«إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي» (النحل 90:16).
لم يهتم المشرّع والقضاء ورجال القانون كثيراً بالختان، إمّا لحساسيّته الدينيّة والسياسيّة، أو لأنه لا يدر عليهم ربحاً. وهذا الموضوع لا يدرّس في كلّيات القانون رغم الحملة الإعلاميّة الكبيرة التي تحيط به. والكتب التي تتكلّم عن حقوق الإنسان قليلاً ما تتعرّض له.
سوف نحاول في هذا الجزء إعطاء الخطوط العريضة للجدل القانوني الذي يدور حول ختان الذكور والإناث. ونبدأ بعرض تطوّر موقف المشرّع تجاه هذه العادة قديماً وفي عصرنا هذا. وسنرى أن المشرّع إهتم في بادئ الأمر بختان الذكور، ثم تحوّل منه إلى ختان الإناث، تاركاً جانباً ختان الذكور. وهناك حاليّاً حملة من قِبَل المنظّمات غير الحكوميّة ضد ختان الإناث، تقابلها حملة من منظّمات أخرى تطالب بإلغاء كل من ختان الذكور والإناث دون تمييز. ثم نستعرض كيف أن كل من الختانين قد أعتُبِرا من قِبَل معارضيهما إنتهاكاً لحقوق الإنسان، وخاصّة الحق في سلامة الجسد والحياة، والحق في عدم التعسّف وعدم التعذيب، والحق في العرض، والحق في حرمة الميّت. أمّا مؤيّدو الختانين، فإنهم يحاولون تبريره بإسم الحق في الحرّية الدينيّة والثقافيّة. وبعد ذلك سوف نرى كيف أن الغالبيّة الكبرى من عمليّات ختان الذكور والإناث لا تدخل ضمن الإباحة الطبّية، أي أنه لا يمكن تبريرها بأنها عمليّات جراحيّة يبيحها القانون. وأخيراً سوف نبيّن النزاع بين المُثُل والإمكانيّات حيث نرى أن إصدار قانون يمنع ختان الذكور والإناث ومحاولة تنفيذه يصطدم بالواقع الإجتماعي.
رأينا في القسم الطبّي بأنه لا مبرّر طبّي لختان الذكور إلاّ في حالات نادرة. ولذا كان من المفروض منعه عبر التاريخ. ولكن هذا لم يحدث إلاّ في حقبات تاريخيّة متقطعة، يحاول اليهود عامّة تصويره وكأنه جزء من محاولة للقضاء عليهم. وعلى سبيل المثال، يقول أستاذ قانون يهودي مؤيّد لختان الذكور: «كما هو معرف، فقط أنطيوخس وهادريان وستالين وهتلر منعوا ختان الذكور الطقسي. فهل هذه هي الصحبة التي يرتضيها معارضو الختان اليوم؟» [1] . وتقول طبيبة يهوديّة معارضة لختان الذكور: «حاول مضطهدو اليهود دائماً منع الختان. وكان هدفهم القضاء على الشعب اليهودي وليس لاعتبارات إنسانيّة لصالح الأطفال». ثم تعطي نفس الأمثلة السابقة. وهي تجهد نفسها لإقناع اليهود بأن معارضتها هي للختان نابعة من أسباب إنسانيّة، وتطالب ترك نقد ختان اليهود لليهود أنفسهم حتّى لا يفسّر هذا النقد على أنه عداء لليهود [2] . والقول بأن منع الختان لجأ إليه مضطهدو اليهود للقضاء عليهم هو تزوير للتاريخ.
أوّل ذكر لمنع الختان هو ما تم في عصر ملك إسرائيل آحاب (توفّى عام 853 ق.م). وهذا يستشف من قول النبي إيليّا: «إني غرت غيرة للرب، إله القوات، لأن بني إسرائيل قد تركوا عهدك» (1 ملوك 9:19-10). فعبارة «تركوا عهدك» قد تشير هنا إلى «ترك عهد الختان». وتخليداً لموقف النبي إيليّا، يضع اليهود كرسياً خلال الختان يُدعى كرسي النبي إيليّا كشاهد على إتمام العهد [3] . والنص المذكور لا يقدّم تفاصيل هذا المنع أو أهدافه، كما أنه لا توجد مصادر تاريخيّة أخرى تذكر هذا الحدث. وإن صح هذا الخبر، فإن منع الختان نابع من سلطات اليهود ذاتها، وقد تصدّى لهذا المنع رجال الدين اليهود.
وثاني ذكر لمنع الختان هو ما تم تحت سيطرة اليونانيين. فسفر المكابيين الأوّل يخبرنا بأن يهوداً رأوا في إنفصالهم عن الأمم مضرّة لهم. فذهبوا إلى الملك اليوناني «أنطيوخس»، ملك سوريا حينذاك، طالبين منه أن يعملوا «بأحكام الأمم»، فأذن لهم ذلك. فقاموا ببناء مؤسّسة رياضيّة بدنيّة في القدس وعملوا لأنفسهم غلفاً وتركوا أولادهم دون ختان. ثم أصدر الملك قانوناً يمنع الختان ويجازي المخالفين بالقتل. وكان مراقبو الملك يقتلون النساء اللواتي ختن أولادهن، ويعلّقون أطفالهن في أعناقهن، ويقتلون أيضاً أقاربهن والذين ختنوهم. وعلى إثر ذلك المنع، قام رجال الدين «الحسيديون» بحملة معادية ضد من تخلّى عن الختان، فختنوا بالقوّة كل من وجدوه في بلاد إسرائيل من الأولاد الغلف. ويضيف سفر المكابيين الثاني أن الملك قد أرسل «جيرون الأثيني» ليكره اليهود على الانصياع للقوانين اليونانيّة. فتم إحضار إمرأتين ختنتا ولديهما، «فعلّقوا طفليهما على أثدائهما وطافوا بهما في المدينة علانية، ثم القوهما عن السور» [4] . ويبيّن هذان النصان أن اليهود هم المبادرون بترك الختان وأن رجال الدين قد تصدّوا لهم. وليس هناك مصدر تاريخي حيادي يثبت إصدار الملك تلك القوانين الصارمة. وقد تكون من إختلاق مؤلّف سفر المكابيين لتبرير تصرّفات رجال الدين والظهور بمظهر المضطهد.
وإذا ما إنتقلنا إلى خبر منع الإمبراطور «هادريان» للختان، فهو أيضاً مشكوك فيه. ولفهم ما حدث، يجب أن نشير إلى أن اليهود كانوا يمارسون الختان قَبل «هادريان» رغم أن المفكّرين الرومان كانوا يستهزئون من هذه العادة ويعتبرونها علامة تعالي اليهود على غيرهم من الشعوب. وقد حاول الأباطرة الرومان إتّخاذ قوانين ذات طابع إنساني بقصد الحد من التعدّي على سلامة الجسد. فقد منع قانون روماني صدر عام 97 خصي العبيد تحت طائلة مصادرة نصف أملاك من يقوم بذلك [5] . ويشير قانون آخر بأن من يخصي رجلاً، «بهدف اللذّة أو الجشع»، يعاقب بالنفي إلى جزيرة وتصادر جميع أمواله، والذين كانوا ينتمون لطبقات فقيرة كانوا يصلبون أو يرمون إلى الوحوش لتفترسهم [6] . وهذه القوانين لم تمسن ختان اليهود. وقد قام بعض المسيحيّين بختان أنفسهم لكي يستفيدوا من إمتيازات اليهود، ومن بينها عدم المشاركة في الطقوس الدينيّة تكريماً للإمبراطور الذي كان يعتبر إلهاً حيّاً في الأرض. وهكذا كان ينظر إليهم وكأنّهم يهود من قِبل الشعوب وكانوا ينجون من إضطهاد اليهود لهم [7]
وقد أعاد «هادريان» عام 129 أو 130 منع خصي الحر أو العبد، بإرادته أو غصباً عنه، وعاقب على هذه الجريمة بالإعدام ومصادرة الأموال. وذكر أن الطبيب الذي يجري تلك العمليّة ومن يوافق على إجراء «بتر أعضائه الجنسيّة» يعاقب بالإعدام [8] .
وقد أثار إستعمال تعبير «بتر الأعضاء الجنسيّة» في هذا القانون جدلاً كبيراً بين الباحثين، وخاصّة اليهود، معتبرين بأنه يعني الختان، وأن ذلك كان موجّهاً ضد اليهود. وهم يشيرون إلى أن هذا المنع كان سبباً في نشوب ثورة «بار كوخبا» بين عام 132-135. فهناك نص تاريخي يذكر أن اليهود قد ثاروا لأنهم منعوا من «بتر الأعضاء الجنسيّة». فربطوا بين هذا النص وبين قانون «هادريان». كما إعتمدوا على قانون أصدره الإمبراطور «أنطونينوس» (توفّى عام 161) يقول فيه بأنه يسمح لليهود ختان أطفالهم، ولكنّهم إذا ما مارسوه على غيرهم من الأمم فتجري عليهم العقوبة المطبّقة على من يمارس الخصي [9] . فاعتبروا هذا القرار إستثناءاً على المنع الذي كان سارياً في زمن «هادريان». ولكن هذا التفسير لم يلقى إجماعاً بين الباحثين. فقد إستمر اليهود في ممارسة الختان في روما ذاتها في زمن «هادريان». وعلى فرض أن «هادريان» منع الختان خارج روما، فإن هذا القرار لم يكن عملاً عدائياً ضد اليهود بقدر ما هو عمل يتّفق مع مبادئ هذا الإمبراطور الذي كان يرى في الختان عادة سيّئة، فأدخلها ضمن منعه بتر الأعضاء الجنسيّة. وقد يكون منعه وسيلة لمساندة أولئك اليهود الذين حاولوا إسترجاع الغلفة وأبدوا رغبتهم في ترك الختان. ففي تلك الحقبة التاريخيّة، فرض رجال الدين اليهود، إضافة إلى الختان (بالعبريّة: ميلا)، عمليّة سلخ بطانة الغلفة (بالعبريّة: بيريا) لمنع شد جلد القضيب وإلغاء علامة الختان. وهكذا يكون قرار «هادريان» موجّهاً ضد رجال الدين اليهود، وليس ضد اليهود أنفسهم. وهناك دلائل كتابيّة من عام 154 على أن الختان قد منع أيضاً بخصوص المصريّين، باستثناء رجال الدين القديم، لأن الختان كان شرط لدخولهم سلك الكهنوت. ممّا يعني أن منع الختان كان منعاً شاملاً وليس ضد اليهود بصورة خاصّة.
ونشير هنا إلى أن القوانين الرومانيّة اللاحقة، حتّى بعد تحوّل الإمبراطوريّة للمسيحيّة، قد أكّدن على حماية اليهود ضد هجمات معاديهم، كما نصت على حقّهم بختان أطفالهم، ولكنّها منعتهم من ممارسة الختان على غيرهم، عبيداً كانوا أم أحراراً، تحت طائلة الإعدام والنفي إلى إحدى الجزر ومصادرة الأموال. كما أنها منحت الحرّية للعبد الذي يشتكي على سيّده لإجرائه الختان عليه. وكل مسيحي يقبل ختان نفسه أو ختان عبده حسب عادات اليهود يعاقب بنفس العقاب. والطبيب الذي يجرى العمليّة يعاقب بالإعدام. وكان الهدف من هذه القوانين في العصر المسيحي منع اليهود من التبشير بدينهم بين الأمم الأخرى ومنع المسيحيّين من الإرتداد [10] .
إذا إنتقلنا إلى العصر الحديث، نجد أن اليهود المجدّدين في القرن التاسع عشر في ألمانيا قاموا بمحاولة لإلغاء الطابع الإجباري للختان وجعله أقل خطراً على الصحّة [11] . وفي فرنسا، قامت السلطات المدنيّة عام 1843 بإلغاء مص قضيب الطفل (بالعبريّة: مزيزا)، وهي المرحلة الثالثة من ختان الذكور عند اليهود، بسبب مخاطرها الصحّية [12] . وفي كلتا الحالتين قاوم رجال الدين اليهود هذه الخطوة مطالبين بممارسة الختان بالطريقة التي يرونها حتّى وإن تسبّب ذلك في تعريض الأطفال لخطر الموت. وما زال حتّى يومنا هذا رجال دين يهود وموهيلين يرفضون تدخّل السلطات المدنيّة في شؤونهم ويدافعون عن مص قضيب الطفل.
وفيما يخص الإتّحاد السوفييتي، يلاحظ أنه لم يكن هناك أي قانون يمنع ممارسة الختان لا قَبل إستلام الشيوعيين الحُكم ولا بعده. وتشير المصادر اليهوديّة ذاتها بأن المسلمين واليهود الذين كانوا يعيشون في وسطهم مارسوا بصورة واسعة ختان الذكور. إلاّ أن الختان تراجع بدرجات متفاوتة بين اليهود المنتشرين في المناطق الأخرى لأسباب ثلاثة:
- هناك أوّلاً موقف اليهود العلمانيين المعادي للختان. فقد شنّت الدوريّات الشيوعيّة بــ«اليديش» (وهي خليط من العبريّة والألمانيّة) في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين حملات شديدة على من مارس الختان بين اليهود الذين ينتمون للحزب الشيوعي.
- ثم هناك عدم وجود ثقافة روسيّة مؤيّدة للختان. وكان موقف الهيئات الطبّية الرسميّة معادياً لهذه الممارسة، كما هو الأمر في دول غربيّة كثيرة. فقد كانت تعتبر الختان ضارّاً بصحّة الطفل، يجريه أشخاص غير مدرّبين طبّياً وفي أوضاع غير صحّية، ومن مخلّفات الحضارة البدائيّة، وطقساً دينيّاً يضر بالمواطنين مثله مثل باقي الطقوس الدينيّة، وعلامة تعصّب شعوبي تُخَلَّف شعور بالتعالي على الغير وتزرع البغضاء نحوهم.
- وأخيراً هناك موقف السلطات الحاكمة المعادي للختان. فتلك السلطات كانت تعتبره إنتهاكاً للدستور السوفييتي الذي يقر بالحق في عدم الإنتماء لأي ديانة. وختان الطفل اليهودي والمسلم يعتبر إنتهاكاً لهذا الحق إذ يفرض عليه علامة إنتماء دائمة. كما أن الختان يعتبر مخالفاً للمادّة 227 من قانون العقوبات التي تحرّم الممارسات الدينيّة التي تضر بصحّة المواطنين. وعليه، فإن الموهيل اليهودي كان يعتبر مسؤولاً عن أيّة مضاعفات طبّية تنتج عن الختان لممارسته عملاً طبّياً من إختصاص رجال الطب. والأهل الذين كانوا يخضعون أطفالهم للختان، كانوا يتعرّضون لمضايقات ويفقدون إمتيازات وحقوقاً [13] . وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإتّحاد السوفييتي قد لاحق أيضاً أتباع طائفة الخصاة المسيحيّة بصورة أشد ممّا لاحق اليهود لممارستهم بتر الأعضاء الجنسيّة [14] .
هذا ولا نجد أي قانون يمنع الختان في حقبة الحُكم النازي في ألمانيا. فاليهود كانوا يمارسون الختان حتّى في المعتقلات. فهذا النظام لم يجرّم الختان، لا بل إعتبره حليفه إذ يُسَهِّل عليه التعرّف على من هو يهودي ومن هو غير يهودي.
وبناء على ما سبق، يمكننا القول إن الختان نادراً ما منع في التاريخ رغم أنه تعدّي صارخ على سلامة الجسد، وأن الذين منعوه لم يقصدوا من ذلك القضاء على اليهود، خلافاً لما يدّعيه بعضهم. وبدلاً من البحث عن محاولات «أعداء» اليهود لمنعهم من ممارسة الختان، على المؤرّخين البحث عن إضطهاد رجال الدين اليهود لإتّباعهم وإجبارهم على ممارسة الختان، متعدّين بذلك على حقّهم في تقرير مصيرهم وحقّهم في سلامة جسدهم. فقد حان الوقت لكي نكرّم كل من ساهم في رقي الإنسانيّة، يهوديّاً كان أو غير يهودي، بمخالفته رجال الدين اليهود الذين يريدون فرض إرادتهم ليس فقط على الأحياء بل أيضاً على الأموات. فهم ما زالوا يقومون بختان اليهودي الذي يتوفّى دون ختان، مهدّدين برفض دفنه في مقابر اليهود إذا لم يتم ختانه [15] .
نشير أيضاً إلى أنه بدلاً من أن يبقى ختان الذكور منحصراً بين اليهود والمسلمين، أخذ عدد من المسيحيّين يمارسونه، منقادين في ذلك وراء رجال الدين ورجال الطب. وليس هناك اليوم أيّة دولة تمنع ختان الذكور رغم أن هذه العادة تخالف أبسط القواعد الأخلاقيّة الطبّية وأهم حق من حقوق الإنسان بعد الحق في الحياة، وهو الحق في السلامة الجسديّة.
على العكس ممّا حدث مع ختان الذكور، فإن المشرّع أو المفكّرين لم يعيروا ختان الإناث في العصور الماضية أي إهتمام. وقد عرف هذا الختان إنتشاراً في دول غربيّة في القرن التاسع عشر حتّى أواسط القرن العشرين، تحت رعاية رجال الطب، يساندهم في ذلك رجال الدين، كوسيلة للحد من الإستمناء والأمراض التي تنسب إليه. ولكن بسبب عدم وجود أساس ديني مباشر لختان الإناث في التوراة، وبسبب تزايد فعاليّات الحركات النسائيّة الغربيّة، أخذت الدول الغربيّة قَبل وبعد الإستعمار تتصدّى له من خلال التشريعات الوطنيّة والدوليّة ووسائل الإعلام. وقد إستطاعت هذه الدول في تأليب منظّمات غير حكوميّة في الدول التي تمارسه، تدعمها ماليّاً وفكريّاً. وقد زادت حدّة هذه الحملة بسبب تدفّق المهاجرين الأفارقة إلى الدول الغربيّة. هذا ما نود عرضه في هذا الفصل.
كان أوّل إهتمام للمشرّع الدولي بختان الإناث في المؤتمر الدولي الذي عقدته عصبة الأمم عام 1931 في جنيف حول وضع الأطفال الأفارقة. فقد أثارت «دوكة أتهول» خلاله موضوع ختان الإناث في قبيلة «كيكويو» الكينيّة. وقد طالب ممثّلون أوروبيون المؤتمر بدعوة حكومات الدول التي تمارس هذه العادة «الوحشيّة» إعتبار من يشارك فيها مقترفاً جرماً. ولكن أكثريّة الممثّلين لم يكونوا من هذا الرأي. فقد كان هناك رأي عام بأن يثقّف الشعب حتّى يتمكّن من الحفاظ على هذه العادة أو رفضها كما يرى [16] .
وفي 10 يوليو 1958، دعا المجلس الإقتصادي والإجتماعي للأمم المتّحدة منظّمة الصحّة العالميّة «القيام بدراسة حول إستمرار تقاليد تُخضِع الفتيات لعمليّات طقسيّة والخطوات التي إتّخذت أو يقصد إتّخاذها لوضع حد لهذه الممارسات» [17] . إلاّ أن الجمعيّة العامّة لمنظّمة الصحّة العالميّة رفضت هذا الطلب في 28 مايو 1959، معتبرة أن «تلك العمليّات الطقسيّة ناتجة عن مبادئ إجتماعيّة وثقافيّة ليس لمنظّمة الصحّة العالميّة صلاحيّة لدراستها» [18] .
وعقدت الأمم المتّحدة في أديس أبابا عام 1960 مؤتمراً حول مشاركة النساء في الحياة العامّة. وقد طالبت النساء الإفريقيّات خلاله منظّمة الصحّة العالميّة عمل دراسة حول ختان الإناث مبيّنة أن لا حاجة صحّية لمثل هذه العادة، لا بل إنها ضارّة، وأنه يجب إلغاؤها. وفي 1961، عاد المجلس الإقتصادي والإجتماعي للأمم المتّحدة وطالب منظّمة الصحّة العالميّة ببحث الآثار الطبّية للممارسات التقليديّة على النساء. ثم في عام 1964، عقدت الأمم المتّحدة مؤتمراً في «توجو» أدانت فيه ختان الإناث كعادة ضارّة وخرق لكرامة الإنسان. وقد طالب المؤتمر الحكومات إتّخاذ الخطوات الضروريّة للقضاء على ختان الإناث.
وأوّل رد فعل من قِبَل منظّمة الصحّة العالميّة على مطالب الأمم المتّحدة لدراسة ختان الإناث جاء على شكل تقرير حول الآثار الصحّية لختان الإناث قدّمه في 30 سبتمبر 1976 الدكتور «روبيرت كوك»، المستشار الصحّي لمكتبها الإقليمي في منطقة شرق المتوسّط. وقد قسّم هذا الدكتور الأمريكي ختان الإناث إلى أربع فئات:
- الختان بالمفهوم العام، وقد عرفه كما يلي: «هو القطع الدائري لغلفة البظر، ويشابه ختان الذكور. ويعرف في العالم الإسلامي بإسم «ختان السُنّة». وتمارسه أيضاً النساء في الولايات المتّحدة لمعالجة فشل الوصول إلى الشبك الجنسي ولمعالجة تضخّم بظر المرأة وضيق الغلفة. وقد رأى المقرّر أن هذا الختان ليس له آثار ضارّة بالصحّة. ولذا لم يهتم به. وقد إعتمد في تقريره هذا على مقالين لطبيبين أمريكيّين هما «راثمان» و«وولمان».
- بتر الغلفة وحشفة البظر أو البظر ذاته مع أجزاء مجاورة من الشفرين الصغيرين أو كليهما. وقد أطلق عليه إسم excision
- الختان الفرعوني: وهو بتر البظر والشفرين الصغيرين وعلى الأقل ثلثي الشفرين الكبيرين أو الجزء المتوسّط منهما ثم تخييط طرفي الفرج لسد فتحته وإبقاء ثقب صغير لنزول البول والدم الدوري. وبما أن أكثر الأضرار بالصحّة تنتج عن هذا النوع من الختان، رأى المقرّر الإهتمام فقط بهذا النوع.
- توسيع فتحة الفرج في سن المراهقة وذلك بشدّه إلى الأمام أو شق العجّان بسكّين من حجر كما تفعله قبيلة «بيتّا باتّاً» من سكّان أستراليا الأصليين، ويطلق عليه إسم introcision . وإذ إن المقرّر يأمل في أن هذا الختان لم يعد له وجود، فهو لم يهتم به [19] .
ومن الواضح من هذا التقرير أنه لا يدين جميع أنواع ختان الإناث. فـهو لا يرى مضرّة في «ختان السُنّة» الذي يوازي ختان الذكور ما دامت الولايات المتّحدة تمارسه أيضاً.
وفي عام 1977، قرّرت منظّمة الصحّة العالميّة إنشاء مجموعة عمل تهتم بختان الإناث. وقامت ما بين 10 و15 فبراير 1979 بتنظيم مؤتمر في الخرطوم حول الممارسات التقليديّة المؤثّرة على صحّة النساء والأطفال، من بينها عادة ختان الإناث، حيث تم جمع ممثّلين عن عشر دول هي بوركينا فاسو، وجيبوتي، ومصر، والحبشة، وكينيا، ونيجيريا، وعُمان، والصومال، والسودان، وجنوب اليمن. وقد صدر عن هذا المؤتمر التوصيات التالية:
1) تبنّي سياسات وطنيّة واضحة للقضاء على ختان الإناث.
2) تكوين لجان وطنيّة لتنسيق ومتابعة نشاطات الأجهزة المختصّة بما في ذلك عمل القوانين لمنع ختان الإناث حيث يكون ذلك مناسباً.
3) تكثيف الثقافة العامّة بما في ذلك الثقافة الصحّية على جميع المستويات بالتأكيد على مخاطر ورفض ختان الإناث.
4) تكثيف برامج تثقيف الدايات والمعالجين التقليديين حتّى يوضّحوا أضرار ختان الإناث، وهكذا يتم ضم جهودهم إلى الجهد العام للقضاء على هذه العادة.
ويعتبر هذا المؤتمر نقطة تحوّل في النضال ضد ختان الإناث. فمنذ ذلك الحين، تزايد إهتمام منظّمة الأمم المتّحدة والهيئات التابعة لها بهذا الموضوع. وتكاد لا تمضي سنة دون أن يصدر عنها تصريح أو تقرير أو دراسة. وأخذت المؤتمرات تتابع، بعضها مكرّس بالكامل لهذا الموضوع، يتم تنظيمها من قِبَل تلك المنظّمات أو بمشاركتها ومساندتها. وأصبح من الصعب التنسيق بين هذه النشاطات ومتابعة قراراتها. وحتّى الآن لا توجد أيّة دراسة مسح شاملة لها. ونكتفي هنا بالإشارة إلى أهم هذه النشاطات.
- يونيو 1982: أعلنت منظّمة الصحّة العالميّة في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتّحدة بأنها تدعم توصيات مؤتمر الخرطوم. وأضافت، متناسيّة موقفها السلبي السابق، بأنها «كانت دائماً ترى وجوب عدم إجرائه من قِبَل أصحاب المهن الصحّية في أي محيط كان بما في ذلك المستشفيات والمنشآت الطبّية الخاصّة».
- فبراير 1984: عقدت مجموعة العمل الخاصّة بالممارسات التقليديّة المؤثّرة على صحّة النساء والأطفال بالتعاون مع منظّمة الصحّة العالميّة مؤتمراً في داكار. وقد تم الإتّفاق بين الحاضرين على ضرورة وضع ختان الإناث في التقرير السنوي المقدّم للجمعيّة العامّة لمنظّمة الصحّة العالميّة من قِبَل جميع الدول ذات العلاقة.
1990: جاء في الفقرة الثالثة من المادّة 24 من إتّفاقيّة الأمم المتّحدة لحقوق الطفل لعام 1990: «تتّخذ الدول الأطراف جميع التدابير الفعّالة والملائمة بغية إلغاء الممارسات التقليديّة التي تضر بصحّة الأطفال». وكان الإقتراح الأصلي يطالب الحكومات باتّخاذ الإجراءات المناسبة بما في ذلك الإجراءات القانونيّة والإداريّة والإجتماعيّة والتثقيفيّة لضمان عدم إخضاع الأطفال لمثل هذه الممارسات. وقد طالب ممثّل بريطانيا تحديد المقصود بهذا الإقتراح تخوّفاً من أن يفسّر بصورة واسعة. وتدخّل ممثّل الصومال وطالب باتّخاذ موقف متحفّظ عند التصدّي لقيم ثقافيّة وأكّد على مخاطر دفع بعض الممارسات إلى السرّية إذا ما منعتها القوانين. وقد إقترح كل من ممثّل الولايات المتّحدة وبريطانيا إضافة تعبير «خاصّة ختان الإناث». وقد شرح ممثّل الولايات المتّحدة بأن المقصود من الممارسات الضارّة تلك التي تتّصف بالخطورة الكبيرة. ولكن إحدى المنظّمات المشاركة رأت بأن هناك عادات أخرى. وهكذا يبين بأن ختان الإناث كان دائماً في فكر واضعي هذه المادّة ولكن كان هناك تخوّف من ذكره بصورة واضحة.
29 أبريل - 3 مايو 1991: عقد مركز حقوق الإنسان في الأمم المتّحدة لقاءاً حول العادات المؤثّرة بصحّة النساء والأطفال في «واجادوجو» (بوركينا فاسو). وقد أوصى هذا المؤتمر تبنّي التعبير الجديد «بتر الأعضاء الجنسيّة للإناث» بدلاً من «ختان الإناث» حتّى لا يتم الخلط بينه وبين ختان الذكور.
1992: أكّددت منظّمة الصحّة العالميّة في المؤتمر الذي عقد في هولندا رفضها إجراء عمليّة ختان الإناث طبّياً مهما كان نوعها. وقد صدرت ورقة من منظّمة اليونيسيف تؤكّد موقفها ضد ختان الإناث.
1993: أكّد إعلان فينا لعام 1993 على ضرورة إلغاء العادات والتقاليد الضارّة التي تناقض حقوق المرأة، ومن بينها ختان الإناث.
1993: أدانت المادّة الثانية من الإعلان الخاص بالعنف ضد النساء ختان الإناث ضمن عدد من مظاهر العنف الواقع على النساء.
5-13 سبتمبر 1994: تضمّن برنامج العمل الصادر عن المؤتمر الدولي للسكّان والتنمية الذي عقد في القاهرة توصيات حول ختان الإناث مطالباً الدول باتّخاذ الخطوات لإيقافه ودعم المنظّمات الجماعيّة والدينيّة التي تكافح ضدّه. ويذكر التقرير بين مظاهر العنف التي تتعرّض له النساء ختان الإناث والذي يعتبر خرقاً لحقوق المرأة الأساسيّة وخطراً كبيراً ودائماً على صحّتهن، يُقصد منه كبح العلاقات الجنسيّة للنساء.
17-19 يوليو 1995: عقدت منظّمة الصحّة العالميّة إجتماعاً للمجموعة العلميّة الإستشاريّة في مجال ختان الإناث، تضمّنت 27 خبيراً من خارج منظّمة الصحّة العالميّة، و26 خبيراً من داخلها. واعتبرت هذه المجموعة أن ختان الإناث هو «نوع من العنف الواقع على الفتيات والنساء وله آثار جسديّة ونفسيّة خطيرة تضر بالصحّة وهو تعبير عن التمييز ضد النساء والفتيات». وطالبت هذه المجموعة القضاء على جميع أنواع ختان الإناث.
4-15 سبتمبر 1995: حث برنامج العمل الصادر عن المؤتمر الخاص بالمرأة المنعقد في بكين الحكومات والمنظّمات الدوليّة وغير الحكوميّة لوضع خطّة للقضاء على التمييز ضد الفتيات ومن ضمنها ختان الإناث. وقد أكّد المؤتمر على واجب الحكومات لمكافحة العنف ضد النساء كأولويّة، بما في ذلك ختان الإناث، من خلال تثقيف العامّة وسن القوانين ورفض ممارسته من قِبَل المهن الطبّية باعتباره خرق لحقوق الإنسان وخطر على صحّة المرأة. كما أكّد على ضرورة العمل من خلال منظّمات الأمم المتّحدة المختلفة لتشجيع الدول الإفريقيّة لوضع خطّة وطنيّة تتّفق وثقافتها لإلغاء ختان الإناث.
12 ديسمبر 1997: صدر عن الجمعيّة العموميّة للأمم المتّحدة القرار 52/99 الذي يطالب الحكومات بوضع قوانين واتخاذ إجراءات لمنع الممارسات التقليديّة الضارّة، بما فيها ختان الإناث، وتنفيذ هذه القوانين والإجراءات ضد المسؤولين عن هذه الممارسات.
1997: صدر بيان مشترك عن منظّمة الصحّة العالميّة واليونيسيف وصندوق الأمم المتّحدة للسكّان يدين جميع أنواع ختان الإناث والتي تتضمّن «كل الإجراءات التي يتم فيها إزالة جزئيّة أو كلّية للأعضاء التناسليّة للإناث أو غيرها من الأضرار التي تمس بتلك الأعضاء لأسباب ثقافيّة أو غيرها من الأسباب التي لا علاقة لها بالعلاج».
1998: أصدرت منظّمة الصحّة العالميّة دراسة حول ختان الإناث توضّح آثاره الصحّية والجهود المبذولة لمكافحته. وقد كتبت هذه الدراسة الدكتورة «ناهد طوبيا» والسيّدة «سوزان عزّت» من منظّمة «رنمبو» التي سوف نعود إليها لاحقاً.
2000: إتّخذت الجمعيّة العامّة في 7 فبراير قراراً بخصوص الممارسات التقليديّة المؤثّرة على صحّة النساء والفتيات معتبرة تلك الممارسات عنف ضدّهن وانتهاك لحقوقهن الأساسيّة، ومطالبة الحكومات والمنظّمات المدنيّة السعي لتغيير العادات بصورة جوهريّة.
ويمكننا إختصار موقف منظّمة الأمم المتّحدة وهيئاتها المتخصّصة من الختان كما هو عليه الأمر اليوم في النقاط التالية:
- إدانة ختان الإناث بجميع أنواعه واعتباره مخالف للحق في سلامة الجسد والصحّة الجسديّة والنفسيّة، وتمييز وعنف ضد النساء.
- رفض إجراء هذه العمليّة في الأوساط الطبّية.
- المطالبة بوضع قوانين لمنع ختان الإناث ومعاقبة مهني الصحّة الذين يمارسونه.
- لا تدخل هذه المنظّمات في التفاصيل فيما إذا كان مسموحاً ممارسة ختان الإناث على البالغين.
- تسكت هذه المنظّمات تماماً عن ختان الذكور، كما سنرى لاحقاً.
أدان المجلس الأوروبي في هيئاته المختلفة ختان الإناث الذي إعتبره عنف وتعذيب ضد المرأة وانتهاك لحقّها في المساواة وتعدّي على سلامة جسدها.
ففي مؤتمر «المساواة والديمقراطيّة» الذي عقده المجلس الأوروبي سنة 1995 إعداداً لمؤتمر بكين، كان ختان الإناث المثال الأكثر تكراراً لخرق حقوق الإنسان لأسباب ثقافيّة ودينيّة. وقد أعاد المتدخّلون بأنه من الواجب إحترام النظم الثقافيّة والعرفيّة والدينيّة للغير، إلاّ أنه من غير الممكن قبول تلك النظم إذا كانت تتضمّن إنتهاكاً للحقوق الأساسيّة للفرد ومبدأ المساواة بين الرجل والمرأة كما هو الأمر مع ختان الإناث. فلا يحق للأقليّات المتواجدة في دول المجلس الأوروبي التذرّع بالثقافة والعرف والدين للإستمرار في ممارسة هذه العادة. ولصد هذه الأقليّات عن ممارستها يجب اللجوء إلى الإقناع والنقاش، حتّى داخل المحاكم أو إعطاء النساء التي ترفض هذه العادة حق اللجوء السياسي [20] . وقد إعتبر بعض المتدخّلين أن العرف والثقافة والدين أمر نسبي وليس ذات قيمة قطعيّة أو ثابتة. فهناك نظم ثقافيّة وعرفيّة ودينيّة جيّدة يجب إبقاؤها، وغيرها سيّئة يجب إلغاؤها. وقد تم الإعتماد على تلك النظم للإبقاء على سيطرة الرجال على النساء. فالرجال هم الذين يعرِّفون ويفسّرون تلك النظم. ويجب الإعتراف بحق النساء أيضاً في تعريفها وتفسيرها [21] .
وفي مؤتمر الخبراء في مجال الهجرة والإختلاف الثقافي والمساواة بين الرجل والمرأة الذي عقد عام 1996، رأى المشاركون بأن المجتمعات متعدّدة الثقافات لا يمكنها أن تستمر في التعايش إلاّ إذا كان هناك إنفتاح نحو الثقافات المختلفة واحترام متبادل بين الأشخاص، على المستوى الخاص والعام. ولكن لا يمكن التسامح مع تصرّفات المهاجرين التي تنتهك حقوق الأفراد ومبدأ المساواة بين النساء والرجال حتّى وإن كانت هذه التصرّفات متجذّرة في الحضارة والدين، كما هو الأمر مع ختان الإناث الذي يعتبر عنف لا يمكن تبريره [22] .
ويشير تقرير الخبراء حول التعصّب والعنصريّة والمساواة بين الرجل والمرأة لعام 1998 بأنه يحق للأهل أن يورثوا أطفالهم القيم الثقافيّة والدينيّة التي يدافعون عنها. ولكن للدولة مسؤوليّة التدخّل عندما تنتهك الحقوق الأساسيّة، كما هو الأمر في العنف العائلي. ولا يمكن للدولة أن تشجّع أو تسمح ممارسات تعارض مبادئ حقوق الإنسان والحقوق الديمقراطيّة. ويذكر هذا التقرير ثلاثة أنواع من التمييز الواقع على النساء لا يمكن بأي حال قبولها وهي ختان الإناث، والزواج الجبري، وتعدّد الزوجات [23] .
وقد إتّخذ البرلمان الأوروبي قراراً في 14 أبريل 1997 بخصوص إنتهاك حقوق المرأة، أدان فيه بشدّة ممارسة ختان الإناث وطالب الدول الأعضاء بمنعه على أرضها [24] . وقد تبنّى في 17 يوليو 1997 قراراً بخصوص الجدل الذي كان يدور في مصر يقول فيه:
«باعتبار ختان الإناث بتر جنسي مخالف للكرامة الإنسانيّة، يأسف البرلمان لقرار مجلس الدولة المصري الذي أعلن أن هذه الممارسة مشروعة قانوناً، وكذلك لقرار المحكمة الإداريّة في القاهرة الذي ألغى القرار المانع لإجراء هذه العادة في المستشفيات العامّة. ويدعم البرلمان قرار الحكومة المصريّة ووزير الصحّة بالإستئناف ضد قرار المحكمة. ويدعو اليونيسيف للقيام بحملة ضد ختان الإناث ويقترح أن تقوم لجنة المجلس الأوروبي بالتعاون النشط لتنفيذ مثل هذه الخطّة» [25] .
وقد وافق في 11 مارس 1998 على القرار التالي: «يرفض البرلمان كل أنواع التمييز ضد النساء والفتيات التي تستند على معتقدات ومفاهيم دينيّة. ويدين بشدّة ختان الإناث ويدعو الدول الأعضاء لمنعه على أراضيها» [26] . وطلبت الجمعيّة البرلمانيّة الأوروبيّة في توصياتها في 17 مارس 1998 من لجنة الوزراء أن تطالب الدول الأعضاء للمجلس الأوروبي بما يلي:
- التفريق بين ضرورة إحترام ثقافة الأقليّات والتسامح معها وعماء العادات التي تصل إلى درجة التعذيب والتصرّف غير الإنساني والوحشي الذي على المجلس الأوروبي القضاء عليه.
- التأكيد على أولويّة المبادئ العالميّة لاحترام الفرد وحق الفرد الغير قابل للتنازل لتقرير الذات ومبدأ المساواة بين الرجال والنساء.
- تبنّي موقف منظّمة الصحّة العالميّة وغيرها من المنظّمات التي تعتبر اليوم ختان الإناث تعذيباً، مطالبة بمنعه وملاحقة مقترفيه وفقاً لمعاهدة حقوق الطفل التي تمنع العنف الجنسي، وما جاء في مؤتمر القاهرة لعام 1994 وفي مؤتمر بكين لعام 1995.
- إعلان ختان الإناث مخالف لحقوق الإنسان.
- وضع قاعدة قانونيّة حول العنف ومعاقبة من يمارسون ختان الإناث حتّى وإن كانوا الأهل.
