذكر آخر راوٍ لها عن النبي محمّد. وقد رتّبنا هذه الأحاديث حسب موضوعها.

أ) أحاديث ختان إبراهيم

لقد ذكرنا في الفصل السابق الأحاديث الخاصّة بختان إبراهيم عند عرضنا لتفسير سورة البقرة 124:2: «وإذ إبتلى إبراهيم ربّه بكلمات». لذا نعيد القارئ لما سبق. ونشير هنا إلى أن كتاب «المنتخب من السُنّة» الذي نشره المجلس الأعلى للشئون الإسلاميّة في مصر أوّل ما يذكر تأييداً لختان الذكور هو حديث ختان إبراهيم، ويضيف إليه حديث عثيم بن كليب الذي سيأتي ذكره في بداية الأحاديث الآمرة بختان الذكور [539] .

ب) أحاديث ختان النبي محمّد

يرى مؤيّدو ختان الذكور بأن على المسلم أن يختتن أسوة بالنبي محمّد. ولكن هناك عدّة روايات متضاربة يتناقلها الكتّاب المسلمون القدامى حول ختان النبي محمّد أجملها الأنصاري (توفّى عام 1596) كما يلي:

«وروي أن نبيّنا (ص) ولد مختوناً كثلاثة عشر نبياً، وأن جبريل ختنه حين طهّر قلبه، وأن عبد المطّلب ختنه يوم سابعه ولم يصح في ذلك شيء على ما قاله جمع من الحفاظ ولم ينظروا لقول الحاكم إن الذي تواترت به الرواية أنه ولد مختوناً [...] ويمكن الجمع بأنه يحتمل أنه كان هناك تقلّص في الحشفة فنظر بعض الرواة للصورة فسماه ختاناً وبعضهم للحقيقة فسماه غير ختان. وقال بعض المحقّقين من الحفاظ الأشبه بالصواب أنه لم يولد مختوناً» [540] .

وهذه هي أهم الروايات.

ميلاد النبي مختوناً

يذكر الأصبهاني (توفّى عام 1038) في كتابه «دلائل النبوّة» حديثاً عن أنس بن مالك عن النبي أنه قال: «من كرامتي على ربّي إني ولدت مختوناً ولم ير أحد سوأتي». ويضيف قولاً لابن العبّاس: «ولد رسول الله (ص) مختوناً مسروراً (أي مقطوع السرّة من بطن أمّه) فاعجب ذلك جدّه وحظي عنده وقال ليكونن لابني هذا شأن فكان له شأن» [541] .

وقد تكلّمنا سابقاً ضمن كلامنا عن ختان إبراهيم في الفصل الأوّل أن هناك روايات تقول بأن محمّداً ولد مختوناً بين عدد من الأنبياء منّة من الله عليهم فطهّرهم من بطن أمّهم. وهذه الروايات هي في حقيقتها نقل عن الأساطير اليهوديّة التي ذكرناها في القسم الثاني الخاص بالجدل الديني اليهودي، فليرجع القارئ لها.

هذا ونقرأ في مسند إبن حنبل: «وصف رسول الله (ص) ذات يوم صفة الدجّال وصفة أبيه. قال: يمكث أبوا الدجّال ثلاثين سنة لا يولد لهما، ثم يولد لهما إبن مسرور مختون، أقل نفعاً وأضرّه» [542] . فكيف يمكن والحالة هذه أن يكون النبي قد ولد على صورة إبن الدجّال؟

وقد إعتبر إبن قيّم الجوزيّة أن حديث مولد النبي مختوناً لا يصح ومن الموضوعات «وليس فيه حديث ثابت وليس هذا من خواصّه فإن كثيراً من الناس يولد مختوناً» [543] .

ويناقش الحلبي (توفّى عام 1635) ما إذا كان «عدم وجود الغلفة نقص من أصل الخلقة الإنسانيّة» ويرد: «نقول إنّما لم يخلق بتلك الغلفة ليحصل كمال الخلقة الإنسانيّة لأن هذه الغلفة لمّا كانت تزال ولا بد من كل أحد مع ما يلزم على إزالتها من كشف العورة كان نقص الخلقة الإنسانيّة عنها عين الكمال» [544] .

ختان الملاك للنبي

يروي لنا الأصبهاني ختان الملاك للنبي كما يلي:

«فبينما هو يوماً مع أخيه وأخته في البهم وكان عمره أربع سنين أخذت محمّد غمية فجعل أخوه يكلّمه فلا يجيبه فخرج الغلام يصيح بأمّه أدركي أخي القرشي فخرجت أمّه تعدو ومعها أبوه فيجدان رسول الله قاعداً منتقع اللون فسألت أمّه أخاه ما رأيت قال طائرين أبيضين فوقنا فقال أحدهما أهو هو؟ قال نعم. فأخذاه فاستلقياه على ظهره فشقّا بطنه فأخرجا ما كان في بطنه ثم قال أحدهما ائتني بماء ثلج فجاء به فغسل بطنه ثم قال ائتني بماء ورد فجاءه فغسل بطنه ثم أعاده كما هو» [545] .

وهذه الرواية التي يُعتمد عليها لبيان ختان الملاك للنبي لا ذكر للختان فيها إذ تتكلّم عن تطهير الجوف، لا قطع الغلفة.

ختن النبي على يد جدّه عبد المطّلب

هناك رواية تقول بأن النبي محمّد قد ختنه جدّه عبد المطّلب بن هاشم يوم سابعه وصنع له مأدبة وسماه محمّداً. وقد ذكر هذا الحديث إبن قيّم الجوزيّة وأضاف: «حديث مسند غريب». ويذكر قول ليحيى بن أيّوب:

«طلبت هذا الحديث فلم أجده عند أحد من أهل الحديث ممّن لقيته إلاّ عند إبن أبي السرى وقد وقعت هذه المسئلة بين رجلين فاضلين صنّف أحدهما مصنّفاً في أنه ولد مختوناً وأجلب فيه من الأحاديث التي لا خطام ولا زمام وهو كمال الدين بن طلحة فنقضه عليه كمال الدين بن العديم وبيّن فيه أنه ختن على عادة العرب وكان عموم هذه السُنّة للعرب قاطبة مغنياً عن نقل معيّن فيها والله أعلم» [546] .

ومن المعروف أن اليهود تختن في اليوم الثامن (أو سبعة أيّام بعد يوم الميلاد). فيكون النبي في هذه الحالة قد ختن على شريعة اليهود. وهذا يتناقض مع كثير من الأحاديث التي تقول بضرورة مخالفة اليهود [547] . وهذا هو سبب إحتجاج بعض الفقهاء المسلمين على إجراء الختان في اليوم السابع كما سنرى لاحقاً.

ولد النبي مختوناً غير تام

بعد أن إستعرض الآراء في ختان النبي، يختتم الحلبي بالقول:

«قد يجمع بأنه يجوز أن يكون ولد مختوناً غير تام الختان كما هو الغالب في ذلك فتمّم جدّه ختانه. لكن ينازع فيه ما تقدّم من قوله (ص) من كرامتي على ربّي إني ولدت مختوناً ولم ير أحد سوأتي أي لأجل الختان كما الظاهر إن صح» [548] .

وفي عصرنا، إستعرض السكّري هذه الآراء المختلفة وأبدى رأيه قائلاً «إن الرسول (ص) قد ختن على عادة العرب. وكانت عادتهم الختان وسُنّة باقية فيهم فكان ذلك مغنياً عن نقل معيّن فيها» [549] .

وهكذا نرى أن المسلمين قديماً وحديثاً قد إختلفوا في قضيّة ختان النبي محمّد. وما كان لهم أن يختلفوا لو أن من عادة العرب حقيقة ختان أطفالهم في ذاك الزمن كما يدّعي البعض. ونشير هنا إلى أن المصدرين الأساسيين للسيرة النبويّة، وهما إبن إسحاق (توفّى عام 767) وابن هشام (توفّى عام 828) لم يذكرا بتاتاً موضوع ختان النبي محمّد. وما كان لهذين المصدرين أن يسكتا عن حدث بمثل هذه الأهمّية. ونحن نميل إلى القول بأن النبي محمّد لم يختن إلاّ إذا كان هناك دليل على أنه ينتمي إلى الطائفة اليهوديّة التي هي الطائفة الوحيدة التي كانت تمارس الختان بصورة أكيدة في الجزيرة العربيّة. ولكن لنفرض أن النبي محمّد ختن، فهذا يعني أوّلاً وآخراً أنه وقع ضحيّة عادة قديمة مثله مثل السيّد المسيح والملايين من الأطفال الذين ختنوا عبر التاريخ وما زالوا يختنون دون رأفة ودون الأخذ برأيهم.

ج) أحاديث ختان الحسن والحسين

هناك من يرى أن ختان الذكور واجب على المسلم لأن النبي ختن الحسن والحسين. وما كان ليفعل ذلك لو لم يكن واجباً.

تذكر كتب الشيعة أن النبي ختن الحسن والحسين لسبعة أيّام [550] . وذكر إبن أبي الدنيا (توفّى عام 894) حديثاً عن جابر بن عبد الله: «إن رسول الله (ص) نحر عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيّام» [551] . وقد ذكر البيهقي (توفّى عام 1066) عن جابر قال: «عق رسول الله (ص) عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيّام» [552] .

وقد قال الشيخ جاد الحق إن هذا الحديث غير مُسَّلم بثبوته [553] . ورغم ذلك يعتمد الشيخ الطنطاوي عليه للتأكيد على ختان الذكور. يقول الطنطاوي:

«إتّفق الفقهاء على أن الختان بالنسبة للذكور من شعائر الإسلام. ومن الأحاديث النبويّة الشريفة التي إعتمد عليها الفقهاء في ذلك، ما رواه الحاكم والبيهقي عن السيّدة عائشة - رضي الله عنها - أن النبي (ص) ختن الحسن والحسين في اليوم السابع من ولادتهما» [554] .

ونشير هنا إلى أن حديث ختان الحسن والحسين لا ذكر له في كتب السُنّة الستّة ولا في مسند إبن حنبل. ومن جهة أخرى يجب الإشارة إلى أن ختانهما في اليوم السابع، إن صح هذا الحديث، يعني أنهما ختنا على الطريقة اليهوديّة. وهذا يناقض الأحاديث النبويّة الكثيرة التي تنهى عن التشبّه باليهود.

د) النبي لم يختن بناته

يرى معارضو ختان الإناث أن النبي لم يختن بناته. فلو كان ختانهن واجباً أو مستحبّاً لكان فعل ذلك. يقول الشيخ عبد الرحمن النجّار: «والرسول كانت له أربع بنات ولم يؤثّر في سيرته أنهن إختتن» ا [555] . وفي المنشور الصادر عن جمعيّة تنظيم الأسرة بالقاهرة نقرأ: «لم يرد في السُنّة أن النبي (ص) أجرى عمليّة الختان على بناته».

هـ) أحاديث الختان من سُنَن الفطرة

يعتمد مؤيّدو ختان الذكور على حديث نبوي يجعل من الختان أحد سُنَن أو خصال الفطرة. وبعض تلك الأحاديث تتكلّم عن ختان الذكور باعتباره سُنّة. وقد إختلف الفقهاء في عدد سُنَن الفطرة وفي معنى كلمة الفطرة ومدى وجوب إتّباعها.

يستعرض إبن حجر الأحاديث الخاصّة بالفطرة:

- «من السُنّة قص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار».

- «أربع من سُنَن المرسلين: الحياء، والتعطّر، والسواك، والنكاح».

- «خمس من سُنَن المرسلين: الحياء، والتعطّر، والسواك، والحلم، والحجامة».

- «من الفطرة: المضمضة والإستنشاق والسواك وغسل البراجم والإنتضاح».

- حديث عن عائشة: «عشر من الفطرة: قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء. قال مصعب: ونسيت العاشرة إلاّ أن تكون المضمضة».

نلاحظ من الأحاديث المذكورة أعلاه أن عدد سن الفطرة إنتقل من ثلاثة إلى أربعة إلى خمسة إلى عشرة، وأن لا ذكر للختان فيها. ثم جاء المحدّثون فأحدثوا إستبدال كلمة بكلمة. وهكذا نجد حديثاً عن أبي هريرة يقول فيه: «الفطرة خمس أو خمس من الفطرة: الختان والإستحداد ونتف الإبط، وتقليم الأظفار وقص الشارب» [556] . ثم جاء من إستبدل كلمة الإستنشاق بكلمة الإستنثار، ومن إستبدل غسل البراجم بالختان، ومن إستبدل إعفاء اللحية بالفرق. وقد جمع إبن حجر خصال الفطرة في الأحاديث المختلفة فوجدها 16 خصلة. ويذكر قولاً لابن العربي بأن خصال الفطرة تبلغ ثلاثين خصلة [557] .

ونلاحظ أن موطّأ مالك برواية إبن كثير قد ذكر حديث أبي هريرة السابق الذكر بالشكل الآتي: «خمس من الفطرة: تقليم الأظافر، وقص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة والإختتان» [558] . وهذا الحديث لا وجود له في موطّأ الإمام مالك برواية محمّد بن الحسن الشيباني. فقد أسقطه مالك مثل غيره من الأحاديث. فكيف يمكن الإعتماد عليه؟

وهناك أحاديث موازية عند أهل الشيعة:

- عن علي أن النبي قال: «إن الله عز وجل بعث خليله بالحنيفيّة، وأمره بأخذ الشارب وقص الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة والختان» [559] .

- قول لجعفر الصادق: «إن ثقب أذن الغلام من السُنّة وختانه لسبعة أيّام من السُنّة» [560] .

- قول لجعفر الصادق: «ثقب أذن الغلام من السُنّة وختان الغلام من السُنّة» [561] .

- قول لجعفر الصادق: «من سُنَن المرسلين الإستنجاء والختان» [562] .

- قول لجعفر الصادق: «من الحنيفيّة الختان» [563] .

وسوف نرى لاحقاً أحاديث أخرى تفرّق بين ختان الذكور الذي تعتبره «سُنّة»، وختان الإناث الذي تعتبره «مَكرُمَة».

يعتبر مؤيّدو ختان الذكور أن سُنَن الفطرة هي إشارة إلى الآية: «فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله» (الروم 30:30). وفي تفسيره لمعنى سُنَن الفطرة، يقول إبن حجر: «والمراد بالفطرة [...] أن هذه الأشياء إذا فعلت إتّصف فاعلها بالفطرة التي فطر الله العباد عليها وحثّهم عليها واستحبّها لهم ليكونوا على أكمل الصفات وأشرفها صورة». ويذكر قول البيضاوي: «هي السُنّة القديمة التي إختارها الأنبياء واتّفقت عليها الشرائع وكأنها أمر جبلي فطروا عليها». ويضيف قول أبو بكر بن العربي (توفّى عام 1148): «عندي أن الخصال الخمس المذكورة في هذا الحديث كلّها واجبة، فإن المرء لو تركها لم تبق صورته على صورة الآدميين فكيف من جملة المسلمين» [564] . ويقول إبن حجر: «ثبت أن هذه الخصال أمر بها إبراهيم عليه السلام، وكل شيء أمر الله بإتّباعه فهو على الوجوب لمن أمر به». ثم يشير إلى أن الشافعي (توفّى عام 820) وجمهور أصحابه ذهبوا إلى وجوب الختان دون باقي الخصال الخمس المذكورة [565] .

وبعد ذكر حديث «الفطرة خمس الختان والإستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط»، دون أيّة إشارة إلى التناقض الذي وقع في الأحاديث المختلفة، يقول مؤلّف حديث: «جعل الختان رأس خصال السُنّة. وإنّما كانت هذه الخصال من الفطرة لأن الفطرة هي الحنيفيّة مِلّة إبراهيم، وهذه الخصال أمر بها إبراهيم، وهي من الكلمات التي إبتلاه ربّه بهن». ويضيف المؤلّف: «الختان من محاسن الشرائع التي شرّعها الله لعباده وكمّل بها محاسنهم الظاهرة والباطنة، فهو مكمّل الفطرة التي فطرهم عليها، ولهذا كان من تمام الحنيفيّة مِلّة إبراهيم وأصل مشروعيّة الختان لتكميل الحنيفيّة» [566] .

ومؤيّدو ختان الإناث يفهمون من حديث الفطرة أنه يأمر بختان الذكور وختان الإناث سواء «إذ لا مخصّص فيها للذكور عن الإناث». ولكن معارضو ختان الإناث يرون إمكانيّة التفريق بين ختان الذكور والإناث في الحُكم:

«فمن بين الخصال التي ذكرها قص الشارب، وهذا خاص قطعاً بالذكور دون الإناث. وفي الحديث الصحيح [...] عن عائشة وغيرها من الصحابة في خصال الفطرة أنها عشر خصال - منها قص الشارب، وإعفاء اللحية. ولا شك أن إعفاء اللحية كقص الشارب خاص بالذكور دون الإناث. وأصل الحديث في شأن الفطرة هو ما رواه مالك في الموطّأ [...] أن إبراهيم عليه السلام كان أوّل من إختتن. وعلى هذا إجماع العلماء [...] إنه من مؤكّدات سُنَن المرسلين ومن فطرة الإسلام التي لا يسع تركها في الرجال [...] وقطع عضو من الإنسان [كما في ختان الإناث] حرام شرعاً لا يباح إلاّ بدليل قطعي وهو معدوم في هذه القضيّة» [567] .

و) الأحاديث الآمرة بختان الذكور

يعتمد مؤيّدو ختان الذكور على أحاديث نبويّة تأمر به. ويضيف الشيعة لهذه الأحاديث النبويّة أقوالاً لأئمّتهم.

- حديث عثيم بن كليب عن أبيه عن جدّه أنه جاء النبي فقال أسلمت، فقال النبي: «ألق عنك شعر الكفر» يقول: أحلق. قال: وأخبرني آخر أن النبي (ص) قال لآخر معه: «ألق عنك شعر الكفر واختتن» [568] . هذا الحديث يروى إذاً مرّة مع ذكر الختان ومرّة دون ذكر الختان. بعد حديث ختان إبراهيم، هذا هو الحديث الثاني والأخير الذي يعتمد عليه كتاب «المنتخب من السُنّة» الذي نشره المجلس الأعلى للشئون الإسلاميّة في مصر لتأييد ختان الذكور. ويعلّق على هذا الحديث قائلاً: ««أخْتَتِن: إستدل القائلون بوجوب الختان بهذا الحديث لما فيه من لفظ الأمر بالختان» [569] . وقد قال إبن حجر إن سند الحديث ضعيف لا يثبت فيه شيء [570] .

- حديث أبي هريرة أن الرسول قال: «من أسلم فليختن وإن كان كبيراً». وهذا الحديث من مراسيل الزهري التي إعتبرها إبن قيّم الجوزيّة من أضعف المراسيل فلا تصح للإحتجاج أ [571] .

- سئل النبي عن رجل أغلف، يحج بيت الله؟ قال: «لا، حتّى يختتن» [572] . وقد قال عن هذا الحديث إبن المنذر (توفّى عام 931) إن إسناد هذا الحديث مجهول لا يثبت [573] .

- عن علي قال: وجدنا في قائم سيف رسول الله (ص) في صحيفة: «أن الأغلف لا يترك في الإسلام حتّى يختن ولو بلغ ثمانين سنة» [574] . وقد ذكره البيهقي وقال: «هذا حديث ينفرد به أهل البيت عليهم السلام بهذا الإسناد» [575] .

- عن علي قال: «إذا أسلم الرجل إختتن ولو بلغ ثمانين» [576] .

- قول لجعفر الصادق: «المولود يعق عنه ويختن لسبعة أيّام» [577] .

ولأهل الشيعة أحاديث تأمر بالختان معتبرة بول الأغلف نجساً. وهذه الأحاديث لا وجود لها في كتب السُنّة الستّة ولا في مسند إبن حنبل. نذكر من هذه الأحاديث:

- من طب الأئمّة عن النبي قال: «أختنوا أولادكم في السابع، فإنه أطهر وأسرع لنبات اللحم»، فقال: «إن الأرض تنجّس ببول الأغلف أربعين يوماً» [578] .

- عن جعفر الصادق أن النبي قال: «طهّروا أولادكم يوم السابع فإنه أطيب وأطهر وأسرع لنبات اللحم، وإن الأرض تنجّس من بول الأغلف أربعين صباحاً» [579] .

- عن جعفر الصادق عن النبي: «إن الأرض تضج إلى الله تعالى من بول الأغلف» [580] .

- قول لجعفر الصادق: «أختنوا أولادكم لسبعة أيّام فإنه أطهر وأسرع لنبات اللحم وإن الأرض لتكره بول الأغلف» [581] .

وقد ذكر إبن أبي الدنيا حديثاً بهذا المعنى: «حدّثني شرحبيل بن مسلم الخولاني، قال: دخل علي خالد بن عبيد الله الملائي وقد ختنت فمسح رأسي ودعا لي بالبركة ثم قال لي: أبشر يا إبن أخي فقد طهّرك الله. لقد بلغني أن الحجر يتنجّس من بول الأغلف أن تنتن صناناً» [582] .

ز) حديث «الختان سُنّة للرجال مَكرُمَة للنساء»

هناك حديث للنبي يقول: «الختان سُنّة للرجال مَكرُمَة للنساء» [583] . وهذا الحديث منقول عن الحجّاج بن أرطأة. ويقول القرطبي وابن جحر (توفّى عام 1449): «والحجّاج ليس ممّن يحتج به» [584] . بعد أن إستعرض تشكيك الفقهاء القدامى في هذا الحديث، يقول العوّا:

«ليس في هذا النص حجّة، لأنه نص ضعيف، مداره على راوٍ لا يحتج بروايته، فكيف يؤخذ منه حُكم شرعي بأن أمراً معيّناً من السُنّة أو من المكرمات وأقل أحوالها أن تكون مستحبّة، والإستحباب حُكم شرعي لا يثبت إلاّ بدليل صحيح».

ويضيف:

«وعلى الفرض الجدلي أن الحديث صحيح - وهو ليس كذلك - فإنه ليس فيه التسوية بين ختان الذكور وختان الإناث في الحُكم، بل فيه التصريح بأن ختان الإناث ليس بسُنّة، وإنّما هو في مرتّبة دونها. وكأن الإسلام حين جاء وبعض العرب يختنون الإناث أراد تهذيب هذه العادة بوصف الكيفيّة البالغة منتهى الدقّة، الرقيقة غاية الرقّة، بلفظ (أشِمِّي ولا تُنهِكي) الذي في الرواية الضعيفة الأولى [رواية أم عطيّة التي سنراها لاحقاً]، وأراد تبيين أنه ليس من أحكام الدين ولكنّه من أعراف الناس بذكر أنه (سُنّة للرجال) - وهي (أي السُنّة) هنا بمعنى العادة لا بالمعنى الأصولي للكلمة» [585] .

وينكر العوّا بأن ختان الإناث مَكرُمَة: «إنه لا واجب ولا سُنّة، ولم يدل على واحد منهما دليل، وليس مَكرُمَة أيضاً لضعف جميع الأحاديث الواردة فيه» [586] . ويضيف في مقال آخر: «والمكرمات مندوبات أي يستحب فعلها. والإستحباب حُكم شرعي لا يثبت إلاّ بدليل من أدلّة الإحكام وأهمّها القرآن والسُنّة والإجماع والقياس. وليس في واحد من هذه المصادر الأربعة دليل على الإباحة فما فوقها. فكيف يقال إن ختان الإناث مَكرُمَة؟» [587] .

رغم الشك المحاط به، هذا هو الحديث الوحيد الذي يذكره كتاب «المنتخب من السُنّة» الذي نشره المجلس الأعلى المصري للشئون الإسلاميّة لتأييد ختان الإناث. وقد علّق هذا الكتاب على هذا الحديث قائلاً: ««مَكرُمَة في النساء»: أي أن الختان من أسباب الكرامة في النساء، لأن الكرامة هي فعل الخير». وقد رد على المشكّكين فيه: «كل ما يؤخذ على هذا الحديث أن في سنده الحجّاج بن أرطأة، وهو عند أهل الحديث ينسب الأحاديث إلى من لم يسمع منه، وليس معنى هذا أنه يتعمّد الكذب، أو أنه سيّئ القصد، وإنّما هو يعتقد صدق من يتلقى عنه الحديث». ويضيف: «مهما قيل في هذا الحديث، فإنه يجب الأخذ به بالنسبة لختان الإناث. فقد دلّت الحوادث على أن ترك ختانهن يؤدّي بهن إلى أخطر العادات، حيث تشيع فيهن عادة السحاق. وقد ثبت من الإحصائيّات أنه لا وجود لهذه العادة إلاّ في البلاد التي لا تختتن فيها الإناث» [588] . وهذا الحُكم على النزعات الجنسيّة للمرأة دون ذكر أي توثيق له هو مجرّد رأي يعبّر عن تحيّز ضد المرأة وتعدّ على كرامتها. وسف نعود إلى ذلك في الجزء الطبّي.

وينقل أهل الشيعة أقوالاً لأئمّتهم تشبه هذا الحديث نذكر منها:

- قول لعلي: «لا بأس بأن تختتن المرأة، فأمّا الرجل فلا بد منه» [589] .

- قول لجعفر الصادق: «ختان الغلام من السُنّة وخفض الجواري ليس من السُنّة» [590] .

- عن المرادي أنه قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجارية تسبى من أرض الشرك فتسلم فيطلب لها من يخفضها فلا يقدر على إمرأة. فقال: أمّا السُنّة فالختان على الرجال، وليس على النساء [591] .

- قول لجعفر الصادق: خفض الجارية مَكرُمَة وليس من السُنّة ولا شيئاً واجباً وأي شيء أفضل من المَكرُمَة [592] .

- قول لجعفر الصادق: الختان في الرجل سُنّة ومَكرُمَة في النساء [593] .

وسنرى لاحقاً أن العرب كانت تعيّر من كانت أمّه تقوم بختان الإناث: «إبن مقطّعة البظور». فكيف في هذه الحالة إعتبار ختان الإناث مَكرُمَة؟

ح) أحاديث «إذا إلتقى الختانان»

يذكر البيهقي أن أبا موسى الأشعري أتى عائشة فقال: لقد شق علي إختلاف أصحاب النبي (ص) في أمر إني لأعظّم أن أستقبلك به. فقالت: ما هو؟ كنت سائلاً عنه أمّك فسلني عنه. فقال لها: الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل؟ قالت: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل. وقد ذكر البيهقي هذا الحديث بأشكال مختلفة عن عائشة عن النبي، بعضها لا يذكر الختان:

- «إذا إلتقى الختانان أو مس الختان الختان فقد وجب الغسل».

- «إذا قعد بين الشعب الأربع، ثم الزق الختان بالختان، فقد وجب الغسل».

- «إذا إلتقى الختانان فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله (ص) فاغتسلنا».

- «إذا قعد بين شعبها الأربعة ثم إجتهد فقد وجب الغسل». وهناك من زاد عليه: «أنزل أو لم ينزل».

وفي هذا الحديث الأخير لا ذكر للختانين [594] . ويستنتج مؤيّدو ختان الذكور والإناث من هذا الحديث أن ختان الذكور وختان الإناث كان ممارساً في زمن النبي محمّد [595] . والعوّا يعتبر هذا الحديث هو «الحديث الصحيح الوحيد في كتبنا جميعاً فيما يتعلّق بهذا الأمر» [596] . ولكنّه يرى أن

«لا حجّة في هذا الحديث الصحيح على ذلك. لأن اللفظ هنا جاء من باب تسمية الشيئين أو الشخصين أو الأمرين بإسم الأشهر منهما، أو بإسم أحدهما على سبيل التغليب. ومن ذلك كلمات كثيرة في صحيح اللغة العربيّة منها العُمَران (أبو بكر وعمر)، والقمران (الشمس والقمر) والنيِّران (هما أيضاً، وليس في القمر نور بل إنعكاس نور الشمس عليه) والعشاءان (المغرب والعشاء) والظهران (الظهر والعصر)» [597] .

وقد وجدنا إحتجاجاً مماثلاً عند الفقهاء القدامى [598] . ويضيف العوّا:

«فلفظ الختانين [...] لا دلالة فيه على مشروعيّة الختان للإناث. والحديث وارد فيما يوجب الغسل وليس وارداً في أمر الختان أصلاً. ولا يبعد أن يقال: إنه حدّثهم على معهودهم قَبل الإسلام في إيقاع هذا الفعل بالمرأة، دون أن يتضمّن حديثه (ص) إباحة أصلاً» [599] .

وقد أُخِذ على حديث «إذا إلتقى الختانان» بأنه يقرّر قاعدة فقهيّة مرفوضة بالإجماع إذ لا يجب الغسل لمجرّد الإلتقاء، بل لتغييب الحشفة في الفرج. وقد حاول البعض تفسير «إلتقى الختانان» بأنه كناية عن مغيب الحشفة [600] . ولهذا السبب نحن نرى أن كلمة «الختانان» قد تكون قد فهمت غلطا بدلاً من «الختنان»، أي الزوجان. فيكون معنى الحديث: إذا إلتقى الزوجان في علاقة جنسيّة، يجب الغسل. وفي حالة فهم الحديث كما فهمه مؤيّدو ختان الإناث، فإننا لا نعرف كيف يمكنهم الإعتماد على حديث جاء في صور متناقضة.

ط) روايتا «خاتنة الجواري»

هناك روايتان تحكيان لقاء النبي محمّد مع إمرأة تختن الجواري. قي الرواية الأولى دون ذكر إسم إمرأة أو مع ذكر إسم أم عطيّة أو أم أيمن أو أم طيّبة. والرواية الثانية ذكر فيها إسم أم حبيبة أو أم حبيب. ونحن نجمع هنا هذه الروايات كما جاءت في كتب أهل السُنّة وأهل الشيعة:

الرواية الأولى المشهورة برواية أم عطيّة

جاء في سُنَن ابو داوود (توفّى عام 889): «إن إمرأة كانت تختن بالمدينة. فقال لها النبي: «لا تُنهِكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل» وقد جاء في رواية أخرى «أشمّي ولا تُنهِكي». وقد إنفرد بذكر هذا الحديث من كتب السُنّة الستّة أبو داوود نقلاً عن محمّد إبن حسّان. كما أن مسند إبن حنبل لا يذكره. وقد علّق أبو داوود عليه قائلاً: «ليس بالقوي، وقد روي مرسلاً. ومحمّد بن حسّان مجهول، وهذا الحديث ضعيف» [601] .

وقد أضاف إبن الأثير (توفّى عام 1210) على رواية أبو داوود رواية ذكرها رزين: «أشمّي ولا تُنهِكي، فإنه أنور للوجه وأحظى للرجل» [602] .

ويذكر إبن أبي الدنيا حديثين عن أم عطيّة. الأوّل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله لأم عطيّة «إذا خفضت فأشمّي ولا تُنهِكي فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج». والثاني عن عطيّة القرظي قال: «كانت بالمدينة خافضة يقال لها أم عطيّة فقال لها رسول الله (ص) أشمّي ولا تحفي فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج». وقد علّق ناشر كتاب إبن أبي الدنيا على الحديث الأوّل بأن في إسناده زائدة بن أبي الرقاد وهو منكر الحديث. وله متابعات وشواهد كلّها ضعيفة وقال أبو داوود: حديث ختان المرأة روي من أوجه كثيرة وكلّها ضعيفة معلولة مخدوشة ولا يصح الإحتجاج بها. وعلّق على الحديث الثاني قائلاً إن هذا الحديث ضعيف أيضاً [603] .

ونص الحديث الأوّل لابن أبي الدنيا عن أنس إبن مالك يستبدل «أم عطيّة» بـ«أم أيمن» حسب رواية أخرى [604] . وقد جاء ذكر إسم «أم طيّبة» في رواية شيعيّة عن الصادق تقول: «كانت إمرأة يقال لها أم طيّبة تخفض الجواري فدعاها رسول الله (ص) فقال لها: يا أم طيّبة إذا أنت خفضت إمرأة فأشمّي ولا تجحفي فإنه أصفى للّون وأحظى عند البعل» [605] .

حديث أم عطيّة يتردّد كثيراً في كتابات الفقهاء القدامى والمعاصرين. وهم يفسّرونه بأن النبي أقر ختان الإناث في حدود عدم الإنهاك. فلو رأى فيه مضرّة لمنعه تماماً ولما نعته في حديث آخر بأنه مَكرُمَة. ويرد عليهم الرافضون بأنه، إن صحّت نسبته للنبي، لا يمكن الإستنتاج منه أنه يبيح ختان الإناث. بل إنهم يرون فيه وسيلة لمنع ختان الإناث.

تقول نوال السعداوي:

«حينما ظهر النبي محمّد وجد أن هذه العادة موجودة عند العرب وأدرك بذكائه الفطري ضرر هذه العادة على صحّة النساء بسبب سلبها لجزء من قدرة المرأة على الشعور باللذّة الجنسيّة. وجاء في الحديث أن النبي محمّد قال لأم عطيّة الخاتنة: «إذا خفضت فأشمّي ولا تُنهِكي. فإنه أضوأ للوجه وأحظى لها عند الزوج» [606] .

وفي تقديم كتاب نشره المكتب الإقليمي لشرق المتوسّط لمنظّمة الصحّة العالميّة، يقول مدير هذا المكتب الدكتور حسين عبد الرزّاق الجزائري عن رواية أم عطيّة الذي ينعتها بالضعيفة بأنها

«لا تأمر بختان الأنثى على الإطلاق، بل كل ما فيها توجيه لمن تقترف هذا العمل أن تتجنّب أي إنتهاك لحرمة أعضاء المرأة التناسليّة، وأن يكون ما تقتطعه من غلفة البظر شيئاً لا يحس به ولا يشعر، عبّر عنه بكلمة «الإشمام». والشم كما نعلم إحساس سطحي جدّاً وعابر جدّاً لا يكاد يدرى به. فغاية ما في هذه الأحاديث - لو صحّت - أنها تهذيب لتلك العادة الجاهليّة، وهي رواية غير صحيحة على كل حال، وأحكام الشريعة لا تؤخذ إلاّ ممّا صح من النصوص» [607] .

ويقول العوّا:

«حديث أم عطيّة [...] بكل طرقه لا خير فيه ولا حجّة تستفاد منه. ولو فرضنا صحّته جدلاً، فإن التوجيه الوارد فيه لا يتضمّن أمراً بختان البنات، وإنّما يتضمّن تحديد كيفيّة هذا الختان إن وقع، وأنها (إشمام) وصفه العلماء بأنه كإشمام الطيب، يعني أخذ جزء يسير لا يكاد يحس من الجزء الظاهر من موضع الختان وهو الجلدة التي تسمّى «الغلفة»، [...]. ولا يمكن أن تتم - لو صح جوازها - على أيدي الأطبّاء العاديين فضلاً عن غير المتخصّصين في الجراحة من أمثال القابلات والدايات وحلاّقي الصحّة... الخ، كما هو الواقع في بلادنا وغيرها من البلاد التي تجرى فيها هذه العمليّة الشنيعة للفتيات» [608] .

ويقول أنور أحمد:

«من يتدبر هذا الحديث المنسوب إلى النبي يمكن أن يتصوّر أن النبي لم يرد أن يصادر عرفاً جرت عليه العرب، وعادة تأصّلت في نفوسهم، فأراد أن يخفّف من غلوائها ويحد من أضرارها، فجرى حديثه للخاتنة بهذا التوجيه الكريم الرحيم» [609] .

ويقول الدكتور محمّد رمضان:

«وحتّى إذا صحّت رواية أم عطيّة [...] رغم أنها ضعيفة، فإنها لا تفيد الوجوب أو السُنّة بل إلى تهذيب هذه العادة. فهي تتعلّق بالنهي عن الإستئصال وليس بالأمر بقطع الأجزاء. وباقي الحديث يدل على أهمّية هذه الأجزاء للمرأة والرجل. فحسب الحديث ترك هذه الأجزاء مع إشمام خفيف هو أنضر لوجه المرأة وأحظى للزوج. والنهك في هذه الأجزاء يذهب هذه الفائدة. وقد تلاشت هذه العادة بعد ذلك، حتّى إختفت حاليّاً هناك ولم تعد تمارس» [610] .

ويرد الألباني على من ضعّف حديث أم عطيّة بأن هناك حديث آخر عن إبن عمر يشبه حديث خاتنة الجواري: «دخل على النبي (ص) نسوة من الأنصار فقال: «يا نساء الأنصار أخضبن غمساً واخفضن، ولا تُنهِكن، فإنه أحظى عند أزواجكن. وإيّاكن وكفر المنعمين» [611] . والشوكاني يذكر هذا الحديث كما يلي: «يا نساء الأنصار: إختضبن غمساً واختفضن ولا تُنهِكن وإيّاكن وكفران النعم» [612] . وعبارة «كفر المنعمين» أو «كفران النعم» تعني إنكار فضل الأزواج.

الرواية الثانية المشهورة برواية أم حبيبة

سبق ورأينا كيف أن حديث أم عطيّة فسّر بطريقتين متناقضتين لعدم وضوحه. ولكن هناك حديث آخر أكثر وضوحاً أخذ مؤيّدو ختان الإناث المعاصرون ترديده في مصر يطلق عليه رواية أم حبيبة.

أوّل ذكر لهذه الرواية وجدناه في مقال لحامد الغوّابي الذي نشرته مجلّة لواء الإسلام [613] ولكنّه لم يذكر مصدرها. ثم كرّرها جاد الحق، شيخ الأزهر سويّة مع رواية أم عطيّة في فتواه الأولى عام 1981 دون ذكر مصادرهما. وكذلك فعل في فتواه الثانية عام 1994 مع ذكر مصادر عدّة ولكن دون تحديد أي من تلك المصادر تخص رواية أم حبيبة. ونص هذه الرواية في فتوى جاد الحق هو كما يلي:

«إنه عندما هاجر النساء كان فيهن أم حبيبة، وقد عرفت بختان الجواري، فلمّا رآها رسول الله (ص) قال لها: يا أم حبيبة هل الذي كان في يدك. هو في يدك اليوم؟ فقالت نعم يا رسول الله. إلاّ أن يكون حراماً فتنهاني عنه. فقال رسول الله (ص): بل هو حلال، فأدنِ منّي حتّى أعلّمك. فدنت منه. فقال: يا أم حبيبة، إذا أنت فعلت فلا تُنهِكي، فإنه أشرق للوجه وأحظى للزوج» [614] .

ويرد محمّد سليم العوّا على من يستعمل رواية أم حبيبة: «هذا الحديث لا يوجد في كتب السُنّة وليس هناك ذكر فيها لامرأة بهذا الإسم كانت تقوم بهذا العمل. فكلامهم هذا لا حجّة فيه، بل لا أصل له» [615] . وفي مقال آخر يقول إن هذه الرواية مُختلقة وأن «أم حبيبة [...] شخصيّة لا وجود لها في كتب تراجم الصحابة ولا في كتب الحديث التي ذكرت هذا الموضوع أصلاً» [616] .

ومهما يكن من أمر المصادر التي إعتمد عليها جاد الحق وغيره، فإننا نجد رواية أم حبيبة في المصادر الشيعيّة. ولعّل هذا هو السبب الذي من أجله جهل أو تجاهل سليم العوّا وجودها. وهذه هي الرواية كما وجدناها:

عن الصادق قال:

«لمّا هاجرن النساء إلى رسول الله (ص) هاجرت فيهن إمرأة يقال لها أم حبيب، وكانت خفّاضة تخفض الجواري. فلمّا رآها رسول الله (ص) قال لها: يا أم حبيب العمل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم؟ قالت نعم يا رسول الله إلاّ أن يكون حراماً فتنهاني عنه. قال: لا، بل هو حلال فادني منّي حتّى أعلّمك. قالت فدنوت منه فقال: يا أم حبيب إذا أنت فعلت فلا تُنهِكي - أي لا تستأصلي - وأشمّي، فإنه أشرق للوجه وأحظى عند الزوج» [617] .

وفي مكارم الأخلاق للطبرسي نفس الرواية عن الصادق نقلاً من تهذيب الأحكام ولكن مع ذكر أم حبيبة بدلاً من أم حبيب. وهذه هي الرواية:

«لمّا هاجرت النساء إلى رسول الله هاجرت فيهن إمرأة يقال لها أم حبيبة، وكانت خافضة تخفض الجواري. فلمّا رآها رسول الله (ص) قال لها: يا أم حبيبة العمل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم؟ قالت: نعم يا رسول الله إلاّ أن يكون حراماً فتنهاني عنه. قال: لا، بل هو حلال فادني منّي حتّى أعلّمك. فدنت منه فقال: يا أم حبيبة إذا أنت فعلت فلا تُنهِكي أي لا تستأصلي وأشمّي، فإنه أشرق للوجه وأحظى عند الزوج. قال: فكانت لأم حبيبة أخت يقال لها أم عطيّة، وكانت مقيّنة يعني ماشطة. فلمّا إنصرفت أم حبيبة إلى أختها أخبرتها بما قال لها رسول الله (ص)، فأقبلت أم عطيّة إلى النبي (ص) فأخبرته بما قالت لها أختها. فقال لها: ادني منّي يا أم عطيّة إذا أنت قيّنت الجارية فلا تغسلي وجهها بالخرقة فإن الخرقة تذهب بماء الوجه» [618] .

وقد أعاد علينا كتاب «الطفل نشوؤه وتربيته» صادر في طهران هذه الرواية نقلاً عن الطبرسي (توفّى عام 1153) [619] .

كل من رواية أم عطيّة ورواية أم حبيبة تذكر قول النبي على عدم الإجحاف في القطع. إلاّ أنه هناك إختلاف شاسع بين الروايتين. فرواية أم عطيّة تكتفي بذكر عدم الإجحاف. بينما رواية أم حبيبة تضيف سؤالاً وجّهته الخاتنة إلى النبي عمّا إذا كان ما تقوم به حرام ينهاها عنه. فأجاب النبي: «لا بل حلال». يقول الغوّابي تأييداً لختان الإناث: «إن الرسول (ص) لم ينطق عن الهوى. ولو كان لم يقر أم حبيبة على عملها أو إستنكر هذا العمل، فلماذا لا ينهاها ويقول لها: لا تختني الجواري؟ وهي قد طلبت منه (ص) أن ينهاها عنه إن كان حراماً. حقاً لئن كان الرسول لا يريده لنهى عنه بدلاً من أن يعلّمها طريقة الختان الصحيح ويقول لها: لا تُنهِكي [...]. ولو كان الرسول (ص) يرى في الختان ضرراً وهو الذي يتلقّى الوحي من ربّه، وعلّمه من لدنه علما، لنهى عنه نهياً صريحاً» [620] .

3) المشكّكون في صحّة أحاديث الختان ونسبتها لليهود

إستعرضنا سابقاً الأحاديث التي يعتمد عليها مؤيّدو ختان الذكور والإناث. وقد ذكرنا أيضاً الشكوك التي تحيط بكل حديث على حدة. وقد إستنتج البعض أن هذه الأحاديث لا تصلح لتبرير الختان، ليس فقط ختان الإناث، بل أيضاً ختان الذكور.

فالشوكاني، بعد أن شكّك في تفسير الآية «وإذ إبتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمّهن» محيلاً «العلم في ذلك على الله سبحانه»، شكّك أيضاً في جميع الأحاديث المؤيّدة للختان قائلاً: «الحق أنه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب» [621] . ويقول الإمام شلتوت معتمداً على الشوكاني:

«وقد خرجنا من إستعراض المرويّات في مسألة الختان على أنه ليس فيها ما يصح أن يكون دليلاً على «السُنّة الفقهيّة»؛ فضلاً «الوجود الفقهي». وهي النتيجة التي وصل إليها بعض العلماء السابقين، وعبّر عنها بقوله: «ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سُنّة تتّبع» وأن كلمة «سُنّة» التي جاءت في بعض المرويّات معناها، إذا صحّت، الطريقة المألوفة عند القوم في ذلك الوقت، ولم ترد الكلمة على لسان الرسول بمعناها الفقهي الذي عرفت به فيما بعد. والذي أراه أن حُكم الشرع لا يخضع لنص منقول، وإنّما يخضع في الذكر والأنثى لقاعدة شرعيّة عامّة: وهي أن إيلام الحي لا يجوز شرعاً إلاّ لمصالح تعود عليه، وتربو على الألم الذي يلحقه» [622] .

ويقول الشيخ سيّد سابق:

«الختان لا يجب على الأنثى، وتركه لا يستوجب الإثم. ولم يأتِ في كتاب الله ولا في سُنّة رسوله عليه السلام ما يثبت أنه أمر لازم. وكل ما جاء عن رسول الله في ذلك من الأمر به ضعيف لم يصح منه شيء ولا يصح الإعتماد عليه [...]. والواجب لا يكون واجباً إلاّ إذا كانت هناك آية قرآنيّة توجبه، أو حديث صح سنده ومصدره، أو إجماع من الأئمّة. وهذا الأمر لم يرد فيه آية ولا حديث صحيح ولم يجمع عليه العلماء. وفي الشريعة الإسلاميّة لا يمكن الإعتماد على شيء إلاّ إذا كان هناك دليل. والدليل منعدم في هذه الحالة. فإذا لم يحدث الختان بالنسبة للبنت فهذا لا يعتبر خروجاً على الشريعة ولا مخالفة لدين الله» [623] .

ويقول محمّد سليم العوّا:

«إن السُنّة الصحيحة لا حجّة فيها على مشروعيّة ختان الأنثى. وإن ما يحتج به من أحاديث الختان للإناث كلّها ضعيفة لا يستفاد منها حُكم شرعي. وإن الأمر لا يعدو أن يكون عادة من العادات، ترك الإسلام للزمن ولتقدّم العلم الطبّي أمر تهذيبها أو إبطالها» [624] .

ويرد السكّري على المشكّكين في أحاديث الختان قائلاً:

«إن المرويّات التي جاءت في ختان الإناث إنّما هي في جانب الفعل. أمّا جانب الترك فلم يرد فيه دليل واحد لا بالتحريم ولا بالكراهيّة، وكل ما إستدل به المانعون هي آراء شخصيّة بعيدة تماماً عن التشريع الإسلامي [...]. وهناك قاعدة فقهيّة عظيمة وهي: إن إعمال الكلام أولى من إهماله متى أمكن ذلك، والأصل في الكلام أن يدل على معنى يريد المتكلّم إعلام السامع به. وقد وردت عدّة روايات عن الرسول (ص) في هذا. وقد قصد بها أن يعلّم الخاتنة شعاراً من شعائر الإسلام، وقد أمكن ذلك بكثرة المرويّات فيه» [625] .

ورغم أن الإهتمام منصب عند الكتّاب المسلمين المعاصرين على ختان الإناث إلاّ أننا نجد من يرفض أيضاً ختان الذكور معتبرين أن الأحاديث التي ذكرته هي من الإسرائيليّات.

فقد قام الكاتب المصري عصام الدين حفني ناصف بترجمة مختصرة لكتاب جوزيف لويس: «بإسم الإنسانيّة» [626] ، وهو معارض أمريكي لختان الذكور، وعنون الترجمة: «الختان ضلالة إسرائيليّة». وكتب له مقدّمة أطول من الترجمة ذاتها عنونها: «بحث في الختان عند الأمم الإسلاميّة وأنه أثر من آثار الإسرائيليّات في الإسلام». وقامت دار مطابع الشعب التابعة للإتّحاد الإشتراكي العربي في القاهرة بنشره (عام 1971؟). ولهذا الكتاب قصّة ظريفة.

فهذا الكتاب مختفي تماماً من الأسواق. وقد بحثت عنه مدّة طويلة في القاهرة فلم أجده. فوكّلت الدكتورة سهام عبد السلام بالتحرّي عنه. وبعد عناء كبير عثرت على نسخة منه عند الأستاذ سعد الفيشاوي، صاحب دار العالم الجديد للنشر في القاهرة، فسمح مشكوراً بتصويره. وقد أخبرها بأن دار الشعب خدعت عصام حفني ناصف ولم تطبع إلاّ عدداً محدوداً من النسخ وأخفتها [627] . ويا حبّذا لو أن إحدى الدور المصريّة أو العربيّة تشتري حق النشر من الدار المذكورة وتعيد نشره من جديد. وبانتظار نشر الكتاب، قرّرنا نقل المقدّمة كاملة كملحق ليرجع لها القارئ [628] . فهذا الكتاب حسب علمنا هو أوّل كتاب صادر عن مسلم يرفض ختان الذكور.

والنص الثاني هو للكاتب المصري محمّد عفيفي. وهو تحليل مطوّل للكتاب المذكور أعلاه في مجلّة «الهلال» القاهريّة تحت عنوان: «مرشد الحيران في عمليّة الختان». وقد أشار في تحليله إلى موضوع إختفاء هذا الكتاب من السوق. فهو يقول: «أشكر دار الشعب التي تبنّت الكتاب ونشرته، وإن كنت ألومها بالطبع على هذه «السرّية» الشديدة التي صدر بها الكتاب دون أن يسمع به أحد، مع أنه يجب أن تكون هناك نسخة منه في كل بيت مصري حديث، عسى أن يفكّر الناس مرّتين قبل أن يلحقوا بأطفالهم الأبرياء كل ذلك الإيلام والإيذاء والإذلال». وقد قرّرنا نشر نص محمّد عفيفي كاملاً كملحق ليرجع له القارئ [629] .

ومن الواضح من عنوان الكتاب الذي ترجمه عصام الدين ومن مقال محمّد عفيفي أنهما يعتبران ختان الذكور عادة يهوديّة تسرّبت إلى الطائفة المسلمة ككثير من العادات والروايات اليهوديّة قام بدسها اليهود الذين أسلموا والتي يطلق عليها لقب «الإسرائيليّات». وقد إقترح عبد المنعم النمر إعادة طباعة كتب التراث بعد تصفيتها من هذه الإسرائيليّات [630] . وقد رأينا سابقاً موقف محمّد عبده ممّن فسّر «الكلمات» التي إمتحن الله بها إبراهيم في الآية 124:2 بمعنى سُنَن الفطرة التي من بينها الختان. فهو يقول: «ولا شك عندي في أن هذا ممّا أدخله اليهود على المسلمين ليتّخذوا دينهم هزؤاً». وقد ذكرنا كيف أن مصطفى كمال المهدوي إعتبر ختان الذكور أيضاً عادة يهوديّة لا تخص المسلمين، وهي تعبّر عن العقليّة اليهوديّة التي تعتقد بأن الله لا يميّز اليهود عن غيرهم إلاّ بعلامة الختان الخارجيّة [631] .

وتجدر الإشارة هنا إلى أن لليهود سابقة تاريخيّة أخرى في محاولة نشر الختان. فقد رأينا كيف أن اليهود الذين أصبحوا مسيحيّين في القرون الأولى حاولوا جاهدين فرض الختان على الوثنيّين الذين تحوّلوا إلى المسيحيّة. ولكنّهم فشلوا في تلك المحاولة لأنهم لم يكونوا يمثّلون وزناً كبيراً في الإمبراطوريّة الرومانيّة التي تمنع ممارسة الختان وتعاقب عليه. وقد تصدّى لمحاولتهم هذه القدّيس بولس لأنه رأى فيها صدّاً للوثنيّين عن دخول المسيحيّة. وإذا صحّت نظريّة «الإسرائيليّات»، فهذا يعني أن اليهود قد نجحوا في فرض الختان على المسلمين. ولا عجب في ذلك. فاليهود كانوا يُعتبرون الطبقة المثقّفة في المجتمع العربي في عصر النبي، فهم من «أهل الكتاب» على خلاف الوثنيّين العرب الأميين. والقرآن الكريم يحتوي على الكثير من المأثورات اليهوديّة المأخوذة عن التوراة ولكن بصورة مختزلة. وما كان للعرب الأميين وسيلة لفهم هذه المأثورات دون الرجوع إلى اليهود، خاصّة من أسلم منهم. ونذكر هنا على سبيل المثال كعب الأحبار، وهو من كبار رجال الدين اليهود اليمنيين ومن كبار رواة الحديث عند المسلمين.

4) الرافضون للسُنّة جملة وتفصيلاً

بالإضافة إلى المشكّكين في أحاديث الختان، هناك تيّار سُنِّي يرفض الإعتماد على السُنّة في تقرير الأحكام جملة وتفصيلاً. وهذا هو الموقف الرسمي لمعمر القذافي الذي لا يقبل الإحتكام إلاّ لنص القرآن [632] . وعلى هذا الأساس أيضاً يرفض القاضي الليبي مصطفى كمال المهدوي ختان الذكور لأن القرآن لم يذكره ولأنه لا يعتد بالسُنّة في هذا الموضوع. وقد سبق أن ذكرنا رأيه في عرضنا لتصادم الختان مع فلسفة القرآن [633] .

وهناك مجموعة مسلمة أسّسها عام 1986 في الولايات المتّحدة الدكتور رشاد خليفة، مصري الأصل، الذي إشتهر بنظريّته حول الإعجاز العددي للقرآن، مرتكزا على العدد 19 الذي جاء في القرآن الكريم (المدثر 30:74) [634] . ولهذه المجموعة عدد من المراكز في العالم ويبلغ عدد أعضائها قرابة 10.000 شخص أكثريّتهم يحملون الجنسيّة الأمريكيّة وينتمون إلى أجناس مختلفة: مصريّون، وإيرانيون، وأتراك، وأوروبيون، وليبيون، وإندونيسيون، وماليزيون، وغيرهم [635] .

ترفض هذه المجموعة السُنّة ولا تعتمد في تعاليمها إلاّ على القرآن الذي تعتبره كلام الله. وقد شرح رشاد خليفة موقفه الرافض للسُنّة في كتاب صغير، معتبراً الحديث من كلام البشر، لا بل من عمل الشيطان [636] . وعلى أثر إعلانه عن هذا الموقف، سقطت شهرته وصدر ضدّه عدد من الفتاوى تعتبره مرتدّاً. وقد تم إغتياله على يدي أحد المسلمين في عام 1990. وإن لم يتّخذ رشاد خليفة نفسه موقفاً محدّداً من ختان الذكور والإناث، إلاّ أن نظريّته قد مهّدت الطريق لذلك. ويجد القارئ صفحة في شبكة الانترنيت كتبها «أديب يوكسل» أحد ممثّلي هذه المجموعة حول الختان. وهذه ترجمتها:

«بإسم الله الرحمن الرحيم

الختان

منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا توجد في العالم الإسلامي ممارسة تدعى ختان الذكور والإناث. وختان الذكور ما هو إلاّ عادة يهوديّة وجدت مثل غيرها من العادات اليهوديّة ضيافة طيّبة في العالم الإسلامي بعد محمّد. هذا الإختراع وهذا التحديث من صنع البشر الذي ليس له وجود في آخر كتب الله، القرآن الكريم، كان لعنة لملايين من أطفالنا الذكور والإناث في العالم الإسلامي.

في مصر وفي غيرها من الدول العربيّة، آلاف الفتيات يبترن سنوياً بإسم الله. مروّعات كل حياتهن، هذه الفتيات يمرّن في تجربة هي الأكثر إيلاماً في حياتهن، وكل ذلك بإسم الله. وعلى المرء أن يتساءل كيف يمكن أن يؤيّد إله رحوم مثل هذا الشر والظلم ضد هذه الفتيات؟ أليس الذنب من صنع أيدينا؟ أليس نحن الظالمين والشياطين الذين نؤيّد مثل هذا الظلم الوحشي والجبان ضد أطفالنا؟

إن كل دارسي القرآن الصادقين يعرفون الجواب الواضح. إن الله برحمته اللامتناهية لم يغفر ولن يغفر مثل تلك العادة الوحشيّة. فهي عادة ليس لها أي ذكر في القرآن. هذه القوانين والعادات الوحشيّة لا توجد إلاّ في الإختراعات من صنع البشر التي هي الحديث والسُنّة. إن مؤلّفي مثل هذا التجديف على الله هم المسؤولون عن هذه الجرائم التي تمارس منذ قرون بإسم الله. فمن خلال التاريخ، تصوّرت وسنّت المجتمعات التي يسيطر عليها الذكور قوانين وعادات لكبت الضعفاء والنساء والأطفال.

إننا لن نصل إلى الخلاص والطهارة الجسديين والروحيين، لنا وللمضطهدين بإسم الله، إلاّ من خلال عبادتنا لله وحده وبإتّباعنا القرآن وحده.

الرجاء إقرأ المقال الفريد الملحق للدكتور سامي الذيب، وهو دكتور في القانون.

دعونا ننهي هذه الجريمة التي تمارس عبر القرون منذ القديم ضد أولادنا» [637] .

هنا ينتهي نص «أديب يوكسل» عن الختان. والمقال الذي يشير إليه هو مقال كتبته عام 1994 بالإنكليزيّة حول ختان الذكور والإناث، وهو متوفّر عبر شبكة الانترنيت. وقد تبادلت الرسائل مع «أديب يوكسل» لمعرفة خبايا موقفه حول موضوع ختان الذكور والإناث. وقد أوضح لي أنه إمام وخطيب في المجموعة المذكورة. وهو كردي من تركيا له عدد من الكتب باللغة التركيّة واسعة الإنتشار. وقد كان سابقاً نشيطاً في حزب السلامة (الذي أصبح بعد ذلك حزب الرفاهة الإسلامي). وكانت مراسلاته مع رشاد خليفة وقراءة كتابه حول السُنّة نقطة تحوّل في حياته عام 1986. فتراجع عن كتبه السابقة ونقدها، ممّا عرَّضه للعداوة والتهديد بالقتل. فهاجر إلى الولايات المتّحدة وانتمى لمجموعة رشاد خليفة. وفي إحدى رسائله يقول «أديب يوكسل» بأن قراءة مقالي المذكور أعلاه قد فتح عينيه وعيني أصدقائه. فهو الآن يندم لختانه ولديه. وقد طلب منّي السماح له بترجمته للغة التركيّة. وقد إستوضحت رأيه حول بعض النقاط. وهذه هي الأسئلة التي طرحتها عليه والأجوبة التي إستلمتها منه في 11/2/1997.

1) هل تقبل ممارسة ختان الذكور أو / والإناث لأسباب دينيّة على الأطفال؟ أو على البالغين بموافقتهم؟ مهما كان ذلك الدين: يهوديّة، أو إسلام، أو ديانة تقليديّة animism ؟

الجواب: لا، أنا لا أقبل ذلك.

2) هل تقبل ختان الذكور أو / والإناث لأسباب ثقافيّة على الأطفال؟ أو على البالغين بموافقتهم؟ مهما كانت تلك الثقافة: غربيّة أو غير غربيّة؟

الجواب: لا، أنا لا أقبل ذلك. خاصّة بعد قراءة مقالك. وفيما يخص موافقة البالغين، فإني أتساءل عن حقيقة هذه الموافقة.

3) هل تقبل بأن يجري الأطبّاء ختان الذكور أو / والإناث لأسباب دينيّة أو ثقافيّة (وليس لأسباب طبّية) على الأطفال؟ أو على البالغين بموافقتهم؟ لا يحق للأطبّاء بتر إصبع أو أذن سليمة حتّى ولو طلبها بالغ. هل ترى جمعيّتكم بأن هذه القاعدة تنطبق أيضاً على ختان الذكور أو / والإناث؟

الجواب: هذا سؤال ممتع يجب أن أفكّر فيه.

4) هل تقبل بأن تمنع القوانين ختان الذكور أو / والإناث وأن تعاقب عليه؟ حتّى وإن كان ذاك الختان لأسباب دينيّة أو ثقافيّة (وليس طبّية)؟ حتّى وإن كان المختون بالغاً؟ ما نوع العقاب الذي تقترحونه؟ وهل يعاقب أهل الطفل؟ أم المختون البالغ؟ أم الذي يجري الختان؟

الجواب: هذا أيضاً سؤال ممتع يجب أن أفكّر فيه.

5) هل تظن بأن للأهل الحق في إعطاء الموافقة بدلاً من أطفالهم القُصّر في إجراء عمليّة ختان الذكور أو / والإناث لأسباب دينيّة أو ثقافيّة (وليس طبّية)؟ وإن كان الجواب نعم، فحتّى أي سن؟

الجواب: إن موافقة الأهل بدلاً من أطفالهم يجب أن لا يقبل أبداً في مجال الختان.

6) بعض الجماعات تعتبر الكفاح ضد ختان الذكور أو / والإناث هو موقف إمبريالي، معادي للساميّة أو للإسلام أو للسود؟ هل تكترث لمثل تلك الإتّهامات؟ وما هو ردك عليها؟ وهل سبق أن أتهِمت بذلك؟ ومن قِبَل من؟

الجواب: لا يهمّنا إتّهامات الغير إذا ما رأينا أننا على حق.

هذه هي أجوبة «أديب يوكسل». وإذا ما قرأناها مع النص على شبكة الانترنيت الذي ترجمته أعلاه نرى أن رفض هذه المجموعة المسلمة لختان الذكور والإناث يرتكز على عدم ذكرهما في القرآن الكريم المصدر الوحيد للتشريع لدى تلك المجموعة. وهذا الموقف ما زال في مرحلته الأوّليّة ويستحق كل الإحترام. واعتماد «أديب يوكسل» على مقالي يثبت أن هذه المجموعة منفتحة للفكر مهما كان مصدره وأنه ليس من المستحيل تحويل المسلمين عن ممارسة ختان الذكور والإناث إذا ما أثبتنا لهم أن هذه الممارسة لا أساس لها في القرآن.

ويمكن أن نستخلص ممّا سبق أن هناك خلاف كبير بين المسلمين في مدى إمكانيّة الإعتماد على السُنّة لتبرير ختان الذكور والإناث. ونحن نلاحظ أن هذا الخلاف لا وجود له بين المؤلّفين الشيعة فهم لا يتعرّضون للأحاديث التي جاءت في كتبهم. وقد يرجع ذلك إلى إعتقادهم أن أئمّتهم الذين نقلوا عنهم هذه الأحاديث معصومون من الخطأ. فالمؤلّفون الشيعة يكدّسون الأحاديث المتناقضة تكديساً دون أن يوضّحوا سبل التوفيق بينها. والأغرب من ذلك كلّه أنهم ما زالوا يعيدون علينا أحاديث ختان الإناث دون أيّة إشارة إلى مدى وجوبه في أيّامنا رغم أن ختان الإناث لا يمارس في إيران حسب علمنا.

الفصل الثالث: الختان وشرع من قَبلنا

1) «شرع من قَبلنا» كمصدر للشريعة الإسلاميّة

بالإضافة إلى القرآن والسُنّة، يرى الفقهاء المسلمون قديماً وحديثاً أن شرائع الأنبياء الذين سبقوا رسالة النبي محمّد باقية ويجب على المسلمين إتّباعها ما دام أنها لا تخالف نص صريح في القرآن والسُنّة. وهذا ما عبّروا عنه بقولهم: «شرع من قَبلنا شرعنا». إلاّ أنهم يعتبرون الكتب المقدّسة اليهوديّة والمسيحيّة التي بين أيدينا كتب محرّفة، ولذا لا يمكن الإعتماد عليها. يقول حسب الله: «فأمّا الشرائع السابقة فقد تُنقَل إلينا في كتب أصحابها، أو على السنة أتباعها وهو نقل لا يعتد به، لما وقع في كتبهم من تغيير وتحريف، ولأن غير المسلم لا يوثق به في نقل شريعة المسلم إليه. وقد تُنقل إلينا في الكتاب أو السُنّة الصحيحة، فيكون النقل صحيحاً» [638] . وبرهان تحريف تلك الكتب عند المسلمين هو عدم ذكرها لنبوّة محمّد. ولذلك يعتمد المسلمون على ما جاء في القرآن والسُنّة لمعرفة شرائع الأنبياء السابقين. وعلى أساس قاعدة «شرع من قَبلنا شرعنا» تم إدراج ختان إبراهيم ضمن الشريعة الإسلاميّة كما رأينا سابقاً إعتماداً على الأحاديث النبويّة وليس على ما جاء في التوراة.

وإذ إن مؤيّدي الختان لم يجدوا لا في القرآن ولا في السُنّة ما يعتمدون عليه لدعم موقفهم، لجأوا حديثاً إلى نص من «إنجيل برنابا» الذي لا يعترف به المسيحيّون. كما أن الفقهاء القدامى وبعض المعاصرين يذكرون رواية ختان هاجر لتأييد ختان الإناث.

2) إنجيل برنابا

يوجد إنجيل برنابا، الذي لا تعترف يه الكنائس المسيحيّة، في مخطوطتين باللغة الإيطاليّة والإسبانيّة. والمخطوطة الإسبانية لم يتبقّى منها إلاّ مقتطفات صغيرة. وقد جاء ذكر لهاتين المخطوطتين لأوّل مرّة في بداية القرن الثامن عشر. ولا يعرف أصلهما بالتحديد. ويظهر أن النص الإيطالي المليء بالأغلاط قد كتب في القرن الرابع عشر. وغير معروف ما إذا كان مرتكزاً على نص سابق عربي أو إسباني. ولكن من الواضح أنه خضع لتأثيرات يهوديّة ومسيحيّة وصابئيّة وإسلاميّة وقد يكون له صلة برهبان جبل الكرمل. ويظهر أن الهدف من مؤلّفه أو مؤلّفيه المتتابعين هو تقديم ديانة تجمع العناصر المشتركة لليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة [639] . ومن مقدّمته يبدأ هذا الإنجيل بالتصدّي للقديس بولس، خاصّة في مجال ألوهيّة المسيح والختان. وفي الفصل الثاني والعشرين يعتبر إن الكلب أفضل من رجل غير مختون. وقد علَّق خليل سعادة على هذا الفصل قائلاً:

«الذي أذهب إليه أن الكاتب يهودي أندلسي إعتنق الدين الإسلامي بعد تنصّره وإطّلاعه على أناجيل النصارى [...]. وممّا يؤيّد هذا المذهب ما ورد في هذا الإنجيل عن وجوب الختان والكلام الجارح الذي جاء فيه من أن الكلاب أفضل من الغلف. فإن مثل هذا القول لا يصدر من نصراني الأصل. وأنت إذا تفقّدت تاريخ العرب بعد فتح الأندلس وجدت أنهم لم يتعرّضوا بادئ بدء لأديان الآخرين في شيء على الإطلاق. فكان ذلك من جملة البواعث التي حدت بأهل الأندلس إلى الرضوخ لسطوة المسلمين وسيطرتهم وثابروا على هذه الخطّة في جميع الأمور الدينيّة إلاّ في شيء واحد وهو الختان إذ جاء زمن أكرهوا فيه الأهالي عليه وأصدروا أمراً يقضي على النصارى باتّباع سُنّة الختان على حد ما كان يجري عليه المسلمين واليهود. فكان هذا من جملة البواعث التي دعت النصارى إلى الإنتقاض عليهم» [640] .

ويلاحظ هنا أن «إنجيل برنابا» لا ذكر له في كتب الفقهاء المسلمين القدامى الذين كانوا يجهلون وجوده. فقد تعرّف عليه المسلمون بعد نشر نسخته الإيطاليّة مع الترجمة الإنكليزيّة في أوروبا عام 1907 وترجمته من الإنكليزيّة إلى العربيّة من قِبَل خليل سعادة. وهذه الترجمة نشرها السيّد محمّد رشيد رضا في القاهرة عام 1908 [641] . ويرى المسلمون أن هذا هو الإنجيل الحقيقي لأنه يذكر نبوّة محمّد. وكثيراً ما يلجأون إليه في كتبهم وفي دعايتهم الدينيّة في الراديو والتلفزيون [642] رغم أن هذا الإنجيل يتناقض مع تعاليمهم خاصّة في الفصل 42 الذي يعتبر محمّداً المسيح الآتي. وقد قامت وزارة الأوقاف في قطر بنشر الترجمة الإنكليزيّة ووضعت في بدايتها نصّاً للقديس بولس يقول فيه عن برنابا: «فإذا قدم إليكم فرحّبوا به» (قولسي 10.4) [643] . ويعتمد المألّفون المسلمون المعاصرون على إنجيل برنابا لتأييد ختان الذكور [644] . وقد ذكر محمّد الهوّاري نص إنجيل برنابا كاملاً عند عرضه لموقف المسيحيّين من الختان [645] . وسوف نذكر في النقطتين اللاحقتين نص «إنجيل برنابا» الخاص بالختان معتمدين على الترجمة العربيّة لخليل سعادة.

المقدّمة

(1) برنابا رسول يسوع الناصري المسمّى المسيح يتمنّى لجميع سكّان الأرض سلاماً وعزاء. (2) أيها الأعزّاء إن الله العظيم العجيب قد إفتقدنا في هذه الأيام الأخيرة بنبيّه يسوع المسيح برحمة عظيمة للتعليم والآيات التي إتّخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى (3) مبشّرين بتعليم شديد الكفر (4) داعين المسيح إبن الله (5) ورافضين الختان الذي أمر به الله دائماً (6) مجوّزين كل لحم نجس (7) الذين ضل في عدادهم أيضاً بولس الذي لا أتكلّم عنه إلاّ مع الأسى (8) وهو السبب الذي لأجله أسطّر ذلك الحق الذي رأيته وسمعته أثناء معاشرتي ليسوع لكي تخلصوا ولا يضلّكم الشيطان فتهلكوا في دينونة الله.

الفصل 5

(1) فلمّا تمّت الأيّام الثمانية حسب شريعة الرب كما هو مكتوب في كتاب موسى أخذا الطفل واحتملاه إلى الهيكل (2) فختنا الطفل وسمّياه يسوع كما قال الملاك قبل أن يحمل به في الرحم.

الفصل 22

(1) فسأل التلاميذ يسوع في ذلك النهار قائلين: «يا معلّم لماذا أجبت المرأة بهذا الجواب قائلاً إنهم كلاب؟» (2) أجاب يسوع: «الحق أقول لكم إن الكلب أفضل من رجل غير مختون» (3) فحزن التلاميذ قائلين: «إن هذا الكلام لثقيل ومن يقوى على قبوله». (4) أجاب يسوع: «إذا لاحظتم أيها الجهّال ما يفعل الكلب الذي لا عقل له لخدمة صاحبه علمتم أن كلامي صادق (5) قولوا لي أيحرس الكلب بيت صاحبه ويعرّض نفسه للص؟ (6) نعم ولكن ما جزاؤه؟ ضرب كثير وأذى مع قليل من الخبز وهو يظهر لصاحبه وجهاً مسروراً (7) أصحيح هذا؟» (8) فأجاب التلاميذ: «إنه صحيح يا معلّم». (9) حينئذ قال يسوع: تأمّلوا إذاً ما أعظم ما وهب الله الإنسان فتروا إذاً ما أكفره لعدم وفائه بعهد الله مع عبده إبراهيم. (10) أذكروا ما قاله داود لشاول ملك إسرائيل ضد جليات الفلسطيني (11) قال داود: «يا سيّدي بينما كان يرعى عبدك قطيعه جاء ذئب ودب وأسد وانقضت على غنم عبدك (12) فجاء عبدك وقتلها وأنقذ الغنم (13) وما هذا الأغلف إلاّ كواحد منها (14) لذلك يذهب عبدك بإسم الرب إله إسرائيل ويقتل هذا النجس الذي يجذّف على شعب الله الطاهر» (15) حينئذ قال التلاميذ: «قل لنا يا معلّم لأي سبب يجب على الإنسان الختان؟» (16) فأجاب يسوع: «يكفيكم أن الله أمر به إبراهيم قائلاً: يا إبراهيم إقطع غرلتك وغرلة بيتك لأن هذا عهد بيني وبينك إلى الأبد».

الفصل 23

(1) ولمّا قال ذلك يسوع جلس قريباً من الجبل الذي كانوا يشرفون عليه (2) فجاء تلاميذه إلى جانبه ليصغوا إلى كلامه (3) حينئذ قال يسوع: «إنه لمّا أكل آدم الإنسان الأوّل الطعام الذي نهاه الله عنه في الفردوس مخدوعاً من الشيطان عصى جسده الروح (4) فأقسم قائلاً: تالله لأقطعنك (5) فكسر شظية من صخر وأمسك جسده ليقطعه بحد الشظية (6) فوبّخه الملاك جبريل على ذلك (7) فأجاب: «لقد أقسمت بالله أن أقطعه فلا أكون حانثاً» (8) حينئذ أراه الملاك زائدة جسده فقطعها (9) فكما أن جسد كل إنسان من جسد آدم وجب عليه أن يراعي كل عهد أقسم آدم ليقومن به (10) وحافظ آدم على فعل ذلك في أولاده (11) فتسلسلت سُنّة الختان من جيل إلى جيل (12) إلاّ أنه لم يكن في زمن إبراهيم سوى النزر القليل من المختونين على الأرض (13) لأن عبادة الأوثان تكاثرت على الأرض (14) وعليه فقد أخبر الله إبراهيم بحقيقة الختان (15) وأثبت هذا العهد قائلاً: النفس التي لا تختن جسدها إيّاها أبدّد من بين شعبي إلى الأبد. (16) فارتجف التلاميذ خوفاً من كلمات يسوع لأنه تكلّم باحتدام الروح (17) ثم قال يسوع: «دعوا الخوف للذي لم يقطع غرلته لأنه محروم من الفردوس».

ونشير هنا إلى أن بعض المؤلّفين المسلمين يعتمدون على رواية ختان السيّد المسيح والأنبياء من قَبله لتأييد ختان الذكور. يقول أبو آلاء كمال علي الجمل، وهو مدرّس الحديث بكلّية أصول الدين والدعوة بالمنصورة، «إن المسيح قد ختن وحافظ على هذا التشريع وأمر تلاميذه بالختان». وهو يستشهد بالفصل السابع من إنجيل يوحنّا (أنظر النص في القسم الثاني من هذا الجزء)، وهذا النص في حقيقته لا يوجد فيه أي أمر بالختان. ويضيف المؤلّف أن «بولس عمل على إلغاء هذه الشريعة فأوَّل الختان على هواه فقال إن الختان هو ختان القلب، وليس الختان ما كان ظاهر اللحم [...] وبهذا التشريع أراد بولس أن يلغي الختان مبيّناً أن الناموس لا لزوم له بعد مجيء المسيح» [646] . ويختم المؤلّف فصله قائلاً بأن «بولس قد ألغى شريعة الختان لهوى في نفسه، وقد رد عليه علماء النصرانيّة» و«أن تلاميذ المسيح من بعده قد ساروا على شريعته ونهجه فنفّذوا الختان على أنفسهم وعلى أتباعهم» [647] . وهذا الكلام مخالف للحقيقة إذ إن تيّار بولس هو الذي إنتصر بين المسيحيّين. كما بينّا في القسم السابق.

3) رواية ختان هاجر

نقرأ في كتاب الحيوان للجاحظ (توفّى عام 868): «الختان في العرب في النساء والرجال من لدن إبراهيم وهاجر إلى يومنا هذا» [648] . ونجد قصّة ختان هاجر في عدد من كتب التراث ننقل هنا ما عثرنا عليه حسب ترتيبها التاريخي.

أ) «فتوح مصر» لابن عبد الحكم (توفّى عام 870):

يروي لنا روايتان حول هذا الموضوع:

1) «إن سارة كانت بنت ملك من الملوك وكانت قد أوتيت حسناً فتزوّجها إبراهيم عليه السلام. فمر بها على ملك من الملوك فأعجبته فقال لإبراهيم ما هذه فقال له ما شاء الله أن يقول. فلمّا خاف إبراهيم وخافت سارة أن يدنو منها دعوا الله عليه فأيبس الله يديه ورجليه. فقال لإبراهيم قد علمت أن هذا عملك فادع الله لي فوالله لا أسوءك فيها. فدعا له فأطلق الله يديه ورجليه. ثم قال الملك إن هذه لامرأة لا ينبغي أن تخدم نفسها فوهب لها هاجر فخدمتها ما شاء الله. ثم إنها غضبت عليها ذات يوم فحلفت لتغيّرن منها ثلاثة أشياء فقال [إبراهيم] تخفضينها وتثقبين أذنيها. ثم وهبتها لإبراهيم على أن لا يسوءها فيها فوقع عليها فعلقت فولدت إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام».

2) «كانت هاجر [...] أوّل من جرَّت ذيلها لتخفي أثرها على سارة. وكانت سارة قد حلفت لتقطعن منها عضواً. فبلغ ذلك هاجر فلبست درعاً لها وجرّت ذيلها لتخفي أثرها. وطلبتها سارة فلم تقدر عليها. فقال إبراهيم هل لك أن تعفي عنها؟ قالت فكيف بما حلفت؟ قال تخفضينها فيكون ذلك سُنّة للنساء فتبرءين يمينك. ففعلت فمضت السُنّة بالخفض» [649] .

ب) «تاريخ الطبري، تاريخ الأمم والملوك» للطبري:

«حدّثني موسى بن هارون قال حدّثنا عمرو بن حماد، قال: حدّثنا أسباط، عن السدي بالإسناد الذي قد ذكرناه أن سارة قالت لإبراهيم: تسرَّ هاجر فقد أذنت لك فوطئها، فحملت بإسماعيل. ثم أنه وقع على سارة فحملت بإسحاق. فلمّا ولدته وكبر إقتتل هو وإسماعيل. فغضبت سارة على أم إسماعيل، وغارت عليها، فأخرجتها. ثم إنها دعتها فأدخلتها. ثم غضبت أيضاً فأخرجتها ثم أدخلتها، وحلفت لتقطعن منها بضعة. فقالت: أقطع أنفها، فيشينها ذلك. ثم قالت: لا بل أخفضها. فقطعت ذلك منها. فاتّخذت عند ذلك ذيلاً تعفي به عن الدم. فلذلك خفضت النساء، واتّخذت ذيولاّ. ثم قالت: لا تسكني في بلد. وأوحى الله إلى إبراهيم أن يأتي مكّة، وليس يومئذ بمكة بيت. فذهب بها إلى مكّة وابنها فوضعهما. وقالت هاجر: إلى من تركتنا هنا؟» [650] .

ج) «قصص الأنبياء» للثعلبي (توفّى عام 1053):

«قال السدي وابن يسار وغيرهما من أهل الأخبار: فحملت سارة بإسحاق، وقد كانت حملت هاجر بإسماعيل. فوضعتا معاً فشب الغلامان. فبينما يتناضلان ذات يوم وقد كان إبراهيم عليه السلام سابق بينهما فسبق إسماعيل فأخذه وأجلسه في حجره وأجلس إسحاق إلى جانبه وسارة تنظر إليه. فغضبت وقالت عمدت إلى إبن الأمة فأجلسته في حجرك وعمدت إلى إبني فأجلسته إلى جنبك وقد جعلت أن لا تضرّني ولا تسوءني. وأخذها ما يأخذ النساء من الغيرة فحلفت لتقطعن بضعة منها ولتغيّرن خلقها. ثم ثاب إليها عقلها فبقيت متحيّرة في ذلك. فقال لها إبراهيم عليه السلام أخفضيها واثقبي أذنيها. ففعلت ذلك فصارت سُنّة في النساء» [651] .

د) «تحفة المودود بأحكام المولود» لابن قيّم الجوزيّة:

«وقد ذكر في حِكمة خفض النساء أن سارة لمّا وهبت هاجر لإبراهيم أصابها فحملت منه فغارت سارة فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء. فخاف إبراهيم أن تجدع أنفها وتقطع أذنها. فأمرها بثقب أذنيها وختانها. وصار ذلك سُنّة في النساء بعد. ولا ينكر هذا كما كان مبدأ السعي سعي هاجر بين جبلين تبغي لابنها الغوث، وكما كان مبدأ الجمار حصب إسماعيل للشيطان لما ذهب مع أبيه، فشرّع الله سبحانه لعباده تذكرة وإحياء لسُنّة خليله وإقامة لذكره وإعظاماً لعبوديّته» [652] .

هـ) «البداية والنهاية» لابن كثير:

«ذكر الشيخ أبو محمّد بن أبي زيد رحمه الله في كتاب النوادر: إن سارة تغضّبت على هاجر، فحلفت لتقطعن ثلاثة أعضاء منها. فأمرها الخليل أن تثقب أذنيها وأن تخفضها فتبر قسمها. قال السهيلي: فكانت أوّل من إختتن من النساء، وأوّل من ثقبت أذنيها منهن، وأوّل من طوّلت ذيلها» [653] .

و) حاشية الجمل (توفّى عام 1790):

«إبراهيم أوّل من إختتن من الرجال وأوّل من إختتن من النساء حليلته هاجر أم ولده إسماعيل» [654] .

ونجد إشارة إلى قصّة ختان هاجر في عدد من الكتب شيعيّة نذكر منها:

«عن الإمام علي في حديث الشامي: إنه سأله عن أوّل من أمر بالختان فقال إبراهيم، وسأله عن أوّل من خفض من النساء؟ فقال هاجر أم إسماعيل خفضتها سارة لتخرج عن يمينها فإنها كانت حلفت لتذبحنها» [655] .

«حدّثنا علي إبن إبراهيم عن أبيه عن محمّد بن أبي عمير عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله (جعفر الصادق) عليه السلام في قول سارة: اللهم لا تؤاخذني بما صنعت بهاجر، أنها كانت خفضتها فجرت السُنّة بذلك» [656] .

كما نرى، جاء ذكر رواية ختان هاجر في كثير من كتب التراث العربي. ونحن نحث المتخصّصين بهذا التراث على تتبّع هذه الرواية لمعرفة مصدرها الأوّل. ونشير هنا إلى أن التوراة تذكر غضب سارة على هاجر وإقناعها إبراهيم بطردها وابنها إسماعيل (الخروج 8:21-19)، دون ذكر لختانها. ولكنا لا نستبعد أن تكون هذه الرواية في الكتب العربيّة أخذت عن اليهود كما تبيّنه الأسماء اليهوديّة التي إعتمد عليها الطبري في تاريخه. وهناك «مدراش» يهودي يعلّق على النص التوراتي بقوله إن سارة ضربت هاجر بشبشبها ومنعتها من العلاقة الجنسيّة مع إبراهيم [657] . وهناك رواية يهوديّة أخرى تقول إن إبراهيم قَبل طرده هاجر وإسماعيل ربط بعقرها ماصورة ماء مدولبة حتّى تجرّها خلفها فيعرف إبراهيم إلى أي إتّجاه إتّجهت مع إبنها [658] .

ومهما كان مصدر هذه الرواية فإن الفقهاء المسلمين القدامى إستعملوها لتبرير ختان الإناث وربطه بهاجر كما تم ربط ختان الذكور بإبراهيم. وبعض مؤيّدي ختان الإناث في أيّامنا ما زالوا يستعملون هذه الرواية في تبرير ختان الإناث [659] . وقد ذكر هذه القصّة معارض لختان الإناث وهو الدكتور محمّد رمضان وأعتبرها من الإسرائيليّات وعلّق عليها قائلاً: «هل هذه الإسرائيليّات أمر يُقِرَّه الشرع؟ فضلاً عن عدم وجود سند لهذه الرواية. فهي نوادر لا أصل لها» [660] .

وكما أن مؤيّدي ختان الذكور والإناث يعتمدون على «شرع من قَبلنا»، فإن معارضي ختان الإناث يحتجّون بهذا الشرع لمكافحة ختان الإناث. فهم يشيرون أنه لم يأتي ذكره في التوراة أو الإنجيل، وأن اليهود والمسيحيّين لا يقرّونه في شريعتهم [661] . وهم بذلك يسعون ليس فقط لصد المسيحيّين المصريّين عن ختان الإناث، بل أيضاً لإقناع المسلمين بأن ختان الإناث لا علاقة له بالأديان المقدّسة الأخرى.

ويرد السكّري على هذا القول:

«لو فرضنا جدلاً أنه لم يرد نص في التوراة يشير إلى الختان [للإناث] وأن اليهود لم يفعلوه في شريعتهم، أيرى هذا القائل أن هذا الدليل يمكن أن يلتزم به المسلمون؟ حتّى ولو كانت هي التوراة الحقيقيّة التي أنزلت على موسى عليه السلام؟ ليعلم هذا القائل أن هذا الإستدلال ساقط. فإن ما في التوراة أو الإنجيل الحقيقيّين لا يلزمنا العمل به، ذلك أن شرع من قَبلنا لا يلزمنا إلاّ حيث ورد نص في كتاب أو سُنّة رسوله (ص) يقرّره. وأيضاً لو فرض أنه لم يرد نص في التوراة أو الإنجيل على ختانهن، فهذا أيضاً لا يمنعنا من فعله إذا ورد في شرعنا نص عليه إيجاباً أو ندباً، أو سكت عنه فيكون من قبيل المباح. وممّا يكذّب ما جاء في هذه الدعوى ما ذكره الحافظ إبن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري أن اليهود كانت تفعل الختان بالجنسين ولذلك نقل كراهيته يوم السابع من الولادة عند إبن المنذر والحسن ومالك حتّى نخالف اليهود لأننا منهيّون عن التشبّه بهم» [662] .

وقد رجعنا إلى كتاب فتح الباري ولم نجد فيه قولاً بأن اليهود كانت تفعل الختان بالجنسين.

الفصل الرابع: الختان في سُنّة السلف

1) سُنّة السلف كمصدر للشريعة

بالإضافة إلى المصادر الثلاثة السابقة، يرجع المسلمون إلى سُنّة السلف، وخاصّة صحابة النبي، ليروا ما إذا كانوا قد مارسوا ختان الذكور والإناث. ورجوعهم هذا نابع من إقتناعهم أن السلف أقرب إلى منابع النبوّة وأبعد عن تأثير التيّارات الغريبة على الإسلام، خاصّة التيّارات الغربيّة. يقول أبو زهرة (توفّى عام 1974):

«الصحابة شاهدوا النبي (ص) وتلقوا عنه الرسالة المحمّديّة وهم الذين سمعوا منه بيان الشريعة. ولذلك قرّر جمهور الفقهاء أن أقوالهم حجّة بعد النصوص. وقد إحتج الجمهور لحجّية أقوال الصحابة بدليل من النقل وأدلّة من العقل. أمّا النقل فقوله تعالى: «والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والذين إتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه» (التوبة 100:9). فإن الله سبحانه وتعالى مدح الذين تبعوهم فكان إتّباعهم في هديهم أمراً يستوجب المدح. وليس أخذ كلامهم على أنه حجّة إلاّ نوعاً من الإتّباع. ولقد قال النبي (ص): «أنا أمان لأصحابي، وأصحابي أمان لأمتي». وليس أمانهم للأمّة إلاّ بأن ترجع الأمّة إلى أقوالهم، إذ أمان النبي لهم برجوعهم إلى هديه النبوي الكريم» [663] .

ويضيف أبو زهرة أسباباً عقليّة لضرورة إتّباع الصحابة نوجزها بما يلي:

- الصحابة أقرب إلى رسول الله (ص) من سائر الناس وهم أقدر على معرفة مرامي الشرع.

- إحتمال أن تكون آراؤهم سُنّة نبويّة إحتمال قريب.

- أثر عنهم رأي أساسه القياس، ولنا من بعدهم قياس يخالفه. فالإحتياط إتّباع رأيهم، لأن النبي (ص) قال: «خير القرون قرني الذي بعثت فيه» [664] .

وفي كتيّب عن ختان الإناث نقرأ ما يلي:

«نبت في زماننا أناس من جلدتنا، ويتكلّمون بكلامنا، ويعيشون بيننا أخذوا يتندّرون من سُنّة الختان للنساء، زعماً منهم أنها تؤذي المرأة، وتعرّضها لضياع شهوتها، ثم إنها في زعمهم تخالف التطوّر والحضارة والمدنيّة الحديثة. ولكن المؤمن الصادق في إيمانه يعلم أن الخير كل الخير في إتّباع من سلف، والشر كل الشر في إبتداع من خلف. لذا فنحن على طريق السلف الصالح نسير، ولن نمل من المسير. ورحم الله الأوزاعي الذي قال: «عليك بآثار من سلف، وإن رفضك الناس. وإيّاك وآراء الرجال، وإن زخرفوه لك بالقول. فإن الأمر ينجلي، وأنت على طريق مستقيم». لذا فبالعودة إلى سلفنا الصالح نجد إنهم قد عرفوا ختان النساء، وكانوا يؤدّونه إتّباعاً للهدى النبوي» [665] .

فما موقف السلف من ختان الذكور والإناث قولاً وعملاً؟ هذا ما سنراه الآن.

2) ليس للسلف موقف ثابت من ختان الذكور

قَبل أن نذكر موقف السلف من ختان الذكر علينا أن نرى ما إذا كان الختان عادة متعارف عليها بين العرب أم لا في زمن النبي.

ذكرنا سابقاً قول الجاحظ: «الختان في العرب في النساء والرجال من لدن إبراهيم وهاجر إلى يومنا هذا» [666] . وفي عصرنا يقول جوّاد علي: «من شعائر الدين عند الجاهليين الإختتان، وهو من الشعائر الفاشية بينهم، حتّى أنهم كانوا يُعَيِّرون (الأغرل)، وهو الشخص الذي لم يختتن» [667] . ويقول سعد المرصفي أن الختان كان عادة متأصّلة عند العرب توارثوها عن سيّدنا إبراهيم عليه السلام، ومن ثم كانت الغلفة من المستقذرات عندهم، وقد كثر ذم الأغلف في أشعارهم، فأمرؤ االقيس (توفّى تقريباً عام 540) إستهجن قيصر، وسخر منه حين دخل معه الحمّام، فرآه أغلف. حيث قال:

إني حلفت يميناً غير كاذبة لأنت أغلف إلاّ ما جنى القمر

ويضيف المرصفي أن العرب كانت تُدعى أمّة الختان ويعتمد في ذلك على رواية البخاري من حديث أبي سفيان عن هرقل (توفّى عام 610) [668] . تقول هذه الرواية:

«إن هرقل حين قدم إيلياء (القدس) أصبح خبيث النفس، فقال بعض بطارقته قد إستنكرنا هيئتك [...] وكان هرقل جزّاء ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمّة؟ قالوا: ليس يختتن إلاّ اليهود. فلا يهمّنك شأنهم، واكتب إلى مدائن ملكك، فيقتلوا من فيهم من اليهود. فبينما هم على أمرهم أُتِي هرقل برجل أرسل به ملك غسّان يخبر عن خبر رسول الله (ص). فلمّا إستخبره هرقل قال: إذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه. فحدّثوه أنه مختتن. وسأله عن العرب فقال: هم يختتنون. فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمّة قد ظهر» [669] .

والواقع أنه لا يمكن تعميم الختان على جميع العرب. فسكّان الجزيرة العربيّة قَبل محمّد وفي زمنه كانوا ينتمون إلى ثلاث مجموعات دينيّة رئيسيّة: الوثنيّة واليهوديّة والمسيحيّة. ولم يصلنا أي نص عربي مكتوب قَبل القرآن الكريم يمكن الإعتماد عليه لمعرفة إذا كان العرب يمارسون الختان على مختلف دياناتهم أم لا. ولكن من المؤكّد أن يهود الجزيرة العربيّة كانوا يمارسون عادة الختان إتّباعاً لتعاليم التوراة. أمّا فيما يخص المسيحيّين، فمن غير المؤكّد أن يكونوا قد مارسوه. فقد رأينا كيف أفرِغ الختان من معناه الديني عندهم ولم يعد شرطاً لدخول المسيحيّة إلاّ عند من كان من أصل يهودي وبقي متمسّكاً به. والدكتور المرصفي ذاته يذكر أن الشاعر المسلم جرير (توفّى عام 733) قد ذم الشاعر المسيحي الأخطل (توفّى عام 710) معيّراً إيّاه بأنه أغلف:

في فتية جعلوا الصليب إلههم حاشاي إني مسلم معذور [670]

والمعذور هو المختون. وقد كتب الأب لويس شيخو (توفّى عام 1927):

«الشائع بين الكتبة المحدثين أن العرب قَبل الإسلام كانوا يختتنون. وفي زعمهم هذا نظر فإنَّ لنا عدّة شواهد تثبت أن كثيرين من العرب لم يألفوا الختانة ومن المحتمل أن النصرانيّة أبطلتها بينهم. روى صاحب الأغاني لحاجب يزيد بن المهلّب أبياتاً في هجو اليمن وممّا ينسبه إليهم أنهم غُرْل غير مختونين قال (51:13):

فللزنج خير حين تنسب والداً من أبناء قحطان العفاشلة الغرل

وجاء في التاج (324:2) بيت للفرزدق عن آل حوران غير المختتنين. ومثلهم النبط لم يختتنوا. قال في اللسان (63:7):

كأنَّ على أكتافهم نشْرُ غَرقدٍ وقد جاوزوا نيّان كالنبط الغلف

وكذلك هجا حريث بن عنّاب بني ثُعَل ودعاهم بالغُلف (أغاني 103:13). وممّا ورد في نقائض جرير والفرزدق (ص 669) أن بني عامر يوم شِعب جبَلة قتلوا ثمانين غلاماً أغرل. وفي أمالي القالي (46:3) ما يثبت رأينا قال: «روى الأصمعي عن سَلم بن قتيبة قال: كانت اياد ترِد المياه فيرى منها مائتا شاب على مائتي فرس بشيةٍ واحدة وكانوا أعدَّ العرب وأنهم إستقلّوا بعشرين ألف غلام أغرل فأوغلوا حتّى وقعوا ببلاد الروم». وقد ذكر إبن الأثير في تاريخه في وصف أيّام العرب أنّه كان 60.000 منهم غلفاً دون ختانة. فلا شك أن النصرانيّة بانتشارها في جزيرة العرب قَبل الإسلام كانت أبطلت تلك السُنّة بين كثير من القبائل» [671] .

ونشير هنا إلى أن مسيحيّي الشرق العربي (على خلاف مسيحيّي مصر) في أيّامنا لا يختنون أطفالهم رغم أنهم يعيشون بين أكثريّة مسلمة تمارس الختان.

أمّا بخصوص العرب الذين كانوا ينتمون إلى الوثنيّة، فمن غير المؤكّد بتاتاً أنهم مارسوا الختان. فالتوراة تعتبر العرب شعب غير مختون (أنظر أرميا 25:9). وكذلك الأمر بخصوص الفلسطينيين في نصوص توراتيّة كثيرة ذكرناها سابقاً. ويذكر المؤرّخ اليهودي «يوسيفوس» أن ملكاً عربياً أراد الزواج من سلّومة أخت الملك هيرودوس، ففرض هذا الأخير عليه أن يختتن. إلاّ أن الملك العربي رفض ذلك معلّلاً رفضه بأن العرب تبغض هذه العادة وأنهم سوف يرجموه إذا ختن [672] . وأمّا شعر أمرؤ القيس الذي إستشهد به الدكتور المرصفي فلا يمكن الإعتماد عليه كمصدر تاريخي أكيد. ونعيد هنا القارئ إلى كتابي الدكتور طه حسين «في الشعر الجاهلي» و«في الأدب الجاهلي» الذي شكّك في صحّة ما وصل إلينا من الشعر الجاهلي [673] .

وقصّة هرقل من الملاحم التي لا يمكن الإعتماد عليها. فالتاريخ يبنى على ما هو راجح وما هو في طبيعة الأمور وليس على ما هو خارق للطبيعة. وهذه القصّة تذكّر بقصّة أخرى جاءت في إنجيل متّى الذي يروي أن مجوساً من المشرق قد قدموا إلى القدس لأنهم رأوا نجماً فاعتقدوا أنه يشير إلى ميلاد ملك اليهود فأرادوا أن يسجدوا له. وقد فسّر كهنة اليهود ظهور هذا النجم بأنه إشارة إلى ميلاد المسيح في بيت لحم. فخاف هيرودس على عرشه وقرّر قتله. لذا طلب من المجوس أن يبحثوا عن الطفل ويخبروه بمكانه، ولكنّهم لم يعودوا له. فأمر هيرودس بقتل كل طفل في بيت لحم وجميع أراضيها من إبن سنتين فما دون ذلك [674] .

ومن جهة أخرى، رأينا أن ختان النبي محمّد موضع شك بين المؤلّفين المسلمين القدامى أنفسهم. وما كان لهم أن يختلفوا في حدث كهذا لو أن العرب كانوا يختنون. وإذا رجعنا إلى إحدى الروايات التي تتكلّم عن ختان النبي محمّد، نجدها تقول إن جدّه عبد المطّلب بن هاشم هو الذي ختنه يوم سابعه. وتحديد يوم ختانه باليوم السابع (دون عد يوم مولده) يعني أنه ختن على سُنّة اليهود الذين يختنون في اليوم الثامن (مع عَد يوم مولد الطفل). ولا يمكن الوثوق في هذه الرواية (التي قد تكون من إختلاق اليهود) إلاّ إذا إعتبرنا أن محمّد ينتمي إلى قبيلة يهوديّة. والواقع أن قبيلته قريش كانت ذات أكثريّة وثنية تحوّل بعض أفرادها إلى المسيحيّة مثل القس ورقة بن نوفل (توفّى عام 610) الذي يقول عنه إبن هشام: «إستحكم في النصرانيّة واتّبع الكتب من أهلها حتّى علم عِلماً من أهل الكتاب» [675] . ولهذا القس صلة بالنبي محمّد. فقصي هو الجد الثالث لورقة والجد الرابع للنبي محمّد، وهو إبن عم خديجة زوجة النبي الأولى، ويرى البعض أنه هو الذي قام بمراسيم الزواج [676] . وما كان لورقة بن نوفل أن يزوّجهما لو لم يكونا حين ذاك مسيحيّين، إذ إن رجال الدين المسيحيّين، حتّى يومنا هذا، لا يقومون بزواج من لا ينتمي لطائفتهم. ونعرف أن محمّداً بقي مع خديجة بمفردها ولم يجمع بين النساء إلاّ بعد وفاتها، وهو النظام المتّبع عند المسيحيّين.

ويسوق لنا مؤيّدو ختان الذكور أقوال لابن عبّاس عن ضرورة ختان الذكور. وابن أبي الدنيا يذكر حديثاً عن القاسم قال: «أرسلت إلي عائشة بمائة درهم فقالت، أطعم بها على ختان إبنك». كما يذكر عن عكرمة عن إبن العبّاس «إنه ختن بنيه فأرسلني بلعّابين فلعبوا وأعطاهم أربعة دراهم». وفي حديث ثالث: «حدّثت عن داود بن رشيد حدّثنا عيّاض بن محمّد الرقي قال: سألت عبد الله بن يزيد: هل رأيت وائلة بن الأسقع. قال: نعم كان في ختان إبنه حين صنع طعاماً ودعى الناس وكان مؤتزراً بسبتة غليظة معه صراحيتان فيهما طلاء على الثلث يسقيه الناس ويقول: إشربوا بارك الله فيكم» [677] .

يرتكز مؤيّدو الختان على هذه الشواهد للإستنتاج بأن هذه العادة كانت منتشرة في عهد الرسول وبين أصحابه. ولكن هناك شواهد أخرى تناقض هذه الشواهد نذكر منها ما يلي:

أ) «إنّا كنّا لا نأتي الختان على عهد رسول الله»

في مسند أحمد إبن حنبل نقرأ ما يلي: «دعي عثمان بن أبي العاص (توفّى عام 671) إلى ختان فأبى أن يجيب. فقيل له، فقال: إنّا كنّا لا نأتي الختان على عهد رسول الله، ولا ندعى إليه» [678] .

وقد أورد هذا الحديث أيضاً إبن قدامة (توفّى عام 1223) [679] . كما ذكره إبن حجر بمعنى الدعوة إلى الختان وأضاف «أخرجه أبو الشيخ من رواية فبيّن أنه كان ختان جارية» [680] . أي أن الدعوة التي وجّهت إلى عثمان كانت لحضور حفل ختان جارية. ولكنّنا نحن نفهم كلمة «نأتي الختان» بمعنى «نُجري الختان». فهناك حديث نبوي يقول: «إذا دعا أحدكم أخاه فليجبه عرساً كان أو غير عرس» [681] . ولو فهمت كلمة «نأتي الختان» بمعنى «نحضر حفل الختان»، لما كان لعثمان أن يرفض الدعوة.

ونشير هنا إلى أن الكتّاب المسلمين المؤيّدين لختان الذكور لا يذكرون هذا الحديث، ولم نجده إلاّ في هامش مقدّمة عصام الدين حفني ناصف التي كتبها لكتاب «الختان ضلالة إسرائيليّة مؤذية» [682] . وهذا الكاتب من معارضي ختان الذكور. كما نجده في كتاب سعد المرصفي الذي فسّر كلمة «نأتي الختان» بمعنى «نحضر حفل الختان» [683] .

ب) «ليس لحجّامي بلدنا حذق بذلك، ولا يختنونه يوم السابع»

هناك سؤال وجّه إلى الإمام حسن بن علي يقول:

«إنه روي عن الصادقين عليهم السلام أن أختنوا أولادكم يوم السابع يطهروا، فإن الأرض تضج إلى الله عز وجل من بول الأغلف، وليس جعلني الله فداك لحجّامي بلدنا حذق بذلك، ولا يختنونه يوم السابع، وعندنا حجّامو اليهود فهل يجوز لليهود أن يختنوا أولاد المسلمين أم لا إن شاء الله؟» فوقع عليه السلام: «السُنّة يوم السابع، فلا تخالفوا السُنَن إن شاء الله» [684] .

ومن هذا السؤال نستنتج أن اليهود هم الذين كانوا يختنون، وأن العرب غير اليهود لم يكن عندهم من يحذق الختان ممّا يعني أنهم لم يكونوا يمارسونه فلا خبرة لهم فيه. وذكر اليوم السابع للختان علامة واضحة لتأثير اليهود.

ج) «أسلم الناس الأسود والأبيض لم يفتّش أحد منهم ولم يختتنوا»

يقول إبن قيّم الجوزيّة:

«قال الحسن البصري: قد أسلم مع رسول الله (ص) الناس: الأسود والأبيض، الرومي والفارسي والحبشي فما فتّش أحداً منهم، وقال الإمام أحمد، حدّثنا المعتمر عن سلم بن أبي الذيال قال: سمعت الحسن يقول: يا عجباً لهذا الرجل، يعني أمير البصرة لقي أشياخاً من أهل كيكر فقال: ما دينكم؟ قالوا: مسلمين. فأمر بهم ففتّشوا فوجدوا غير مختونين فختنوا في هذا الشتاء، قد بلغني أن بعضهم مات. وقد أسلم مع النبي (ص) الرومي والفارسي والحبشي فما فتّش أحداً منهم» [685] .

وقد رد إبن قيّم الجوزيّة على هذا الحديث:

«إنهم إستغنوا عن التفتيش بما كانوا عليه من الختان. فإن العرب قاطبة كلّهم كانوا يختتنون واليهود قاطبة تختتن، ولم يبق إلاّ النصارى، وهم فرقتان: فرقة تختتن وفرقة لا تختتن. وقد علم كل من دخل في الإسلام منهم ومن غيرهم أن شعار الإسلام الختان. فكانوا يبادرون إليه بعد الإسلام كما يبادرون إلى الغسل. ومن كان منهم كبيراً فشق عليه ويخاف التلف سقط عنه».

ولكن رد إبن قيّم الجوزيّة يخالف رواية أخرى ينقلها إبن قدامة عن الحسن البصري «أنه يرخّص في ختان [الذكور]، فهو يقول إذا أسلم لا يبالي أن لا يختتن ويقول: أسلم الناس الأسود والأبيض لم يفتّش أحد منهم ولم يختتنوا» [686] . أنظر الفقرة كاملة لاحقاً.

د) «ليس في باب الختان... سُنّة تتّبع»

ناقش إبن قيّم الجوزيّة السن الذي يجب أن يختن فيه الصبي. وقد ذكر في هذا المجال قولاً لابن المنذر: «ليس في هذا الباب نهي يثبت وليس لوقوع الختان خبر يرجع إليه ولا سُنّة تستعمل» [687] . والنووي (توفّى عام 1277) ينقل عن إبن المنذر قولاً آخر: «ليس في باب الختان نهي يثبت ولا لوقته حد يرجع إليه ولا سُنّة تتّبع والأشياء على الإباحة ولا يجوز حظر شيء منها إلاّ بحجّة ولا نعلم مع من منع أن يختن الصبي لسبعة أيّام حجّة» [688] .

هـ) «إن الله بعث محمّداً (ص) داعياً، ولم يبعثه خاتناً»

نقرأ في تاريخ الطبري أن الخليفة عمر بن عبد العزيز (توفّى عام 720) كتب إلى الجرّاح بن عبد الله (توفّى عام 730) بعدما إحتل خراسان: «أنظر من صلّى قِبَلك إلى القبلة فضع عنه الجزية. فسارع الناس إلى الإسلام. فقيل للجرّاح: إن الناس قد أسرعوا إلى الإسلام، وإنّما ذلك نفوراً من الجزية، فامتحنهم بالختان. فكتب الجرّاح بذلك إلى عمر. فكتب إليه عمر: إن الله بعث محمّداً (ص) داعياً، ولم يبعثه خاتناً» [689] .