- إعطاء مدّة تقادم طويلة المدى تسمح لضحايا ختان الإناث عند سن البلوغ برفع دعاوى. والسماح أيضاً للمنظّمات التي تدافع عن حقوق الطفل برفع مثل هذه الدعاوى [27] .
وفي 3 أبريل 2000، جاء في توصية المجلس الأوروبي بخصوص العنف ضد النساء: «تدين الجمعيّة البرلمانيّة بكل قوّة ختان الإناث الذي ما زال يمارس بإسم الأعراف أو الثقافة أو العادات الدينيّة والذي يعتبر تعذيباً وحشياً للفتيات» [28] .
يحمي الميثاق الإفريقي لحقوق ورفاه الطفل الذي تبنّته منظّمة الوحدة الإفريقيّة عام 1990 كثيراً من الحقوق التي ذكرتها معاهدة حقوق الطفل. فالمادّة 3 تؤكّد على المساواة بين الجنسين. والمادّة 14، فقرة 1 تقول بأنه يجب تأمين أفضل مستوى من الصحّة الجسديّة والعقليّة والروحيّة. والمادّة 16 فقرة 1 تؤكّد على حماية الطفل من التعذيب والممارسات غير الإنسانيّة. والمادّة 21 تطالب الحكومات إتّخاذ الوسائل المناسبة للقضاء على الممارسات التقليديّة والثقافيّة الضارّة التي تمس برفاه وكرامة الطفل ونموّه الطبيعي وتطوّره.
وقد وافق رؤساء الدول الأفارقة في إجتماعهم الذي عقد في أديس أبابا من 26 إلى 28 يونيو 1996 على إعلان وخطّة عمل إفريقيّة بخصوص وضع النساء. وقد أكّدوا على إلتزامهم في تبنّي قوانين لمنع ختان الإناث وتثقيف الجماعات التي يمارسنه بمضارّه والقيام بحملات تتناسب مع الحساسيّة الإفريقيّة لمكافحة هذه العادة وتقديم الموارد الماليّة البديلة للخاتنات [29] .
وتبنّى مجلس الوزراء في منظّمة الوحدة الإفريقيّة في يوليو 1998 إعلان أديس أبابا حول العنف الواقع على النساء الصادر عن «مؤتمر المشرّعين» الذي عقدته تلك المنظّمة في سبتمبر 1997 في مبناها في أديس أبابا بالتعاون مع «اللجنة الإفريقيّة». وهذا الإعلان، الذي وافق عليه رؤساء الدول الأفارقة لاحقاً، يدعو الدول والحكومات الإفريقيّة إلى:
1) تبنّي سياسات وطنيّة متينة لإلغاء ختان الإناث والعادات الأخرى الضارّة، بما في ذلك وضع قوانين وطنيّة خاصّة لمنعها [...].
3) منع إجراء جميع أنواع ختان الإناث والعادات الضارّة الأخرى في المحيط الطبّي أو المساعد للطب.
4) التوقّف عن عرقلة الجهود الهادفة للقضاء على ممارسة ختان الإناث والعادات الضارّة الأخرى.
5) ضمان القضاء نهائيّاً على ختان الإناث حوالي عام 2005 أو خفض ممارسة هذه العادة بصورة كبيرة [30] .
أهملت الدول الغربيّة والإفريقيّة ختان الذكور، بينما إتّخذت بعضها إجراءات عدّة ضد ختان الإناث، على مستوى التوعية، منها دعم المنظّمات غير الحكوميّة والحملات الإعلاميّة. كما إتّخذت إجراءات تشريعيّة وقضائيّة.
وإهمال ختان الذكور على المستوى القانوني، وعدم سن قوانين لمنع ختان الإناث بصورة صريحة لا يعني أن هذين الختانين لا يقعا تحت طائلة القانون بشكل غير مباشر، على الأقل من وجهة نظر المعارضين، باعتبارهما تعدّي على سلامة الجسد دون سبب طبّي، وهو حق تنص عليه جميع قوانين العالم. ففي فرنسا، عاقبت المحاكم ختان الإناث رغم عدم وجود قانون صريح يمنعه، معتمدة في ذلك على مواد قانون العقوبات. والذي يهمّنا في هذا الفصل هو فقط إستعراض سريع للقوانين الجزائيّة التي منعت بصورة مباشرة ختان الإناث في الدول الغربيّة والإفريقيّة.
مارست الدول الغربيّة ختان الإناث في القرن التاسع عشر حتّى أواسط القرن العشرين. وما زال هذا الختان يمارس هناك لأسباب جماليّة أو لزيادة اللذّة كما رأينا عند تكلّمنا عن الختان والسياسة. ولم يفطن المشرّع الغربي في إصدار قانون ضدّه إلاّ بعدما أخذ الإعلام يثير حالات ختان إناث أليمة أجراها المهاجرون الأفارقة في الدول الغربيّة. وهذا القانون موجّه فقط ضد هؤلاء المهاجرين. ونلاحظ أيضاً إزدياد إهتمام الباحثين بختان الإناث، ولكن فقط ذاك الختان الذي يمارسه المهاجرون الأفارقة، دون سواهم من شعوب الأرض.
وسوف نرى في الفقرات التالية بصورة مختصرة الوضع القانوني في سويسرا وفرنسا وبريطانيا والسويد والولايات المتّحدة.
تعتبر سويسرا أول دولة أخذت موقفاً معادياً لختان الإناث. فقد أثار السيّد «ادمون كيزر»، مؤسّس منظّمة «أرض الناس»، هذا الموضوع على المستوى العالمي في مؤتمر صحفي عقده في جنيف في 25 أبريل 1977 دعا إليه عدد من الأطبّاء والكتاب. وقد طالب منظّمة الصحّة العالميّة مناقشته في الجمعيّة العالميّة التي عقدت في شهر مايو من ذاك العام. وقد أرسل رسالة إلى كورت فالدهايم، السكرتير العام للأمم المتّحدة، لكي يفرض على منظّمة الصحّة العالميّة هذا النقاش. كما أبلغ إتّحاد الأطبّاء السويسريين بأن عمليّات ختان إناث تتم في المستشفيات الأوروبيّة. فرفع الإتّحاد طلب إلى اللجنة المركزيّة للأخلاق الطبّية التابعة للأكاديميّة السويسريّة للعلوم الطبّية التي أصدرت بلاغا عام 1983 قرّرت فيه ما يلي:
- كل شخص يجري عمليّات بتر جنسيّة طقسيّة على إناث صغار أو صبيّات، حتّى وإن كان طبيباً يمارس ضمن شروط صحّية لا غبار عليها، يقترف جرحاً جسديّاً خطيراً ومتعمّد حسب المادّة 122 من قانون العقوبات. ولذلك يجب ملاحقته تلقائيّاً.
- ينتهك هذا الشخص حق أساسي بإجرائه تلك العمليّة الوحشيّة والمذلّة على قاصرة غير قادرة على الوعي ولا تستطيع التمسّك بحقّها الشخصي في سلامة الجسد.
- كل شخص يتعاون مع مثل هذه العمليّة يعتبر شريك في الجريمة حسب قانون العقوبات وينتهك حقوق الإنسان.
- الذين يقترفون مثل هذه الجريمة وشركاؤهم بصفتهم أطبّاء أو ممّن يمارسون مهنة العلاج يخالفون بصورة خطيرة جدّاً مبادئ الأخلاق التي تحكم مهنتهم.
وقد ذكّرت هذه اللجنة بمحتوى المادّة 122 من قانون العقوبات والتي تقول: «كل من يبتر جسم شخص، أو أحد أطرافه أو أعضائه المُهمّة أو عطّل وظيفتها [...] يعاقب بالسجن لمدّة أقصاها عشر سنين أو بالحبس من ستّة أشهر إلى خمس سنين» [31] .
ورداً على إستجواب رفعه أعضاء من المجلس الوطني في 7 أكتوبر 1992، أشار المجلس الفدرالي في 1 مارس 1993 إلى قرار الأكاديميّة السويسريّة للعلوم الطبّي وأكّد على أن «قانون العقوبات يعتبر بتر البظر جرحاً جسديّاً خطيراً. وبما أن سلامة الجسد أحد أثمن الأشياء التي يحميها القانون السويسري، فإن أي شخص يجري عمليّة بتر طقسيّة للأعضاء الجنسيّة، خاصّة على الإناث الصغيرات، يعتبر مقترفاً جريمة تلاحق تلقائياً».
ورغم هذا الموقف الشديد، لم يتم في سويسرا ملاحقة أي شخص قام بهذه العمليّة. وسوف نعود إلى هذا الموضوع عند مناقشتنا للجوء السياسي.
هذه هي الدولة الوحيدة التي حكمت محاكمها على ممارسي ختان الإناث رغم أنه لا يوجد فيها قانون خاص في هذا المجال. وقد إعتمدت المحاكم على المواد العامّة من قانون العقوبات. فهناك أوّلاً المادّة 312 من قانون العقوبات القديم الذي يقول:
كل من ضرب عمداً أحداً عمره أقل من خمس عشرة سنة أو مارس عليه عنفا،ً باستثناء العنف البسيط، يعاقب ...
3) بالسجن من عشر إلى عشرين سنة إذا ما نتج عنه قطع أو إنفصال عضو أو فقد منفعته أو نشأ عنه كف البصر أو فقد إحدى العينين أو نشأت عنه عاهة مستديمة أو الموت دون قصد القتل. وإذا كان الجاني هو الأب أو الأم الشرعيين، أو غير الشرعيين، أو المتبنّي أو أي شخص له سلطة على المجنى عليه أو حارسه ... يكون العقاب السجن المؤبّد.
وقد أستبدلت هذه المادّة في قانون العقوبات الجديد الصادر في 1 فبراير 1994 بالمادّتين التاليتين:
المادّة 222-9: العنف الذي ينتج عنه قطع أو عاهة مستديمة يعاقب بالسجن لمدّة عشر سنين وبغرامة قدرها مليون فرنك.
المادّة 222-10: الجناية المذكورة في المادّة 222-9 تعاقب بالسجن لمدّة خمس عشرة سنة إذا جرت على
1) قاصر عمره أقل من خمس عشرة سنة...
ويمكن رفع العقاب إلى السجن لمدّة عشرين سنة عندما تتم الجناية المذكورة في المادة 222-9 على قاصر عمره أقل من خمس عشرة سنة وكان الجاني هو الأب أو الأم الشرعيين، أو غير الشرعيين، أو المتبنّي أو أي شخص له سلطة على المجنى عليه ...
ولكن يجب ملاحظة أن عدد القضايا التي رفعت للمحاكم الفرنسية قليل جدّاً إذا ما قارنّاه بعدد حالات ختان الإناث التي تتم في فرنسا. فالدراسة التي قامت بها المجموعة الأوروبيّة بخصوص العنف ضد النساء تشير إلى أن موضوع ختان الإناث في فرنسا كان حسّاساً جدّاً في الماضي لأنه يمس حقّين أساسيّين متناقضين هما الحق في إحترام ثقافة الغير ومبدأ تطبيق القانون الفرنسي [32] . ولم يكن المشرّع الذي أخذ موقفاً من هذا الموضوع بل القضاء تحت تأثير الصحافة والحركات النسائيّة. وسوف نعطي هنا بعض الأمثلة لتوضيح كيفيّة تطبيق قانون العقوبات في المحاكم الفرنسيّة.
في 16 نوفمبر 1979، حكمت محكمة إستئناف باريس على ختّانة بالسجن مع وقف التنفيذ لأنّها سبّبت دون قصد وبإهمال وفاة طفل عمره ثلاثة شهور ونصف [33] .
وفي 20 أغسطس 1983 حكمت محكمة النقض الفرنسيّة على أم فرنسيّة بترت بظر إبنتها وشفريها الصغيرين تحت حموة الجنون معتبرة أن هذا العمل بمثابة عنف من قِبل أم شرعيّة ضد بنتها القاصرة أدّى إلى بتر يقع تحت طائلة الفقرة الثالثة من المادّة 312 من قانون العقوبات [34] .
وفي أكتوبر 1984 أقر مواطن مالي أمام محكمة جنائيّة في باريس بختان إبنته التي تم نقلها للمستشفى لمدّة 15 يوماً. وقد إعتبر المدّعي العام بأن ما حدث هو جرح وليس قطع وطالب الأخذ بالإعتبار شخصيّة الأب. وقد إعتبر محامي الجاني بأن عقاباً شديداً سوف يكون له عواقب سلبيّة لأن الأهل قد يرفضون الذهاب إلى المستشفى في حالة حصول مشاكل من هذا النوع. وقد حُكم على الجاني بالسجن مع وقف التنفيذ [35] .
وفي 4 ديسمبر 1989 أرسلت محكمة الإستئناف إلى محكمة الجنايات في باريس أبوي فتاة وختّانة بسبب إجراء ختان على فتاة قاصرة. وقد حكمت المحكمة على الوالدين بالسجن لمدّة خمس سنين مع وقف التنفيذ وخضوع للتجربة لمدّة سنتين. وقضت على الختّانة بالسجن لمدّة خمس سنين [36] .
وفي فبراير 1999 مثلت 26 عائلة إفريقية مع ختّانة أمام محكمة الجنايات في باريس للإشتراك في عنف على قاصرة عمرها أقل من خمس عشرة سنة. وقد رفعت القضيّة المجني عليها، شابّة عمرها 24 من أصل مالي تحمل الجنسيّة الفرنسيّة. وكانت قد أبلغت قاضي الأطفال في عام 1994 بختانها مع أربع أخوات عندما كان عمرها ثماني سنين. وقد أدّت التحرّيات إلى توقيف الختّانة التي كانت قد أجرت الختان على 48 فتاة وحُكم عليها سابقاً بالسجن مع وقف التنفيذ في قضيّة مشابهة [37] . كما تم توقيف أهالي الفتيات المختونات. وقد قضت المحكمة بالسجن لمدّة ثماني سنين ضد الختّانة، والسجن لمدّة سنتين ضد والدة الشابّة، والسجن لمدّة خمس سنين ضد الأهالي الباقين من بينهم والدتان مع وقف التنفيذ لمدّة ثلاث سنين. كما قضت بتغريم الختّانة والأهل جميعاً بمبلغ 80.000 فرنك متضامنين كتعويض لكل من الـ 48 ضحيّة. ويشار هنا إلى أن الفتيات التي أستدعيت للشهادة أمام أمّهاتهن لم تتضامن مع الشابّة المشتكية، لا بل غضبن عليها [38] .
أصدرت بريطانيا في 16 يوليو 1985 قانون حظر ختان الإناث [39] بعد نقاش حاد دار في البرلمان واقتراحات معارضة قدّمتها مجموعات الأطبّاء. وهذه ترجمتنا للقانون المذكر:
(1) باستثناء الفقرة (2) يقترف جرماً كل شخص
يختن أو يرتق الشفرين الكبيرين أو الصغيرين أو البظر جزئيّاً أو كلّياً لشخص آخر
أو يساعد وينصح ويسهّل إجراء تلك الأعمال بواسطة شخص آخر على جسم شخص آخر.
كل من يعتبر مرتكباً لتلك الأعمال ومسؤولاً عنها:
يلاحق و & أو يعاقب بالسجن لمدّة لا تزيد عن خمس سنين
في الحالات الخفيفة يعاقب الشخص بالسجن لمدّة لا تزيد عن تلك المذكورة في المادّة 78 من قانون العقوبات لعام 1982 و/ أو في كل حال لمدّة لا تقل عن ستة أشهر.
2) (1) لا تعتبر وفقاً للفقرة (1، أ) من المادّة 1 إجراءاً جراحيّاً مخالفاً للقانون في الحالات التالية:
إذا كانت تلك العمليّة ضروريّة للصحّة الجسدية والنفسية للشخص الذي تتم عليه، وتجرى على يد طبيب مسجّل، أو
إذا تمّت تلك العمليّة على شخص في مرحلة المخاض أو بعد الولادة لأسباب طبّية لها علاقة بالمخاض والولادة بواسطة
طبيب ممارس أو قابلة مسجّلين
أو شخص يتبع تعليماً للحصول على لقب طبيب أو قابلة مسجّلين.
(2) في إطار هذه المادّة لمعرفة ما إذا كانت العمليّة الجراحيّة ضرورية للصحّة النفسيّة لا يؤخذ بالإعتبار تأثير أي إعتقاد كان على هذا الشخص يقوده أو يقود غيره للتفكير بأن تلك العمليّة ضرورية كطقس أو عرف.
وقد سمح قانون صدر عام 1989 بالقيام بالتفتيش في حالة خرق هذا المنع وأخذ البنت من بيت أهلها عندما يكون ذلك هو الأسلوب الوحيد لتأمين سلامتها. ويمنع هذا القانون الأهل أخذ البنت خارج بريطانيا لإجراء عمليّة الختان عليها دون موافقة المحاكم [40] .
منعت السويد أصحاب المهن الطبّية من ممارسة ختان الإناث عام 1982 هذا نصّه.
المادّة 1: إن عمل أيّة إجراءات في الأعضاء التناسليّة الخارجيّة لدى الإناث بهدف قطعها أو للتوصل إلى أيّة تغييرات أخرى ثابتة بها هو أمر ممنوع بغض النظر عن الموافقة على هذه الإجراءات أو عدم الموافقة عليها
المادّة 2: يعاقب أي شخص يخالف المادّة 1 بالحبس لمدّة سنتين على الأكثر، أو بدفع غرامة ماليّة إذا كانت الظروف مخفّفة. إذا أدّت الجريمة إلى خطر على الحياة أو إصابة جسديّة بالغة أو مرض خطير أو إذا عانت بطريقة أو بأخرى تصرّفاً قاسياً للغاية فإنه يتم إعتبار الجريمة كجرم فاحش. ويعاقب مرتكب هذا الجرم الفاحش بالحبس لمدّة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزيد عن عشر سنوات. بالنسبة لمحاولة إرتكاب الجرم فإنه يعاقب عليها بالمسؤولية حسب الفقرة 23 من قانون العقوبات [41] .
وهذا القانون يعاقب الشخص الذي يقيم في السويد والذي يشارك في تدبير عملية الختان خارج السويد إذا كانت تلك العملية ممنوعة بحكم القانون في البلد الذي تم فيه تنفيذ عملية الختان. وقد أدخل تعديل على هذا القانون في 1 يوليو 1998 رافعاً الحبس في الفقرة الثانية إلى أربع سنين. وهذا التعديل يعتبر مقترفاً جرماً من شارك في إعداد الختان أو لم يبلغ عنه. ويحاول المشرّع تجريم الختان الذي يقوم به الأهل خارج السويد في دول لا تعاقب عليه [42] .
أصدرت الحكومة الفدراليّة عام 1995:
- قانون حظر البتر الجنسي للإناث الفدرالي [43] .
- قانوناً يطلب من هيئة الهجرة والتجنيس تزويد الأجانب الذين يحصلون على تأشيرة دخول كمهاجرين أو غير مهاجرين من دول تمارس ختان الإناث بمعلومات حول أضرار ختان الإناث والعواقب القانونيّة في الولايات المتّحدة في حالة ممارسته أو السماح بممارسته [44] .
- قانوناً يطلب من سكرتير الخدمات الصحّية والإنسانيّة جمع المعلومات حول عدد ضحايا ختان الإناث الذين يعيشون في الولايات المتّحدة، لمعرفة المجموعات التي تمارسه، والقيام بحملة توعية حول نتائجه الصحّية، ورفع توصيات لإعطاء طلبة الطب معلومات بخصوصه [45] .
وهذه ترجمتنا للقانون المذكر:
باستثناء الفقرة (ب) كل شخص متعمّد يختن أو يخفض أو يرتق الشفرين الكبيرين أو الصغيرين أو البظر جزئيّاً أو كلّياً لشخص آخر لم يبلغ سن الثامنة عشر يعاقب بغرامة أو بالسجن لمدّة لا تزيد عن خمس سنين أو بكليهما.
ب) لا تعتبر العمليّات الجراحيّة خرقاً لهذا القانون في الحالات التالية:
(1) إذا كانت تلك العمليّة ضروريّة لصحّة الشخص الذي تتم عليه، وتجرى على يد شخص مخوّل لإجرائها في المكان الذي يجريها فيه كطبيب ممارس، أو
(2) إذا تمّت تلك العمليّة على شخص في مرحلة المخاض أو بعد الولادة وتجرى على يد شخص مخوّل لإجرائها في المكان الذي يجريها فيه كطبيب ممارس أو قابلة أو متمرّن ليصبح طبيباً أو قابلة.
ج) لتطبيق الفقرة (ب، 1) لا يؤخذ بالإعتبار تأثير أي إعتقاد كان على هذا الشخص يقوده أو يقود غيره للتفكير بأن تلك العمليّة ضرورية كطقس أو عرف.
د) يعاقب بغرامة أو بالسجن لا تزيد عن سنة أو بكليهما كل شخص يرفض متعمّداً تقديم علاج أو خدمات طبّية أو يتّخذ إجراءاً تمييزيّاً ضد أي شخص في مجال العلاج أو الخدمات الطبّية لأن
ذاك الشخص تم عليه الختان أو الخفاض أو الرتك، أو
لأنه طلب إجراء الختان أو الخفاض أو الرتق على أي شخص كان.
تعريف: في إطار هذه المادّة، تعني عبارة البتر التناسلي للإناث بتر أو&و رتق البظر والشفرين الصغيرين والكبيرين كليّاً أو جزئيّاً.
وخوفاً من أن يسارع الأهل بختان بناتهم في بلادهم، وافق مجلس الشيوخ على أن يقوم سكرتير الماليّة بإعطاء التعليمات للمدراء التنفيذيين في الهيئات الماليّة الدوليّة لكي يعترضوا على منح قروض للدول التي تساند ختان الإناث كعادة ثقافيّة ولم تأخذ أي إجراء من أجل تبنّي برامج وقاية ضدّه من خلال التثقيف [46] .
كما أصدرت عدّة مقاطعات قوانين مماثلة لمنع ختان الإناث والمعاقبة عليه بالسجن و/أو بالغرامة، وقوانين أخرى خاصّة بالتوعية والوقاية. وقد رفضت بعض المقاطعات إصدار مثل هذه القوانين، بينما تنتظر مشاريع أخرى الموافقة في مقاطعات أخرى. وكانت مقاطعة «داكوتا الشماليّة» أوّل مقاطعة تتّخذ قانوناً بهذا المعنى، في عام 1995. وهذا القانون يعاقب على ختان الأنثى القاصرة بالسجن لمدّة تصل إلى 5 سنين و/أو غرامة تصل إلى 5000 دولار [47] . ويشار هنا أن مشروع هذا القانون كان أصلاً يمنع التعدّي على الأعضاء الجنسيّة، دون تفريق بين ذكر وأنثى. ولكن لم يكن هناك دعم كاف لإمرار ذاك المشروع. وعندما تم تحديده بختان الإناث، مر بسهولة [48] .
وضعت بعض الدول الإفريقيّة قوانيناً لمنع ممارسة ختان الإناث. وقد فعلت هذا عامّة ليس بمحض إرادتها، بل تحت ضغوط من الدول الغربيّة والمنظّمات التابعة لها. وقد بقيت هذه القوانين عامّة حبراً على ورق. ولن نتمكّن هنا من إستعراض جميع هذه القوانين. لذا نكتفي بالوضع في مصر لأهمّية هذا البلد على المستوى العربي والإفريقي والإسلامي.
لقد ذكرنا في الجزء السابق الجدل الذي ثار في مصر حول ختان الإناث وكيف أن مؤيّديه قد إتّهموا المعارضين بمعاداة الإسلام والمسلمين. والذي يهمّنا هنا هو فقط عرض النصوص القانونيّة التي صدرت في مصر في هذا الخصوص لتكون مرجعاً للباحثين.
أوّل نص صدر في مصر حول ختان الإناث هو القرار الوزاري رقم 74 لعام 1959. ويتضمّن هذا القرار في مادته الأولى كشف بأسماء لجنة مكوّنة من 15 عضواً من رجال الدين المسلمين والطب من بينهم وكيل وزارة الصحّة مصطفى عبد الخالق، ومفتي الديار المصريّة حسن مأمون، ومفتي الديار المصريّة سابقاً حسنين محمّد مخلوف. وقد جاء في المادّة الثانية أن تلك اللجنة قد قرّرت ما يلي:
- أن يحرّم بتاتاً على غير الأطبّاء القيام بعمليّة الختان وأن يكون الختان جزئيّاً لا كلّياً لمن أراد.
- منع عمليّة الختان بوحدات وزارة الصحّة لأسباب صحّية واجتماعيّة ونفسيّة.
- غير مصرّح للدايات المرخّصات بالقيام بأي عمل جراحي ومنها ختان الإناث.
- الختان بالطريقة المتّبعة الآن له ضرر صحّي ونفسي على الإناث سواء قَبل الزواج أو بعده. ونظراً لأن الفقهاء إستناداً إلى بعض الأحاديث الصحيحة قد إختلفوا في أن خفاض الإناث واجب أو سُنّة ومنهم من ذهب إلى أنه مَكرُمَة إلاّ أنهم قد إتّفقوا جميعاً على أنه من شعائر الإسلام والشريعة الإسلاميّة تنهى عن الإستئصال الكلي [49] .
وفي 7 سبتمبر 1994، عرضت قناة التلفزيون «سي إن إن» فيلم يصوّر ختان فتاة إسمها نجلاء على يد حلاّق صحّة في مدينة القاهرة خلال إجتماع مؤتمر السكّان العالمي هناك. وكان قد سبق عرض الفيلم تصريح لوزير الصحّة المصري علي عبد الفتّاح بأن ختان الإناث لا يمارس إلاّ نادراً في مصر. فأحدث الفيلم ضجّة ضخمة هزّت جميع الأوساط المصريّة والعربيّة والعالميّة. فقام وزير الصحّة بتكوين لجنة لمناقشة ظاهرة ختان الإناث مكوّنة من 22 شخصيّة تضم الوزير ذاته ومفتي الجمهوريّة محمّد سيّد طنطاوي. وقد أصدرت اللجنة بياناً في 9/10/1994 جاء فيه:
«أكّدت اللجنة في إجتماعها مساء يوم الأحد الموافق التاسع من أكتوبر برئاسة الأستاذ الدكتور وزير الصحّة على أن هذه الظاهرة لا سند لها في الدين وإنّما هي عادة مرذولة متوارثة ولها مخاطر جسيمة من النواحي الصحّية والنفسيّة على المرأة والأسرة والمجتمع. كما إستعرضت اللجنة الجوانب الصحّية والنفسيّة والدينيّة والإعلاميّة والإجتماعيّة التي تناولها أعضاء اللجنة كل في إختصاصه حول ظاهرة ختان الإناث. وقد ضمّت اللجنة كبار أساتذة الطب ورجال الدين والإفتاء والقانون والإعلام والإجتماع. وقد خلصت المناقشات والآراء التي طرحت حول هذا الموضوع إلى ما يلي:
أوّلاً: إن ختان الإناث عادة قديمة متوارثة لا يوجد نص في القرآن الكريم أو الحديث بشأنها، وأن حديث ختان الإناث روي من أوجه كثيرة كلّها ضعيفة ومعلولة ومخدوشة لا يصح الإحتجاج بها، وأن هذه المسألة مردّها إلى الأطبّاء.
ثانياً: أجمع الأطبّاء على خطورة إجراء هذه العمليّة التي تؤدّي إلى حدوث مضاعفات خطيرة جسديّة ونفسيّة واجتماعيّة، الأمر الذي يرى فيه الأطبّاء أهمّية وضرورة التخلّص من هذه العادة التي لا ترتبط بأي مبرّر ديني أو صحّي، وضرورة إتّخاذ الإجراءات الكفيلة بالحد منها حتّى يتم القضاء عليها نهائيّاً.
ثالثاً: نظراً لتفشّي هذه العادة في بعض شرائح المجتمع لعدم توافر المعلومات والحقائق الصحيحة عن مخاطر ممارستها من الناحيتين الصحّية والنفسيّة، فضلاً عن إكتسابها الصبغة الدينيّة من غير سند صحيح، فإن للتوعية الدينيّة والإعلام والتثقيف الصحيح دور هام ورئيسي في مكافحتها والتصدّي لها بكافّة الوسائل والقنوات الإعلاميّة في خطّة متكاملة مع الأجهزة والجهات الحكوميّة وغير الحكوميّة العاملة في مجال الإتّصال المباشر، ونخص بالذكر المساجد ودور العبادة ودور التعليم والجمعيّات الأهليّة.
رابعاً: من الناحية القانونيّة، فقد رأت اللجنة أن التشريعات الحاليّة التي تحرّم مزاولة مهنة الطب لغير الأطبّاء كفيلة بالتصدّي لمن يمارسون العمليّات الجراحيّة بشكل غير مشروع لأنهم من غير الأطبّاء المرخّص لهم بإجراء العمليّات الجراحيّة، وأنه يمكن لوزير الصحّة إصدار قرار لتنظيم عمليّات الذكور بالأساليب الصحّية السليمة والمساهمة في التوعية للسيّدات في المستشفيات والمراكز الصحّية بشأن خطورة ظاهرة ختان الإناث على أن تتولّى الداخليّة إتّخاذ الإجراءات القانونيّة للتصدّي للمخالفين.
خامساً: تشكيل مجموعة عمل تمثّل فيها الوزارات والجهات المعنيّة حكوميّة وأهليّة لوضع خطّة طويلة المدى وبرنامج عمل للتوعية الدينيّة والإعلام والتثقيف الصحّي يتم عرضها على اللجنة في إجتماعها القادم».
وقد أرسل وزير الصحّة تعليمات في 19/10/1994 لمديري الشئون الصحّية في المحافظات جاء فيها:
«تحيّة طيّبة وبعد:
نفيدكم بأن اللجنة المشكّلة بوزارة الصحّة لمناقشة ظاهرة ختان الإناث والمشكّلة من كبار أساتذة الطب ورجال الدين والإفتاء والقانون والإعلام والإجتماع قد إنتهت في إجتماعها يوم الأحد الموافق التاسع من أكتوبر 1994 إلى إصدار البيان المرفق صورته والذي يؤكّد على أن هذه الظاهرة لا سند لها في الدين، وإنّما هي عادة مرذولة لها مخاطر جسيمة من النواحي الصحّية والنفسيّة والإجتماعيّة على المرأة والأسرة والمجتمع. كما أكّدت اللجنة أيضاً على أن التوعية الدينيّة والإعلام والتثقيف الصحّي لها دور هام ورئيسي في مكافحتها والتصدّي لها. لذلك فإن الأمر يستوجب إتّخاذ الإجراءات التالية:
1) منع إجراء عمليّة الختان بغير الأطبّاء وفي غير الأماكن المجهّزة لذلك بالمستشفيات العامّة والمركزيّة وتنفيذ قانون مزاولة المهن الطبّية، وأن تتم إتّخاذ الإجراءات القانونيّة تجاه المخالفين لهذا القانون بكل الحسم والسرعة.
2) أن يقوم كل مستشفى تعليمي أو مركزي بتحديد يومين أسبوعياً لإجراء عمليّة ختان الذكور، ويوم آخر لاستقبال الأسر الراغبة في ختان الإناث.
3) في اليوم المخصّص لاستقبال الأسر التي ترغب في إجراء عمليّة ختان الأنثى، يتم في كل مستشفى تشكيل لجنة لاستقبال أولياء الأمور الذين يبدون الرغبة في ذلك من أخصّائي نساء وتخدير ومشرفة إجتماعيّة، وممرّضة عمليّات، وأحد رجال الوعظ والإرشاد. تقوم هذه اللجنة بإيضاح الأضرار الصحّية والنفسيّة الناجمة عن إجراء هذه العمليّة وموقف الدين منها، ومراجعة الأسرة أكثر من مرّة قَبل إجرائها، وعدم التسرّع في الإستجابة لهذه الرغبة قَبل إتّخاذ كافّة السبل للإقناع، الأمر الذي يساعد على الحد تدريجيّاً من إنتشار هذه الظاهرة تمهيداً للقضاء عليها.
وتفضّلوا بقبول فائق الإحترام».
كما أصدرت نقابة الأطبّاء المصريّة في 25/10/1994 على إثر ندوة نظّمتها حول ختان الإناث بياناً وقّع عليه 51 شخصيّة تضم نقيب الأطبّاء، ووكيل مجلس النقابة، ورئيس لجنة آداب المهنة، وأطبّاء، وأساتذة جامعيين، ورئيسة جمعيّة تنظيم الأسرة بالقاهرة. وقد جاء في البيان أنه تم إتّخاذ التوصيات الآتية بالإجماع:
1) إباحة ختان الإناث بالشروط التالية:
أ) أن تتم هذه العمليّة بعد سن البلوغ (بناء على طلب الأنثى وولي أمرها) حيث تظهر وتكتمل الأعضاء التناسليّة الخارجيّة للأنثى - ولا تجرى على الأطفال.
ب) أن ينطبق على هذه العمليّة ما ينطبق على غيرها من العمليّات الجراحيّة من حيث التخدير وتخفيف الألم والمتابعة بعد العمليّة، وأن تجرى في مستشفيات مجهّزة وبأجور رمزية حتّى تتمكّن الفقيرات من إجراء العمليّة.
ج) أن تراعى الأصول الجراحيّة الفنّية والمهنيّة والأصول الفقهيّة بحيث تتم تسوية الزائد بالمعتدل دون إنهاك أو تشويه أو المساس بالشفرين أو البظر إلاّ بقدر، وتقدير كل حالة على حدة.
2) رفض تجريم ختان الإناث بقانون.
3) مناشدة رجال الإعلام والمثقّفين وكل من يشارك بالتوعية أن يراعوا مبدأ «فاسألوا أهل الذكر والإختصاص» في الأمور الطبّية والفقهيّة وغيرها، وأن تتم توعية المواطنين بالضوابط العلميّة والأخلاقيّة بعيداً عن الإثارة والتجهيل.
4) مناشدة المسؤولين في الدولة وعلماء الإسلام والقائمين على شئون الدعوة الإسلاميّة أن يوحّدوا جهة الإفتاء الجماعي خدمةً للدين والدنيا وتجنّباً للإثارة والبلبلة.
5) لقد أفتعلت قضيّة ختان الإناث وتضخّمت وأنه آن الأوان أن تتوقّف هذه الضجّة، والندوة تناشد الجميع التوقّف الفوري عن الخوض في هذا الموضوع.
6) إن الأمّة المصريّة تنتمي إلى الحضارة العربيّة والإسلاميّة والبعد الإنساني، وهي ذات قيم ومبادئ ومُثل وهويّة خاصّة مستقلّة يجب أن تفخر بها وتدافع عنها بل وتبشّر بها بين أمم العالم.
7) دعم التعاون العلمي والثقافي والفكري بين الجمعيّات الأهليّة والدوائر الرسميّة لما فيه خير الوطن والمواطنين.
8) إجراء المزيد من الأبحاث الميدانيّة والعلميّة حول أبعاد ختان الإناث.
9) ترجمة وقائع الندوة وتوصياتها إلى اللغات الأجنبيّة وإذاعتها على المستوى العالمي.
10) تأكيد الموافقة على القرار الوزاري رقم 74 لسنة 1959 في 14/6/1959 عن ختان الإناث وملخّصه:
أ) يحرّم بتاتاً على غير الأطبّاء القيام بعمليّة الختان وأن يكون الختان جزئيّاً لا كلّياً لمن أراد.
ب) منع عمليّة الختان بوحدات وزارة الصحّة لأسباب صحّية واجتماعيّة ونفسيّة.
ج) غير مصرّح للدايات المرخّصات بالقيام بأي عمل جراحي ومنها ختان الإناث.
د) إن الختان من شعائر الإسلام والشريعة الإسلاميّة تنهى عن الإستئصال الكلي.
إنتهى قرار رقم 74/1959» [50] .
وقد أثار قرار الوزير ضجّة كبيرة من قِبَل معارضي ختان الإناث في مصر وفي العالم. فطالبوا الوزير منع إجراء ختان الإناث في المستشفيات. وقد هدّدت أمريكا بقطع معونتها عن مصر إن لم تفعل ذلك. وقد صدرت عدّة بيانات نذكر منها بيان المنظّمات غير الحكوميّة المشاركة في مؤتمر «نحو إستراتيجيّة وطنيّة لاستئصال عادة ختان الإناث في مصر» المنعقد بوزارة السكّان بالقاهرة 25-26/3/1995. وقد جاء في هذا البيان:
«أسفرت تحرّيات تقصّي الحقائق التي أجرتها المنظّمة المصريّة لحقوق الإنسان في محافظتي القاهرة والغربيّة خلال شهر مارس عن كشف ما يلي:
1 - تجرى عمليّة ختان الإناث يومياً في مستشفيات وزارة الصحّة.
2- لا توجد لجان لتوعية المتردّدين على تلك المستشفيات بمضار الختان.
3- صار هناك فئة من الأطبّاء تستفيد بشكل مباشر من إجراء عمليّة الختان للإناث، فانضمّوا بذلك لصفوف مؤيّدي الختان بدلاً من محاولة إثناء أهل الفتاة عن عزمهم على تختينها.
4- إشتد التنافس بين أرباب ثلاثة تخصّصات طبّية لإجراء عمليّة الختان وهي أطبّاء الأطفال، والجراحة العامّة، وأمراض النساء، كما وجدنا أن مدير المستشفى بإحدى مستشفيات محافظة الغربيّة هو الذي يحتكر إجراء العمليّة لنفسه.
5- لم تتأثّر أنشطة أكشاك الختان التقليديّة حتّى في محافظة الغربيّة، فاتّسعت بذلك رقعة من يختنون الإناث بانضمام أطبّاء وزارة الصحّة إلى حلاّقي الصحّة.
6- أضيرت أنشطة التوعية التي تقوم بها الجمعيّات الأهليّة، مثلما حدث مع جمعيّة منع الممارسات الضارّة بالأم والطفل التي إعتادت الإستعانة بالأطبّاء للتوعية ضد ختان الإناث فيما سبق. ولكنّهم صاروا مناوئين لتلك الجهود بحجّة أن لديهم تعليمات من وزير الصحّة تسمح لهم بإجراء الختان.
لذلك نرى أن تعليمات السيّد وزير الصحّة بخصوص عمليّة ختان الإناث قد ساهمت في ترسيخ تلك العادة وتوسيع نطاق إجرائها وزيادة المستفيدين منها بإضفاء شرعيّة زائفة عليها.
لذلك نطالب وزير الصحّة بشدّة بوقف إجراء عمليّة ختان الإناث بمستشفيات الوزارة بأي شكل من الأشكال» [51] .