وعليه يمكننا أن نقول بأن المجموعة الوحيدة التي مارست ختان الذكور بصورة أكيدة باعتباره واجباً دينيّاً في الجزيرة العربيّة هي الطائفة اليهوديّة، وأن الختان بين المسلمين لم يكن يعتبر واجباً. وقد رأينا سابقاً أن الأحاديث النبويّة حول ختان الذكور هي موضع شك بين الفقهاء المسلمين أنفسهم وقد تكون من الإسرائيليّات التي أدخلها اليهود ومن أسلم منهم في المجتمع الإسلامي أمثال كعب الأحبار. وإن صح أن (بعض) العرب كانوا يعيّرون غير المختون بكلمة «يا إبن الأغلف» فقد تكون هذه عبارة تناقلوها عن اليهود الذين يعتبرون غير المختونين نجساً.

3) ليس للسلف موقف ثابت من ختان الإناث

رأينا سابقاً حديث «خاتنة الجواري» الذي يستدل به مؤيّدو ختان الإناث على ضرورته. وهم يردّون على من ضعّف هذا الحديث أن ختان الإناث كان معمولاً به عند السلف. وهم يذكرون في هذا المجال عدّة شواهد [690] نذكر منها:

- حديث أم علقمة. هذا الحديث يقول: «إن بنات أخي عائشة رضي الله عنها ختن فقيل لعائشة ألا ندعوا لهن من يلهيهن؟ قالت بلى. فأرسلت إلى عدي فأتاهن. فمرت عائشة في البيت فرأته يتغنّى ويحرّك رأسه طرباً وكان ذا شعر كثير. فقالت: أف، شيطان أخرجوه، أخرجوه» [691] . ويستنتجون من ذلك «على أن الختان كان موجوداً ومطبّقاً بالفعل على بنات أخي السيّدة عائشة. فلو لم يكن على الأقل سُنّة لما سكتت عنه السيّدة عائشة بل قد أيّدته السيّدة عائشة وأمرت باللهو في الختان» [692] .

- حديث أم المهاجر يقول: «سبيت وجواري من الروم، فعرض علينا عثمان الإسلام، فلم يسلم منّا غيري وغير أخرى. فقال: أخفضوهما وطهّروهما، فكنت أخدم عثمان».

- حديث دعوة عثمان بن أبي العاص: «دعي عثمان بن أبي العاص إلى طعامه. فقيل: هل تدري ما هذا؟ هذا ختان جارية. فقال: هذا شيء ما كنّا نراه على عهد رسول الله (ص) وأبى أن يأكل».

ويذكر الجاحظ في كتابه «الحيوان»: «الختان في العرب في النساء والرجال من لدن إبراهيم وهاجر إلى يومنا هذا» [693] . ويضيف: «والهند توافق العرب في كل شيء إلاّ في ختان النساء والرجال، ودعاهم إلى ذلك تعمّقهم في توفير حظ الباء» [694] . ويذكر أيضاً: «وقد كان رجل من كبار الأشراف عندنا يقول للخاتنة: لا تقرضي إلاّ ما يظهر فقط» [695] .

وفي عصرنا يقول جوّاد علي إن من الجاهليين، «ولا سيما أهل مكّة من يختن البنات [...] بقطع (بظورهن). وتقوم ذلك (الختّانة) (الخاتنة). وقد كانوا يعيّرون من تكن أمّه (ختّانة) نساء. فإذا أرادوا ذم أحد قالوا له: يا إبن مقطّعة البظور» [696] . ونحن نجد إستعمالاً لهذه المسبّة في مسند إبن حنبل [697] .

وإن كان واضحاً أن ختان الإناث كان يعمل به في زمن النبي، إلاّ أن كتب التراث لم تذكر لنا أن النبي ختن بناته. فهذه العادة لم تكن عامّة. وابن الحاج يقول: «واختلف في حقّهن هل يخفضن مطلقاً أو يفرّق بين أهل المشرق وأهل المغرب. فأهل المشرق يؤمرون به لوجود الفضلة عندهن من أصل الخلقة وأهل المغرب لا يؤمرون به لعدمها عندهن» [698] . وقول إبن الحاج هذا يعني عدم إنتشار ختان الإناث بصورة متساوية بين المسلمين، بل هي عادة محلّية محصورة جغرافياً. وحتّى يومنا هذا نجد إختلاف في هذا الإنتشار فأهل المغرب (المغرب وتونس وليبيا) ودول إسلاميّة أخرى لا تمارس ختان الإناث في عصرنا.

ومن جهة أخرى يظهر أن ختان الإناث لم يكن يمارس على جميع الطبقات بالسواء. فإن كان صحيحاً أن بعض النصوص تتكلّم عن «ختان النساء»، إلاّ أن هناك نصوص أخرى تحدّد الختان بالجواري. فالحديث المشهور الخاص بأم عطيّة يقول بأنها «عرفت بختان الجواري»، وفي رواية أخرى بأنها «خفّاضة تخفض الجواري». والشيعة تنقل عن جعفر الصادق: «ختان الغلام من السُنّة وخفض الجواري ليس من السُنّة». وفي حديث آخر لجعفر الصادق: «خفض الجارية مَكرُمَة وليس من السُنّة». والباجي (توفّى عام 1081) ينقل عن مالك: «من إبتاع أمة فليخفضها إن أراد حبسها وإن كانت للبيع فليس ذلك عليه» [699] . وكلمتا «االجارية» و«الأمة» تنطبقان عادة على طبقة معيّنة من النساء وليس على جميع النساء.

الفصل الخامس: آراء الفقهاء القدامى في الختان

1) مكانة الفقهاء القدامى في الشريعة

دخلت شعوب مختلفة في الإسلام وكان لا بد من تلقينها التعاليم الدينيّة. فأخذ المهتمّون بالدين صياغة قواعد شرعيّة تحكم تصرّفات البشر في علاقتهم مع الله وفي علاقتهم بين بعضهم البعض. فألّفوا في ذلك المجموعات الفقهيّة الضخمة معتمدين في ذلك على المصادر الشرعيّة التي ذكرناها سابقاً. وعندما لم يجدوا حُكماً صريحاً إعتمدوا على القياس كوسيلة لاستنباط الأحكام. وقد حاول كل منهم إبداء رأيه في المعضلات التي واجهها المجتمع المتنامي جغرافيّاً وفكريّاً. فجاءت كتاباتهم موسوعات شاملة ترد على تساؤلات الناس في كل واردة وشاردة. والمطبوع المتوفّر اليوم منها يعطي فكرة عن مدى جَلدهم في التأليف واتّساع معارفهم.

وآراء الفقهاء لها أهمّية في الشريعة الإسلاميّة. فإجماعهم يعتبر أحد مصادر الشريعة الإسلاميّة. ويقول أبو زهرة في هذا المجال أن الخليفة عمر كان يجمع الصحابة ويستشيرهم ويبادلهم الرأي. فإذا أجمعوا على أمر معيّن سارت عليه سياسته. وفي عصر الإجتهاد، كان كل إمام يجتهد في ألاّ يشذ بأقوال يخالف بها ما عليه فقهاء أهل بلده. وكان الفقهاء حريصين على أن يعرفوا مواضع الإجماع من الصحابة ليتّبعوه. وكان كل مجتهد حريصاً على ما أجمع عليه الصحابة، بل كان حريصاً عند إختلافهم على ألاّ يخرج برأي يكون غير الآراء الدائرة في محيط خلافهم. وأهمّية الإجماع تستند إلى حديث نبوي يقول: «ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن» وحديث آخر يقول: «لا تجتمع أمتي على ضلالة» [700] . ويذكر أبو زهرة تأييداً للإجماع الآية: «ومن يشاقق الرسول من بعدما تبيّن له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولّى ونصله جهنّم وساءت مصيراً» (النساء 115:4). ويعلّق على الآية قائلاً: «إن هذا النص الكريم أثبت أن إتّباع غير سبيل المؤمنين حرام، لأن من يفعل ذلك يشاق الله ورسوله ويصليه الله تعالى جهنّم وساءت مصيراً. وإذا كان إتّباع غير سبيل المؤمنين حراماً فإن إتّباع سبيلهم واجب [...]. فإذا قالت الجماعة المؤمنة هذا حلال، يكون غير متّبع سبيلها من يقول هذا حرام» [701] .

ونحن لن ندخل هنا في الجدل حول الإجتهاد وحجّيته. فالذي يهمّنا هو معرفة ما إذا توصّل الفقهاء القدامى إلى رأي موحّد في مجال الختان أم إختلفوا فيما بينهم.

2) قلّة إهتمام الفقهاء القدامى بموضوع الختان وتناقض مواقفهم

المتبحّر في الموسوعات الفقهيّة الضخمة لا بد أن يستغرب قلّة تعرّضها لختان الذكور والإناث. حتّى أنك لتبحث عن كلمة الختان فتكاد لا تجدها فيها. وإن وجدتها فبصورة عرضيّة وهامشيّة، ضمن موضوعات أخرى مثل السواك أو العقيقة أو ضمان المستأجر لما يقوم به. وتعجب عندما ترى أن السواك والعقيقة تحتل مكاناً أكبر من الختان في تلك الكتب. وعلى سبيل المثال، يكرّس الغزالي (توفّى عام 1111) في موسوعته الضخمة «إحياء علوم الدين» خمسة أسطر عن الختان [702] . والفتاوى الهنديّة (ألّفت بين 1664-1672) سبعة عشر سطراً [703] . والكتاب الوحيد الذي توسّع في موضوع الختان هو كتاب «تحفة المودود بأحكام المولود» للفقيه الحنبلي إبن قيّم الجوزيّة الذي كرّس فصلاً كبيراً لهذا الموضوع نقلناه في الملحق الأوّل من كتابنا هذا. وابن قيّم الجوزيّة يجمل لنا المواقف المتضاربة للفقهاء الذين سبقوه وعاصروه حول الختان.

وإذا نظرت في كتب تفسير القرآن مثل «تفسير الطبري» و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي وشروحات السُنّة مثل «فتح الباري بشرح صحيح الإمام أبي عبد الله محمّد بن إسماعيل البخاري» لابن حجر و«نيل الأوطار من أحاديث سيّد الأخيار» للشوكاني، ترى أن هذه الكتب تعطينا صورة لا تختلف عن موقف الفقهاء. فهي تنقل لنا مواقف متباينة حول موضوع الختان ممّا يجعل المرء في حيرة فيما يختار منها. وقد رأينا في الفصول السابقة كيف أن الفقهاء المسلمين إختلفوا وما زالوا يختلفون في فهمهم لنصوص القرآن والسُنّة.

ولا عجب في وجود تناقض حول موضع الختان بين الفقهاء ومفسّري القرآن والحديث ما دام القرآن والسُنّة، المصدران الأساسيان للشريعة، لم يوجّها خطاباً واضحاً يمكن الإستناد عليه. فإذا إضطرب الأساس، فالفروع تأتي على شاكلته.

وقد حاول المؤلّفون المعاصرون تقسيم آراء الفقهاء القدامى حول ختان الذكور والإناث حسب المذاهب الفقهيّة المختلفة [704] . ولكن هذا التقسيم ليس دقيقاً. فأتباع نفس المذهب إنقسموا قديماً وحديثاً فيما بينهم. فنجد من جعل ختان الذكور مجرّد سُنّة وختان الإناث مجرّد مَكرُمَة، كما نجد من جعل ختان الذكور واجباً وختان الإناث سُنّة. وهناك من أوجب كل من ختان الذكور وختان الإناث. وفي عصرنا هناك من رفض كل من ختان الذكور وختان الإناث.

ويجب أن نشير هنا إلى أن تصنيف الختان بين واجب وسُنّة ومَكرُمَة يختلف عن تصنيف الأصوليّين الذين قسّموا التصرّفات إلى خمس: واجب، ومستحب (أو مندوب)، ومباح، ومكروه، ومحرّم. وهذا الإختلاف نابع من أن الفقهاء إعتمدوا في تصنيفهم للختان على أحاديث متناقضة نسبت للنبي جعلت من الختان تارة واجباً وتارة سُنّة وتارة مَكرُمَة. وإن كان واضحاً أن الوجوب هو أعلى درجات الإلتزام، إلاّ أن معنى السُنّة ليس بالواضح: فهي قد تعني الوجوب كما قد تعني الإستحباب أو مجرّد العُرف. وكلمة المَكرُمَة يمكن إعتبارها بمعنى الإستحباب.

3) نبذات من آراء الفقهاء القدامى

سوف نعطي هنا بعض الأمثلة من مواقف الفقهاء مع ذكر مذاهبهم، مرتّبين حسب سنة وفاتهم. وسنعود إلى هؤلاء الفقهاء عند تكلّمنا عن حجج المؤيّدين والمعارضين والنتائج المترتّبة على ترك الختان وعلى كيفيّة إجراء عمليّة الختان.

إبن الجلاب (توفّى عام 988، مالكي)

«قال مالك رحمه الله: وعشر خصال من الفطرة، خمس في الرأس وخمس في الجسد: فاللواتي في الرأس: المضمضة والإستنشاق والسواك وقص إطار الشعر والشارب وإعفاء اللحية، والتي في الجسد حلق العانة ونتف الإبطين وتقليم الأظافر والإستنجاء والختان وهو سُنّة في الرجال والنساء» [705] .

الطوسي (توفّى عام 1067، شيعي)

«يستحب أن يختن الصبي اليوم السابع، ولا يؤخّر. فإن أخّر لم يكن فيه حرج إلى وقت بلوغه. فإذا بلغ، وجب ختانه ولا يجوز تركه على حال. وأمّا خفض الجواري، فإن فُعِل، كان فيه فضل كبير وثواب جزيل، وإن لم يفعل، لم يكن بذلك بأس. ومتى أسلم الرجل وهو غير مختون ختن وإن كان شيخاً كبيراً» [706] .

الباجي (توفّى عام 1081، مالكي)

«والإختتان (أي إختتان الذكور) هو عند مالك وأبي حنيفة من السُنَن كقص الأظفار وحلق العانة وقال الشافعي هو واجب وهو مقتضى سحنون واستدل القاضي أبو محمّد على نفي وجوبه بأنه قرنه النبي (ص) بقص الشارب ونتف الإبط ولا خلاف أن هذه ليست بواجبة، وهذا إستدلال بالقرائن وأكثر أصحابنا على المنع منه ودليلنا من جهة القياس أن هذا قطع جزء من الجسد إبتداء فلم يكن واجباً بالشرع كقص الأظفار [...] واختلف في الشيخ الكبير يسلم فيخاف على نفسه من الإختتان. فقال محمّد بن الحكم له تركه وبه قال الحسن بن أبي الحسن البصري. وقال سحنون لا يتركه وإن خاف على نفسه كالذي يجب عليه القطع في السرقة أنه لا يترك قطعه من أجل أنه يخاف على نفسه. وهذا من سحنون يقتضي كونه واجباً متأكّد الوجوب والله أعلم. وروى إبن حبيب عن مالك من تركه من غير عذر ولا عِلّة لم تجز إمامته ولا شهادته ووجه ذلك عندي أن ترك المروءة مؤثّر في رد الشهادة ومن ترك الختان من غير عذر فقد ترك المروءة فلم تُقبل شهادته [...] وأمّا الخفاض فقد قال مالك أحب للنساء قص الأظفار وحلق العانة والإختتان مثل ما هو على الرجل. قال ومن إبتاع أمة فليخفضها إن أراد حبسها وإن كانت للبيع فليس ذلك عليه» [707] .

النزوي (توفّى عام 1162، إباضي)

«إن الختان واجب على كل مسلم لقول النبي (ص) لعبد الله بن عبّاس حين أسلم، ألق عنك شعر الكفر واختتن. قال قتادة وسمعته يأمر من أسلم أن يختتن ولو كان إبن ثمانين سنة، ولمن أسلم أن يظهر فرجه لرجل أن يختنه. للرجل ذلك، لأنه ضرورة، إلاّ أنه يستر فرجه إلاّ موضع الختان. ومن أمر بالختان فلم يفعل قتل، ولا يقتل حتّى يبالغ في التأنّي به. وأمّا النساء فليس عليهن واجباً ويؤمرن بذلك إكراماً لأزواجهن وليس هن كالرجال فالختان للنساء مَكرُمَة وللرجال سُنّة وقيل فريضة» [708] .

إبن قدامة (توفّى عام 1223، حنبلي)

«أمّا الختان فواجب على الرجال ومَكرُمَة في حق النساء وليس بواجب عليهن. هذا قول كثير من أهل العلم. قال أحمد: الرجل أشد وذلك أن الرجل إذا لم يختتن فتلك الجلدة مدلاّة على الكمرة ولا ينقى ما ثُم. والمرأة أهون. قال أبو عبد الله وكان أبو العبّاس يشدّد في أمره وروي عنه أنه لا حج له ولا صلاة يعني إذا لم يختتن. والحسن [البصري] يرخّص فيه يقول إذا أسلم لا يبالي أن لا يختتن ويقول: أسلم الناس الأسود والأبيض لم يفتّش أحد منهم ولم يختتنوا. والدليل على وجوبه أن ستر العورة واجب فلولا أن الختان واجب لم يجز هتك حرمة المختون بالنظر إلى عورته من أجله ولأنه من شعار المسلمين فكان واجباً كسائر الشعائر، وإن أسلم رجل كبير فخاف على نفسه من الختان سقط عنه لأن الغسل والوضوء وغيرهما يسقط إذا خاف على نفسه منه فهذا أولى، وإن أمن على نفسه لزمه فعله. قال حنبل سألت أبا عبد الله عن الذمّي إذا أسلم ترى له أن يطهّر بالختان؟ قال: لا بد من ذلك. قلت إن كان كبيراً أو كبيرة قال أحب إلي أن يتطهّر لأن الحديث «إختتن إبراهيم وهو إبن ثمانين سنة». قال تعالى «مِلّة ابيكم إبراهيم» (المؤمنون 78:22) ويشرّع الختان في حق النساء أيضاً. قال أبو عبد الله وحديث النبي (ص) «إذا إلتقى الختانان وجب الغسل» فيه بيان أن النساء كن يختتن وحديث عمر أن ختّانة ختنت فقال: أبقي منه شيئاً إذا خفضت، وروى الخلال بإسناده عن شدّاد بن أوس قال النبي (ص) «الختان سُنّة للرجال ومَكرُمَة للنساء» وعن جابر بن زيد مثل ذلك موقوفاً عليه. وروي عن النبي (ص) أنه قال للخفّاضة «أشمّي ولا تُنهِكي فإنه أحظى للزوج وأسرى للوجه» والخفض ختانة المرأة» [709] .

النووي (توفّى عام 1277، شافعي)

«الختان واجب على الرجال والنساء عندنا. وبه قال كثيرون من السلف كذا حكاه الخطابي وممن أوجبه أحمد وقال مالك وأبو حنيفة سُنّة في حق الجميع [...] وحكي وجهاً ثالثة أنه يجب على الرجل وسُنّة في المرأة. وهذان الوجهان شاذّان. والمذهب الصحيح المشهور والذي نص عليه الشافعي رحمه الله وقطع به الجمهور أنه واجب على الرجال والنساء» [710] .

إبن مودود الموصلي (توفّى عام 1284، حنفي)

«الختان للرجال سُنّة وهو من الفطرة وهو للنساء مَكرُمَة فلو إجتمع أهل مصر على ترك الختان قاتلهم الإمام لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه» [711] .

إبن تيميّة (توفّى عام 1328، حنبلي)

سئل «عن مسلم بالغ عاقل يصوم ويصلّي، وهو غير مختون وليس مطهّراً هل يجوز ذلك؟ ومن ترك الختان كيف حُكمه؟» فأجاب: «إذا لم يخف عليه ضرر الختان أن يختتن. فإن ذلك مشروع مؤكّد للمسلمين باتّفاق الأئمّة، وهو واجب عند الشافعي وأحمد في المشهور عنده، وقد إختتن إبراهيم عليه السلام بعد ثمانين من عمره. ويرجع في الضرر إلى الأطبّاء الثقات. وإذا كان يضرّه في الصيف أخّره إلى زمان الخريف. والله أعلم» [712] . وسئل أيضاً عن المرأة «هل تختتن أم لا؟». فأجاب: «الحمد لله. نعم! تختتن. وختانها أن تقطع أعلى الجلدة التي كعرف الديك. قال رسول الله (ص) للخافضة - وهي الخاتنة -: «أشمّي ولا تُنهِكي، فإنه أبهى للوجه وأحظى لها عند الزوج»، يعني: لا تبالغي في القطع، وذلك أن المقصود بختان الرجل تطهيره من النجاسة المحتقنة في الغلفة، والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها، فإنها إذا كانت غلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة» [713] .

إبن جزي (توفّى عام 1340، مالكي)

«أمّا ختان الرجل فسُنّة مؤكّدة عند مالك وأبي حنيفة كسائر خصال الفطرة التي ذكر معها وهي غير واجبة إتّفاقاً. وقال الشافعي هو فرض ويظهر ذلك من كلام سحنون لأنه علم على الإسلام لقوله تعالى «أن إتّبع مِلّة إبراهيم حنيفاً» (النحل 113:16) وجاء في الحديث «إن إبراهيم عليه السلام إختتن بالقدوم وهو إبن ثمانين سنة، وروي إبن مائة وعشرين سنة» [714] .

إبن حجر (توفى عام 1449، شافعي)

إستعرض إبن حجر آراء الفقهاء في صفحات طوال ننقل منها الفقرة التالية:

«قال عطاء [...]: لو أسلم الكبير لم يتم إسلامه حتّى يختتن. وعن أحمد وبعض المالكيّة: يجب. وعن أبي حنيفة واجب وليس بفرض. وعنه سُنّة يأثم بتركه. وفي وجه الشافعيّة لا يجب في حق النساء وهو الذي أورده صاحب المغني عن أحمد. وذهب أكثر العلماء وبعض الشافعيّة إلى أنه ليس بواجب. ومن حجّتهم حديث شدّاد بن أوس رفعه: «الختان سُنّة للرجال مَكرُمَة للنساء» وهذا لا حجّة فيه لما تقرّر أن لفظ السُنّة إذا ورد في الحديث لا يراد به التي تقابل الواجب، ولكن لمّا وقعت التفرقة بين الرجال والنساء في ذلك دل على أن المراد إفتراق الحُكم. وتعقّب بأنه لم ينحصر في الوجوب فقد يكون في حق الذكور آكد منه في حق النساء، أو يكون في حق الرجال الندب وفي حق النساء الإباحة. على أن الحديث لا يثبت لأنه من رواية حجّاج بن أرطأة ولا يحتج به» [715] .

المردواي (توفّى عام 1480، حنبلي)

«يجب الختان. هذا المذهب مطلقاً وعليه جماهير الأصحاب [...] يجب على الرجال دون النساء» [716] .

العاملي (توفّى عام 1559، شيعي)

«ويجب ختان الصبي عند البلوغ أي بعده [...]. ويستحب خفض النساء وإن بلغن. قال الصادق عليه السلام: خفض النساء مَكرُمَة وأي شيء أفضل من المَكرُمَة» [717] .

البهوتي (توفّى عام 1641، حنبلي)

«ويجب ختان ذكر وأنثى لقوله (ص) لرجل أسلم «ألق عنك شعر الكفر واختتن» [...]. وفي الحديث «إختتن إبراهيم بعد ما أتت عليه ثمانون سنة» [...]. وقال تعالى «ثم أوحينا إليك أن إتّبع مِلّة إبراهيم حنيفاً» (النحل 123:16) ولأنه من شعار المسلمين فكان واجباً كسائر شعارهم. وقال أحمد: كان إبن عبّاس يشدّد في أمره حتّى قد روي عنه أنه لا حج له ولا صلاة. وفي قول النبي (ص) «إذا إلتقى الختانان وجب الغسل» دليل على أن النساء كن يختتن، ولأن هناك فضلة فوجب إزالتها كالرجل» [718] .

العاملي (توفّى عام 1692، شيعي)

«عن المرادي أنه قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجارية تسبى من أرض الشرك فتسلم فيطلب لها من يخفضها فلا يقدر على إمرأة. فقال: أمّا السُنّة فالختان على الرجال، وليس على النساء» [719] .

الدردير (توفّى عام 1786، مالكي)

«الختان للذكر سُنّة مؤكّدة. وقال الشافعي واجب. والخفاض في الأنثى مندوب كعدم النهك لقوله (ص) لمن تخفض الإناث: «أخفضي ولا تُنهِكي» أي لا تجوري في قطع اللحمة الناتئة بين الشفرين فوق الفرج، فإنه يضعف الوجه ولذّة الجماع» [720] .

نلاحظ ممّا سبق أن ختان الذكور أعتُبر أكثر أهمّية من ختان الإناث. فأكثر الفقهاء المسلمين أخذوا موقفاً متزمّتا من ختان الذكور فاعتبروه واجباً. وقد مارس المسلمون الختان حتّى في عصر إضطهادهم من قِبَل المسيحيّين في إسبانيا بعد خروج المسلمين منها رغم أن الختان كان وسيلة للكشف عنهم وسبباً لإضطهادهم. وكان المسيحيّون يفرضون على المسلمين الذين يصبحون مسيحيّين عدم ختان أطفالهم تحت طائلة الموت [721] .

وبالرجوع إلى تقسيم الأفعال عند الأصوليّين، يمكننا أن نقول إن الحد الأدنى الذي إجتمع عليه الفقهاء القدامى هو أن ختان الذكور واجباً وأن ختان الإناث مباحاً في حدود عدم الإنهاك. ولا نجد عند أي منهم تحريماً لختان الذكور أو ختان الإناث. وسوف نرى لاحقاً أن الفقهاء قد إعتبروا أن كل من ختان الذكور والإناث تعدّي على سلامة الجسد فيه إيلام. إلاّ إنهم إعتبروا ذلك من المباح شرعاً فلا ضمان إلاّ في حالة تعدّي الحدود المرسومة للختان. وهم لم يروا في الختان ضرراً يمكن معه منعه على أساس القاعدة الفقهيّة: «لا ضر ولا ضرار».

4) الجدل حول ختان الذكور والإناث في عصرنا

لقد سبق وذكرنا في الجزء الأوّل من هذا الكتاب أن ختان الذكور ما زال عادة متّبعة في جميع الدول الإسلاميّة لا ينجو منها إلاّ القليل النادر من الأطفال المسلمين. ويعتبر الختان بين عامّة المسلمين من المسلّمات التي لا تجادل. وحتّى عندما تفشل عمليّة الختان وتؤدّي إلى مصائب كبيرة، فإنه من غير الوارد طرح هذه العادة على بساط النقاش أو الشك فيها. فهي قدر مقدر أحاطها المسلمون بمعالم البهجة والضجيج الذي يطغي على صراخ الأطفال تماماً كما كانت الشعوب الشرقيّة القديمة تفعل عند تقديم أطفالها محرقة على هيكل الآلهة. وقد أدّى تغلغل هذه العادة في عقليّة المسلمين إلى إنعدام معارضيها إلاّ نادراً، إمّا عن إقتناع وإمّا عن خوف.

أمّا ختان الإناث فقد إنحسر في عدد كبير من الدول الإسلاميّة وأصبحت هذه العادة منسيّة تماماً ولا يعرف المرء هناك المقصود من ختان الإناث. وإذا سمعوا عنها، فهم يستهجنوها ويرفضون نسبتها للشريعة الإسلاميّة ويعتبرونها دعاية ضد الإسلام يقوم بها أعداء الإسلام. وإذا أوضحت لهم بالأدلّة الكتابيّة أن الأزهر الشريف يساند هذه العادة، تثور ثائرتهم وينعتون مشايخ الأزهر بأبشع الصفات وأرذلها التي لا مجال لذكرها هنا.

ورغم الواقع الإجتماعي الذي يثبت إنحسار ختان الإناث في كثير من الدول الإسلاميّة، نرى أن ختان الإناث ما زال يلقى تأييداً من قِبَل المؤلّفين المسلمين حتّى في الدول التي لم تعد تمارس ختان الإناث. فهؤلاء المؤلّفون ما زالوا يعتبرون ختان الإناث مَكرُمَة إذا لم يكن هناك إنهاك. وقد نشرنا في الملاحق نصوص من السعوديّة والكويت في هذا المعنى. فليرجع لها القارئ [722] .

ونجد نفس الأمر عند وهبي الزحيلي، وهو فقيه سوري سنّي. فهو يقول دون أي تعليق:

«الختان سُنّة مؤكّدة عند المالكيّة والحنفيّة للذكور، والخفاض في النساء مَكرُمَة، ويندب ألاّ تُنهِك أي لا تجور في قطع الجلدة لأجل إتمام اللذّة في الجماع. وقال الشافعيّة: الختان فرض على الذكور والإناث. وقال أحمد: الختان واجب على الرجال، مَكرُمَة في حق النساء. ويجرى هذا عادة في البلاد الحارّة» [723] .

وفي مكان آخر يقول:

«هو سُنّة للرجال، مَكرُمَة للمرأة عند الحنفيّة والمالكيّة، لحديث: «الختان سُنّة في الرجال، مَكرُمَة في النساء. وواجب عند الشافعيّة للذكر والأنثى، وللذكر فقط عند الحنابلة ومَكرُمَة للنساء لا واجب عندهم، لقوله (ص) لرجل أسلم: «ألق عنك شعر الكفر واختتن» ولخبر أبي هريرة أن النبي (ص) قال: «من أسلم فليختتن» وفي حديث آخر لأبي هريرة: «إختتن إبراهيم خليل الرحمن بعدما أتت عليه ثمانون سنة، واختتن بالقدوم» أي آلة النجارة، ولأنه من شعار المسلمين، فكان واجباً كسائر شعائرهم. والدليل على أنه مَكرُمَة لا واجب للنساء عند الحنابلة: حديث: «الختان سُنّة للرجال، ومَكرُمَة للنساء» وحديث «أشمّي ولا تُنهِكي» وفي حديث أم عطيّة: «إذا خفضت فأشمّي» [724] .

وفي إيران، ما زال الكتّاب الشيعة حتّى يومنا هذا يردّدون ما قيل قديماً في ختان الإناث دون تعليق رغم أن ختان الإناث لا يمارس في إيران حسب علمنا [725] . ولا نجد عندهم أي نقد لهذه الممارسة. وقد يرجع ذلك إلى أن الشيعة تؤمن بعصمة أئمّتها الذين تنقل عنهم أحاديث ختان الذكور والإناث.

أمّا في الدول التي تمارس ختان الإناث، وخصوصاً في مصر، فقد تم فتح الجدل حول ختان الإناث. فوضعت فيه كثير من الفتاوى والكتب التي تعرّضت للموضوع من الوجهة الدينيّة والعلميّة والإجتماعيّة والقانونيّة. كما أجبر المشرّع والقضاء في إدلاء رأيه فيه كما سنرى في الجزء القانوني. وقد إعتمدت الكتابات المعاصرة على القرآن والسُنّة والكتب الفقهيّة القديمة في مناقشتها لموقف الدين من هذه العادة. وبما أن هذه المصادر الثلاثة لم تقدّم الجواب الصافي، فقد إنقسمت هذه الكتابات كما في الماضي بين مؤيّد ومعارض.

ولارتباط ختان الذكور بختان الإناث في الكتابات القديمة، فقد تم مناقشة كل من الختانين. فهناك من إعتبر ختان الإناث واجباً تماماً كما هو الأمر لختان الذكور. وهناك من يفرّق بين ختان الذكور والإناث معتبراً هذا الأخير من المستحبّات. وإلى هذا الموقف المنقول عن الكتابات القديمة، أضيف موقف جديد لم يعهده الفقهاء القدامى. فقد برز تيّار يرى في ختان الإناث تعدّي على سلامة الجسد مضر بالمرأة والمجتمع ومخالف للشريعة الإسلاميّة. وبمحاذاة هذا التيّار الرافض لختان الإناث، يقف تيّار آخر خائف وضعيف يرى ضرورة دمج كل من ختان الإناث والذكور في نفس الجدل باعتبار أن كل منهما تعدّي على سلامة الجسد ولكل منهما مضارّه. ومعارضو ختان الذكور يدعمون الحملة الداعية لإلغاء ختان الإناث، ولكن معارضو ختان الإناث يرفضون عامّة الظهور بمظهر المؤيّد لمعارضي ختان الذكور. وهذا التباين في المواقف وضعف التيّار المعارض لختان الذكور يمكن نسبته إلى الأسباب التالية:

1) هناك أوّلاً الرأي الغالب في أن ختان الذكور واجب ديني ومفيد صحّياً بعكس ختان الإناث. ويظهر هذا جلياً في كتابات كل من معارضي ختان الإناث ومؤيّديه. فهما في ختان الذكور في خندق واحد وخط دفاع مشترك رغم تناحرهما في ختان الإناث.

2) هناك معارضون لختان الإناث يتقبّلون إنتقادات معارضي ختان الذكور ولكن لا يريدون أن يضيفوا سبباً آخر لعداء رجال الدين المؤيّدين لختان الإناث وأن يؤلّبوا عليهم أيضاً عداء معارضي ختان الإناث المؤيّدين لختان الذكور. إنهم يخافون أن «يزيد الطين بلّة»، كما يقول المثل العامّي. فقد قالت لي سيّدة مصريّة مناهضة لختان الإناث وختان الذكور: «إنهم سوف يضربوني بالنار. أنظر كيف أن معارضي ختان الإناث يلقون عنتاً شديداً من قِبَل الإسلاميين، ثم تصوّر كيف سيكون رد فعل الإسلاميين لو أن أحداً تكلّم ضد ختان الذكور!». وبطبيعة الحال، لا يمكن لهذه المجموعة الإفصاح عن رأيها علناً حتّى لا تكشف أوراقها.

3) هناك معارضون لختان الإناث يتقبّلون إنتقادات معارضي ختان الذكور ولكن يرون أن هناك أولويّات في المعركة. فهم يعربون عن إستعدادهم مكافحة ختان الذكور ولكن بعد أن ينتهوا من معركة ختان الإناث التي يعتبرونه أكثر مضرّة من ختان الذكور. ففي نظرهم لا يمكن فتح جبهتين في آن واحد لأن هذا سوف يؤدّي إلى خسارة على الجبهتين. وهم لا يعون أن هذا الموقف مخالف للأخلاق. إذ ما ذنب الأطفال الذكور في ختان الإناث؟ لماذا نحرم الأطفال الذكور من الحماية الجسديّة إلى حين إلغاء ختان الإناث الذي قد يطول عشرات لا بل مئات السنين؟ وهم يجهلون أن في موقفهم غلطة منطقيّة. فكيف يمكن إقناع أب مصري بأن يتوقّف عن ختان بناته بينما يسمح له بالإستمرار في ختان أولاده رغم أن العمليّتين يطلق عليهما كلمة «الطهارة»؟ فلا بد أن يفهم هذا الأب المصري أن وراء رفض ختان الإناث الذي يموّله الغرب رغبة في نشر الفساد الأخلاقي في المجتمع المسلم واستباحة لشرفهن. وفي هذه الحالة تكون النتيجة عكس ما يتوقّع معارضو ختان الإناث. وسوف نرى في الجزء الإجتماعي أن هذا ما يردّده مؤيّدو ختان الإناث فعلاً.

4) حتّى وإن نحن لا نقبل بالمقولة أن الغرب يتآمر على شرف البنات المسلمات، كما يدّعي التيّار الإسلامي المؤيّد لختان الإناث، لا بد أن نشير إلى أن الدعم المالي والإعلامي من الغرب والمنظّمات الدوليّة لمعارضي ختان الإناث هو أحد أسباب قوّة هذا التيّار. وأن عدم إهتمام الإعلام الغربي بختان الذكور أدّى إلى عدم ظهور تيّار معاد لختان الذكور في الدول العربيّة والإسلاميّة والإفريقيّة. وسكوت الغرب والمنظّمات الدوليّة له دواعي سياسيّة. فهناك خوف كبير من الإتّهام بمعاداة الساميّة إذا ما تم الإعلان عن حملة ضد ختان الذكور. أضف إلى ذلك أن الولايات المتّحدة، أكبر دولة مموّلة لحركات مناهضة ختان الإناث، تمارس ختان الذكور بصورة واسعة كما رأينا. فلا يمكننا أن ننتظر منها أن تساعد على فتح جبهة ضد ختان الذكور في الدول الأخرى. وهكذا يحس كل مفكّر عربي أو مسلم أو إفريقي تخوّل له نفسه معارضة ختان الذكور أنه معزول إعلامياً وفكريّاً وماليّاً، ليس فقط على الساحة الداخليّة بل أيضاً على الساحة الدوليّة. ولنا عودة إلى هذا الأمر في الجزء الإجتماعي.

ويمكن إختصار موقف معارضي ختان الإناث من خلال منشورين صادرين عن حركتين نسائيّتين في مصر والسودان. وهذا هو نص المنشورين:

نداء للأسرة [726]

- أخلاق البنات ليست في عمليّة الطهارة بل في رقابة الأسرة.

- إذا لم تحدث الطهارة للبنت فهي لا تعتبر خروجاً على الشريعة الإسلاميّة.

- طهارة البنت ممنوعة كرأي الأطبّاء «ووزارة الصحّة».

- طهارة البنت عادة قديمة قَبل نزول المسيحيّة والإسلام.

- طهارة البنات غير معروفة في السعوديّة وغيرها من البلاد الإسلاميّة.

- لم يرد في السُنّة أن النبي (ص) أجرى عمليّة الختان على بناته.

- طهارة البنت تعديل في خلقة الله سبحانه وتعالى.

- طهارة البنت تؤدّي إلى النزيف وأحياناً الوفاة.

- لا إثم في ترك ختان البنات.

- أتركوا عادة الطهارة ولا تؤذوا بناتكم.

نداء للأسرة [727]

الدين ينهى

- خفاض البنات إنتهاك جسدي وتشويه لخلق الإنسان الذي خلقه سبحانه وتعالى في أحسن تقويم وفي أحسن صورة سوّاه.

- خفاض البنات عمليّة وحشيّة لا تجيزها الأديان السماويّة.

- خفاض البنات لا هو بالواجب أو السُنّة بل من أفعال الجاهليّة التي حزر [حذّر] النبي (ص) من غلوائها بقوله «أخفضي لا تُنهِكي فهذا أحظى للمرأة وأبهى للرجل».

- خفاض البنات لا يصون العفّة بل تصونها التنشئة على مكارم الأخلاق والتربية الإسلاميّة السليمة.

- خفاض البنات سابق للأديان وتمارسه شعوب كثيرة من مختلف الأديان والمعتقدات ليس بينها من الشعوب الإسلاميّة إلاّ السودان ومصر والصومال.

- إذاً إجتنبوا خفاض البنات.

الطب ينهى

- خفاض البنات إنتهاك جسدي لفلزات [لفلذات] أكبادنا له آثار صحّية ونفسيّة واجتماعيّة بالغة الخطورة في كل مراحل الحياة.

- خفاض البنات عمليّة جراحيّة لا مبرّر لها تؤدّي إلى عمليّات لاحقة عند الزواج وعند الوضوع وبعده ولا يخلو من مخاطر متكرّره.

- خفاض البنات عمليّة جراحيّة خطيرة لا يقرّها الأطبّاء ولا وزارة الصحّة ولا القابلات اللائي لا يتدرّبن عليها.

- خفاض البنات عمليّة جراحيّة تؤدّي لمضاعفات منها النزيف الحاد والإلتهابات والتتنس والإيدز والعقم وربّما تؤدّي إلى الموت.

- إذاً اجتنبوا خفاض البنات.

الفصل السادس: الحجج الدينيّة الفرعيّة التي يرتكز عليها الفقهاء والمفكّرون

بالإضافة إلى الحجج الأساسيّة التي ذكرناها في الفصول السابقة، يعتمد مؤيّدو ومعارضو ختان الذكور والإناث على حجج فرعيّة. بعض هذه الحجج ينقلها المؤلّفون المسلمون الحاليّون عن الفقهاء القدامى مع بعض التوسّع. والباقية أضيفت في عصرنا فلا نكاد نجد لها أثراً في كتابات الفقهاء القدامى. هذا ما سنراه في النقاط التالية.

1) التطهير من النجاسة

تنقل الشيعة أحاديثاً عن النبي تعتبر بول الأغلف نجساً ذكرناها سابقاً. وفي هذا المعنى يقول الصادق: «أختنوا أولادكم لسبعة أيّام فإنه أطهر وأسرع لنبات اللحم وأن الأرض لتكره بول الأغلف» [728] .

ويقول إبن جزي:

«الغرلة وهي ما يقطع في الختان نجسة لأنها قطعت من حي فلا يجوز أن يحملها المصلي ولا أن تدخل المسجد ولا أن تدفن فيه وقد يفعله بعض الناس جهلاً منهم» [729] .

ويرى إبن قيّم الجوزيّة أن الشيطان يختبئ في غرلة الرجل. وقطعها تطهير له. فهو يقول:

«أي زينة أحسن من أخذ ما طال وجاوز الحد من جلدة الغلفة وشعر العانة وشعر الإبط وشعر الشارب وما طال من الظفر. فإن الشيطان يختبئ تحت ذلك كلّه ويألفه ويقطن فيه. حتّى أنه ينفخ في إحليل الأغلف وفرج الغلفاء ما لا ينفخ في المختون ويختبئ في شعر العانة وتحت الأظفار. فالغرلة أقبح في موضعها من الظفر الطويل والشارب الطويل والعانة الفاحشة الطول. ولا يخفى على ذي الحس السليم قبح الغرلة وما في إزالتها من التحسين والتنظيف والتزيين. ولهذا لمّا إبتلى الله خليله إبراهيم بإزالة هذه الأمور فأتمّهن، جعله إماماً للناس، هذا مع ما فيه من بهاء الوجه وضيائه، وفي تركه من الكسفة التي ترى عليه» [730] .

واعتماداً على هذا الإعتقاد، يرى الفقهاء أن الختان ضروري لإتمام الطهارة التي بدونها لا تصح الصلاة. وهم بذلك يطبّقون القاعدة التي تقول «ما أدّى إلى الواجب فهو واجب». يقول إبن قدامة: «أمّا الختان فواجب على الرجال ومَكرُمَة في حق النساء وليس بواجب عليهن هذا قول كثير من أهل العلم. قال أحمد: الرجل أشد وذلك أن الرجل إذا لم يختتن فتلك الجلدة مدلاّة على الكمرة ولا ينقى ما ثُم. والمرأة أهون» [731] . ويقول إبن قيّم الجوزيّة: «إن الأغلف معرّض لفساد طهارته وصلاته فإن الغلفة تستر الذكر كلّه فيصيبها البول ولا يمكن الإستجمار لها. فصحّة الطهارة والصلاة موقوفة على الختان» [732] . وما زال الكتّاب المسلمون المعاصرون يعيدون علينا ذلك. يقول مجدي فتحي السيّد:

«عند التبوّل تتسلّل بعض قطرات البول إلى التجويف الموجود بين الغلفة وبين رأس الذكر. وهذه القطرات [...] كثيراً ما يخرج بعضها بعد التطهّر، فتصيب النجاسة الثوب والبدن، كما أنها تسبّب كثيراً من الوسوسة - أعاذنا الله منها - لدى الشخص، إذ يُظن أنها خارجة من الذكر فيعيد وضوءه المرّة بعد الأخرى» [733] .

وقد إستند المؤلّفون المسلمون قديماً وحديثاً على هذا الدليل ليبيّنوا أن ختان الذكور هو واجب بخلاف ختان الإناث الذي إعتبروه مستحبّاً إذ إنه ليس للمرأة غلفة تحفظ النجاسة التي تمنع الصلاة. ولكن الدكتورة نور السيّد رشاد ترى في أيّامنا أن من فوائد ختان الإناث: «وجود بقايا البول والإفرازات الجنسيّة داخل الغلفة في حالة عدم الختان تكون مصدراً لنجاسة الثوب والبدن وبالتالي نقص عنصر الطهارة بالنسبة للمسلم» [734] .

ويرفض الدكتور رمضان ضرورة ختان الإناث للطهارة على خلاف ختان الذكور. فهو يقول:

«إن الختان في حق الأولاد فعلاً يحقّق ذلك، لأننا نقطع جلدة زائدة حول فتحة مجرى البول، تتجمّع فيها قطرات البول وإفرازات شحميّة. فقطع هذه الجلدة الزائدة يؤدّي إلى النظافة والإستنجاء والتطهير الصحيح من البول، وإلى بروز رأس القضيب عند الرجل فيساعد هذا على زيادة إستمتاعه. أمّا في المرأة، ففتحة البول منفصلة عن البظر» [735] .

ويضيف:

«ليس هناك تراكم لنجاسة [عند الإناث] مثلما يحدث مع الأولاد. وإفراز غدّة الزهم إفراز طبيعي له وظيفته وفائدته وليس نجساً، وتنظيفه عمليّة سهلة تتم مع النظافة العامّة لهذا المكان» [736] .

وبالإضافة إلى كون غسل الغلفة ليس بالصعوبة التي يتصوّرها الكتّاب المسلمون، نشير هنا إلى أن بعض الفقهاء القدامى رفضوا التعلّل بحجّة ضرورة الختان للطهارة والصلاة. ينقل إبن قيّم الجوزيّة:

«إنّما يلام عليه إذا كان باختياره. وما خرج عن إختياره وقدرته لم يلم عليه ولم تفسد طهارته، كسلس البول والرعاف وسلس المذي. فإذا فعل ما يقدر عليه من الإستجمار والإستنجاء لم يؤاخذ بما عجز عنه» [737] .

كما نقرأ عند إبن حجر:

«إستدل من أوجب الإختتان بأدلّة. الأوّل أن الغلفة تحبس النجاسة فتمتنع صحّة الصلاة كمن أمسك نجاسة بفمه. وتعقّب بأن الفم في حُكم الظاهر بدليل أن وضع المأكول فيه لا يفطر به الصائم، بخلاف داخل الغلفة فإنه في حُكم الباطن. وقد صرّح أبو الطيّب الطبري بأن هذا القدر عندنا مغتفر» [738] .

هذا ويقول العبّودي أنه «لا يمكن أن يبقى (الطفل في الإمارات) بعد سن السادسة أو السابعة من العمر بدون ختان لأسباب كثيرة، أهمّها أسباب دينيّة، إذ يعتبر في نظر المسلمين غير طاهر ولا يجوز له دخول المسجد ولا تُقبل صلاته». ويضيف أن من جاوز هذا العمر «يصبح عرضة للنقد بين الرجال والنساء وأيضاً الصبيان. فكثيراً ما يسمع كلمات نابية، حيث يطلق عليه في بعض الأحيان لقب «بانيان» ويقصد بالبانيان من هم على ديانة البوذية [739] .

2) قطع عضو سليم وإدخال ألم وكشف عورة

يرى مؤيّدو ختان الذكور والإناث أن كشف العورة حرام إلاّ إذا كان هناك واجب. والختان يتم فيه كشف العورة، وما كان ليسمح به إذا لم يكن واجباً.

ويضيف مؤيّدو الختان أن قطع عضو سليم وإدخال ألم عظيم على النفس لا يحق إلاّ في إحدى ثلاث خصال: لمصلحة (كالمداواة) أو عقوبة (كقطع يد السارق) أو وجوب. وقد إنتفى الأوّلان فثبت الثالث. فلو لم يكن واجباً لما جاز للخاتن الإقدام عليه، وإن أذن فيه المختون أو وليّه. فإنه لا يجوز له الإقدام على قطع عضو لم يأمر الله ورسوله بقطعه، ولا أوجب قطعه كما لو أذن له في قطع أذنه أو إصبعه، فإنه لا يجوز له ذلك ولا يسقط الإثم عنه بالإذن [740] .

3) شعار المسلمين ومخالفة لشعارات الكفر

يرى مؤيّدو الختان أنه من شعار الدين، وبه يعرف المسلم من الكافر، حتّى لو وجد مختون بين جماعة قتلى غير مختونين صلّي عليه ودفن في مقابر المسلمين. وقد رُد عليه إن ما أدّعي في المقتول مردود لأن اليهود وكثيراً من النصارى يختنون [741] .

ورغم ضعف هذه الحجّة التي نجدها أيضاً عند اليهود، ما زال الكتّاب المسلمون في أيّامنا يعيدونها علينا. يقول الجمل إن عدم الختان:

«شعار عبّاد الصليب وعبّاد النار الذين تميّزوا به عن الحنفاء، والختان شعار الحنفاء في الأصل، ولهذا أوّل من إختتن إمام الحنفاء وصار الختان شعار الحنيفيّة، وهو ما توارثه بنو إسماعيل وبنو إسرائيل عن إبراهيم الخليل [...] ولا يجوز موافقة عبّاد الصليب الغلف في شعار غلفهم وتثليثهم» [742] .

ويضيف:

«إن النبي قال: «من لم يأحذ شاربه فليس منّا» فكيف منه من عطّل الختان ورضي شعار الغلف عبّاد الصليب، ومن أظهر ما يفرّق عبّاد الصليب وعبّاد الرحمن الختان. وعليه إستمر عمل الحنفاء من عهد إمامهم إبراهيم إلى عهد خاتم الأنبياء، فبعث بتكميل الحنيفيّة وتقديرها لا بتحويلها وتغييرها. وقد إمتثل إبراهيم لأمر الله فختن نفسه بالقدوم وجعله فطرة باقية في عقبه إلى أن يرث الأرض ومن عليها. ولذلك دعا جميع الأنبياء من ذرّيته أممهم إليه حتّى عبد الله ورسوله وكلمته إبن العذراء البتول، فإنه إختتن متابعة لإبراهيم الخليل، والنصارى تقر بذلك، وتعترف أنه من أحكام الإنجيل ولكن إتّبعوا أهواء قوم قد ضلّوا من قَبل وأضلّوا كثيراً وضلّوا عن سواء السبيل» [743] .

ويقول مجدي فتحي السيّد:

«في التمسّك بهذه السُنَن [التي من بينها ختان الذكور والإناث] تبدو صورة المسلمين واحدة، مجتمعة الظاهر، ومتّحدة الباطن، ويظهر التآلف بينهم لهذا التوحيد [...] في التمسّك بهذه السُنَن إظهار المخالفة لشعارات الكفر وأهله، من مجوس ويهود ونصارى وغيرهم من ملل الكفر بأنواعها. ولذا نجد أن النبي (ص) كثيراً ما نبّه إلى هذا الأمر بتلك التحذيرات: «خالفوا المجوس»، «خالفوا اليهود»، «خالفوا أهل الكتاب»، «خالفوا المشركين» [744] .

هناك إذاً من يعتبر ليس فقط ختان الذكور، بل أيضاً ختان الإناث من علامات الإسلام. وهذه الفكرة تتناقلها العامّة رغم أن كل من المسلمين والمسيحيّين يختنون ذكورهم وإناثهم. تقول شهادة من مصريّة:

«لا أنسى ما حييت ما حدث لأختي الصغيرة في قريتنا التي نشأنا فيها. كانت في الصف الثاني الإعدادي. وقد جاء الطبيب - أخصّائي النساء - لطهارتها بالمنزل. كانت تستعطفني وأنا أمسك بها وأقول لها: إن هذا لا بد منه. أعطاها الطبيب حقنة من البنج وحدث لأختي نزيف شديد إضطر معه الطبيب لأخذ بعض الغرز. ودخلت بعدها أختي في غيبوبة، لم تفق منها حتّى توفّيت ولا نعلم - حتّى اليوم - الحقيقة: هل سبب الوفاة النزيف، أم حقنة البنج؟ تكتّمنا الأمر. لكن جاء أحد أخوالي وثار وأبلغ النيابة، وتولّت التحقيقات، ثم حفظ الأمر مع الطبيب، وما زال يمارس عمله ومهنته. وأنا الآن عندي إبنة وفي أشد الحيرة. لقد قالوا لنا: إنه لا يكتمل إسلام البنت إلاّ بالطهارة، وإذا لم يحدث ذلك فإن دينها ناقص، وتصبح مثل النصارى. وفي المقابل أنا مرعوبة ممّا حدث لأختي، لا أعرف ماذا أفعل؟» [745] .

ولكن معارضو ختان الإناث يفرّقون بين ختان الإناث وختان الذكور ويحصرون علامة الإسلام في ختان الذكور. يقول الشيخ عبد الرحمن النجّار أن ختان الذكر مطلوب «لكي يعرف أنه مسلم إذا قتل في معركة مع أعداء الوطن، حتّى يصلّى عليه ويدفن في مقابر المسلمين» [746] . ويقول الدكتور محمّد رمضان:

«في حديث البعض هناك خلط متعمّد بين أحكام الفقهاء بالنسبة لختان الأولاد وأحكام الإناث رغم إختلاف الأمرين في كل شيء سواء في الدليل الشرعي أو الحُكم أو الكيفيّة أو الفائدة والهدف منه. لكن بعضهم يتعمّد أن يعمّم، أو يسحب حُكم ختان الأولاد على ختان الإناث. وذكرهم ختان الإناث من شعار الإسلام، فيه مغالطة. فالمقصود هو ختان الأولاد، وإلاّ لكان الوجوب هو الغالب في أقوال الفقهاء، لخفض البنات. وهذا لم يحدث من جمهور الفقهاء» [747] .

4) العُرف

العرف أحد مصادر الشريعة الإسلاميّة. فما يبيحه العرف يعتبر مباحاً في الشريعة الإسلاميّة في حدود معيّنة. يقول أبو زهرة في هذا المجال:

«العرف ما إعتاده الناس من معاملات واستقامت عليه أمورهم. وهذا يعد أصلاً من أصول الفقه. قد أخذ من قوله (ص) «ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله أمر حسن». فإن ذلك الأثر يدل بعبارته ومرماه على أن الأمر الذي يجري عرف المسلمين على إعتباره من الأمور الحسنة يكون عند الله أمر حسن. وإن مخالفة العرف الذي يعدّه الناس حسناً يكون فيه حرج وضيق. ولقد قال الله تعالى: «ما جعل الله عليكم في الدين من حرج» (الحج 78:22). ولذلك قال العلماء في المذهب الحنفي والمالكي إن الثابت بالعرف الصحيح غير الفاسد ثابت بدليل شرعي [...] وإن العلماء الذين يقرّون أن العرف أصل من أصول الإستنباط يقرّون أنه دليل حيث لا يوجد نص من كتاب أو سُنّة. وإذا خالف العرف الكتاب أو السُنّة كتعارف الناس في بعض الأوقات تناول بعض المحرّمات كالخمر، وأكل الربا، فعرفهم مردود عليهم، لأن إعتباره إهمال لنصوص قاطعة، وإتّباع للهوى وإبطال للشرائع. لأن الشرائع ما جاءت لتقرير المفاسد، وإن تكاثُر الآخذين بها يدعو إلى مقاومتها، لا إلى إقرارها» [748] .

يقول السكّري دفاعاً عن ختان الذكور والإناث:

«لقد كان ختان الذكور والبنات ولا يزال عرفاً جرت به العادة بين البشر منذ زمن بعيد. فأصبح مألوفاً بينهم سائغاً في مجرى حياتهم. ودليل هذا أن أمّهاتنا وجدّاتنا وجدّاتهن وهكذا كن يختتن على مدى عشرات السنين ولم يحدث من الأضرار المدّعاة شيئاً.

ومن ثم كان هذا العرف سائغاً لديهم. وقد بنت الشريعة الإسلاميّة كثيراً من أحكامها على العرف الصحيح وهو الذي إستوفى شرائطه الثلاثة فيكون عرفاً صحيحاً وهو ما لا يحل حراماً ولا يحرّم حلالاً. فالإمام مالك بنى كثيراً من أحكامه على عرف أهل المدينة. والإمام الشافعي بنى كثيراً من أحكام مذهبه الجديد على عرف أهل مصر. وهذا النوع تجب مراعاته في الإفتاء والقضاء» [749] .

وبعد أن إستنتج أن لا أساس شرعي لختان الإناث، يقول شلتوت:

«إلى أن يثبت ذلك [الضرر] في ختان الأنثى فإن الأمر فيه على ما درج عليه الناس وتعوّدوه في ظل الشريعة الإسلاميّة، وعلم رجال الشريعة من عهد النبوّة إلى يومنا هذا، وهو أن ختانها مَكرُمَة، وليس واجباً ولا سُنّة» [750] .

ويرد العوّا على دعوى العُرف قائلاً: هذا منهج شديد الخطر بالغ الخطأ.

«فهو شديد الخطر لأن الأعراف الإنسانيّة ليست كلّها- في أي بلد كان - موافقة للشرع، بل إن فتاوى العلماء فيها ما يوافق النصوص، وفيها ما يحتاج إلى نظر، وليس فتاوى علماء البلدان الإسلاميّة الأخرى أولى بالإتّباع من فتاوى علمائنا، والعرف الذي لا يخالف الشرع دليل محلّي لا ينقل عمله من موطنه إلى موطن آخر. ولا حجّة على كل حال في عرف لا يتّفق مع الشرع إذا وجد في بلادنا أو في غيرها من البلاد. فهو عرف فاسد بتعبير الفقهاء. والذي يُعوّل عليه هو العرف الصحيح الذي لا يصادم نصّاً أو إجماعاً دون سواه.

وهو منهج بالغ الخطأ، لأنه يجعل أعراف بعض البلاد معايير يقاس عليها، أو يعرف بها الصحيح من الباطل، والمقبول من المرفوض في سلوك الناس. والإسلام لم يجعل مصدراً للمعرفة يقاس به هذا الأمر إلاّ القرآن والسُنّة، ثم الإجماع ثم القياس الصحيح. أمّا الأعراف فهي مصادر تكميليّة يؤخذ بها في الترجيح بين الآراء أو في الإفتاء إذا لم تخالف نصّاً صريحاً أو إجماعاً صحيحاً.

ونحن في مصر يكفينا أن نتبيّن أن الشرع لم يبح هذه العادة الشنيعة، بل إن قواعده وأحكامه التفصيليّة تمنعها، وفقه الفقهاء يرتّب على الضرر الحاصل منها وجوب العقوبة ديّة أو قصاصاً.

ويكفينا أن نعلم أن الطب يراها ضارّة ضرراً محضاً - لا يجبر - بدنيّاً ونفسيّاً، وهذا وحده كاف في تحريمها. ويكفينا أن نصوص السُنّة الصحيحة بريئة من إجازتها أو إباحتها، وكل قول بخلاف ذلك مردود على صاحبه وعليه وحده إثمه ووزره» [751] .

ويقول صالح محمود عويس، نائب محكمة النقض:

«العرف يمكن أن يكون مصدراً للإباحة غير إنه يشترط لذلك أن يكون عامّاً وملزماً ومستمرّاً بمعنى أن يتّصف السلوك الناشيء من العرف بصفة العموميّة وأن يقوم الإعتقاد لدى الجميع بضرورة الإلتزام به وتأثيم من يخرج عليه وذلك بصفة مستمرّة. إلاّ أن عادة ختان الأنثى كما ثبت من أبحاث علماء الإجتماع ليست لها صفة العموم بين أفراد الشعب المصري ولا يوجد إعتقاد عام لديهم بضرورة إتيانها ومن ثم يتخلّف عنها أركان العرف وأصبحت مجرّد عادة إعتاد عليها البعض دون الكل وهي بذلك لا تصلح سبباً لإباحة هذا الفعل» [752] .

5) الختان عادة غير إسلاميّة تركتها دول إسلاميّة كثيرة

يقول معارضو ختان الإناث أن هذه العادة لا علاقة لها بالشريعة الإسلاميّة فقد كانت تمارس في مصر قَبل دخول الإسلام فيها، وكثير من الدول الإسلاميّة لا تمارسها في أيّامنا بينما هي منتشرة بين كثير من غير المسلمين.

يقول المنشور المصري السبق الذكر إن ختان الإناث غير معروف في «السعوديّة وغيرها من البلاد الإسلاميّة». ويضيف المنشور السوداني بأن ختان الإناث «تمارسه شعوب كثيرة من مختلف الأديان والمعتقدات ليس بينها من الشعوب الإسلاميّة إلاّ السودان ومصر والصومال». وهذا القول الأخير بحد ذاته غير صحيح كما رأينا في القسم الأوّل.

ويقول كتاب «الممارسات التقليديّة» إن سبب ختان الإناث هو

«الإعتقاد بأن الختان مستحب دينيّاً. وقد أوضحت الدراسات المختلفة أن عمليّة ختان الإناث ليس لها سند ديني حيث نجد أن:

- العمليّة تجرى في مصر على المسلمين والمسيحيّين على حد سواء.

- الوجود التاريخي لهذه العمليّة يسبق مجيء الإسلام والمسيحيّة.

- أن العمليّة لا تجرى في بلاد إسلاميّة مثل السعوديّة وإيران والعراق وغيرها» [753] .

وتقول نوال السعداوي:

«بعض الناس يعتقدون أن ختان البنت جاء مع الإسلام. وهذا إعتقاد خاطئ لأن ختان البنات كان موجوداً قَبل ظهور الدين الإسلامي [...]. إن ختان البنات ليست عادة إسلاميّة، ولا علاقة لها بالدين. فهي عرفت في مجتمعات متباينة الأديان، وعرفت في الشرق وفي الغرب. في مجتمعات مسيحيّة وفي مجتمعات إسلاميّة وفي مجتمعات لادينيّة» [754] .

ويقول محمّد رمضان:

«أصبح موضوع ختان أو خفض البنات يتعرّض لخلط شديد وإدّعاء على الطب دون توثيق أو دليل علمي. كما أصبح ميداناً للتشدّد حتّى رفع البعض أن ختان البنات شعار الإسلام يقاتل تاركوه، وكأن الإسلام العظيم أصبحت هذه الجلدة من أركانه. وهذا الضجيج الحالي عندنا حول ختان البنات لا نسمع منه أيّة ضجّة أو أن هناك مشكلة في بلاد الشام أو في السعوديّة وغيرها من بلاد المسلمين، حيث قد إنتهت تقريباً هذه العادة منذ مدّة طويلة، دون قانون أو وجود مؤامرة وراءه، ولم يتّهم أحد نساء المسلمين هناك بالفجور والإنحراف» [755] .

ويقول الشيخ عبد الرحمن النجّار:

«ليس هناك ما يجعل من ختان البنات سُنّة ملزمة. وهذا هو السبب في أننا نجد أن العديد من البلدان الإسلاميّة التي تطبّق الشريعة الإسلاميّة بصرامة لا تجري عمليّات الختان للبنات، مثل السعوديّة والعراق وإيران وسوريا وليبيا والمغرب» [756] .

وكما رفض معارضو ختان الإناث الإستناد على العُرف لإباحة ختان الإناث، رفض مؤيّدو ختان الإناث حجّة عدم ممارسة ختان الإناث في بعض الدول الإسلاميّة للإنتقاص منه. فالسكّري يرى أن هذه الحجّة لا تصلح أن تكون دليلاً شرعيّاً يفيد الحرمة أو الكراهة لأنه لا يتوقّف ثبوت الأحكام الشرعيّة على عرف أو عادة بلد معيّن أيّاً كان موقعه [757] . ويضيف طه:

«إن الحُكم الشرعي متى ثبت يظل ساري المفعول إلى أن تقوم الساعة. وهذه هي السمة المميّزة للشريعة الإسلاميّة عن غيرها من التشريعات الأخرى، ولا يلغي أحكامها أي عرف أو عادة بلد معيّن أيّاً كانت صدارته للإسلام. وما يؤيّد قولنا هذا الفتاوى العديدة الصادرة عن اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالمملكة العربيّة السعوديّة إذ عبّرت عن إقرار الشريعة الإسلاميّة لختان الإناث وبكونه سُنّة.

ولدينا الأمثلة العديدة على تجاهل أهل الإسلام لبعض الأحكام الشرعيّة، ومع ذلك لم يقل أحد بإلغاء هذه الأحكام فمثلاً لبس الذهب حرام على الرجال من المسلمين، وأغلبهم اليوم يلبس دبلة أو خاتم ذهب فهل يقال الآن إن لبس الذهب للرجال من المسلمين أصبح حلالاً إستناداً إلى أن أهل الإسلام يلبسونه اليوم. ومن الأمثلة أيضاً خروج غالبيّة النساء المسلمات اليوم متبرّجات فهل هذا التبرّج يعد مباحاً وملغياً للحُكم الشرعي القاضي بعدم الخروج بهذا الشكل؟ بالطبع لا يوجد من يقول هذا» [758] .

ويقول السيّد:

«يقال عن الختان: إن معظم الشعوب الإسلاميّة لا تعرف عنها شيئاً!! ولنفرض جدلاً أن الشعوب الإسلاميّة لا تمارسها، والواقع يكذّب هذا الإفتراض، هل الأصل التشريع النبوي وفعل الصحب الكرام وكلام أهل العلم أم فعل أهل الإسلام؟! إن الذهب حرام على الرجال من المسلمين وأغلبهم اليوم يلبسون دبلة خاتم الذهب. فهل يقال: إنه حلال في زماننا، لأن أهل الإسلام يلبسونه؟! وكل مسلمة تعلم حرمة السفور وإبداء العورات. مع ذلك أنظر إلى الطرقات. فهل معنى ذلك إباحة التبرّج لأن المسلمات فيهن غالبيّة من المتبرّجات؟ إن هذا المنطق غريب وعجيب في آن واحد. إن ذلك ليذكّرني بما أورده أبو شامة في الباعث. يقول عبد الله بن إسحاق الجعفري: كان عبد الله بن الحسن يكثر الجلوس إلى ربيعة. فتذاكرا يوماً السُنَن. فقال رجل كان في المجلس: ليس العمل على هذا. فقال عبد الله بن الحسن: أرأيت إن كثر الجهّال حتّى يكونوا هم الحكّام، فهم الحجّة على السُنّة؟! فقال ربيعة: أشهد أن هذا الكلام أبناء الأنبياء. وما أشبه الليلة بالبارحة» [759] .

ورداً على من يقولون إن ختان الأنثى كانت عادة موجودة في الجاهليّة، تقول نور السيّد راشد:

«نعم أنا أتّفق معكم في ذلك. ولكن هل هذه هي العادة الوحيدة التي كانت توجد قَبل الإسلام ثم أقرّها الإسلام؟ لا، فقد كانت توجد عادات كثيرة قَبل الإسلام [...] فجاء الرسول الكريم برسالة الله إلى البشر وأحل الطيّب من هذه العادات وحرّم الخبيث منها. فكون الختان موجوداً قَبل الإسلام ليس سنداً لأن يتّخذه البعض نقطة ضعف يهدم بها صحّة أجيال وأجيال من الإناث» [760] .

6) ربط الوجوب والمنع بالفائدة والضرر

تحرّم الشريعة الإسلاميّة إلحاق الضرر بالغير إلاّ إذا كان هناك سبب شرعي. وإذ يعترف الفقهاء القدامى أن ختان الذكر والأنثى هو في حقيقته قطع عضو سليم وإدخال ألم، إلاّ أنهم إعتبروا ذلك مباحاً شرعاً.

أمّا في عصرنا فإن الجدل حول فوائد ومضار ختان الذكور والإناث الصحّية والنفسيّة أخذ أهمّية قصوى. ولكن النقطة الأساسيّة في كل كتابات المسلمين التي تتعرّض لفوائد ومضار ختان الذكور والإناث تبقى التأكيد على وجود أو عدم وجود مصدر شرعي. ولن ندخل في المعطيات الطبّية حول الفوائد والمضار التي نتركها إلى الجزء القادم. فقصدنا هنا هو معرفة مدى إمكانيّة الإرتكاز على عنصر الفائدة أو الضرر في المنظور الديني.

أ) لا جدل حول مضار ختان الذكور

تبنّى المسلمون موقفاً من ختان الذكور يختلف عن موقفهم من ختان الإناث لأن الحجج الدينيّة لختان الإناث أضعف من الحجج الدينيّة لختان الذكور. وإن تكلّم المؤلّفون المسلمون عن ختان الذكور فكلامهم لدعم الموقف الديني. فالأكثريّة الساحقة من المسلمين لا تناقض ختان الذكور. فهو أمر مفروغ منه عند مؤيّدي ومعارضي ختان الإناث على السواء. ولا يشذ إلاّ عدد قليل من المسلمين عرضنا بعضاً من أفكارهم.

يقول السكّري أن في عصرنا

«الغالبيّة تقوم باختتان أبنائها من الذكور لما في ذلك من المصلحة الظاهرة كوقاية الطفل المختون من أمراض خطيرة لأنه بقطع الغلفة يتخلّص الشخص من المفرزات الدهنيّة ومن السيلان الشحمي ذي الرائحة الكريهة. وختان الذكر لا شك في أنه يقلّل الإصابة بالسرطان. وهذا الختان خاصّة في البلاد العربيّة والإسلاميّة لا يزال حتّى الآن يختن الناس أولادهم لما فيه من الفوائد الظاهرة» [761] .

ويقول مجدي فتحي السيّد:

«الختان هو من سُنَن نبيّنا (ص)، ومن هدى أبينا إبراهيم عليه السلام، وكفانا بهذا فضلاً وشرفاً. ولكن دائماً إلى أن تقوم الساعة تتوافق النصوص الشرعيّة الصحيحة مع الأخبار العلميّة الصريحة. ومن بين هذه الموافقات: أمر الختان بين الشرع والطب، فنجد أن العلماء الذين يعملون في هذا الجزء من أعضاء الإنسان، يقرّون أن للختان الكثير من الفوائد، هذا مع أن أغلب هؤلاء العلماء من غير المسلمين، وكأن القول القرآني ينادي علينا: «وشهد شاهد من أهلها» (يوسف 26:12) [762] .

وصاحبنا يذكر عشرة فوائد لختان الذكور إعتماداً على الرأي العلمي المؤيّد لموقفه دون الإشارة إلى وجود رأي مخالف. ولنا عودة إلى الحجج الطبّية بخصوص ختان الذكور عند الكتّاب المسلمين في الجزء القادم. وسوف نعرض الآن مدى إمكانيّة ربط ختان الإناث بالفائدة أو الضرر. فقد إنقسم المسلمون بين مؤيّدين ومانعين ومبيحين بسبب عدم وضوح النصوص الدينيّة.

ب) موقف مؤيّدي ختان الإناث

أوامر الله لا مضرّة فيها

رأينا سابقاً كيف أن مجدي فتحي السيّد يروّج لختان الذكور. وهو يمد هذا الترويج إلى ختان الإناث. ففي كتيّب عن ختان الإناث يقول:

«دائماً ما تتوافق النصوص الشرعيّة الصحيحة مع الأخبار العلميّة الصريحة، ومن هذه الموافقات أمر ختان النساء بين الشرع والأطبّاء. فنجد أن العلماء الذين تخصّصوا في هذا الباب من أعضاء الإنسان، يقرّون أن للختان الكثير من الفوائد، هذا مع أن الجزء الأكبر من هؤلاء العلماء من غير أهل الإسلام. وكأن الآية القرآنيّة تنادي علينا: «وشهد شاهد من أهلها» (يوسف 26:12) [763] .

وبعد أن إستشهد بالعلماء غير المسلمين (دون ذكر أي مرجع)، يوجّه هذا المؤلّف سهامه لمعارضي ختان الإناث بين المسلمين:

«تتعالى الصيحات من أفواه أنصاف المتعلّمين، وبعض المتشدّقين من أهل الطب بإيقاف ختان النساء والتحذير من عواقبه [...]. وهذه بعض الشبهات نرد عليها. وهي في حقيقتها أباطيل أو خرافات. قال بعض الأطبّاء: «إن عمليّة ختان الإناث عادة وحشيّة تمتَهن كرامة الأنثى جسديّاً ونفسيّاً. كذا قال، وكأن الرسول (ص) وافق على إيقاع الضرر بجميع نساء الأمّة لأنه أقر ختان النساء. وكأن الصحابة، ومعهم كل التابعين كانوا يمتهنون كرامة النساء لأنهم كانوا يقرّون الختان للنساء!! وكأن الأئمّة الأربعة ومعهم باقي السلف والخلف إختلفوا ما بين الموجب والمستحب لختان الإناث لأنهم يتعبون الأنثى نفسيّاً!! إن هذا لهو الخطل بعينه، والجراءة على الفتيا والنار. ألم يقف أحد من الأمّة سلفاً أو خلفاً كان وقال هذه المقالة نصحاً للأمّة وتبرئة للذمة؟!! ألم يَرَ أحد من الأمّة سلفاً كان أو خلفاً هذه الوحشيّة حتّى ينكرها أم أنهم أغمضوا جميعاً باتّفاق بينهم على مدى خمسة عشر قرناً!!» [764] .

ويقول السكّري في نفس المعنى:

«لم يصدر عن رسول الله (ص) على وجه الإطلاق لا تصريحاً ولا تلميحاً من قريب أو بعيد ما يدل على كراهة ختان الإناث. فكيف يسوغ للبشر العادي أن يحرّمه بحجّة أن فيه أضرار تلحق بالبنت. وهل يتصوّر عقلاً أن يسكت رسول الله على منكر أو ضرر يهدّد الفتاة؟ إن الطعن في خفاض الإناث طعن لا محل له من العقل والشرع» [765] .

والدكتور المصري الغوّابي يحاول دعم ختان الإناث معتمداً في ذلك على أحاديث النبي ومحاولاً تثبيت تلك الأحاديث بالطب، ناعتاً النبي بـ«الطبيب الأعظم» [766] . وفي نفس مقاله يناقش الغوّابي موضوع خارج عن الختان، وهو معجزة خروج المياه وتدفّقها من يد النبي محمّد. وكانت هذه المعجزة قد أثارت إستعجاب واستنكار مجلّة «الدكتور». يقول الغوّابي أنه لا يستطيع أن يسكت على الرد على هذا الأمر لأن في سكوته «إثماً كبيراً». ويضيف:

«عجباً. الله جل جلاله الذي فجّر الماء من الصم الجلاميد أيعجزه أن يفجّر الماء من يد محمّد رسوله الأمين، فيستقي ويسقي جيشه؟ والله سبحانه الذي جعل موسى يضرب بعصاه الحجر فانبجست منه إثنتا عشر عيناً، قد علم كل أناس مشربهم، فاستقوا وحمدوا الله على نعمائه، ألا يستطيع (حاشا الله) أن يخرج عيناً واحدة من بين أصابع محمّد (ص)» [767] .

وموقف المسلمين هذا لا يختلف عن موقف بعض الأوساط الأصوليّة المسيحيّة التي تقرأ الكتب المقدّسة اليهوديّة قراءة حرفيّة. وقد سبق أن عرضنا موقفهم في القسم الثاني من هذا الجزء. وقد إستلمت في سبتمبر 1994 رسالة من الأستاذ «شيمون جليك»، رئيس قسم التعليم الطبّي في «جامعة بنغوريون» تضمّنت مقالاً يدّعي أن الختان يحمي من مرض الإيدز. وقد أضاف هذا الأستاذ اليهودي إلى المقال ورقة كتب عليها بالإنكليزيّة العبارة التالية: «إذا أمر الله عمل شيء فلا يمكن لهذا العمل أن يكون مضرّاً».

حِكمة الله لا يدركها العقل والعبرة للشرع قَبل العلم

يقول القرآن بأن الله «لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون» (الأنبياء 23:21). وقديماً إقترح الإمام جعفر الصادق ترديد دعاء خاص عند ختان الصبي:

«اللهم هذه سُنّتك وسُنّة نبيّك صلّى الله عليه وآله وإتّباع منّا لك ولدينك بمشيئتك وبإرادتك لأمر أردته وقضاء حتّمته وأمر أنفذته فأذقته حر الحديد في ختانه وحجامته لأمر أنت أعرف به منّي، اللهم فطهّره من الذنوب وزد في عمره وادفع الآفات عن بدنه والأوجاع عن جسمه وزده من الغنى وادفع عنه الفقر فإنك تعلم ولا نعلم» [768] .

يقول السيّد، تأييداً لختان الإناث:

«إن الله تبارك وتعالى إنّما يشرّع لعباده ما فيه مصلحتهم وخيرهم لو كانوا يعلمون. وقد لا تظهر الحِكمة الربّانيّة من الأمر التكليفي أمام المسلم والمسلمة. وعند ذلك لا يكون قولهما إلاّ سمعنا وأطعنا. ربّنا لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا، فأنت العليم الحكيم. كيف وقد ظهرت الحِكم الربّانيّة في مسألة الختان، وهي واضحة وضوح الشمس أمام من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد» [769] .

وبنفس المنطق يرفض السكّري النقد الموجّه لختان الإناث:

«إن ختان الإناث ثابت بسُنّة رسول الله (ص) لا يماري فيه إلاّ غير ملتزم بهذه السُنّة المطهّرة. وإذاً فلا داعي لمثل هذا النقد وذلك الهجوم. والصواب في العودة إلى الحق، والعودة بأسباب الأضرار التي تنجم عنه في عصرنا الحاضر إلى المسبّبات الحقيقيّة لها. وليس من الحق ولا الصواب أن يقلّد المسلمون غيرهم من ملل الكفر في عدم ختان بناتهم. فختانهن وصيّة رسول الله (ص)، وهي لا تصدر منه إلاّ عن حِكمة بالغة سواء علمت لنا أو لم تعلم، ونحن مأمورون بإتّباعه (ص) في كل ما ارشد إليه أو أمر به أو نهى عنه» [770] .

ويتساءل الدكتور محمود أحمد طه «ما الحُكم إذا تعارض رأي العلم مع الحُكم الشرعي؟» فيجيب:

«نقول إن العبرة بالحُكم الشرعي ولو تعارض مع رأي العلم وأساسنا في ذلك [...] أن الإلتزام بالحُكم الشرعي في حد ذاته طاعة لله عز وجل ولو لم يظهر لنا الحِكمة من إقرار الحُكم الشرعي هذا. ولنا في تقبيل الحجر الأسود وفي رجم الجمرات أكبر دليل على ضرورة طاعة الحُكم الشرعي مهما غمض علينا الحِكمة من ذلك. وهذه قمة العبوديّة والطاعة لله عز وجل.

فضلاً عن أن العلم لا يتصوّر أن يعارض الحُكم الشرعي، وأنه إذا كان هناك ثمة تعارض فإن ذلك يعود إلى وجود خطأ في الرأي العلمي وليس إلى خطأ في الحُكم الشرعي. فختان الإناث يستند إلى الأحاديث النبويّة الشريفة، والرسول عليه أفضل الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى، ومن ثم فإن إقراره لختان الإناث لا بد أنه ينطوي على فوائد. ولو عجز العلم عن إثباتها اليوم فسوف يأتي الوقت الذي يثبت فيه العلم ما عجز عن إثباته اليوم من ترتيب فوائد عديدة للختان. كما أثبت العلم بالفعل أن لختان الذكور فوائد عديدة كانت غائبة عن العلماء من قَبل. وها نحن الآن نرى تغيّر في موقف المعارضين لختان الذكور غير المسلمين فأصبحوا يؤيّدونه وأصبح الختان مطبّق بالنسبة للذكور في شتّى بقاع العالم [...]. فالرسول عليه أفضل الصلاة والسلام جاء رحمة للعالمين، ومن جاء رحمة للعالمين لا يتصوّر أن يأمرنا بما فيه ضرر لنا» [771] .

وفي مكان آخر يقول بأنه

«على يقين من أن العلم سوف يثبت بإذن الله فوائد صحّية عظيمة لختان الأنثى، ويقيننا هذا نابع من كون الرسول الكريم عندما أمرنا بختان الإناث كان ذلك لحِكمة فهو عليه أفضل الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى» [772] .

ويقول محمّد البنّا:

«إن الله جعل الشريعة الإسلاميّة خاتمة الشرائع وصالحة لكل زمان. فلا يصل عقل بشري إلى نقص تعاليمها ولا إلى هدم مبادئها التي تركّزت في أصل القواعد البشريّة المسلّم بها بداهة. فقد قال عليه الصلاة والسلام: الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة، منها الختان، وفي رواية: عشرة من الفطرة ومنها الختان [...] إن الختان فطرة. فهو مبدأ كلّي عام أيّدته السماء، وزكّاه فعل النبوّة الأوّل، فلا عدول عنه (والله واهب العقل هو المشرّع) إلى ما يتركّز بالملاحظة دون إمعان. ولا يفوتني أن أقول: إن الحقيقة الكونيّة أصل يبنى البحث على صدق ما يتعلّق بها. لا أن البحث يقوم على نقضها. فالخالق لم يخلق عبثاً ولم يشرّع عبثاً. والقصور بنا أولى حتّى نوهب عقلاً يصل إلى المبادئ الإلهيّة المسلّم بها فطرة» [773] .

ويقول يحيى إسماعيل، الأمين العام لجبهة علماء الأزهر، أن ختان الإناث

«قضيّة دينيّة القول فيها لعلماء الشرع وفقهاء الدين أوّلاً وكلام غيرهم فيها يأتي بعد كلامهم، ولا يُقبل منهم إلاّ ما كان بضوابط هذا الشرع متقيّداً» [774] .

إنكار أضرار ختان الإناث وإرجاعها إلى أسلوب الختان

يرى السكّري أن الأضرار التي يتعلّل بها معارضو ختان الإناث هي أضرار مزعومة وليس حقيقيّة وبرهان ذلك أن

«ختان الرجال وخفاض النساء كانت عمليّة تجرى على قدم وساق منذ مئات السنين وحتّى عشرات السنين الماضية. وقد خفضت أمّهاتنا وجدّاتهن وهكذا تصاعداً إلى ما شاء الله ولم تحدث تلك الأضرار المدّعاة وما أدري ماذا يقول المعترضون على ذلك؟ بل كانت حياة هؤلاء الناس مستقرّة تنمو على طهارة وتتربّع على عفّة ورزقهم الله الولد وعاشوا حياتهم في ود وإخاء وأدّوا رسالتهم في الحياة على ما ينبغي أن يكون» [775] .

ولكن لا مجال لإنكار أن هناك أضراراً لختان الإناث وأن الخوف من هذه الأضرار هو سبب ترك الأهل لختان بناتهم. فالسكّري يقول: «إنه من المؤسف حقاً أن أغلبيّة الفتيات الآن غير مختونات وذلك أن أولياء أمورهن قد تركوا خفاضهن أخذاً بما عليه الغرب من عدم ختان الإناث متعلّلين بالخوف من الأضرار التي تنجم عنه» [776] . وهو يرد على هذا الخوف بأن الناس هم السبب الرئيسي لهذه الأضرار

«لأنهم يستجلبون من لا خبرة لهن ولا دراية في خفض البنات إقتصاداً في النفقات ويضنّون على بناتهم بالأطبّاء المتخصّصين الذين يستطيعون إجراء هذا النوع من العمليّات إجراءاً صحيحاً مستخدمين أحدث الإمكانيّات العلميّة. وهذا لا شك أنه لا خوف منه لأنه يقوم على أساس علمي» [777] .

وبعد أن إستعرض السكّري الأضرار النفسيّة والطبّية التي يعتمد عليها معارضو ختان الإناث، يؤكّد أن هذه الأضرار ليست في الختان بل في أسلوب إجرائه:

«إن ختان الرجال وخفاض النساء هو من شعار الإسلام وتكريمه لأبنائه. وعلينا أن نحسن إرجاع المسبّبات إلى أسبابها الحقيقيّة. وإلاّ فلا يمكن لعاقل أن يجعل من أخطاء الناس أساساً لتحريم شيء أو حلّه. فالحلال ما أحلّه الله، والحرام ما حرّمه الله تعالى في كتابه أو على لسان رسوله (ص) [778] .

ويقول محمّد إبراهيم سالم أن الختان الذي تسمح به الشريعة هو إزالة الجزء البارز فقط وإبقاء الجزء الكامن. وهذا «يكسبها صحّة في الجسم، وجمالاً في الأنوثة، وصيانة في الخلق، ومناعة في العفّة والشرف، مع الإبقاء على الحساسيّة الجنسيّة بالقدر المناسب الذي لا شطط فيه» [779] . ويضيف:

«لا وجه لاعتراض بعض الأطبّاء في ختان البنات بالطريقة الشرعيّة ولا مبرّر لاقتراحهم منعه منعاً مطلقاً. ولعّل إعتراضهم منصب على ما تخيّلوه من أن ختان البنات يجري كلّه على طريقة الجهلة من أهل الريف، أو بالطريقة الوحشيّة المتّبعة في بعض مناطق السودان» [780] .

ج) موقف معارضي ختان الإناث

-ختان الإناث ضار بينما ختان الذكور نافع

يبدأ معارضو ختان الإناث بالتأكيد على أنه لا يوجد أساس شرعي لختان الإناث. فالمنشوران المصري والسوداني ضد ختان الإناث يؤكّدان في بدايتهما على عدم وجود مصدر ديني يأمر بختان الإناث. ثم يضيفان عنصر الضرر (أنظر النصّين في الفصل السابق).

هذان المنشوران لا يذكران بتاتاً ختان الذكور. لا بل هناك محاولة من قِبَل معارضي ختان الإناث للتفريق بين ختان الإناث وختان الذكور. فهم يرون أن ختان الإناث مضر بينما ختان الذكور نافع. ففي كتاب عنوانه «قراءات في الزواج» صادر عن جمعيّة تنظيم الأسرة بالقاهرة، وهي الجمعيّة التي توزّع المنشور المصري، يبدأ الفصل عن الختان كما يلي:

«ختان الولد شيء وختان البنت شيء آخر مختلف تماماً. فختان الذكور نظافة وإزالة لجزء زائد لا نفع فيه ووقاية من عدّة أمراض قد يكون من بينها السرطان وقلّما يؤدّي إلى ضرر ما دام القائم به خبيراً مدرّباً. أمّا ختان البنت فيمتد لأجزاء مسؤولة إلى حد كبير عن تنظيم الحياة الزوجيّة والتقريب بين الزوجين، وإعطاء المرأة حقاً طبيعيّاً في التمتّع بالحياة الزوجيّة» [781] .

ويقول الدكتور محمّد رمضان عن ختان الإناث:

«حديثنا هنا يقتصر على ختان الإناث، حيث إن ختان الذكور له سبب شرعي هو الإستنجاء من البول، وحيث جاءت به الأدلّة القويّة، وهو في ذلك أمر مختلف عن ختان الإناث، وأقوال الفقهاء فيه تقبل المراجعة في ضوء الأدلّة الشرعيّة والحقائق العلميّة» [782] .

في غياب المصدر الديني المؤكّد يرجع إلى رأي الطبيب

يخضع موقف معارضو الختان لمنطق خاص. سؤالهم الأوّل هو معرفة ما إذا كان هناك نص في القرآن أو السُنّة أو إجماع للفقهاء أو قياس حول موضوع الختان. وإذا لم يجدوا ذلك، فإنهم بعد ذلك، وفقط بعد ذلك، يرون أن الأمر يرجع للطبيب. وهم في هذا المجال يقدّمون رأي الطبيب على رأي الفقهاء (في حالة عدم وجود إجماع بينهم). يقول العوّا:

«إذا أردنا أن نتعرّف على حُكم الشريعة الإسلاميّة في مسألة ختان الإناث، فإننا نبحث في القرآن الكريم ثم السُنّة النبويّة ثم الإجماع ثم القياس، وقد نجد في الفقه ما يعيننا فنطمئن به إلى فهمنا ونؤكّده، وقد لا نجد فيه ما ينفع في ضوء علم عصرنا وتقدّم المعارف الطبّية خاصّة، فنتركه وشأنه ولا نعول على ما هو مدوّن في كتبه. وقد خلا القرآن الكريم من أي نص يتضمّن إشارة من قريب أو بعيد إلى ختان الإناث، وليس هناك إجماع على حُكم شرعي فيه، ولا قياس يمكن أن يُقبل في شأنه» [783] .

ويضيف العوّا:

«ولا يُعَد كلام الفقهاء «شريعة» ولا يحتج به على أنه دين، بل يحتج به على أنه فهم للنصوص الشرعيّة، وإنزال لها على الواقع، وهو سبيل إلى فهم أفضل لهذه النصوص وكيفيّة أعمالها، لكنّه ليس معصوماً، ويقع في الخطأ كما يقع في الصواب. والمجتهد المؤهّل من الفقهاء مأجور أجرين حين يصيب، ومأجور أجراً واحداً حين يخطئ» [784] .

وفي مقال آخر يقول العوّا:

«ما يقوله الأطبّاء ملزم للناس جميعاً لا يرد عليهم فيه بقول فقيه ولا محدّث ولا مفسّر ولا داعية ولا طالب علم [...]. خلاصة هذا الأمر أنه ليس في القرآن ولا في السُنّة ولا في الإجماع دليل واحد يؤيّد الإبقاء على هذه العادة المرذولة. وأن الطب يقرّر أنها ضارّة ضرراً محضاً بالمرأة، وأنه ضرر لا يمكن جبره لا سيما النفسي منه، وأن مزاعم المبيحين له كلّها باطلة طبّياً. فيتعيّن لذلك الإمتناع عن إجرائه إمتثالاً بقول رسول الله (ص) «لا ضرر ولا ضرار» [785] .

وهنا واضح أن العوّا يتّكل في كلامه على كون ختان الإناث لا يوجد فيه نص شرعي صريح، وأن ما جاء فيه هو كلام فقهاء و«كل مخلوق يؤخذ من كلامه ويترك إلاّ رسول الله (ص)» [786] . وقد خطا العوّا خطوة إضافيّة معتبراً أن كلام النبي لا يعمل به دائماً. ففي ردّه على يحيى إسماعيل (أنظر الفقرة السابقة)، يقول العوّا:

«أنه ليس كل ما ورد في مباحث كتب الفقه والحديث يعد شأناً دينيّاً. بل الكثير ممّا ورد في هذه المباحث، لا سيما ما ورد في أبواب الطب والغذاء والكساء لا يعد شأناً دينيّاً. وفي الشؤون غير الدينيّة جاء حديث رسول الله (ص) الصحيح - في مسألة تأبير النخل - للفرق بين أمره للمسلمين في شؤون الدين وأمره لهم في شؤون الدنيا. وهو تفريق بين الشأنين الديني والدنيوي بالنص لا بالإجتهاد. وليس معنى ذلك أن الدين لا حُكم له في بعض أفعال العباد أو تصرّفاتهم. ولكن معناه أن حُكم الدين فيها يتّبع حُكم الواقع، وأن معرفة الناس بما يصلح شؤون دنياهم يتّبعها الفقيه بصحّتها ما لم تخالف نصّاً صحيحاً صريحاً. وأمور الطب الواردة في كتب الفقه كلّها أمور دنيويّة - من هذا النوع - يطلب رأي الفقيه فيها بعد أن يعرف رأي الطبيب، لأن رأي الطبيب هنا يصف الواقع ورأي الفقيه ينزل على هذا الواقع حُكم الشرع. فرأي الفقيه هنا يبنى على رأي الطبيب وليس العكس. والرأي الطبّي واضح في مسألة ختان الإناث ولا يحتاج إلى مزيد من بيان» [787] .

وبعد أن أكّد الشيخ السوداني حسن أحمد أبو سبيب أن لا أساس ديني لختان الإناث، قال:

«إن الدين الذي يقوم على مصادر هي القرآن والسُنّة والقياس والإجماع يدعو إلى التمسّك بالأصلح والأنفع ويقول لنا رسوله «أنتم أعلم بشئون دنياكم». ودنيانا اليوم هي دنيا العلم والتقدّم والرقي وقد إستخلفنا الله في الأرض لعمارتها بالخير» [788] .

ويقول محمّد البنّا، وكيل الوزارة للشئون الدينيّة:

«ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سُنّة تتّبع. وممّا لا ريب فيه أن مسألة هذا شأنها لا يمكن أن تكون من الدين بحيث لا تخالفها، لأن خلاصة ما قيل فيها أن العلماء لم يتّفقوا على أنها مطلوبة. على أنني افهم أن الأمر في مثل ذلك ليس من الأمور التي يكلّفنا الله بها من غير مصلحة فيها وأنها يجب أن تدور مع المصلحة. فإن كان في الأمر نفع تبعناه، وإن لم يكن فيه نفع إجتنبناه. وفي مثل هذه الأحوال يجب أن نرجع إلى الخبراء الحاذقين وهم الأطبّاء في مثل هذه المسألة» [789] .

ويقول محمّد سليم إبراهيم:

«ما دامت المسألة خلافيّة، فلا حجز على رأي ولا مصادرة لقول. وإنّما يكون هناك ترجيح واختيار، وإيثار المصلحة على المفسدة، والمنفعة على المضرّة» [790] .

ويقول الشيخ عبد الرحمن النجّار أن رأي الطبيب له إحترامه في الدين. فنحن نأخذ به إذا قال أن المرأة الحامل أو المرضع لا تصوم شهر رمضان إذا خافت على نفسها أو على جنينها أو رضيعها. إنها تفطر شهر رمضان وتقضي عليها بعد زوال هذا العذر. وفي ختان الذكور نحن نأخذ بقول الأطبّاء الذين يرون ختان الولد بقطع غلفته التي تتجمّع تحتها رواسب قد تكون منبتاً خصباً للجراثيم والتي تؤدّي إلى عفونة. وهذا لا يجوز للبنت لأن الأطبّاء «لم يقولوا شيئاً عن ضرر يلحق بالبنت من هذا الجزء الزائد في الجهاز التناسلي لها» [791] .

ختان الإناث يخالف قاعدة «لا ضرر ولا ضرار»

بعد أن إستنتج أن لا أساس شرعي لختان الإناث، يقول شلتوت:

«والذي أراه أن حُكم الشرع لا يخضع لنص منقول، وإنّما يخضع في الذكر والأنثى لقاعدة شرعيّة عامّة: وهي أن إيلام الحي لا يجوز شرعاً إلاّ لمصالح تعود عليه، وتربو على الألم الذي يلحقه» [792] .

وتعيد علينا الدكتورة رزق قول شلتوت وتقول بما أن الخفض يسبّب آلاماً مبرحة للفتاة، ويعرّض حياتها لخطر أثبته الطب وأكّده العلماء، فإنه يعتبر عملاً غير شرعي [793] . وسوف نرى أن موقف شلتوت هو أن مضار ختان الإناث غير مثبتة ولذا فهو لا يمنع ختان الإناث بل يجعله مباحاً.

وبعد أن أكّد على عدم وجود أساس ديني لختان الإناث، يقول الشيخ السوداني حسن أحمد أبو سبيب: «إن الدين يحارب كل شيء يتسبّب في تعريض حياة الإنسان إلى الأذى جسيماً كان أم بسيطاً فهو مخلوق كرّمه الله على سائر المخلوقات». ثم يضيف فيما يخص ختان الإناث: «أن هذه العادة دخيلة على الإسلام ولا تشكّل في نظر الإسلام أهمّية ولو كانت كذلك لاهتم بها الدين الإسلامي» [794] .

ويقول محمّد رمضان أنه لو قَبلنا بأن الختان الذي يتكلّم عنه الفقهاء هو قطع الغلفة دون المساس بالبظر كما يرى البعض، وعلمنا أن الحقائق الطبّية والممارسة العمليّة الواقعيّة بهذه العادة عند الناس تؤكّد مخالفة هذه الكيفيّة حتّى على يد الأطبّاء «أفلا نذهب حسب القاعدة الشرعيّة إلى منعها لصعوبة الإجراء وتحرّزاً من حدوث الضرر المنهى عنه والذي لا يمكن جبره بعد ذلك؟» [795] .

ونجد عند معارضي ختان الإناث محاولة لتبرير الدين، أو قل التعاليم الدينيّة، جملة وتفصيلاً من المضرّة. يقول الشيخ عبد الرحمن النجّار: «بما أنه ثبت أن الختان هو إعتداء ضار على جسم البنت فلا يمكن أن يكون هذا من أوامر الله أو السُنّة» [796] . ويقول الدكتور ماهر مهران: «لا يوجد دين يسيء إلى صحّة الناس أو الأخلاقيّات. وعلى ضوء ما يتيحه الله سبحانه وتعالى لنا من علم، لا بد أن نغير مواقفنا في ضوء التقدّم العلمي في المجتمع» [797] . ويقول الدكتور محمّد رمضان:

«إننا لا ننكر أن هذه العادة القديمة كانت موجودة ومعروفة قَبل الإسلام في الجزيرة العربيّة ومناطق أخرى من العالم. وكذلك لا ندّعي أن هناك نصّاً لتحريمها. لكن نذهب إلى أنه ليس هناك دليل شرعي يعتد به - ينصح بها أو يشير إلى أنها سُنّة أو واجب، بل نرى أن ما تسبّبه من ضرر وفوات للمنفعة ممّا إتّضح أمره علميّاً بعد ذلك، يخالف قواعد ومقاصد الشريعة. فهي من العادات التي تحتاج إلى تهذيب وإلى رأي طبّي بشأنها ضمن إطار القواعد الشرعيّة العامّة. وحديثنا هنا يقتصر على ختان الإناث، حيث إن ختان الذكور له سبب شرعي هو الإستنجاء من البول، وحيث جاءت به الأدلّة القويّة، وهو في ذلك أمر مختلف عن ختان الإناث، وأقوال الفقهاء فيه تقبل المراجعة في ضوء الأدلّة الشرعيّة والحقائق العلميّة» [798] .

وهناك من يرد على التعاليم الدينيّة المتزمّتة بتعاليم دينيّة أخرى أكثر قبولاً. تقول الدكتورة سهام عبد السلام بأنه أمام تزمّت المتديّنين، يجب نشر الوعي بالتفسيرات المستنيرة التي تراعي إتّجاه الدين نحو رفع شأن المرأة «ما أكرمهن إلاّ كريم وما أهانهن إلاّ لئيم»، ورفض إيذاء الإنسان دون مبرّر «لا ضرر ولا ضرار»، «ولا تبديل في خلق الله»، والإبتعاد عن التفسيرات المتزمّتة التي تنطلق من العداء للمرأة لا من حب الدين. لقد رأينا ما في هذه العمليّة من أذى، والأذى ممنوع دينيّاً فقد قال رسول الله (ص) «من آذى مسلماً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله» [799] .

منع ختان الإناث لا يخالف الشريعة الإسلاميّة

تقول الدكتورة رزق:

«إن جميع أحاديث ختان المرأة ضعيفة معلولة مخدوشة لا يصح الإحتجاج بها. إن ختان الإناث لهذا كلّه أمر متروك لما تفرضه المصلحة. فإذا تبيّن أن الإعتبارات الصحّية والنفسيّة تقضي بالتخلّي عنه، بل بمنعه وتحريمه، فإن هذا المنع لا يتعارض مع أحكام الدين الإسلامي» [800] .

ويقول أنور أحمد:

«لم يرد في القرآن ولا في سُنّة النبي أمر يوجبه ولم يجمع الفقهاء على هذا الوجوب. كل ما ورد عنه منسوباً إلى النبي (ص) من أحاديث مشكوك في صحّتها أنه مَكرُمَة للأنثى، تتزيّن به في عين زوجها، على أن تقوم به الخاتنة في رفق شديد، فتكتفي بقطع الجزء اليسير البارز، وتترك الباقي مرتفعاً لا يشوّه الخلقة ولا يميت الرغبة. إن ختان الأنثى لهذا كلّه، أمر متروك لما تفرضه المصلحة، فإذا تبيّن أن الإعتبارات الصحّية والنفسيّة تقضي بالتخلّي عنه بل بمنعه وتحريمه، فإن هذا المنع لا يتعارض مع أحكام الدين» [801] .

د) موقف المبيحين: في غياب النص والضرر يرجع للإباحة

ولكن ما العمل إذا ما تغيّب النص الديني القطعي ولم يثبت الطب الضرر؟ هل نتمسّك بمبدأ عدم المساس بسلامة الجسد أم نترك الأمر للإختيار الشخصي؟

بعد أن إستنتج أن لا أساس شرعي لختان الإناث، يقول شلتوت في فتواه الأولى:

«الشريعة تقرّر مبدأ عامّاً وهو: إنه متى ثبت بطريق البحث الدقيق - لا بطريق الآراء الوقتية التي تُلقى تلبية لنزعة خاصّة، أو مجاراة لتقاليد قوم معيّنين - أن في أمر ما ضرراً صحّياً، أو فساداً خلقيّاً، وجب شرعاً منع ذلك العمل دفعاً للضرر أو الفساد. وإلى أن يثبت ذلك في ختان الأنثى فإن الأمر فيه على ما درج عليه الناس وتعوّدوه في ظل الشريعة الإسلاميّة، وعلم رجال الشريعة من عهد النبوّة إلى يومنا هذا، وهو أن ختانها مَكرُمَة، وليس واجباً ولا سُنّة» [802] .

ويقول الشيخ إبراهيم حمروش:

«إذا أريد تقرير المنع من ختان المرأة فلا بد أن يعلم بطريق صحيح أن العلم يثبت أن في ختانها إضراراً بها حتّى يمكن القول بالمنع» [803] .

وبعد أن قرّر: «إتّفقت كلمة فقهاء المسلمين على أن ختان الصبيان سُنّة، وأمّا ختان البنات فقيل إنه ليس سُنّة وإنّما مَكرُمَة للرجال، وقيل أنه سُنّة» أضاف عبد الوهاب خلاّف:

«إن آراء الأطبّاء في ختان البنات لا تخالف نصّاً في الإسلام، ولا تناقض حُكماً أجمع عليه فقهاء المسلمين. وإنّما الذي يجب على الأطبّاء أن يوسّعوا دائرة الإستقراء، وأن لا يحكموا بأن ختان البنت ضار بناء على حالات فرديّة، وأن يقارنوا من الوجهة الصحّية بين من ختنت ومن لم تختتن. فإذا تمّموا هذا الإستقراء وكانت النتيجة أن ختان البنت ضار بها ورأوا منعه فهذا المنع لا يعارض نصّاً في الدين، ولا إجماعاً من فقهاء المسلمين» [804] .

ويرى عويس، نائب رئيس محكمة النقض المصريّة:

«أن يترك للأنثى حق إجراء هذه العمليّة بعد بلوغها سن الرشد إحتراماً لآدميتها وتقديراً لها وخاصّة أنه لم يثبت رأي علمي يعتد به يشير إلى أن هناك خسارة أو مانع طبّي يحول دون إجراء هذه العمليّة بعد بلوغ الأنثى» [805] .

ولكن العوّا يرفض موقف المبيحين. فهو يقول: «المطلوب بيان حُكم الشرع، وحُكم الشرع هو تحريم قطع عضو من الإنسان لغير سبب شرعي. يدخل في السبب الشرعي إباحة التطبيب عند وجود سببه. وأعضاء الجسم لم تخلق عبثاً ولم يحدّد الإنسان وظائفها حتّى يباح له التدخّل في إبقائها وإزالتها» [806] . ويضيف بأنه من الغلط القول بأن ختان الإناث يدخل ضمن الإباحات «فليس هناك حديث واحد صحيح يبيحه». ولا يمكن إباحته على أساس الضرورة الطبّية، لأنه لا ضرورة طبّية له، ولا على أساس العفّة، لأن ذلك «يحرم المرأة من المتعة الحلال ويبغض الزوجين أو المرأة على الأقل في العلاقة الزوجيّة التي هي أساس بقاء الجنس البشري، ومظهر هام من مظاهر المودّة الحميمة بين الزوجين، فتصبح مصدر تعاسة وخلاف وشقاء بدلاً من كونها - في أصل وضعها الربّاني وممارستها الإنسانيّة - مصدر سعادة ووفاق وهناء» [807] .

ويرفض محمّد رمضان «الإدّعاء بأن الطب مختلف في فائدة أو ضرر ختان - خفض الإناث» لأنه «قول غير صحيح مطلقاً». فعدم وجود أيّة فائدة من هذه العادة والضرر المتحقّق منها حقيقة علميّة. أمّا إختلاف بعض الأطبّاء، فإن بعضهم، وهم قلّة، ومن غير المتخصّصين في علم الجنس والتناسليات human sexuality أو متأثّرين في نشأتهم بهذه العادة، يذهبون إلى عكس ذلك وتأييد الخفض» [808] .

7) الأسباب الطبّية والنفسيّة والإجتماعيّة الأخرى

هناك أسباب طبّية ونفسيّة واجتماعيّة أخرى لها صلة بطريقة أو بأخرى بالدين وراء ختان الذكور والإناث. ونكتفي هنا بذكر أن هناك جدل كبير بين مؤيّدي ومعارضي ختان الذكور والإناث حول علاقة الختان بالفضيلة واللذّة الجنسيّة وسيطرة الرجل على المرأة وأثره على المجتمع. وهذه النقاط سوف تكون محل دراسة في الجزأين القادمين.