وقد إجتمع الوزير مع مجموعة العمل المعنيّة بمناهضة ختان البنات ليشرح لها موقفه. فقال إنه حاول إقناع شيخ الأزهر جاد الحق لكي يسانده لمنع ختان الإناث، إلاّ أن هذا الشيخ أعطاه نص فتواه التي نشرتها مجلّة الأزهر والتي يبيّن فيها «والختان للرجال سُنّة وهو من الفطرة وهو للنساء مَكرُمَة فلو إجتمع أهل مصر على ترك الختان قاتلهم الإمام لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه». وسأل الوزير: «أسمعتم ذلك: «قاتلهم». ماذا يمكنني أن أفعل بعد ذلك؟» وأمام الضغوط المتزايدة من قِبَل المعارضين، أصدر هذا الوزير تعليمات في 17/10/1995 لمديري الشئون الصحّية في المحافظات جاء فيها:
«تحيّة طيّبة وبعد،
إلحاقا لما سبق لسيادتكم في 19/10/1994 بشأن إتّخاذ الإجراءات اللازمة لإجراء عمليّة ختان الإناث.
وفي ضوء النتائج المشجّعة التي وردت لنا في الفترة الأخيرة من السادة المحافظين ومن مديريّات الشئون الصحّية ومن الجمعيّات الأهليّة والتي تفيد بانحسار ظاهرة ختان الإناث نتيجة للحملة التي بدأتها أجهزة وزارة الصحّة المختلفة والنتائج الناجمة عن ممارسة هذه العادة المرذولة ومخاطرها الجسيمة من النواحي الصحّية والنفسيّة والإجتماعيّة على المرأة والأسرة والمجتمع.
لذلك يتم إيقاف إجراء عمليّات ختان الإناث في المستشفيات العامّة والمركزيّة - ويقتصر دور أقسام النساء والتوليد بهذه المستشفيات وأقسام رعاية الأمومة والطفولة على التوعية والتوجيه والإرشاد للحد من هذه الظاهرة.
وتفضّلوا بقبول وافر الإحترام».
وقد تغيّر الوزير في 1996 وحل محلّه الدكتور إسماعيل سلام. وقد تبع هذا التغيير وفاة فتاتين بسبب ختان الإناث، واحدة على يد طبيب وواحدة على يد حلاّق. فتبيّن أن الأطبّاء ليسوا أكثر تأهيلاً من الحلاّقين وأن كل منهما يفعلان ما هو مخالف للقانون والأخلاق الطبّية. فأصدر الوزير بتاريخ 8/7/1996 القرار رقم 261 لسنة 1996 الذي يقول:
«يحظر إجراء عمليّات الختان للإناث سواء بالمستشفيات أو العيادات العامّة أو الخاصّة، ولا يسمح بإجرائها إلاّ في الحالات المرضيّة فقط والتي يقرّها رئيس قسم أمراض النساء والولادة بالمستشفى وبناء على إقتراح الطبيب المعالج».
مما يعني إعتبار قيام غير الأطبّاء بهذه العمليّة جريمة يعاقب عليها طِبقاً للقوانين واللوائح. وقد أثار هذا القرار غضب مؤيّدي ختان الإناث في مصر. فرفع الدكتور منير فوزي والشيخ يوسف البدري قضيّة أمام المحكمة الإداريّة لكي تحكم بأن قرار الوزير يخالف الإسلام والدستور الذي يعتبر مبادئ الشريعة الإسلاميّة المصدر الرئيسي للتشريع. وقد قضت المحكمة لصالحهم باعتبار أن البرلمان هو وحده المختص بوضع عقاب. وقد إستأنف الوزير وانضم إليه رئيس نقابة الأطبّاء ورئيس الوزراء وبعض الجمعيّات غير الحكوميّة. وقد قُبِل الإستئناف وقرّرت المحكمة الإداريّة العليا في 28 ديسمبر 1997 أن الوزير عمل ضمن صلاحيّاته. وأضافت أن قانون العقوبات ينطبق على التعدّي على جسم الإناث لأنه تعدّي لا مبرّر له على جسد الإنسان. وقد أشارت المحكمة أن «ليس في ختان الإناث حُكم شرعي قطعي الثبوت والدلالة يوجبه القرآن الكريم أو مستمدّاً من سُنّة نبيّه (ص)، ولقد إختلف أئمّة المذاهب الأربعة وأهل الفقه المحدّثين في شأنه وجوباً أو ندباً أو أقل من ذلك». ولهذا السبب رأت المحكمة أنه لا يمكن إعتبار قرار الوزير مخالفاً للدستور. و«طالما أن الختان عمل جراحي خلت أحكام الشريعة الإسلاميّة من حُكم يوجبه فالأصل ألاّ يتم بغير قصد العلاج». «فالجراحة أيّاً كانت طبيعتها وجسامتها التي تجرى دون توافر سبب الإباحة بشروطه كاملة تعتبر فعلاً محرّماً شرعاً وقانوناً إلتزاماً بالأصل العام الذي يقوم عليه حق الإنسان في سلامة جسمه وتجريم كل فعل لم يبحه المشرّع يؤدّي إلى المساس بهذه السلامة». ولأهمّية هذا القرار الذي لم ينشر بعد، ننشره كاملاً في الملحق الأخير من هذا الكتاب.
ونشير هنا إلى أن البرلمان المصري عند مناقشة قانون الطفل لعام 1996 رأى أن المادّة 240 من قانون العقوبات تنطبق على عمليّة تشويه أعضاء التأنيث وتكفي لتحريمها. فلا داع للنص على تحريم ختان الإناث في مادّة منفردة ما دام القانون الجنائي العادي يغطّيها بتلك المادّة، ويكفي للإقتصاص للفتاة ممّن أخطأوا في حقّها لو تقدّمت بشكوى ضدّهم [52] .
تلعب المنظّمات غير الحكوميّة دوراً هامّاً في المجتمع، وتساهم في بلورة النظام الإجتماعي والفلسفة الأخلاقيّة حتّى على المستوى العالمي. فـقد ساعدت «المنظّمة الدوليّة للصليب الأحمر» في وضع إتّفاقيّات وافقت عليها مجمل الدول، فأصبحت جزءاً أساسياً من القانون الدولي. وكثير من الدول تعير إهتماماً كبيراً لبعض المنظّمات مثل منظّمة «السلام الأخضر» أو «منظّمة العفو الدوليّة». وما كان المشرّع الدولي والوطني ليأخذ موقفاً من موضوع حسّاس مثل الختان لولا الضغط الذي تمارسه عليه هذه المنظّمات.
وتكاد لا تخلى دولة في العالم من منظّمة تدين ختان الإناث. وقد إخترنا تقديم أربعة جمعيّات متخصّصة بختان الإناث، وهي: «اللجنة الإفريقيّة»، ومنظّمة «رنمبو»، و«الجمعيّة المصريّة للوقاية من الممارسات الضارّة لصحّة المرأة والطفل»، و«قوّة العمل المعنيّة بختان الإناث». كما إخترنا أربع منظّمات دوليّة عامّة، هي «الرابطة الطبّية العالميّة»، و«المجلس الدولي للممرّضات»، و«منظّمة العفو الدوليّة»، و«المنظّمة الدوليّة للحقوقيّين».
الإسم والعنوان: Comité inter-africain sur les pratiques traditionnelles ayant effet sur la santé des femmes et des enfants
147 Rue de Lausanne, 1202 Genève, Suisse
Tel. 0041-22-731 24 20
Fax 0041-22-738 19 23
الإسم الكامل لهذه المنظّمة هو: «اللجنة الإفريقيّة حول الممارسات التقليديّة المؤثّرة على صحّة النساء والأطفال» ونذكرها هنا تحت إسمها المختصر: «اللجنة الإفريقيّة». وقد نبعت هذه المنظّمة من منظّمة أخرى تأسّست في جنيف عام 1977 تدعى «مجموعة العمل غير الحكوميّة حول الممارسات التقليديّة المؤثّرة على صحّة النساء والأطفال» ترأسها السيّدة الحبشيّة «برهان راس ويرك»، وما زالت تعمل حتّى يومنا هذا. وقد عقدت، بالتعاون مع وزارة الصحّة السنغاليّة ومنظّمة الصحّة العالميّة واليونيسيف وصندوق الأمم المتّحدة للسكّان، مؤتمراً في «داكار» عام 1984 حول «الممارسات التقليديّة المؤثّرة على صحّة النساء والأطفال في إفريقيا». وفي هذا المؤتمر تم تأسيس «اللجنة الإفريقيّة» برئاسة السيّدة المذكورة، وانضمّت إليها لجان وطنيّة في دول إفريقيّة تمارس ختان الإناث عددها اليوم 27 لجنة، يضاف إليها أربع مجموعات تعمل بين المهاجرين الأفارقة في كل من بلجيكا وفرنسا وبريطانيا والسويد. وقد أوكل للجنة الإفريقيّة ثلاث مهام هي:
- تأمين الإتّصال بين اللجان الوطنيّة ومساعدتها لتنسيق أعمالها.
- إيجاد الموارد الماليّة حتّى تتمكّن هذه اللجان من تنفيذ المشاريع التي تتّفق مع توصيات المؤتمر على أن يكون على الأقل 5% من تمويل هذه المشاريع من مصادر وطنيّة.
- العمل مع منظّمات حكوميّة وغير حكوميّة وخلق إتّصال بينها وبين «مجموعة العمل غير الحكوميّة حول الممارسات التقليديّة المؤثّرة على صحّة النساء والأطفال» [53] .
وتقوم اللجنة الإفريقيّة بتنظيم مؤتمرات في الدول الإفريقيّة، يتم نشرها بالفرنسيّة والإنكليزيّة، كما أنها تصدر كتيّب دوري بهاتين اللغتين يتضمّن معلومات حول نشاطاتها ونشاطات اللجان الوطنيّة وأخبار متنوعة. وتتضمّن نشاطات هذه اللجنة، بالإضافة إلى ختان الإناث: الزواج والحمل في سن مبكّر، وإنجاب الأطفال دون مباعدة زمنيّة بينهم، وسبل التوليد البدائيّة، والمحرّمات الغذائيّة، وعادة تسمين النساء، وتبدية الأطفال الذكور على الإناث. وكما رأينا في القسم السابق، تتلقّى هذه المنظّمة معونات ماليّة من منظّمات دوليّة وهيئات غربيّة عدّة. وقد حازت على جائزة 1995 للأمم المتّحدة في مجال السكّان مع ميدالية ودبلوم ومكافأة ماليّة قدرها 12500 دولار.
وتتمتّع اللجنة الإفريقيّة بدور إستشاري في المجلس الإقتصادي والإجتماعي التابع للأمم المتّحدة منذ عام 1993، وبدور مراقب في منظّمة الوحدة الإفريقيّة منذ عام 1994. وهي التي طرحت تبنّي المادّة 24 فقرة 3 في معاهدة حقوق الطفل. وقد أوكل لها مهمّات في دول إفريقيّة كثيرة لدراسة مدى إنتشار ختان الإناث ولبدء الحوار مع مواطني تلك الدول لمحو هذه العادة. وقد إشتركت في إجتماعات مع منظّمات مثل منظّمة الصحّة العالميّة واليونيسيف ولجنة حقوق الإنسان ولجنة حالة المرأة. وهي تعمل حاليّاً مع المقرّرة الخاصّة للأمم المتّحدة السيّدة حليمة مبارك الورزازي. كما تشارك منظّمة الصحّة العالميّة ومنظّمة اليونيسيف في نشاطاتها حيث لهما دور مراقب. وهناك مشروع مشترك بين هذه اللجنة وهيئة الأمم المتّحدة للاجئين في مخيّمات اللاجئين في الصومال [54] .
الإسم والعنوان: Rainbo (Research, Action and Information Network for Bodily Integrity of Women)
915 Broadway, Suite 1603, New York, N.Y. 10010-7108
Tel 001-212-477-3318
Fax 001- 212-477-4154
الإسم الكامل لهذه المنظّمة هو: «شبكة البحوث والعمل والمعلومات من أجل حماية السلامة البدنيّة للمرأة». وتعمل في مواضيع تتعلّق بصحّة وحقوق المرأة. وقد تأسّست عام 1994. وأعتمد في عرضي هذا على رسالة إستلمتها من مؤسّستها ورئيستها الحاليّة، الطبيبة السودانيّة «ناهد طوبيا» التي تعرِّف منظّمتها كما يلي:
«نحن جمعيّة فنّية وتثقيفيّة تقدّم خدماتها ومعلوماتها لمئات من المنظّمات ولعدّة آلاف من الأفراد حول العالم. ونعمل بالتعاون مع منظّمات محلّية ومع مختصّين في إفريقيا (مصر، والسودان، والحبشة، وكينيا، ونيجيريا، وسيراليون، وبركينا فاسو، وغيرها)، ونقدّم الإستشارات للأمم المتّحدة ومنظّمات دوليّة أخرى. كما أن عندنا برنامج يهدف لمساعدة النساء المهاجرات الإفريقيّات في مجال الصحّة التناسليّة، وخاصّة تلك اللاتي تعرّضن للختان».
وتقوم هذه المنظّمة بنشاطات عدّة، منها:
- إدارة مركز معلومات عن ختان الإناث.
- دعم مشاريع خلاّقة وجديدة تقدّمها منظّمات إفريقيّة تعمل لإنهاء ختان الإناث.
- برنامج صحّة المرأة الإفريقيّة.
- إجتماع سنوي للمنظّمات التي تعمل في مجال إنهاء ختان الإناث.
- عقد مؤتمرات وطنيّة ودوليّة بخصوص ختان الإناث وحقوق المرأة.
- تقديم المعونة الفنّية لمنظّمات تعمل في مجال إنهاء ختان الإناث في إفريقيا، وهي منظّمة اليونيسيف، ومنظّمة الصحّة العالميّة، ومنظّمة الأمم المتّحدة للسكّان، ومنظّمة الولايات المتّحدة للتنمية الدوليّة.
ولهذه المنظّمة عدّة منشورات باللغة الإنكليزيّة والعربيّة، نذكر منها كتاب لناهد طوبيا عنوانه: «التشويه الجنسي للإناث: نداء من أجل حملة عالميّة»، صدر عام 1995. وكما هو واضح من إسم هذه المنظّمة، فإنها تعمل في مجال «حماية السلامة البدنيّة للمرأة». وهي تهتم خاصّة بختان الإناث، ولا تتعرّض لختان الذكور في نشاطاتها ولا تأخذ موقف بخصوصه. وتشير الدكتورة ناهد طوبيا في رسالتها: «بما أن إهتمامنا يدور حول المرأة، فإن ختان الذكور ليس من مجالنا. إلاّ أننا ندعم من يكافح لإيقاف ختان الذكور ونؤمن بأن على كل جمعيّة أن تحدّد مجال نشاطها على أساس أولويّاتها ومقدراتها». وتضيف بأنها تعتبر ختان الذكور والإناث «خرق لحقوق الأطفال، مهما كان السبب الذي يقف وراءه، ديني أو ثقافي». إلاّ أن هذه الدكتورة رفضت وضع أجوبتها على شبكة الانترنيت لأنها تخص فقط كتابي. وقد يكون رفضها سببه الخوف من إطّلاع بعض الجهات التي تدعم جمعيّتها على موقفها بخصوص ختان الذكور. وفي كتاب من 250 صفحة حول ختان الإناث من تأليف ناهد طوبيا وأنيقة رحمان تم تكريس خمسة سطور فقط عن ختان الذكر هذه ترجمتها:
تركّز المناقشة هنا حصراً على ختان الإناث كتمييز على أساس الجنس. وهذا التحليل يجب أن لا يفسّر على أن ختان الذكور لا يستحق إمتحاناً من وجهة نظر مبادئ حقوق الإنسان. والمؤلّفتان لا تعنيان بأن النشطاء المعارضين لختان الذكور لا يحق لهم الإستمرار في قضيّتهم [55] .
الإسم والعنوان: الجمعيّة المصريّة للوقاية من الممارسات الضارّة بصحّة المرأة والطفل
52 شارع قدري - السيّدة زينب – القاهرة
تليفون: 3914339، فاكس: 3923718
يتبيّن من رسالة إستلمتها من هذه الجمعيّة، أنه تم تأسيسها من قِبَل الدكتورة عزيزة حسين وبدأت أعمالها عام 1979 تحت مظلّة جمعيّة تنظيم الأسرة بالقاهرة. وأصبحت جمعيّة مستقلّة في مارس 1993 ضمن وزارة الشئون الإجتماعيّة. ولهذه الجمعيّة عدّة منشورات بالعربيّة والإنكليزيّة حول ختان الإناث. وتقوم بنشاطات منها:
- ندوات توعية لمكلّفات الخدمة العامّة ومشرفات دور الحضانة والشباب بالنوادي والمدارس الثانويّة ومن في حُكمها.
- ندوات توعية بالأماكن العشوائيّة والتجمّعات التلقائيّة بمراكز رعاية الأمومة والطفولة ومركز تنظيم الأسرة، الخ.
- عمل دورات تدريبيّة للقيادات والممرّضات ومن في حُكمهم وكل من لهم علاقة بالجمهور.
- عمل دورات تدريبيّة لمقدّمي البرامج التلفزيونيّة والإذاعيّة على أن يكون العمل التطبيقي إنتاج برامج على الهواء.
- الإشتراك مع الهيئات الحكوميّة والأهليّة في وضع برامج توعية لموضوع ختان الإناث وإدخاله في برامج أخرى: الصحّة الإنجابيّة، الثقافيّة الأسريّة... الخ.
وحول سؤال عمّا إذا كانت هذه الجمعيّة تهتم بختان الذكور، أجابت: «تكافح الجمعيّة أضرار عمليّة ختان الإناث فقط لأن ختان الذكور كما يقول فقهاء الدين الإسلامي سُنّة مؤكّدة وبعض الأطبّاء يقولون إن عدم ختان الذكور له أضرار صحّية». وتضيف: «تقبل الجمعيّة ختان الذكور لأنه سُنّة مؤكّدة أمّا ختان الإناث فلا يوجد في القرآن ولا السُنّة ما يفيد ختان الأنثى كما أن الإنجيل يحرّمه».
الإسم والعنوان: قوّة العمل المعنيّة بختان الإناث، الجمعيّة المصريّة للسكّان والتنمية
26 شارع 6، متفرع من ش 82، المعادي – القاهرة
هاتف: 0020-2-3500757
فاكس: 0020-2-3782643
يتبيّن من رسالة إستفساريّة إستلمتها من هذه المنظّمة بأنه تم تأسيسها مباشرة بعد مؤتمر السكّان الدولي في أكتوبر 1994، وعُيِّنت «ماري أسعد» منسقة لها. وتضم في أعضائها مسلمين ومسيحيّين، مصريّين وسودانيين وأجانب أمريكيّين. وتعمل القوّة تحت مظلّة الجمعيّة المصريّة للسكّان والتنمية التي بدورها تعمل في صلة وثيقة باللجنة القوميّة للمنظّمات غير الحكوميّة للسكّان والتنمية. وتضم في عضويتها حوالي 115 عضو يمثّلون 68 منظّمة غير حكوميّة وبعضهم أفراد متطوّعون. وتعمل القوّة على المستوى القومي. وللجمعيّة نشاطات مختلفة وقد نشرت كتابين حول ختان الإناث هما:
- تقرير عن ورشة العمل حول ختان الإناث، إعداد آمال عبد الهادي (كتاب صدر عن مؤتمر مارس 1995).
- سهام عبد السلام: التشويه الجنسي للإناث (الختان) أوهام وحقائق (دون تاريخ).
تعمل هذه المنظّمة لمكافحة ختان الإناث فقط. فختان الذكور ليس من مجالات إهتمامها. وقد إتّصلت بالدكتورة سهام عبد السلام، إحدى الموقعتين على رسالة الجمعيّة، وطلبت منها توضيحات حول أسباب عدم إهتمام هذه الجمعيّة بختان الذكور، فاتّصلت بدورها بالسيّدة ماري أسعد، وكان ردّها كالآتي ضمن رسالة الدكتورة سهام عبد السلام:
أ) بالنسبة لمصر تختلف حملة ضد ختان الذكور إختلافاً تامّاً عن حملة ضد ختان الإناث.
ب) نحن نعتمد في حملتنا ضد ختان الإناث على مساندة كبار الأطبّاء ذوي السمعة العلميّة الحسنة، مثل الدكتور عز الدين عثمان، والدكتور نبيل يونس، والدكتور محمّد فيّاض. وهؤلاء لم يتبنّوا ختان الذكور كقضيّة. ومجموعتنا لا يمكن أن تبدأ في طرحه كقضيّة دون مساندة أمثال هؤلاء الأساتذة الأطبّاء.
ج) الرأي السائد بين من يساندون مجموعتنا من كبار الأطبّاء ورجال الدين أن ختان الإناث ليس له تعضيد في الدين ولا الصحّة بخلاف ختان الذكور. والأطبّاء الذين يعضدوننا يروّجون أن ختان الذكور مجرّد جلدة لا ضرر من قطعها. إنهم متّفقون على التصريح بضرر ختان الإناث، لكنّهم لم يتّفقوا بعد على التصريح بضرر ختان الذكور.
د) الفهم السائد في مصر أن ختان الذكور متأصّل منذ قديم الزمان. فقد وصلتنا أخبار عن طريق النقوش الجداريّة التي تؤكّد وجوده منذ عهد الفراعنة، وهو مذكور في الشريعة الإبراهيميّة التي تتّفق التفاسير السائدة على أنها ملزمة لأتباع الديانات السماويّة.
هـ) بناء على ما سبق، يسود وسط المجموعة الرأي بأننا لو ضممنا قضيتي ختان الذكور وختان الإناث في حملة واحدة فسنخسرهما معاً. ولأن هذا يستدعي تحديد أولويّات، فإن مجموعتنا تختار مكافحة ختان الإناث لأنه أخطر وضرره أكبر.
ونشير إلى أن الدكتورة سهام عبد السلام من المناضلات ضد ختان الذكور أيضاً. ووجهة النظر المذكورة لا تعبّر عن رأيها بل عن رأي الجمعيّة
الإسم والعنوان: The World Medical Association
PO Box 63, 01212 Ferney-Voltaire, Cedex, France
Tel : 0033 4 50 40 75 75
Fax 0033 4 50 40 59 37
تكوّنت هذه الرابطة عام 1947. وهدفها ضمان إستقلال الأطبّاء ورفع مستوى أخلاقيّاتهم. وتضم حاليّاً جمعيّات طبّية وطنيّة وأطبّاء من قرابة 70 دولة. وقد تبنّت جمعيّتها العامّة المنعقدة في بودابيست (هنغاريا) في شهر أكتوبر 1993 قراراً يدين ختان الإناث بجميع أنواعه كما يدين مشاركة الأطبّاء في تلك الممارسة. وقد جاء في القرار التوصيات التالية:
1) على الأطبّاء تثقيف النساء والرجال والأطفال حول ختان الإناث آخذين بالإعتبار الحقوق النفسيّة والهويّة الثقافيّة للشعوب التي تمارسه. وعليهم ضمن عملهم التثقيفي تقديم النصائح الصحّية ضدّه.
2) يجب أن يكون عند الأطبّاء معلومات كافية حتّى يتمكّنوا من القيام بهذه المُهمّة.
3) على الجمعيّات الطبّية تشجيع الوعي بين العامّة وأصحاب المهن الصحّية حول مضار ختان الإناث.
4) على الجمعيّات الطبّية حث الحكومات لمنع هذه الممارسة.
5) على الجمعيّات الطبّية التعاون من خلال الوسائل الوقائيّة والقانونيّة عندما يكون هناك خطر إجراء ختان الإناث على طفلة [56] .
الإسم والعنوان: International Council of Nurses,
3 Place Jean Marteau, 1201 Geneva, Switzerland
Tel. 00 41-22-908-01-00
Fax 00 41-22-908-01-01
تأسّس هذا المجلس عام 1899، وله تمثيل في 120 دولة. وقد تبنّى إعلاناً في 1995 ضد ختان الإناث عنونه «إلغاء ختان الإناث» جاء فيه:
«إن ختان الإناث والممارسات التقليديّة الأخرى الضارّة تعبير عن التمييز على أساس الجنس والعنف ضد النساء والأطفال في الحياة العامّة والخاصّة، وهو إنتهاك لحقوق الإنسان الأساسيّة. وموضوع ختان الإناث يهم جميع الممرّضات لأن الفتيات والنساء اللاتي يختن قد يعانين من عدد كبير من المشاكل الجسديّة والعقليّة والنفسيّة [...].
في وسع الممرّضات، من خلال جمعيّات الممرّضات الوطنيّة، إتّخاذ برامج إعلاميّة وتثقيفيّة حول طبيعة وأثر ختان الإناث والمواضيع المتعلّقة به. ويمكن توجيه هذه البرامج ليس فقط للممرّضات والمهن الصحّية، بل أيضاً للعامّة والنساء ومتخذي القرارات والرؤساء الدينيين والهيئات الجماعيّة المناسبة. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لمجلس الممرّضات الدولي وجمعيّات الممرّضات الوطنيّة العمل على الحد من هذه الممارسة أو حتّى إلغائها وذلك من خلال مشاركتهن مع الجهات المختصّة الأخرى [...] من أجل تبنّي سياسات مناسبة وخطط وقوانين حيثما أمكن [...]» [57] .
الإسم والعنوان: Amnesty International
1 Easton St, London, WC1X 8DJ, UK
Tel. 0044 171 4135500
Fax 0044 171 9561157
تم تأسيس هذه المنظّمة عام 1961 ولها فروع في أكثر من 162 دولة تضم حوالي مليون عضو. وقد حصلت هذه المنظّمة على جائزة نوبل للسلام لعام 1977.
ناقشت هذه المنظّمة ختان الإناث لأوّل مرّة في الإجتماع الدولي لمجلسها عام 1981، وذلك على إثر المؤتمر الذي نظّمته منظّمة الصحّة العالميّة في الخرطوم عام 1979 حول هذا الموضوع. ولكنّها رفضت إتّخاذ موقف بخصوصه لأنها لا تتدخّل إلاّ في إنتهاكات حقوق الإنسان من قِبَل الحكومات أو ممثّليها، وهذا لا ينطبق على ختان الإناث الذي هو إنتهاك لتلك الحقوق من قِبَل أهل الفتاة.
ثم جرى توسّع في نشاطات هذه المنظّمة لتشمل تقاعس الحكومات عن صد الأفراد عن إنتهاك حقوق الإنسان، معتبرة ذلك خرقاً لواجباتها. وعلى هذا الأساس، قرّرت عام 1995 ضم مكافحة ختان الإناث إلى نشاطاتها. وفي عام 1996، إتّخذ مجلسها الدولي قراراً حول ختان الإناث عنوانه: «التراخي الحكومي». وقد أشار القرار إلى الوثائق الدوليّة التي تدين ختان الإناث والعنف ضد النساء، مبيّناً أن ممارسة ختان الإناث تؤثّر على التمتّع الكامل بحقوق الإنسان لملايين من الفتيات، وأن الحكومات قد فشلت في إتّخاذ الإجراءات لضمان القضاء على هذه الممارسة. وعليه رأى المجلس إدماج ختان الإناث في نشاطات منظّمة العفو الدوليّة لتعزيز تلك الحقوق وذلك من خلال:
- حث الحكومات على توقيع المعاهدات الدوليّة وتطبيقها والإلتزام بمبادئ حقوق الإنسان الدوليّة والتي لها صلة بالقضاء على ختان الإناث.
- عمل جهد خاص حيث يكون ذلك مناسباً، بإضافة معلومات إلى نشاطاتها التوعويّة حول ممارسة ختان الإناث.
- تبنّي حالات طلب اللجوء السياسي من قِبَل النساء التي تتخوّف من ممارسة الختان بالقوّة عليهن أو على بناتهن إذا عدن إلى بلادهن [58] .
وفي الإجتماع الدولي لمجلس منظّمة العفو الدوليّة الذي تم ما بين 12 و19 ديسمبر 1997، تم الموافقة على القرار رقم 6 بخصوص ختان الإناث. وقد جاء فيه أن المجلس
- يرفض جميع أنواع ختان الإناث.
- يدعو إلى الإعتراف بأن ختان الإناث بجميع أشكاله خرق خطير لحق النساء والفتيات في السلامة الجسديّة والعقليّة.
- يقرّر بأن تعمل منظّمة العفو الدوليّة في مجال ختان الإناث مستعملة جميع الوسائل الفنّية.
وقد نبّه القرار إلى أن «موضوع ختان الإناث هو الآن مجال حسّاس. فإذا ما قامت فروع المنظّمة في دول أخرى بالتحرّي عن حالات ختان أجريت في دولة ما، فإن ذلك قد يؤدّي إلى تقوية الشعور لدى تلك الدولة بأن عمل منظّمة العفو الدوليّة مبني على قيم غربيّة. وهذا قد يقود إلى تقويض مساعي التوجّه المتعدّد الثقافات الذي تتبنّاه منظّمة العفو الدوليّة».
وعلى إثر هذا القرار قدّمت ممثّلة «فرع برمودا» لمنظّمة العفو الدوليّة إقتراحاً يقضي بإدانة كل من ختان الذكور والإناث، معتبرة أن موقف منظّمة العفو الدوليّة الحالي يخالف المواثيق الدوليّة ونظام منظّمة العفو الدوليّة ذاته الذي يمنع التمييز على أساس الجنس. وقد تدخّلت الممثّلة اليهوديّة لفرع إسرائيل لتعلن أنها تأتي من بلد يُختن فيها كل الذكور. كما تدخّل ممثّل الفرع الفرنسي لكندا ووصف طلب فرع برمودا بأنه «سخيف وسوف يؤدّي إلى تسخيف منظّمة العفو الدوليّة». ويظهر من إسمه أنه أيضاً يهودي. ولم يقدّم أي من المتدخّلين أيّة حجّة بخصوص مبدأ عدم التمييز. وقد إعترض ممثّل فرع كولومبيا على وصف مطلب ممثّلة فرع برمودا بـ«السخيف»وطلب إعتذاراً رسميّاً وسحب كلامه. وهذا ما تم فعلاً. غير أن إقتراح فرع برمودا بإدانة ختان الذكور تم رفضه من قِبَل الأكثريّة مع إمتناع عدد من الممثّلين عن التصويت.
وعلى إثر قبول قرارات أخرى في نفس الإجتماع تدين ختان الإناث، طلبت ممثّلة فرع برمودا من رئيس اللجنة التنفيذية ما إذا كانت المنظّمة سوف تقوم بعمل بخصوص ختان الذكور أيضاً على أساس مبدأ عدم التمييز. وعندها طلب الرئيس من هذه الممثّلة تقديم تقرير يثبت أن ختان الذكور هو خرق لحقوق الإنسان. وعندها سيكون من حق هذا الفرع القيام بنشاط ضد ختان الذكور. وعلى هذا الأساس قام فرع برمودا بإعداد تقرير لرفعه لمنظّمة العفو الدوليّة لتنظر فيه وتدين ختان الذكور [59] .
هذا وقد حاول محرّر مجلّة منظّمة العفو الدوليّة التي تصدر في «لوزان» (عدد 4، يناير 1998) تفنيد الإدّعاءات حول ختان الإناث. وإحدى تلك الإدّعاءات تقول: «أن ختان الإناث يوازي ختان الذكور». ويجيب المحرّر:
«هذا خطأ. فختان الإناث لا أساس ديني له بينما يذكر سفر التكوين بصورة واضحة ختان الذكور. وتفسير القرآن يعترف بأن ختان الذكور مفروض كوسيلة للنظافة العقليّة والجسديّة. من جهة أخرى، إذا ما إعتبرنا التكوين الجنيني، فإن بتر البظر عند الأنثى يوازي بتر القضيب عند الرجل وليس فقط بتر غلفته. وأخيراً، فإن المضاعفات الطبّية التي تنتج عن ختان الإناث لا يمكن مقارنتها بأي شكل كان مع المضاعفات الطبّية لختان الذكور التي هي أمر نادر وخفيف» [60] .
كما نشر هذا العدد مقابلة أجراها محرّر هذه المجلّة مع ممرّضة إسمها «جابي جروسجان» عملت في السنغال. وقد ختم المحرّر المقابلة بالسؤال التالي: «هناك تيّار هامشي يدين أيضاً ختان الذكور. هل علينا أن ننضم إلى هذه الفكرة»؟ أجابت الممرّضة:
«إذا ما أردنا كسب دعم المسلمين في كفاحنا ضد ختان الإناث، فإنه سيكون تصرّف أهوج الجمع بين ختان الإناث وختان الذكور لأن هذا الأخير يأمر به القرآن» [61] .
هذه الأقوال المليئة بالأغلاط تثبت جهل هذه المنظّمة. ويكفي الإشارة إلى أن ختان الذكور لا ذكر له بتاتاً في القرآن، لا بل إنه مخالف لفلسفة القرآن. ووجود أمر بالختان بالتوراة لا يبرّر إجراءه من منظور حقوق الإنسان، وإلاّ فيجب علينا أيضاً أن نطبّق مبدأ العين بالعين والسن بالسن وغيرها من الأوامر المخالفة لحقوق الإنسان التي تتضمّنها التوراة.
الإسم والعنوان: International Commission of Jurists
P.O.Box 216, 81A avenue de Châtelaine
CH-1219 Châtelaine / Genève
Tel. 0041 22 9793800
Fax 022 9793801
تضم هذه المنظّمة، التي تأسّست عام 1952، 79 فرعاً في 59 دولة، وتعمل في مجال إحترام القانون وحقوق الإنسان. وقد قدّم ممثّلها في إجتماع لجنة الأمم المتّحدة لمنع التمييز وحماية الأقليّات ما بين 4-19 أغسطس 1997 مداخلة شفهيّة قال فيها أن ممارسة ختان الإناث في الأوساط الطبّية لتخفيف مخاطره تعتبر خرقاً لحقوق المرأة والفتاة، لأن هذه العمليّة هي عمليّة وحشيّة ومهينة. وأضاف بأنه من الضروري مكافحة هذه العادة دون أن ننسى الحساسيّة الكبرى والمضاعفات التي تحيط بهذا الموضوع في بعض الدول الإسلاميّة. وقد إقترح سن قوانين تمنع ختان الإناث، وفي نفس الوقت «تغيير المظاهر الإجتماعيّة والثقافيّة والدينيّة في حياة المجتمعات التي تمارسه». وطالب بأن تقوم الجماعة الدوليّة والمنظّمات غير الحكوميّة والدوليّة بالتعاون لتثقيف وتعليم وزيادة الوعي وتقديم الدعم المالي والمادّي والفنّي للقضاء على تلك العادة.
رغم الطابع الإنساني للحملة المعارضة لختان الإناث، إلاّ أنها تخالف مبدأ عدم التمييز. ولسد هذه الثغرة، قام أفراد في الولايات المتّحدة بتأسيس منظّمات تناهض كل من ختان الذكور والإناث، ولكنّها تركِّز إهتمامها على ختان الذكور باعتباره مشكلة تصيب أعداداً أكبر من ختان الإناث في بلدهم حيث يتم الختان على 60% من الأطفال الذكور. وقد بدأت هذه المنظّمات بمد تأثيرها على دول أخرى. وسوف نعرض هنا لبعض هذه المنظّمات.
الإسم والعنوان: National Organization of Circumcision Information Resource Centers (NOCIRC)
Post Office Box 2512, San Anselmo, California USA 94979-2512
Fax: 00415-488-9660 Tel: 00415-488-9883
هذه أكبر وأنشط منظّمة معارضة لختان الذكور (والإناث) في الولايات المتّحدة. وقد بدأ إهتمام المؤسّسة الأولى «مارلين فاير مايلوس» بالختان بعد مشاهدتها ختان طفل خلال عملها كممرّضة. وقد غيّرت هذه الحادثة حياتها بالكامل، فأخذت تجمع المعلومات حول الختان. وفي ذاك الوقت إلتقت بزميلتها «شيلا كارين» التي كانت تعد فيلم تعليمي لصف كانت تديره تلك الزميلة تحت عنوان «الموافقة المستنيرة». وقد إستجوبت لجنة المستشفى الممرّضتين حول أسباب إجراء هذا الفلم، بناء على شكوى من الطبيب اليهودي «بلوم». وكان جواب الممرّضتين: «حتّى نفهم الأهل ونحمي الطفل من جراحة غير ضروريّة». وقد قدَّرت اللجنة عملهما ووعدتهما بعرض الفيلم على كل الأهل الذين ينتظرون طفلاً. إلاّ أن مسؤولي المستشفى والأطبّاء وبعض الممرّضات منعوا ذلك. ولم يمضي وقت طويل حتّى طُرِدَت «مارلين فاير مايلوس» من عملها. فقامت بتأسيس الجمعيّة مع زميلتها الممرّضة عام 1985.
كانت ترسل هذه الجمعيّة منشوراتها إلى 15000 عنوان وقد وضعت حاليّاً منشوراتها على الانترنيت. ولها مراكز إتّصال في الولايات المتّحدة، وكندا، وأستراليا، ونيوزلندا، وبولينيزيا الفرنسيّة، وجنوب إفريقيا، وإيطاليا، وسويسرا، وفرنسا، وإنكلترا، وهولندا، وأيرلندا الشماليّة. وقد عقدت ست مؤتمرات دوليّة حول ختان الذكور والإناث ضمّت نخبة من المتخصّصين في الطب والطب النفسي والقانون والدين والإجتماع: الأوّل (1989) والثاني (1991) والثالث (1994) في الولايات المتّحدة، والرابع (1996) في سويسرا، والخامس (1998) في بريطانيا، والسادس (2000) في أستراليا، والسابع في الولايات المتّحدة (2002). وقد صادق المؤتمر الدولي الأوّل للختان، المنعقد في مدينة «أناهايم» (كاليفورنيا) في 3 مارس 1989، على إعلان نترجمه هنا لأنه يعبّر عن فكر هذه المنظّمة:
- نعترف بأن لكل إنسان حق طبيعي في سلامة الجسد، ونؤكّد على هذا الحق الإنساني دون تمييز ديني أو عنصري.
- نعترف بأن الغلفة والبظر والشفر أعضاء طبيعيّة ذات وظائف عضويّة.
- لا يحق لأهل الأطفال أو أوصيائهم السماح بإزالة أو تغيير أعضائهم الجنسيّة السليمة جراحيّاً.
- على الأطبّاء وموظّفي الصحّة مسؤوليّة رفض إزالة أو بتر أعضاء الجسد السليمة.