الفصل السابع: النتائج المترتّبة على عدم الختان في الشريعة

1) عقاب مخالفة الشريعة

كما هو الأمر عند اليهود، يرى رجال الدين المسلمون أن الشريعة هي التي تقرّر ما هو شر وما هو خير وهي التي يجب أن يتّبعها الإنسان. فالله هو المشرّع الذي يسن ما يجب على المرء عمله أو تفاديه. وكما عند اليهود، مخالفة الشريعة لها عواقبها في رأي رجال الدين المسلمين. فالشيخ الشعراوي يقول فيمن يرفض تطبيق الشريعة الإسلاميّة:

«وأنا لو لي من الأمر شيء، أو لي من حُكم تطبيق منهج الله شيء لأعطيت سنة حرّية فيمن يريد أن يرجع عن إعلان إسلامه أن يقول: أنا غير مسلم. وأعفيه من حُكم الدين في أن أقتله قتل المرتد» [809] .

وقد تم فعلاً قتل المفكّر المصري فرج فودا في 7 يونيو 1992 على يد شخص ينتمي إلى جماعات إسلاميّة بسبب موقفه الرافض من تطبيق الشريعة الإسلاميّة. وقد برّر الشيخ محمّد الغزالي (توفّى عام 1996) هذا القتل في شهادته أمام محكمة أمن الدولة المصريّة [810] . كما قرّرت محكمة مصريّة تطليق الأستاذ الجامعي أبو زيد من زوجته بسبب محاولة تقديم تفسير للقرآن يختلف عن تفسير رجال الدين. وقد أقرّت محكمة النقض المصريّة هذا الحُكم في قرارها الصادر في 5 أغسطس 1996 [811] . وقد فر كل من أبو زيد وزوجته من مصر إلى هولندا خوفاً على حياتهما بعد أن إتّهمه المتزمّتون بالردّة.

وكما هو الأمر بالنسبة للأوامر الدينيّة الأخرى، للختان نتائج تختلف حسب تصنيفه الفقهي. فالذين يعتبرون الختان أمراً مباحاً، لا يرتِّبون على تركه أيّة نتيجة دينيّة أو دنيويّة. والذين يعتبرونه مستحبّاً (أو مندوباً)، يأثِّمون من يتركه. والذين يعتبرونه واجباً، يبنون على ذلك عواقب وخيمة تصل إلى قتل من يتركه، كما أنهم يقدحون في صلاته وإمامته للصلاة وشهادته وذبيحته وزواجه ويرفضون دفنه في مقابر المسلمين (كما سنرى في الفصل القادم). أمّا الذين يحرّمون الختان، خاصّة ختان الإناث، فإنهم يرون ضرورة معاقبة من يقوم به. وهذا ما سنراه في النقاط التالية ضمن النقاش الديني، تاركين موقف القانون الوضعي في أيّامنا من الختان إلى الجزء الخامس.

2) الختان بين المباح والمستحب

إن الذين يقولون أن الختان مباح أو مستحب، (أو مندوب) يعنون فقط ختان الإناث الذي يدور الجدل حوله. أمّا ختان الذكور، فهو في نظرهم من المسلّمات. والذين يبيحون أو يستحبّون ختان الإناث قديماً أو حديثاً، يرون أن القرار ليس بيد من تمارس هذه العمليّة عليها، بل بيد وليّها الذي قد يكون والدها عندما تكون قاصرة، أو زوجها بعد بلوغها. فإذا قرّر الولي ذلك، فهو يفرضه عليها فرضاً ولا يتركها تقرّر بذاتها.

يقول الدكتور زكريّا البرّي:

«إن عدم ختان المرأة لا يترتّب عليه إثم ديني، إذا كان بناء على ما يرجّحه المسلم أو يطمئن إليه على ضوء النصوص الدينيّة، ونصيحة الطبيبات والأطبّاء والأمناء المختصّين» [812] .

ويقول الدكتور محمّد رمضان:

«ليس هناك دليل شرعي قوي يوجب أو يؤكّد على ممارسة هذه العمليّة - ختان أو خفض البنات - بل لا يوجد ما يدل على أنه سُنّة. حتّى لو أخذنا بالروايات الضعيفة الواردة، فكل ما تؤدّي إليه أنه مباح. وتارك المباح أو المندوب في رأي الفقهاء ليس عليه إثم» [813] .

ويقول الشيخ حسن مراد منّاع:

«ترك الختان للبنات لا يوجب الإثم كما أن من إختار الختان لا إثم عليه كذلك بل فعل السُنّة» [814] .

ويقول محمّد إبراهيم سالم، رئيس المحكمة العليا الشرعيّة، أن ختان البنات «ليس فرضاً، ولا واجباً ولا سُنّة بل هو مندوب من الخير عمله ولا عقاب على تركه» [815] .

أمّا الطنطاوي فيقول:

«إن الفقهاء إتّفقوا على أن الختان في حق الرجال، والخفاض في حق النساء أمر مشروع، ثم إختلفوا في وجوبه. فقال الإمامان أبو حنيفة ومالك هو مسنون في حقّهما وليس بواجب وجوب فرض ولكن يأثم بتركه تاركه» [816] .

3) الختان واجب يجبر ويقتل تاركه

التيّار الذي يرى وجوب الختان يقول بإمكانيّة تنفيذه جبراً على البالغ الذي يرفض ذلك. وإذا أمعن في رفضه دون عذر مقبول، يحق قتله. وهذا ينطبق على ختان الذكور، وعند بعضهم أيضاً على ختان الإناث.

يذكر إبن مودود عن الطحاوي (توفّى عام 933) قوله:

«والختان للرجال سُنّة وهو من الفطرة وهو للنساء مَكرُمَة فلو إجتمع أهل مصر على ترك الختان قاتلهم الإمام لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه» [817] .

ويقول النزوي:

«إن الختان واجب على كل مسلم لقول النبي (ص) لعبد الله بن عبّاس حين أسلم، ألق عنك شعر الكفر واختتن. قال قتادة وسمعته يأمر من أسلم أن يختتن ولو كان إبن ثمانين سنة [...]. ومن أمر بالختان فلم يفعل قتل، ولا يقتل حتّى يبالغ في التأنّي به، وأمّا النساء فليس عليهن واجباً ويؤمرن بذلك إكراماً لأزواجهن وليس هن كالرجال فالختان للنساء مَكرُمَة وللرجال سُنّة وقيل فريضة» [818] .

ويقول الأنصاري:

«يجب الختان في حي بعد البلوغ والعقل لانتفاء التكليف قَبلهما فيجب ذلك فوراً بعدهما ما لم يخف فيه فيؤخّر إلى أن يغلب على الظن السلامة منه ويأمره الإمام به حينئذ، فإن إمتنع أجبره عليه» [819] .

ويقول البهوتي: «وإن ترك الختان من غير ضرر وهو يعتقد وجوبه فسق [...] لإصراره على ذلك الذنب» [820] . وهو يرى أن لولي الأمر أن يأمر من لم يختتن [821] .

ويعيد علينا الرستاقي (قرن 17) قول النزوي [822] السابق الذكر مضيفاً:

«أن لأب الصبي أن يجبره على الختان إذا كره الصبي ذلك. ولا بأس على الصبي بالختان ما لم يبلغ حتّى يقع عليه الخطاب. والعبد واجب على سيّده ختانه وأن يأمر بذلك إذا كان بالغاً، وإن كان صبيّاً فليس عليه ذلك. وقال محمّد بن الحسن إن الصبيّة اليتيمة تأمر أمّها أو من يقوم بأمرها أن يختنوها» [823] .

هذا ونشير إلى أن سحنون يرفض إعفاء الشخص من الختان حتّى وإن كان في ذلك خطر عليه فهو «كالذي يجب عليه القطع في السرقة أنه لا يترك قطعه من أجل أنه يخاف على نفسه» [824] .

وفي عصرنا، أعاد شيخ الأزهر جاد الحق في فتواه الأولى مرّتين العبارة التالية:

«والختان للرجال سُنّة وهو من الفطرة وهو للنساء مَكرُمَة فلو إجتمع أهل مصر على ترك الختان قاتلهم الإمام لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه».

وأمّا في فتواه الثانية، فقد أعادها ثلاث مرّات. وهذا الأمر ينطبق حسب هذه الفتوى على ختان الذكور وختان الإناث [825] . أمّا القرضاوي، فيسن القتال فقط على من يرفض ختان الذكور:

«أمّا الختان للذكور فهو من شعائر الإسلام، حتّى قرّر العلماء أن الإمام لو رأى أهل بلد تركه لوجب عليه أن يقاتلهم حتّى يعودوا إلى هذه السُنّة المميّزة لأمّة الإسلام» [826] .

والدكتور يحيى إسماعيل، الأمين العام لجبهة علماء الأزهر يقول:

«إن الذين ذهبوا إلى القول بالإستحباب قالوا: إنه من الفطرة ومن شعائر الإسلام، وأنه لو أجمع أهل بلدة على تركه حاربهم الإمام كما لو تركوا الأذان» [827] .

وهكذا نرى أن القتل يجري حتّى في حالة إعتبار الختان مستحبّاً فقط وليس واجباً. ويذكر الصبّاغ في كتاب ضد ختان الإناث آراء الفقهاء في ختان الذكور وفي نهايتها يقول: «وقد ذكر كثير من العلماء أنه (أي ختان الذكور) من شعائر الإسلام وخصائصه. فلو أجمع أهل بلدة على تركه حاربهم الإمام كما لو تركوا الأذان» [828] .

ويقول المرصفي:

«الكبير الذي لم يختتن، سواء أكان مسلماً وترك الإختتان حتّى كبر، أم أسلم وهو غير مختون، فالحُكم الذي نراه في هذا [...] أنه يجب عليه الختان، ويجبر عليه إن أباه وامتنع منه، لكن ذلك مشروط بسلامة العاقبة، فإن خيف عليه الهلاك، وقرّر ذلك طبيب مسلم عدل، فإنه يسقط عنه وجوب الإختتان، كما يسقط الصوم عن الشيخ الكبير الذي لا يقوى عليه» [829] .

ومؤيّدو الختان يعتبرون الذين ينكرون ضرورة ختان الذكور خارجون عن الشريعة ومرتدّون يستحقّون أيضاً القتل. وهذا هو أحد أسباب تقديم القاضي الليبي مصطفى كمال المهدوي للمحاكمة بالردّة. وقد طالب واعظ الجامع النبوي في المدينة المنورة إصدار فتوى من رجال الدين المسلمين بردّة المهدوي وحرق كتابه كما ذكرنا سابقاً. وكثيراً ما نقرأ في كتابات مؤيّدي ختان الإناث إتّهامات خطيرة ضد معارضيهم. فهم في نظرهم خونة متعاملون مع الغرب ضد الإسلام ويريدون المساس بشرف المرأة وبالمجتمع. وسوف نعود إلى ذلك في الجزء القادم عندما نتكلّم عن الختان والسياسة. ونعيد القارئ إلى مزيد من التفاصيل بخصوص من يعتنق الإسلام في فصلنا القادم.

4) القدح في صلاة وإمامة وحج وشهادة وذبيحة الأغلف

يقدح الفقهاء في صلاة وإمامة وشهادة وحج وذبيحة الأغلف إذا كان راغباً عن الختان. ولكنّهم لم يذكروا دائماً شرط عدم وجود العذر في كتاباتهم. لذا لا يمكن معرفة ما إذا كانوا يقبلون غير المختون الذي لا عذر له. ونحن نستشهد ببعض أقوالهم بالتسلسل حسب سنة الوفاة.

يعلّق البخاري على الآية «اليوم يحل لكم الطيّبات وطعام الذين أتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم» (المائدة 5:5):

«قال الزهري: لا بأس بذبيحة نصارى العرب، وإن سمعته يسمّي لغير الله فلا تأكل، وإن لم تسمعه فقد أحّله الله لك وعلم كفرهم. ويذكر عن علي نحوه. وقال الحسن وإبراهيم: لا بأس بذبيحة الأغلف» [830] .

ويروى الشيخ الصدوق (توفّى عام 991) حديث لأبي الجوزاء:

«الأغلف لا يؤم القوم وإن كان أقرأهم لأنه ضيّع من السُنّة أعظمها ولا تُقبل له شهادة ولا يُصلّي عليه إذا مات إلاّ أن يكون ترك ذلك خوفاً على نفسه» [831] .

وقد جاء في الهداية للمرغيناني (توفّى عام 1197):

«وتُقبل شهادة الأغلف لأنه لا يخل بالعدالة إلاّ إذا تركه إستخفافاً بالدين لأنه لم يبقى بهذا الصنيع عدلاً» [832] .

وينقل إبن قدامة قول إبن عبّاس: «لا تؤكل ذبيحة الأغلف، وعن أحمد مثله» ولكنّه يضيف:

«والصحيح إباحته فإنه مسلم فأشبه سائر المسلمين. وإذا أبيحت ذبيحة القاذف والزاني وشارب الخمر مع تحقيق فسقه، وذبيحة النصراني وهو كافر أغلف، فالمسلم أولى» [833] .

ويذكر القرطبي عن عكرمة: «لم يطف بالبيت بعدُ على مِلّة إبراهيم إلاّ مختوناً» [834] . ويضيف:

«إستحب العلماء في الرجل الكبير يسلم أن يختتن. وكان عطاء يقول: لا يتم إسلامه حتّى يختتن وإن بلغ ثمانين سنة. وروي عن الحسن أنه كان يرخّص للشيخ الذي يسلم ألاّ يختتن، ولا يرى به بأساً ولا بشهادته وذبيحته وحجّه وصلاته [...] وروي عن إبن عبّاس وجابر بن زيد وعكرمة: إن الأغلف لا تؤكل ذبيحته ولا تجوز شهادته» [835] .

ويقول النووي:

«ذبيحة الأغلف مذهبنا أنه حلال. وبه قال جماهير العلماء. وقد إحتجّوا بعموم قول الله: «فكلوا ممّا ذكر إسم الله عليه» (الأنعام 118:6). وبأن الله أباح ذبائح أهل الكتاب ومنهم الأغلف فالمسلم أولى» [836] .

ويعيد القرّافي (توفّى عام 1285) قول إبن العبّاس: لا تؤكل ذبيحة الأغلف ولا تُقبل صلاته وترد شهادته ويذكر عن النبي قول: لا يحج البيت حتّى يختتن. وينقل عن مالك: من ترك الختان من غير عذر لا تجز إمامته ولا شهادته لأنه ترك المروءة وهي تقدح فيهما [837] .

وينقل البهوتي عن أحمد أن إبن العبّاس كان يرى عدم صلاة وحج غير المختون [838] . ولكن البهوتي يقول إن الحنابلة يرون أنه تصح الصلاة خلف الأغلف لأنه ذكر مسلم عدل قارئ فصحّت إمامته كالمختتن [839] .

ويرى الرستاقي ضرورة إعادة صلاة الأغلف:

«سئل عبد الله عن الرجل يبقى من ختانه شيء لم يكن أوتي عليه أيكون أغلف أم لا. قال إن كانت الحشفة ظاهرة أو شيء منها فليس هو أغلف. وإن لزمه إعادة الختان لزمه بدل الصلوات التي صلاّها وهو أغلف مذ بلغ رجلاً. وأمّا شهر رمضان فلا نرى عليه فيه إعادة» [840] .

وما زال الكتّاب المسلمون يكرّرون علينا في أيّامنا ضرورة الختان للصلاة:

«إذ إن وجود الغلفة كما هي يؤدّي إلى النجاسة الدائمة نتيجة المفرزات الدهنيّة والسيلان الشحمي المقزّز للنفس ممّا ينجم عنه الرائحة المنتنة الكريهة، فضلاً عن وجود سلس البول، وهذا كلّه يقدح في صحّة الصلاة، ومن ثم تكون إزالته واجبة لأن ما يؤدّي إلى الواجب فهو واجب» [841] .

ونجد قولاً مشابها بخصوص ختان الإناث عند الدكتورة نور السيّد رشاد [842] . ونعيد القارئ إلى ما قلناه في الفصل السادس بأن الختان هو تطهير من النجاسة وأثر ذلك على الصلاة.

5) القدح في زواج الأغلف

رأينا سابقاً كيف أن اليهود قد جعلوا الختان شرطاً للزواج. ونحن نجد صدىً لهذا الفكر اليهودي عند بعض الفقهاء المسلمين.

وقد توسّع الرستاقي في هذا الموضوع. فهو يقول إنه إذا تزوّج أغلف بامرأة ودخل بها قَبل أن يختتن، فرّق بينهما. وإذا إختتن بعد زواجه ولكن قَبل أن يدخل بها، فهناك رأيين: رأي لا يفرّق بينهما، ورأي يفرّق بينهما ويفرض عليه أن يتزوّجها بعد الختان بنكاح جديد. وإذا كان للزوج عذر لعدم الختان كالمشرك الذي يسلم في الشتاء فخاف على نفسه إذا إختتن من البرد، هناك من يقبل عذره وهناك من لا يقبله. والمسلم الأغلف لا يحق له الزواج لا من مسلمة ولا من ذمّية «لأنه ما لم يختتن فيشبه [...] المجوسي من المشركين لا بأهل الكتاب. قال النبي: من تشبّه بقوم فهو منهم». ويذكر الرستاقي هنا قول إبن عبّاس أن الأغلف لا يزوّج. ويضيف الرستاقي أن الأغلف المسلم لا ولاية له، لا بتزويج نفسه ولا بتزويج أحد من نسائه. فإن زوَّج الأغلف إمرأة فُرّق بينها وبين زوجها إلاّ إذا دخل فيها. وإن كان الأغلف أحد الشاهدين على النكاح لم يجز النكاح [843] .

وفيما يخص ختان الإناث، يقول البهوتي إن للزوج الحق في إجبار زوجته المسلمة عليه كإجبارها على الصلاة [844] .

وبعد أن إستعرض آراء الفقهاء القدامى، أبدى السكّري رأيه كما يلي:

«إذا قد ثبت لنا بالدليل القاطع أن وجود الغلفة عيب منفر لأنه جماع الأقذار والأوساخ، فإنه ممّا لا شك فيه أن هذا العيب يثبت للزوجة الخيار في أن تفسخ عقد النكاح فيما بينها وبين زوجها للأسباب الآتية:

أوّلاً: إن الغلفة وإن كانت لا تمنع الإستمتاع بين الزوجين إلاّ أنه يثبت بها إنتقال المرض أو يخشى تعدّيه إلى الزوجة [...] لا سيما وأن هذا الموضع ذو حساسيّة شديدة تستقبل العدوى بيسر وسهولة.

ثانياً: إن الزواج شُرِّع في الإسلام لأجل تحقيق غايات سامية، أبرزها المودّة والرحمة بين الزوجين، فضلاً عن تحقيق الإحصان بالعفّة عن المحرّمات.

ومن ثم فإن عدم ختان الزوج منفر للزوجة ومقزّز لنفسها فيحصل التنافر بين الزوجين، ويحل الشقاق محل الود والوئام وبالتالي تتفكّك الأسرة وينحرف أفرادها.

ثالثاً: إن المرأة دائماً تتطلّع إلى زوجها كقدوة وأمل لها في حياتها. فهي تريد أن ترى منه كل ما يحبّبها فيه من حسن جمال الصورة، وطيّب ريحه وجميل معاشرته لها ظاهراً وباطناً، تماماً كما يتطلّع هو إلى ذلك. وعدم نظافته بالإبقاء على غلفته بما لها من روائح كريهة وأضرار صحّية مناف لذلك كلّه. وبالتالي يؤثّر على العلاقة بين كل منهما.

وممّا يؤثر عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه في هذا السبيل قوله: «يعمد أحدكم إلى إبنته فيزوّجها القبيح!! إنهن يحببن ما تحبّون» وفي رواية: «لا تكرهوا فتياتكم على الذميم من الرجال فإنهن يحببن من ذلك ما تحبّون».

وبعد فإننا نخلص من هذا إلى أن الراجح والذي نختاره من الآراء هو الرأي [...] القائل بثبوت الخيار للزوجة التي زوجها أغلف لأن الإسلام دين النظافة والطهارة ويرفض الأوساخ والأقذار» [845] .

وقد أعتُبِر الختان بين المسلمين ضرورة للزواج حتّى في زمن إضطهادهم في إسبانيا قبل خروج المسلمين منها. ففي عام 1582 تم حرق مسلم (مورسكي) في مدينة «سورجوس» لأنه ختن نفسه إرضاءاً لصهره الذي فرض عليه هذا الشرط قَبل موافقته على زواجه من أخته [846] .

وتقول نعمت أبو السعود أن في مصر تحت الإحتلال التركي كان إذا حدث وتزوّج رجل تركي من إمرأة مصريّة، تصر الزوجة على طهارة بناتها. وكان يحدث أيضاً إذا تزوّجت إمرأة تركيّة من رجل مصري أن تجري لها عمليّة الختان قَبل زواجها منه. كما كان يحدث حين يتزوّج رجل سوداني من إمرأة مصريّة أن يصر الزوج على ختان بناته على الطريقة السودانيّة [847] .

وقد ذكر بوحديبة: «وقد تقبّلت تونس في السنوات الأخيرة إحتمال زواج المسلمة بغير المسلم، والغريب أن ما إستهجنه البعض إنحصر في كيفيّة مضاجعة رجل غير مختن لامرأة مسلمة» [848] . ولنا عودة لهذا الموضوع في الجزء القادم عندما نتكلّم عن علاقة الختان بالزواج.

6) حالات تجريم الختان

ختان الذكور والإناث عمليّة مؤلمة تؤدّي إلى قطع عضو سليم. وهذا بحد ذاته لم يعتبره الفقهاء القدامى محل تأثيم أو عقاب إذ يدخل فيما تأمر به الشريعة أو تبيحه في حدود تعارف عليها الفقهاء، وهي عند الذكر قطع الغلفة، وعند الأنثى قطع جزء من الجلدة التي تكون في أعلي الفرج دون إستئصال عملاً بالحديث «أشمّي ولا تُنهِكي». وسوف نعود إلى تفاصيل ذلك في الفصل القادم.

ولكن عمليّة الختان قد تؤدّي إلى الخروج عن هذه الحدود. فبدلاً من قطع الغلفة قد يتم قطع الحشفة. كما أنها قد تؤدّي إلى الوفاة. وقد تعرّض الفقهاء لهذه الحالات لتحديد «الضمان»، أي مدى مسؤوليّة الخاتن وولي الأمر في حال تعدّي الحدود. وهم يعيرون إهتماماً أكبر بحالات الوفاة من حالات التشويه، وبختان الذكور من ختان الإناث. وحديثاً أخذ التيّار المعادي لختان الإناث يطالب في تجريم جميع أنواع ختان الإناث.

أ) تجريم الخروج عن الحدود

يقول النزوي:

«ولا يسع الرجل ألاّ يختن ولده حتّى يبلغ إلاّ من عذر، والمأمور به أن يختنه كفعل المسلمين في أولادهم، فإن ختنه وهو طفل يرضع [...] ومات الصبي في ذلك الختان، وكان ختنه في حال يختن مثله من الأطفال فيه لم يلحقه شيء ولا إثم عليه ولا ضمان. ولزم الوالد والجد والأم ختن الولد قَبل البلوغ والبنت، فإن ماتا من ذلك فلا بأس على من ختنهما من أوليائهما» [849] .

ويبدأ إبن قيّم الجوزيّة كلامه عن الضمان في الختان بذكر الآية «ما على المحسنين من سبيل» (التوبة 91:9) والحديث النبوي «من تطبّب ولا يعلم منه طب فهو ضامن» [850] . وكلمة التطبّب تدل على تكلّف الشيء دون إتقانه. ويضيف:

«جناية يد الخاتن فمضمونة عليه أو على عاقلته كجناية غيره. [...]. فإن لم يكن من أهل العلم بصناعته ولم يعرف بالحذق فيها، فإنه يضمنها لأنها سراية جرح لم يجز الإقدام عليه»ز

ويذكر قول أبو حنيفة:

«إن كان الخاتن عارفاً بالصناعة وختن المولود في الزمن الذي يختتن في مثله وأعطى الصناعة حقّها لم يضمن سراية الجرح إتّفاقاً كما لو مرض المختون من ذلك ومات. فإن أذن له أن يختنه في زمن حر مفرط أو برد مفرط أو حال ضعف يخاف عليه منه، فإن كان بالغاً عاقلاً لم يضمنه، لأنه أسقط حقّه بالإذن فيه. وإن كان صغيراً ضمنه لأنه لا يعتبر إذنه شرعاً. وإن أذن فيه وليّه، فهذا موضع نظر هل يجب الضمان على الولي أو على الخاتن» [851] .

ويقول الأنصاري أن ولي الأمر «لا يضمنه لو مات إلاّ أن يفعله به في شدّة حر أو برد فعليه نصف ضمانه» [852] . وفي مكان آخر يقول:

«من ختنه في سن لا يحتمله لضعف ونحوه أو شدّة حر أو برد فمات لزمه قصاص لتعدّيه بالجرح المهلك. نعم إن ظن كونه محتملاً له فالمتّجه عدم القود لانتفاء تعدّيه. إلاّ والداً وإن علا لما مر أنه لا يقتل بولده. نعم تلزمه ديّة مغلظة في ماله لأنه عمد محض وكذا مسلم في كافر وحر لقن لما مر من عدم قتله به أيضاً. فإن إحتمله وختنه ولي ولو وصياً وقيماً فلا ضمان في الأصح لإحسانه بتقديمه إذ هو أسهل عليه ما دام صغيراً، بخلاف الأجنبي لتعدّيه ولو مع قصد إقامة الشعار [...]. نعم إن ظن الجواز وعذر بجهله فالقياس عدم وجوب القود. وكذا خاتن بإذن أجنبي ظنّه ولياً فيما يظهر» [853] .

ويقول البهوتي إنه ليس لولي الأمر أن يأمر بالختان من لم يختتن. فإن أمر به في حر أو برد أو مرض يخاف من مثله الموت من الختان، فتلف المختون بسببه ضمنه ولي الأمر لأنه ليس له أن يأمر به. ونفس الأمر إذا زعم الأطبّاء أنه يتلفه أو ظن تلفه. ويعتبر ذلك من خطأ الإمام [854] . ويضيف بأن الخاتن يضمن إذا أذن له الولي، وكان حاذقاً، ولكن جنت يده، ولو خطأ، مثل إن جاوز قطع الختان فقطع الحشفة أو بعضها أو غير محل القطع، أو قطع بآلة يكثر ألمها أو في وقت لا يصلح القطع فيه لأن الإتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ. والضمان واجب أذن الولي بذلك أو لم يأذن [855] .

ويعيد الرستاقي قول النزوي [856] السالف الذكر مضيفاً:

«من إحتسب في يتيم فختنه فنزح به الدم حتّى مات، فإن كان له ولي من قرابته أو وصي من أبيه ولم يأمره فعل ذلك من غير رأيهم فلا نأمن عليه من الضمان ولزوم الديّة في ماله. وإن فعل ذلك إحتساباً أو اليتيم ليس له وصي ولا ولي وكان الصبي ممّن يحمل ذلك ويقدر عليه وكان ذلك من مصالحه في الحد الذي يتعارف أن مثله يختتن، فأحسب إنّا حفظنا أنه لا ضمان عليه. ولعّل بعضاً يذهب أن الصبي غير متعبّد بذلك وأن الحسبة لا تكون في ضرر اليتيم حين وقوعه عليه. وأمّا ما لا ضرر عليه فيه فلا حسبة فيه ما لم ينزل به الضرر في نفسه فتكون المعالجة في إزالة الضرر. وبعض يذهب إلى جواز الحسبة في مثل هذا إذا لم يكن لليتيم وصي ولا ولي يقوم به ولا يكون المحتسب متعدّياً في مثل هذا وربّما أدّى ترك الختان لليتيم إلى ضرر لليتيم وفوات شيء من الطهارات» [857] .

ويقول الدسوقي (توفّى عام 1815):

«إذا ختن الخاتن صبيّاً أو سقى الطبيب مريضاً دواء أو قطع له شيئاً أو كواه فمات من ذلك فلا ضمان على واحد منهما لا في ماله ولا على عاقلته لأنه ممّا فيه تغرير فكأن صاحبه هو الذي عرّضه لما أصابه وهذا إذا كان الخاتن أو الطبيب من أهل المعرفة ولم يخطئ في فعله. فإذا كان أخطأ في فعله والحال أنه من أهل المعرفة فالديّة على عاقلته. فإن لم يكن من أهل المعرفة عوقب» [858] .

ويقول إبن عابدين (توفّى عام 1836): «إذا أمر ليخن صبيّاً فقطع الحشفة ولم يمت الصبي فعليه ديّة الحشفة كاملة وهي ديّة النفس» [859] .

كل ما سبق يخص ختان الذكور. وفيما يخص ختان الإناث، ينقل إبن حزم (توفّى عام 1064) أقوال الفقهاء أنه يقضى «في شفر قَبل المرأة إذا أوعب حتّى يبلغ العظم نصف ديّتها وفي شفريها بديّتها إذا بلغ العظم [...]. في ركب المرأة [منبت العانة] إذا قطع بالديّة من أجل أنها تمنع من لذّة الجماع». ويذكر أيضاً أن الشافعي يقضي «في العفلة [بظر المرأة] إذا بطل الجماع الديّة وفي ذهاب الشفرين كذلك» [860] .

وكما هو واضح من هذا القول، فإنه لا يخص مباشرة ختان الإناث وإن إعتمد عليه أحد معارضي ختان الإناث في أيّامنا كما سنرى.

والكتّاب المسلمون المعاصرون الذين يؤيّدون ختان الإناث يكتفون بالقول بضرورة عدم الإنهاك عملاً بالحديث النبوي المعروف [861] . وهنا لا إثم ولا عقاب. ولكنّهم غير متّفقين على مدى القطع كما سنرى لاحقاً. وهم يعتبرون أن ما يزيد عن ذلك يعتبر مخالفاً للشريعة الإسلاميّة. إلاّ أنهم قليلاً جدّاً ما يشيرون إلى العقاب لهذه المخالفة. فهم عامّة يكتفون بالإستنكار واعتبار أن الضرر الناتج عن هذه المخالفة سببه «الجهلة» [862] وأولياء الفتيات الذين «يستجلبون من لا خبرة لهن ولا دراية في خفض البنات إقتصاداً في النفقات» [863] و«الممارسة السيّئة التي تتم بها العمليّة» [864] . فالمرصفي يطيل في عرض عقوبة عدم ختان الذكور وضمان قطع حشفة الصبي أو موته. ولكنّه لا يذكر أيّة عقوبة لختان الإناث غير السُنّي مثل الختان الفرعوني ويكتفي بالقول إن هذا النوع «مردود شرعاً لأنه تغيير لخلق الله» [865] . والسيّد يقول عن الختان الذي يجري في السودان: «هذا حرام في دين الله، وفعل ما أنزل الله به من سلطان» [866] .

والذين يشيرون إلى عقاب التعدّي في ختان الإناث، يفعلون ذلك على إستحياء. فهذا الدكتور البرّي، بعد أن قرّر أن الختان لا يأثم تاركه، أضاف: «إن بعض النساء في بيئات متخلّفة يبالغن في ختان البنت مبالغة تدخل أحياناً في نطاق الجريمة المعاقب عليها شرعاً» [867] . وجاد الحق يعيد علينا في فتواه الأولى الحديث النبوي «أشمّي ولا تُنهِكي» مضيفاً: «كل ما هنالك ينبغي البعد عن الخاتنات اللاتي لا يحسن هذا العمل»، ولا يذكر ما هو جزاء مخالفة هذا الأمر. وفي فتواه الثانية: يقول إن «الواجب الإتّباع» في ختان الإناث هو «قطع الجلدة أو النواة فوق رأس البظر»، مضيفاً: «إتّفق الفقهاء على تضمين الخاتن إذا مات المختون بسبب سراية جرح الختان، أو إذا جاوز القطع الحشفة أو بعضها، أو قطع في غير محل القطع. وحُكمه في الضمان حُكم الطبيب، أي أنه يضمن من التفريط أو التعدّي، وكذلك إذا لم يكن من أهل المعرفة بالختان». وكل الأمثلة التي يعطيها من الفقهاء القدامى تصب في حالة الوفاة وفي حالة قطع الحشفة. ولا يدخل في التفاصيل فيما يخص ختان الإناث [868] .

وسكوت مؤيّدي ختان الإناث عن العقوبة في حالة تعدّي الحدود خطير جدّاً إذا ما عرفنا أن أكثر حالات الختان التي تتم مثلاً في مصر تدخل ضمن الإنهاك المنهي عنه، وأن الأضرار والتعقيدات الطبّية الناتجة عن الختان، ختان الذكور مثل ختان الإناث، يتم التستر عليها، حتّى عندما تكون النتيجة موت الضحيّة. وقد كتب سليمان فيّاض قصّة بليغة في هذا المعنى حول إمرأة فرنسيّة تزوّجت من مصري. فعند زيارتها لقريته قامت نساء القرية بختانها قهراً عند غياب زوجها [869] . وقد ذكرنا في شهادة سابقة حالة تستر على وفاة مصريّة. والأخطر من كل ذلك هو محاولة مؤيّدي ختان الإناث عرض هذه العمليّة وكأنها عمليّة تمّت عبر العصور دون مشاكل وأن الأضرار التي تنسب إليها هي مجرّد إدّعاءات [870] .

والتفصيل الوحيد الذي وجدناه في عقاب ختان الإناث هو عند الدكتور السوداني الأمين داوود. وهذا العقاب يخص تحديداً الختان الفرعوني. يقول:

«الرجل الذي يسمح أن تخفض إبنته بهذه الطريقة المعروفة في السودان اليوم، وهي الخفاض الفرعوني، ملعون في رأي الشريعة الإسلاميّة، ومرتكب لجناية من الجنايات ولكبيرة من الكبائر. وقل مثل ذلك في الأم والخافضة. ومن البلاهة والغباء أن يقول الأب: لا أتدخّل في هذا لأنه من شأن النساء، ويهمل قول (ص): «كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته»، حيث أشرك حديث الصحيحين هذا الأبوين في المسؤوليّة. وقوله (ص): «من رأى منك منكراً فليغيّره بيده. فإن لم يستطع فبلسانه الخ...». والأب يستطيع تغيير المنكر بأن يرفع دعوى على الخافضة - ولو كانت أمّه - ويقدّمها للمحاكم. وهو يثاب على ذلك عند الله إن شاء الله، لامتثاله الأمر بتغيير المنكر في المجتمع، ولامتثاله لقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين [...] إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما» (النساء 135:4) [871] .

والدكتور الأمين داوود، رغم أنه يطالب بإصدار «قانون بمنع الخفاض مطلقاً، سواء كان فرعونياً أو غيره»، طلب من وزير الصحّة في بلده بأن يجلب خافضات للسودان من الخارج». وكان جواب الوزير: «لا يمكن ذلك، لأننا قد أفهمنا الدول بأن السودان بلد فيه رقي، ولا يوجد الخفاض إلاّ في جزء يسير من أجزاء السودان، وسيزول نهائيّاً عن قريب» [872] . وفيما يخص العقاب يقول:

«وبما أن الخفاض الفرعوني يعتبر من الجنايات في الشريعة الإسلاميّة ففيه الديّة كاملة، إذ يقول الفقهاء: «والديّة كاملة في إستئصال شفري المرأة، وإلاّ فحكومة». أي وإن لم يوجد إستئصال الشفرين بل أخذت الخافضة منها شيئاً قليلاً فحكومة. والمراد بالحكومة هنا ما يراه القاضي باجتهاده من أنواع العقوبة والتأديب، بحيث يكون رادعاً من إرتكاب هذا العمل الوحشي.

فمتى ثبت عند القاضي أن خفاض فرعوني، فإنه يأمر بإلقاء القبض على الخافضة ويضعها في زنزانة إن شاء، حتّى تدفع الديّة كاملة للبنت الجريح، إذ إن الخافضة هي المباشرة بدون إكراه لهذا العمل الوحشي. وقد أجمع العلماء على أن العاقلة لا تحمل ديّة العمد وأنها في مال الجاني.

ثم يستدعي القاضي الأبوين ليجد كل منهما التأديب اللائق به، إذ إن حديث الصحيحين أشركهما في المسؤوليّة. فهما مع الخافضة شركاء في الجريمة.

كذلك تدفع الخافضة مع الديّة أيضاً قيمة ما ألحقته من عيب الرتق، أي ضيق الفرج، وهو من العيوب الأربعة التي جعل الفقهاء للزوج الخيار إذا دخل على المرأة وهو لا يعلم هذا العيب، فله الخيار في رفض الزواج» [873] .

ب) تيّار يطالب بتجريم جميع أنواع ختان الإناث

ذكرنا أن الأغلبيّة الساحقة من المسلمين ما زالوا على عدم تجريم ختان الذكور إلاّ في حالات التعدّي. والقليلون الذين يرفضون ختان الذكور لا يذكرون أي عقاب على فاعله. فهم إذاً في مرحلة تأثيم ختان الذكور دينيّاً وفي مرحلة التشكيك والإستنكار، ولسان حالهم ما جاء في القرآن الكريم: «إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب» (الأنفال 48:8). وهي المرحلة الأولى التي لا بد منها لتحضير الرأي العام والوصول إلى معاقبة هذه الممارسة. وفي الشريعة الإسلاميّة يسبق الإنذار العقاب: «وما أهلكنا قرية إلاّ لها منذرون ذكرى وما كنّا ظالمين» (الشعراء 208:26-209).

أمّا فيما يخص ختان الإناث، فهناك تيّار متزايد في الدول التي تمارسه يطالب بتجريم جميع أنواع ختان الإناث ولو لم يكن هناك تعدّي للحدود التي ذكرها الفقهاء القدامى. وموقفهم هذا مبني على كون أن ختان الإناث لا مبرّر له في النصوص الشرعيّة، ولأنه تغيير في خلق الله، ومخالف للقاعدة الفقهيّة «لا ضرر ولا ضرار».

من بين معارضي جميع أنواع ختان الإناث المؤلّف المصري محمّد سليم العوّا. فهو يرى أنه لا يكفي القول أن لا وزر على من ترك ختان الإناث. فجميع أنواع الختان يسبّب مضاعفات مرضيّة بدنيّة وآلاماً نفسيّة لا تحصى ولا تعالج. «ومثل هذا يقال فيه قطعاً إنه محرّم، وأن الوزر على فاعله. ولا يهون من شأنه فيقال: لا وزر على تركه. فهي عبارة لا تفيد في موضوعنا شيئاً ولا تضيف جديداً، بل قد تشجّع الفاعلين له على الإستمرار فيه، إذ لم يقل لهم: إنه غير جائز وإن فاعله آثم» [874] .

ويرفض العوّا القول بأن الختان «مسألة شخصيّة وأنها أعطيت أكبر من حجمها». ففي رأيه «أنها مسألة عمّت بها البلوى [...] بحيث لا يجوز التهوين من شأنها أو تجاهل أضرارها. والواجب على العلماء والدعاة والمصلحين أن يحاربوها بلا هوادة وإلاّ كانوا ساكتين عن الحق بغير عذر» [875] . ويقول:

«ومن واجب الدولة في مصر، وفي غيرها من البلاد الإسلاميّة التي تشيع فيها هذه العادة السيّئة، إصدار التشريع المانع لممارستها، لا سيما على الوجه الذي تمارس به الآن، ولا يجوز أن يمنع من ذلك جمود بعض الجامدين على ما ورثوه من آراء السابقين. فقد نص الفقهاء على أن في قطع الشفرين (وهما اللحمان المحيطان بموضع الجماع) الديّة الكاملة. والديّة عقوبة لمن يدفعها وتعويض لمن يستحقّها. وعلّلوا ذلك بأنه بهذين الشفرين «يقع الإلتذاذ بالجماع». فكل فوات لهذا الإلتذاذ أو بعض منه يوجب هذه العقوبة التعويضيّة، ومنع سببه جائز قطعاً، بل هو أولى من إنتظار وقوعه ثم محاولة تعليله أو تحليله» [876] .

والعوّا هنا يعتمد على ما قاله إبن حزم السابق الذكر. ويرى الدكتور رمضان أن مجرّد القول بأن عدم ختان الإناث يؤدّي إلى الفجور أمر يعاقب عليه الشرع:

«ليعلم هؤلاء أن أغلب بنات ونساء المسلمين في العالم العربي والإسلامي - ما عدا مصر والسودان وبعض الدول الإفريقيّة - لا يقومون بختان البنات وهن مثلنا في مصر غير فاجرات أو منحرفات. إن هذا إتّهام فاسد وظالم للمرأة، يعاقب عليه الشرع» [877] .

وهو هنا ربّما يعني تحريم القرآن رمي المحصنات دون إثبات: «والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون» (النور 4:24).

ولكن مؤيّدو ختان الإناث يرفضون فكرة تجريم ختان الإناث والرضوخ للقانون الوضعي. يقول السيّد:

«يقول قائلهم: «ختان الإناث جريمة يعاقب عليها القانون». ويحق للمرء أن يسأل أي قانون هذا يقصد؟ أمّا قانون السماء فقد عرفنا وتعلّمنا أنه يستحب ختان النساء، ويجعله مَكرُمَة لهن وطهرة. ولم يبقى إلاّ قانون الأرض. والمؤمن لا يعتد إلاّ بحُكم الله ورسوله (ص). ومتى كان الإستدلال بالقانون الأرضي في وجود حُكم السماء، على لسان رسول الله (ص)؟» [878] .

الفصل الثامن: عمليّة ختان الذكور والإناث

كما فعلنا عند عرضنا عمليّة الختان عند اليهود، سوف نتكلّم هنا عن الشخص الذي يتم الختان عليه، والقائمين به، وتنفيذه، والصلاة التي تصاحبه.

1) الشخص الذي يتم الختان عليه

قلنا سابقاً أن الختان لم يكن معمولاً به بصورة شاملة في العصور الأولى. ولكن سرعان ما أعتبر الختان علامة للإسلام. وهناك من إعتبره واجباً على كل من يولد مسلماً أو يتحوّل إلى الإسلام. ومنهم من تسامح فيه فرفعه في حالة الخوف من الهلاك ومنهم من تشدّد وفرضه حتّى في هذه الحالة. وقد رأينا أن موقف الفقهاء من ختان الإناث كان أكثر تسامحاً من ختان الذكور. ونحن نعطي هنا الإعتبارات المختلفة التي أخذ بها الفقهاء.

أ) كل مولود مسلم؛ سن الختان

كل مولود مسلم يجب ختانه. والمسلم هو كل من كان أحد أبويه مسلماً. وإذا كان اليهود يفرضون الختان في ميعاد محدّد، فإن المسلمين إختلفوا في سن الختان. وفي أكثر الأحيان يذكر الفقهاء القدامى ميعاد الختان دون تحديد ما إذا كانوا يعنون بذلك ختان الذكور أم الإناث.

بعد أن إستعرض آراء الفقهاء المتناقضة من الختان وشكّك في وجوبه، يقول الباجي:

«إذا ثبت ذلك [أي وجوب الختان] فإن وقت الإختتان الصبا على ما إختاره مالك وقت الإثغار. وقيل عن مالك من سبعة سنين إلى العشرة. قال ولا بأس أن يعجّل قَبل الإثغار أو يؤخّره وكل ما عجّل بعد الإثغار فهو أحب إلي. وكره أن يختن الصبي إبن سبعة أيّام وقال هذا من فعل اليهود» [879] .

ويقول القرطبي:

«واختلفوا متى يختتن الصبي. فثبت في الأخبار عن جماعة من العلماء أنهم قالوا: ختن إبراهيم إسماعيل لثلاث عشرة سنة، وختن إبنه إسحاق لسبعة أيّام. وروى عن فاطمة أنها كانت تختن ولدها يوم السابع. وأنكر ذلك مالك وقال ذلك من عمل اليهود [...]. وقال الليث بن سعد: يختن الصبي ما بين سبع سنين إلى عشر. ونحوه روى إبن وهب عن مالك. وقال أحمد: لم أسمع في ذلك شيئاً. وفي البخاري عن سعيد بن جبير قال: سئل إبن عبّاس: مثل من أنت حين قبض رسول الله (ص)؟ قال: أنا يومئذ مختون. قال: وكانوا لا يختنون الرجل حتّى يدرك أو يقارب الإحتلام» [880] .

ونشير هنا أنَّ إبن العبّاس كان عمره عند وفاة النبي ما بين العاشرة والسادسة عشرة حسب الروايات [881] . ويقول النووي:

«وقت وجوب الختان بعد البلوغ لكن يستحب للولي أن يختن الصغير في صغره لأنه أرفق به». ويذكر قول الماوردي (توفّى عام 1058) في الحاوي وغيره: «يستحب أن يختن في اليوم السابع لخبر ورد فيه إلاّ أن يكون ضعيفاً لا يحتمله فيؤخّره حتّى يحتمله». ومنهم من يحسب يوم الولادة ومنهم من لا يحسبه. وكره صاحب الحاوي (الماوردي) الختان قَبل اليوم السابع وسواء في هذا الغلام والجارية. وإن أخّر عن السابع أستحب ختانه في الأربعين. فإن أخر أستحب في السن السابعة. والختان في هذا السن ليس واجباً بل مستحب. ولكن هناك من رأى أنه من واجب الولي ختانه في الصغر لأن من مصالحه. ومنهم من رأى أنه يحرّم ختانه قَبل عشر سنين «لأن ألمه فوق ألم الضرب ولا يضرب على الصلاة إلاّ بعد عشر سنين» [882] .

ويضيف النووي:

«إنه لا يجب الختان حتّى يبلغ فإذا بلغ وجب على الفور فإن كان الرجل ضعيف الخلقة بحيث لو ختن خيف عليه لم يجز أن يختتن بل ينتظر حتّى يصير بحيث يغلب على الظن سلامته لأنه لا تعبّد فيما يفضي إلى التلف» [883] .

ويذكر النووي أن فاطمة كانت تختن ولدها يوم السابع ولكن كره الحسن البصري ومالك الختان يوم سابعه لمخالفة اليهود [884] . وينقل لنا إبن حجر مواقف الفقهاء في هذا الأمر:

«قال الماوردي: له وقتان وقت وجوب ووقت إستحباب. فوقت الوجوب البلوغ ووقت الإستحباب قَبله. والإختيار في اليوم السابع من بعد الولادة، وقيل من يوم الولادة، فإن أخّر ففي الأربعين يوماً، فإن أخّر ففي السنة السابعة، فإن بلغ وكان نضواً نحيفاً يعلم من حاله أنه إذا ختن تلف سقط الوجوب. ويستحب أن لا يؤخّر عن وقت الإستحباب إلاّ لعذر. وذكر القاضي حسن أنه لا يجوز أن يختتن الصبي حتّى يصير إبن عشر سنين لأنه حينئذ يوم ضربه على ترك الصلاة، وألم الختان فوق ألم الضرب فيكون أولى بالتأخير [...]. وقال إمام الحرمين: لا يجب قَبل البلوغ لأن الصبي ليس من أهل العبادة المتعلّقة بالبدن فكيف مع الألم [...]. وقال أبو الفرج السرخسي: في ختان الصبي وهو صغير مصلحة من جهة أن الجلد بعد التمييز يغلظ ويخشن فمن ثم جوّز الأئمّة الختان قَبل ذلك. ونقل المنذر عن الحسن ومالك كراهة الختان يوم السابع لأنه فعل اليهود. وقال مالك: يحسن إذا أثغر أي ألقى ثغره وهو مقدّم أسنانه، وذلك يكون في السبع سنين وما حولها. وعن الليث يستحب ما بين سبع سنين إلى عشر سنين. وعن أحمد لم أسمع فيه شيئاً [...]. وعن جابر أن النبي (ص) ختن حسناً وحسيناً لسبعة أيّام. قال الوليد فسألت مالكا عنه فقال: لا ادري ولكن الختان طهرة فكلّما قدّمها كان أحب إلي» [885] .

ولا يذكر إبن حجر السن التي يجب فيها ختان الإناث إنّما يقول: «ولا يرد وجوب المدّة على الصبيّة لأنه لا يتعلّق به تعب بل هو مضي زمان محض» [886] .

ونشير هنا إلى أن بعض الفقهاء يستثنون المجنون من وجوب الختان لأنه ليس من «أهل الوجوب» [887] . وبعضهم الآخر قال بأن على ولي المجنون ختنه [888] .

وفيما يخص سن الختان عند الشيعة، نقرأ عند العاملي: «سألت أب الحسن عن ختان الصبي لسبعة أيّام من السُنّة هو، أو يؤخّر فأيهما أفضل؟ قال: لسبعة أيّام من السُنّة، وإن أخّر فلا بأس». ويذكر حديثاً للنبي: «أختنوا أولادكم يوم السابع فإنه أطهر وأسرع لنبات اللحم». وحديثاً آخر عن جعفر عن أبيه قال: «سمّى رسول الله الحسن والحسين لسبعة أيّام وعق عنهما لسبع وختنهما لسبع وحلق رؤوسهما لسبع وتصدّق بزنة شعورهما فضّة» [889] . والمحقّق الحلي (توفّى عام 1277) يقول: مستحب يوم السابع ولو أخّر جاز. ولو بلغ ولم يختن، وجب أن يختن نفسه [890] . أمّا العلاّمة الحلي (توفّى عام 1325) فيرى أن ختان المولود يجب أن يكون بعد البلوغ [891] . ويرى الطوسي أنه يستحب أن يختن الصبي اليوم السابع، ولا يؤخّر. فإن أخّر لم يكن فيه حرج إلى وقت بلوغه. فإذا بلغ وجب ختانه ولا يجوز تركه على حاله [892] .

وكما هو الأمر عند اليهود، فقد مارس المسلمون الختان حتّى في عصر إضطهادهم من قِبَل المسيحيّين في إسبانيا بعد خروج المسلمين منها رغم أن الختان كان وسيلة للكشف عنهم وسبباً لاضطهادهم. وكان المسيحيّون يفرضون على المسلمين الذين يتحوّلون عن إسلامهم ويصبحون مسيحيّون عدم ختان أطفالهم تحت طائلة الموت.

وفيما يخص سن الختان في عصرنا يقول المرصفي بعد إستعراض آراء الفقهاء القدامى بأن الختان واجب بعد البلوغ حتماً. أمّا قَبل البلوغ فليس له وقت محدّد وأنه لا مانع من ختانه في أي وقت من حين ولادته إلى البلوغ ولكن الوقت المفضّل هو الأيّام السبعة الأولى لأن الوليد يكون قليل الشعور بالألم والجراح تكون أسرع إلتئاماً [893] .

ويقول السكّري أنه يختار رأي الماوردي في ختان الذكر والأنثى لأنه

«يتّسق وطبيعة الأمور. ذلك أنه يقسّم وقت الختان إلى قسمين: وقت إستحباب ويبدأ من يوم السابع من الولادة وحتّى البلوغ. وفي هذا تيسير على الناس بوجود هذه الفرصة التي يستطيعون فيها أن يختنوا أولادهم في إطمئنان لاختيار الوقت المناسب للطفل أو الطفلة من حيث إكتمال كل منهما، ومن حيث المناخ الذي يجرون فيه هذه العمليّة [...]. أمّا عندما يحين مشارفة الصبي أو الصبيّة للبلوغ فهنا يتعيّن الختان وجوباً إمتثالاً لأمر الشارع فيه، حتّى لا يفوت الأوان وتصبح هذه العمليّة من المشقّة بمكان. ولا يخفى ما لعدم ختان الذكر من أضرار صحّية خطيرة، وأخرى دينيّة حيث لا يستطيع أن يؤدّي عباداته في طهارة» [894] .

وبخصوص ختان الأنثى، يرى السكّري أنه يجب أن لا يقل سن البنت عن سبع سنوات إذا كانت بصحّة جيّدة وإلاّ فعشر حتّى تستطيع أن تتحمّل إجراء هذه العمليّة بخلاف الذكر فإنه يجوز يوم السابع من ولادته [895] .

وقد جاء في إحدى الدراسات أن في مصر يتم ختان الذكور بين 7-40 يوماً، أو بين سنة وسنتين. أمّا ختان الإناث فيتم بين خمسة سنين إلى إثنا عشرة سنة. ويفسّر العامّة هذا الإختلاف بأن ختان الإناث أكثر ألماً ولذا يؤخّر ختانها حتّى تتحمّل الألم. ولهم أيضاً تفسير آخر يقول إن البظر يظهر في زمن البلوغ وأنه يكبر إذا قطع قُبل ذلك في الصغر. ولا يترك البظر لبعد سن العاشرة لأنه يحتك بالملابس. وبعض النساء أوضحت أنه تم ختانهن مرّتين وأن أمّها ختنت ثلاث مرّات [896] . ونشير إلى أن هناك من يختن أولاده جميعاً في يوم واحد إقتصاداً لمصاريف الحفلة. فيكون بين الأولاد الكبير والصغير.

وقد سمعت عن عادة من أستاذ في جامعة عدن أنه في بعض المناطق اليمنيّة تجرى عمليّة الختان قَبل الزواج بقليل. وعلى الرجل أن يتحمّل هذه العمليّة بشجاعة حتّى يثبت رجولته للفتاة التي يريد أن يقترن بها. وقد فسّر الأستاذ المذكور سبب التأخير في إجراء هذه العمليّة بأن الشباب والشابّات قليلاً ما يتلاقون قَبل الزواج. ويكونوا في حالة هياج عند لقائهم لأوّل مرّة بعد عقد الزواج وقد يكون دخول العريس بزوجته في ليلته الأولى أشبه بالإغتصاب. لذا فإن عمليّة الختان التي تجرى قَبل الزواج تجبر الزوجين في أوّل أيّامهما الزوجيّة على التعارف والتلاطف حتّى يشفى جرح الختان قبل أن يمارسا العلاقات الجنسيّة.

وكتب الأستاذ أحمد محمّد جمال في كتابه «يسألونك» أن أحد الحضور في نادي جيزان الأدبي (في السعوديّة) قد ذكر له أن عمليّة الختان في هذه المدينة تجرى على الشاب بعد أن يبلغ الخامسة عشرة من عمره، وتقام له حفلة أو مأدبة وتدّق له الطبول كأنه إحتفال بزواج. فاستنكر الأستاذ هذا التأخير في إجراء الختان ورأى أنه يجب أن يتم «كما هو مطلوب عند العلماء - في اليوم السابع أو الرابع عشر أو الحادي والعشرين من عمر المولود، فذلك أفضل وأخف إيلاماً للطفل، وأسرع شفاءاً للجراحة الحاصلة بسببه» [897] .

وإذا ما رجعنا إلى كتابات الأطبّاء المسلمين الحديثة في موضوع سن الختان وجدنا أن محمّد علي البار يرى ضرورة ختان الولد في وقت مبكّر ويضيف:

«ولنا هنا ملاحظة وهي أن الشافعيّة هم الذين إستحبّوا ختان الطفل المولود في يوم سابعه بناء على ما ورد أن النبي (ص) ختن الحسن والحسين وعق عنهما في اليوم السابع لميلاد كل واحد منهما. وهذا هو ما يؤكّده الطب الحديث والأبحاث العديدة التي أجريت فيه. فالعمليّة لدى الطفل المولود أسهل وآمن وأقل كلفة (تجرى بتخدير موضعي وفي بعض الأحيان بدون تخدير). أمّا الطفل الكبير فيجب أن تجرى له تحت التخدير الكامل وتكثر مضاعفاتها نسبياً. وترك الطفل بدون ختان حتّى سن السابعة أو العاشرة أو سن البلوغ يؤدّي إلى حدوث كثير من مضاعفات عدم الختان [...]. وإذا كانت الظروف في الماضي تسمح بمثل هذه الطريقة فإن الأمر الآن مختلف، ولا بد من إجراء الختان في الطفولة الباكرة لتجنّب هذه المضاعفات، ما عدا الحالات التي يقرّر فيها الطبيب تأجيل عمليّة الختان. وغالباً يمكن إجراؤها في اليوم الأربعين أو ما حوله، ومن النادر أن يضطر الطبيب إلى ترك الختان لذلك الطفل كما يحدث في حالات التشويهات الخلقيّة في القضيب حيث تستعمل الغلفة وجلدتها في عمليّات إصلاح التشوّه» [898] .

واكتفى البار برأي الشافعيّة تاركاً قول المذاهب الأخرى التي تخالفها. ورأيه هذا مخالف لرأي الدكتور القادري الذي يرى أن إجراء الختان بعد الولادة مباشرة أو بعد ثمانية أيّام منها قد يشكّل خطورة بالغة على حياة الطفل. وقد ساق القادري الحجج العلميّة ليصل إلى نتيجة مفادها أنه «من المستحسن عدم القيام بإجراء الختان في الثلاث السنين الأولى من العمر، وأن أفضل وقت للقيام بإجرائه هو عندما يكون عمر الطفل ما بين ثلاث وأربع سنين. ذلك العمر المثالي الذي فيه الطفل قد أصبح نظيفاً ومتعرّفاً على عناصر جسده، ولم يدخل بعد إلى المدرسة. ويشذ عن ذلك حالة عندما يكون الطفل مصاباً بتضيّق الغلفة خاصّة الشديد منه الذي يؤدّي إلى إنسداد البول». وحجج القادري هي باختصار:

1) إن المواد اللازمة لتجليط الدم عند الأطفال تتكوّن في أمعاء الطفل بعد ستّة أيّام من ولادته، ولا تكتمل تلك المواد إلاّ بعد خمسة عشر يوماً على الأكثر لذا فإن إجراء الختان للأطفال بعد الولادة مباشرة أو بعد ثمانية أيّام منه قد يعرّضهم لنزيف دموي قد يؤدّي بحياتهم في بعض الأحيان.

2) يظهر عند حديثي الولادة يرقان وظيفي وغير مرضي بدءاً من اليوم الثالث للولادة ويختفي في اليوم العاشر تقريباً. أمّا سبب هذا اليرقان فيرجع إلى إنحلال الكريات الحمر الزائدة لدى الرضيع. وهذا الإنحلال يؤدّي إلى زيادة شديدة في تكوين مادّة البيليروبين التي لا تستطيع الكبد من إطراحها في مدّة بسيطة ممّا يؤدّي إلى تضرّج أنسجة الطفل وملتحمته باللون الأصفر. وزيادة بيليروبين المصل وإنهاك الكبد في إطراحها قد يؤثّران على نقص في العوامل المخثّرة التي يقوم بتركيبها الكبد ممّا يؤدّي إلى إضطراب في تخثّر دم الوليد بعد ولادته.

3) قد لا تنفصل الغلفة عن الحشفة وتبقيان ملتصقتين بعضهما مع بعض عند بعض الذكور حتّى السنة الثالثة من العمر. ممّا قد يجعل عمليّة الختان لا تخلو من خطورة.

4) كثيراً ما يصاب الرضع الصغار وخاصّة في الأشهر الثلاثة الأولى من العمر بالتهاب يدعى إلتهاب الجلد الأمويناكي الذي قد يصيب عندهم منطقة الإليتن والأعضاء التناسليّة وذلك من جرّاء عدم إستطاعة الرضع من القيام بنظافة أنفسهم [899] .

ويذكر الجمل أنه إذا ضعف الطفل عن إحتمال الختان لمرض أو لعِلّة بحيث يخاف عليه من التلف أو الموت، ويستمر به الضعف كذلك، فهذا يعذر في تركه إذ غايته أنه واجب فيسقط بالعجز عنه كسائر الواجبات. وإذا زالت العِلّة وجب الختان بعد زوالها. والكبير الذي يسلم ويخاف على نفسه منه فهذا يسقط عنه [900] . ولكن السكّري يرى أن الوضع اليوم يختلف عمّا كان عليه الأمر في زمن الفقهاء القدامى بسبب تقدّم الطب. لذلك فهو يتشدّد في ضرورة الختان. يقول:

«ولمّا كان الختان ضرورة لحفظ الصحّة من مرض السرطان بالنسبة للرجال، أرى أن يجبر الأشخاص الذين لم يختتنوا - إن عُلموا- على الختان على يد طبيب مسلم حاذق. وهو طبعاً سيستخدم المخدّرات والآلات الجراحيّة المعقّمة ليقتطع تلك الغلفة التي بها عدّة مضار للإنسان أبرزها الإصابة بمرض السرطان، كما أن بها نجاسة لا يستطيع صاحبها الإنفكاك عنها إلاّ بقطعها لضرورة أداء شعائر الإسلام. ولذلك يقول الفقهاء عنه: إن الختان شعار المسلمين كسائر شعائرهم» [901] .

ويرى الدكتور عبد الرحمن القادري عدم الختان في الحالات التالية:

1) يمنع ختان الطفل عندما يكون مصاباً بالتهاب الكبد الإنتاني الذي يكون اليرقان أحد تظاهراته.

2) يمنع ختان الطفل عندما يكون مصاباً بأحد الأدواء النزفيّة كنقص فيتامين أو عندما يكون مصاباً بالناعور حتّى تصلح تلك الأدواء ونقوم بإعطاء الطفل المواد الناقصة لديه والتي لها دور في إحداث التخثّر.

3) عندما يكون المختتن مصاباً بأحد الأمراض المنتقلة بالجنس. ففي حالة إصابته بأحد الأمراض التي يمكن معالجتها مثل الإفرنجي الخلقي أو الكسبي علينا المعالجة أوّلاً وبعدها الختان. أمّا في حال إصابته بالإيدز فلا نرى فائدة من القيام بختانه [902] .

وسوف نرى في الجزء الطبّي أنه يجب عدم إجراء الختان إلاّ في الحالات المرضيّة المستعصية عندما لا تسمح الوسائل الطبّية الأخرى في شفاء المريض. وهذه حالات نادرة جدّاً لا تزيد عن حالات قطع الرِجل أو اليد بسبب الإصابة بالغنغرينا.

ب) الذي يعتنق الإسلام

يستعرض الباجي أقوال الفقهاء فيمن يعتنق الإسلام فيقول:

«أختلف في الشيخ الكبير يسلم فيخاف على نفسه من الإختتان. فقال محمّد بن الحكم له تركه وبه قال الحسن بن أبي الحسن البصري. وقال سحنون لا يتركه وإن خاف على نفسه كالذي يجب عليه القطع في السرقة أنه لا يترك قطعه من أجل أنه يخاف على نفسه. وهذا من سحنون يقتضي كونه واجباً متأكّد الوجوب والله أعلم. وروى إبن حبيب عن مالك من تركه من غير عذر ولا عِلّة لم تجز إمامته ولا شهادته ووجه ذلك عندي أن ترك المروءة مؤثّر في رد الشهادة ومن ترك الختان من غير عذر فقد ترك المروءة فلم تُقبل شهادته» [903] .

ويقول النزوي:

«إن الختان واجب على كل مسلم لقول النبي (ص) لعبد الله إبن عبّاس حين أسلم، ألق عنك شعر الكفر واختتن. قال قتادة وسمعته يأمر من أسلم أن يختتن ولو كان إبن ثمانين سنة، ولمن أسلم أن يظهر فرجه لرجل أن يختنه، للرجل ذلك، لأنه ضرورة، إلاّ أنه يستر فرجه إلاّ موضع الختان. ومن أمر بالختان فلم يفعل قتل، ولا يقتل حتّى يبالغ في التأنّي به، وأمّا النساء فليس عليهن واجباً ويؤمرن بذلك إكراماً لأزواجهن وليس هن كالرجال فالختان للنساء مَكرُمَة وللرجال سُنّة وقيل فريضة» [904] .

ويضيف النزوي:

«من أسلم في وقت يخاف على نفسه من الختان أو لا يجد من يختنه فله تأخير ذلك إلى أن يأمن على نفسه، ويعلّم القرآن في حال عذره ويصلّى عليه إن مات.

قال أبو أحمد، قال أصحابنا إنه إذا خاف على نفسه التلف من شدّة البرد فله تأخير الختان إلى وقت يرجو فيه السلامة فجعلوا له العذر مع الخوف عليه مع وجوب الختان ولزوم فعله ولم يعذروا الصبي مع الحذر عليه منه والخوف موجود في أمر الصبي والختان أيضاً وقد كان ينبغي ألاّ يعذر البالغ عند الخوف. كما أجازوا الختان للصبي مع الخوف عليه. وفي قول الحسن أن الكبير إذا أسلم فخاف على نفسه العنت، لعلّه العطب، إن إختتن، أنه لا يجب عليه الختان، وكان لا يرى بأساً بذبيحته، ويرى أن صلاته مقبولة، وسُنّة النبي (ص) أولى بالإتّباع من قول الحسن وبالله التوفيق. وإذا كان عادة قوم أنهم إذا إختتنوا ماتوا، معروفين بذلك، فإنهم لا يختتنون ويتركون. وإن ماتوا صلّي عليهم، وحُكمهم الطهارة لأن هذا عذر» [905] .

ويقول إبن قدامة:

«قال حنبل سألت أبا عبد الله عن الذمي إذا أسلم ترى له أن يطهّر بالختان؟ قال: لا بد من ذلك. قلت إن كان كبيراً أو كبيرة قال أحب إلي أن يتطهّر لأن الحديث «إختتن إبراهيم وهو إبن ثمانين سنة». قال تعالى «مِلّة أبيكم إبراهيم» (الحج 78:22) ويشرّع الختان في حق النساء أيضاً ... وإن أسلم رجل كبير فخاف على نفسه من الختان سقط عنه لأن الغسل والوضوء وغيرهما يسقط إذا خاف على نفسه منه فهذا أولى، وإن أمن على نفسه لزمه فعله» [906] .

ويذكر إبن قيّم الجوزيّة أن الختان يمنع في حالة خوف التلف:

«ظاهر كلام أصحابنا أنه يسقط وجوبه فقط عند خوف التلف. والذي ينبغي أن يمنع من فعله ولا يجوز له. وصرّح به في شرح الهداية: فقال يمنع منه. ولهذا نظائر كثيرة، منها الإغتسال بالماء البارد في حال قوّة البرد والمرض، وصوم المريض الذي يخشى تلفه بصومه وإقامة الحد على المريض والحامل وغير ذلك. فإن هذه الإعذار كلّها تمنع إباحة الفعل كما تسقط وجوبه» [907] .

ونشير هنا إلى أن الصاوي (توفّى عام 1825) يسقط الختان عن البالغ إذا لا يستطيع ختان نفسه:

«لا يجوز للبالغ أن يكشف عورته لغيره لأجل الختان، بل إن لم يمكنه الفعل بنفسه سقطت السُنّة، وسقوطها عن الأنثى أولى بذلك» [908] .

وفيما يخص الشيعة، يذكر العاملي حديثاً لعلي: «إذا أسلم الرجل إختتن ولو بلغ ثمانين سنة» [909] . كما يذكر عن المرادي أنه قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجارية تسبى من أرض الشرك فتسلم فيطلب لها من يخفضها فلا يقدر على إمرأة. فقال: أمّا السُنّة فالختان على الرجال، وليس على النساء» [910] . ويقول المحقّق الحلي (توفّى عام 1227): ولو أسلم كافر غير مختتن وجب أن يختن ولو كان مسنّاً. ولو أسلمت إمرأة لم يجب ختانها واستُحب [911] . ويقول زين الدين الجبعي العاملي: «يستحب خفض النساء وإن بلغن. قال الصادق: خفض النساء مَكرُمَة وأي شيء أفضل من المَكرُمَة» [912] .

وفي عصرنا، نجد نوعاً من التشدّد في الختان كما توضحه الحادثتان الظريفتان التاليتان:

جاء في كتاب تاريخ آل سعود لناصر السعيد:

أرسل الإنكليز جنوداً إلى الجزيرة العربيّة لدعم إبن سعود وأرسل معهم عتاداً كثيراً من الأسلحة. وعندما إرتاب البدو بوجود هذه الأسلحة الضخمة وقادتها من «الكفّار النقريز» أي الإنكليز أخذ فيلبي يسك فتاوى رجال الدين السعوديين فيفتون البدو فيزعم رجال الدين «إن هذه الأسلحة الضخمة أخذها المسلمون غنائم من قادتها الإنكليز الكفّار الذين كانوا يقاتلون لدى الشريف حسين وأولاده، وهذا دليل على كفر الشريف حسن وذرّيته. وإن هؤلاء الكفّار الضبّاط الإنكليز يعملون الآن معنا كخدم سخّرهم الله للمسلمين وأنهم ضمن الغنائم وأنه لا يجوز قتلهم من قِبَل المسلمين لأنهم أصبحوا يخدمون الإسلام».

ولقد ثار «الإخوان المسلمون» السعوديون ثانية لاكتشافهم أن هذا العدد الضخم من الضباط الإنكليز جميعهم غير «مطهّرين». فحاولوا قتلهم ممّا إضطر عبد العزيز لحشد الضبّاط الإنكليز أمام «الإخوان» في حفل حاشد وأمر بقطع أغلفة ذكورهم أي تطهيرهم! وفرض على كل إنكليزي «يطهّر» أن ينطق بالشهادتين: «اشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمّداً رسول الله». وقد تم ذلك بحضور مشايخ الدين الوهابي: عبد الله بن حسن، عبد الرحمن بن عبد اللطيف من سلالة محمّد بن عبد الوهاب، عبد الرحمن بن داود، محمّد بن عثمان الشاري، عبد الله بن زاحم، مبارك بن باز... الذين أفتوا بدخول الإنكليز الإسلام بعد أن أصبحوا غنائم للمسلمين ضمن أسلحة الشريف حسين وضمن الحجاز كلّه [913] .

ويقول أحمد أمين (توفّى عام 1954) في قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصريّة الذي كتبه عام 1950:

«يولي المصريّون الختان أهمّية كبرى، حتّى لقد بلغني أن قبيلة سودانيّة أرادت الدخول في الإسلام فكتب رئيسها إلى بعض علماء الأزهر يستوضحه الإسلام وما يفعله أفراد قبيلته لدخولهم في الإسلام. فكتب إليه العالم الأزهري قائمة بما يجب أن يعملوه. فكان أوّلها الختان، فرفضت القبيلة أن تسلم، وقد كانت هذه المسألة قلّة ذوق» [914] .

وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلميّة والإفتاء السعوديّة بأن نصرانياً وزوجته أرادا الدخول في الإسلام فأمرهما مقدّم الإستفتاء بغسل البدن وبالنطق بالشهادتين عن طوع ورضا واستسلام والختان. فهل هذا صحيح أو لا؟ وكان رد اللجنة عن الختان ما يلي:

«[...] وأمّا الختان فواجب على الرجال ومَكرُمَة في حق النساء لكن لو أخّرت دعوة من رغب في الإسلام إلى الختان بعض الوقت حتّى يستقر الإسلام في قلبه ويطمئن إليه لكان حسناً خشية أن تكون المبادرة بدعوته إلى الختان منفّرة له من الإسلام» [915] .

وقد سبق أن ذكرنا وجود تيّار إسلامي في الولايات المتّحدة يرفض كل من ختان الذكور والإناث لأن لا ذكر لهما في القرآن. وهناك أيضاً من يرى ترك الحرّية للفرد معتبراً أن ختان الذكور مستحبّاً وليس واجباً. فقد جاء في سؤال بواسطة شبكة «الإنترنت» عمّا إذا كان على الأمريكي الذي لم يكن مختوناً أن يختتن عند إعتناقه الإسلام. وقد رد عليه مسلم آخر من كندا يظهر من إسمه أنه أيضاً من معتنقي الإسلام [916] بما مفاده بأنه ليس على أحد أن يختتن مهما كان جنسه العرقي أو لونه. فالختان لم يذكره القرآن ولكنّه عادة تكاد تكون عامّة بين الشعوب الإسلاميّة في العالم. وأضاف بأن أكثر العلماء المسلمين قديماً وحديثاً يعتبر ختان الذكور سُنّة وليس واجباً فرضاً. فالواجب والفرض هو ما أمر به الله كالصلوات اليوميّة، وصيام رمضان والإمتناع عن أكل الخنزير أو شرب الخمر، والإمتناع عن أخذ أو إعطاء الربا الخ. أمّا السُنّة، فهي عادات أو تقاليد. منها ما يعتبره بعض العلماء واجب، وهي ما إتّبعها أو أوصى عليها أو سمح بها النبي محمّد. وكثير من عامّة الشعب يعتبر هذه العادات إجباريّة. أمّا العلماء والفقهاء فإنهم يعتبرون عدم إتّباعها ليس بالضرورة معصية وفي بعضها للمؤمن حرّية الإختيار فيتّبعها أو لا يتّبعها. أمّا الختان فهو سُنّة. وهو واجب عام ولكن ليس إجباري بصورة حتميّة. حتّى أنه في السعوديّة، حيث القوانين الدينيّة متشدّدة جدّاً، هناك تسامح مع من يعتنق الإسلام. فهنالك يفرض القانون الختان على من يعتنق الإسلام، إلاّ أنه إذا خاف من الختان إلى حد ثنيه عن إعتناق الإسلام، فإنه يبقى غير مختوناً على أمل نمو إيمانه وشجاعته لتحمّل الختان.

ويذكر هنا صاحب الرد كتاباً صدر عن المركز الإسلامي في جنيف يقول مؤلّفه (وهو سويسري إعتنق الإسلام) إن ختان الصبيان تقليد قوي جدّاً يرجع إلى إبراهيم. وهو عادة متّبعة بين كل الشعوب الإسلاميّة. والفقهاء يعتبرونه واجب ولكن ليس إجباري. وإذ إن القرآن لم يأتي به، فإنه لا يمكن فرضه حتمياً على من يعتنق الإسلام [917] . ويستشهد الرد بكتاب مسلم من شمال إفريقيا يقول إن الختان سُنّة مؤكّدة، ممّا يعني أنها مطلب شرعي مشدّد عليه ولكن ليست إجباريّة [918] .

وهذا الموقف يمكن أن يعتبر تجديداً في مجال الختان أو على الأقل رجوعاً لموقف إبن المنذر وحسن البصري. ولكن مثل هذا الرأي لا يمكن أخذه إلاّ في دول تعرف قدراً من الحرّية الشخصيّة.

وقد طرحت علي عام 2002 قضيّة شاب مسيحي يعيش في سويسرا أراد الزواج من بنت مسلمة من إندونيسيا فطلب منه أبوها إعتناق الإسلام ففعل. وقد قام بشراء تذاكر السفر له ولأهله للذهاب إلى بلد خطيبته لمراسيم الزواج. وعندها طلب منه أبو البنت أن يختتن فصدم لهذا الطلب لأن الأب كان يعرف سابقاً بأنه غير مختون. وأعتبر الخطيب هذا الطلب إبتزازاً، خاصّة أن إندونيسيا تتطلّب موافقة الأب على الزواج. وقد حاول إقناع الأب العدول عن مطلبه وفي حالة رفضه ذلك قد تترك الخطيبة بلدها للزواج في الخارج دون موافقة أبيها. وقد حاولت إرشاد الشاب وخطيبته في أن الختان مخالف للقرآن وأرسلت لهم المعلومات الضرورية ولا أعرف مصير هذه القضيّة.

ج) من ولد أو أسلم مختوناً

رأينا أن اليهود ينزلون ممّن يلد أو يتهوّد مختوناً نقطة دم من حشفته تدعى دم العهد. فما هو الوضع عند المسلمين؟

يقول النزوي: «وإذا خلق الله إحليل إنسان مكشوف الحشفة كالختان لم يجب عليه الختان لأن القصد بالختان إظهار الحشفة فإذا ظهرت فقد وجدت البغية» [919] .

ويقول إبن الحاج: «واختلف إن ولد مختوناً هل يختن أم لا على قولين: فمنهم من قال هذه مؤنة كفانا الله إيّاها فلا حاجة تدعو إلى فعلها ولأن كشف العورة من كبير وصغير لا يباح إلاّ لضرورة شرعيّة والضرورة معدومة والحالة هذه. وقال بعضهم لا بد من إجراء الموسى عليه ليقع الإمتثال» [920] .

ويقول إبن جزي إنه إختلف في من ولد مختوناً: «قيل قد كفى الله المؤنة فيه فلا يتعرّض له، وقيل تجرى الموسى عليه، فإن كان فيه ما يقطع قطع» [921] .

ويقول إبن قيّم الجوزيّة:

«إن يولد الرجل ولا غلفة له فهذا مستغن عن الختان، إذا لم يخلق له ما يجب ختانه. وهذا متّفق عليه. لكن قال بعض المتأخّرين: يستحب إمرار الموسى على موضع الختان لأنه ما يقدر عليه من المأمور به. وقد قال النبي (ص): «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما إستطعتم». وقد كان الواجب أمرين مباشرة الحديدة والقطع. فإذا سقط القطع فلا أقل من إستحباب مباشرة الحديدة. والصواب أن هذا مكروه لا يتقرّب إلى الله به ولا يتعبّد بمثله وتنزّه عنه الشريعة، لأنه عبث لا فائدة فيه وإمرار الموسى غير مقصود بل هو وسيلة إلى فعل المقصود. فإذا سقط المقصود لم يبق للوسيلة معنى. ونظير هذا ما قال بعضهم: إن الذي لم يخلق على رأسه شعر يستحب له في النسك أن يمر الموس على رأسه، ونظير قول بعض المتأخّرين من أصحاب أحمد وغيرهم: إن الذي لا يحسن القراءة ولا الذكر أو أخرس يحرّك لسانه حركة مجرّدة. قال شيخنا: ولو قيل إن الصلاة تبطل بذلك أقرب لأنه عبث ينافي الخشوع وزيادة عمل غير مشروع. والمقصود أن هذا الذي ولد ولا غلفة له فلا ختان عليه» [922] .

ويقول إبن حجر:

«إستحب العلماء من الشافعيّة فيمن ولد مختوناً أن يمر بالموسى على موضع الختان من غير قطع. قال أبو شامة: وغالب من يولد كذلك لا يكون ختانه تامّاً بل يظهر طرف الحشفة فإن كان كذلك وجب تكميله» [923] .

وبعد أن ذكر الجدل حول ختان من ولد مختوناً يضيف الحطاب (توفّى عام 1547): «يجري على الأقرع في الحج» [924] . أي أنه يريد معاملته معاملة الأقرع الذي يمر الموسى على رأسه في الحج مع أنه لا شعر له.

وإمرار الموسى على من يولد مختوناً أمر متّفق عليه في المصادر الشيعة. يروي العاملي عن موسى بن جعفر أنه قال لمّا ولد إبنه الرضا: «إن إبني هذا ولد مختوناً طاهراً مطهّراً. وليس من الأئمّة أحد يولد إلاّ مختوناً طاهراً مطهّراً، ولكنا سنمر الموسى عليه لإصابة السُنّة واتّباع الحنيفيّة». ويذكر حديث «إن صاحب الزمان ولد مختوناً وأن أبا محمّد قال: هكذا ولد، وهكذا ولدنا، ولكنا سنمر عليه الموسى لإصابة السُنّة» [925] .

وفي عصرنا يقول المرصفي «والذي نراه ونرجّحه سقوط الختان وعدم وجوبه على من ولد مختوناً كما نرى كراهة إمرار الموسى على موضع الختان منه لأن ذلك عبث لا فائدة فيه ويجب أن تنزه الشريعة عنه» [926] .

د) ختان الخنثى ومن له ذكران

الخنثى هو الذي يكون له جهازان تناسليان، خلق بهما كذلك، لكن العضوين لا يكونان في مستوى واحد. فلا بد أن يتميّز واحد منهما عن الآخر وبذلك يكون الخنثى مائلًا إلى الأظهر من العضوين وتترتّب الأحكام الشرعيّة عليه. فإن كان عضو الذكورة فيه هو البارز أخذ حُكم الذكر. وإن كان عضو الأنوثة فيه هو البارز أخذ حُكم الأنثى. ففي الميراث، يقول عمر بن الخطّاب إن الخنثى يورث من حيث يبول. فإن بال من المكان الذي تبول منه الأنثى أعطي ميراث الأنثى. وإن بال من المكان الذي يبول منه الذكر أعطي ميراث الذكر [927] . ولكن ما هو حُكم الختان في الخنثى؟

يقول النووي: «أمّا الخنثى المشكّل فقال في البيان قال القاضي أبو الفتوح يجب ختانه في فرجيه جميعاً لأن أحدهما واجب ولا يتوصّل إليه إلاّ بختانهما». ويذكر النووي رأياً آخراً بأنه لا يختن الخنثى المشكّل لأن الجرح على الإشكال لا يجوز. وهذا حسب النووي هو الأظهر المختار [928] .

ويقول المرداوي: «إن الخنثى المشكّل في الختان كالرجل. فيختن ذكره، وإن لزم الأنثى ختن فرجه أيضاً» [929] .

ويقول البهوتي: «وحيث تقرّر وجوب الختان على الذكر والأنثى فيختن ذكر خنثى مشكّل وفرجه إحتياطاً» [930] .

ويقول الحطاب:

«قال الفاكهاني هل يختتن الخنثى المشكّل أم لا؟ فإذا قلنا يختتن ففي أي الفرجين أو فيهما جميعاً؟ لم أرى في ذلك لأصحابنا نقلاً. واختلف أصحاب الشافعي فقيل يجب إختتانه في فرجه بعد البلوغ وقيل لا يجوز حتّى يتبيّن وهو الأظهر عندهم. قلت: الحق أنه لا يختتن لما علمت من قاعدة تغليب الحظر على الإباحة» [931] .

هكذا نرى أن الفقهاء إنقسموا بينهم:

- الرأي الأوّل يرى ضرورة ختان الخنثى في فرجيه قَبل البلوغ إحتياطاً، لأن أحدهما واجب، ولا يتوصّل إليه إلاّ بختانهما.

- الرأي الثاني يرى أنه لا يجوز ختان الخنثى حتّى يتبيّن العضو الأصلي منه.

- الرأي الثالث يرى أن الخنثى المشكّل لا يختتن لأن الجرح على الإشكال لا يجوز.

بعد عرض هذه الآراء يقول السكّري في عصرنا أنه يختار الرأي الأوّل

«لأنه إن كان مائلاً إلى الذكورة فهو واجب لضرورة هذا الختان بالنسبة له. وإن كان مائلاً للأنوثة فختنه سُنّة وفيها أيضاً إمتثال أمر رسول الله (ص). والبناء على اليقين خير وأولى من البناء على الشك. ومن ثم يجب تغليباً لحال الخنثى ختانه في فرجيه، لا سيما وأنه بعدما يكبر سوف يتحدّد حاله تباعاً للتفاعلات الهرمونيّة فيه. فقد سمعنا وقرأنا كثيراً عن ذكر ظهرت عليه علامات الأنوثة في شبابه، وانقلب بالفعل أنثى وتعامل معاملتها مظهراً ومخبراً. والعكس صحيح فقد إنقلبت بعض الفتيات ذكراً في سن الشباب، وانقلبت من أنثى إلى شاب ذكر. فكان الإحتياط لذلك أولى. وهو جدير بالإقناع والله تعالى أعلم» [932] .

ونجد رأياً مماثلاً عند المرصفي الذي يقول:

«معلوم أن كثيرين يكون لهم في القبل ثقبان، فإن أمكن الختان كان ذلك واجباً إحتياطيّاً، لمراعاة المصلحة الضروريّة [...] وإن شك في كليهما وأمكن كان فيهما، وإن لم يمكن في أحدهما ترك الإثنان، وبخاصّة وأن البعض ظهرت حقيقته أنه رجل حين رفع الغشاء الكاذب (الجلدة) عن أعضائه التناسليّة. فالأمر يترك للطبيب العدل المسلم من حيث إمكان التنفيذ وعدمه» [933] .

وقد تعرّض الفقهاء أيضاً لحالة شاذّة وهي وجود ذكرين لشخص. يقول النووي: «لو كان لرجل ذكران قال صاحب البيان إن عرف الأصلي منهما ختن وحده. قال صاحب الإبانة يعرف الأصل بالبول وقال غيره بالعمل. فإن كانا عاملين أو يبول منهما وكانا على منبت الذكر على السواء وجب ختانهما» [934] . ويقول الأنصاري: من له ذكران عاملان يختتنان. فإن تميّز الأصلي منهما ختن فقط. فإن شك فكالخنثى، أي لا يختتن [935] .

هـ) ختان الميّت

إعتبر المسلمون الختان وسيلة للتعرّف على من هو مسلم وغير مسلم. فلو وجد مختون بين جماعة قتلى غير مختونين صلّي عليه ودفن في مقابر المسلمين [936] . ولكن ماذا لو أن مسلماً مات غير مختوناً. فهل يتم ختانه قَبل دفنه؟

رأينا في الفصل السابق أن من يرفض الختان دون عذر يعرّض نفسه للقتل. فإذا قتل بسبب رفضه الختان أو مات غير مختون، فلا يعتبر من المسلمين ولا يدفن في مقابرهم. يروى الشيخ الصدوق حديث لأبي الجوزاء: «الأغلف [...] لا يصلّى عليه إذا مات إلاّ أن يكون ترك ذلك خوفاً على نفسه» [937] . ويقول النزوي: «من أسلم في وقت يخاف على نفسه من الختان أو لا يجد من يختنه فله تأخير ذلك إلى أن يأمن على نفسه، ويعلّم القرآن في حال عذره ويصلّى عليه إن مات [...]. وإذا كان عادة قوم أنهم إذا إختتنوا ماتوا، معروفين بذلك، فإنهم لا يختتنون ويتركون. وإن ماتوا صلّي عليهم، وحُكمهم الطهارة لأن هذا عذر» [938] .

وقد دار جدل بين الفقهاء حول إمكانيّة ختان من مات غير مختون وله عذر. يقول إبن قدامة:

«إن شارب الميّت إن كان طويلاً أستحب قصّه وهذا قول الحسن وبكر بن عبد الله وسعيد بن جبير وإسحاق. وقال أبو حنيفة لا يؤخذ من الميّت شيء فإنه قطع شيء منه فلم يستحب كالختان. واختلف أصحاب الشافعي كالقولين. ولنا قول النبي (ص): «إصنعوا بموتاكم كما تصنعون بعرائسكم» والعروس يحسّن، ويزال عنه ما يستقبح من الشارب وغيره ولأن تركه يقبّح منظره فشرّعت إزالته كفتح عينيه وفمه شرّع ما يزيله، ولأنه فعل مسنون في الحياة لا مضرّة فيه فشرّع بعد الموت كالإغتسال، ويخرج على هذا الختان لما فيه من المضرّة. فإذا أخذ الشعر جعل معه في أكفانه لأنه من الميّت فيستحب جعله في أكفانه كأعضائه، وكذلك كل ما أخذ من الميّت من شعر أو ظفر أو غيرهما فإنه يغسل ويجعل معه في أكفانه كذلك [...]. أمّا الختان فلا يشرّع لأنه إبانة جزء من أعضائه وهذا قول أكثر العلم. وحكي عن بعض الناس أنه يختن حكاه أحمد والأوّل أولى لما ذكرناه» [939] .

ويقول النووي:

«أمّا ختان من مات قبل أن يختن ففيه ثلاث طرق. (المذهب) وبه قطع المصنّف والجمهور لا يختن. (والطريق الثاني) فيه قولان: كالشعر والظفر حكاه الدوامي، (والثالث): فيه ثلاثة أوجه حكاه صاحب البيان (الصحيح) لا يختن (والثاني) يختن (والثالث) يختن البالغ دون الصبي لأنه واجب على البالغ دون الصبي. (والصحيح) الجزم بأنه لا يختن مطلقاً لأنه جزء فلا يقطع كيده المستحقّة في قطع سرقة أو قصاص. فقد أجمعوا أنها لا تقطع. ويخالف الشعر والظفر فإنهما يزالان في الحياة للزينة والميّت يشارك الحي في ذلك. والختان يفعل للتكليف به وقد زال التكليف بالموت» [940] .

وقد سئل إبن تيميّة: «إذا مات الصبي وهو غير مختون: هل يختن بعد موته؟ أجاب: لا يختن أحد بعد الموت» [941] .

ويقول إبن قيّم الجوزيّة:

«لا يجب ختان الميّت باتفاق الأمّة. وهل يستحب؟ فجمهور أهل العلم على أنه لا يستحب، وهو قول الأئمّة الأربعة. وذكر بعض الأئمّة المتأخّرين أنه مستحب، وقاسه على أخذ شاربه وحلق عانته ونتف إبطه وهذا مخالف لما عليه عمل الأمّة وهو قياس فاسد. فإن أخذ الشارب وتقليم الظفر وحلق العانة من تمام طهارته وإزالة وسخه ودرنه. وأمّا الختان: وهو قطع عضو من أعضائه، والمعنى الذي شرّع في الحياة قد زال بالموت فلا مصلحة في ختانه. وقد أخبر النبي (ص) أنه يبعث يوم القيامة بغرلته غير مختون. فما الفائدة أن يقطع منه عند الموت عضو يبعث به يوم القيامة وهو من تمام خلقه في النشأة الأخرى» [942] .

وفي عصرنا يقول السكّري أنه ليس على الميّت ختان ولا يشرّع في حقّه لفوات أسبابه الدينيّة والدنيويّة في حق الميّت، حيث لا فائدة تعود عليه بختانه في هذه الحالة [943] .

ويقول المرصفي:

«والذي نراه ونرجّحه سقوط الختان عن الميّت بسقوط التكليف عنه وفي الختان إنتهاك لحرمته. وإذا كان حد السرقة يسقط عمّن مات قبل أن يتم تنفيذه، فلا تقطع يده مع أن القطع عقوبة مقرّرة مفروضة مجمع عليها، فمن باب أولى يسقط الختان عمّن مات غير مختون، والختان مختلف في وجوبه» [944] .

ويقول الجمل:

«وأمّا الختان وهو قطع عضو من أعضائه، والمعنى الذي من أجله شرّع في الحياة قد زال بالموت، فلا مصلحة في ختانه. وقد أخبر النبي «أنه يبعث يوم القيامة بغرلته غير مختون». فما الفائدة أن يقطع منه عند الموت عضو يبعث به يوم القيامة وهو من تمام خلقه في النشأة الأخرى» [945] .

وفي شمال فلسطين، ذكر «سونين» أن البدو قرب بحيرة الحولة في فلسطين يختنون الطفل قَبل دفنه إذا مات غير مختون. ويقوم بهذا الختان الخطيب، حتّى وإن كان عمر الطفل يوماً واحداً [946] .

2) القائمون بالختان

هناك نقاش حول النظر إلى عورة الرجل والمرأة. فالشريعة الإسلاميّة تتشدّد في هذا الموضوع. فقد روي أبو داوود حديثاً بأن النبي سئل: «عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ فأجاب النبي: «إحفظ عورتك إلاّ من زوجتك أو ما ملكت يمينك». ثم سئل: «إذا كان القوم بعضهم في بعض؟» فأجاب: «إن إستطعت ألاّ يرينها أحد فلا يرينها». فسئل: «إذا كان أحدنا خالياً؟» فأجاب: «الله أحق أن يستحي منه من الناس» [947] .

ولكن سُمح بالنظر إلى العورة بموجب القاعدة الشرعيّة التي تقضي أن الضروريات تبيح المحظورات، والقاعدة التي تقتضي بارتكاب أهون الضررين إتّقاءاً لأشدّهما. فسمح النظر للعلاج ولأداء الشهادة بالقدر الذي تدعو إليه الحاجة. ومن القواعد الشرعيّة أن نظر الجنس إلى الجنس نفسه أخف. ولهذا كان الأصل أن تعالج المرأة المرأة. ومع هذا فقد نص الفقهاء على جواز الإستثناء، وهو معالجة الرجل للمرأة وذلك حيث لم يوجد أحد من بنات جنسها [948] .

ونجد تطبيقاً لتحريم النظر إلى العورة واستثناءاتها ضمن عمليّة الختان. فالأصل الذي ذكره الفقهاء بالنسبة للختان أن يختن الرجل نفسه إن كان يحسن ذلك ولا يخشى عليه التلف. فإن كان لا يحسن الختان ختنه رجل مثله والأنثى تخفضها أنثى مثلها. أمّا إذا تم الختان في الصغر والطفل لم يبلغ السابعة، فلا حرمة في النظر إلى عورته.

يذكر الباجي قولاً لمالك: «والنساء يخفضن الجواري» [949] .

ويقول النزوي: «ولمن أسلم أن يظهر فرجه لرجل أن يختنه، للرجل ذلك، لأنه ضرورة، إلاّ أنه يستر فرجه إلاّ موضع الختان» [950] .

ويقول النووي عن ختان الخنثى: إن كان الخنثى صغيراً ختنه الرجال والنساء. أمّا إذا قلنا إن ختان الصغير غير واجب، فيجب أن يختن نفسه عندما يكون كبيراً إذا هو يحسن الختان. وإلاّ إشترى له جارية تختنه فإن كان لا توجد جارية تحسن ذلك ختنه الرجال والنساء للضرورة كالتطبّب [951] .

ويقول المحقّق الحلي (توفّى عام 1277) إن الختان «مستحب يوم السابع ولو أخّر جاز. ولو بلغ ولم يختن، وجب أن يختن نفسه» [952] .

ويقول إبن جزي: «يختن الرجال الصبيان ويخفض النساء الجواري لأن الرجل ليس له الإطّلاع على ذلك من النساء» [953] .

ويقول البهوتي إنه يجوز للمرء «أن يختن نفسه إن قوي عليه وأحسنه لأنه قد روي أن إبراهيم ختن نفسه» [954] .

وتقول الفتاوى الهنديّة (كتبت بين 1664-1672): «قيل في ختان الكبير إذا أمكن أن يختن نفسه فعل وإلاّ لم يفعل، إلاّ أن يمكنه أن يتزوّج أو يشتري ختّانة فتختنه» [955] .

ويقول العدوي (توفّى عام 1775) «إن البالغ يُؤمر بختن نفسه لحرمة نظر عورة الكبير [...] وكذا الخنثى يؤمر بختن نفسه» [956] .

ويقول الصاوي: «لا يجوز للبالغ أن يكشف عورته لغيره لأجل الختان، بل إن لم يمكنه الفعل بنفسه سقطت السُنّة، وسقوطها عن الأنثى أولى بذلك» [957] .

وقد طرح أيضاً موضوع شرعيّة إجراء الختان من قِبَل شخص غير مسلم. فهناك سؤال وجّه إلى الإمام حسن بن علي يقول:

«إنه روي عن الصادقين عليهم السلام أن أختنوا أولادكم يوم السابع يطهّروا، فإن الأرض تضج إلى الله عز وجل من بول الأغلف، وليس جعلني الله فداك لحجّامي بلدنا حذق بذلك، ولا يختنونه يوم السابع، وعندنا حجّامو اليهود فهل يجوز لليهود أن يختنوا أولاد المسلمين أم لا إن شاء الله؟» فوقع عليه السلام: «السُنّة يوم السابع، فلا تخالفوا السُنَن إن شاء الله» [958] .

ونلاحظ هنا أنه لم يرد على السؤال بصورة مباشرة. وهذا يعني أن لا مانع من ختان المسلم على يد غير مسلم.

وهذا يبيّن أنه ليس للخاتن في الشريعة الإسلاميّة الأهمّية الدينيّة التي نجدها في الشريعة اليهوديّة. وقد سبق أن ذكرنا في الجزء الأوّل كيف أن الطبيب العربي الزهراوي يعرض علينا عمليّة الختان كعمليّة طبّية بحتة. وفي أيّامنا كثيراً ما تتم عمليّات ختان الذكور المسلمين في المستشفيات، دون إعتبار لديانة الطبيب. كما أن بعض المسلمين يجرون ختان أطفالهم عند موهيلين يهود، كما هو الحال في فرنسا [959] . وقد ذكر أحد الباحثين أن البدو في النقب (فلسطين) تحاوروا حول من سيقوم بعمليّة الختان: يهودي يمني من مستعمرة يهوديّة، أو درزي من دالية الكرمل قرب حيفا، أو طبيب يهودي من بير سبع. وقد وقع إختيارهم على هذا الأخير. ولم يكن أي مسلم بين الخيارات المطروحة [960] . ولكن هذا لا يمنع من أن يعطي الخاتن لعمله معنى دينيّاً. فخاتن مسلم من تونس يعمل في فرنسا يقول إنه رأى في المنام شخص يعرفه يأمره ثلاث مرّات: «طهّار، طهّار، طهّار». فقام بختان أولاده ثم أصبح يختن أولاد المسلمين في فرنسا، دون مقابل مالي [961] . وللخاتن إكرام خاص في أعين بعض المسلمين كما هو الأمر عند اليهود. حتّى أن مؤلّفا مسلماً حديثاً ذكر في بداية كتابه حول الختان: «هذا الكتاب مهدى إلى جرّاحين النور: الخاتنين». ونلاحظ أن الذين يجرون ختان الإناث بدأت صورتهم تتشوّه. فكثيراً ما يتّهمون بالجشع المالي.

وهناك في أيّامنا من يتشدّد في أن يكون الخاتن طبيب مسلم. يقول المرصفي إن ختان الإناث يسند إلى طبيبات مسلمات، وختان الذكور إلى أطبّاء مسلمين حتّى يقوموا بهذه العمليّة حسب الشرع. والطبيب المسلم هو الذي يقرّر ما إذا كان الكبير يحتمل الختان أم لا [962] .

ويقول السكّري:

«يجب أن يكلّف الطبيب المسلم الحاذق بعمليّة الختان، ليتم تنفيذ التعاليم الشرعيّة لهذه الشعيرة على النحو الذي ورد في تشريعه. وهكذا ينبغي أن يكون في كل ختان بعيداً عن الجهلة ممّن ليست لهم دراية ولا خبرة علميّة أو عمليّة بهذا الموضوع، وبذلك يأمن الناس على أولادهم وينفّذون تعاليم إسلامهم في طمأنينة وهدوء» [963] .

ويضيف بخصوص ختان الأنثى أنه يجب أن يقوم بإجراء هذه العمليّة طبيب أو طبيبة يشترط في كل منهما:

أ) الإسلام وظاهريّة الصلاح، ولا يكفي الإسلام وحده بل لا بد أن يكون الطبيب متديّناً.

ب) أن يكونا متخصّصين في الجراحة الطبّية وأصولها المبنيّة على العلم.

ج) أن يكونا عالمين فاهمين لتعاليم رسول الله (ص) في هذا الشأن.

د) أن يستخدما أحسن الوسائل الطبّية في ذلك لتخفيف الألم [964] .

ورغم تشديد المؤلّفين المسلمين المعاصرين في أن يكون خاتن الذكور والإناث من بين الأطبّاء، إلاّ أن الواقع يثبت أن عدداً كبيراً من هذه العمليّات كان وما زال يجريها القابلة أو الداية أو الغجريّة أو حلاّق الصحّة. وتبيّن نعمت أبو السعود أن الأسرة لم تكن تسمح بخروج نسائها حتّى لقضاء لوازمهن. وترتّب على ذلك دخول طبقة من النساء إلى المنازل لقضاء هذه الحاجات مثل الدلاّلة التي تبيع الملابس وغيرها، والماشطة لعمل حمّام للسيّدات ونقش الحنّة في المناسبات كمناسبات الطهارة والعرس والولادة. وهي التي كانت تجري إتّفاق الزواج بين العائلات وتعدّد أوصاف العروس ومن بينها أنها مختونة. والغجريّة تقوم برؤية الطالع وعمل الدق (الوشم الأخضر) وختان البنات. والقابلة كانت لها منزلة خاصّة فتقوم بعمليّة الولادة والعلاجات النسائيّة مثل الختان [965] . وتضيف:

«في زمن كانت التقاليد لا تسمح بأن تتعرّض السيّدات للكشف عليهن بمعرفة الأطبّاء. وكان الكشف عليهن يتم بمعرفة النساء [...]. فالمرأة التي قامت بالتوليد هي التي تقوم بثقب أذن الأنثى وطهارة الولد وتعد الأسرة بطهارة الأنثى» [966] .

ونشير أخيراً هنا إلى أن وزير الصحّة والسكّان المصري أصدر بتاريخ 8/7/1996 القرار رقم 261 لسنة 1996 الذي يقول:

«يحظر إجراء عمليّات الختان للإناث سواء بالمستشفيات أو العيادات العامّة أو الخاصّة، ولا يسمح بإجرائها إلاّ في الحالات المرضيّة فقط والتي يقرّها رئيس قسم أمراض النساء والولادة بالمستشفى وبناء على إقتراح الطبيب المعالج».

هذا القرار لا يمس ختان الذكور. ورغم هذا القرار، ما زال الأطبّاء وغير الأطبّاء يجرون ختان الإناث في مصر. وتنشر الصحف المصريّة من وقت إلى آخر المصائب التي تنتج عنه. ولنا عودة إلى هذا القرار والجدل الذي دار حوله ونتائجه الفعليّة في الجزء القادم.

3) تنفيذ الختان

أ) الإعداد للختان

يقول إبن قدامة:

«ودعوة الختان لا يعرفها المتقدّمون ولا على من دعي إليها أن يجيب وإنّما وردت السُنّة في إجابة من دعي إلى وليمة تزويج. يعني بالمتقدّمين أصحاب رسول الله (ص) الذين يقتدى بهم وذلك لما روي أن عثمان بن أبي العاص دعي إلى ختان فأبي أن يجيب فقيل له فقال إنا كنّا لا نأتي الختان على عهد رسول الله ولا ندعى إليه، رواه الإمام أحمد بإسناده. إذا ثبت هذا فحُكم الدعوة للختان وسائر الدعوات غير الوليمة أنها مستحبّة لما فيها من إطعام الطعام، والإجابة إليها مستحبّة غير واجبة وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه. وقال العنبري تجب إجابة كل دعوة لعموم الأمر، فإن إبن عمر روى عن النبي (ص) أنه قال: «إذا دعا أحدكم أخاه فليجبه عرساً كان أو غير عرس» أخرجه أبو داوود. ولنا أن الصحيح من السُنّة إنّما ورد في إجابة الداعي إلى الوليمة وهي الطعام في العرس خاصّة [...]. وقد دعي أحمد إلى ختان فأجاب وأكل. فأمّا الدعوة في حق فاعلها فليست لها فضيلة تختص بها لعدم ورود الشرع بها ولكن هي بمنزلة الدعوة لغير سبب حادث، فإذا قصد فاعلها شكر الله عليه وإطعام إخوانه وبذل طعامه فله أجر ذلك إن شاء الله تعالى» [967] .

ويقول إبن الحاج: «والسُنّة في ختان الذكر إظهاره وفي ختان النساء إخفاؤه» [968] .

ويقول إبن جزي: «تستحب الدعوة لطعام الختان وهو الإعذار، ولا يفعل ذلك في خفاض النساء للستر» [969] .

وعادات الختان تختلف من مكان إلى آخر وتصاحبها عامّة إحتفالات. وقد أهملها الباحثون الإجتماعيّون في البلاد العربيّة والإسلاميّة. وأذكر هنا عادة الختان في المغرب كما سمعتها. وهو أن عمّة أو خالة الطفل تدعو المطهّر إلى بيتها وتعد لعمليّة الختان دون معرفة أهل الطفل. وفي اليوم المحدّد تقوم باجتذابه إلى بيتها بحجّة أنها إشترت له هدايا. وعندما يدخل الطفل البيت تجرى عليه عمليّة الختان ثم يعاد إلى أهله محمّلاً بالهدايا. وقد إلتقيت بأستاذ جامعي مغربي كان في زيارة إلى تونس وقال إنه يخاف أن يرجع ويجد إبنه قد ختن من قِبَل عمّته وخالته.

ويقول أحمد أمين في قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصريّة الذي كتبه عام 1950 عن عادة الختان في مصر:

«جرت العادة أن يكون الختان نحو السابعة من العمر، وهم يحتفلون به ويؤلّفون لهذا الغرض موكباً يجتمع فيه الأصدقاء والمحبّون، ويركّبون الغلام جواداً أو عربة بعد أن يلبسوه لباساً فخماً وأمامه الموسيقى أو الطبل والمزمار. وقد يزيّنون الولد بزي الفتاة الصغيرة، ويطوفون به في الشوارع القريبة من بيتّهم على هذه الحال، وتقام مأدبة كبيرة. والعادة أن يختن الطفل عقب هذه الحفلة [...]. وكثير من الناس ينتهز فرصة زواج بنت أو شاب في البيت فيختن أولاده إختصاراً لكثرة الحفلات، فيكون الموكب مكوّناً عادة من عربة للعروس وعربة للطفل المراد ختانه. وبعضهم يُزوّر المختتن شيخاً من الأولياء كالإمام الشافعي. وعادة تجرى حفلة كبيرة في ساحة الإمام للختان العام الذي يشترك فيه عدد كبير، خصوصاً من أولاد الفقراء» [970] .

وبخصوص ختان الأنثى، يرى السكّري في عصرنا أن تتم عمليّة خفاض البنت في سرّية تامّة ولا يحضرها إلاّ ولي البنت أو أمّها أو من هو أكثر شفقة عليها، لأن حال النساء مبني على الستر في التشريع الإسلامي. وينبغي أن تتم عمليّة خفاض البنات بالذات نهاراً بحيث يستطيع الطبيب إجراءها بطريقة صحيحة على ضوء النهار [971] .