- يحق السماح بإجراء عمليّات جراحيّة غير لازمة على أنفسهم فقط لمن هم في عمر البلوغ، وذلك بعد إعلامهم بمخاطر وفوائد هذه العمليّات.
- نؤكّد بصورة قطعيّة بأن للختان ضحايا غير معترف بها.
- بناءاً على النتائج الجسديّة والنفسيّة الوخيمة التي شاهدناها في ضحايا الختان، نرفض إجراء أيّة عمليّة غير ضروريّة أخرى لبتر غلفة أو بظر أو شفر.
- نرفض أيّة دراسات تقود إلى إجراء عمليّات ختان على أطفال صغار لا يستطيعون التعبير عن إرادتهم. وندعم أيّة دراسات تهدف إلى الكشف عن النتائج السيّئة للختان.
- على الأطبّاء وموظّفي الصحّة تعليم نظافة ورعاية أعضاء الجسد الطبيعيّة وشرح تطوّرها ووظائفها.
- نُبلغ طبقة المهن الطبّية بأننا نعتبرهم مسؤولين عن التفسير الخاطئ للمعطيات العلميّة المتوفّرة اليوم بخصوص الختان في العالم.
- إن الأطبّاء الذين يجرون عمليّات الختان بصورة روتينيّة يخالفون القاعدة الأولى للعمل الطبّي وهي «عليك أوّلاً أن لا تضر»، كما أنهم يخالفون المادّة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تقول: «لا يُعَرّض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسيّة أو الوحشيّة أو الحاطّة بالكرامة».
الإسم والعنوان: Nurses for the rights of the child
369 Montezuma #354
Santa Fe, NM, 87501, USA
Tel. 00505-9897377
بدأت قصّة هذه المنظّمة في أكتوبر 1986، في مستشفى في مدينة «سانتا في» (مقاطعة نيو مكسيكو)، حيث قرّرت أربع ممرّضات رفضهن المشاركة بعمليّات ختان الأطفال. وقد أعلنت عن ذلك إلى المسؤولين في المستشفى. وكان الرد أنه لا عذر لهن لرفض المشاركة.
ولكن بعد أربع سنين، رأت هذه الممرّضات بأنه لا ضرورة لطلب الإذن لأخذ موقف أخلاقي. فانضمّت لهن ممرّضات أُخريات حتّى بلغ عدد الرافضات 24 ممرّضة، من بينهن ثلاث ممرّضات يهوديّات، والباقيات مسيحيّات. وفي سبتمبر 1993، أعلمهن المسؤول عن الممرّضات بأنه لا يحق لهن أن يعطين معلومات ضد الختان للأهل إلاّ بعد إذن من الطبيب. وفي أبريل 1994، أٌبلِغن بأنه عليهن المشاركة في عمليّات الختان. وكان الرد التأكيد على رفضهن لتلك الأوامر. وقد أدّى ذلك إلى تدهور في المناخ العام في المستشفى ممّا إستدعى اللجوء إلى التحكيم. وبعد أشهر طويلة من الوساطات، وافق المستشفى على «مذكّرة تفاهم بخصوص عمليّة الختان»، أمضى عليها ممثّل عن المستشفى وممثّل عن نقابة الممرّضات. وبموجب هذا الإتّفاق، أُعفيت الممرّضات المحتجّات من المشاركة بأي أمر يتعلّق بعمليّة الختان. ويكفي للممرّضة التي ترفض المشاركة الإعلان عن ذلك بكتاب ترفعه إلى المسؤول عن قسم الممرّضات. وكان من نتيجة ذلك أن قليلاً جدّاً من الممرّضات في المستشفى يشاركن في عمليّات الختان. وتأمل الممرّضات أن تصبح هذه الوثيقة مثالاً يحتذى به في المستشفيات الأخرى وأن تتشجّع ممرّضات أخرى للإنضمام إلى حركتهن.
في يونيو 1995، أسّست هذه الممرّضات منظّمتهن. وقد بدأت هذه المنظّمة حملة تطالب المستشفى بأخذ موقف من تعذيب الأطفال لأن الختان يتم دون أي مخدّر. وعليه فقد إتّخذت اللجنة المسؤولة عن الولادة قراراً باستعمال المخدّر. إلاّ أن الممرّضات يرغبن أن يكون ذلك خطوة نحو إلغاء الختان تماماً في المستشفى وإدانته لكونه إنتهاك لحقوق الإنسان حتّى وإن أستُعمِل المخدّر في إجرائه. هذا وتقوم هذه الجمعيّة بإعلام اليهود بأنه هناك إمكانيّة لختان بديل لا يتم فيه جراحة وتعطيهم عناوين الهيئات اليهوديّة المعارضة للختان.
وبناءاً على جهود هذه الممرّضات، إنخفض معدّل الختان في هذا المستشفى من 20% إلى 6%. وقد تخلّى فعلاً بعض الأطبّاء عن إجراء الختان تماماً، بينما تقاعد الآخرون أو تحوّلوا إلى مستشفى آخر. ومنهم من نقل عمليّة الختان من المستشفى إلى عياداته الخاصّة. وهذا بطبيعة الحال يجعل الأهل يفكّرون قَبل نقل أطفالهم من المستشفى إلى عيادة الطبيب. ونشير إلى أن إحدى الممرّضات إستقالت من عملها معتبرة بأنها لا تقبل معاشاً يأتي من مستشفى يجني أرباحاً ثمناً للدم [62] .
الإسم والعنوان: Doctors Opposing Circumcision
2442 NW Market St, Suite 42, Seattle
Washington 98107, USA,
http://faculty.washington.edu/gcd/DOC/
أسّس هذه المنظّمة عام 1995 الدكتور «جورج دينيستون». وفي سنة واحدة فقط، إنضم لها أعضاء من جميع ولايات ومقاطعات الولايات المتّحدة كما من عدد آخر من الدول. وتضم الجمعيّة عدداً من الأطبّاء اليهود. وللمنظّمة نشاط في الولايات المتّحدة، وكندا وأستراليا وبريطانيا. وهي تحاول التأثير على الطلبة في كلّيات الطب وعلى الأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال.
الإسم والعنوان: Attorneys for the Rights of the Child
2961 Ashby Ave.
Berkeley, CA 94705, USA
Phone 510-595-5550
أسّس هذه المنظّمة عام 1997 المحامي «ستيفن سفوبودا». وتضم حاليّاً 20 عضواً وقائمة مراسلات مع عدّة مئات من المعاضدين. وتراهن هذه المنظّمة على القضاء لتغيير القانون ولصد الأطبّاء الذين يقومون بالختان. ويشارك أعضاؤها في عدد من المؤتمرات وينشرون العديد من المقالات في المجلاّت الأكاديميّة والشعبيّة، ويُدعون مراراً للراديو والتلفزيون لمناقشة موضوع الختان. ويحاولون تكوين رأس مال لمساعدة قضايا الختان ولدعم كل الجمعيّات التي تناضل لسلامة الأعضاء الجنسيّة. ويعطون النصائح للمحامين الذين يترافعون في قضايا الختان وللجمعيّات النشيطة في هذا المجال. وتقوم المنظّمة حاليّاً بجمع القوانين في العالم التي تتعلّق بالختان لوضعها على موقعها في الانترنيت.
هذا وقد إقترح المحامي «شارلز بونير»، أحد أعضاء هذه المنظّمة، في المؤتمر الدولي الخامس للختان الذي عقد في أكسفورد عام 1998، إعلاناً دعاه: «إعلان أكسفورد: نداء لمنع بتر الأعضاء الجنسيّة للأطفال في العالم». وقد إعتمد على «إعلان المؤتمر العالمي الأوّل للختان» السابق الذكر، و«قرار أشلي مونتاجو لإنهاء بتر الأعضاء الجنسيّة في جميع أنحاء العالم» الذي سنتكلم عنه لاحقاً، وعلى مبادئ حقوق الإنسان. ويتضمّن هذا الإعلان مشروع قرار يطلب من الأمم المتّحدة تبنّيه. وهذا المشروع مستوحى من القوانين التي تبنّتها دول مختلفة فقط ضد ختان الإناث. ونحن نترجمه لأنه يبيّن الإتّجاه الذي يريد معارضو كل من ختان الذكور والإناث أن يتبنّاه المشرّع الدولي والوطني:
يوافق أعضاء الجمعيّة العامّة في المؤتمر الدولي الخامس لبتر الأعضاء الجنسيّة على ما يلي:
مادّة 1- تم التأكيد على كل وثائق الأمم المتّحدة سابقة الذكر الخاصّة بحقوق الإنسان وحقوق الطفل وكل الإعلانات التي تبنّتها المؤتمرات السابقة الخاصّة ببتر الأعضاء الجنسيّة وتم ضمها إلى هذا الإعلان.
مادّة 2 - 1) يرفع «إعلان أكسفورد: نداء لمنع بتر الأعضاء الجنسيّة للأطفال في العالم» إلى الأمم المتّحدة ليتم تبنّيه والتوقيع عليه.
2) تتبنّى الأمم المتّحدة قراراً يتم التوقيع عليه من قِبَل الدول الأعضاء ينص على ما يلي:
أ) كل شخص يقوم بعمليّة جزئيّة أو كلّية يتم فيها ختان أو خفض أو رتق أو أي تغيير أو إزالة للشفرين الكبيرين أو الصغيرين أو البظر أو الغلفة أو أي عضو تناسلي خارجي لطفل يعتبر مقترفاً جرماً يعاقب عليه بالسجن لمدّة لا تزيد عن عشر سنين أو غرامة لا تزيد عن 5000 دولار، أو بكليهما.
ب) لا تنطبق الفقرة أ) السابقة على العمليّات التي يقوم بها طبيب لأحد الأسباب التالية:
(1) إذا كانت تلك العمليّة ضروريّة لصحّة الشخص الذي تتم عليه.
(2) إذا كانت تلك العمليّة لتعديل تشويه خلقي.
(3) إذا تمّت تلك العمليّة على شخص في مرحلة المخاض أو بعد الولادة لأسباب طبّية لها علاقة بالمخاض والولادة.
ج) لا يعتبر حجّة لخرق الفقرة أ) إعتقاد الشخص أن ذلك الخرق تفرضه العادات والطقوس الدينيّة أو الأعراف.
د) تعني كلمة «طبيب» هنا كل شخص حاصل على إذن ممارسة الطب أو تجبير العظام أو الجراحة كما توضّحه قوانين الحكومات في الدول الأعضاء.
مادّة 3 - تُرفع عريضة للأمم المتّحدة تطالب فيها الدول الأعضاء تبنّي قوانين تتّفق مع المادّة الثانية وسن قوانين لضمان حماية متساوية للأطفال الذكور والإناث ومنع بتر الأعضاء لكل من الذكور والإناث.
مادّة 4 - 1) تُرفع عريضة للأمم المتّحدة لكي تُكوِّن لجنة رقابة تمثّل الدول الأعضاء تقدّم تقارير حول مدى تنفيذ قرارات الأمم المتّحدة المانعة لكل أشكال بتر الأطفال.
2) تستعمل اللجنة التي تنشئها الأمم المتّحدة الوسائل الكفيلة لكي تفرض الدول الأعضاء على أجهزة الرعاية الصحّية عمل سجلاّت وتقديم تقارير سنويّة للجنة الأمم المتّحدة حول وضع بتر الأعضاء الجنسيّة للأطفال.
3) تشجّع الأمم المتّحدة الدول الأعضاء على إنشاء مجموعات عمل حول بتر الأعضاء الجنسيّة للأطفال تقوم بتقديم تقارير سنويّة للجنة الأمم المتّحدة حول بتر الأعضاء الجنسيّة للأطفال.
4) توكّل الأمم المتّحدة الدول الأعضاء بإنشاء لجان حكوميّة لتثقيف أصحاب المهن الطبّية والصحّية والقانونيّة والرؤساء الدينيين والسياسيين والأهل والأطفال حول المخاطر الصحّية وتبعات بتر الأعضاء الجنسيّة للأطفال، ويكون هذا التثقيف ضمن البرامج الدراسيّة في المدارس الثانويّة.
مادّة 5 - 1) تُرفع عريضة للأمم المتّحدة لتوجيه الصليب الأحمر حتّى يبث المعلومات لمواطني الدول الأعضاء يبلغهم فيها بأنه ملجأ أمان لكل ضحايا بتر أعضاء الأطفال الجنسيّة.
2) توجّه الأمم المتّحدة الصليب الأحمر لكي يعمل كمراقب بخصوص طلبات اللجوء للأطفال الذين لا مصاحب لهم والذين يرغبون في الحصول على اللجوء هرباً من بتر أعضائهم.
مادّة 6 - 1) تُرفع عريضة للأمم المتّحدة لكي تشجّع الدول الأعضاء لتبنّي تشريع حول المسؤوليّة المدنيّة للذين يقومون ببتر أعضاء الأطفال الجنسيّة لأي سبب كان.
2) تشجّع الأمم المتّحدة الدول الأعضاء على النص في التشريع بأنه من واجب كل شخص يعلم بأن طفلاً عمره أقل من 18 سنة معرّض لبتر أعضائه الجنسيّة من قِبَل أهله أو أي شخص آخر بأن يبلغ ذلك السلطات المعنيّة.
3) تشجّع الأمم المتّحدة الدول الأعضاء لتقديم المعلومات التالية لمواطنيها:
(1) معلومات حول الأضرار الخطيرة جسديّاً ونفسيّاً الناتجة عن بتر الأعضاء الجنسيّة والتي تتم حسب تقاليد المجتمع التي تمارس هذه العادة.
(2) معلومات حول العواقب القانونيّة في الولايات المتّحدة الناتجة
(أ) عن إجراء ختان الذكور والإناث، أو
(ب) عن السماح بإخضاع طفل تحت ولايتهم لبتر أعضائه الجنسيّة كما ينص عليه قانون العقوبات أو قانون حماية الأطفال أو القانون الخاص بالتعسّف ضد الأطفال.
مادّة 7 - تفرض الأمم المتّحدة عقوبات صارمة على الدول الأعضاء التي تفشل حكوماتها في حماية الأطفال من بتر أعضائهم الجنسيّة، بما في ذلك حرمانها من التسهيلات وفرض حصار يمنع الإتّجار بالمواد الأساسيّة مع الدول التي تفشل في أخذ خطوات إيجابيّة لتنفّذ إعلانات وقرارات الأمم المتّحدة الخاصّة بحماية الأطفال من بتر أعضائهم الجنسيّة. وهذه الوسائل يجب فرضها كعقوبات رداً على خرق إعلانات وقرارات الأمم المتّحدة الخاصّة بحماية الأطفال من بتر أعضائهم الجنسيّة [63] .
كما إقترح رئيس هذه المنظّمة تقديم عريضة للأمم المتّحدة لكي تعترف بأن ختان الذكور هو خرق لحقوق الإنسان. وتطالبها بتكوين مجموعة عمل مماثلة للتي تعمل ضد ختان الإناث ومد نشاط المقرّر الخاص عن ختان الإناث إلى ختان الذكور والقيام بدراسة موثقة عنه. كما تطالبها مناشدة جميع الدول التعاون في هذا المجال مع اللجان المختصّة، ووضع قوانين تمنع ختان الذكور، وتكوين لجان وطنيّة لمكافحته، وإدخال مواد دراسيّة حول مضارّه في برامج التعليم الطبّي والصحّي والجنسي، وقطع التمويل عن المستشفيات التي تجريه، وطلب مساعدة الجهات الدينيّة للمشاركة في مكافحته، وتقديم تقرير حول التقدّم في هذا المجال. كما تطالب الأمم المتّحدة حث منظّمة الصحّة العالميّة لإجراء بحث حول ختان الذكور ودعوة مؤتمر لمناقشة هذا الموضوع [64] .
العنوان: الدكتورة سهام عبد السلام
القاهرة - مصر
هناك مجموعة مصريّة جديدة تناضل ضد كل من ختان الذكور والنساء. وقد طلبت من الدكتورة سهام عبد السلام ورقة عن هذه المجموعة. وقد وصلني منها النص التالي بتاريخ 9 يوليو 2002 الذي أقدّمه للقراء دون تغيير.
مقدمة
تتكون المجموعة حالياً من 5 نساء و8 رجال، تتوزع أعمالهم كالتالي: النساء: أماني أبو زيد: أنثروبولوجيّة؛ سارة عناني: مدرّسة أدب إنجليزي بجامعة القاهرة؛ سهام عبد السلام: طبيبة وأنثروبولوجيّة، وسيّدتان إحداهما طبيبة والأخرى أنثروبولوجيّة وخبيرة تنمية. أما الرجال فمهنهم كالتالي: ماهر صبري: مخرج مسرحي وفنّان تشكيلي؛ هيثم صلاح: منتج فيديو، ياسر عبد الجوّاد: محامي، وخمس رجال آخرون: مهندس ديكور، وخبير بقضايا المياه، ومحامي، وخبيران بالتنمية. من بين أعضاء المجموعة 10 مسلمون و3 مسيحيّون. والجميع مصريّات ومصريّون.
شهادتي الشخصية
تطوّر وعيي بموضوع ختان الذكور عبر عدّة مراحل. لم يكن لي في البداية موقف مؤيّد أو معارض لختان الذكور، بل لم يكن قضيّة مطروحة أصلاً على وعيي لفترة طويلة من حياتي. نشأت في أسرة أقلعت عن عادة ختان الإناث كجزء من الأخذ بأسباب المدنيّة الحديثة، لكن والديّ كانا يعتقدان أن ختان البنات لا يشبه ختان الأولاد، الذي لا يتعدّى قص قطعة جلد زائدة لا توجد بها حساسية، فهي عمليّة بسيطة للولد مثل قص الأظافر. وعندما التحقت بكلية الطب درست في مقرّر الجراحة عمليّة ختان الذكور، التي كانت الكتب التي درستها وقتئذ توصي بإجرائها كجراحة وقائيّة.
قبلت ما تعلّمته في البيت والجامعة كمسلّمات، إلى أن شاهدت ختان طفل بعد تخرّجي، وصدمني ما رأيت، ودفعني إلى التشكّك في صحّة كل النظريّات التي تبرّر ختان الذكور، فقد صرخ الطفل أثناء إجراء الختان صريخاً ثاقباً، ورأيت عليه علامات الصدمة العصبيّة من شحوب الوجه، والعرق الغزير، علاوة على انه لم يكن يعاني من أي مرض يبرّر تعريضه لتلك المعاناة. وبدأت منذ ذلك الحين في مقارنة ختان الذكور بختان الإناث، فلم أجد فرقاً. وقرّرت ألا أجري ختاناً لأي طفل ذكر (فختان الإناث لم يكن مطروحاً أصلا في العلوم الطبّية). وأثناء عملي كنائبة لجراحات الطوارئ إستقبلت عدداً من الأطفال الذكور أتى بهم ذووهم بمضاعفات مثل النزيف الشديد والصدمة العصبيّة بعد الختان، ممّا زاد يقيني بصحّة موقفي. وبدأت في مخاطبة كل من ينجب ذكراً من معارفي، فأفلحت في حالات نادرة لا تبلغ عدد أصابع اليد الواحدة، وفشلت في معظم الأحيان. فهؤلاء المثقّفون الذين لا يفكّرون في تختين بناتهم يتمسّكون بشدّة بختان أبنائهم.
وعندما بدأت الحركة النشطة ضد ختان الإناث في مصر سنة 1994 أدهشني أن الأطبّاء والشيوخ الذين يعظون الناس ضد ختان الإناث يؤكّدون دائماً على ضرورة ختان الذكور، وأن أهم الشخصيّات العاملة في مجال محاربة ختان الإناث يحذّرون من تناول ختان الذكور أثناء الكلام ضد ختان الإناث، وكانوا يصدّون أي شخص يسأل عن ختان الذكور بقولهم أن «هذا ليس موضوعنا»، وفي أفضل الأحوال، أبدى القليل منهم تعليقات عابرة عن ختان الذكور. فمثلاً، كنا في ندوة عن ختان الإناث في المنظمّة المصريّة لحقوق الإنسان، فقال لي أحد المشاركين في الندوة، وهو طبيب شاب أنه يتذكّر تجربة ختانه وهو طفل في السادسة من عمره، وأنها كانت تجربة صدميّة ينطبق عليها كل ما يقال عن مضار ختان الإناث، وتعجّب من أن المدافعين عن حقوق الإنسان يتجاهلون هذه الحقيقة. وفي مرة أخرى كنت أصمّم شعاراً لحملة ختان الإناث، عبارة عن الفلاّحة المصريّة بطلة تمثال نهضة مصر وقد إحتضنت فتاة بدلاً من أن تضع يدها على رأس أبي الهول. شاهد زميل آخر التصميم فقال لي: «مفروض تحضن بالذراع الثاني ولد». من هنا، بدأت في تدعيم موقفي العملي الرافض للمساس بأجساد الأطفال أيّاً كان نوعهم بقراءات نظرية في الطب والفقه والاجتماع.
نشأة وجهود المجموعة المعنية بمناهضة ختان الذكور والإناث على قدم المساواة
لما يأست من أن يتبنّى نشطاء العمل الأهلي لمكافحة ختان الذكور كما يتبنّون قضيّة ختان الإناث، بثثت ما لدي من المعلومات إلى بعض الشباب في سنة 1998، فتكوّنت مجموعة من ستة أفراد: من النساء: أماني أبو زيد، وسهام عبد السلام، وسيّدة تعمل طبيبة، ومن الرجال: ماهر صبري، وهيثم صلاح، ورجل خبير بقضايا المياه. نظّمت تلك المجموعة جلستين لطرح الموضوع على مجموعة من المثقّفين، وتبرّع مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف بإعارتنا مقرّه وأدواته لعقد الندوتين. وتحمّس ياسر عبد الجوّاد للإنضمام للمجموعة بعد حضوره إحدى الندوتين. ولما دعتني الدكتورة نوال السعداوي لتنسيق ندوة عن ختان الذكور والإناث في إطار مؤتمر دولي عقدته جمعيّة تضامن المرأة العربيّة بالقاهرة في يناير 2002، تبرّعت تلك المجموعة بالجهد والمال لطباعة ترجمة عربيّة على فيلم الفيديو الذي أنتجه «تيم هاموند» بعنوان «جسد من هذا ولمن حق التصرّف فيه»، وكان هيثم صلاح هو أكثر من بذل جهداً في العمليات الفنية السابقة على طباعة الترجمة، كما ساهمت د. نوال السعداوي بمبلغ من المال لإنجاز تلك الترجمة، كما صمّم ماهر صبري ملصقاً مكوّناً من كولاج لقصاصات صحفيّة بها أخبار عن ذكور ماتوا بسبب الختان، وكتب عليه عبارة «لا لختان الذكور أيضا». وقد إزدحمت الندوة بالحضور، ولاقيت أنا وأعضاء المجموعة هجوماً من عدد من الصحفيّين، ووجّهوا إلينا إتّهامات بالعمالة للغرب، وما إلى ذلك من أكليشيهات محفوظة، لكن البعض الآخر إهتم بالقضيّة، وانضمّت للمجموعة سيّدتان جديدتان، إحداهما سارة عناني، التي جلبت للمجموعة أيضاً صديقاً لها يعمل محامياً، كما إنضمّت سيدة تعمل خبيرة تنمية، وجلبت للمجموعة صديقان لها من خبراء التنمية، كما إنضم للمجموعة أحد أقرباء ماهر صبري، ويعمل مهندساً. وقد شجّعتني المجموعة بعد توسّعها بالأعضاء الجدد على كتابة كتيّب بالعامّية المصريّة عن القضيّة على هيئة أسئلة وإجابات، تطوّع ماهر صبري بإعداد الرسوم له، ووعدت سارة عناني ببذل الجهد لتيسير طباعته، وجاري العمل في إعداده حالياً.
الجهود السابقة على تكون تلك المجموعة
لقد قد قامت الدكتورة نوال السعداوي بأكبر جهد سابق على جهود تلك المجموعة دفاعاً عن حق الذكور والإناث في السلامة البدنية، فقد عدة مقالات متفرّقة عـن الموضوع في الصـحافة المصريّة، فنشرت مقالاً في مجلّة أكتوبر سنة 1995، ومقالاً آخر في مجلّة روز اليوسف سنة 1998 ربطت فيه بين نشأة ختان الذكور والمجتمع الذكوري، وفنّدت ما يشاع عن أنه مطلب ديني، وقالت أن الرازي، وهو طبيب عربي مسلم عاش في القرن العاشر الميلادي عارض كل ما يمس الجسم السليم، بما في ذلك الختان، ونوّهت بأن كتب هذا الطبيب مُنعت من التداول في بلادنا، ولو أبيحت لعرف الناس أن الدعوة لمنع الختان لم تأتنا من الغرب بل هي عريقة في بلادنا عراقة الصراع بين العقل واللاعقل. ثم نشرت الدكتورة نوال السعداوي مقالاً آخر بمجلّة روز اليوسف أيضاً (1999) رداً على أم شابّة إتّصلت بها وحكت لها كيف دافعت عن طفلها الوليد لكنّها لم تعرف كيف ترد على الطبيب والأسرة المصمّمين على تختينه بزعم أن ختان الذكور مفيد وغير ضار. ثم نشرت مقالاّ مطوّلاً في جريدة الجمهورية وجّهت فيه الخطاب لوزير الصحّة، وعرضت مضار الختان ووظائف الغلفة. وبعد ذلك، نشر المفكّر جمال البنّا مقالاً عن ختان الجنسين في مجلّة أدب ونقد (1999) نفى فيه أن الختان سُنّة ملزمة للذكور [65] .
ولم يسبق كتابات الدكتورة نوال السعداوي عن ختان الذكور إلا ترجمة عصام الدين حفني ناصف لكتاب جوزيف لويس الختان ضلالة إسرائيلية مؤذية (1971) مع تعليقه عليه [66] ، وتقديم الكاتب الساخر محمد عفيفي عرضاً لهذا الكتاب في مقاله «مرشد الحيران في عمليّة الختان بمجلّة الهلال» (1971) [67] .
هناك منظّمات أخرى تناضل ضد ختان الذكور يوجد قائمة بها في الانترنيت على العنوان التالي:
http://199.88.85.15/resources/www.html
وهذه المنظّمات لها توجّهات خاصة نذكر منها:
رجال الدين: يتحمّل رجال الدين وزر إستمرار عمليّة ختان الذكور والإناث. إلاّ أننا نجد بعض رجال الدين اليهود والمسيحيّين والمسلمين المتفتّحين الذين يحاولون صد رفاقهم والشعب عن ممارسة ختان الذكور والإناث. كما أن عدداً من العلمانيين في تلك الطوائف يحاولون إعادة النظر في النصوص الدينيّة للتعرّف على جوانب ضعفها ووسائل تفسيرها تفسيراً يتّفق مع حقوق الإنسان. وكما نجد عدداً من اليهود النشيطين في مكافحة ختان الإناث، فإن هناك أيضاً مجموعات يهوديّة تعمل ضد ختان الذكور وتقدّم معلومات حول بدائل للختان نذكر منها:
Circumcision Resource Center
P.O.Box 232
Boston, MA 02133
Tel. (00617) 532-0088
Israeli Association Against Genital Mutilation
P.O. Box 56178
Tel Aviv 61561, Israel
Tel 00972-9-8949236
Af-Milah - Second Thoughts on Brit Milah
The Israeli Newsletter Against Circumcision (in Hebrew)
P.O. Box 207
Rosh-Pinah 12000, Israel
Tel 00972-51-979568
أهل الطفل: الأهل هم أوّل حلقة في عمليّة الختان. فهم الذين يقرّرون إجراء العمليّة أو عدم إجرائها، بناءاً على معطيات دينيّة واجتماعيّة وطبّية. وكثيراً ما يجهل هؤلاء الأهل الحقيقة حول عمليّة الختان. ولذلك يجب تقديم المعلومات الضروريّة لكي يأخذوا القرار المناسب في هذا المجال. وتقوم بطبيعة الحال المجموعات المعارضة لختان الذكور بتقديم المعلومات لهم. ولكن هناك أيضاً مجموعات متخصّصة في توعية الأهل لها صفحات معلومات في الانترنيت نذكر منها
Mothers against circumcision
http://www.mothersagainstcirc.org/index.html
MaryRay@mothersagainstcirc.org
مجموعة المختونين: سوف تستمر عمليّة الختان لعدّة قرون، وسوف تترك آلافاً مؤلّفة من الضحايا لا يمكن تجاهلهم. وقد قام المختونون بتأسيس مجموعات لتقديم المعونة المعنويّة والنصائح لهم بهدف حل مشاكلهم النفسيّة والصحّية الناتجة عن الختان. وقد ذكرنا في القسم الطبّي موضوع إستعادة الغلفة. وتهتم بهذا الموضوع عدّة مجموعات نذكر منها «المنظّمة الوطنيّة للرجال الذين يستعيدون غلفتهم»
NORM: National organization of restoring men
الحركات المثليّة: لهذه الحركات نشاط كبير في هذا المجال. نذكر منها حركة NOHARMM التي لها موقع معلومات مهم على الانترنيت
NOHARMM: National Organization to Halt the Abuse and Routine Mutilation of Males
P. O. Box 460795
San Francesco, CA 94146
Tel 00415.826.9351
قدّم السيّد «بريسكوت»، رئيس معهد العلوم الإنسانيّة في «سان دييجو»، إعلاناً ضد ختان الذكور والإناث عام 1986 إلى رؤساء إدارة «جمعيّة الإنسانيين الأمريكيّين» فأحالته إلى لجنة خاصّة لتقييمه. ولكن هذه اللجنة لم تدرسه بسبب التأثير اليهودي.
وفي عام 1995، حاز العالم اليهودي «أشلي مونتاجو» على «جائزة الإنسانيين» تقديراً له على أبحاثه التي أكّد فيها على أهمّية المتعة الحسّية وندّد بالألم والإنحطاط الأخلاقي الناتج عن ممارسة بتر الأعضاء الجنسيّة للأطفال. فأغتنم «بريسكوت» هذه المناسبة لطرح إعلانه على رؤساء إدارة جمعيّة الإنسانيين الأمريكيّين بعد أن غيّر إسمه إلى «إعلان أشلي مونتاجو لإنهاء بتر الأعضاء الجنسيّة في جميع أنحاء العالم: عريضة للمحكمة الدوليّة في لاهاي». ولكن هذه الحيلة لم تنجح. فقدّمه إلى المؤتمر الدولي الرابع حول الختان الذي عقد في جامعة لوزان عام 1996. وهنا وافق المشاركون عليه بالإجماع.
وهذا الإعلان يتضمّن عريضة موجّهة إلى جميع رؤساء دول العالم وسكرتير عام الأمم المتّحدة ورئيس منظّمة العفو الدوليّة لدعمها لدى المحكمة الدوليّة في لاهاي حتّى تقضي بأن بتر الأعضاء الجنسيّة للأطفال الذي يتم على أساس عادات إجتماعيّة وثقافيّة ودينيّة هو خرق للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومعاهدة حقوق الطفل، وتطالب الحكومات والهيئات المشاركة بأن تقوم بتثقيف موظّفي المهن الطبّية والأهل والشعب حول المخاطر الطبّية والنفسيّة والجنسيّة والعقليّة المترتّبة على بتر الأعضاء الجنسيّة، وأن تناهض الأساطير والخرافات التي تشجّع هذه الممارسات.
وبعد توقيع المشاركين في المؤتمر الرابع عن الختان على هذا الإعلان، عاد واضعه فعرضه على إتّحاد الإنسانيين والأخلاقيّين الدولي، والإتّحاد الأخلاقي الأمريكي، وفرعين من منظّمة العفو الدوليّة في الولايات المتّحدة. ولكنّه فشل في الحصول على موافقتهم. ثم قام برفعه إلى الملكة «سيلفيا» من خلال سفارة السويد في الولايات المتّحدة راجياً منها رفعه إلى المحكمة الدوليّة التي لا تبت إلاّ في الطلبات المقدّمة من الحكومات. ولكن البلاط الملكي السويدي رفض تقديمه. وقد قام صديق له بمحاولة ثانية من خلال أحد رؤساء الدول، ولكن هذه المحاولة أيضاً فشلت [68] .
هذه المغامرة المضحكة المبكية تبيّن بأننا أمام صراع مرير بين ضعفاء مظلومين وجبّارين ظالمين. وهذا لا يعني أن المدافعين عن ختان الذكور هم على حق رغم ما يتمتّعون به من قوّة. ففي الحقيقة ختان الذكور وختان الإناث هما وجهان لا ينفصلان لنفس العملة وكلاهما يخرقان عدداً من المبادئ التي نصّت عليها المواثيق الدوليّة والوطنيّة كما سنرى في الفصول اللاحقة.
لم تتعرّض الأمم المتّحدة ومنظّماتها ولا المجلس الأوروبي ولا الدول الغربيّة لختان الذكور. وبطبيعة الحال، ما دام الغرب سكت عنه، فإنه من غير المنتظر من منظّمة الوحدة الإفريقيّة والدول الأخرى فتح ملفّه. وهذا السكوت مخالف لمبدأ عدم التمييز. وقد حاول البعض تبرير ختان الذكور إعتماداً على الحقوق الدينيّة والثقافيّة، إلاّ أن نفس هذا المنطق يمكن تطبيقه على ختان الإناث. وعلى كل حال، فإن كل من الختانين تعدّ على الحقوق الفرديّة، وخاصّة الحق في سلامة الجسد والحياة، والحق في عدم التعسّف وعدم التعذيب، والحق في العرض، والحق في حرمة الميّت. وهذا ما سنراه في النقاط التالية.
حاولت دائماً الأمم المتّحدة ومنظّماتها التمييز بين ختان الإناث الذي تدينه، وختان الذكور الذي تسكت عنه، دون عمل دراسة علميّة تبرّر هذا التمييز.
فقد أشار كثير من المشاركين في اللقاء الذي نظّمته الأمم المتّحدة حول العادات المؤثّرة بصحّة النساء والأطفال عام 1991 في «واجادوجو» إلى «وجود تفسيرات [لختان الذكور والإناث] نابعة عن النظرة الكونيّة والدينيّة. ففي كثير من الإعتقادات الكونيّة الإفريقيّة، يملك كل من الرجال والنساء أعضاءاً جنسيّة مزدوجة تتمثّل عند المرأة بالبظر وعند الرجل بالغلفة، يجب قطعهما حتّى يصبح الرجل رجلاً تامّاً، والمرأة إمرأة تامّة. كما ترى النساء المسلمات والمسيحيّات في ختانهن تطهيراً. وقد رأى أكثريّة المشاركين أن هذه التفسيرات «يجب تشبيهها بالمعتقدات الخرافيّة وإدانتها. فلا التوراة ولا القرآن يأمران بختان الإناث». كما أوصى المشاركون «على ضرورة العمل للفصل في عقول الناس بين ختان الذكور الذي له دور صحّي، وختان الإناث الذي يعتبر خرقاً صارخاً لسلامة المرأة». وعليه، تم في هذا المؤتمر ترك تعبير ختان الإناث وغيرها من التعابير واستبدلت بعبارة موحّدة تجمع بين جميع أنواع ختان الإناث هي «بتر الأعضاء الجنسيّة للإناث» [69] .
وقد تبنّت أيضاً مجموعة عمل منظّمة الصحّية العالميّة عام 1995 تغيير تسمية هذه العادة من «ختان الإناث» إلى «بتر الأعضاء الجنسيّة للإناث»، رغم ما تحتويه هذه العبارة من جرح لشعور من يمارسون ختان الإناث. وأحد أسباب هذا التغيير هو تفادي الخلط بين «ختان الإناث» و«ختان الذكور» [70] .
وتشير الدراسة التي نشرتها منظّمة الصحّة العالميّة عام 1998 بأن «ختان الإناث لا يختلف عن ختان الذكور باعتبار أن كليهما بتر طقسي على طفل دون فائدة مؤكّدة للصحّة. وأحد الفروق بين الممارستين هو أن ختان الذكور هو مطلب ديني بينما ختان الإناث ليس كذلك. ولكن أكبر إختلاف بين الإثنين هو أن أبسط صورة من ختان الإناث يؤثّر على الوظيفة الجنسيّة الطبيعيّة للفتاة. وليس هناك برهان أكيد حتّى الآن في الكتابات الطبّية حول آثار ختان الذكور على الوظيفة الجنسيّة» [71] . وقد سبق أن أثبتنا خطأ هذه المعلومات في الجزء الطبّي.
وقد حاولتُ الإستفسار عن سر التفريق بين ختان الذكور والإناث وسكوت المنظّمات الدوليّة عن ختان الذكور. فطرحتُ عدداً من الأسئلة على السيّدة المغربيّة حليمة الورزازي، التي عيّنتها الأمم المتّحدة مقرّرة في موضوع التقاليد الضارّة. وهذا هو ردّها كما وصلني في 7 فبراير 1997 (مع تصرّف بسيط وضعته بين قوسين معكوفين للإيضاح):
1) هل تكافح الأمم المتّحدة ضد ختان الذكور والإناث أم فقط ضد أحدهما؟ وفي هذه الحالة أي منهما؟ ولماذا تهمل الآخر؟
الجواب: تعتبر الأمم المتّحدة فقط ختان الإناث عادة ضارّة يجب القضاء عليها. أمّا ختان الذكور فهو ليس من إهتمامات الأمم المتّحدة. وأنا أعتبر أن هذه الممارسة، بالإضافة إلى كونها دينيّة عند اليهود والمسلمين، هي عادة مرتبطة بالنظافة التي يمارسها الأطبّاء الأمريكيّون حالاً بعد الولادة، مهما كان دينهم على اليهود والمسلمين والكاثوليك أو غيرهم. ولهذا أرى بأنه ليس من المناسب الخلط بين ختان الإناث الضار للصحّة وختان الذكور الذي هو، على خلاف ختان الإناث، مفيد للصحّة.
2) هل تتّفق الأمم المتّحدة مع القول بأن الأفراد أو المجموعات الذين لا يمارسون ختان الذكور والإناث أو أي منهما يحق لهم مكافحة هذه الممارسات؟ مثلاً هل تقبلون أن يكافح البيض ضد ختان الذكور أو الإناث الذي يمارسه السود؟ أو أن يكافح المسيحيّون ضد ختان الذكور والإناث الذي يمارسه المسلمون واليهود؟ إن كان الجواب نعم أو لا، الرجاء إعطاء الأسباب في كلا الحالتين.
الجواب: إن هذا السؤال، كما يبين لي، ذات طابع تمييزي عنصري فيما يخص اللون والدين. إن الأمم المتّحدة بكفاحها ضد ختان الإناث، لا تكافح بسبب اللون أو الدين، ولكن لحماية النساء والأطفال من المضار الكثيرة لهذه الممارسة.
3) هل تقبل الأمم المتّحدة ممارسة ختان الذكور أو / والإناث لأسباب دينيّة على الأطفال؟ أو على البالغين بموافقتهم؟ مهما كان ذلك الدين: يهوديّة، أو إسلام، أو ديانة تقليديّة animism ؟
الجواب: إني أشارك الأمم المتّحدة رأيها الطبّي فيما يخص ختان الذكور مهما كان دين الأطفال أو البالغين.
4) هل تقبل الأمم المتّحدة ختان الذكور أو / والإناث لأسباب ثقافيّة على الأطفال؟ أو على البالغين بموافقتهم؟ مهما كانت تلك الثقافة: غربيّة أو غير غربيّة؟
الجواب [فقط عن ختان الإناث]: إني أرفض ختان الإناث. ورفضي لمثل هذه الممارسة لا علاقة له بالثقافة. إن الأمم المتّحدة تعتبر كل خرق لسلامة جسد النساء والفتيات مع ما يلحقه من نتائج بسبب ختانهن هو خرق لحقوق الإنسان. وعليك في ذلك أن ترجع لإعلانات بكين أو القاهرة بخصوص النساء والسكّان. ويمكن لمركز حقوق الإنسان أن يرسل لك التقارير الخاصّة ببتر الأعضاء الجنسيّة للإناث.
5) هل تقبل الأمم المتّحدة بأن يجري الأطبّاء ختان الذكور أو / والإناث لأسباب دينيّة أو ثقافيّة (وليس لأسباب طبّية) على الأطفال؟ أو على البالغين بموافقتهم؟ لا يحق للأطبّاء بتر إصبع أو أذن سليمة حتّى ولو طلبها بالغ. هل ترى منظّمتكم بأن هذه القاعدة تنطبق أيضاً على ختان الذكور أو / والإناث؟
الجواب: إن جوابي لا يخص إلاّ ختان الإناث. إني أطالب بإلغاء هذه العادة تماماً. ولا يحق لأي طبيب أن يمارس ختان الإناث.
6) هل تقبل الأمم المتّحدة بأن تمنع القوانين ختان الذكور أو / والإناث وأن تعاقب عليه؟ حتّى وإن كان ذاك الختان لأسباب دينيّة أو ثقافيّة (وليس طبّية)؟ حتّى وإن كان المختون بالغاً؟ ما نوع العقاب الذي تقترحونه؟ وهل يعاقب أهل الطفل؟ أم المختون البالغ؟ أم الذي يجري الختان؟
الجواب: [فقط عن ختان الإناث]: يجب التعامل مع ختان الإناث، بسبب علاقته بالثقافة (فهو ليس عادة دينيّة)، بكل حِكمة. فالتربية والتعليم يجب أن يسبقا القوانين الجزائيّة لأنه قد لا تؤدّي هذه القوانين للنتائج المرجوّة وقد تقود الأهل إلى ممارسة ختان الإناث في السر. أمّا الأطبّاء، فإنه يجب معاقبتهم. ويجب ملاحظة أن الحكومة المصريّة قد أخذت قانوناً في هذا المعنى. وبخصوص المرأة التي تخضع بإرادتها للختان، وهذا لا يحدث كثيراً، فإن الأمر الوحيد الذي يمكن عمله هو تقديم المساعدة لها عند الحاجة.
7) هل تظن الأمم المتّحدة بأن للأهل الحق في إعطاء الموافقة بدلاً من أطفالهم القُصّر في إجراء عمليّة ختان الذكور أو / والإناث لأسباب دينيّة أو ثقافيّة (وليس طبّية)؟ وان كان الجواب نعم، فحتّى أي سن؟
8) بعض الجماعات تعتبر الكفاح ضد ختان الذكور أو / والإناث موقف إمبريالي، معادي للساميّة أو للإسلام أو للسود؟ هل تهتم منظّمتكم بمثل تلك الإتّهامات؟ وما هو ردكم عليها؟ وهل سبق أن أتّهِمتم بذلك؟ ومن قِبَل من؟
الجواب على السؤالين [فقط عن ختان الإناث]: ما دام أن مكافحة ختان الإناث هو من مجال حماية الضحايا ومناهضة ممارسات مخالفة لحقوق الإنسان، يجب أن لا نعير أي إهتمام لما قد يظنّه شخص أو مجموعة من الأشخاص. ومكافحة ختان الإناث في أيّامنا تتم في نجاح. والذي يثبت أن الجماعة الدوليّة تسير على الطريق الصحيح هو أن الكلام عن ختان الإناث لم يعد من المحرّمات (تابو).
وقد بعثتُ في 14 فبراير 1997 للسيّدة الذكورة مقال لي ونصوص أخرى عن ختان الذكور والإناث مع رسالة هذا أهم ما جاء فيها:
إن أجوبتك ممتعة ولكني لا أشاركك الرأي وذلك لأسباب ثلاثة:
1) لا يحق المساس بسلامة جسد إنسان، ذكراً كان أو أنثى، مهما كانت ديانته، إلاّ لسبب طبّي حقيقي وحالي.
2) إن حجّة النظافة خديعة كبيرة. فالأسنان تُنظّف ولا تقلع إلاّ إذا كانت مسوّسة ولا يمكن حشوها.
3) صحيح أن الأطبّاء الأمريكيّين يمارسون ختان الذكور. ولكن هناك أيضاً أطبّاء وممرّضات أمريكيّون يناهضون هذه الممارسة لأنها منافية للأخلاق الطبّية. إن ممارسة اقتناء العبيد سابقاً في الولايات المتّحدة لا يبرّر العبوديّة.
إنني شخصياً أرفض ختان الذكور والإناث معاً. وأعتبر الأمم المتّحدة شريكة في الجريمة ضد الأطفال. وأرجوك أن تبلغي لجنتك بذلك.
وقد أشارت هذه المقرّرة لمرسلاتنا في تقريرها المقدّم للأمم المتّحدة في 1997 إذ تقول فيه:
«لقد بدأت بعض الجامعات ببحث هذه المشكلة بعمق أكثر. ففي بداية شهر يناير من عام 1997، على سبيل المثال، قدّم مدرّس في المعهد السويسري للقانون المقارن أسئلة للمقرّرة الخاصّة يود إستعمالها كأساس لكتاب حول ختان الذكور والإناث. وقد أوضحت المقرّرة أن ختان الذكور ليس موضع إهتمام الأمم المتّحدة إذ إن فقط ختان الإناث يعتبر ضارّاً ويجب القضاء عليه. ولذلك ليس من المناسب عرض تحت نفس العنوان كل من ختان الإناث الضار بالصحّة وختان الذكور الذي ليس له آثار ضارّة، لا بل يعتبر مفيداً» [72] .
وفي تقريرها لعام 2000 تقول السيّدة حليمة الورزازي بأنها إستلمت عدّة رسائل تدين ختان الذكور. ولكنها تأكّد على أن مهمّتها تنحصر في ختان الإناث. كما تدّعي أنه لا يمكن مقارنة أو مساواة الآثار الضارّة لختان الذكور بالعنف والخطر الذي تواجهه البنات والنساء. وتضيف بأن ختان الذكور يقلّل من إحتمال إنتقال مرض الإيدز من النساء إلى الرجال [73] .
وقد قابلت في جنيف، في 12 يناير 1992، الدكتورة «ليلى مهرا»، رئيسة دائرة تخطيط العائلة والسكّان في قسم صحّة العائلة التابع لمنظّمة الصحّة العالميّة وسألتها عن سبب سكوت منظّمتها عن ختان الذكور. وكان ردّها: «إن ختان الذكور جاء في التوراة. هل تريد أن تخلق لنا مشاكل مع اليهود؟» وقد أرسلت لهذه المنظّمة نفس الأسئلة التي أرسلتها للأم المتّحدة. ولكنّها رفضت الإجابة عن أسئلتي رغم إلحاحي الشديد عليها مكتفية بإرسال منشوراتها عن ختان الإناث والقول بأن منظّمة الصحّة العالميّة ليس لها موقف من ختان الذكور [74] . وأمام رفض المركز الرئيسي في جنيف الإجابة على أسئلتي، إتّجهت إلى المكتب الإقليمي لشرق المتوسّط في الإسكندريّة. فأرسل لي عدّة وثائق بخصوص ختان الإناث ولكن دون أي ذكر لختان الذكور. وقد أعدت الأسئلة عدّة مرّات وكانت النتيجة نفسها. ثم طلب منّي بأن أتحمّل تكاليف الإجابة على هذه الأسئلة إذا أردت ذلك. فأجبته بأن أسئلتي يمكن إختصارها بسؤال واحد ولا حاجة لتضييع الوقت في الرد على كل الأسئلة. وهذا السؤال هو كما يلي: لقد أخذت منظّمة الصحّة العالميّة موقفاً من ختان الإناث ولكنّها لم تأخذ موقفاً من ختان الذكور. فهل هناك موقف لها في هذا الخصوص، وإن لم تأخذ موقفاً، فلماذا؟» وقد جاء الرد كما يلي:
«لقد رُفعت لي مراسلاتك مع السيّد الدكتور حافظ، رئيس قسم حماية الصحّة، والدكتور مهيني، المستشار الإقليمي عن صحّة الإنجاب والعائلة والجماعة.
أريد أن أخبرك بأنهما قد تعاملا معك بكل ثقة ظانّين بأنك تقوم بدراسة جدّية. ولكن بعد أن وضحت لنا مساعيك، نشير إليك بأن منظّمة الصحّة العالميّة تمد مساعدتها لجميع البلاد والجماعات مظهرة إحتراماً كبيراً لعادات الشعوب ومعتقداتها. فهي لا تقبل أيّة محاولة للتهجّم على المعتقدات الدينيّة لأيّة طائفة. ولذلك لا نريد أن يكون لنا أيّة علاقة مع مشروعك أو كتاباتك. وسوف نقطع كل المراسلات معك. وهذه هي خاتمة الموضوع» [75] .
وقد أرسلت نفس الأسئلة إلى مكاتب منظّمة «اليونيسيف» في نيويورك وجنيف والأردن ومصر ولم يصلني أي رد من هذه المنظّمة على أسئلتي.
وإذا إنتقلنا إلى وثائق المجلس الأوروبي، فإننا لا نجد فيها أي ذكر لختان الذكور. وقد أكّدت لي ذلك رسالة إستلمتها من المحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان في 22 يونيو 1999، مضيفة بأن «المجلس الأوروبي لا يناقش إلاّ المواضع التي تثيرها الهيئات المختلفة العاملة ضمن المجلس الأوروبي. وإذا لم يتم مناقشة ختان الذكور، فلأن الموضوع لم يطرح بصورة ملائمة». كما أكّدت لي رسالة ثانية من البرلمان الأوروبي بتاريخ 12 يونيو 1999 بأنه لم يناقش موضوع ختان الذكور.
وفيما يخص المنظّمات غير الحكوميّة، نشير إلى رفض «اللجنة الإفريقيّة» الدخول في جدل حول ختان الذكور. وتفادياً «للبلبلة»، قرّرت هذه اللجنة عام 1990 إستبدال عبارة «ختان الإناث» بعبارة «بتر الأعضاء الجنسيّة للإناث»، حتّى يتم الفصل بين ختان الذكور والإناث [76] . وقد طرحت على رئيستها، السيّدة «برهان راس ويرك»، في 12 يناير 1992، سؤالاً حول سبب سكوت لجنتها عن ختان الذكور، فكان ردّها: «إن ختان الذكور جاء في التوراة. هل تريد أن تخلق لنا مشاكل مع اليهود؟». وهو نفس الرد الذي تلقّيته من منظّمة الصحّة العالميّة في نفس اليوم. وقد أعدت عليها السؤال في مؤتمر عام 1996، وكان جوابها: «إن ختان الذكور مذكور في التوراة وقد قمت بختان أولادي». وقد جاء في النشرة الإخباريّة لهذه المنظّمة حول هذا المؤتمر:
«بيّنت رئيسة اللجنة الإفريقيّة في كلمتها أمام المؤتمر أنواع ختان الإناث وعواقبها الخطيرة على صحّة النساء. ثم بيّنت نشاطات اللجنة الإفريقيّة وما حقّقته. وأوضحت بأن الإعتقادات الدينيّة الخاطئة الخاصّة بختان الإناث قد تم توضيحها من قِبَل المختصّين في الدين الإسلامي والرؤساء الدينيين. أمّا فيما يخص ختان الذكور، فإن له أساس ديني لا جدل فيه. وقد يؤدّي خلق تشابه بين الممارستين بلبلة ويعيق نجاح الحملة التي تقوم بها اللجنة الإفريقيّة ضد ختان الإناث» [77] .
وقد يكون موقف السيّدة «راس ويرك» نابعاً من إعتقادها بأن ختان الذكور هو أمر ديني، خلافاً لختان الإناث. ولكن قد يكون أيضاً نابعاً من خوفها في الدخول في مشاكل سياسيّة لها عواقب ماليّة خطيرة على نشاطات منظّمتها. ففي محادثة تلفونيّة مع إحدى مسؤولات هذه المنظّمة بتاريخ 17/5/1999، أخبرتها بجواب السيّدة «راس ويرك». فأجابت هذه المسؤولة: «أظن أن الكل يفكّرون نفس الشيء». وعندما سألتها عمّا إذا قامت منظّمتها بدراسة لختان الذكور قَبل إهماله، أكّدت لي تلك المسؤولة بأن ذلك لم يحدث بتاتاً. ونشير هنا إلى أن السيّدة «راس ويرك» ذكرت في تدخّلها أمام المؤتمر الذي عقد عام 1984 في «داكار» بأن المسلمين والمسيحيّين في الحبشة يمارسون ختان الإناث، ونست أو تناست بأن اليهود يمارسونه أيضاً هناك. ولعّل سكوتها هذا لتفادي مخاصمة اليهود لها واتّهامها بمعاداة الساميّة [78] .
إدانة ختان الإناث والسكوت عن ختان الذكور دون تقديم تبرير علمي له يعني:
- الإعتراف للنساء بحق لا يُعترف به للذكور.
- إدانة ثقافة الأفارقة التي تتبنّى ختان الإناث، والقبول بالثقافة الغربيّة التي تتبنّى ختان الذكور.
- رفض حماية أطفال اليهود الذكور خوفاً من العواقب السياسيّة.
وبهذا يقوم المشرّع الدولي والوطني، ومعه المنظّمات غير الحكوميّة، بانتهاك مبدأ أساسي في حقوق الإنسان، وهو الحق في عدم التمييز، الذي تنص عليه الوثائق الدوليّة ودساتير الدول الغربيّة والإفريقيّة، نذكر منها على سبيل المثال:
المادّة 2، فقرة 1: لكل إنسان حق التمتّع بجميع الحقوق والحرّيات المذكورة في هذا الإعلان دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الرأي السياسي، أو الأصل الوطني، أو الإجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر.
المادّة 7: الناس جميعاً سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حق التمتّع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حق التمتّع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز.
المادّة 2، فقرة 1: تتعهّد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيّاً أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الإجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب.
المادّة 3: تتعهّد الدول الأطراف في هذا العهد بكفالة تساوي الرجال والنساء في حق التمتّع بجميع الحقوق المدنيّة والسياسيّة المنصوص عليها في هذا العهد.
المادّة 24، فقرة 1: يكون لكل ولد، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الأصل القومي أو الإجتماعي، أو الثروة، أو النسب، حق على أسرته وعلى المجتمع وعلى الدولة في إتّخاذ تدابير الحماية التي يقتضيها كونه قاصراً.
المبدأ العاشر: يجب أن يحاط الطفل بالحماية من جميع الممارسات التي قد تدفع إلى التمييز العنصري أو الديني أو أي شكل من أشكال التمييز [...].
تدخل المادّة الأولى، الفقرة الأولى ضمن التعذيب المنهى عنه «أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديّاً كان أو عقليّاً، يلحق بشخص ما [...] لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيّاً كان نوعه». وسوف نرى أن معارضي ختان الذكور والإناث يعتبرونهما ضرباً من ضروب التعذيب. وإذا ما منعنا ختان الإناث باعتباره نوعاً من التعذيب المنهى عنه، ولكن سمحنا بختان الذكور، فإننا نقع تحت طائلة هذه المادّة.
المادّة 40: المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامّة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس، أو الأصل، أو اللغة، أو الدين، أو العقيدة.
لن أسمح أن تؤثّر على واجبي تجاه المريض إعتبارات العمر أو المرض أو الإعاقة أو المعتقد أو الأصل العرقي أو الجنس أو الجنسيّة أو التحزّب السياسي أو المستوى الإجتماعي.
- لكل شخص الحق في العلاج الطبّي المناسب دون أي تمييز.
- لكل مريض الحق في أن يعتني به طبيب يكون حراً في أخذ حُكم طبّي وأخلاقي دون أيّة إعتبارات خارجيّة أخرى.
وحتّى لا يصبح مبدأ عدم التمييز شعاراً دعائياً أجوف وبضاعة للتصدير الخارجي من قِبَل المشرّع الدولي والوطني والمنظّمات غير الحكوميّة، يجب أن يجد تطبيقاً في القرارات الصادرة عن هذه الهيئات ذاتها التي تبشّر بهذا المبدأ. وإذا ما خالفت هذه الهيئات هذا المبدأ واتّخذت قرارات مخالفة له، فإن تلك القرارات تعتبر لاغية لأنها تخالف نظمها حتّى وإن تمّت الموافقة عليها بالإجماع. وحتّى تكون مثل هذه القرارات صحيحة، يجب: إمّا البدء بإلغاء مبدأ عدم التمييز من مواثيق تلك الجهات، وإمّا تقديم مبرّر فعلي لهذا التمييز.
وبناء على هذا المنطق القانوني السليم، يرى فرع برمودا لمنظّمة العفو الدوليّة أن قرار هذه المنظّمة الذي يدين ختان الإناث دون ختان الذكور هو قرار باطل من أساسه. وبما أن نظام منظّمة العفو الدوليّة ينص على مبدأ عدم التمييز، وأن ختان الذكور هو خرق لحقوق الإنسان مثله مثل ختان الإناث، فإنه من واجب تلك المنظّمة أن تمد إدانتها لختان الإناث إلى ختان الذكور وتقوم بحملة مماثلة ضدّه [79] . ونحن نرى أن هذه الإستنتاجات التي توصّل لها فرع برمودا ينطبق على جميع الهيئات التي نصت على مبدأ عدم التمييز في مواثيقها ولكنّها إكتفت بإدانة ختان الإناث.
قد يكون لموقف المشرّع الدولي والوطني والمنظّمات غير الحكوميّة تبرير في إدانة ختان الإناث والسكوت عن ختان الذكور لو كان هناك فرق جوهري بين هذين الختانين. وحقيقة الأمر أن لا خلاف بينهما. فكل منهما هو تعدّي على سلامة جسد شخص قاصر سليم دون رضاه ودون سبب طبّي يبيحه. وفي هذا المعنى تقول «لايتفوت كلاين» إن ختان الإناث، الذي يعتبره كثير من الغربيّين ممارسة وحشيّة وغير عقلانيّة، له مثيل في التاريخ في ختان الذكور العلماني كما يجري في الولايات المتّحدة. والأسباب التي تعطى في إفريقيا لتبرير ختان الإناث هي نفس الأسباب التي تعطى في الولايات المتّحدة لتبرير ختان الذكور الروتيني. وكلا الممارستين تتمّان بالقوّة على أجساد أولاد أو أطفال بائسين وعامّة دون تخدير ودون رضاهم. ولكل منهما نفس الخلفيّة عند من يمارسونهما. وقد قامت هذه المؤلّفة بطرح أسئلة على أشخاص في كل من الولايات المتّحدة وإفريقيا ونقلت أجوبتهم حرفيّاً دون تغيير، مبيّنة بذلك أن الفرق بين الختانين هو مجرّد أوهام لا أساس له [80] .
وقد يكون للتمييز بين ختان الذكور والإناث مبرّر لو كان هناك مصلحة مشروعة. فمن المعروف أن المشرّع قد يأخذ موقفاً متحيّزاً لفئة هضمت حقوقها في السابق إلى أن يصل بهذه الحقوق إلى مستوى حقوق طبقة أخرى. وهذا ما يسمّى بـ«التمييز الإيجابي». ولكن لا يمكن قبول هذا التمييز في مجال الختان لأن كل من الأطفال الذكور والإناث هم ضحايا.
كما إنه من الخطأ إعتبار ختان الإناث أكثر خطراً من ختان الذكور، إذ إنه يجب المقارنة بين أنواع الختانين المختلفة. فهناك ختان ذكور أكثر خطراً من بعض أنواع ختان الإناث. ولكل منهما مضاعفاته التي قد تؤدّي إلى الوفاة. وعلى كل حال، فإن حقوق الإنسان عامّة تحمي الشخص مهما كانت قساوة الخرق الذي يتعرّض له. فما هو محرّم لا يقاس بمدى قساوته. فكل تغيير للأعضاء الجنسيّة دون سبب طبّي هو خرق للحق في سلامة الجسد [81] . ويقول معارض لختان الذكور أن كون ختان الإناث هو أقسى من ختان الذكور لا يعني أنه يجب أن ننسى ختان الذكور. فكون أن القتل أشد من الإغتصاب، لا يعني أنه يجب أن نترك الإغتصاب ونهتم فقط بالقتل. وهو لا يرى كيف يمكن تبرير ختان الذكور في مجتمعه الأمريكي بحجّة أن ختان الإناث قاص في مجتمعات أخرى [82] .
كما أنه من الغلط القول بأن فتح معركة ضد ختان الذكور الآن قد يعرقل معركة ختان الإناث. فكلا المعركتين مرتبطتان ولا يمكن إلغاء ختان الإناث دون إلغاء ختان الذكور في المجتمعات التي تمارس الختانين [83] . ومحاولة الفصل بين الختانين قد يضر بكليهما. فالختان هو في حقيقته أحد مظاهر العنف في المجتمع. وهو يصيب كل من الذكور والإناث وله تأثير على الجميع مهما كانت الضحيّة، ذكراً أو أنثى. ولا يمكن لأحد أن يقول بأنه ضد العنف ضد النساء، بينما يقبل بالعنف ضد الرجال. أضف إلى ذلك أن ختان الذكور هو عنف موجّه ليس فقط ضد الذكور، بل أيضاً ضد المرأة، إذ يقصد به حرمان المرأة من علاقتها بطفلها وفصلها عنه، كما يقصد منه حرمانها من حقّها في علاقة جنسيّة مع شريك سليم الجسم. وإذا ما بدأنا بتقسيم المجتمع بين نساء لا يحق التعدّي عليهن، ورجال يحق إنتهاك حقوقهم، فإننا نخلق عداءاً بين الفئتين. فإذا وجد الرجال أن النساء يرفضن الدفاع عن ضحايا العنف بين الرجال، فإن الرجال سوف يتخلّون عن الدفاع عن الضحايا بين النساء. وقد أخبر «بويد» كيف أنه حضر مؤتمراً حول ختان الإناث في إفريقيا. وقد بدأ المؤتمر بالإعلان بأنه لن يتم مناقشة ختان الذكور فيه. فخرج من المؤتمر. وقد أحس شخص آخر بصدمة أثّرت عليه لعدّة أشهر عندما حدث له أمر مشابه. ويقول إنه رغم هذه المشكلة يجب محاولة العمل سويّة: «فآلامي لا تمحو آلامك وآلامك لا تمحو آلامي» [84] .
وهناك من يفرّق بين ختان الذكور والإناث على أساس أن ختان الذكور هو لتقوية الرجولة عندهم بينما ختان النساء للسيطرة عليهن و«لإشعارهن بأنهن مواطنات من الدرجة الثانية» [85] . وقد يصح هذا القول في بعض الجماعات الإفريقيّة، ولكن لا يمكن تعميمه. فقد رأينا أن أحد أسباب ختان الذكور هو إضعاف اللذّة الجنسيّة عند الذكور وتأكيد سيطرة الأب أو الجماعة على الأولاد. كما أن بعض الجماعات ترى في ختان الإناث وسيلة لتقوية أنوثتهن وكسر عزلتهن الإجتماعيّة. ولكن حتّى وإن قَبلنا بتلك النظريّة، إلاّ أن هذا المنطق لا يمكن أن يكون تبريراً لمنع ختان الإناث دون ختان الذكور. فكلا الممارستين متّصلتان معاً. فرجولة الذكور يقابلها السيطرة على الإناث. ورفع مكانة الذكور يؤدّي إلى إنخفاض مكانة الإناث. وقد جاء في الفقرة الأولى من المادّة الخامسة من إتّفاقيّة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء:
تتّخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتحقيق ما يلي:
أ) تغيير الأنماط الإجتماعيّة والثقافيّة لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيّزات والعادات العرقيّة وكل الممارسات الأخرى القائمة على الإعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو على أدوار نمطيّة للرجل والمرأة [86] .
ونشير هنا إلى وجود حملة كبيرة في الأمم المتّحدة تطالب بالقضاء على العنف ضد النساء الذي يعتبر عامّة من فعل الرجال. ويدخل ضمن هذا العنف ختان الإناث. ممّا جعل أحد المشاركين في إجتماع لجنة المرأة التابعة للأمم المتّحدة في 5 مارس 1998 يقول بأن ختان الإناث من فعل النساء، وعلى اللجنة حث النساء في التخلّي عن ممارسة هذا العنف ضد النساء. وقد تدخّلت سيّدة وقالت بأنه من الضروري التركيز على الرجال في موضوع العنف الواقع على النساء. فالعادات الثقافيّة والعلاقات السلطويّة تؤثّر على العنف. لذلك لا بد من إدخال الرجال لأنهم ما زالوا يمارسون السلطة في المجتمعات [87] .
إن التمييز بين ختان الذكور والإناث مرفوض حتّى من قِبَل كثير من النساء. فالنساء تلعب دوراً قياديّاً في حملة مكافحة ختان الذكور كما رأينا في الفصل السابق. وقد أشار إلى ذلك الدكتور «ميشيل اودان» في مداخلته أمام المؤتمر الخامس للختان الذي عقد عام 1998 في أكسفورد. فقد أعاد ذكرياته عمّا جرى في المؤتمرين الدوليين الأوّل والثاني حول الختان. فقد كان المؤتمران مكوّنين من مجموعة من النساء إنضم اليهن بعض الرجال. ولكن تدريجيّاً تم إستقطاب عدد أكبر من الرجال في المؤتمرات اللاحقة وخوّل لهم بحث مواضيع أكثر عمقاً. وقد أرجع الدكتور «اودان» هذه الظاهرة إلى كون المرأة أكثر حساسيّة من الرجل. وقد يكون ذلك بسبب شعورهن بالذنب لعدم تمكّنهن من حماية أطفالهن من سطوة الرجال الذين قاموا بختانهم. كما قد يكون رد فعل على علاقة جنسيّة تعيسة مع مختون. والرجال يعلمون أن دون مساعدة النساء لن يتمكّنوا من القضاء على ختان الذكور. يقول الدكتور «دينستون» بأن أحد مفاتيح إلغاء هذا الختان في الولايات المتّحدة بيد نساء ذلك البلد. فإذا ما فهمت النساء أن الختان يؤدّي إلى ألم كبير وكسر رابطة الأمومة ويشوّه بصورة دائمة جسم الذكر، فإنهن سوف يقفن لحماية أطفالهن. وإذا ما تعلّمت النساء أن الختان يحرم الرجل من مقدرته الجنسيّة الكاملة وبهذا يحرم المرأة من شريك كامل يتمتّع بكل إمكانيّاته، فسوف يعملن لإيقاف ختان الذكور [88] .
وإن يدعم معارضو ختان الذكور إتّخاذ قوانين ضد ختان الإناث، إلاّ أنهم يرون فيها تبريراً ضمنياً لختان الذكور إذا إكتفت بمنع ختان الإناث. ولذا فإنهم يرون في تلك القوانين خطراً على قضيتهم وإمعاناً في إنتهاك حقوق الذكور. وهم لا يطالبون بإلغاء القوانين التي تمنع ختان الإناث بل يريدون أن تسري أيضاً على ختان الذكور [89] .
لقد بينّا أن الأسباب وراء تفريق المشرّع الدولي بين الختانين غير مقبولة. والسبب الوحيد وراء هذا التفريق هو سبب سياسي: الخوف من الإتّهام بمعاداة السامية (أعني معاداة اليهود). وإذا كان ذلك صحيحاً فهذا يعني إن المشرّع الدولي قد وقع في فخ تسييس حقوق الإنسان مع ما يتضمنّه من مخاطر أهمّها فقد المصداقية عندما يتكلّم عن حقوق الإنسان. فبينما هو يخاف من مواجهة اليهود، يطالب حكومات الدول التي تمارس ختان الإناث مواجهة شعوبها معطياً لها الدرس بعد الآخر في الأخلاق. أضف إلى ذلك أن المشرّع الدولي يتبنّى سياسة التعالي الثقافي الغربي على حساب الثقافات الأخرى. وكان حري بهذا المشرّع الدولي والمشرّع الغربي ترك روح التعالي تلك واعتماد مبادئ يتمكّن من خلالها الحُكم على تصرّفاته وعلى تصرّفات الآخرين بروح العدل. فما كان ضارّاً من العادات، يجب عليه أن يرفضها ويدينها بشدّة، مهما كان أتباعها، مسيحيّين أو يهود أو مسلمين أو قبائل بدائيّة في أعماق أدغال إفريقيا. وللقرآن قول بليغ في هذا: «وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى» (الأنعام 152:6). «ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألاّ تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى» (المائدة 8:5). فلا العداوة ولا القرابة يجب أن تخل بواجب العدل. وأخطر ما يمكن أن يعاب على المشرّع هو موقفه المتحيّز. فهذا غش في المعاملة، والغش يفسد كل شيء كما تقول القاعدة القانونية الروماني: Fraus omnia corrumpit .
وهذا التمييز بين الختانين قد ينظر إليه بأنه غطاء لمصالح أخرى تزرع الشك حتّى عند النساء التي تكافح ضد ختان الإناث. فقد حضرت طبيبة مسلمة مصريّة إسمها «أمال شفيق» عام 1998 مؤتمراً في جنيف عقدته منظّمة «اليونيسيف» التي تعمل معها. وعندما قدّمت الطبيبة نفسها قالت بأنها تعارض كل من ختان الإناث والذكور، ظانّة بأن وجودها في جنيف يسمح لها بالتعبير عن آرائها بكل حرّية. ولكن فوجئت بإحدى السيّدات السويسريات المسيحيّات تقول لها: إن منظّمة «اليونيسيف» لا تتبنّى قضيّة ختان الذكور، ولذا عليها التخلّي عن هذه القضيّة. فصدمت الطبيبة المصريّة التي كانت جالسة بقرب يهوديّة من إسرائيل لم تعترض على كلامها. وقد سألتني الطبيبة المسلمة: لماذا تدافع مسيحيّة عن ختان الذكور بينما اليهوديّة تسكت؟ هل الكنيسة تلعب دوراً كبيراً في سويسرا؟ وأجبتها لتعزيتها بأن المسيحيين في هذا البلد باعوا أنفسهم للشيطان.
رأينا في الجزء السابق بأن نقد ختان الذكور والإناث قد إعتبره مؤيّدوه معاداة للساميّة واليهود، ومؤامرة على الإسلام والمسلمين، ونوعاً من الإستعمار الغربي. ومهما كانت وجهة نظر المعارضين واتّهامات المؤيّدين، لا شك في أن من يقوم بختان الذكور والإناث يعتبر هذه الممارسة جزءاً من الإعتقاد الديني والهويّة الثقافيّة، وهما أمران يصعب عامّة الفصل بينهما. ورفض هذا الإعتقاد الديني والهويّة الثقافيّة له عواقبه الإجتماعيّة الخطيرة. والحق في الحرّية الدينيّة وفي ممارسة العادات الثقافيّة هما حقان تعترف بها المواثيق الدوليّة والقوانين الوطنيّة نذكر منها في مجال الحرّية الدينيّة:
المادّة 18: لكل شخص حق في حرّية الفكر والوجدان والدين. ويشمل هذا الحق حرّيته في تغيير دينه أو معتقده، وحرّيته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.
المادّة 18: 1- لكل إنسان حق في حرّية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حرّيته في أن يدين بدين ما، وحرّيته في إعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحرّيته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.
2) لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحرّيته في أن يدين بدين ما، أو بحرّيته في إعتناق أي دين أو معتقد يختاره.
3) لا يجوز إخضاع حرّية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلاّ للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضروريّة لحماية السلامة العامّة أو النظام العام أو الصحّة العامّة أو الآداب العامّة أو حقوق الآخرين وحرّياتهم الأساسيّة.
المادّة 14: 1- تحترم الدول الأطراف حق الطفل في حرّية الفكر والوجدان والدين.
2- تحترم الدول الأطراف حقوق وواجبات الوالدين وكذلك، تبعاً للحالة، الأوصياء القانونيين عليه، في توجيه الطفل في ممارسة حقّه بطريقة تنسجم مع قدرات الطفل المتطوّرة.
3- لا يجوز أن يخضع الإجهار بالدين أو المعتقدات إلاّ للقيود التي ينص عليها القانون واللازمة لحماية السلامة العامّة أو النظام أو الصحّة أو الآداب العامّة أو الحقوق والحرّيات الأساسيّة للآخرين.
المادّة 46: تكفل الدولة حرّية العقيدة وحرّية ممارسة الشعائر الدينيّة.
ونذكر في مجال الحقوق الثقافيّة:
المادّة 26، فقرة 2: يجب أن يستهدف التعليم التنمية الكاملة لشخصيّة الإنسان وتعزيز إحترام حقوق الإنسان والحرّيات الأساسيّة، كما يجب أن يعزّز التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم وجميع الفئات العنصريّة أو الدينيّة، وأن يؤيّد الأنشطة التي تضطلع بها الأمم المتّحدة لحفظ السلام.
المادّة 27، فقرة 1: لكل شخص حق المشاركة الحرّة في حياة المجتمع الثقافيّة...
المادّة الأولى، فقرة 1: لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، وهي بمقتضى هذا الحق حرّة في تقرير مركزها السياسي وحرّة في السعي لتحقيق نمائها الإقتصادي والإجتماعي والثقافي.
المادّة 1: 1- تتعهّد الدول الأطراف باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويّته بما في ذلك جنسيته، واسمه، وصلاته العائليّة، على النحو الذي يقرّه القانون، وذلك دون تدخّل غير شرعي.
2- إذا حرم أي طفل بطريقة غير شرعيّة من بعض أو كل عناصر هويّته، تقدّم الدول الأطراف المساعدة والحماية المناسبتين من أجل الإسراع بإعادة إثبات هويّته.
المادّة 29، فقرة 1: توافق الدول الأطراف على أن يكون تعليم الطفل موجّهاً نحو:...
ج) تنمية إحترام ذوي الطفل وهويّته الثقافيّة ولغته وقيمه الخاصّة والقيم الوطنيّة للبلد الذي يعيش فيه الطفل والبلد الذي نشأ فيه في الأصل، والحضارات المختلفة عن حضارته.
المادّة 30: في الدول التي توجد فيها أقليّات أثنيّة أو دينيّة أو لغويّة أو أشخاص من السكّان الأصليين، لا يجوز حرمان الطفل المنتمي لتلك الأقليّات أو لأولئك السكّان من الحق في أن يتمتّع مع بقيّة أفراد المجموعة بثقافته أو الإجهار بدينه وممارسة شعائره أو إستعمال لغته.
رأينا سابقاً أنه تم السكوت عن ختان الذكور من قِبَل المشرّع الدولي والوطني والمنظّمات غير الحكوميّة لأنه ذُكِر في التوراة، على عكس ختان الإناث الذي أعتُبر جريمة في حق المرأة. ممّا يعني أنه تم التمييز بين ختان الذكور وختان الإناث لاعتبارات دينيّة. وهذا التمييز نجده في مواقف الأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال التي تدين ختان الإناث وترفض إجراءه لاعتبارات دينيّة وثقافيّة، بينما تسمح بختان الذكور لمثل تلك الإعتبارات. فقد جاء في تقريرها لعام 1999 حول ختان الذكور:
«على الأهل والأطبّاء واجب أخلاقي في محاولة تأمين المصلحة الفضلى للطفل وسعادته. ولكنّه ليس واضحاً ما هي المصلحة الفضلى لأي مريض. وفي حالات مثل قرار إجراء ختان على وليد، له فوائد ومخاطر محتملة وليس لسعادة الطفل المباشرة، على الأهل تقرير ما هي المصلحة الفضلى للطفل. وفي مجتمع متعدّد مثل الولايات المتّحدة حيث للأهل صلاحيّات كبيرة لتحديد تربية وخير الطفل الملائمين، يحق للأهل الأخذ بالإعتبار العادات الدينيّة والعرقيّة بالإضافة إلى العوامل الطبّية عند إختيارهم الختان. وعلى الأطبّاء الذين ينصحون الأهل بخصوص هذا القرار أن يساندوهم بتقديم شروحات حول الفوائد والمخاطر المحتملة للختان وللتأكّد من أنهم يفهمون بأن الختان عمليّة إختياريّة. ويجب على أصحاب المهن الطبّية أن لا يضغطوا على الأهل في إتّخاذ قرارهم».
ويرى «فريمان»، وهو أستاذ قانون يهودي في جامعة لندن، أن للطفل حق في الختان. فحرمان الطفل اليهودي والمسلم من هذا الحق هو «نسف لحقّه في الإنتماء الثقافي وإلى هويّة». وهو يبني هذا الحق على حق الشعوب في تقرير مصيرها كما جاء في الفقرة الأولى من المادّة الأولى من العهدين الدوليين السابقة الذكر. ويضيف هذا الأستاذ بأن للأهل الموافقة على ختان إبنهم القاصر إذا كان ذلك في «المصلحة الفضلى» للطفل التي تقاس ضمن محيطه الديني. وعلى القاضي الأخذ بالإعتبار فلسفة القانون المتعلّق بالأطفال والتي تؤكّد على سلامة واستقلال العائلة كبنية أساسيّة للمجتمع الحر والديمقراطي [90] . ولكنّه يستدرك قائلاً بأن ليس كل ممارسة دينيّة يمكن السماح بها بإسم التعدّد الثقافي. فهو يرفض ختان الإناث بسبب أضراره الكبيرة، بينما يؤيّد ختان الذكور لأن أضراره لا تذكر. والمشكلة مع ختان الذكور في نظر هذا الأستاذ تطرح فقط عندما يكون الطفل من أبوين مختلفي الدين. ففي هذه الحالة يحب وزن المصالح بالمضار. وبما أن مضار ختان الذكور ضئيلة، فإن على المحكمة السماح به، إلاّ إذا كان دين الشخص لا يعترف بانتمائه إليه كما هو الأمر مع الطفل الذي يلد من أم غير يهوديّة وأب يهودي. فهنا لا داع للسماح بختان الطفل. وهذا الأستاذ على كل حال يرفض إخضاع ختان الذكور لإذن القضاء لأنه عمليّة صغيرة وغير مؤلمة، وتجرى في بضع دقائق، ولا حاجة لإجرائها في المستشفى، ويمكن الرجوع عنها بشد الغلفة، كما أن ذلك مضيعة لوقت القضاء [91] .