وختان الإناث يتم عامّة دون إبلاغ البنت بذلك. فهناك من تؤخذ من فراشها ليلاً إلى الداية التي تقوم بختانها. ولكن يحدث أن تبلّغ البنت بزمن ختانها. وبعض البنات تنظر هذا الحدث بسرور ثم تنقلب سعادتها إلى تعاسة (أو كما قالت إحدى السيّدات: «كانت فرحة مُنَيِّلة» أو «كان يوم أسود») [972] . وتقول نعمت أبو السعود أن عمليّة ختان الإناث بين الأسر الفقيرة مرحّب بها، إذ تصلها الهدايا من الجيران والأسرة بهده المناسبة، كما أن الطفلة تحظى بأنواع من الأكل كاللحوم والدجاج ممّا لا يتيسّر لها في الظروف العاديّة [973] .

تحكي نوال السعداوي قصّة ختانها فتقول:

«كنت في السادسة من عمري، نائمة في سريري الدافئ أحلم أحلام الطفولة الورديّة، حينما أحسست بتلك اليد الخشنة الكبيرة ذات الأظافر القذرة السوداء، تمتد وتمسكني، ويد أخرى مشابهة لليد السابقة خشنة وكبيرة، تسد فمي وتطبّق عليه بكل قوّة لتمنعني من الصراع. وحملوني إلى الحمّام، لا أدري كم كان عددهم. ولا أذكر ماذا كان شكل وجوههم. وما إذا كانوا رجالاً أم نساء. فقد أصبحت الدنيا أمام عيني مغلقة بضباب أسود. ولعلّهم أيضاً وضعوا فوق عيني غطاءاً. كل ما أدركته في ذلك الوقت تلك القبضة الحديديّة التي أمسكت رأسي وذراعي وساقي حتّى أصبحت عاجزة عن المقاومة أو الحركة. وملمس بلاط الحمّام البارد تحت جسدي العاري. وأصوات مجهولة وهمهمات يتخلّلها صوت إصطكاك شيء معدني، ذكّرني باصطكاك سكّين الجزّار حين كان يسنّه أمامنا قَبل ذبح خروف العيد.

وتجمّد الدم في عروقي. ظننت أن عدداً من اللصوص سرقوني من سريري ويتأهبون لذبحي. وكنت أسمع كثيراً من هذه القصص من جدّتي الريفيّة العجوز.

وأرهفت أذني لصوت الإصطكاك المعدني. وما أن توقّف حتّى توقّف قلبي بين ضلوعي. وأحسست وأنا مكتومة الأنفاس ومغلقة العينين أن ذلك الشيء يقترب منّي. لا يقترب من عنقي، وإنّما يقترب من بطني، من مكان بين فخذي. وأدركت في تلك اللحظة أن فخذي قد فتحتا عن آخرهما، وأن كل فخذ قد شدّت بعيداً عن الأخرى بأصابع حديديّة لا تلين. وكأنما السكّين أو الموسى الحاد يسقط على عنقي بالضبط. أحسست بالشيء المعدني يسقط بحدّة وقوّة ويقطع من بين فخذي، جزءاً من جسدي.

صرخت من الألم رغم الكمّامة فوق فمي. فالألم لم يكن ألماً، وإنّما هي نار سرت في جسدي كلّه، وبركة حمراء من دمي تحوّطني فوق بلاط الحمّام. لم أعرف ما الذي قطعوه منّي، ولم أحاول أن أسأل. كنت أبكي وأنادي على أمي لتنقذني. وكم كانت صدمتي حين وجدتها هي بلحمها ودمها واقفة مع هؤلاء الغرباء تتحدّث معهم وتبتسم لهم وكأنما لم يذبحوا إبنتها منذ لحظات.

وحملوني إلى السرير. ورأيتهم يمسكون أختي التي كانت تصغرني بعامين بالطريقة نفسها فصرخت وأنا أقول لهم لا، لا. ورأيت وجه أختي من بين أيديهم الخشنة الكبيرة. كان شاحباً كوجوه الموتى. والتقت عيني بعينيها في لحظة سريعة قَبل أن يأخذوها إلى الحمّام. وكأنما أدركنا معاً في تلك اللحظة المأساة، مأساة أننا خلقنا من ذلك الجنس، جنس الإناث، الذي يحدّد مصيرنا البائس، ويسوقنا بيد حديديّة باردة، إلى حيث يستأصل من جسدنا بعض الأجزاء» [974] .

هذا وليس عند المسلمين تعليمات دينيّة بخصوص المكان الذي يجري فيه الختان. فختان الذكور قد يتم في المنزل أو في دكّان حلاّق الصحّة أو في المستشفى أو العيادة الخاصّة للطبيب أو في ساحة المسجد. وكذلك الأمر فيما يخص ختان الأنثى ولكن ليس في ساحة المسجد. وبسبب حملة مكافحة ختان الإناث في مصر، أصبح ممنوعاً القيام بهذه العمليّة في المستشفيات أو العيادات الخاصّة.

وفي دولة الإمارات، يستحب أن يتم الختان أيّام الإثنين أو الخميس أو الجمعة، وأن يكون مناسبة دينيّة مثل مولد الرسول، أو ذكرى الهجرة النبويّة أو إنتصار المسلمين في إحدى المعارك أيّام الرسول أو عند ذكرى الإسراء والمعراج. أمّا أوقات تنفيذ العمليّة فتكون في منتصف الصباح (الضحى) ولا يكون في المساء أبداً أو في الليل [975] . وفي هذا البلد يتم الختان جماعيّاً على أطفال الأهل والجيران ويقوم أهل الأولاد الإتّصال بعائلات الفقراء أو الأيتام لدعوتهم إلى ختان أولادهم مجّاناً كعمل خير [976] . وعمليّة الختان تتم في جو من المراقبة على الأطفال الذين قد يهربون من البيت خوفاً من الختان [977] .

ب) القطع في الذكور

يجادل الفقهاء المسلمون القدامى حول الكمّية التي يجب أن تؤخذ من جلد الذكر. يقول النووي إن الواجب في ختان الرجل قطع الجلدة التي تغطّي الحشفة كلّها فإن قطع بعضها وجب قطع الباقي ثانياً. ويذكر قول لابن كج إنه قال عندي أنه يكفي قطع شيء من الغلفة وإن قل بشرط أن يستوعب القطع تدوير رأسها. وهذا الرأي يراه النووي شاذ ضعيف [978] .

ويقول إبن قيّم الجوزيّة:

«قال الميموني قلت لأبي عبد الله مسئلة سئلت عنها ختن صبيّاً فلم يستقص قال إذا كان الختان جاوز نصف الحشفة إلى فوق فلا يعيد لأن الحشفة تغلظ وكلّما غلظت إرتفع الختان. فأمّا إذا كان الختان دون النصف فكنت أرى أن يعيد. قلت فإن الإعادة شديدة جدّاً وقد يخاف عليه من الإعادة. فقال لا ادري» [979] .

وقد إستعرض إبن حجر آراء الفقهاء:

«الختن قطع بعض مخصوص من عضو مخصوص [...]. قال الماوردي: ختان الذكر قطع الجلدة التي تغطّي الحشفة، والمستحب أن تستوعب من أصلها عند أوّل الحشفة، وأقل ما يجزئ أن لا يبقى منها ما يتغشّى به شيء من الحشفة. وقال إمام الحرمين: المستحق في الرجال قطع الغلفة، وهي الجلدة التي تغطّي الحشفة حتّى لا يبقى من الجلدة شيء متدل. وقال إبن الصبّاغ: حتّى تنكشف جميع الحشفة. وقال إبن كج فيما نقله عن الرافعي: يتأتّى الواجب بقطع شيء ممّا فوق الحشف وإن قل بشرط أن يستوعب القطع تدوير رأسها» [980] .

ويقول البهوتي: «وختان الذكر بأخذ جلدة حشفة الذكر يقال لها الغلفة والغرلة فإن إقتصر على أخذ أكثرها جاز» [981] .

ويقول الجمل توفّى عام 1790): «لا بد من كشف جميع الحشفة في الختان للرجل بقطع الجلدة التي تغطّيها فلا يكفي قطع بعضها» [982] .

وفي عصرنا يقول السكّري: «المستحب أن تستوعب [الغلفة] من أصلها عند أوّل الحشفة. وأقل ما يكفي في ذلك ألاّ يبقى منها ما يتغشّى به أو ما يتدلّى منه بحيث تنكشف جميع الحشفة» [983] .

وما العمل لو أن الغلفة نبتت بعد قطعها؟ نقرأ في كتاب وسائل الشيعة جواب لصاحب الزمان قال: «وأمّا ما سألت عنه من أمر المولود الذي نبتت غلفته بعد ما يختتن هل يختتن مرّة أخرى فإنه يجب أن تقطع غلفته فإن الأرض تضج إلى الله عز وجل من بول الأغلف أربعين صباحاً» [984] . ولكن الجمل (توفّى عام 1790) يقول غير ذلك: «إذا عادت الغلفة بعد ذلك لا تجب إزالتها لحصول الغرض بما فعل أوّلاً» [985] .

ج) القطع في الإناث

ذكر القرّافي عن الطرطوشي قوله: خفض المرأة قطع الناتئ أعلا فرجها كأنه عرف الديك [986] .

ويقول النووي: «الواجب في المرأة قطع ما ينطلق عليه الإسم من الجلدة التي كعرف الديك فوق مخرج البول [...]. ويستحب أن يقتصر في المرأة على شيء يسير ولا يبالغ في القطع واستدلوا فيه بحديث أم عطيّة» [987] .

ويقول إبن حجر نقلاً عن الماوردي: «ختانها قطع جلدة تكون في أعلى فرجها مدخل الذكر كالنواة أو كعرف الديك. والواجب قطع الجلدة المستعلية منه دون إستئصاله» [988] .

ويقول البهوتي: «وخفض الجارية أخذ جلدة أنثى فوق محل الإيلاج تشبه عرف الديك ويستحب أن لا تؤخذ كلّها من إمرأة نصّاً للخبر ولأنه يضعف شهوتها [989] .

وهناك رأي لطبيب مصري يقول فيه أن ختان البنات يكمن في قطع الشفرين الصغيرين وقطع جزء من البظر [990] . ويقول الدكتور يحيى عبد السلام وفا، أستاذ مساعد النساء والتوليد بطب الأزهر: «من الناحية النظريّة ترك الجزء البارز بالشفرين الصغيرين للأنثى يؤدّي إلى زيادة الغريزة. ولكن لا بد أن يكون القطع - إذا حدث - لجزء صغير. أي يمكن قطع الثلث وترك الثلثين من الشفرين الصغيرين، وهذا لا يمثّل جوراً وانتهاكاً» [991] . وفي فتواه الثانية: يقول الشيخ جاد الحق أن «الواجب الإتّباع» هو «قطع الجلدة أو النواة فوق رأس البظر»، «ولا يُستأصل البظر نهائيّاً» [992] .

وفي تعليقها على كلام الشيخ جاد الحق ترفض الدكتورة نور السيّد المس بالبظر لأنه «عضو الحس الجنسي للأنثى وله أهمّية كبيرة في الجماع والمعاشرة الزوجيّة وإزالته أو إزالة جزء منه يؤدّي إلى البرود الجنسي». وتضيف: «إزالة الشفرين الكبيرين (الشفتين بالنسبة للفرج) أو تركهما لا يؤثّر على العمليّة الجنسيّة، وتركهما ليس منه أي ضرر صحّي. ولذا أفضِّل تركهما، لأن لهما دور هام في حماية الجهاز التناسلي للأنثى، ولأن إستئصالهما فيه تشويه لهذه المنطقة من الأنثى». ثم تنتهي إلى نتيجة أن الختان يتم على غلفة البظر أي «الجلدة التي كعرف الديك فوق البظر» وهو ما عناه، في رأيها، النبي بقوله لأم حبيبة: «أشمّي ولا تُنهِكي فإنه أبهى للوجه، وأحظى لها عند الزوج» للحفاظ على البظر من قطع جزء منه أو قطعه نهائيّاً «وذلك لأن طريقة القطع آنذاك كانت تتم بشد الغشاء الذي يغلّف البظر ثم قطعه رأسيّاً باستعمال شفرة أو ما يعادلها من آلة القطع. أمّا الآن فيمكن إزالة هذا الغشاء، واستئصاله نهائيّاً دون إلحاق أي ضرر بالبظر وذلك بقصّه دائريّاً حول البظر عند طبيب متخصّص. وهذا أكثر فائدة من الناحيتين الجنسيّة والطبّية. ولذلك أرى أن هذا هو الختان المقصود في السُنّة الشريفة» [993] .

هناك إذاً إختلاف في موقف المسلمين في مدى القطع الذي يمكن إجراؤه في ختان الإناث:

- قطع الشفرين الصغيرين وقطع جزء من البظر

- قطع الثلث وترك الثلثين من الشفرين الصغيرين (مع البظر أو غلافه؟)

- قطع الجلدة أو النواة فوق رأس البظر

- إزالة غلاف البظر واستئصاله نهائيّاً دون إلحاق أي ضرر بالبظر وذلك بقصّه دائرياً.

وقد رأينا في القسم الأوّل من هذا الكتاب أن أكثر حالات الختان تمس بغلاف البظر والبظر والشفرين الصغيرين وأن هناك قرابة 15% إلى 20% من ختان الإناث يتم بالطريقة الفرعونيّة أو السودانيّة. وأكثر حالات الختان في السودان والصومال وجيبوتي تتم حسب الختان الفرعوني. وسبق أن ذكرنا أن هناك إعتقاد في مصر أن من تختن صغيرة قد يكبر بظرها فيتوجّب إعادة ختانها من جديد. وهناك من تختن مرّتين أو ثلاث مرّات [994] . وفيما يخص الختان الفرعوني فإنه قد يتم عدّة مرّات. فعند الزواج تفتح الفتاة بالموسى أو المشرط حتّى يمكن لعضو الزوج أن يدخل في المهبل. وأمّا المرأة السودانيّة المطلّقة فإنهم يغلقونها مرّة أخرى حتّى لا يمكنها ممارسة الجنس. فإذا تزوّجت مرّة ثانية عادوا وفتحوها بالموسى أو المشرط [995] . وعندما تضع طفلاً يعاد إغلاقها لتضييق فتحة الفرج بقصد زيادة لذّة الرجل.

د) مصير الغلفة في الحياة وبعد الموت

يروي القرطبي حديثاً للنبي يقول فيه: «أدفنوا قلاماتكم». ويضيف: «إن جسد المؤمن ذو حرمة. فما سقط منه وزال عنه فحفظه من الحرمة قائم، فيحق عليه أن يدفنه، كما أنه لو مات دفن، فإذا مات بعضه فكذلك أيضاً تقام حرمته بدفنه، كي لا يتفرّق ولا يقع في النار أو في مزابل قذرة». كما يروي حديثاً عن عائشة تقول فيه: «كان رسول الله (ص) يأمر بدفن سبعة أشياء من الإنسان: الشعر، والظفر، والدم، والحيضة، والسن، والغلفة، والبشيمة» [996] .

ويقول النووي فيما يؤخذ من الميّت:

«في الشعور المأخوذة من شاربه وإبطه وعانته وأظفاره وما إنتتف من تسريح رأسه ولحيته وجلدة الختان إذا قلنا يختن وجهان: (أحدهما) يستحب أن يصر كل ذلك معه في كفنه ويدفن [...] (والثاني) يستحب أن لا يدفن معه بل يوارى في الأرض غير القبر [...]. والإختيار عندنا أنها لا تدفن معه لأنه لم يرد فيه خبر ولا أثر» [997] .

ويقول إبن جزي: «الغرلة وهي ما يقطع في الختان نجسة لأنها قطعت من حي فلا يجوز أن يحملها المصلّي ولا أن تدخل المسجد ولا أن تدفن فيه وقد يفعله بعض الناس جهلاً منهم» [998] .

ويقول أحمد أمين أنه «قد جرت الطبقة الكبيرة والوسطى على أن تلف القطعة التي فصلت من الولد في منديل وتضع عليها ملحاً حتّى لا تتعفّن ويربط المنديل في عنق الولد على شكل عقد حتّى إذا شفي من هذه العمليّة رماها في النيل أو في الخليج» [999] .

وتقول الدكتورة سهام عبد السلام أنه في مصر يتم ربط القطعة التي تقطع من الأنثى حول ذراعها أو في عنقها. وبعد شفائها ترمى أمام دكّان جواهري أو في النيل حتّى لا يسير عليها شخص غير طاهر قد يؤدّي إلى عقم البنت [1000] . وتقول نعمت أبو السعود كان الإعتقاد سائداً بأن تتم عمليّة ختان الإناث في موسم فيضان النيل وكان الجزء المستأصل من البنت يوضع في قطعة قماش تعلّق في عنق الطفلة ثم تلقى في ماء النيل الجاري. وكانوا يعتقدون أن إرتفاع ماء النيل في موسم الفيضان يساعد على تحسن صحّة الطفلة وامتلاء جسمها [1001] . وقد سألت الأهل على سبب تعليق الجزء المستأصل حول الرقبة، فكانت الإجابة إن هذا يمنع من إصابتها بالعقم (المشاهرة) [1002] .

ورغم أن الغرلة تعتبر نجسة في الحياة، إلاّ أن المسلمين يعتقدون أن الله يعيدها للإنسان في الحياة الأخرى. وهم يعتمدون في ذلك على القرآن الذي يقول: «يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أوّل خلق نعيده وعداً علينا إنا كنّا فاعلين» (الأنبياء 104:21) وفي مكان آخر: «كما بدأكم تعودون» (الأعراف 29:7).

وهناك عدّة أحاديث نبويّة في هذا الموضوع. ففي صحيح البخاري: «إنكم محشورون حفاة عراة غرلاً» [1003] . وفي مسند إبن حنبل «إنكم ملاقو الله حفاة عراة مشاة غرلاً» [1004] . ولكن في حديث آخر في صحيح مسلم سقطت كلمة «غرلاً» [1005] .

ويقول النووي في تفسير صحيح مسلم: «المقصود أنهم يحشرون كما خلقوا لا شيء معهم ولا يفقد منهم شيء، حتّى الغرلة تكون معهم» [1006] . ويقول إبن قيّم الجوزيّة «لمّا وعد الله سبحانه - وهو صادق الوعد الذي لا يخلف وعده - أنه يعيد الخلق كما بدأهم أوّل مرّة، كان من صدق وعده أن يعيده على الحالة التي بدأ عليها من تمام أعضائه وكمالها» ويضيف: «إن الختان إنّما شرّع في الدنيا لتكميل الطهارة والتنزّه من البول، وأهل الجنّة لا يبولون ولا يتغوّطون فليس هناك نجاسة تصيب الغرلة، فيحتاج إلى التحرّز منها، والغلفة لا تمنع لذّة الجماع ولا تعوقه» [1007] . وهذا الكلام يعيده علينا مؤلّف حديث [1008] .

4) صلاة الختان

لا نجد في الكتب الإسلاميّة أيّة إشارة إلى مراسيم دينيّة خاصّة بالختان كما هو الأمر عند اليهود. إلاّ أننا نجد في كتب الشيعة دعاءاً دينيّاً يتلى بمناسبة الختان. فقد نقل عن الصادق أنه إذا ختن الصبي يقول: «اللهم هذه سُنّتك وسُنّة نبيّك صلواتك عليه وآله واتّباع لمثالك وكتبك ولنبيّك بمشيئتك وإرادتك وقضائك، لأمر أردته وقضاء حتّمته وأمر أنفذته، فأذقته حر الحديد في ختانه وحجامته لأمر أعرف به منّا. اللهم فطهّره من الذنوب وزده في عمره وادفع الآفات عن بدنه والأوجاع عن جسمه وزده من الغنى وادفع عنه الفقر فإنك تعلم ولا نعلم». وقال: «أي رجل لم يقلها على ختان ولده فليقلها عليه من قبل أن يحتلم، فإن قالها كفي حر الحديد من قتل أو غيره» [1009] .

ويذكر العبّودي من الإمارات أنه عندما يجهّز الخاتن الموسى للقطع يعلو صوت الرجال الوقوف حولهم بالصلاة على محمّد وآل محمّد (ص) وببعض مقاطع الشعر مثل «طالع فوق يا مختون» بشكل متتال قَبل لحظات قطع الجلد. والهدف من هذه المباركة هو إشغال تركيز الصبي وتشتيت ذهنه عن حرقة الموسى والنظر إلى فوق [1010] .

وبخصوص ختان الأنثى، يرى السكّري في عصرنا «أن يبدأ الخاتن أو الخافضة بالبسملة وحمد الله تعالى، والصلاة والسلام على رسول الله (ص) صاحب هذه المَكرُمَة العظيمة» [1011] .

خاتمة الجدل الديني

قبل أن ننتقل إلى الجدل الطبّي، نود أن نقدّم للقارئ النتيجة التي توصّلنا لها بعد عرضنا للجدل الديني عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين.

1) لا يوجد أي نص في الكتب المقدّسة اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة عن ختان الإناث.

2) هناك عدّة صفحات في الكتب المقدّسة اليهوديّة تتكلّم عن ختان الذكور. وقد فرضت هذه الكتب ختان الذكور كعلامة عهد بين الله و«الشعب المختار» بأن يعطيهم أرض كنعان مقابل ختان كل ذكر منهم. وهذا خرق للأخلاق لأنه يكرّس فكرة تعالي شعب على كل شعوب الأرض الأخرى، ويبرّر سرقة أرض الغير لصالح مجموعة بشريّة معيّنة، ويمس بحرمة جسم طفل دون إرادته ودون سبب طبّي. وما زالت الأكثريّة الساحقة من اليهود تمارس هذه العادة، معتبرة كل من هو غير مختون نجساً. وقد حاول بعض اليهود قديماً إلغائها ولكن تعرّضوا لعنت رجال الدين. وقد ساعد تحرّر اليهود من سلطة رجال الدين في القرن الماضي في نمو تيّار معارض للختان بسبب مخالفته للمبادئ الأخلاقيّة ولأنه يؤدّي إلى تقوقع اليهود على أنفسهم. وهذا التيّار في تزايد مستمر في أيّامنا رغم محاولة رجال الدين اليهود إستعادة السيطرة على الطائفة اليهوديّة. وبالإضافة إلى ختان الذكور، مارس اليهود عبر العصور ختان الإناث ولكنّهم في أيّامنا يرفضون الإعتراف بذلك ويستنكرون هذه العادة.

3) هناك عدّة صفحات في الكتب المقدّسة المسيحيّة تتكلّم عن ختان الذكور. وقد أفرغت هذه الكتب الختان من معناه الديني تماماً. فقد إستبدلت العلامة الخارجيّة على الأعضاء الجنسيّة بعلامة روحيّة وهي المعموديّة، واعتبرت أن لا شيء في الإنسان نجس، وأن لا فرق بين المختون وغير المختون. وقد فشلت محاولات اليهود الذين تحوّلوا إلى المسيحيّة في فرض ختان الذكور على الطائفة الجديدة، خاصّة بسبب معارضة القدّيس بولس لهم، وتحريم السلطات الرومانيّة لعادة الختان، وضعف تأثير اليهود في الإمبراطوريّة الرومانيّة. وقد إعتبر بعض آباء الكنيسة أن ختان الذكور مخالف لفلسفة كمال الخلق وإهانة للخالق. ولكن هناك تيّار ديني أصولي مسيحي متزمّت حاول الرجوع إلى الكتب المقدّسة اليهوديّة لفرض ختان الذكور من جديد بإعتبار أن للختان حِكمة إلهيّة خفيّة أوحى بها الله لشعبه المختار يجب ممارستها من قِبَل الجميع، متذرّعين في ذلك بحجج علميّة سوف نعود لها في الجزء القادم. فانتشرت عادة الختان في الدول التي تتكلّم الإنكليزيّة، وخاصّة في الولايات المتّحدة التي يسيطر عليها اليهود. ولكن هناك تيّار معاكس يرفض الرجوع للكتب المقدّسة اليهوديّة ويفنّد الحجج الدينيّة والعلميّة للتيّار الأصولي بحجج دينيّة وعلميّة أخرى. وقد أدّى ذلك إلى إنخفاض معدّلات الختان في تلك الدول بصورة كبيرة ومتواصلة. ورغم تفريغ الختان من معناه الروحي، ما زال بعض المسيحيّين الشرقيّين يمارسه، خاصّة الطائفة القبطيّة كعادة إجتماعيّة بسبب إنتشار هذه العادة بين مسلمي ويهود مصر عبر التاريخ. ولا يوجد في هذه الطائفة تيّار معاد لختان الذكور، لا بل إن رجال الدين الأقباط يحاولون تبريره بحجج علميّة مصدرها الأساسي في أيّامنا اليهود والأصوليّين المسيحيّين في الولايات المتّحدة. وهم يجهلون أو يتجاهلون موقف آباء الكنسيّة المصريّين الرافض لختان الذكور مثل القدّيس كيريلّوس بطرك الإسكندريّة الملقّب بعمود الكنيسة. كما أن الأقباط مارسوا وما زالوا يمارسون ختان الإناث لنفس الأسباب رغم تصدّي السلطات الدينيّة المسيحيّة لهذه العادة.

4) على خلاف الكتب المقدّسة اليهوديّة والمسيحيّة لا يوجد أي ذكر في القرآن لختان الذكور. ورغم ذلك فإن المسلمين يكوّنون أكبر مجموعة تمارس ختان الذكور في العالم. وقد حاول الفقهاء المسلمون القدامى تفسير بعض ألآيات القرآنيّة والإعتماد على بعض الأحاديث النبويّة لصالح ختان الذكور. ولكنّهم لم يتّفقوا فيما بينهم على تفسير مقنع. كما أن الكثير منهم قد شكّك في صحّة الأحاديث النبويّة. إلاّ أن ختان الذكور تغلغل في المجتمع الإسلامي. ويرجع ذلك للتأثير الكبير الذي لعبه اليهود الذين تحوّلوا إلى الإسلام في القرون الأولى إلى درجة أن الختان أعتبر من شعائر الإسلام وأحد علاماته المميّزة وأن كل من هو غير مختون أعتبر نجساً. وهي كلّها أفكار يهوديّة. وهكذا نجح اليهود في فرض شريعة موسى على المسلمين بينما فشلوا في فرضها في المجتمع الروماني المسيحي.

وفيما يخص ختان الإناث، يعتبر المسلمون أيضاً أكبر مجموعة في العالم تمارسه. وليس في القرآن أي ذكر له والأحاديث التي إعتمد عليها الفقهاء القدامى مشكوك في صحّتها. فهي عادة تغلغلت في بعض البلاد الإسلاميّة وما زالت تمارس فيها تحت غطاء الدين ولأسباب إجتماعيّة أخرى، خاصّة لإحكام سيطرة الرجال على النساء بتعديل غريزتهن الجنسيّة. وقد ثار جدل كبير في عصرنا ضد هذه العادة باعتبار أنها مخالفة لفلسفة كمال الخلق التي يشدّد عليها القرآن في عدد من آياته كما أنها مخالفة للقاعدة الشرعيّة «لا ضرر ولا ضرار». ولكن كثير من رجال الدين المسلمين ما زالوا يدافعون عن هذه العادة.

وبموازاة التيّار الرافض لختان الإناث بين المسلمين، هناك تيّار آخر يرفض أيضاً ختان الذكور لنفس الأسباب، ولكن هذا التيّار ما زال ضعيفاً وينقصه العون المادّي والمعنوي الذي تتيحه الدول الغربيّة والمنظّمات الدوليّة وغير الحكوميّة لمعارضي ختان الإناث. فهذه الدول وهذه المنظّمات ترفض التعرّض لختان الذكور، خاصّة بسبب خوفها من اليهود ومن الأصوليّين المسيحيّين المؤيّدين لليهود.

5) نرى ممّا سبق أن موقف الكتب المقدّسة اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة من ختان الذكور قد تطوّر: من فرض الختان، إلى تفريغه من معناه الديني، إلى السكوت عنه والتأكيد على فلسفة كمال الخلق ومبدأ «لا ضرر ولا ضرار». ورغم هذا التطوّر في الكتب المقدّسة فإن العادة ما زالت تمارس، إذ يتم ختان الأطفال يوماً بعد يوم وأصبح عادة تلقى قبولاً تامّاً في نفوس الناس. والأغرب من كل ذلك أن ختان الإناث ما زال يمارس رغم عدم وجود أي ذكر له في الكتب المقدّسة اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة. وإذا ما طلبت من أهالي الأطفال تبريراً لختان الذكور والإناث، وجدت أن معرفتهم حول الموضوع تقتصر على معلومات عامّة وأقوال يتناقلونها دون أي تحقيق. ورغم ضعف معرفتهم بالأمور الطبّية، فإنهم ينتقلون من الجدل الديني إلى الجدل الطبّي كوسيلة للإبقاء على هذه العادة وهذا ما سوف نراه في الجزء القادم.


[1] حسب الله: أصول التشريع الإسلامي، ص 374-380.

[2] حول أهمّية المشنا عند اليهود، أنظر المقدّمة التي كتبها Jacob Neusner لترجمته The Mishnah, p. XIV

[3] أنظر مثالاً للإعتماد على هذا النص الأخير عند كاتب يهودي حديث Klein: A guide to Jewish religious practice, p. 421 .

[4] السكّري، ص 12.

[5] أنظر أيضاً عبد الرازق: الختان، صفحة 16.

[6] أنظر أسعد: الأصل الأسطوري لختان الإناث، ص 55؛ الهوّاري: الختان، ص 01 و18؛ Barth (editor): Berit Mila, p. 93-94; Feucht: Das Kind im alten ?gypten, p. 245-251

[7] أنظر هذه الأسطورة في Plutarque: Oeuvres morales, tome V, 2ème partie, p. 192-193 . وعن تحريم دخول الهيكل لآكل السمك وغير المختون أنظر Galpaz-Feller, p. 507-521

[8] Erodoto: Le storie, vol. 1, p. 179-180

[9] Erodoto: Le storie, vol. 1, p. 213-214

[10] Strabon, vol. 3, p. 465

[11] Philon: De specialibus legibus, I-II, p. 13

[12] Philon: Quaestiones et solutiones in Genesim, III-VI, p. 107

[13] Mantovani: Circoncisi ed incirconcisi, p. 55

[14] روزاليند وجاك يانس، ص 94-95.

[15] Ginzberg: The legends of the Jews, vol. II, p. 78-79 . وهناك رواية ثانية تقول إنه هو الذي علم الأحباش الختان أيضاً Ginzberg: The legends of the Jews, vol. V, p. 407

[16] Barth (editor): Berit Mila, p. 95

[17] Erodoto: Le storie, vol. 1, p. 214

[18] أنظر أرميا 25:9.

[19] أنظر مثلاً التكوين 14:24 والقضاة 3:14.

[20] Josephus: Jewish antiquities, I (vol. IV), par. 214, p. 107

[21] Josephus: Against Apion I, (vol. I), par. 171, p. 231

[22] Barth (editor): Berit Mila, p. 95

[23] Larue: Religious traditions and circumcision

[24] حسين: في الشعر الجاهلي، ص 399 في مجلّة «القاهرة». أنظر أيضاً كتاب القمني: النبي إبراهيم والتاريخ المجهول.

[25] الصليبي: خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل، ص 89 وما بعدها.

[26] Hoffman: Covenant of blood, p. 28-29 ; Barth (editor): Berit Mila, p. 97

[27] Barth (editor): Berit Mila, p. 109-110

[28] Philon: Quaestiones et solutiones in Genesim, III-VI, p. 87-89

[29] Barth (editor): Berit Mila, p. 10-11

[30] Barth (editor): Barth (editor): Berit Mila, p. 109

[31] Ginzberg: The legends of the Jews, vol. V, p. 233

[32] Ginzberg: The legends of the Jews, vol. I, p. 240

[33] Ginzberg: The legends of the Jews, vol. V, p. 233

[34] The book of legends, p. 71

[35] The book of legends, p. 58

[36] جوزيف: الختان، ص 76.

[37] أنظر الملحق 25 في آخر الكتاب.

[38] Klein: A guide to Jewish religious practice, p. 421; Circumcision, Encyclopaedia judaica, col. 575

[39] Spinosa: Traité théologico-politique, p. 81-82 ؛ سبينوزا: رسالة في اللاهوت والسياسة، ص 188-189.

[40] سبينوزا: رسالة في اللاهوت والسياسة، ص 189، هامش 56.

[41] Romberg: Circumcision, p. 48-49

[42] أنظر أيضاً الخروج 2:13 و13؛ 20:34؛ أنظر في هذا الخصوص Barth (editor): Berit Mila, p. 102

[43] العدد 11:3-13، 44-50. أنظر أيضاً العدد 16:8-18؛ 16:18.

[44] أنظر هذا الطقس في Cohen: Guide, p. 105-124

[45] أنظر أيضاً الأحبار 12:18؛ تثنية 10:18.

[46] أنظر أيضاً أرميا 4:19-6 و35:32؛ 2 ملوك 10:23؛ أنظر في هذا الخصوص أيضاً كتاب الزغبي: القرابين البشريّة والذبائح التلمودية.

[47] Barth (editor): Berit Mila, p. 61

[48] Circumcision, Encyclopaedia judaica, col. 568

[49] Romberg: Circumcision, p. 39-40

[50] Larue: Religious traditions and circumcision

[51] Burrington: Just a little off the top?

[52] أنظر في ذلك Maïmonide: Le livre de la connaissance, p. 97-98

[53] Ginzberg: The legends of the Jews, vol. V, p. 423

[54] The Mishnah, (keritot 1:1), p. 836

[55] The Mishnah, (keritot 1:2), p. 837

[56] Philon: Quaestiones et solutiones in Genesim, III-VI, p. 123-125

[57] Montagu: Mutilated humanity

[58] Barth (editor): Berit Mila, p. 97

[59] أنظر مثلاً 1 صموئيل 6:14 و26:17 و36؛ 1 الأخبار 4:10؛ حزقيال 10:28.

[60] The Mishnah, (Nedarim 3:11), p. 412

[61] The book of legends, p. 129

[62] The Talmud of Babylonia, (Yebahot 72A), vol. XIII.C, p. 57

[63] Barth (editor): Berit Mila, p. 168-169

[64] La Bible de Jérusalem, p. 1292, note c

[65] Galpaz-Feller, p. 517

[66] Hoffman: Covenant of blood, p. 31

[67] Aldeeb Abu-Sahlieh: Les musulmans face aux droits de l'homme, p. 128-129

[68] Hoffman: Covenant of blood, p. 9-10

[69] Barth (editor): Berit Mila, p. 171

[70] Menuhin: La saga des Menuhin, p. 34-35

[71] أنظر أيضاً لوقا 52:9؛ 10: 33؛ 1:15-2؛ متّى 5:10.

[72] Trachtenberg: Jewish magic and superstition, p. 48

[73] Ginzberg: The legends of the Jews, vol. I, p. 306

[74] Ginzberg: The legends of the Jews, vol. III, p. 375

[75] Tishby: The wisdom of the zohar, vol. III, p. 1181

[76] Ginzberg: The legends of the Jews, vol. VI, p. 341

[77] Ginzberg: The legends of the Jews, vol. V, p. 268-269

[78] Ginzberg: The legends of the Jews, vol. I, p. 121, 146-147, 315, 365; vol. II, p. 4; vol. IV, p. 294; vol. V, p. 100, 226, 268, 273, 297, 399; vol. VI, p. 194, 248

[79] Ginzberg: The legends of the Jews, vol. V, p. 22, 66, 268-269

[80] Ginzberg: The legends of the Jews, vol. I, p. 146-147

[81] Le Talmud de Jérusalem, tome VIII, p. 186; The book of legends, p. 455

[82] Cohen: Guide, p. 5-6

[83] Barth (editor): Berit Mila, p. 171

[84] Ginzberg: The legends of the Jews, vol. II, p. 259

[85] Cohen: Guide, p. 3; Circumcision, Encyclopaedia judaica, col. 568

[86] أنظر أيضاً حزقيال 7:44 و 9.

[87] Philon: Quaestiones et solutiones in Genesim, III-VI, p. 87-89

[88] Hoffman: Covenant of blood, p. 31-38

[89] Ginzberg: The legends of the Jews, vol. V, p. 273

[90] Cohen: Guide, p. 4

[91] Barth (editor): Berit Mila, p. 172, and footnote 24

[92] Cohen: Guide, p. 4, 5

[93] Aldeeb: Discriminations, p. 29-31

[94] Romberg: Circumcision, p. 75

[95] Cohen: Guide, p. 49

[96] The book of legends, p. 577

[97] Barth (editor): Berit Mila, p. 105-106

[98] Barth (editor): Berit Mila, p. 104-106

[99] Barth (editor): Berit Mila, p. 106-107

[100] Philon: Quaestiones et solutiones in Exodum, I et II, p. 109

[101] أنظر النص في الملحق 25 في آخر الكتاب.

[102] إبن ميمون: دلالة الحائرين، ص 707.

[103] Romberg: Circumcision, p. 71

[104] Barth (editor): Berit Mila, p. 110-111

[105] Aldeeb Abu-Sahlieh: L'impact de la religion sur l'ordre juridique, p. 32-33

[106] Barth (editor): Berit Mila, p. 129-136

[107] Barth (editor): Berit Mila, p. 136-137

[108] Barth (editor): Berit Mila, p. 137-138

[109] Barth (editor): Berit Mila, p. 141-144; Philipson: The reform movement in Judaism, p. 131-137; Liberles: Religious conflict in social context, p. 52-61

[110] Barth (editor): Berit Mila, p. 145; Hoffman: Covenant of blood, p. 3

[111] Barth (editor): Berit Mila, p. 146

[112] Barth (editor): Berit Mila, p. 146-147

[113] Barth (editor): Berit Mila, p. 143

[114] Barth (editor): Berit Mila, p. 146-147

[115] Barth (editor): Berit Mila, p. 146-147

[116] Barth (editor): Berit Mila, p. 147-148

[117] Hoffman: Covenant of blood, p. 211-212

[118] Barth (editor): Berit Mila, p. 148-149

[119] Barth (editor): Berit Mila, p. 148-149

[120] Hoffman: Covenant of blood, p. 213; Barth (editor): Berit Mila, p. XIX-XX

[121] Romberg: Circumcision, p. 62

[122] Goldman: Questioning circumcision, p. 31-41

[123] Goldman: Questioning circumcision

[124] Goldman: Questioning circumcision, p. 4-7

[125] Goldman: Questioning circumcision, p. 10-11

[126] Goldman: Questioning circumcision, p. 42

[127] Goldman: Questioning circumcision, p. 33; see also Romberg: Circumcision, p. 56-57, 73-85

[128] Goldman: Circumcision: a source of Jewish pain

[129] Goldman: Fax to Tim Hammond

[130] Moss: The Jewish roots of anti-circumcision arguments; Moss: A Jewish Inquiry

[131] Bivas: Private letter

[132] Circumcision: an American Health Fallacy, by Edward Wallerstein; Symbolic Wounds, by Bruno Bettelheim; Moses and Monotheism, by Sigmund Freud

[133] Singer: Private letter

[134] Pollack: Circumcision: a jewish feminist perspective

[135] Pollack: Redefining the sacred, p. 166

[136] Pollack: Redefining the sacred, p. 167

[137] Pollack: Redefining the sacred, p. 169

[138] Pollack: Redefining the sacred, p. 172

[139] Karsenty: A mother questions Brit Milla

[140] Goodman: Challenging circumcision, p. 175-176

[141] Goodman: Challenging circumcision, p. 176-177

[142] Goodman: Challenging circumcision, p. 177

[143] Goodman: Challenging circumcision, p. 177

[144] Goodman: Challenging circumcision, p. 177-178

[145] استقينا معلوماتنا عن هذه الجمعيّة من خلال ما جاء في «لوندون ديلي تلغراف» بتاريخ 5 مايو 1997 وما تم نشره في شبكة «الإنترنت» ومن اتصالاتي الشخصيّة بهذه الجمعيّة Message sur internet du 30 mai 1997 provenant d'Ari Zighelboim, akp@communique.net 1997 ; Message sur internet du 29 août 1997 provenant de bryce@cruzio.com

[146] The abolition of circumcision by Israel, p. 6-9

[147] Zoossmann-Diskin; Blustein, p. 345-349

[148] Jerusalem Post, 17.2.1999, on internet

[149] Zoossmann-Diskin; Blustein, p. 345-349

[150] Hecht: The cutting edge

[151] Barth (editor): Berit Mila, p. XVII-XVIII

[152] Barth (editor): Berit Mila, p. 162

[153] Barth (editor): Berit Mila, p. 148

[154] Barth (editor): Berit Mila, p. 149

[155] Hoffman: Covenant of blood, p. 2 and 218-219

[156] Hoffman: Covenant of blood, p. 219

[157] أنظر التكوين 12:17؛ الأحبار 21:3.

[158] Cohen: Guide, p. 25-27

[159] Barth (editor): Berit Mila, p. 184-185

[160] Barth (editor): Berit Mila, p. 86-87

[161] Barth (editor): Berit Mila, p. 69-77; 186

[162] Romberg: Bris Milah, p. 139-140

[163] Romberg: Bris Milah, p. 134-136

[164] Romberg: Bris Milah, p. 140

[165] Cohen: Guide, p. 145; Romberg: Circumcision, p. 72

[166] Hidiroglou: Les rites de naissance, p. 53

[167] Barth (editor): Berit Mila, p. 167

[168] The Mishnah, (Shabbat 19:4), p. 202-203; The Talmud of the Land of Israel, (Shabbat19:4), vol. 11, p. 464

[169] Klein: A guide to Jewish religious practice, p. 425; Cohen: Guide, p. 9

[170] The Talmud of the Land of Israel, (Shabbat19:5), vol. 11, p. 472

[171] Barth (editor): Berit Mila, p. 165

[172] The Mishnah, (Shabbat 19:1-3), p. 202; The Talmud of the Land of Israel, (Shabbat19:1), vol. 11, p. 449 sv; (Shabbat 19:3), p. 461

[173] Klein: A guide to Jewish religious practice, p. 425-426

[174] The Mishnah, (Shabbat 19:5), p. 203

[175] Klein: A guide to Jewish religious practice, p. 425

[176] Romberg: Bris Milah, p. 162

[177] Cohen: Guide, p. 20; Romberg: Bris Milah, p. 161-162

[178] Le Talmud de Jérusalem, tome VII, p. 166

[179] Barth (editor): Berit Mila, p. 6

[180] Barth (editor): Berit Mila, p. 170; Klein: A guide to Jewish religious practice, p. 425

[181] Cohen: Guide, p. 49-50

[182] Philon: Quaestiones et solutiones in Genesim, III-VI, p. 113

[183] Philon: Quaestiones et solutiones in Genesim, III-VI, p. 117-121

[184] أنظر النص كاملاً في الملحق 25 في آخر الكتاب.

[185] The Mishnah, (Shabbat 19:5), p. 203

[186] The Talmud of the Land of Israel, (Shabbat 19:5), vol. 11, p. 473

[187] Cohen: Guide, p. 11-12

[188] Romberg: Bris Milah, p. 91-92,126-132

[189] Hidiroglou: Les rites de naissance, p. 51-52

[190] Loir: La circoncision, p. 60

[191] Barth (editor): Berit Mila, p. 164; Romberg: Circumcision, p. 68

[192] Le Talmud de Jérusalem, tome VII, p. 95

[193] Romberg: Bris Milah, p. 19-20

[194] جاء ذلك في سفر التكوين 12:17-13 وفي سفر الخروج 44:12.

[195] Barth (editor): Berit Mila, p. 171

[196] Cohen: Guide, p. 33-35

[197] Barth (editor): Berit Mila, p. 170

[198] Romberg: Circumcision, p. 71

[199] Romberg: Bris Milah, p. 167-168

[200] Josephus: Jewish antiquities, XI (vol. VI), par. 285, p. 451

[201] Ibid., XIII, 257-258

[202] Ibid., XIII, 317-318

[203] Josephus: The life, (vol. I), par. 113, p. 45

[204] Ginzberg: The legends of the Jews, vol. II, p. 78-79 . وهناك رواية ثانية تقول إنه هو الذي علّم الأحباش الختان أيضاً Ginzberg: The legends of the Jews, vol. V, p. 407

[205] The Talmud of Babylonia, (Yebahot 75B), vol. XIII.C, p. 65-66; The Talmud of the Land of Israel, (Shabbat19:2), vol. 11, p. 459-460

[206] Le Talmud de Jérusalem, tome VII, p. 114; Barth (editor): Berit Mila, p. 167

[207] Cohen: Guide, p. 18

[208] Klein: A guide to Jewish religious practice, p. 425, 427; Cohen: Guide, p. 9, 16, 143

[209] Romberg: Bris Milah, p. 59-61

[210] Tribune de Genève, 14 avril 1997

[211] The Mishnah, (Shabbat 19:3), p. 202

[212] The Talmud of the Land of Israel, (Shabbat19:3), vol. 11, p. 463; Barth (editor): Berit Mila, p. 167

[213] The Talmud of Babylonia, (Yebahot 72A), vol. XIII.C, p. 50

[214] Cohen: Guide, p. 22

[215] Romberg: Circumcision, p. 71-72

[216] Romberg: Bris Milah, p. 148-151

[217] The Jerusalem Report, 9 September 1993, p. 8 . أنظر أيضاً خبراً حول ختان اليهود بعد وفاتهم في إسرائيل صدر في Circoncision posthume, Le Soir, 17 août 1993

[218] Jerusalem Post, July 16, 1998

[219] Cohen: Guide, p. 6

[220] Romberg: Bris Milah, p. 48-49, 110

[221] Barth (editor): Berit Mila, p. 169

[222] Klein: A guide to Jewish religious practice, p. 427

[223] Barth (editor): Berit Mila, p. 169

[224] Romberg: Bris Milah, p. 89-90

[225] Romberg: Bris Milah, p. 37-39

[226] Loir: La circoncision, p. 58

[227] Loir: La circoncision, p. 59

[228] Romberg: Bris Milah, p. 77

[229] Romberg: Circumcision, p. 52-53

[230] Klein: A guide to Jewish religious practice, p. 427

[231] Romberg: Bris Milah, p. 20-26

[232] Romberg: Bris Milah, p. 26-27, 33

[233] The Talmud of the Land of Israel, (Shabbat19:2), vol. 11, p. 459

[234] Cohen: Guide, p. 16 and 143 أنظر أيضاً Klein: A guide to Jewish religious practice, p. 427

[235] Romberg: Circumcision, p. 118

[236] Wallerstein: Circumcision: an American health fallacy, p. 156

[237] Romberg: Bris Milah, p. 154-155

[238] Hoffman: Covenant of blood, p. 58-63, 136-144, 195

[239] Hoffman: Covenant of blood, p. 136-144, 190-207

[240] Hoffman: Covenant of blood, p. 136-144

[241] Barth (editor): Berit Mila, p. 7

[242] Cohen: Guide, p. 6-7

[243] Romberg: Bris Milah, p. 99-101

[244] Cohen: Guide, p. 39-40

[245] Barth (editor): Berit Mila, p. 6-7

[246] Hidiroglou: Les rites de naissance, p. 77-78

[247] Hoffman: Covenant of blood, p. 73

[248] Tishby: The wisdom of the zohar, vol. III, p. 1178

[249] Romberg: Bris Milah, p. 117

[250] Hidiroglou: Les rites de naissance, p. 83

[251] Romberg: Bris Milah, p. 96-97

[252] Trachtenberg: Jewish magic and superstition, p. 37, 42, 48, 106, 157, 166, 170-172; Lewis: In the name of humanity, p. 61-63; Circumcision, Encyclopaedia judaica, col. 576; Lilith, Encyclopaedia judaica; Romberg: Circumcision, p. 37-38

[253] Loi: La circoncision, p. 61

[254] Barth (editor): Berit Mila, p. 16

[255] Trachtenberg: Jewish magic and superstition, p. 170-171

[256] Barth (editor): Berit Mila, p. 5, 35-46

[257] Romberg: Bris Milah, p. 81-84

[258] Romberg: Bris Milah, p. 87-88

[259] Romberg: Bris Milah, p. 46-47, 50

[260] Romberg: Bris Milah, p. 52-53

[261] Cohen: Guide, p. 130

[262] Romberg: Circumcision, p. 52-53

[263] Romberg: Bris Milah, p. 59-61

[264] Romberg: Bris Milah, p. 57-58

[265] Barth (editor): Berit Mila, p. 199-200

[266] Cohen: Guide, p. 127-128

[267] Hoffman: covenant of blood, p. 100-104

[268] The Mishnah, (Shabbat 19:6), p. 203

[269] The Talmud of the Land of Israel, (Shabbat19:2), vol. 11, p. 459

[270] The Talmud of Babylonia, (Yebahot 75B), vol. XIII.C, p. 65-66

[271] The Talmud of Babylonia, (Yebahot 72A), vol. XIII.C, p. 50

[272] The Talmud of the Land of Israel, (Shabbat19:2), vol. 11, p. 458

[273] Le Talmud de Jérusalem, tome VIII, p. 188

[274] Bigelow, p. 55-56

[275] Romberg: Bris Milah, p. 111

[276] Romberg: Bris Milah, p. 55-56; Romberg: Circumcision, p. 44

[277] Circumcision, Encyclopaedia judaica, col. 572

[278] Hidiroglou: Les rites de naissance, p. 28

[279] Hoffman: Covenant of blood, p. 91-92; Cohen: Guide, p. 130

[280] Barth (editor): Berit Mila, p. 201

[281] Romberg: Bris Milah, p. 57-58

[282] Romberg: Bris Milah, p. 81-82

[283] Hidiroglou: Les rites de naissance, p. 70

[284] Romberg: Bris Milah, p. 117-121

[285] Cohen: Guide, p. 34

[286] Cohen: Guide, p. 19

[287] Hoffman: Covenant of blood, p. 106; Trachtenberg: Jewish magic and superstition, p. 170

[288] Trachtenberg: Jewish magic and superstition, p. 154, 170; Romberg: Circumcision, p. 45; Lewis: In the name of humanity, p. 63; Maertens, p. 58-59

[289] Barth (editor): Berit Mila, p. 11

[290] Romberg: Circumcision, p. 70-71

[291] Hoffman: Covenant of blood, p. 68-69

[292] Ginzberg: The legends of the Jews, vol. III, p. 87

[293] Cohen: Guide, p. 43

[294] Hoffman: Covenant of blood, p. 69-74; Barth (editor): Berit Mila, p. 6-9

[295] أنظر http://www.sexuallymutilatedchild.org/mohel.htm

[296] Hoffman: Covenant of blood, p. 91-92

[297] Romberg: Bris Milah, p. 81-82, 95

[298] Romberg: Bris Milah, p. 63

[299] أنظر مثلاً: التكوين 1:4؛ 3:21؛ 25:25-26.

[300] Cohen: Guide, p. 7-9

[301] Romberg: Bris Milah, p. 149

[302] Romberg: Bris Milah, p. 143-147

[303] Hoffman: Covenant of blood, p. 79-83

[304] Hoffman: Covenant of blood, p. 111-118

[305] Goldman: Questioning circumcision, appendix, sample alternative rituals

[306] جبران: النبي، ص 12-13.

[307] أسعد: الأصل الأسطوري لختان الإناث، ص 55-56.

[308] Greek papyri, vol. I, p. 31-33

[309] Hosken: The Hosken Report, p. 74

[310] داوود: الخفاض الفرعوني، ص 19.

[311] داوود: الخفاض الفرعوني، ص 22.

[312] مؤتمر الصحّة الإنجابيّة، ص 28.

[313] لويس: الختان، ص 72.

[314] Strabon, vol. 3, p. 465

[315] Strabon, vol. 3, p. 367 ؛ أسعد: الأصل الأسطوري لختان الإناث، ص 57-58.

[316] Philon: Questiones et solutiones in Genesim, III-VI, p. 107

[317] Shaye & Cohe, p. 564-565

[318] Rabello: The ban on circumcision, p. 178

[319] Davis: The first sex, p. 156, quoting Burton: Love, war and fancy, p. 107

[320] Leslau: Coutumes et croyances des Falachas, p. 93

[321] Bruce, tome 8, p. 152

[322] Rathmann, p. 115-120

[323] الوفد، 23 أكتوبر 1994، ص 3.

[324] Barth (editor): Berit Mila, p. 14-15

[325] Kasser: L'Evangile selon Thomas, p. 81, verset 53 (811)

[326] أنظر أعمال 19:22-20 و9:26-12.

[327] أنظر أعلاه غلاطية: الفصل 2.

[328] أنظر أعلاه غلاطية: الفصل 2.

[329] Bagatti: L'Eglise de la circoncision, p. 11-12, 78, 85

[330] Bagatti: L'Eglise de la circoncision, p. 30

[331] Bagatti: L'Eglise de la circoncision, p. 36-39

[332] Les conciles oecuméniques, Tome II,1, p. 31

[333] Bagatti: L'Eglise de la circoncision, p. 70-71

[334] Les conciles oecuméniques, Tome II, 1, p. 569

[335] Justin: Dialogue avec Tryphon, p. 137-149

[336] Justin: Dialogue avec Tryphon, p. 149

[337] Justin: Dialogue avec Tryphon, p. 152-154, 161

[338] Justin: Dialogue avec Tryphon, p. 161

[339] Justin: Dialogue avec Tryphon, p. 170

[340] Justin: Dialogue avec Tryphon, p. 192

[341] Justin: Dialogue avec Tryphon, p. 193-194

[342] Justin: Dialogue avec Tryphon, p. 308-309

[343] Justin: Dialogue avec Tryphon, p. 201

[344] Origène: Homélie sur la Genèse, p. 129

[345] Origène: Homélie sur la Genèse, p. 125-127

[346] Origène: Homélie sur la Genèse, p. 127

[347] Origène: Homélie sur la Genèse, p. 129

[348] Origène: Homélie sur la Genèse, p. 129-135

[349] Origène: Homélie sur la Genèse, p. 139

[350] Cyrille d'Alexandrie: Lettres festales, p. 373-375

[351] Cyrille d'Alexandrie: Lettres festales, p. 365-367

[352] Tertullien: Le mariage unique (de monogamia), p. 151

[353] Thomas d'Aquin, vol. 2, p. 673-675

[354] Thomas d'Aquin, vol. 2, p. 692-695

[355] Thomas d'Aquin, vol. 4, p. 278-279

[356] Thomas d'Aquin, vol. 4, p. 523-525

[357] Thomas d'Aquin, vol. 3, p. 432-433

[358] Luther: Oeuvres, vol. II, p. 189-190

[359] Luther: Oeuvres, vol. II, p. 208

[360] Luther: Oeuvres, vol. II, p. 234

[361] Luther: Oeuvres, vol. IX, p. 312

[362] Luther: Oeuvres, vol. IV, p. 24-25 أنظر أيضاً Luther: Oeuvres, vol. XV, p. 98-99; vol. XVI, p. 321-322

[363] Luther: Oeuvres, vol. XV, p. 105-107

[364] Luther: Oeuvres, vol. XV, p. 109

[365] Luther: Oeuvres, vol. XV, p. 230-231

[366] Luther: Oeuvres, vol. XV, p. 243, 248-249

[367] Luther: Oeuvres, vol. XVI, p. 10

[368] Luther: Oeuvres, vol. XV, p. 61

[369] Luther: Oeuvres, vol. XV, p. 184-185

[370] Luther: Oeuvres, vol. XV, p. 185

[371] Luther: Oeuvres, vol. XV, p. 207-208

[372] Luther: Oeuvres, vol. IX, p. 87

[373] Luther: Oeuvres, vol. XV, p. 100

[374] Luther: Oeuvres, vol. XI, p. 45-48

[375] Luther: Oeuvres, vol. XI, p. 66

[376] Luther: Oeuvres, vol. XI, p. 280

[377] Dictonnaire d'archéologie chrétienne, tome 3, partie 2, col. 1712-1715

[378] Bagatti: L'Eglise de la circoncision, p. 25

[379] إبن العسّال: المجموع الصفوي، جزء 2، ص 418-421.

[380] إبن العسّال: المجموع الصفوي، جزء 1، ص 17.

[381] إبن العسّال: المجموع الصفوي، جزء 1، ص 17-18.

[382] إبن العسّال: المجموع الصفوي، جزء 1، ص 18.

[383] Les conciles oecuméniques, Tome II, 1, p. 1166-1181

[384] Maertens, p. 145-150

[385] الأنبا غريغوريوس: الختان، ص 20.

[386] الأنبا غريغوريوس: الختان، ص 21.

[387] الأنبا غريغوريوس: الختان، ص 22.

[388] الأنبا غريغوريوس: الختان، ص 25.

[389] الأنبا غريغوريوس: الختان، ص 27؛ أنظر أيضاً كتابه: القيم الروحيّة في سر المعموديّة، جزء 2، ص 47-58.

[390] الأنبا غريغوريوس: الختان، ص 28.

[391] الأنبا غريغوريوس: الختان، ص 30-31.

[392] أسعد: ختان البنات، ص 4.

[393] برسوم: التقنين الكنسي، ص 45.

[394] برسوم: التقنين الكنسي، ص 76.

[395] برسوم: التقنين الكنسي، ص 287.

[396] Meinardus: Christian Egypt, p. 325 ؛ أنظر أيضاً أسعد: الأصل الأسطوري لختان الإناث، ص 57.

[397] الأنبا غريغوريوس: الختان، ص 9.

[398] Bruce, tome 8, p. 164-166; Meinardus: Christian Egypt, p. 328-329

[399] Davis: The first sex, p. 154-155

[400] الأنبا غريغوريوس: الختان، ص 31.

[401] الأنبا غريغوريوس: الختان، ص 9.

[402] الأنبا غريغوريوس: الختان، ص 19.

[403] الأنبا غريغوريوس: الختان، ص 10-19.

[404] أسعد: ختان البنات، ص 7.

[405] أسعد: ختان البنات، ص 8.

[406] أسعد: ختان البنات، ص 9.

[407] أسعد: ختان البنات، ص 10.

[408] برسوم: التقنين الكنسي، ص 287-288.

[409] الممارسات التقليديّة، ص 24.

[410] برسوم: التقنين الكنسي، ص 269-270.

[411] Wallerstein: Circumcision: an American health fallacy, p. 13, 14

[412] Wallerstein: Circumcision: an American health fallacy, p. 2

[413] Bigelow, p. 83-84

[414] McMillen: None of these diseases, p. 15

[415] McMillen, p. 87-96

[416] القادري 97-98.

[417] Gayman: Lo, children... our heritage from God

[418] Gayman, p. 14-15

[419] Gayman, p. 15

[420] Gayman, p. 18

[421] Lindsey, p. 120-121

[422] Lindsey, p. 122

[423] Lindsey, p. 123

[424] Armstrong, p. 157-159

[425] Bigelow, p. 84

[426] أنظر مثلاً الأحبار: الفصل 12.

[427] Bigelow, p. 87

[428] Bigelow, p. 86

[429] Bigelow, p. 86

[430] Bigelow, p. 87

[431] Bigelow, p. 87

[432] Romberg: Circumcision

[433] Romberg: Circumcision and the Christian Parent . أنظر أيضاً في نفس المعنى كتابها Romberg: Circumcision, p. 86-95

[434] Dictionnaire d'archéologie chrétienne et de liturgie, col. 1717-1721

[435] الإنجيل العربي للطفولة، الفصل السابع، النص العربي في Provera: Il vangelo arabo dell'infanzia

[436] متّى 7:26-8، مرقص 3:14-4، يوحنّا 2:12-4.

[437] نذكر منها Charroux, diocèse de Poitiers; Abbaye de Couloumbs, près Nogent-le-Roi, diocèse de Chartres; Puy; Châtolons-sur-Marne (église Notre-Dame-en-Vaux); Metz; Anvers; Hildesheim; Saint-Jean de Latran, Rome; Saint-Jacques de Compostelle; Abbaye de Saint-Corneille, Campiège; Clermont Fécamp; Caraca; Avit, Auvergne; Langres; Monastère de Sainte-Foi, Conques Calcata

[438] Peyrefitte: Les clés de Saint Pierre, p. 307-328

[439] . Saintyves, p. 169-184 أنظر أيضاً Dictionnaire d'archéologie chrétienne et de liturgie, col. 1715-1716

[440] Leben und Offenbarungen der wiener Begine Agnes Blannbekin, p. 117-119; Wallerstein: Circumcision: an American health fallacy, p. 10

[441] Bynum: Jeûnes et festins sacrés, p. 235, 257-258, no 135

[442] Barbier: Histoire des castrats, p. 15-16

[443] Volkov, p. 9-12 و Bettelheim: Les blessures symboliques, p. 110-111

[444] Volkov, p. 13-14

[445] Eusèbe, Livre VIII, p. 175

[446] Epiphanius: Adversus octaginta haereses, p. 1010-1018

[447] Les Conciles oecuméniques, Tome II,1, p. 37

[448] Volkov, p. 20-21

[449] Volkov, p. 35-39

[450] Volkov, p. 39-47

[451] Ingerflom, p. XXXIII-XXXIV; Volkov, p. 50-54

[452] Volkov, p. 63-66

[453] Volkov, p. 71-72

[454] لويس: الختان ضلالة إسرائيليّة مؤذية، ص 98-101.

[455] Volkov, p. 75-82

[456] Volkov, p. 113-115

[457] Volkov, p. 115-116

[458] Volkov, p. 23-34

[459] Volkov, p. 47-50 أنظر أيضاً Ingerflom, p. XVI-XXIII

[460] Volkov, p. 83-101

[461] Ingerflom, notes, p. 144

[462] Volkov, p. 116-117

[463] Volkov, p. 117

[464] Favazza, p. 190

[465] Barbier: Histoire des castrats, p. 14-15, 20-25

[466] Barbier: Histoire des castrats, p. 20-28, 135-137

[467] Barbier: Histoire des castrats, p. 141-152

[468] Barbier: Histoire des castrats, p. 19, 162-166

[469] Barbier: Histoire des castrats, p. 29-34, 37-42

[470] Barbier: Histoire des castrats, p. 17-18

[471] Barbier: Histoire des castrats, p. 27-28

[472] Barbier: Histoire des castrats, p. 127-131

[473] Barbier: Histoire des castrats, p. 228-237

[474] مسند إبن حنبل، جزء 3، ص 393، رقم 10745.

[475] الزرقاني، مجلّد 2، ص 270.

[476] الزرقاني، مجلّد 2، ص 272.

[477] الزرقاني، مجلّد 2، ص 293.

[478] الطبري: تفسير الطبري، جـ 1 ص 414-416. ونجد كلاماً مشابها في الطبري: تاريخ الطبري، مجلّد 1، ص 143-146.

[479] الطبرسي: تفسير جوامع الجامع، جزء أول، ص 76-77.

[480] الرازي: التفسير الكبير، جـ 3، ص 37-38.

[481] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، جزء 2، ص 97-98.

[482] إبن كثير: تفسير القرآن العظيم، جـ 1، ص 164-167.

[483] صحيح البخاري، جزء 3، ص 1224-1225، رقم 3178.

[484] صحيح مسلم، جزء 15، ص 508، رقم 2370.

[485] إبن حجر: فتح الباري، جـ 6 ص 390 وجـ 10 ص 342.

[486] أنظر هذه الأحاديث أيضاً في القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، جزء 2، ص 89-99.

[487] إبن عساكر، ص 37.

[488] مستدرك الوسائل، جـ 2 ب 79 ص 635 ح 12 (في الملحق 18 في آخر الكتاب).

[489] العاملي: وسائل الشيعة، جـ 15، ص 164.

[490] أنظر المراجع في Kister: And he was born circumcised, p. 10-11

[491] موطّأ الإمام مالك في هامش كتاب المنتقى للباجي، جزء 7، ص 232. أنظر أيضاً الموطّأ برواية إبن كثير، طبعة عربي إنكليزي، مجلّد 2، ص 573.

[492] أنظر مقدّمة عبد الوهاب عبد اللطيف لموطّأ الإمام مالك، ص 14.

[493] إبن خلدون: المقدّمة، ص 352.

[494] إبن عساكر، ص 38.

[495] إبن عساكر، ص 39.

[496] إبن العربي: أحكام القرآن، قسم 1، ص 37. أنظر أيضاً القرافي: الذخيرة، جـ 13، ص 279؛ الجمل: حاشية الجمل، جـ 5، ص 174؛ الباجي: كتاب المنتقى، جـ 7، ص 232.

[497] الثعلبي: قصص الأنبياء، ص 87.

[498] الشيخ الصدوق: علل الشرائع، ص 594.

[499] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، جزء 2، ص 100.

[500] الجمل: حاشية الجمل، جـ 5، ص 174. أنظر أيضاً قولاً مشابهاً عند الإباضية: النزوي: المصنّف، جزء 2، ص 39-40، والرستاقي: منهج الطالبين، مجلّد 1، ص 435.

[501] الحلبي: السيرة الحلبية، جزء 1، ص 53.

[502] الكليني: الفروع من الكافي، جـ 6، ص 35-36؛ العاملي: وسائل الشيعة، جـ 15، ص 162، الشيخ الصدوق: علل الشرائع، ص 505-506.

[503] أنظر أبو شهبة: الإسرائيليّات والموضوعات في كتب التفسير، ومغنيّة: إسرائيليّات القرآن.

[504] النمر: علم التفسير، ص 115 و159-160.

[505] الشوكاني: فتح القدير، جـ 1، ص 139-140.

[506] عبده: تفسير المنار، جـ 1، ص 454.

[507] عبده: تفسير المنار، جـ 1، ص 455.

[508] أنظر الملحق 7 في آخر الكتاب.

[509] الزحيلي: التفسير المنير، جـ 1، ص 308.

[510] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، جـ 2، ص 144-145.

[511] أنظر الملحق 1 في آخر الكتاب. أنظر أيضاً النزوي: المصنّف، جزء 2، ص 38-39، والرستاقي: منهج الطالبين، مجلّد 1، ص 435.

[512] أنظر مثلاً الجمل: نهاية البيان، ص 67؛ المرصفي، ص 17؛ القادري، ص 34.

[513] السيّد: حكم ختان النساء، ص 5.

[514] العاملي: وسائل الشيعة، جـ 15، ص 162-163.

[515] إبن الجوزي: أحكام النساء، ص 9-10.

[516] المرداوي: الإنصاف، جـ 1، ص 125.

[517] عبده: تفسير المنار، جـ 5، ص 428.

[518] أنظر الملحق 12 في آخر الكتاب.

[519] النجّار: موقف الإسلام، ص 9.

[520] الصبّاغ: الحُكم الشرعي، التقديم، صفحة و.

[521] الصبّاغ: الحكم الشرعي، التقديم، صفحة هـ. أنظر أيضاً داوود: ختان الخفاض الفرعوني، ص 22-23 وعويس: ختان الإناث، ص 9.

[522] السعداوي: المرأة والصراع النفسي، ص 74.

[523] السعداوي: حقائق الطب الجديدة.

[524] السعداوي: مرّة أخرى حول رسالة الطبيبة الشابّة.

[525] أنظر النص كاملاً في الملحق 22 في آخر الكتاب.

[526] الجزائري: يا علماء الإسلام أفتونا، ص 44.

[527] الجزائري: يا علماء الإسلام أفتونا، ص 28.

[528] أنظر النص كاملاً في الملحق 23 في آخر الكتاب.

[529] القادري: الختان بين الطب والشريعة، ص 12.

[530] مقدّمة كتاب إبن عساكر: تبيين الإمتنان، ص 7.

[531] أنظر الملحق 1 في آخر الكتاب.

[532] السكّري، ص 36. أنظر أيضاً السكّري ص 103؛ طه: ختان الإناث، ص 67.

[533] المنتخب من السُنّة، مجلّد 1، ص 25.

[534] المنتخب من السُنّة، مجلّد 1، ص 8.

[535] السكّري، ص 33.

[536] أنظر الأهدل: مصطلح الحديث ورجاله، ص 103-188.

[537] إبن خلدون: المقدّمة، ص 392.

[538] مغنيّة: التفسير الكشاف، جـ 1، ص 197.

[539] المنتخب من السُنّة، مجلّد 3، ص 94-95.

[540] الأنصاري: نهاية المحتاج، جـ 8، ص 36.

[541] الأصبهاني: كتاب دلائل النبوّة، ص 99. أنظر أيضاً النزوي: المصنّف، جزء 2، ص 39.

[542] مسند إبن حنبل، جزء 6، ص 38، حديث 19997.

[543] إبن قيّم الجوزيّة: زاد المعاد، جـ 1، ص 18.

[544] الحلبي: السيرة الحلبيّة، جزء 1، ص 54.

[545] الأصبهاني: كتاب دلائل النبوّة، ص 104.

[546] إبن قيّم الجوزيّة: زاد المعاد، جـ 1، ص 19. أنظر أيضاً: القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، جزء 2، ص 100-101.

[547] أنظر مثلاً مسند إبن حنبل، جزء 6، ص 354، حديث 21780، وصحيح مسلم، جزء 14، ص 266، حديث 2103.

[548] الحلبي: السيرة الحلبيّة، جزء 1، ص 54-55.

[549] السكّري، ص 67-68.

[550] العاملي: وسائل الشيعة، جـ 15، ص 165.

[551] إبن أبي الدنيا: كتاب العيال، ص 333.

[552] البيهقي: السُنَن الكبرى، جـ 8، ص 562. ذكره إبن عساكر، ص 43.

[553] أنظر الملحق 6 في آخر الكتاب.

[554] أنظر الملحق 10 في آخر الكتاب.

[555] لنجار: موقف الإسلام، ص 7؛ أنظر أيضاً رزق: نحو إستراتيجية، ص 38.

[556] صحيح البخاري، جزء 5، ص 2209، رقم 5551، وكذلك في مسلم، جزء 3، ص 491، رقم 257.

[557] إبن حجر: فتح الباري جـ 10، ص 336-338.

[558] مالك: الموطّأ برواية إبن كثير، طبعة عربي إنكليزي، مجلّد 2، ص 573.

[559] العاملي: وسائل الشيعة، جـ 15، ص 164.

[560] الكليني: الفروع من الكافي، جـ 6، ص 35.

[561] الكليني: الفروع من الكافي، جـ 6، ص 36.

[562] الكليني: الفروع من الكافي، جـ 6، ص 36.

[563] الكليني: الفروع من الكافي، جـ 6، ص 36.

[564] إبن حجر: فتح الباري جـ 10 ص 339.

[565] إبن حجر: فتح الباري جـ 10 ص 340؛ أنظر أيضاً القرّافي: الذخيرة، جـ 13، ص 281.

[566] الجمل: نهاية البيان، ص 13.

[567] العوّا: تعقيب على التعقيب، ص 220. أنظر أيضاً رمضان: ختان الإناث، ص 28-29.

[568] مسند إبن حنبل، جزء 4، ص 425، حديث 15006 والبيهقي: معرفة السُنَن والآثار، جزء 13، ص 62، والبيهقي: السُنَن الكبرى، جـ 8، ص 561.

[569] المنتخب من السُنّة، مجلّد 3، ص 95، هامش 3.

[570] فتح الباري جـ 10 ص 341؛ وأنظر الشوكاني: نيل الأوطار في الملحق 2 في آخر الكتاب.

[571] نظر نص إبن قيّم الجوزيّة في الملحق 1 في آخر الكتاب، وكذلك نص الشوكاني في الملحق 2 في آخر الكتاب.

[572] إبن عساكر، ص 33؛ أنظر أيضاً البيهقي: السُنَن الكبرى، جـ 8، ص 563.

[573] أنظر نص إبن قيّم الجوزيّة في الملحق 1 في آخر الكتاب. وأيضاً الجمل: نهاية البيان، ص 22.

[574] مستدرك الوسائل: جـ 2 ب 40 ص 622 ح 1 (في الملحق 18 في آخر الكتاب). أنظر أيضاً إبن عساكر، ص 31.

[575] البيهقي: السُنَن الكبرى، جـ 8، ص 561.

[576] الكليني: الفروع من الكافي، جـ 6، ص 37.

[577] الكليني: الفروع من الكافي، جـ 6، ص 36.

[578] الطبرسي: مكارم الأخلاق، ص 220. وقد ذكره إبن عساكر، ص 42.

[579] الكليني: الفروع من الكافي، جـ 6، ص 35.

[580] العاملي: اللمعة الدمشقيّة، جـ 5، ص 446.

[581] الكليني: الفروع من الكافي، جـ 6، ص 34.

[582] إبن أبي الدنيا: كتاب العيال، ص 333.

[583] البيهقي: معرفة السُنَن والآثار، جـ 13، ص 63.

[584] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، جزء 2، ص 99؛ إبن حجر: فتح الباري، جزء 10، ص 341. أنظر أيضاً إبن عساكر، ص 44.

[585] أنظر الملحق 12 في آخر الكتاب.

[586] أنظر الملحق 12 في آخر الكتاب.

[587] العوّا: مفاهيم خاطئة، ص 208.

[588] المنتخب من السُنّة، مجلّد 3، ص 96-97، هامش 1.

[589] العاملي: وسائل الشيعة، جـ 15، ص 163.

[590] الكليني: الفروع من الكافي، جـ 6، ص 37.

[591] العاملي: وسائل الشيعة، جـ 15، ص 167؛ الكليني: الفروع من الكافي، جـ 6، ص 37.

[592] الكليني: الفروع من الكافي، جـ 6، ص 37؛ العاملي: وسائل الشيعة، جـ 15، ص 167.

[593] الكليني: الفروع من الكافي، جـ 6، ص 37.

[594] أنظر في تخريج هذه الأحاديث البيهقي: معرفة السُنَن والآثار، جزء 1، ص 462-468.

[595] المرصفي: أحاديث الختان، ص 15.

[596] العوّا: تعقيب على التعقيب، ص 218.

[597] أنظر الملحق 21 في آخر الكتاب. وأيضاً العوّا: تعقيب على التعقيب، ص 218.

[598] أنظر العيني: البناية في شرح الهداية، جـ 1، ص 273.

[599] العوّا: تعقيب على التعقيب، ص 219؛ أنظر أيضاً رمضان: ختان الإناث، ص 29.

[600] المرصفي: أحاديث الختان، ص 15؛ أنظر أيضاً العوّا: تعقيب على التعقيب، ص 219.

[601] سُنَن أبو داوود، جزء 5، ص 421-422، حديث 5271.

[602] إبن الأثير: جامع الأصول، جزء 4، ص 777، حديث 2936.

[603] إبن أبي الدنيا: كتاب العيال، ص 331، والهامش. أنظر هذا الحديث أيضاً في البيهقي: السُنَن الكبرى، جـ 8، ص 562.

[604] أنظر الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، مجلّد 2، ص 354.

[605] الكليني: الفروع من الكافي، جـ 6، ص 38.

[606] السعداوي: المرأة والصراع النفسي، ص 72.

[607] الصبّاغ: الحُكم الشرعي، التقديم، صفحة و.

[608] أنظر الملحق 12 في آخر الكتاب.

[609] أحمد: آراء علماء الدين، ص 8-9.

[610] رمضان: ختان الإناث، ص 29-30.

[611] الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة. مجلّد 2، ص 357.

[612] الملحق 2 في آخر الكتاب.

[613] العدد 7، سنة 11 [1951] الغوّابي: ختان البنات، ص 50.

[614] أنـظر الملحقين 5 و6 في آخر الكتاب. وقد أعاد علينا هذه الرواية الجمل أيضاً في كتاب صدر عام 1995 وتغافل عن ذكر مصدره أيضاً الجمل: نهاية البيان، ص 47.

[615] أنظر الملحق 12 في آخر الكتاب.

[616] العوّا: تعقيب على التعقيب، ص 221-222.

[617] الكليني: الفروع من الكافي، جـ 6، ص 38.

[618] الطبرسي: مكارم الأخلاق، ص 220.

[619] أنظر الملحق 18 في آخر الكتاب.

[620] الغوّابي: ختان البنات، ص 53-54.

[621] أنظر الملحق 2 في آخر الكتاب.

[622] أنظر الملحق 8 في آخر الكتاب.

[623] مجلّة التحرير، 28/10/1958، نقلاً عن أحمد: آراء علماء الدين، ص 12-13.

[624] أنظر الملحق 12 في آخر الكتاب.

[625] السكّري، ص 104.

[626] هذا هو العنوان الأصلي: Lewis: In the name of humanity أنظر المراجع باللغات الغربيّة.

[627] رسالة للمؤلّف في 11/1/1997.

[628] أنظر الملحق 20 في آخر الكتاب.

[629] أنظر الملحق 21 في آخر الكتاب.

[630] النمر: علم التفسير، ص 159-160.

[631] أنظر الملحق 22 في آخر الكتاب.

[632] أنظر الصادق: تجربة القذافي، ص 13.

[633] أنظر نص المهدوي في الملحق 22 في آخر الكتاب.

[634] خليفة: معجزة القرآن الكريم.

[635] واسم هذه المجموعة International Community of Submitters, P.O.Box 43476, Tucson, AZ 85733-3476, tel (520) 3237636

[636] Khalifa: Quran, Hadith and Islam

[637] http://www.moslem.org/khatne ومقالي المشار إليه هو To mutilate in the name of Jehovah or Allah

[638] حسب الله: أصول التشريع الإسلامي، ص 73.

[639] أنظر حول هذا الإنجيل المقدّمة التي كتبها لويجي سيريللو للترجمة الفرنسيّة: Evangile de Barnabé, p. 25-238

[640] إنجيل برنابا، مقدّمة خليل سعادة، صفحة ي.

[641] أنظر المقدّمة التي كتبها محمّد حفيظ الله للطبعة الإنكليزيّة المعادة لإنجيل برنابا في: The Gospel of Barnabas

[642] أنظر حول هذه الدعاية الحدّاد: إنجيل برنابا.

[643] The Gospel of Barnabas

[644] أنظر: عبد الرازق: الختان، ص 16، وهو يعتمد على رأي مشابه للشيخ عبد الوهاب النجّار.

[645] أنظر الهوّاري: الختان، ص 69-74.

[646] الجمل: نهاية البيان في أحكام الختان، ص 42.

[647] الجمل: نهاية البيان في أحكام الختان، ص 43.

[648] الجاحظ: الحيوان، جزء 7، ص 27.

[649] Ibn Abd Al-Hakim: The history of the conquest of Egypt, p. 11-12

[650] الطبري: تاريخ الطبري، مجلّد 1، ض 130.

[651] الثعلبي: قصص الأنبياء، ص 71.

[652] أنظر الملحق 1 في آخر الكتاب.

[653] إبن الكثير: البداية والنهاية، جزء أول، ص 159.

[654] الجمل: حاشية الجمل، جـ 5، ص 174.

[655] العاملي: وسائل الشيعة، جـ 15، ص 168.

[656] الشيخ الصدوق: كتاب علل الشرائع، ص 506. أنظر أيضاً العاملي: وسائل الشيعة، جـ 15، ص 168.

[657] The Midrash Rabbah, vol. 1, p. 384

[658] The book of legends, p. 39

[659] الجمل: نهاية البيان في أحكام الختان، ص 15؛ السيّد: حكم ختان النساء، ص 60.

[660] رمضان: ختان الإناث، ص 41.

[661] رزق: نحو إستراتيجية، ص 36.

[662] السكّري، ص 97. والسكّري يذكر المجع التالي. إبن حجر: فتح الباري، المجلّد 10 ص 343.

[663] أبو زهرة: أصول الفقه، ص 212-213.

[664] أبو زهرة: أصول الفقه، ص 213.

[665] السيّد: حكم ختان النساء، ص 13-14.

[666] الجاحظ: الحيوان، جزء 7، ص 27.

[667] علي: المفصّل في تاريخ العرب قَبل الإسلام، جزء 6، ص 343-344.

[668] المرصفي: أحاديث الختان، ص 18-19.

[669] صحيح البخاري، الجزء الأول، ص 9-10، رقم 7.

[670] المرصفي: أحاديث الختان، ص 18.

[671] شيخو: النصرانيّة وآدابها بين عرب الجاهليّة، ص 406 و482.

[672] Josephus: Jewish antiquities, 16.225

[673] حسين: في الشعر الجاهلي، خاصّة ص 435 في مجلّة «القاهرة»؛ حسين: في الأدب الجاهلي، خاصّة ص 201.

[674] إنجيل متّى، الفصل الثاني.

[675] إبن هشام: السيرة النبوية، جزء 1، ص 229.

[676] أنظر الحريري: قس ونبي، ص 37-41.

[677] إبن أبي الدنيا: كتاب العيال، ص 334.

[678] مسند أحمد إبن حنبل، جزء 5، ص 252، حديث رقم 17450.

[679] إبن قدامة: المغني، جزء 8، ص 116-117.

[680] إبن حجر: فتح الباري، جزء 10، ص 343.

[681] إبن قدامة: المغني، جزء 8، ص 117.

[682] لويس: الختان ضلالة إسرائيليّة مؤذية، ص 55، هامش 1.

[683] المرصفي: أحاديث الختان، ص 61-62.

[684] العاملي: وسائل الشيعة، جـ 15، ص 160؛ الطبرسي: مكارم الأخلاق، ص 219؛ أنظر هذا النص أيضاً في الملحق 18 في آخر الكتاب.

[685] الملحق 1 في آخر الكتاب.

[686] إبن قدامة: المغني، جـ 1، ص 70.

[687] الملحق 1 في آخر الكتاب.

[688] النووي: المجموع، جـ 1، ص 309.

[689] الطبري: تاريخ الطبري، مجلّد 3، ص 592.

[690] الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، مجلّد 2، ص 357.

[691] الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، مجلّد 2، ص 357.

[692] الجمل: نهاية البيان، ص 48.

[693] الجاحظ: الحيوان، جزء 7، ص 27.

[694] الجاحظ: الحيوان، جزء 7، ص 29.

[695] الجاحظ: الحيوان، جزء 7، ص 28.

[696] علي: المفصّل في تاريخ العرب قَبل الإسلام، جزء 6، ص 343-344.

[697] مسند إبن حنبل، جزء 4، ص 560، حديث 15647.

[698] إبن الحاج: المدخل، جزء 2، ص 296.

[699] الباجي: كتاب المنتقى، جـ 7، ص 232.

[700] أبو زهرة: أصول الفقه، ص 198-199.

[701] أبو زهرة: أصول الفقه، ص 203.

[702] الغزالي: إحياء علوم الدين، جـ 1، ص 142.

[703] الفتاوى الهندية، جـ 5، ص 357.

[704] أنظر مثلاً المرصفي: أحاديث الختان، والسكّري: ختان الذكر وخفاض الأنثى.

[705] إبن الجلاب: التفريع، جـ 2، ص 374.

[706] الطوسي: النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى، ص 502.

[707] الباجي: كتاب المنتقى، جـ 7، ص 232.

[708] النزوي: المصنّف، جزء 2، ص 42.

[709] إبن قدامة: المغني، جـ 1، ص 70-71.

[710] النووي: المجموع، جـ 1، ص 300-301.

[711] الموصلي: الإختيار لتعليل المختار، جـ 4، ص 167.

[712] إبن تيمية: فقه الطهارة، ص 68.

[713] إبن تيمية: فقه الطهارة، ص 68-69.

[714] إبن جزي: قوانين الأحكام الشرعيّة، ص 214.

[715] إبن حجر: فتح الباري، جزء 10، ص 341.

[716] المرداوي: الإنصاف، جـ 1، ص 123-124.

[717] العاملي: الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقيّة، جـ 5، ص 447.

[718] البهوتي: كشّاف القناع، جـ 1، ص 8.

[719] العاملي: وسائل الشيعة، جـ 15، ص 167.

[720] الدردير: الشرح الصغير، جـ 2، ص 151-152.

[721] Vincent: Les Morisques et la circoncision, p. 190-195

[722] الملاحق 14 و15 و16 في آخر الكتاب.

[723] الزحيلي: الفقه الإسلامي وأدلته، جـ 3، ص 642.

[724] الزحيلي: الفقه الإسلامي وأدلته، جـ 1، ص 306-307 أنظر أيضاً جـ 1، ص 310.

[725] أنظر مثلاً الملحقين 18 و19 في آخر الكتاب.

[726] منشور صادر عن جمعيّة تنظيم الأسرة بالقاهرة، مشروع صحّة المرأة والطفل، ختان البنات، دون تاريخ.

[727] منشور صادر عن الجمعيّة السودانيّة لمحاربة العادات الضارّة بصحّة الأم والطفل، دون تاريخ.

[728] الكليني: الفروع من الكافي، جـ 6، ص 34.

[729] إبن جزي: قوانين الأحكام الشرعيّة، ص 214.

[730] أنظر الملحق 1 في آخر الكتاب.

[731] إبن قدامة: المغني، جـ 1، ص 70.

[732] أنظر الملحق 1 في آخر الكتاب.

[733] مقدّمة كتاب إبن عساكر: تبيين الإمتنان، ص 11؛ أنظر أيضاً السكّري، ص 63.

[734] أنظر الملحق 13 في آخر الكتاب.

[735] رمضان: ختان الإناث، ص 55-56.

[736] رمضان: ختان الإناث، ص 70.

[737] الملحق 1 في آخر الكتاب.

[738] إبن حجر: فتح الباري، جزء 10، ص 341.

[739] العبّودي: الختان في الإمارات، ص 68.

[740] إبن قيّم الجوزيّة: الملحق 1 في آخر الكتاب؛ إبن حجر: فتح الباري، جـ 10، ص 341-342.

[741] إبن حجر: فتح الباري، جزء 10، ص 341-342؛ أنظر أيضاً إبن قيّم الجوزيّة الملحق 1 في آخر الكتاب.

[742] الجمل: نهاية البيان، ص 91.

[743] الجمل: نهاية البيان، ص 25؛ أنظر أيضاً السكّري، ص 64.

[744] مقدّمة كتاب إبن عساكر: تبيين الإمتنان، ص 7-8.

[745] جريدة الشعب 18/11/1994، ضمن كتاب رمضان: ختان الإناث، ص 82-83.

[746] النجّار: موقف الإسلام، ص 6.

[747] رمضان: ختان الإناث، ص 28-29.

[748] أبو زهرة: أصول الفقه، ص 273.

[749] السكّري، ص 99-100.

[750] أنظر الملحق 7 في آخر الكتاب.

[751] العوّا: مفاهيم خاطئة، ص 211-212.

[752] عويس: ختان الأنثى، ص 12-13.

[753] الممارسات التقليديّة، ص 23.

[754] السعداوي: المرأة والصراع النفسي، ص 71-72؛ أنظر أيضاً السعداوي، حول رسالة الطبيبة الشابّة.

[755] رمضان: ختان الإناث، ص 25.

[756] النجّار: موقف الإسلام، ص 10؛ أنظر أيضاً رمضان: ختان الإناث، ص 48؛ رزق: نحو إستراتيجية، ص 38.

[757] السكّري، ص 98.

[758] طه: ختان الإناث، ص 17.

[759] السيّد: حكم ختان النساء، ص 64-65.

[760] الملحق 13 في آخر الكتاب.

[761] السكّري، ص 34.

[762] مقدّمة كتاب إبن عساكر: تبيين الإمتنان، ص 10-11.

[763] السيّد: حكم ختان النساء، ص 33.

[764] السيّد: حكم ختان النساء، ص 61-63.

[765] السكّري، ص 35.

[766] الغوّابي: ختان البنات، ص 60.

[767] الغوّابي: ختان البنات، ص 62-63.

[768] العاملي: وسائل الشيعة، جـ 15، ص 169.

[769] السيّد: حكم ختان النساء، ص 53.

[770] السكّري، ص 108.

[771] طه: ختان الإناث، ص 72-73.

[772] طه: ختان الإناث، ص 86.

[773] البنّا: رأي، ص 86.

[774] إسماعيل: تعقيب مشفوع بعتاب، ص 216.

[775] السكّري ص 40-41. أنظر أيضاً ص 35.

[776] السكّري، ص 34.

[777] السكّري، ص 34.

[778] السكّري ص 40.

[779] سالم: رأي، ص 81.

[780] سالم: رأي، ص 82.

[781] السرجاني: قراءات في الزواج، ص 28.

[782] رمضان: ختان الإناث، ص 29.

[783] الملحق 12 في آخر الكتاب.

[784] الملحق 12 في آخر الكتاب.

[785] العوّا: مفاهيم خاطئة، ص 207.

[786] العوّا: مفاهيم خاطئة، ص 208.

[787] العوّا: تعقيب على التعقيب، ص 219-220.

[788] الملحق 17 في آخر الكتاب.

[789] البنّا: رأي، ص 79-80.

[790] سليم: دليل الحيران، ص 8.

[791] النجّار: موقف الإسلام، ص 6.

[792] الملحق 8 في آخر الكتاب.

[793] رزق: نحو إستراتيجية إعلامية، ص 25.

[794] الملحق 17 في آخر الكتاب.

[795] رمضان: ختان الإناث، ص 37.

[796] النجّار: موقف الإسلام، ص 10.

[797] مؤتمر الصحّة الإنجابيّة للمرأة، ص 20.

[798] رمضان: ختان الإناث، ص 29.

[799] عبد السلام: التشويه الجنسي للإناث، ص 24.

[800] رزق: نحو إستراتيجية، ص 38.

[801] أحمد: آراء علماء الدين، ص 14. أنظر أيضاً رمضان: ختان الإناث، ص 30-31.

[802] ملحق 7 في آخر الكتاب.

[803] حمروش: رأي، ص 75.

[804] خلف: رأي، ص 76.

[805] عويس: ختان الأنثى، ص 14.

[806] العوّا: مفاهيم خاطئة، ص 209.

[807] العوّا: مفاهيم خاطئة، ص 210.

[808] رمضان: ختان الإناث، ص 29.

[809] الشعراوي: قضايا إسلاميّة، ص 28-29.

[810] أنظر هذه الشهادة في جريدة الحياة، 23 يونيو 1993.

[811] أنظر القرار في مجلّة «المجتمع المدني» الصادرة في القاهرة، عدد سبتمبر 1996.

[812] البرّي: ما حكم البنت، ص 96.

[813] رمضان: ختان الإناث، ص 26.

[814] الملحق 16 في آخر الكتاب.

[815] سالم: رأي، ص 81.

[816] الملحق 9 في آخر الكتاب.

[817] إبن مودود: الإختيار لتعليل المختار، جـ 4، ص 167.

[818] النزوي: المصنّف، جزء 2، ص 42.

[819] الأنصاري: نهاية المحتاج، جـ 8، ص 36.

[820] البهوتي: كشّاف القناع، جـ 1، ص 81.

[821] البهوتي: كشّاف القناع جـ 1، ص 80.

[822] الرستاقي: منهج الطالبين، مجلّد 1، ص 435-436.

[823] الرستاقي: منهج الطالبين، مجلّد 1، ص 438.

[824] الباجي: كتاب المنتقى، جـ 7، ص 232.

[825] أنظر الملحقين 5 و6 في آخر الكتاب.

[826] أنظر الملحق 11 في آخر الكتاب.

[827] إسماعيل: تعقيب مشفوع بعتاب، ص 216.

[828] الصبّاغ: الحكم الشرعي، ص 6، وهو يشير هنا إلى حاشية إبن عابدين 5/478.

[829] المرصفي: حديث الختان، ص 29.

[830] صحيح البخاري، جزء 5، ص 2097، رقم 5188.

[831] الشيخ الصدوق: علل الشرائع، ص 327.

[832] المرغيناني: الهداية، جـ 3، ص 138.

[833] إبن قدامة: المغني، جزء 11، ص 35.

[834] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، جزء 2، ص 99.

[835] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، جزء 2، ص 101.

[836] النووي: المجموع جزء 9، ص 78.

[837] القرّافي: الذخيرة، جـ 13، ص 279-280. أنظر في نفس المعنى الباجي: كتاب المنتقى، جـ 7، ص 232؛ إبن جزي: قوانين الأحكام الشرعيّة، ص 214؛ الحطاب: مواهب الجليل، جـ 3، ص 258.

[838] البهوتي: كشّاف القناع، جـ 1، ص80.

[839] البهوتي: شرح منتهى الإرادات، جـ 1، ص 257.

[840] الرستاقي: منهج الطالبين، مجلّد 1، ص 437-438.

[841] السكّري، ص 63. أنظر أيضاً ص 95.

[842] أنظر الملحق 13 في آخر الكتاب.

[843] الرستاقي: منهج الطالبين، جزء 15، ص 344-346.

[844] البهوتي: كشّاف القناع، جـ 1، ص 81، وكذلك البهوتي: شرح منتهى الإرادات، جـ 1، ص 40.

[845] السكّري، ص 75-76.

[846] Vincent: Les Morisques et la circoncision, p. 190-191

[847] أبو السعود: خبرات ميدانيّة، ص 110-111.

[848] بوحديبة: الإسلام والجنس، ص 241.

[849] النزوي: المصنّف، جزء 2، ص 42.

[850] أبو داوود، جزء 4، ص 710، حديث 4586.

[851] الملحق 1 في آخر الكتاب.

[852] الأنصاري: نهاية المحتاج، جـ 8، ص 36.

[853] الأنصاري: نهاية المحتاج، جـ 8، ص 37.

[854] البهوتي: كشّاف القناع، جـ 1، ص 80-81.

[855] البهوتي: كشّاف القناع، جـ 4 ص 34-35. أنظر أيضاً إبن مفلح: كتاب الفروع، جـ 1، ص 133-134.

[856] الرستاقي: منهج الطالبين، مجلّد 1، ص 436.

[857] الرستاقي: منهج الطالبين، مجلّد 1، ص 438.

[858] الدسوقي: حاشية الدسوقي، جـ 4، ص 28. أنظر أيضاً الآبي: جواهر الإكليل، جـ 2، ص 191.

[859] إبن عابدين: حاشية إبن عابدين جـ 5 ص 364.

[860] إبن حزم: المحلّى، جزء 10، ص 458.

[861] السكّري، ص 84؛ المرصفي، ص 37؛ الجمل: نهاية البيان، ص 30؛ السيّد: حكم ختان النساء، ص 47-48.

[862] السكّري، ص 40 و102.

[863] السكّري، ص 34.

[864] المرصفي، ص 38.

[865] المرصفي، ص 40.

[866] السيّد: حكم ختان النساء، ص 48.

[867] البرّي: ما حكم البنت، ص 96.

[868] الملحقين 5 و6 في آخر الكتاب.

[869] فيّاض: أصوات.

[870] السكّري، ص 40.

[871] داوود: الخفاض الفرعوني، ص 23.

[872] داوود: الخفاض الفرعوني، ص 24.

[873] داوود: الخفاض الفرعوني، ص 24-25.

[874] العوّا: مفاهيم مغلوطة، ص 209.

[875] العوّا: مفاهيم مغلوطة، ص 802.

[876] الملحق 12 في آخر الكتاب.

[877] رمضان: ختان الإناث، ص 25.

[878] السيّد: حكم ختان النساء، ص 66.

[879] الباجي: كتاب المنتقى، جـ 7، ص 232.

[880] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، جزء 2، ص 101.

[881] أنظر البيهقي: معرفة السُنَن والآثار، جزء 1، ص 447-450.

[882] النووي: المجموع، جـ 1، ص 304.

[883] النووي: المجموع، جـ 1، ص 304.

[884] النووي: المجموع، جـ 1، ص 309.

[885] إبن حجر: فتح الباري، جزء 10، ص 342-343.

[886] إبن حجر: فتح الباري، جزء 10، ص 343.

[887] الأنصاري: شرح المنهج، جـ 5، ص 174؛ الأنصاري: نهاية المحتاج، جـ 8، ص 36.

[888] قليوبي وعميرة: جزء 4، ص 211.

[889] العاملي: وسائل الشيعة، جـ 51، ص 165-166.

[890] المحقّق الحلي: شرائع الإسلام، جـ 2، ص 288.

[891] العلاّمة الحلي: تبصرة المتعلّمين، ص 186.

[892] الطوسي: النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى، ص 502. أنظر أيضاً الطبرسي: مكارم الأخلاق، صفحة 220؛ الخوانساري: جامع المدارك في شرح المختصر النافع، جزء 4، ص 462-463.

[893] المرصفي: حديث الختان، ص 47.

[894] السكّري، ص 95.

[895] السكّري، ص 86.

[896] Abd-el-Salam, p. 82

[897] جمال: يسألونك، ص 728.

[898] البار: الختان، ص 80-81.

[899] القادري: الختان، ص 97-98.

[900] الجمل: نهاية البيان، ص 33.

[901] السكّري، ص 72.

[902] القادري: الختان، ص 101.

[903] الباجي: كتاب المنتقى، جـ 7، ص 232؛ أنظر أيضاً القرّافي: الذخيرة، جـ 13، ص 278.

[904] النزوي: المصنّف، جزء 2، ص 42.

[905] النزوي: المصنّف، جزء 2، ص 43-44؛ وأعاد هذا الكلام الرستاقي: منهج الطالبين، مجلّد 1، ص 437.

[906] إبن قدامة: المغني، جـ 1، ص 71. أنظر أيضاً البهوتي: كشّاف القناع، جـ 1، ص 80.

[907] أنظر الملحق 1 في آخر الكتاب.

[908] الصاوي: حاشية، جـ 2، ص 152.

[909] العاملي: وسائل الشيعة، جـ 15، ص 166.

[910] العاملي: وسائل الشيعة، جـ 15، ص 167؛ أنظر أيضاً الكليني: الفروع من الكافي، جـ 6، ص 37.

[911] المحقّق الحلي: شرائع الإسلام، جـ 2، ص 288.

[912] العاملي: اللمعة الدمشقيّة، جـ 5، ص 447.

[913] السعيد: تاريخ آل سعود، جـ 1، ص 234-235.

[914] أمين: قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصريّة، ص 187.

[915] أنظر الملحق 14 في آخر الكتاب.

[916] السؤال كان من Newsgroups: soc.religion.islam, 3 January 1996, ggtate@aol.com والجواب من Abdelkarim Benoît Evans (Kevans@qbc.clic.net )

[917] Du Pasquier: Découverte de l'Islam, p. 100

[918] Chebel: Dictionnaire des symboles musulmans, p. 101

[919] النزوي: المصنّف، جزء 2، ص 43؛ أنظر أيضاً الرستاقي: منهج الطالبين، مجلّد 1، ص 437.

[920] إبن الحاج: المدخل، جزء 2، ص 296.

[921] إبن جزي: قوانين الأحكام الشرعيّة، ص 214.

[922] أنظر الملحق 1 في آخر الكتاب؛ أنظر أيضاً في هذا المعنى البهوتي: كشّاف القناع، جـ 1، ص 81.

[923] إبن حجر: فتح الباري، جزء 10، ص 340.

[924] الحطاب: مواهب الجليل، جـ 3، ص 258.

[925] العاملي: وسائل الشيعة، جـ 15، ص 164؛ أنظر أيضاً الطبرسي: مكارم الأخلاق، ص 220.

[926] المرصفي، ص 50.

[927] السكّري، ص 87.

[928] النووي: المجموع، جـ 1، ص 304.

[929] المرداوي: الإنصاف، جـ 1، ص 125.

[930] البهوتي: كشّاف القناع، جـ 1، 81؛ وكذلك البهوتي: شرح منتهى الإرادات، جـ 1، ص 40.

[931] الحطاب: مواهب الجليل، جـ 3، ص 259. أنظر أيضاً هذا الجدل عند الأنصاري: نهاية المحتاج، جـ 8، ص 36؛ الرستاقي: منهج الطالبين، مجلّد 1، ص 438)؛ إبن عابدين: رد المحتار، جـ 5، ص 479.

[932] السكّري، ص 89.

[933] المرصفي، ص 35.

[934] النووي: المجموع، جـ 1، ص 304.

[935] الأنصاري: نهاية المحتاج، جـ 8، ص 36.

[936] إبن حجر: فتح الباري، جزء 10، ص 341-342.

[937] الشيخ الصدوق: علل الشرائع، ص 327.

[938] إبن قدامة: المغني، جزء 2، ص 408-409.

[939] إبن قدامة: المغني، جزء 2، ص 408-409.

[940] النووي: المجموع، جـ 5، ص 182-183؛ أنظر أيضاً النووي: المجموع، جـ 1 ص 304-305؛ النووي: فتاوى الإمام النووي، ص 37-38.

[941] إبن تيمية: فقه الطهارة، ص 69.

[942] أنظر الملحق 1 في آخر الكتاب.

[943] السكّري، ص 78-81.

[944] المرصفي: أحاديث الختان، ص 52.

[945] الجمل: نهاية البيان، ص 34. أنظر أيضاً الزحيلي: الفقه الإسلامي وأدلته، جـ 2، ص 468.

[946] Sonnen: Die Beduinen am See Genesareth, p. 76

[947] أبو داوود، جزء 4، ص 304-305، حديث 4017.

[948] المرصفي، ص 53-54.

[949] الباجي: كتاب المنتقى، جـ 7، ص 232.

[950] النزوي: المصنّف، جزء 2، ص 42.

[951] النووي: المجموع، جـ 1، ص 304.

[952] المحقّق الحلي: شرائع الإسلام، جـ 2، ص 288.

[953] إبن جزي: قوانين الأحكام الشرعيّة، ص 214.

[954] البهوتي: كشّاف القناع، جـ 1، ص 81.

[955] الفتاوى الهندية، جـ 5، ص 357.

[956] العدوي: حاشية العدوي، جـ 2، ص 409.

[957] الصاوي: حاشية، جـ 2، ص 152.

[958] العاملي: وسائل الشيعة، جـ 15 ص 160؛ الطبرسي: مكارم الأخلاق، ص 219.

[959] Hidiroglou: Les rites de naissance, p. 49

[960] Marx: Circumcision feasts, p. 425

[961] Chebel: Histoire de la circoncision, p. 58-59

[962] المرصفي: أحاديث الختان، ص 68.

[963] السكّري، ص 72.

[964] السكّري، ص 85-86.

[965] أبو السعود: خبرات ميدانيّة، ص 108-109.

[966] أبو السعود: خبرات ميدانيّة، ص 111.

[967] إبن قدامة: المغني، جزء 8، ص 116-117.

[968] إبن الحاج: المدخل، جزء 2، ص 296.

[969] إبن جزي: قوانين الأحكام الشرعيّة، ص 214.

[970] أمين: قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصريّة، ص 188-189.

[971] السكّري، ص 86.

[972] Abd-el-Salam, p. 80, 82

[973] أبو السعود: خبرات ميدانيّة، ص 112.

[974] السعداوي: الوجه العاري، ص 11-12.

[975] العبّودي: الختان في الإمارات، ص 67.

[976] العبّودي: الختان في الإمارات، ص 67.

[977] العبّودي: الختان في الإمارات، ص 69.

[978] النووي: المجموع، جـ 1، ص 301-302.

[979] إبن قيّم الجوزيّة: زاد المعاد، جـ 1، ص 18-18.

[980] إبن حجر: فتح الباري، جزء 10، ص 340.

[981] البهوتي: كشّاف القناع، جـ 1، ص 80.

[982] الجمل: حاشية الجمل، جـ 5، ص 173.

[983] السكّري، ص 65.

[984] العاملي: وسائل الشيعة، جـ 51، ص 167.

[985] الجمل: حاشية الجمل، جـ 5، ص 173.

[986] القرّافي: الذخيرة، جـ 13، ص 281. أنظر أيضاً إبن تيمية: فقه الطهارة ص 17.

[987] النووي، المجموع، جـ 1، ص 302.

[988] إبن حجر: فتح الباري، جزء 10، ص 340.

[989] البهوتي: كشّاف القناع، جـ 1، ص 80.

[990] الغوّابي: ختان البنات، ص 50 و54-55 و62.

[991] الشعب 30/9/1994، ضمن كتاب سليم: دليل الحيران، ص 39.

[992] الملحق 6 في آخر الكتاب.

[993] الملحق 13 في آخر الكتاب.

[994] Abd-el-Salam, p. 82

[995] السعداوي: الوجه العاري، ص 13.

[996] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، جزء 2، ص 102-103.

[997] النووي: المجموع، جـ 5، ص 183-184.

[998] إبن جزي: قوانين الأحكام الشرعيّة، ص 214.

[999] أمين: قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصريّة، ص 188-189.

[1000] Abd-el-Salam, p. 77

[1001] أبو السعود: خبرات ميدانيّة، ص 109.

[1002] أبو السعود: خبرات ميدانيّة، ص 112.

[1003] صحيح البخاري، جزء 3، ص 1222، رقم 3171. وأنظر أيضاً جزء 5، ص 2391، رقم 6159-6162

[1004] مسند إبن حنبل، جزء 1، ص 362، رقم 1916.

[1005] صحيح مسلم، جزء 17، ص 317-318 رقم 2859 و2860.

[1006] صحيح مسلم، جزء 17، ص 317-318، هامش.

[1007] أنظر النص في الملحق 1 في آخر الكتاب.

[1008] الجمل: نهاية البيان، ص 35.

[1009] الطبرسي: مكارم الأخلاق، ص 220؛ العاملي: وسائل الشيعة، جـ 15، ص 169.

[1010] العبّودي: الختان في الإمارات، ص 67.

[1011] السكّري، ص 86

عودة