وإزاء هذا الموقف المتحيّز لختان الذكور لأسباب دينيّة سياسيّة، هناك تيّار يهودي يرفض إجراءه لمجرّد وجود أمر بذلك في التوراة، معتمداً في ذلك على التعاليم الدينيّة اليهوديّة ذاتها. وقد بينّا سابقاً بالتفصيل أفكار هذا التيّار [92] . ونكتفي هنا بذكر رأي طبيبة يهوديّة.
تقول هذه الطبيبة بأن اليهوديّة، مثلها مثل جميع التقاليد الدينيّة، تتكوّن من عدّة طبقات. فرغم وجود أمر بالختان في التوراة، فإنه بالإمكان تبيين أن ختان الأطفال مخالف للأخلاق ويجب تركه. ففي اليهوديّة، كما في الإسلام، يعتبر الإنسان على صورة الله، والله كامل. ممّا يعني أن التدخّل في خليقة الله هو نوع من التجديف. وفي اليهوديّة هناك قاعدة حماية الجسد. فلا يسمح بالوشم والبتر لهذا السبب. وفي التلمود هناك وصيّة الرحمة نحو كل حي. وإذا ما طبّقنا هذه الرحمة فلن نقوم بختان أطفالنا.
وتذكر هذه الطبيبة قول كتاب «شلخان اروخ» بأنه يجب الحرص على عدم ختان طفل مريض لأن كل الوصايا تَبطل في حالة الخطر على الحياة. والختان يمكن فعله لاحقاً ولكن لا يمكن إرجاع الحياة من جديد. وهذه القاعدة مأخوذة من الآية: «لا تطالب بدم قريبك» (الأحبار 16:19). وختان طفل في يومه الثامن يؤدّي إلى مضاعفات. ويقول التلمود بأنه من الضروري إعطاء أهمّية أكبر للحياة والصحّة ممّا لحفظ الطقوس. ولذلك يسمح بنقض وصيّة السبت لعلاج مريض، رغم أن حفظ السبت هو من الوصايا العشر، بينما الختان ليس من تلك الوصايا. هذا وقد تطوّرت الشريعة اليهودي مع تطوّر العلم. واليوم، مع ما نعلمه حول مخاطر ختان الوليد، هناك من داخل اليهوديّة مطلب لتطوير الشريعة اليهوديّة بحيث يصبح ختان الوليد ممنوعاً وليس فريضة [93] .
ويشير محام إنكليزي معارض لختان الذكور إلى أن الختان ليس شرط للإنتماء الديني اليهودي أو الإسلامي. ولذا فإنه بالإمكان إرجاء الختان إلى أن يتمكّن الطفل من إعطاء موافقته كما يتم عند إجراء الوشم عليه. وعدم ختان الطفل لا يمثّل إثماً بالنسبة للطفل بل فقط للأب. وإن كان عدم الختان يعتبر إثماً بالنسبة للأب أو قد يحزنه، فإن إثم الأب أو حزنه لا يمكن إعتبارهما في تقرير مصلحة الطفل. ولذلك يجب ترك القرار للطفل عندما يكبر [94] .
وإذا ما أردنا أن نعطي أهمّية للإعتبارات الدينيّة والثقافيّة في قرار ختان الذكور، فإنه سيكون من واجبنا أيضاً، أخذاً بمبدأ عدم التمييز، أن نعطي أهمّية لمثل تلك الإعتبارات في قرار ختان الإناث. فقد سبق وذكرنا قول «جومو كينياتا» الذي يرى أن «عمليّة بتر البظر، مثلها مثل عمليّة الختان عند اليهود، هي عمليّة بتر جسديّة تمثّل شرطاً لا بد منه للحصول على تربية دينيّة وأخلاقيّة كاملة» في قبيلته [95] . كما ذكرنا في الجزء السابق رأي لعالمي طب نفس يهوديين يؤيّدان ختان الإناث لاعتبارات ثقافيّة دينيّة. ويطالب أحدهما نقل الصلاحيّات في مجال العائلة والدين وطقوس التدريب إلى الطوائف الدينيّة والسماح بوجود قوانين متعدّدة لتلك الطوائف.
رأينا عند عرضنا لموقف المجلس الأوروبي أن هذا المجلس يرفض الممارسات الدينيّة والثقافيّة التي تخالف حقوق الإنسان، بما في ذلك ختان الإناث، وأن حقوق الفرد التي لا يمكن التنازل عنها تعلوا على تلك الممارسات. ونشير هنا إلى إعلان المبادئ الخاص بالتسامح التي تبنّتها الدول الأعضاء في «اليونيسكو» في 16 نوفمبر 1995 والتي تقول في مادتها الأولى، الفقرة الثانية: «لا يحق في أي حال التذرّع بالتسامح لتبرير إنتهاكات قيم أساسيّة» [96] .
والمشرّع الدولي والوطني يرفض الإحتجاج بالدين لإجراء ختان الإناث. وهذا ظاهر من التعريف الذي أعطته منظّمة الصحّة العالميّة: «كل إجراء يتم فيه إزالة جزئيّة أو كلّية للأعضاء الجنسيّة الخارجيّة للإناث أو إيقاع أذى بتلك الأعضاء لأسباب ثقافيّة أو دينيّة أو أسباب أخرى غير طبّية».
كما أن الوثيقة العالميّة لحقوق الإنسان تقول في المادّة 30: «ليس في هذا الإعلان أي نص يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على تخويل أيّة دولة أو جماعة أو أي فرد، أي حق في القيام بأي نشاط أو أي فعل يهدف إلى هدم أي من الحقوق والحرّيات المنصوص عليها فيه». والمشرّع الدولي سمح بإخضاع حرّية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده «للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضروريّة لحماية السلامة العامّة أو النظام العام أو الصحّة العامّة أو الآداب العامّة أو حقوق الآخرين وحرّياتهم الأساسيّة»، كما جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة المادّة 18 الفقرة الثالثة. وقد جاء تأكيد لهذا المبدأ في المادّة 14 فقرة 3 من معاهدة حقوق الطفل. فلا يحق للأهل أن يفرضوا عليهم تصرّفات تخل بصحّتهم لأسباب دينيّة. وكما يقول حُكم أمريكي: «للأهل الحق في أن يختاروا الإستشهاد لأجل معتقدهم، ولكن لا يحق لهم فرض الإستشهاد على أطفالهم لأجل تلك المعتقدات» [97] .
وقد أشرنا سابقاً إلى إعلان جنيف الصادر عن الرابطة الطبّية العالميّة الذي يقول في إحدى فقراته: «لن أسمح أن تؤثّر على واجبي تجاه المريض إعتبارت العمر أو المرض أو الإعاقة أو المعتقد أو الأصل العرقي أو الجنس أو الجنسيّة أو التحزّب السياسي أو المستوى الإجتماعي». وهذا يعني بأنه لا يحق للطبيب إجراء ختان إلاّ إذا كان هناك سبب طبّي، مستثنياً الأسباب الثقافيّة والدينيّة.
وعليه فإنه في حالة تصادم معتقدات الأهل أو الجماعة مع مصلحة الطفل، يجب أن تعطى الأوّليّة لمصلحة الطفل. فليس كل ما تنص عليه الأديان أو الثقافات يتّفق مع مفهومنا اليوم لحقوق الإنسان. والقواعد الدينيّة قد تبقى نصوصها على ما هي ولكن المجتمع يجمّد مفعولها، كما هو الأمر مع قاعدة العين بالعين والسن بالسن التي جاءت في التوراة والقرآن. ولا أحد اليوم في الأوساط اليهوديّة والمسيحيّة يقبل بهذه القاعدة التي تنتمي إلى العصور الماضية. كما أن كثيراً من المسلمين قد تركوها. وهناك الكثير من القواعد الدينيّة المماثلة التي عفا عليها الزمن.
*والمشكلة الخطيرة في هذا الموضوع تكمن في رفض المشرّع الدولي والوطني والمنظّمات غير الحكوميّة تطبيق هذا المبدأ على ختان الذكور كما على ختان الإناث، دون تبرير لهذا التمييز بينهما. ونعيد القارئ لما ذكرناه أعلاه في هذا المجال.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن ختان الذكور هو دمغة دينيّة لا تزول، حتّى وإن أمكن التخفيف منها من خلال عمليّة إستعادة الغلفة. فالطفل المختون يتحمّل مدى الحياة خيار أهله الديني له. وإذا ما أراد الشخص مستقبلاً إعتناق مبادئ دينيّة غير ديانة والديه، فإنه يبقى رغم ذلك حاملاً علامة الدين القديم في جسده، تلك العلامة التي لم يخترها. فيكون الختان في الواقع هو تعدّي على حرّيته المستقبليّة في إختيار الديانة التي تتّفق مع ضميره [98] . صحيح أن الطفل هو إبن عائلة يهوديّة أو مسلمة، ولكن له الحق لاحقاً في تقرير الدين الذي يريد إتّباعه. وبتر الطفل يلغي حقّه في إختيار ما إذا يريد لاحقاً إتّباع دين والديه [99] .
وليس من العجب أن تمارس ختان الذكور الطائفة اليهوديّة والإسلاميّة. فما زالت هاتان الطائفتان تأخذان بمبدأ الحرّية الدينيّة بالمعنى القديم، أي بمبدأ حرّية الدخول دون حرّية الخروج. فتعتبر الردّة عن اليهوديّة والإسلام في أيّامنا من الجرائم التي يعاقب عليها إمّا بالموت أو بالحرمان من الحقوق الأساسيّة. وفرض الختان هو تعبير لهذا المفهوم. فهو علامة يراد منها إبقاء الشخص في الديانة. وقد رأينا كيف أن رجال الدين اليهود فد تشدّدوا في ختان الذكور حتّى يجعلوا محو علامة الختان تكاد تكون مستحيلة. ونتيجة لهذه النظرة التسلّطيّة، تعتبر هاتان الطائفتان نقد الختان الديني تعدّياً على الحرّية الدينيّة للطائفة. وهذا الموقف لا يختلف عن موقف أصحاب العبيد الذي كانوا يعتبرون حملة تحرير العبيد تعدّياً على ممتلكاتهم أو حتّى على معتقداتهم الدينيّة. ونضيف هنا أن منع ختان الإناث مع السماح بختان الذكور مع ما ينتج عن ذلك من مصادرة لحقّهم في تغيير دينهم هو في حقيقة الأمر مخالف لمبدأ عدم التمييز الجنسي في مجال الحرّية الدينيّة.
ونذكر في هذا المجال موقف أستاذة القانون الكنديّة «مارجريت سومرفيل» التي بدأت تتساءل حول مشروعيّة ختان الذكور الديني بعد أن سكتت عنه لمدّة سبع سنين تخوّفاً من إتّهامها بمعاداة اليهود والمسلمين [100] .
تشرح هذه الأستاذة بأن المجتمع الغربي قد تبنّى فكرة الفرديّة. إلاّ أنه من الواجب إحترام الأديان وعدم التعدّي على المعتقدات والعادات التي لا ننتمي لها، إلاّ إذا كان هناك سبب مهم لفعل ذلك. كما يجب الإعتراف بحق الفرد في الإنتماء إلى مجموعة دينيّة وبحق هذه المجموعة في تربية أطفالها حسب معتقداتها. إلاّ أنه من واجبنا أن نبقى منفتحين على تغيير العادات التقليديّة من خلال مبدأ عدم المضرّة [101] .
وترى هذه الأستاذة أنه يجب إستثناء الختان الديني من منع الختان. ويُعطى هذا الإستثناء فقط لمن يعتقد أن الختان جزء من معتقده الديني وليس هناك إمكانيّة أخرى لإتمام الواجبات الدينيّة دون إجراء الختان. وعلى كل حال يجب إحترام ما يلي:
- تخفيف الضرر على أكبر قدر ممكن من خلال إستعمال المخدّرات المناسبة. فليس مقبولاً إجراء الختان حتّى لأسباب دينيّة دون تخدير.
- إجراء الختان في الصورة التي فرضها الدين. فمن الواضح من الدراسات التاريخيّة أن الختان كان يجرى عند اليهود بصورة مبسّطة. فهل هذا يكفي لإتمام الواجب الديني؟
- الحصول على موافقة مستنيرة من كل من الوالدين.
وتتساءل هذه الأستاذة عمّا إذا كان ممكناً تأخير الختان حتّى يتمكّن الطفل من إعطاء رأيه بذاته. وهذا يطرح خاصّة عند المسلمين الذين يختنون في عمر متأخّر. والمشكلة هنا هو أن القانون لا يقبل موافقة من هو تحت سن البلوغ على إجراء العمليّات الجراحيّة غير الطبّية [102] .
ونشير هنا إلى أنه بعد تدخّل هذه الأستاذة في المؤتمر الخامس حول الختان الذي عقد عام 1998 في «أكسفورد» والذي كنت حاضراً فيه، إندفع طبيب يهودي إسرائيلي إلى المنصّة وطلب منها غاضباً بأي حق تسمح لأهله أن يتصرّفوا بأعضائه الجنسيّة؟ إن أعضاءه الجنسيّة ملكاً له وليس لأهله التصرّف بها بإسم الدين. وقد إستاء الكثيرون من خطابها لأننا لو فتحنا الباب لختان الذكور الديني، مراعاة لمشاعر اليهود والمسلمين، فيجب أيضاً فتحه مراعاة لمشاعر غيرهم، ليس فقط لختان الذكور بل أيضاً لعادات أخرى مثل ختان الإناث، وربّما نضطر أيضاً إلى تطبيق قاعدة العين بالعين والسن بالسن وقطع يد السارق ورجم الزاني وقتل المرتد. فهذه أيضاً قواعد دينيّة جماعيّة لا شك فيها.
وقد يكون هناك إعتراض على من يرفض حق الأهل في ختان أطفالهم. فالمسيحيّون أيضاً يقومون بتعميد أطفالهم. وهم يعتبرون العمّاد علامة روحيّة لا تمحى. ولكن مثل هذا الإعتقاد لا يمنع الشخص المعمّد من أن يترك ديانته دون أن يرى أحد عليه مثل هذه العلامة الوهميّة. ونشير هنا إلى أن أعداداً متزايدة من المسيحيّين في الغرب يرفضون تعميد أطفالهم إحتراماً لما قد يختارونه مستقبلاً من ديانة. فيتركون لهم حق القرار في أن يتعمّدوا أو لا يتعمّدوا عندما يبلغون. وتجدر الإشارة هنا إلى أن القانون السويسري يسمح للشخص في الخروج من ديانته أو تغييرها بعدما يصبح عمره 16 سنة.
وبديهياً يختلف الختان بقطع عضو سليم، عن العمّاد بصب الماء على رأس الطفل. فالكل منّا يحمّم إبنه. إلاّ أن بعض الطوائف تتّبع أسلوباً خاصاً لإتمام العمّاد يمكن إعتباره إنتهاكاً لحق الفرد، مثله مثل الختان. فقد حضرت عمّاد طفل عائلة فلسطينيّة مسيحيّة أرثوذكسيّة في سويسرا. وقد عرّى الكاهن الطفل أمام الجميع وغطّسه ثلاث مرّات في جرن الماء. وكان الطفل يصرخ بأعلى صوته بينما تعالت الزغاريت من أمّه وأقاربه. وقد أخبرتني أمّه أن الطفل أصيب بقلق في نومه لأكثر من شهر. ولا شك في أن هذا الأسلوب مخالف لأبسط قواعد الرأفة. وقد نصاب بالجزع لو قام أحد بمثل هذا التصرّف مع قط أو كلب، فكيف يمكننا أن نقبل بمثل هذا التصرّف على طفل لا يعي ما يتم عليه؟ ونحن نحث رجال الدين المسيحيّين أن يؤخّروا العمّاد إلى ما بعد البلوغ أو على الأقل الكف عن مثل هذه الممارسات الضارّة بالصحّة النفسيّة للطفل. ونحن على كل حال لا نعترض على إقامة حفلة ختان رمزية للطفل اليهودي أو المسلم إذا لم يتم فيها بتر قضيبه. فهذا لا نرى فيه مخالفة لمبدأ الحرّية الدينيّة. وللطفل عندما يكبر الحرّية في أن يجرى عمليّة الختان على نفسه بنفسه، بالطريقة التي يريدها. ونحن لا نسمح للطبيب بإجراء مثل تلك العمليّة حتّى على البالغين لأن ذلك قطع عضو سليم مخالف لأخلاق الطبيب. ولنا عودة لهذه النقطة لاحقاً.
وأقرب شيء من الختان هو الوشم كعلامة دينيّة. فالأقباط مثلاً يقومون برسم علامة الصليب على ذراع أطفالهم. ولا شك في أن هذا مخالف لمبدأ الحرّية الدينيّة إذا ما أجري على قاصر. وسنرى لاحقاً بأن التوراة وبعض الأحاديث النبويّة تمنع الوشم. وإن كانت القوانين الوضعيّة حتّى الآن لم تتعرّض له، إلاّ أن صانعي الوشم يتورّعون من إجرائه على القاصرين دون موافقة أهلهم لأن في ذلك تعدّ على سلامة جسدهم قد يقود إلى ملاحقات قضائيّة. ونحن نرى ضرورة منع هذه العادة على قاصر لأنها تشويه، ولا نسمح به على بالغ إلاّ إذا قام به بنفسه.
وهناك من يقول بأن الأهل يفرضون التعليم المدرسي على أطفالهم. فلماذا لا يمكنهم أيضاً فرض الختان عليهم؟ ولكن هناك فرق بين فرض التعليم، الذي سيساعدهم في المستقبل حتّى يكونوا أعضاءاً مساهمين في المجتمع. وعدم فرض التعليم على الأطفال سوف يؤدّي إلى كارثة جماعيّة. بينما تأخير الختان ليس فيه مثل تلك المضرّة على المجتمع، لا بل إن المضرّة في ممارسته في صغره إذ يعرّض الطفل لمخاطر صحّية. صحيح أن بعض المجتمعات تنظر لغير المختون نظرة سيئّة وأن هذا هو السبب وراء خضوع الأهل لختان أولادهم وبناتهم. ولكن هنا يجب التدخّل لفضح وتغيير عادات المجتمع وليس لبتر الأفراد.
هذا وإن كان للختان علاقة بالجماعات الدينيّة والثقافيّة التي تعتبره عنصر إنتماء، وترى في رفضه تعدّي عليها، فإن الختان هو أيضاً تعدّي على حقوق يعترف بها المشرّع الدولي والوطني، وخاصّة الحق في سلامة الجسد والحياة، والحق في العرض، والحق في حرمة الميّت، كما سنرى في النقاط التالية.
ختان الذكور والإناث هو تعدّ على سلامة الجسد ينتقص من وظائفه الطبيعيّة ويؤدّي إلى مضاعفات صحّية وفي بعض الأحيان إلى الموت، وله مضار نفسيّة وجنسيّة. وبهذا يكون مخالفاً للحق في سلامة الجسد والحياة.
الحق في سلامة الجسد والحياة هما من أهم حقوق الإنسان. وقوانين كل دول العالم، المتقدّمة والمتخلّفة منها، تعاقب التعدّي على هذين الحقين. وكان من البديهي أن يعترف المشرّع الدولي بهما. إلاّ أن الحق في سلامة الجسد لم يُذكر إلاّ في نصّين دوليين، هما المعاهدة الأمريكيّة لحقوق الإنسان، والعهد الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدان الدوليان لحقوق الإنسان، ومعاهدة حقوق الطفل، والمعاهدة الأوروبيّة لحقوق الإنسان خالية من هذا الحق. والغريب في الأمر أن هذا النقص الخطير يجهله حتّى أساتذة القانون ولا يعرفون له تفسيراً. وتبيّن الأعمال التحضيريّة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأنه تم إقتراح نص يتضمّن هذا الحق، ولكنّه أستبعد بحجّة أنه يدخل ضمن المادّة الثالثة التي تقول: «لكل فرد حق في الحياة وفي الأمان الشخصي» [103] . ويشار هنا إلى أن أهم شخصيّة لعبت دوراً في تحرير هذا الإعلان هو الأستاذ اليهودي «ريني كاسان»، ممثّل فرنسا. ونحن لا نستبعد أن يكون سبب السكوت الإعلان (والوثائق الأخرى) عن هذا الحق هو عدم الرغبة في المس بمعتقدات اليهود، خاصّة وأن هذا الإعلان قد جاء كرد فعل على الجرائم التي اقتُرفت في الحرب العالميّة الثانية ضدّهم. وقد رأينا أن سكوت المشرّع الدولي والمنظّمات غير الحكوميّة عن ختان الذكور تحكمه إعتبارات سياسيّة أهمّها الخوف من الإتّهام بمعاداة الساميّة.
ولم يكتفي المشرّع الدولي بالسكوت عن ختان الذكور، بل أيضاً حاول المباعدة بينه وبين ختان الإناث، بتغيير إسم هذا الأخير الذي أصبح «بتر الأعضاء الجنسيّة للإناث». ومؤيّدو ختان الذكور يرفضون إستعمال مثل هذا اللفظ للتعبير عن ختان الذكور. فهو في نظرهم ليس عمليّة «بتر». ممّا يعني أن ختان الذكور ليس تعدّي على سلامة الجسد. ومنهم من يشبّهه بقص الشعر والأظافر. وقد وصل الأمر إلى ترك الهيئات الطبّية، مثل الأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال، الخيار للأهل في إجراء هذه العمليّة أو عدمها، معتبرة هذه العمليّة «عمليّة إختياريّة». والذين يدينون ختان الذكور يحتجّون على إخراجه من مفهوم «البتر». فيلجأون للقواميس اللغويّة والطبّية لتعريف كلمة «بتر»، كما رأينا في الجزء الطبّي. ونشير هنا إلى أن مؤيّدي ختان الإناث يرفضون أيضاً إطلاق تعبير «بتر الأعضاء الجنسيّة» عليه رغم تمادي المشرّع الدولي في إستعماله.
وإن كان المشرّع الدولي قد سكت عن الحق في سلامة الجسد، باستثناء المعاهدة الأمريكيّة لحقوق الإنسان، والعهد الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، فإن هذا المشرّع قد أدان مباشرة ختان الإناث، دون التكلّم عن الحق في سلامة الجسد. وهناك دول تبنّت قوانين تدين هذا الختان بصورة صريحة. والدول التي لم تسن مثل هذه القوانين، تعتمد على القواعد العامّة المتعلّقة بالتعدّي على سلامة الجسد والحياة لإدانة ختان الإناث. إلاّ أن معارضي ختان الذكور يرون أن كلاًّ من ختان الذكور والإناث ينتهك عدداً من المواثيق الدوليّة وقواعد الأخلاق الطبّية التي، وإن لا تتكلّم عن الحق في سلامة الجسد بصورة مباشرة، فإنها تحمي الفرد من التعدّي على جسده. كما إنهم يطالبون تطبيق القواعد العامّة في قانون العقوبات المتعلّقة بالتعدّي على سلامة الجسد والحياة. وقد إعتبر بعض معارضي ختان الذكور أن هذه العمليّة في حقيقتها سرقة عضو من جسم الإنسان يدخل ضمن ملكه. وهذا مخالف لتحريم السرقة الذي نصت عليه التوراة (الخروج 13:20) والقوانين الوضعيّة في جميع دول العالم [104] .
ونذكر هنا بين النصوص الدوليّة التي ينتهكها ختان الذكور والإناث:
المادّة 3: لكل فرد حق في الحياة والحرّية وفي الأمان على شخصه.
المادّة 24: 1- تعترف الأطراف بحق الطفل في التمتّع بأعلى مستوى صحّي يمكن بلوغه [...]
3- تتّخذ الدول الأطراف جميع التدابير الفعّالة والملائمة بغية إلغاء الممارسات التقليديّة التي تضر بصحّة الأطفال.
المادّة 36: تحمي الدول الأطراف الطفل من سائر أشكال الإستغلال الضارّة بأي جانب من جوانب رفاه الطفل.
- على الطبيب في كل تصرّفاته الطبّية أن يهتم في تقديم خدمة صحّية بكل إستقلاليّة فنّية وأخلاقيّة، برحمة واحترام للكرامة الإنسانيّة.
- على الطبيب أن يتصرّف فقط آخذاً بالإعتبار مصلحة المريض عندما يقوم بتقديم رعاية صحّية قد يكون من آثارها إضعاف الحالة الصحّية أو العقليّة للمريض.
وتقول الفقرة الخامسة من «الميثاق من أجل الأطفال في المستشفى»: «يجب حماية كل طفل من علاج أو كشف طبّي غير ضروري».
وإن كان من الواضح أنه لا يحق التعدّي على سلامة جسد الغير إلاّ ضمن شروط الإباحة، كما سنرى لاحقاً، يبقى السؤال عمّا إذا كان يحق للفرد التعدّي على سلامة جسده بذاته ببتر أحد أعضائه.
ترفض القواعد الدينيّة مثل هذا التعدّي. فالتوراة تمنع الوشم وتخديش أو تجريح الشخص جسده (تثنية 1:14). وتمنع التعاليم الدينيّة اليهوديّة والمسيحيّة الخصي من الوصول إلى الدرجات الكهنوتية. وتمنع التعاليم الدينيّة الإسلاميّة الوشم وبتر الإنسان عضو سليم من جسمه لأنه لا يملك حق التصرّف فيه. ويستنتج هذا المنع من عدّة آيات قرآنيّة نذكر منها «قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله» (الأنعام 12:6)؛ «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» (البقرة 195:2). وقد أوجب الله القصاص لحفظ الأعضاء (أنظر البقرة 178:2). ولا يجوز إتلاف النفس المعصومة إلاّ بالحق: «ولا تقتلوا أنفسكم» (النساء 25:4) «ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلاّ بالحق» (الإسراء 33:17). ولكنّنا رأينا أن هذه التعاليم الدينيّة تبيح الختان، لا بل تفرضه على أتباعها، حسب رأي الأكثريّة. ممّا يعتبر تناقضاً في مبادئها. وقد حاول معارضو الختان إستغلال هذا التناقض لقضيتهم.
والمشرّع الدولي لم يتعرّض لبتر الشخص نفسه، وليس كل الدول تعاقب عليه. ولم نجد أي ذكر صريح في هذه القوانين فيما يخص ممارسة الشخص، ذكراً كان أو أنثى، الختان على نفسه إلاّ في القانون السوداني الصادر في فبراير 1946 إذ تقول الفقرة الثانية من المادّة (284 أ) من قانون العقوبات
كل من يقترف ختاناً غير قانوني يعاقب بالسجن لمدّة قد تصل إلى خمس سنوات وبالغرامة أو بكليهما.
توضيح: المرأة التي تجري هذه العمليّة على نفسها تعتبر مقترفة لهذا الجرم [105]
وبطبيعة الحال، يبقى الوازع الإجتماعي الذي قد يقر بمثل هذه التصرّفات أو يدينها بحسب الخلفيّات الثقافيّة والدينيّة للمجتمع. ففي الهند مثلاً هناك من يقوم بجب مذاكيره تعبّداً ولممارسة الشذوذ الجنسي في المعابد. وفيلسوفنا الرازي أدان مثل هذه التصرّفات التي يقوم فيها الفرد بتأليم نفسه [106] .
تمنع نصوص دوليّة كثيرة التعسّف والتعذيب، وخاصّة تجاه الأطفال نذكر منها:
المادّة 5: لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسيّة أو اللاإنسانيّة أو الحاطّة بالكرامة.
المادّة 7: لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسيّة أو اللاإنسانيّة أو الحاطّة بالكرامة. وعلى وجه الخصوص، لا يجوز إجراء أيّة تجربة طبّية أو علميّة على أحد دون رضاه الحر.
المادّة 16: 1- لا يجوز أن يجري أي تعرّض تعسّفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصّة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أي مساس غير قانوني بشرفه وسمعته.
2) للطفل الحق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرّض أو المساس.
المادّة 37: تكفل الدول الأطراف:
أ) ألاّ يتعرّض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسيّة أو اللاإنسانيّة أو المهينة [...]
المادّة 1: 1- لأغراض هذه الإتّفاقيّة، يقصد «بالتعذيب» أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديّاً كان أو عقليّاً، يلحق بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على إعتراف، أو معاقبته على فعل إرتكبه أو يشتبه في أنه إرتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث - أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيّاً كان نوعه، أو يحرّض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظّف رسمي أو أي شخص آخر يتصرّف بصفته الرسميّة، ولا يتضمّن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونيّة أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضيّة لها.
المادّة 2: 1- لا يجوز التذرّع بالأوامر الصادرة من موظّفين أعلى مرتّبة أو عن سلطة عامّة كمبرّر للتعذيب.
وهذه المادّة تنطبق أيضاً على من يتذرّع بالأوامر الدينيّة لممارسة التعذيب على ضحاياه، كما هو الأمر مع ختان الذكور والإناث.
وهناك أيضاً مبادئ آداب مهنة الطب المتّصلة بدور الموظّفين الصحّيين، ولا سيما الأطبّاء، في حماية المسجونين والمحتجزين من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسيّة أو اللاإنسانيّة أو المهينة، والتي تم إعتمدتها الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة عام 1982. وهذه المبادئ تنطبق بصورة أولى على غير المسجونين، وخاصّة الأطفال.
بالإضافة إلى هذه القواعد الدوليّة، هناك قواعد أخلاقيّة سنت عليها الرابطة الطبّية العالميّة في قرارها المعرف بقرار طوكيو لعام 1975 والذي يقول بأن على الطبيب، حتّى تحت طائلة التهديد، رفض المشاركة في عمليّات التعذيب أو المعاملة السيّئة والغير إنسانيّة لمرضاه مهما كانت معتقدات هؤلاء المرضى وفي كل الأوضاع بما فيها الحروب. كما أنه عليه أن يرفض حضوره مثل هذه العمليّات والمعاملة السيّئة واللاإنسانيّة. ومُهمّة الطبيب تكمن في مساعدة أخيه الإنسان لتخفيف آلامه بكل إستقلاليّة دون إعتبار شخصي أو جماعي أو سياسي.
ختان الذكور والإناث هو إنتهاك لسلامة الجسد يصاحبه ألم ويتم خلاله إستعمال العنف للسيطرة على المختون. ولو أن ذلك يتم على بالغ دون موافقته، فإنه لا شك يعتبر تعسّفاً وتعذيباً. أمّا ختان الأطفال، فإنه يتم يومياً دون أن يثير إهتمام المشرّع أو العامّة. والمشكلة مع ختان الذكور تكمن في أنه يتم على أيدي أشخاص يُظن فيهم أنهم يتصرّفون للصالح العام، وهم الأهل والأطبّاء ورجال الدين. فالتصدّي للختان واعتباره سوء معاملة وتعذيباً يعني إتّهامهم بالشر بدلاً من الخير. وقد رأينا في الجدل الطبّي بأن مؤيّديه ينفون أن الختان يحدث ألماً ما، كما إنهم يحاولون تقديم أنفسهم بأنهم يفعلون ذلك لصالح الطفل.
يقول أستاذ قانون يهودي بأن ختان الذكور ليس سوء معاملة، فهو عمليّة بسيطة دون خطر أو ضرر، بينما سوء المعاملة تتضمّن إحداث ضرر هام. وما يعتبر سوء معاملة في محيط قد لا يكون كذلك في محيط آخر. والمحيط يتضمّن الثقافة. فمن غير المعقول أن ينتظر من اليهودي عدم ختان إبنه. لا بل إن رفض اليهودي والمسلم ختان إبنه هو سوء معاملة لأن الطفل سوف يتعرّض لضرر كبير بسبب عدم ختانه. وبدلاً من إعتبار الختان تعسّف ضد الطفل، يرى هذا الأستاذ أن للطفل المسلم واليهودي الحق في الختان. وأنه يجب النظر فيما قد يكون موقف الطفل عندما يكبر. وأكثر المسلمين واليهود راضين عن ختانهم وهم يعتبرون إنتماءهم وثقافتهم أهم من الألم الذي تعرّضوا له في وقت لا يدرون عنه. والمادّة الثامنة من معاهدة حقوق الطفل تقول: «تتعهّد الدول الأطراف باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويّته». ورفض الختان للطفل هو نسف للهويّة الدينيّة والثقافيّة للطفل [107] .
ونفس هذا المنطق نجده عند مؤيّدي ختان الإناث، حتّى في أشد صوره. فهم يرون فيه عمليّة محبّة وتفاني نحو البنت. والمثل العربي العامّي يقول: «ضرب الحبيب إزبيب واحجارته قطين». فالأهل الذين يقومون بتلك العمليّة على فتياتهم يعرفون أن ذلك يؤلم، ولكن قصدهم ليس التأليم، بل تزويد الفتاة بوسائل تضمن نجاحها في الحياة، وخاصّة حتّى تتمكّن من الزواج. ونظرة الأهل هذه يشارك فيها المجتمع ككل. لا بل إن حرمان البنت من الختان يعتبر في نظر العائلة والمجتمع تفريطاً في مصلحتها وإهمالاً من قِبَل الأهل. فهنا العمليّة لا تأتي من فرد خارجي أو من حكومة بل من داخل البيت ومن داخل المجتمع [108] .
ونشير هنا إلى أن المشرّع الأمريكي قد إنضم إلى جوقة مؤيّدي ختان الذكور، دون ختان الإناث الذي يحرّمه. فقوانين بعض المقاطعات الأمريكيّة التي تمنع التعسّف الطقسي، تستثني من ذلك ختان الذكور الطقسي [109] . ويعتمد مؤيّدو ختان الذكور المسلمون في نفي التعسّف على الشريعة الإسلاميّة التي تبيح، لا بل تفرض ختان الذكور حسب رأيهم. وهم يذكرون في هذا المجال نص المادّة 7 من قانون العقوبات المصري الذي يُخرج من دائرة التجريم والعقاب «الحقوق الشخصيّة المقرّرة في الشريعة الإسلاميّة الغرّاء»، والمادّة 60 التي تمنع سريانه «على كل فعل أرتكب بنيّة سليمة عملاً بحق مقرّر بمقتضى الشريعة»، والمادّة 4 من القانون المدني التي تقول: «من إستعمل حقاً إستعمالاً مشروعاً لا يكون مسؤولاً عمّا ينشأ من ذلك من ضرر»، والمادّة الثانية من الدستور المصري التي تقول بأن مبادئ الشريعة الإسلاميّة هي المصدر الرئيسي للقانون. وهذا يعني بأنه لا يمكن إعتبار ختان الإناث تعسّفاً أو تعذيباً ما دام أن الشريعة تبيحه، على شرط أن يتم حسب الحديث النبوي: «أشمّي ولا تُنهِكي» [110] . ويرفض معارضو ختان الإناث المسلمون اللجوء إلى هذه المواد لنفي التجريم والعقاب عنه ما دام أن الشريعة لم تبحه [111] .
والمشرّع الوطني في الدول الغربيّة أدان ختان الإناث. وقد إعتبره المشرّع البريطاني تعسّف ضد الأطفال. وعلى هذا الأساس تم منعه في ذاك البلد عام 1985. ونجد نفس الأمر في الولايات المتّحدة. وإذا إنتقلنا إلى موقف المشرّع الدولي، فقد إعتبرت لجنة حقوق الإنسان في قرارها رقم 1996/49 ختان الإناث عنفاً واقعاً على النساء وطالبت الدول بما يلي:
- إدانة العنف ضد النساء وعدم التذرّع بالعادات والتقاليد أو الممارسات بإسم الدين لعدم الوفاء بالتزاماتها للقضاء على مثل هذا العنف.
- سن القوانين وتطبيقها لحماية الفتيات من جميع أنواع العنف، بما في ذلك قتل الفتيات واختيار الجنس قَبل الولادة وختان الإناث والعلاقة الجنسيّة بين المحارم والإنتهاك الجنسي والإستغلال الجنسي واستعمال الأطفال في الدعارة والخلاعة.
ووضع الفقرة الأخيرة ختان الإناث سويّة مع إستعمال الأطفال في الدعارة والخلاعة يعطي فكرة واضحة عن الإدانة القطعيّة لختان الإناث من قِبَل المشرّع الدولي.
كما أصدرت اللجنة الفرعيّة الخاصّة بالوقاية ضد التمييز وحماية الأقليّات القرار رقم 1997/8 حول العادات التقليديّة الضارّة بصحّة النساء والأطفال. وقد أشار هذا القرار في ديباجته أن ختان الإناث هو ممارسة ثقافيّة ذات أثر سلبي عميق على الصحّة العقليّة والنفسيّة للفتيات والنساء. ويذكر في هذا المجال المادّة 5 من وثيقة حقوق الإنسان والمادّة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة السابقتا الذكر لتطلب من الدول إتّخاذ الإجراءات الضروريّة للقضاء على هذه الممارسة.
وتعتبر رئيسة اللجنة الإفريقيّة أن ختان الإناث هو «أبشع أنواع التعذيب الجسدي الواقع على النساء» [112] .
ويسكت المشرّع الدولي واللجنة الإفريقيّة تماماً عن ختان الذكور، ممّا يعني أنهما لا يعتبرانه تعسّفاً وتعذيباً كما هو الأمر مع ختان الإناث. وهذا ما يثير غضب معارضي ختان الذكور الذين يرون في سكوت المشرّع الدولي تمييزاً لا مبرّر له ضد الذكور. فهم يعتبرون ختان الذكور أيضاً عمليّة تعذيب.
يقول العالم «أشلي مونتاجو» إن إمتهان الأطفال أصبح أمراً متعارف عليه في الولايات المتّحدة كنوع من الأمراض النفسيّة الواسعة الإنتشار. وعليه فمن السهل الإعتراف بأن ختان الذكور هو نوع من التعسّف ضد الأطفال [113] .
ويقول «سفوبودا» بأنه من غير الممكن لأحد شَهِد عمليّة ختان أن ينكر بأنها عمليّة تعذيب. وهو يرى أن الدول التي تسمح بالختان وتدفع لإجرائه ولا تعاقب عليه تخرق المعاهدة التي تمنع التعذيب [114] .
ويرى فرع برمودا لمنظّمة العفو الدوليّة أن الختان هو نوع من التعذيب. وهو يعتمد على ما جاء في التقارير الخاصّة بالجرائم التي أقترفت في الحرب في يوغسلافيا والتي تبيّن اللجوء إلى التعدّي على الأعضاء الجنسيّة للأسرى والمعتقلين مثل الإغتصاب والخصي والختان [115] . فقد جاء في التقرير الرابع تحت عنوان «تعذيب السجناء»، أغسطس - سبتمبر 1992:
«لقد أمضى جرّاح من الولايات المتّحدة أسبوعين في البوسنا والهرسك في نهاية شهر أغسطس وبداية شهر سبتمبر 1992 لإجراء عمليّات علاجيّة للمسالك البوليّة. وقد وجد هذا الطبيب أن مسلمين ومجاهدين لجيوش غير نظاميّة، بعضهم من أفغانستان والسعوديّة، قد أجروا بصورة روتينيّة عمليّات ختان وحشيّة ومشوّهة دون سبب طبّي للجنود الصربيين من بوسنا. وقد عالج جندي صربي من البوسنا كان قد ختن بصورة همجيّة، ممّا تطلّب بتر عضوه بأكمله».
وقد طالب مجلس الأمن الأمين العام لمنظّمة الأمم المتّحدة إنشاء لجنة خبراء لإجراء بحوث وتقارير حول إنتهاكات القانون الدولي الإنساني في يوغسلافيا. وقد جاء في القرار النهائي أن هناك «قواعد مبدئيّة للإنسانيّة يجب الإعتراف بها في جميع الأحوال» وتنطبق على «جميع الظروف»، «ولا يمكن ربطها فقط بالجرائم التي تقترف ضد السلام أو جرائم الحرب». وهذه الجرائم تتضمّن «العنف ضد الحياة والأشخاص، وخاصّة القتل بجميع أنواعه، والبتر، والمعاملة السيّئة والتعذيب، وأخذ الرهائن وانتهاك كرامة الإنسان، وخاصّة التصرّفات المهينة والحاطّة»
وقد ذكر هذا التقرير: «إن الإغتصاب والتعدّيات الجنسيّة الأخرى» تعتبر «تعذيب ومعاملة غير إنسانيّة» تؤدّي إلى «ألم كبير وضرر خطير للجسد والصحّة». وقد فصّل هذا التقرير التعدّيات الجنسيّة والتعسّف ضد الرجال كما يلي: «هناك حالات إنتهاك جنسي لرجال وخصي وبتر لأعضائهم الجنسيّة. لقد تعرّض الرجال أيضاً لتعدّ جنسي. فقد أجبروا على إغتصاب نساء وممارسة الجنس مع الحرّاس أو مع بعضهم البعض. وقد أخضعوا أيضاً للخصي والختان وأنواع أخرى من البتر الجنسي».
ونشير هنا إلى أن الأطبّاء المؤيّدين لختان الذكور قد قاموا بدعاية لتلك العمليّة في الدول الأوروبيّة. فقد كتب الطبيب «شوين» مقالاً عام 1991 يدعو فيه دول شمال أوروبا بإدخال ختان الذكور [116] . وقد رد عليه إثنان من كبار أطبّاء الأطفال السويديين اللذان إعتبرا الختان مخالفاً لحقوق الإنسان. وقد أوضحا بأن اللجنة الأخلاقيّة للتجارب على الحيوانات لن تسمح أبداً بمثل ذلك الإجراء على الحيوانات دون تخدير. ولذلك من الصعب للدول الأوروبيّة قبول ذلك الإجراء على الأطفال [117] .
تمنع الشريعة الإسلاميّة حتّى مجرّد النظر إلى العورة. فلا يسمح بالكشف عنها إلاّ في حالات الضرورة، ومنها المداواة. ويعتمد الفقهاء في ذلك على الآية: «قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلاّ ما ظهر منها» (النور 30:24-31)، وعلى الآية: «يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً» (الأعراف 26:7). وقد جاء منع التعدّي على العرض في النصوص الدوليّة. فالمادّة 34 من معاهدة الطفل على سبيل المثال تقول:
تتعهّد الدول الأطراف بحماية الطفل من جميع أشكال الإستغلال الجنسي والإنتهاك الجنسي. ولهذه الأغراض تتّخذ الدول الأطراف، بوجه خاص، جميع التدابير الملائمة الوطنيّة والثنائيّة والمتعدّدة الأطراف لمنع:
أ) حمل أو إكراه الطفل على تعاطي أي نشاط جنسي غير مشروع؛
ب) الإستخدام الإستغلالي للأطفال في الدعارة أو غيرها من الممارسات الجنسيّة غير المشروعة؛
ج) الإستخدام الإستغلالي للأطفال في العروض والمواد الداعرة.
وقد جاء في التقرير النهائي للجنة خبراء الأمم المتّحدة الخاص بيوغوسلافيا بناء على قرار مجلس الأمن 780 (1992) حول الإغتصاب والإعتداء الجنسي:
«إن الإغتصاب وأنواع التعدّي الجنسي الأخرى لا تضر فقط بجسد الضحيّة. إن الضرر الأكثر أهمّية هو الشعور بفقدان تام للمراقبة على القرارات الأكثر خصوصيّة وشخصيّة والوظائف الجسديّة. إن فقدان المراقبة هذا هو خرق للكرامة الإنسانيّة للضحيّة».
هذا وجميع القوانين في العالم تعاقب على هتك العرض، أي التعدّي على جزء من جسم المجني عليه يعد من العورات التي يحرص على صونها أو حجبها عن الأنظار، ولو لم يقترف فعلاً مادّياً آخر من أفعال الفحشاء لما في هذا الفعل من خدش لعاطفة الحياء العرضي للمجني عليه من ناحية المساس بتلك العورات التي لا يجوز العبث بحرمتها.
وإذا ما إنتقلنا إلى تطبيق هذه القواعد على ختان الذكور والإناث فإنه من دون شك تعدّي على العرض لأنه يمس بالأعضاء الجنسيّة. ورجل الدين أو الطبيب أو الحلاّق أو الداية يقومون ليس فقط بملامسة الأعضاء الجنسيّة للطفل، ذكراً كان أو أنثى، بل أيضاً ببترها. وعند اليهود تطلب القواعد الدينيّة من الموهيل مص قضيب الطفل عدّة مرّات. كل هذا تحت غطاء الطب أو الدين، دون أن يكون هناك سبباً طبّياً لمثل هذه العمليّة. وكما أن هناك أطبّاء يغتصبون نساء يتردّدن على عياداتهم أو يقومون ببعض التصرّفات المشينة معهن، برضاهن أو غير رضاهن، هناك أيضاً أطبّاء يتلذّذون في تأليم مرضاهم من الأطفال. فمنهم من لا يتورّع من التعليقات المنافية للأخلاق بينما يقومون بالختان أمام الممرّضات [118] . وهناك مجموعات مؤيّدة لختان الذكور تنظر إلى الختان بعين سادومازوشيّة وتقر أن من بين أعضائها أطبّاء. وتحت غطاء النصيحة الطبّية تقوم تلك المجموعات بالبحث عن مراهقين لكي تختنهم. وهناك روايات عن أطبّاء يثارون جنسيّاً عند ممارستهم للختان [119] .
ومن غير المستبعد أن يكون وراء ختان الأطفال دون تخدير إعتبارات ساديّة. فمن المعروف أن اللذّة الجنسيّة تكون أشد إذا تمّت على شخص حي ممّا على شخص فاقد الشعور أو ميّت. فمن مكوّنات اللذّة الجنسيّة السيطرة على الغير. والطبيب هو شخص مثل غيره، معرّض لعمل الخير والشر. وقد يفقد إحساسه بألم مريضه إمّا لحالة نفسيّة مريضة، أو بسبب وصوله إلى نشوة اللذّة الجنسيّة، أو بسبب الإعتياد على إجراء عمليّة الختان. ففي الختان يقوم الطبيب بربط الطفل ويكشف عن جسمه ويمساك بقضيبه فيشدّه ثم يمسك سكّينا فيقطع غلفته. كل هذا والطفل يصيح بأعلى صوته دون أن يشعر الطبيب بالضيق، أو بالرحمة نحو الطفل، أو أن يحاول تخفيف ألمه. وكثيراً ما يقوم الطبيب بتلك العمليّة على عدّة أطفال بالتوالي. وبطبيعة الحال لا ينسى تسجيل عدد ضحاياه في آخر عمله حتّى يحاسب عليهم في آخر الشهر.
هناك إذاً آلاف من الأطفال الذكور والإناث تنتهك أعراضهم يومياً في عمليّة الختان دون أن يثير هذا رد فعل من المشرّع أو القضاء أو المفكّرين أو العامّة. إلاّ أن بعض التحوّل بدأ فيما يخص ختان الإناث. فمعارضو ختان الإناث يحاولون كسر الهالة الدينيّة التي تحيط به معتبرينه جريمة إنتهاك للعرض يجب أن يعاقب عليها القانون. تقول الدكتورة سهام عبد السلام:
«يقسم الطبيب في البند الثالث على ما يلي: «أن أحفظ للناس كرامتهم، وأستر عوراتهم». أي حفظ لكرامة الفتاة في إنتهاك سلامتها البدنيّة وأنوثتها السويّة بناء على رغبة ولي أمرها؟ وهل يعتبر الطبيب في هذه الحالة ساتراً لعورتها أم هاتكاً لعرضها» [120] .
ونشير هنا إلى أن الفقهاء المسلمين يعتبرون الختان أمراً موجباً للنظر إلى العورة. إلاّ أن بعضهم قد شدّد في ذلك. فإذا تم الختان في الصغر والطفل لم يبلغ السابعة، فلا حرمة في النظر إلى عورته. أمّا إذا بلغ الشخص دون ختان، فالأصل هو أن يختن الرجل نفسه إن كان يحسن ذلك ولا يخشى عليه التلف. فإن كان لا يحسن الختان ختنه رجل مثله والأنثى يخفضها أنثى مثلها. وبعض الفقهاء رأى أن الختان يسقط في البالغ إذا لم يتمكّن من ختان نفسه لأنه لا يحق له كشف عورته [121] .
ونشير هنا إلى أن الفقه في مصر يدخل الختان ضمن هتك العرض لأنه يتم فيه كشف العورة دون سبب طبّي. وهنا يستوي كل من ختان الذكور والإناث. فيذكر جميل عبد الباقي الصغير أن نيابة الدرب الأبيض عام 1994 أسندت إلى المتّهمين الأول والثاني في واقعة ختان تهمة هتك العرض لأنهما قاما بإجراء جراحة للمجنى عليها في حضور باقي المتّهمين وكشفا عن موضع العفّة لديها، علاوة على ملامستهما له، الأمر الذي يتحقّق به الركن المادّي لجريمة هتك العرض. كذلك أحالت عام 1995 نيابة شمال الجيزة الكلّية ممرّضاً في واقعة ختان ذكر إلى محكمة الجنايات بتهمة هتك عرض المجنى عليه الذي لم يبلغ سنّه سبع سنين كاملة لأنه خلع عنه سرواله وكشف عن عورته [122] .
الجثّة مكان تقديس وخوف. والعبث بالجثّة يعتبر إفراغه من كل معنى والقصد منه محو الشخص. وهناك من يربط جثّة الميّت وراء عربة ويجرّها في الشوارع أو يعطيها طعاماً للحيوانات لتفترسه إهانة لشخص الميّت وإمعاناً في إحتقاره. ونحن نجد مثل ذلك الإحتقار نحو الموتى في التوراة (2 المكابيين 30:15-35). وتذكر التوراة كيف أن الملك شاول قد طلب من داود مهراً لابنته ميكال «مائة غلفة من الفلسطينيين إنتقاماً من أعداء الملك». وقد قام داود بقتل مائتي فلسطيني وجاء بغلفهم (قضيبهم) فسلّمت بتمامها إلى الملك ليصاهره (1 صموئيل 6:18-28).
هذا وقد قام المشرّع في جميع دول العالم بمعاقبة التعدّي على جثّة الميّت أو قبره. تقول المادّة 160 من قانون العقوبات المصري: «يعاقب بالحبس مدّة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تتجاوز الخمسين جنيهاً مصريا [...] كل من إنتهك حرمة القبور أو الجبّايات أو داسها». وتنص المادّة 262 من قانون العقوبات السويسري على عقوبة السجن أو الغرامة لمن يقوم بتدنيس أو إهانة جثّة إنسان علناً.
وقد رأينا أن رجال الدين اليهود يقومون بختان من يتوفّى غير مختوناً في طائفتهم، قَبل دفنهم. وقد أحدث هذا ضجّة في إسرائيل، حتّى داخل الكنيست. إلاّ أن رجال الدين يمعنون في إجرائهم مهدّدين من لا يُختن بعدم دفنه في مقابر اليهود [123] . وهناك بعض الفقهاء المسلمين الذين يرون أيضاً ختان المسلم الذي يموت غير مختوناً، وقد يكون ذلك نقلاً عن اليهود [124] . ومثل هذا التصرّف في حقيقته هو إنتهاك لحرمة الأموات. فحتّى وإن تسكت القوانين الوضعيّة عنه، فإن مثل هذه الأفعال تدينها مكارم الأخلاق، وعلى أصحاب النخوة من المفكّرين التصدّي لها وتأليب الرأي العام ضدّها.
رأينا أن المشرّع يمنع التعدّي على سلامة جسد الغير وعرضه. إلاّ أنه يبيح مثل هذا التعدّي في حالات محدّدة تختلف من مجتمع إلى آخر. فقد أعطت المجتمعات القديمة لرب العائلة حق الحياة والموت على زوجته وأبنائه وعبيده. وعرفت الحضارة الشرقيّة القديمة المحارق البشريّة للآلهة، كما تدل على ذلك محاولة إبراهيم تقديم إبنه محرقة إرضاءاً ليهوه. وكان العرب يمارسون عادة وأد البنات. وتدخّل المشرّع لجعل التصرّفات البشريّة أكثر إنسانيّة وأقل تعسّفاً. فحد المشرّع الروماني من سلطة رب العائلة على زوجته وأولاده كما منع الخصي. وألغى المشرّع العربي قَبل الإسلام وأد البنات، وأكّد على ذلك القرآن: «وإذا الموءودة سئلت، بأي حق قتلت» (التكوير 8:81). إلاّ أن ممارسة الختان ما زالت مستمرّة حتّى يومنا هذا إرضاءاً للآلهة ومن يقوم مقامهم. فقد فشلت في القرن التاسع عشر محاولة للقضاء على هذه العادة بفعل تآمر رجال الدين مع رجال الطب الذين نجحوا في توسيع نطاقها إلى غير اليهود وغير المسلمين، مضيفين إليها ختان الإناث. وإن كان ختان الإناث يلاقي اليوم حملة معادية شديدة، فأن الأطبّاء يتحجّجون بأن ختان الذكور (وأيضاً ختان الإناث عند بعضهم) يدخل ضمن الإباحة الطبّية، مثله مثل العمليّات الجراحيّة الأخرى. إلاّ أن الإباحة الطبّية تتطلّب إجتماع ثلاثة شروط هي: وجود ضرورة طبّية، وموافقة المريض أو وليّه في حدود القانون، وإذن ممارسة المهنة الطبّية ضمن أصولها. وهذه الشروط لا تجتمع في ختان الذكور أو الإناث إلاّ نادراً كما سنرى في هذا الفصل.
حتّى تعتبر العمليّات الجراحيّة ضروريّة، ومن ثم مباحة، يجب
- أن يكون هناك حاجة لهذه العمليّة، إمّا وقائيّة أو علاجيّة. فإذا إنتفت الحاجة، كانت الجراحة الطبّية غير جائزة عملاً بالقاعدة الفقهيّة «ما جاز لعذر بطل بزواله».
- أن تكون فائدتها تربو على ضررها، عملاً بالقاعدة الفقهيّة: «إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما بارتكاب أخفهما». وفي هذا المعنى يشترط إبن قيّم الجوزيّة في تدخّل الطبيب «أن لا يكون قصده إزالة العِلّة فقط، بل إزالتها على وجه يأمن معه حدوث أصعب منها. فمتى كان إزالتها يؤدّي معها حدوث عِلّة أخرى أصعب منها، أبقاها على حالها، وتلطيفها هو الواجب» [125] .
- أن لا يكون هناك بديل أخف من العمليّة الجراحيّة. وفي هذا المعنى يقول إبن قيّم الجوزيّة: «ومن حذق الطبيب أنه حيث أمكن التدبير الأسهل، فلا يعدل إلى الأصعب، ويتدرّج من الأضعف إلى الأقوى، إلاّ أن يخاف فوت القوّة فيحنئذ يجب أن يبتدئ بالأقوى» [126] . وقد ذكرنا في الجزء الطبّي رأي الطبيب العربي الزهراوي في نفس المعنى.
- أن يكون الهدف من العمليّة علاج المرض أو الوقاية منه. فلا يحق للطبيب التدخّل بهدف إنتهاك عرض المريض.
وحقيقة الأمر أن الأكثريّة الساحقة من عمليّات ختان الذكور والإناث تجرى لأسباب دينيّة وثقافيّة، دون سبب طبّي. فهي تتم على عضو سليم، وليس فيها أيّة فائدة علاجيّة أو وقائيّة، وحتّى في حالات الإصابة بمرض ما، مثل ضيق الغلفة، فإنه يمكن علاج هذا الداء بدواء أخف من العمليّة. ولهذه العمليّة مخاطر تعلوا على فوائدها التي يتذرّع بها كثير من رجال الطب لتبرير تدخّلهم. وهذه الحجج يتناقلها رجال الدين ويحاولون الترويج لها بين العامّة دعماً لوجهة نظرهم الدينيّة. ممّا يثبت وجود مؤامرة «موضوعيّة» بين رجال الدين ورجال الطب.
هذا وقد بينّا في الجزء الطبّي الأسباب التي تحجّج بها الأطبّاء عبر التاريخ لإجراء ختان الذكور والإناث. ورغم أن المنظّمات الطبّية لا ترى مبرّراً طبّياً لإجراء هذه الأعداد الهائلة من ختان الذكور، إلاّ أنها تمتنع عن تحريمه. حتّى أن الأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال تسمح للطبيب بإجراء هذه العمليّة لأسباب ثقافيّة ودينيّة. وهو أمر لا تقول به فيما يخص ختان الإناث الذي تدينه وتمنع الأطبّاء من إجرائه. ولتبيين بطلان الأسباب الطبّية التي يتحجّج بها الأطبّاء لإجراء الختان يكفي مقارنة نسبته في الدول الإسكندنافيّة (قرابة 1%) مع نسبته في الولايات المتّحدة (قرابة 60%). والأطفال الإسكندنافيين ليسوا أقل صحّة أو أكثر عرضة للمرض من الأطفال الأمريكيّين.
ندخل هنا في مجال التعسّف الطبّي والذي ينطبق ليس فقط على الختان، بل على عدد كبير من العمليّات الجراحيّة التي تتم لأسباب غير طبّية والتي يمكن تفاديها. وتتحكّم في هذه العمليّات إعتبارات ماليّة أو نفسيّة أو دينيّة أو مهنيّة وليست إعتبارات طبّية. والأطبّاء يجرون على الغير عمليّات لا يرضون إجراءها على ذويهم. فتشير دراسة أن بين مؤيّدي ختان الإناث من الأطبّاء المصريّين، 77.8% لم يختنوا بناتهم، مقابل 98.5% بين معارضي الختان و98% بين مؤيّدي الختان لنسبة قليلة من النساء. وهذا يعني أن الأطبّاء يرضون لبنات الغير ما لا يرضونه لبناتهم [127] .
وقد قامت ممرّضات باستجواب ثمانية أطبّاء يمارسون ختان الذكور. وقد ذكر سبعة منهم بأنه لا سبب طبّي لختان حديثي الولادة. فخلافاً للكلام الرسمي بين مؤيّدي ومعارضي ختان الذكور، يعترف هؤلاء الأطبّاء صراحة بأن الختان لا علاقة له بالطب. فالسبب الذي من أجله يقومون بإجراء الختان هو لأن الأهل طلبوا منهم ذلك. والطبيب الوحيد الذي شذ عنهم هو طبيب يهودي دافع عن الختان لأنه يعتبره أمراً إلهياً، ولذا يعتقد بأنه يجب أن يكون له فائدة طبّية. ولكنّه يعترف أيضاً أن الختان الذي يجرى في المستشفى لا قيمة له من الوجهة الدينيّة. وكل هؤلاء الأطبّاء يقولون بأنهم قد يدخلون في مناقشة الختان أو يتوقّفون عن إجرائه لو أنهم إكتشفوا أن هناك أضرار له. ولكن من الواضح أن بعضهم على الأقل يعرف أن للختان أضراراً. وقد توقّف أحد الأطبّاء عن إجراء الختان بعد شهرين من المقابلة معه [128] .
هذا وقد رأينا أن مؤيّدي ختان الذكور والإناث يحاولون التتفيه من العمليّة ويرفضون إعتبارها عمليّة بتر. كما أن هناك من ينكر أن الختان عمليّة مؤلمة. والأغرب من كل ذلك أن البعض يتصرّف معها وكأنها ليست عمليّة جراحيّة. فجمعيّة الجرّاحين الأمريكيّين تعطي قائمة بأكثر العمليّات إجراءاً في الولايات المتّحدة، ولكنّها لا تذكر بينها عمليّة ختان الذكور رغم أنها العمليّة الأكثر إجراء على الإطلاق في ذاك البلد. أضف إلى ذلك أن شركات التأمين لا تطلب رأياً طبّياً ثانياً قَبل إجراء تلك العمليّة. وإن كانت الجمعيّات التي تهتم بالطفل تنصح بمعاملة الطفل بلطف وتخفيف الأضواء والضوضاء من حوله، فإنها لا تستغرب من تعريض هذا الطفل إلى عمليّة الختان القاسيّة. وهناك لجان في المستشفيات يطلق عليها «لجنة الأنسجة» تقوم بفحص الأنسجة التي تزال في العمليّات لمعرفة مدى ضرورة إزالتها. فإذا ما تم إكتشاف وجود زيادة في معدّل عمليّات إزالة الرحم أو المصير الزائد أو المثانة، يُخضع الطبيب للرقابة أو يفصل عن عمله. أمّا فيما يخص إزالة الغلفة سنة بعد سنة، التي هي عضو سليم في الأكثريّة الساحقة، فإن تلك اللجنة لا تعترض عليها ولا بكلمة واحدة [129] .
ويعتمد معارضو ختان الإناث على عدم ضرورة الختان طبّياً لإخراجه من دائرة الإباحة. يقول القاضي صلاح محمود عويس:
«أن الجهاز التناسلي للأنثى في شكله الطبيعي لا يعتبر مرضاً، ولا يعتبر سبباً مباشراً لإصابتها بمرض معيّن، ولا يعد سبباً مباشراً لإحساسها بآلام مبرحة أو بآلام بسيطة. فإن مؤدّى ذلك أن المساس بهذا الجهاز الفطري [...] لا يعتبر علاجاً لمرض، أو كشف عن داء، أو تخفيفاً لألم، أو إزالة لألم قائم. فإن هذا الفعل يعتبر خارجاً عن نطاق دائرة التطبيب التي يقوم عليها حق الطبيب في علاج المرضى. ويعتبر الطبيب لذلك مرتكباً جريمة جرح عمديّة يُعاقب عليها بالمادّة 241 أو المادّة 242 من قانون العقوبات [...]. وتتحقّق بذلك المسؤوليّة الجنائيّة والمدنيّة للطبيب الذي أعتُبر فاعلاً أصليّاً لأنه هو الذي إرتكب الفعل المادّي للجريمة وتتحقّق كذلك مسؤوليّة الولي أو الوصي باعتباره شريكاً للطبيب» [130] .
ويقول الدكتور محمّد فيّاض:
«إن للطب أخلاقاً، أبرزها عدم إجراء عمليّة طبّية إلاّ إذا كانت لها فائدة صحّية وخالية من الضرر الجسماني. وبالمنطق نفسه فإنه إذا ثبت أن أيّة عمليّة ليست لها فائدة طبّية أو تؤدّي إلى مخاطر، فإن من الأخلاقيّات عدم إجرائها، بل - وهذا ما أصر عليه - تجريم الطبيب الذي يجريها. ورأيي أن الطبيب الذي يوافق على إجراء عمليّة ختان الإناث يتساوى مع الذي يوافق على عمليّات الإجهاض المفتعل، وأن تجريم الثاني يستوجب تجريم الأوّل» [131] .
والغريب في الأمر أن معارضي ختان الإناث يرفضون مد منطقهم هذا إلى ختان الذكور. يقول كتاب الممارسات التقليديّة:
«الختان بالنسبة للذكر أمر متّفق عليه دينيّاً وطبّياً واجتماعيّاً حيث يأمر به الدين وتوجبه الأصول الطبّية، ويلزم به العرف الإجتماعي. ومن ثم فإذا قام به طبيب توافر بالنسبة له سبب من أسباب الإباحة، لا يجوز عقابه لأن الفعل أصبح مباحاً وخارج عن دائرة التحريم.
أمّا بالنسبة للأنثى فإن الأمر مختلف. ذلك أنه لا يوجد نص في الشريعة الإسلاميّة أو المسيحيّة أو اليهوديّة يوجبه على سبيل الفرض المجمع عليه، كما أنه لا يوجد عرف ملزم يفرض إتيان هذا الفعل. ولا يوجد إجماع طبّي علمي على ضرورة ختان الأنثى. ومؤدّى ذلك أنه لا يقوم سبب الإباحة الذي توافر بالنسبة لختان الذكور. ونتيجة ذلك أن إنتهاك جسد الأنثى، وذلك باستئصال جزء من أعضائها التناسليّة بصورة كلّية أو جزئيّة يعد في التطبيق القانوني الصحيح جرماً عمديّاً تنشأ عنه المسؤوليّة الجنائيّة والمسؤوليّة المدنيّة» [132] .
والفقرة الأولى من النص السابق تبيّن جهل عميق للتعاليم الدينيّة والطبّية فيما يخص ختان الذكور كما رأينا سابقاً. ونشير هنا إلى أن مؤيّدي الختان يتذرّعون بأن الختان عامل وقاية، مثله مثل التلقيح ضد الجدري أو الأمراض الأخرى. وحقيقة الأمر أن هذه الأمراض التي يتم التلقيح ضدّها تعتبر أمراضاً وبائيّة، أي سريعة الإنتشار. وعدم الختان لا يسبّب مثل هذه الأوبئة. ولذا يجب قَبل إجراء الختان الموازنة بين مخاطره ومنافعه على المستوى الفردي والجماعي. فلا يحق تعريض شخص لعمليّة ينتج عن إجرائها ضرراً أكبر من عدم إجرائها. ومن جهة أخرى لا يحق تعريض عدد كبير من الأشخاص السليمين لعمليّة مؤلمة لوقاية عدد من الأطفال حتّى من الموت مثلاً إذا كان إجراء العمليّة يؤدّي إلى عدد حالات موت أكبر. فحسب «جيرتنير» هناك 17 وفاة بين كل 100.000 ختان. وحتّى إن كان مثبتاً علميّاً بأن الختان يحمي من سرطان القضيب، فإنه منافي للأخلاق أن نعرّض 17 طفلاً للموت لكي ننجي بالغ واحد من سرطان القضيب [133] .
ما زال مؤيّدو ختان الذكور والإناث يدعون بأن للختان فوائد أخلاقيّة مثل الحماية من العادة السرّية والإنزلاق في الرذيلة التي تؤدّي بدورها إلى مضار على الصحّة الجسديّة والنفسيّة وعلى العلاقة العائليّة والمجتمع. فيدخل ختان الذكور والإناث، في نظرهم، ضمن حق التأديب الذي يملكه الأب على أولاده بصفته صاحب الولاية عليهم [134] . ويرد صلاح محمود عويس، نائب رئيس محكمة النقض المصريّة:
«إن ولاية الولي سواء كان أبا أو أمّاً أو جدّاً أو وصيّاً على الصغير تتحدّد في أموال له. فهو يتصرّف فيها طِبقاً لضوابط معيّنة. أمّا بالنسبة لنفس الصغير أو الصغيرة فإن ولايته هي حقّه في التأديب والتعليم. وحق التأديب ومصدره الشريعة الإسلاميّة ينحصر في توجيه سلوك الصغير أو الصغيرة إلى السلوك القويم وتعليمها العادات الحسنة. وحقّه أيضاً الترغيب بالضرب الغير مبرح للعادات السيّئة. فهل من المنطق والعقل يعتبر حرمان الصغيرة من جزء من عضو فطري خلقه الله بجسدها من باب التهذيب والتأديب؟ وقد يقال إنه تهذيب نفسي لأن هذا الإستئصال من شأنه أن يقلّل من رغبة الأنثى في العلاقة الجنسيّة. والرد على ذلك أنه ثابت علميّاً وطِبقاً لما أجمع عليه علماء النفس أن الشذوذ الجنسي يبدأ من العقل والنفس وليس من الجسد. فلو أنه إنصرف إلى تهذيب نفس وعقل الصغيرة لكان ذلك - في حدود قدرته البشريّة - عاملاً هامّاً في إبتعادها عن ذلك الشذوذ. وقد ثبت من الأبحاث العلميّة أن أكثر النساء اللاتي يمتهن الدعارة مختّنات. وحق التعليم بالنسبة للولي ينحصر في زيادة القدرة العلميّة للصغير أو الصغيرة ولا يمكن عقلاً إدراج تلك العمليّة السيّئة تحت نطاق هذا الحق» [135] .
يشير البعض أنه يمكن إعتبار الختان عمليّة تجميليّة، كما ذكرنا في الجدل الإجتماعي. وعندها يكون تدخّل الطبيب ليس للوقاية من مرض أو لعلاجه، بل لأسباب نفسيّة. والمشرّع قد أباح مثل هذه العمليّات.
هناك حالات شاذّة ونادرة عند الإناث (مثل تضخّم الغلفة أو البظر أو الشفرين بصورة مبالغ فيها) والذكور (مثل تضخّم الغلفة بصورة مبالغ فيها). وقد يكون سببها تدخّل الأطبّاء أو الفرد على تلك الأعضاء. وفي هذه الحالات، يعتبر التدخّل الجراحي لإرجاع هذه الأعضاء إلى حجمها الطبيعي أمراً مشروعاً. إلاّ أنه من المبالغ به إجراء الختان بحجّة التجميل على هذه الأعداد الهائلة من الذكور والإناث، ببتر أعضاء طبيعيّة يلد معها كل فرد، حتّى وإن كان هناك إختلاف من شخص إلى آخر في شكل وحجم هذه الأعضاء.
ونشير هنا إلى أن الفقهاء المسلمين يتشدّدون في عمليّات التجميل، معتمدين في ذلك على أحاديث نذكر منها: «لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمّصات والمتفلّجات للحسن، المغيّرات خلق الله» [136] . وقد فسّر الفقهاء تحريم الوشم لأنه نوع من التدليس وتغيير لخلق الله تعالى بإضافة ما هو باق في الجسم عن طريق الوخز بالإبر والتعذيب لجسم الإنسان بلا حاجة ولا ضرورة. وقد وضع مؤلّف مسلم حديث حدوداً لعمليّات التجميل بالجراحة وفقاً للشريعة الإسلاميّة:
1) الجراحة تعذيب وإيلام للإنسان الحي، فلا تجوز إلاّ لحاجة أو ضرورة.
2) أن يتعيّن على الإنسان إجراء العمليّة الجراحيّة بحيث لا توجد وسيلة أخرى تقوم مقام تلك العمليّة في سد الحاجة أو دفع الضرورة.
3) أن يغلب على ظن الطبيب نجاح تلك العمليّة، فلا يجوز له إتّخاذ جسم الإنسان محلاً لتجاربه.
4) أن لا يكون فيها تغيير للخلقة الأصليّة المعهودة، فلا يجوز تغيير هيئة عضو من الأعضاء بالتصغير أو التكبير إذا كان ذلك العضو في حدود الخلقة المعهودة.
5) أن لا يكون فيها مثلة وتشويه لجمال الخلقة الأصليّة المعهودة.
6) أن لا يكون فيها تدليس وغش وخداع، فلا يجوز للمرأة العجوز إجراء عمليّة جراحيّة بقصد إظهار صغر السن.
7) أن لا يترتّب عليها ضرر أكبر كإتلاف عضو.
8) أن لا تكون بقصد تشبّه أحد الجنسين (الذكر والأنثى) بالآخر. فلا يجوز للرجال التشبّه بالنساء في الزينة التي تختص بالنساء ولا العكس.
9) أن لا تكون بقصد التشبّه بالكافرين. فلا يجوز للمسلمين التشبّه بالكافرين فيما يختص بهم من أمور الزينة.
10) أن لا تكون بقصد التشبّه بأهل الشر والفجور [137] .
وهذه الشروط لا تجتمع إلاّ نادراً جدّاً في ختان الذكور والإناث. لذلك لا يجوز شرعاً إجراء الختان بصورة عامّة بحجّة التجميل. يقول القاضي صلاح محمود عويس بخصوص ختان الإناث:
«عمليّات التجميل التي أصبحت ضمن الجراحات الطبّية يقصد بها إصلاح عضو أو تقويمه أو إزالة زائد فيه، أو بمعنى آخر محاولة إعطاء عضو من أعضاء الجسم أو جزء منه الشكل الطبيعي الفطري. وهذه هي الغاية من عمليّة التجميل. فهل يتّفق ذلك مع عمليّة الختان وهي في كل صورها تعتبر تغييراً للشكل الطبيعي للعضو التناسلي للأنثى حسب فطرته التي خلقه الله عليها. بالطبع لا. ومن ثم فلا تكون هذه العمليّة بمثابة تجميل بل هي في حقيقتها إنتهاك لجسد الأنثى» [138] .
ويقول الدكتور محمّد رمضان رداً على من يرى في عمليّة ختان الإناث مساواة لأعضائها:
«لم يسأل صاحب هذا القول نفسه: كم نسبة هذه الحالة حتّى نعمّم هذا الأمر على الجميع؟ وما مقدار عدم التساوي هذا؟ وما أهمّيته؟ وماذا يترتّب عليه من ضرر حتّى لو كان موجوداً؟ إذاً العمليّة شكليّة ومظهريّة، ومن أجلها أعرّض الفتاة لكل المشاكل الطبّية وأقوم ببتر هذه الأعضاء. كما أن رأس البظر وسطح الجلد يتركّز فيه الإحساس واللذّة. فقطع هذه الرأس أو جزء منها بحجّة المساواة أو تقصيرها، فيه تأثير كبير على إستمتاع المرأة عند المعاشرة. لكن يبدو أن وراء هذا القول فئة المنتفعين من بعض الأطبّاء وغيرهم ممّن يمارسون إجراء هذه العمليّة تحت هذه الحجّة، وتشكّل لهم دخلاً مادّياً. ووراؤها أيضاً الرفض النفسي لهذه الأجزاء والنفور منها، دونما سبب صحيح. فلا تستريح المرأة حتّى تستأصلها وتتخلّص من هذا القلق تحت هذه الحجّة بدعوى التجميل. ويذكّرنا هذا ببعض عادات الأقوام الجاهلة التي كانت تقطع أجزاء من الأذن، أو حتّى أطرافاً من الأنف بحجّة التجميل، أو تضع أقدام الفتيات في سن صغير في أحذية من الحديد حتّى لا تكبر أقدامهن. كل هذا تغيير في خلقة الله بحجّة التجميل، إستناداً لمعتقدات وأعراف خاطئة» [139] .
ونجد عند مؤيّدي ختان الذكور تشبيه بينه وبين ثقب الأذن للتجميل. فالدكتور «نيجل زولتي»، وهو موهيل يهودي وعضو في جمعيّة تدريب الموهيلين، يقول:
«يستعمل منتقدو عمليّة الختان كلاماً انفعالياً مثل البتر، ويتحجّجون بمضاعفات الختان. غير أن البتر هو في نظر من يقول ذلك. فما يعتبره البعض بتراً هو عمليّة تجميل حسب الغير، مثل عمليّة ثقب أعضاء الجسم. فهل الأهل الذين يثقبون أذن أطفالهم يلقون مثل هذا الهجوم الشديد ضد الختان؟ إن عمليّة الختان في أساسها عمليّة تجميليّة ولا يحق للمجتمع إيقاف الناس عن إجراء عمليّات التجميل» [140] .
ويرد على هذا القول معارض لختان الذكور بأن للبتر تعريف موضوعي في القواميس لا علاقة له مع رأي الناس، فهو يعني قطع أو إتلاف جزء من عضو في جسم. ولا يمكن مقارنة ثقب الأذن بالختان لأنه ليس قطع أو إتلاف جزء. وعلى كل حال، هناك فرق بين عمليّة تجميل تجرى على صغير وعلى كبير. فالأستاذ «بولتير» يعتبر الوشم تحت سن 18 سنة مخالفاً للقانون لأنه قد يمثّل خطراً على الشخص ولأنه علامة دائمة قد يرفضها الطفل عندما يكبر إذا ما إعتبرها غير جميلة [141] . وهذا في الواقع ينطبق على ختان الذكور [142] .
ونشير هنا إلى أنه عندما طرحت مشكلة منع ختان الإناث في الولايات المتّحدة أمام الكونجرس الأمريكي، تبيّن ضرورة إحترام مبدأ المساواة أمام القانون. فتغيير الجسم لأسباب دينيّة وثقافيّة يجب أن لا يعامل بصورة مختلفة عن عمليّة تغيير الجسم لأسباب تجميليّة. ولهذا السبب لا يعاقب قانون العقوبات الفدرالي على ختان الإناث الذي يتم على البالغين [143] .
ويشار هنا إلى أن منع ختان الإناث في الولايات المتّحدة لم يقصد به حماية قرابة خمسة أطفال يقعون يومياً ضحيّة في الولايات المتّحدة لبتر البظر جزئيّاً أو كاملاً وبتر الشفرين الصغيرين، ليس إلاّ لأن الطبيب يظن أن تلك الأعضاء أكبر ممّا يجب. فهناك موازين ثقافيّة خاصّة إذا لم يتم التوافق معها، فإن الشخص يُعتبر ما بين الجنسين أو خنثى. فعندها يتم إجراء عمليّة له خلال الثلاثة أشهر التي تتبع الولادة أو قَبل خروج أمّه من المستشفى. والأطفال ذو القضيب الصغير، يتم بتر خصيتيهم وقضيبهم ويشكّل لهم فرجاً وبظراً ويربّون كبنات. وقد قام البعض بمطالبة مجلس الشيوخ بأن يتم تطبيق القانون الذي يمنع ختان الإناث على مثل هذه العمليّات الجراحيّة [144] .
هذا وقد أشارت دراسة نشرتها منظّمة الصحّة العالميّة أن ختان الإناث ببتر غلفتها قد يكون علاجاً لعدم تجاوب المرأة الجنسي أو الفتور الجنسي. ويمكن على هذا الأساس إعتباره عمليّة تجميليّة. وكذلك الأمر فيما يخص العمليّات التجميليّة التي يتم فيها شذب الشفرين أو تحويل البظر عن موضعه كما تجرى في أوروبا وأمريكا الشماليّة. وقد تمّت مثل هذه العمليّات في النرويج على سيّدات لتهذيب غلظ الشفرين الصغيرين. وقد منع القانون النرويجي لعام 1995 مثل هذه العمليّات. وباستثناء هذه القانون، تعتبر هذه العمليّة عمليّة قانونيّة كغيرها من عمليّات التجميل إذا ما تمّت بناءاً على طلب إمرأة بالغة برضاها [145] .
وخلاصة القول إن عمليّات الختان ليس لها سبباً طبّياً يبيحها. ولكن قد يكون هناك سبب نفسي، تجميلي في حالات نادرة جدّاً. وفي هذه الحالات، تفادياً للتعسّف، لا بد من أن يكون الذكر والأنثى اللذان تجرى عليهما هذه العمليّة بالغين، إلاّ عندما لا يمكن معها إنتظار سن البلوغ بسبب تشويه واضح للعيان.
الشرط الثاني للإباحة الطبّية هو حصول الطبيب، قَبل إجراء العمليّة، على موافقة المريض، أو وليّه إذا كان قاصراً. ولا يستثنى من ذلك إلاّ حالة الضرورة القصوى والخطيرة التي لا يمكن معها الإنتظار. ومثل هذه الحالة لا تتحقّق مع الختان.
جاء في القرار الخاص بحقوق المريض الذي تبنّته الرابطة الطبّية العالميّة عام 1995: «إن كان على الطبيب أن يتصرّف دائماً حسب ضميره وفي مصلحة المريض، إلاّ أنه يجب أن يعطي أهمّية مماثلة لضمان إستقلاليّة المريض والعدل [...]. فإذا تم التنكر لحقوق المريض هذه من قِبَل القوانين أو الحكومات، فإنه من واجب الأطبّاء اللجوء إلى الوسائل المناسبة للتأكيد على هذه الحقوق واسترجاعها». ويضيف هذا القرار: «للمريض الحق في تقرير مصيره بذاته وأن يأخذ قرارات حرّة بذاته. وعلى الطبيب أن يعلمه بنتائج قراراته».
والموافقة ليست مجرّد ورقة تُمضى. فحتّى تكون ذات قيمة يجب أن تحقّق شروطاً تتعلّق بطبيعتها، ووقت إعطائها، والشخص الذي يعطيها.
جاء في القرار الخاص بحقوق المريض الذي تبنّته الرابطة الطبّية العالميّة عام 1995 بأنه يحق للمريض البالغ الموافقة على تشخيص أو علاج ورفضهما. وللمريض الحق في الحصول على المعلومات الضروريّة لأخذ قراراته. ويجب أن يفهم المريض الهدف من الإختبار أو العلاج، ونتائجهما وعواقب رفض إعطاء موافقته. ويضيف هذا القرار بأنه يمكن إخفاء مثل هذه المعلومات عن المريض في الحالات الإستثنائيّة إذا كان ذلك يعرّض حياته أو صحّته للخطر. ويجب أن تعطى هذه المعلومات بصورة مناسبة تتّفق مع الثقافة المحلّية وبحيث يتمكّن المريض من فهمها [146] .
وحتّى تكون الموافقة على عمليّة الختان صحيحة يجب أن تكون حرّة، دون غش أو إكراه، ودون أن يشوبها الغلط. ولذلك يجب أن تكون مبنيّة على علم بفوائد ومخاطر العمليّة، وما إذا كان هناك بدائل لها، وأن يكون هناك متّسع لطرح أسئلة واستفسارات من قِبَل المريض أو أوليائه. وهذا يفترض أن يقوم الطبيب بتقديم شرح يمكن فهمه. وهذا بدوره يفترض أن يكون الطبيب ذاته عالماً بما يقول. فالمثل يقول: «فاقد الشيء لا يعطيه». وحقيقة الأمر أن الختان من المحرّمات التي قليلاً ما يخوض فيها الأطبّاء، وليس هناك إحصائيّات حول مخاطر هذه العمليّة، وما يُعلَّم في كلّيات الطب ليس بالكافي. كما أنه يُفتَرض أن يكون الطبيب حراً في إعطاء المعلومات. وهذا لا يتحقّق دائماً، خاصّة إذا كان الطبيب متدرّباً تحت إشراف طبيب أو يعمل في مستشفى يؤيّدان الختان. ويفضّل في أن يرى الشخص الذي يعطي الموافقة فيديو إذ إن الصورة أبلغ من الكلام. إلاّ أن الأطبّاء يتحفّظون من ذلك لأنه قد يثني الأهل عن إجراء الختان. وقد رأينا أن مستشفى أمريكي رفض عرض فيلم لأهالي الأطفال وفصل ممرّضة لإعطائها معلومات لهم حول تلك العمليّة. فقامت هذه الممرّضة لاحقاً بتأسيس أقوى منظّمة تعمل ضد الختان.
ويشير معارضو الختان أن الأطبّاء يطلبون من الأهل إذا ما أرادوا ختان أطفالهم. فيظن الأهل أن تلك العمليّة مفيدة ما دام الأطبّاء يطلبون ذلك. ويتحجّج الأطبّاء بأنهم يجرون عمليّة الختان لأن الأهل يطلبون العمليّة. هناك إذاً دائرة مغلقة. فالأهل بسبب جهلهم ونقص معلوماتهم يتّكلون على الأطبّاء في القرار. وحتّى إن كان الأهل يعطون قرارهم بحرّية، فإن الأطبّاء هم الذين يراقبون قرارهم ويقدّمون لهم أيضاً النصيحة بالختان في بعض الأحيان. وحتّى إن أخذ الأطبّاء موقفاً حيادياً، إلاّ أن ذلك لا يكفي لإعطاء المعلومات للأهل الذين يجب عليهم أن يقرّروا [147] . وكون أن المستشفى يقدّم خدمة الختان قد يفسّر من قِبَل الأهل أن المستشفى ينصح هذه العمليّة. وقد بيّنت دراسة أن معدّل الختان كان 20% عندما يعارض الطبيب الختان، و100% عندما يؤيّده [148] .
ويجب أن نشير هنا إلى وجود قرابة 23 مليون أمريكي لا يعرفون القراءة والكتابة وليس باستطاعتهم الوصول حتّى للقليل النادر من المعلومات المتوفّرة عن الختان. وهناك مليون أم قاصرة (بين عمر 11 و13 سنة) ينجبن أطفالاً، ولا يمكنهن أن تعطي موافقة مستنيرة. وكثير من الناس لا يعرفون ما معنى الختان. فحسب بعض الدراسات تجهل قرابة نصف الأمّهات ما إذا كان أزواجهن مختونين أم لا، 38% من الأجوبة كانت مغلوطة، و34% من الرجال لا يعرفون ما هو الختان [149] . وهذا كلّه يجعل الموافقة على الختان غير موثوق بها.
يجب أن تُعطى الموافقة قَبل العمليّة وفي وقت مناسب يسمح فيه للذي يعطي الموافقة التفكير فيما يوافق عليه. يبيّن طبيب أمريكي بأن سبب ختان 90% من الأطفال في الولايات المتّحدة هو أن موظّف الإستقبال أو الممرّضة كانت تطلب من الأم أن تمضي على موافقة الختان عند قبولها في المستشفى حتّى قَبل معرفة جنس الطفل. وكان الطبيب يقوم بالختان في غرفة الولادة بعد الولادة مباشرة أو في غرفة حضانة الطفل. وكان لدى الأطبّاء تعليمات بالقيام بتلك العمليّات خلال 24 ساعة بعد الولادة عند مرورهم في غرف الحضانة إذا لم يكونوا مختونين. فكانت الممرّضة تضع الأطفال بالصف فيختنون بالجملة. ولم يكونوا يعطون أهمّية ما إذا كان هناك موافقة من الأهل أم لا. وإذا ما نُسي إمضاء الأم، فإنه يُطلب منها بعد الختان. فكان هناك عدّة إفتراضات:
- أن كل الذكور سوف يختنون.
- أن الأهل سوف يوافقون على هذا الختان.
- أن شركات التأمين سوف تدفع التكاليف.
- إنه إذا كان هناك إعتراض من الأهل، فإن الأطبّاء سوف يقنعوهم بأن الختان أفضل ما يمكن فعله، وأن تلك كانت سياسة المستشفى، وأن ذلك يجرى بصورة روتينيّة.
وهكذا لم يكن في إمكان الأهل الإعتراض على الختان إلاّ نادراً. ولم ينجو من الختان إلاّ الأطفال الذين ولدوا في البيوت، أو في المناطق الريفيّة حيث لم يكن هناك عدد كاف من الأطبّاء لإجراء الختان، أو كان أهلهم فقراء لا تأمين لديهم. بينما من يلدون في المستشفيات فكانوا يختنون كلّهم، حتّى من قِبَل طلاّب الطب كطريقة لتعلّم عمليّة تدفعها شركة التأمين. وكان الطبيب يقوم بتلك العمليّة بعد معاينة عمليّة أو عمليّتين. وإذا ما كان الأهل لا يريدون أن يختن أطفالهم، فكان عليهم أخذ إحتياطات مسبقة بتنبيه الطبيب بأن الطفل يجب أن لا يختن، وأن يوضع فوق سريره بأنه يجب تركه دون ختان. وبما أن التأمين يدفع تكاليف الختان ضمن تكاليف الولادة، فلم يكن للأهل داع للتساؤل حول مدى ضروريته وفائدته [150] .
وتشير ممرّضة أمريكيّة أن الأم في الولايات المتّحدة تدخل المستشفى للولادة، فيطلب منها أن تمضي على أوراق كثيرة ومن بين تلك الأوراق توجد عادة ورقة خاصّة بختان الطفل. فتمضيها الأم دون تفكير. وقد يتم إمضاء تلك الورقة حالاً بعد الولادة. وهنا وضع المرأة ليس أحسن من وضعها عند دخول المستشفى، فتظن أن المستشفى يسعى لمصلحتها. وإذا ما رفضت الأم الإمضاء على ورقة الختان، فإن الأطبّاء والممرّضات يعملون جاهدين لإقناعها بضرورة إجراء الختان. وحتّى يضمن الأهل بقاء الطفل دون ختان، يضطرون في بعد الأحيان بتهديد الطبيب بملاحقته قضائيّاً إذا ما أجرى العمليّة. وفي بعض الحالات يقوم الطبيب بالعمليّة حتّى دون موافقة الأهل متذرّعا بأن الختان عمليّة روتينيّة. وفي حالة، حاولت الممرّضات إنتزاع موافقة الأهل على الختان، ولكن الأهل أصرّوا على الرفض لأنهم كانوا يريدون أن يتم الختان في اليوم الثامن حسب ديانتهم اليهوديّة. فأخبِروا أن الختان قد تم فعلاً. وقد رفض الخاتن اليهودي إجراء المراسيم الدينيّة للختان بعدما أن إكتشف أن الطفل مختوناً طبّياً. فرفع الأهل دعوة على المستشفى [151] .
وكما أن الأطبّاء في الولايات المتّحدة يجرون ختان الذكور قَبل حصولهم على الموافقة، هناك أطبّاء يقومون بإجراء ختان الإناث حتّى على بالغات دون موافقتهن. فهناك شهادة مصريّة تقول:
«لم تُجرى لي عمليّة ختان وتزوّجت. وكنت سعيدة مع زوجي في المعاشرة، ولم يشكّل هذا الأمر أيّة مشكلة لي. وحملت وذهبت إلى أحد الأطبّاء المشهورين في مدينتنا للوالدة. تمّت الولادة بشق العجّان. وعندما أفقت من البنج، وجدته قد قام بإجراء عمليّة ختان لي دون إستئذاني أو أخذ موافقتي. وعندما ثرت في وجهه أجاب: إنه من الخطأ ترك هذه الأجزاء، وأن شكلها مقزّز، وأن الكثيرات يأتين لإجرائها، وأنه لم يحاسبني أو يأخذ عليها أجرة، بل فعلها خدمة لي. وقتها إحترت هل أرفع عليه قضيّة فأفضح نفسي؟ وفي النهاية سكت. أمّا زوجي، فالأمر لم يكن يعنيه في شيء. ومنذ ذلك الحين، وأنا أعاني في المعاشرة، وأشعر بالبرود وعدم التفاعل معها، وأدعو على هذا الطبيب غير الأمين» [152] .
وتقول الدكتورة سهام عبد السلام:
«لا يقتصر الأمر على الجناية على صغيرات دون سن الإختيار، بل إن بعض الأطبّاء يتواطؤون مع أزواج متخلّفين ويختنون نساء راشدات أثناء توليدهن، أو حتّى يتطوّع بعض هؤلاء الأطبّاء بإزالة ما يرونه (زائد) من جسد نساء يقصدنهم لإجراء عمليّات أخرى أو للتوليد» [153] .
كان الختان يتم في طقوس التدريب على الصبيان كمدخل للبلوغ. فإبراهيم ختن إبنه إسماعيل وعمره 13 سنة. إلاّ أن سن الختان خفّض في التوراة فأصبح يجري على إبن ثمانية أيّام، وهو العمر الذي ختن فيه إسحاق. والهدف من خفض السن حسب إبن ميمون هو لأنه «لو ترك الصغير حتّى يكبر قد لا يفعل». وبمعنى آخر، من الأسهل السيطرة على الصغير ممّا على الكبير الذي قد يتمرّد على نظام العائلة. وهناك اليوم ميل إلى إجراء ختان الذكور عند غير اليهود في سن مبكّرة، خاصّة عندما تتم الولادة في المستشفى حيث يقوم الطبيب بالختان قَبل رجوع الأم مع طفلها إلى بيتها. كما خُفِّض سن ختان الإناث في المجتمعات البدائيّة لأسباب عدّة. والمشكلة التي تطرح هنا هي ما إذا كان للأهل سلطة مطلقة على الطفل، فيفرضون عليهم أيّة عمليّة كانت، أم إذا كان هناك حدود لهذه السلطة. ومن جهة أخرى، يتساءل البعض ما إذا كان من الضروري الحصول على موافقة الأب والأم معاً. وإذا لم يوافق أحدهما أو إثنيهما على تلك العمليّة، فهل للسلطات الدينيّة فرض الختان. وهناك أيضاً موضوع موافقة البالغ على إجراء الختان، وهي النقطة التي نبدأ بها.
رأينا في الفصل السابق أن الشرائع الدينيّة ترفض تعدّي الفرد على نفسه، حتّى وإن كان بالغاً. وكذلك لا يحق له إعطاء الإذن للطبيب بإجراء تعدّي عليه إلاّ في إطار الإباحة الطبّية، أي عندما يكون هناك ضرورة طبّية. وعلى كل حال، يجب أن تكون موافقته حرّة ومستنيرة. وتفريق المشرّع بين البالغ والقاصر نابع من إفتراضه في أن للبالغ إمكانيّة التفكير وحرّية الإرادة. إلاّ أن هذا الإفتراض لا يتحقّق في جميع الأحوال، خاصّة عند الشابّات التي لا تملك إستقلالاً ماليّاً عن عائلاتها وليس في يدها تقرير مصيرها. كما إنه لا يمكن إعتبار اليهود الذين هاجروا من الإتّحاد السوفييتي إلى إسرائيل أحراراً في قرارهم حتّى وإن كانوا بالغين إذا ما إعتبرنا أن رفضهم الختان له عواقب وخيمة في حياتهم ومماتهم كما ذكرنا سابقاً.
هذا وقد إتّصل بي يوماً رجل من فرنسا يخبرني بأنه يريد أن يختتن. فهنّأته على الأمر. فتعجّب قائلاً: «ظننت أنك معارض لختان الذكور وها أنت تهنئني». فأخبرته بأني «لست ضد ختان الذكور ولكن ضد ختان الأطفال. وهناك فرق كبير بين الإثنين. فإذا أراد بالغ أن يختتن، فهذا يرجع إليه». فسأل عن سبب التفريق بين الأمرين فقلت له: «الطفل ليس حر في قراره والأهل متعسّفون في ختانه دون سبب طبّي. ولكنك كبالغ، لكل الحرّية في أن تتصرّف بجنون، وإن دعوتني إلى ختانك فسوف أهديك قنّينة شمبانيا». فسأل عن نوعيّة الختان الذي أقترحه. فأجبته: «ما دام أنك قرّرت أن تختتن، فاختر الختان على طريقة السلخ». فأستفسر حول فائدة هذا النوع من الختان، فأجبته: «بهذه الطريقة سوف يظهر قضيبك كـسجق فقد جلده. والناس تفضّل أكل السجق دون جلده ممّا مع جلده». فضحك صاحبنا.
ونشير هنا إلى أن إختيار البالغ الختان لا يعني أنه يحق للطبيب إجراءه، كما سنرى لاحقاً.
كان الختان في الستّينات من القرن العشرين يتم في الولايات المتّحدة دون أخذ موافقة الأهل. ولكن جاءت القوانين الأمريكيّة بعد ذلك لتفرض موافقتهم. وهذا أحد أسباب تدنّي حالات الختان إلى 60%.
وإن كان للأهل الحق في إعطاء الموافقة على إجراء عمليّة على طفلهم، فإن تلك السلطة محدّدة بمصلحة الطفل الطبّية بصورة موضوعيّة. فالمشرّع والقضاء يتّجه نحو إعتبار إعطاء الموافقة مسؤوليّة قَبل كل شيء، وليس حقاً للأهل. فالأهل يقومون بدور الوكيل الذي لا يحق له عمل شيء بإسم موكله إلاّ إذا كان لمصلحته. وإذا لم تتّفق مصلحة الطفل ومصلحة الأهل، يعتبر إعطاء الموافقة تعدّياً على الطفل مثله مثل أي تعدّ. وعلى الطبيب في هذه الحالة رفض إجراء الختان دون إذن المحكمة المسبق. فمصلحة الطفل العليا تعلو على سلطة الأهل وتحد منها. وما هو من مصلحة الأهل ليس دائماً من مصلحة الطفل. فإذا لم يكن للعمليّة فائدة مباشرة وضرورة طبّية، فإنه يجب تأخير إجراء تلك العمليّة حتّى يتمكّن هو ذاته أن يعطي الموافقة عليها. هذا ما قرّرته اللجنة التشريعيّة لإحدى المقاطعات الأستراليّة [154] . والقصد من ذلك هو حماية القاصر من تعسّف أوليائه عليه، وتفادي إجراء عمليّات غير ضروريّة، وعدم تعريضه لخطر دون داعٍ. ويفرض عدم ضرورة الختان طبّياً ومخاطره عدم إجرائه على شخص دون موافقته الشخصيّة. فموافقة الأهل على إجراء الختان على أطفالهم دون سبب طبّي مخالف لمصلحة الطفل [155] .
وقد قامت الأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال عام 1995 بوضع قواعد فيما يخص الموافقة المستنيرة عندما يتعلّق الأمر بالأطفال. فموافقة الأهل المستنيرة يمكنها أن تحل محل موافقة الطفل فقط للتدخّل الطبّي في الحالات الواضحة والعاجلة مثل حالة خطر الإصابة بمرض أو التعرّض لصدمة أو تشويه. أمّا فيما يخص العلاج الغير ضروري الذي يمكن تأجيله دون خطر، فإنه يجب الإنتظار حتّى يكبر الطفل ليعطي موافقته بذاته. وعلى الطبيب أن يحمي الطفل من رغبات الأهل التي قد تضر به [156] . والمشكلة مع هذه الأكاديميّة أنها تسمح للأهل إختيار إجراء ختان الذكور مع علمها بأنه لا ضرورة طبّية لإجرائه. ويقول محام أمريكي بأنه ليس للأهل الحق في الموافقة على إجراء «عمليّة جراحيّة إنتقائيّة» على أطفالهم. فمثلاً قطع شمعة الأذن لها أقل تأثير من الختان. وإذا ما قام أب بالموافقة على قطع شحمة أذن طفله فإنه من المؤكّد سوف يتعرّض للملاحقات القضائيّة [157] .
ويتّجه المشرّع الدولي والمنظّمات الطبّية إلى إشراك الطفل في إتّخاذ قرار العمليّة على قدر فهمه وسنّه. فتقول إتّفاقيّة الأمم المتّحدة لحقوق الطفل
المادّة 12: 1- تكفل الدول الأطراف في هذه الإتّفاقيّة للطفل القادر على تكوين آرائه الخاصّة حق التعبير عن تلك الآراء بحرّية في جميع المسائل التي تمس الطفل، وتولي آراء الطفل الإعتبار الواجب وفقاً لسن الطفل ونضجه.
2- ولهذا الغرض، تتاح للطفل بوجه خاص فرصة الإستماع إليه في أي إجراءات قضائيّة وإداريّة تمس الطفل، إمّا مباشرة، أو من خلال ممثّل أو هيئة ملائمة، بطريقة تتّفق مع القواعد الإجرائيّة للقانون الوطني.
المادّة 13: 1- يكون للطفل الحق في حرّية التعبير، ويشمل هذا الحق حرّية طلب جميع أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها وإذاعتها، دون أي إعتبار للحدود، سواء بالقول، أو الكتابة أو الطباعة، أو الفن، أو بأي وسيلة أخرى يختارها الطفل.
2- يجوز إخضاع ممارسة هذا الحق لبعض القيود، بشرط أن ينص القانون عليها وأن تكون لازمة لتأمين ما يلي:
أ) إحترام حقوق الغير أو سمعتهم، أو
ب) حماية الأمن الوطني أو النظام العام، أو الصحّة العامّة أو الآداب العامّة.
وهناك من يدّعي بأن الأهل يقومون بإعطاء موافقة عن أطفالهم كان الأطفال سيأخذونها لو أنهم كانوا بالغين [158] . وحقيقة الأمر أنه من المشكوك في أن يقوم هؤلاء الأطفال عند بلوغهم باتّخاذ قرار بختانهم في هذه النسبة الكبيرة. فمن المعروف أن فقط 0.3% من الأمريكيّين الذين تركوا غير مختونين طلبوا ختانهم كباراً. وهذا يعني أن الأهل الذين يقرّروا بدلاً عن أطفالهم إنّما ينتهكون مبدأ الوكالة في الأكثريّة الساحقة من عمليّات الختان [159] .
وقد قال لي يهودي بأنه يشكر الله أنه تم ختانه عندما كان صغيراً، وإلاّ فإنه سوف يكون من المستحيل الإمساك به لختانه لو أنه ترك غير مختوناً حتّى سن بلوغه. هذا تناقض في الموقف نابع من التشبّث بالمعتقدات الدينيّة. فلو أنه كان يريد الختان صغيراً لكان يريده بالغاً أيضاً. وفي الواقع هو يريد فرضه على الصغار خوفاً من أن يرفضوه كباراً. وهذا ما قال به إبن ميمون في تبرير إجراء الختان على الصغار.
وهناك من يدّعي بأن ختان الذكور ليس تعسّف ضد الطفل لأن له فوائده الطبّية والوقائيّة. وهذا بعكس ختان الإناث [160] . وحقيقة الأمر أن أطبّاء غربيّين رأوا سابقاً في ختان الإناث نفس الفوائد التي ما زال المدافعون عن ختان الذكور يتحجّجون بها دون أي برهان. فلو تمّت دراسة حول فوائد ختان الإناث كالتي تمّت حول ختان الذكور، لكان ربّما في الإمكان تبيين أن لختان الإناث فوائد مماثلة لتلك التي تقدّم لختان الذكور اليوم. وليس هناك أي إثبات بأن للختان فوائد وقائيّة، وحساب التكلفة بالثمن يثبت بأن هذه العمليّة لا يمكن الدفاع عنها، كما ذكرنا سابقاً [161] .
ونشير إلى أن الأكاديميّة السويسريّة للعلوم الطبّية ترى أن من يقوم بختان الإناث «ينتهك حقاً أساسياً للشخص البشري بإجرائه عمليّة وحشيّة ومذلّة على قاصر غير قادر على الوعي ولا يستطيع التمسّك بحقّه الشخصي في سلامة الجسد». ويقول المجلس الفدرالي: «إن أي شخص يجري عمليّة بتر طقسيّة للأعضاء الجنسيّة، خاصّة على الإناث القاصرات، يعتبر مقترفاً جريمة تلاحق تلقائياً». والمشكلة مع هذين التصريحين أنهما يقتصران على إدانة ختان الإناث دون ختان الذكور. وفي هذا مخالفة صارخة لمبدأ عدم التمييز.
ويقول طبيب أمريكي بأنه كان سابقاً يرى صور أشخاص مشوّهين بقلع أحد أسنانهم أو تخديشهم وعمل ندب في أجسامهم من خلال ضغوطات تمارس عليهم من المجتمع وزملائهم. وكان يحمد الله بأن تلك العادة ليست في مجتمعه. ولكنّه إكتشف لاحقاً بأن لا أساس علمي لقرار الأهل بختان أطفالهم، وأن هذا القرار نابع من ضغوطات المجتمع والزملاء تماماً كما يتم في المجتمعات القبليّة. وهم عامّة يجهلون الضرر الذي يلحقونه بأطفالهم من خلال الختان، وأن هذا القرار يتم بناء على نصيحة أطبّاء جاهلين. ويتساءل هذا الطبيب أي حق أخلاقي أو قانوني هذا الذي يخول الأهل لنزع جزء قيّم وسليم من جسم إنسان آخر؟ فهل هناك أي قانون أو أخلاق تخول الأهل في بتر طرف أحد الأصابع أو كسر سن ليس لسبب إلاّ لأن الكل يفعلون ذلك؟ ويضيف هذا الطبيب بأن الختان هو سرقة لحق يمتلكه الطفل، وخيانة لثقة الطفل في أهله الذين عليهم الحفاظ على صحّته والدفاع عنه وحمايته. ولا يحق للأهل خيانة هذه الثقة [162] .
ونشير هنا إلى ظاهرة فك الفرج عند المهاجرات الإفريقيّات المتحرّرات ماليّاً وغير المتزوّجات وذات المستوى الثقافي العالي والمدعومة من عائلاتها [163] . فهذه الظاهرة تثير مشكلة ما إذا كان ضروريّاً الحصول على موافقة الأهل لإجراء مثل هذه العمليّة، خاصّة إذا كانت الفتاة قاصرة. ففي بريطانيا قامت بعض الفتيات الإفريقيّات بطلب حماية السلطات وإيكالهن لمراكز الرعاية بالقاصرين. وهذا يخلق توتّر بينها وبين عائلاتها التي ترفض فك فرجهن. ونحن نرى أنه إذا رفض الأهل إعطاء الموافقة على إجراء عمليّة جراحيّة لصالح قاصر، فليس للطبيب إجراء مثل هذه العمليّة دون موافقة المحكمة حتّى لا يتعرّض للملاحقات. وبما أن لإبقاء الفتاة مشبوكة الفرج مخاطر صحّية، فإن على المحكمة أن تسمح بمثل هذه العمليّة. فالقاضي ولي من لا ولي له أو لمن له ولي لا يتصرّف حسب مصلحة القاصر.
تقول الفقرة الأولى من المادّة 18 من إتّفاقيّة الأمم المتّحدة لحقوق الطفل:
«تبذل الدول الأطراف قصارى جهدها لضمان الإعتراف بالمبدأ القائل إن كلا الوالدين يتحمّلان مسؤوليات مشتركة في تربية الطفل ونموّه. وتقع على عاتق الوالدين أو الأوصياء القانونيين حسب الحالة، المسؤوليّة الأولى عن تربية الطفل ونموّه، وتكون مصالح الطفل الفضلى موضع إهتمامهم الأساسي».
وهذا يعني أنه يجب أخذ قرار من الأب والأم معاً في إجراء الختان على الطفل. وإذا لم يتّفق الأب والأم على عمليّة الختان، يجب على الطبيب رفض إجراء تلك العمليّة دون موافقة المحكمة. وبما أن الختان ليس ذو طابع طبّي ضروري، لذلك على المحكمة تأجيل عمليّة الختان إلى أن يكبر الطفل فيتّخذ القرار بنفسه. ونشير هنا أن الكاتبة اليهوديّة «مريم بولاك» تنتقد ختان الذكور كما جاء في التوراة لأن الله أمر إبراهيم بختان إبنه دون أن يطلب إذن أمّه. فالذكور هم الذين يضعون القوانين لصالحهم، وهم الذين يحدّدون ما هو مقدّس، وهم الذين يفرضون إرادتهم. وتطالب أن يعاد للأم حقّها في تقرير مصير إبنها، مثلها مثل الأب.
وفي بريطانيا حكمت المحكمة في يونيو 1999 بأن للوالدين إن إتّفقا الحق في ختان إبنهما لأسباب دينيّة أو ثقافيّة دون طلب إذن القاضي. ولكن إن إختلفا فعلى القاضي البت في الموضوع. وفي هذا الملف كانت القضيّة تخص طفل من أم إنكليزية مسيحيّة وأب تركي مسلم، وكلاهما لا يمارسان ديانتهما. وقد ربّي الطفل في عائلة الأم. وقد قرّر القاضي عدم ختانه لعدم وجود سبب طبّي ولأن الطفل سينمو في محيط غير مسلم وعليه لم يكن في مصلحته ختانه ضد رغبة أمّه [164] . وخسر الأب أيضاً القضيّة أمام محكمة الإستئناف التي قرّرت بأن الطفل حسب الفقه الإسلامي مسلم، إلاّ أنه لا يشارك الأهل ديانتهم. وليس من صالح الطفل أن يُختن بسبب المخاطر الجسديّة والنفسيّة لعمليّة الختان، كما أن تلك العمليّة تحدث ضغطاً شديداً على الأم. وليس للمحكمة إقرار ختان الطفل في حالة إختلاف الأبوين إلاّ إذا كان هناك مصلحة للطفل في العمليّة [165] .
وفي سويسرا، طالب أب مسلم ختان إبنه إلاً أن الأم المسيحيّة رفضت ذلك ورفعت القضيّة أمام المحكمة طالبة الطلاق فحصلت على حضانة إبنها وبقي دون ختان.
وقد عرضت علي قضيّة مماثلة بين إمرأة بلجيكيّة منفصلة عن زوجها الإفريقي، وكليهما يدينان بالمسيحيّة. فقد كانت الأم ترفض إجراء الختان، بينما الأب يشدّد على ذلك. وقد نصحتها بأن تطلب تدخّل السلطات المختصّة بحماية القاصرين. فسوف تمنع تلك السلطات إجراء الختان قَبل موافقة المحكمة. كما نصحتها بعرض الطفل على الطبيب لتبيّن أنه بصحّة جيّدة ولا يحتاج إلى عمليّة ختان طبّية. فإذا ما قام الزوج بختان إبنه، يحق لها ملاحقته قضائيّاً. وقد رفعت الأم طلباً للمحكمة ولكن القاضية كانت يهوديّة فبدلاً من الدفاع عن الطفل وأمّه قامت بتبرير الختان، ممّا زاد الطين بلّة. وأمام الضغوط المتزايدة التي يمارسها الزوج، قَبلت الأم بختان إبنها. فاقترحت عليها بأن تشترط خطّياً على الزوج تحمّل مسؤوليّة قراره مادّياً ومعنوياً، بأن يدفع تكاليف العمليّة وعواقبها المحتملة من جيبه الخاص، وأن يهتم بالطفل في مرحلة النقاهة، وأن يعيد الطفل إليها عندما يشفى تماماً من العمليّة. وبعد قراءتها خبر وفاة طفل في مستشفى جرّاء ختانه، تمسّكت الأم ببقاء إبنها غير مختون. وهذه القضيّة تثبت ضرورة تدخّل المشرّع لوضع حد لهذه الفوضى واحترام سلامة الجسد.
وفي كتابي حول الزواج المختلط، نصحت الزوجين بأن يوقّعا على عقد مفاده بأن الطفل يبقى غير مختون حتّى يبلغ سن الثامنة عشر ليقرّر بنفسه ختانه [166] .
ينظر الأطبّاء بتحفّظ إلى قرار الأهل بعدم إجراء الختان، لأن ذلك يعني حرمانهم من الربح ومن فرض سيطرتهم. كذلك تنظر الطوائف الدينيّة بتحفّظ إلى ترك قرار الختان للأهل، لأنها تعتبر الختان عنصر إنتماء يفرض فرضاً على أعضائها. ونشير هنا إلى أن الدول العربيّة والإسلاميّة تحفّظت على نصوص المعاهدات الدوليّة التي تمنح الفرد حرّية تغيير العقيدة، والتي تمنح الأهل حرّية إختيار ديانة أطفالهم. فالشريعة الإسلاميّة تفرض الدين الإسلامي على الأطفال إذا كان أحد أبويهما مسلماً. وبما أن الختان هو علامة إنتماء ديني، فإن على الأهل ختان أطفالهم المسلمين. وقد جاء في فتوى الشيخ جاد الحق «لو إجتمع أهل البلد على ترك الختان قاتلهم الإمام لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه إذ مقتضى هذا لزوم الختان للذكر والأنثى» [167] .
ونجد موقفاً متشدّداً مماثلاً عند اليهود. فتذكر التوراة أنه بعد ترك بعض اليهود ختان أطفالهم، قام رجال الدين «الحسيديون» بحملة معادية ضدّهم، فختنوا «بالقوّة كل من وجدوه في بلاد إسرائيل من الأولاد الغلف» (1 المكابيين 45:2). وبعدما أصدرت إحدى المقاطعات الألمانيّة قراراً في القرن التاسع عشر يترك للأهل إختيار ختان أطفالهم، ثارت ثائرة رجال الدين اليهود وطالبوا من السلطات إلغاء هذا القرار. وقد رفض طبيب يهودي من «فينا» في القرن التاسع عشر ختان إبنه لأنه إعتبر الختان عمليّة ذات مخاطر ووصفها بالعمل الإجرامي. فقام حاخام برفع دعوى إلى «محكمة طبّية» معتمداً على معطيات طبّية طالباً منها إعطاء الطائفة اليهوديّة الحق في ختان الطفل دون موافقة أبيه. وقد نشر الحاخام مقالاً في هذا المعنى عام 1857 [168] .
وفي فيلم «فيكتور شونفيلد» المعنون «إنه صبي»، حول ختان صبي من أم يهوديّة وأب غير يهودي على يد موهيل إنتهى في غرفة العلاج المكثّف، قال الموهيل: «على الأب أن يقرّر ختان الصبي. وإذا لسبب ما لم يقم بذلك، فإن لبيت الدين، أي المحكمة الدينيّة اليهوديّة، الحرص على إتمام الختان. واليوم، بما أن الأب غير يهودي، فإني أتصرّف كممثّل عن بيت الدين» [169] .
وقد نشرت صحيفة «معاريف» بتاريخ 24/9/1993 خبراً يقول إن موهيلين قاما بخطف طفل من أمّه وختناه دون موافقتها [170] .
وهذا يبيّن أنه بالإضافة إلى رفض إبقاء الطفل غير مختوناً حتّى يبلغ فيقرّر بذاته، يرفض رجال الدين اليهود والمسلمين ترك الأهل أحراراً في ختان أطفالهم أو عدمه. وهذا لا يختلف عمّا يتم في القبائل البدائيّة في أدغال إفريقيا. ففي قبيلة «كسهوسا» في جنوب إفريقيا، إذا ما مضى الوقت الذي يجب فيه الختان، تقوم مجموعة من الرجال بالسيطرة على غير المختون بالقوّة وتختنه غصباً عنه. وهذا يحدث ليس فقط مع أعضاء تلك القبيلة، بل أيضاً مع من ينتمون للقبائل الأخرى. فقد أمسكوا بمديري المدارس والمفتّشين وغيرهم في مدينة «ليبوا» وختنوهم بهذه الصورة [171] . هذا وقد أشرنا سابقاً إلى أن رجال الدين اليهود يختنون من يموت غير مختوناً قَبل دفنه، وذلك دون طلب موافقة أهله. وقد أثار ذلك ضجّة في الكنيست الإسرائيلي.
منذ قديم الزمان حاول الأطبّاء وضع قواعد أخلاقيّة تحكم تصرّفاتهم. وأهم تلك القواعد تلك التي يتضمّنها قسم أبقراط (توفّى عام 377 ق.م) الطبيب اليوناني الشهير. وهذا القسم ما زال يعتبر أساس االأخلاق الطبّية. وقد فرض الأطبّاء المسلمون هذا القسم على من يعمل في مهنتهم مدخلين عليه بعض التعديلات ليبعدوا منه العبارات الوثنيّة [172] .
وللدور الخطير الذي يلعبه الأطبّاء في المجتمع، قامت الدول بتنظيم مهنة الطب بعدما كانت مشاعاً. فاعتماداً على الحديث النبوي القائل: «من تطبّب ولم يعرف الطب فهو ضامن»، أوكل المقتدر العبّاسي (توفّى عام 932) إلى طبيبه سنان بن ثابت بن قرة إمتحان الأطبّاء قَبل أن يسمح لهم بممارسة المهنة. وكان المحتسب يراقب أعمال الأطبّاء والصيادلة والعشّابين وأضرابهم حتّى لا يحدث خلل أو خطأ، وله سلطات واسعة في معاقبة المعتدي عند ثبوت عدوانه، وله أن يمنعه من ممارسة المهنة ومزاولتها [173] .
ورغم تشدّد المشرّع العربي والغربي على ضرورة حصول الطبيب على إذن لممارسة مهنته، وتسجيله في نقابة الأطبّاء، إلاّ أن عمليّة الختان بقيت مشاعاً. وما زال رجال الدين اليهود يرفضون تدخّل السلطات المدنيّة في تنظيم مهنة الخاتن حتّى لتفادي حدوث وباء طبّي بسبب مص قضيب الطفل بفم الخاتن. فهم يخافون بأن يكون التدخّل الحكومي خطوة أولى لإلغاء الختان [174] .
ولهذا السبب، ليس هناك تشريع يقنّن الختان في إسرائيل رغم المحاولات الكثيرة خلال السنين العشرة الأخيرة بسن مثل هذا التشريع. وفي هذا البلد لجنة مشتركة لمراقبة الموهيلين مكوّنة من وزارة الصحّة ووزارة الأديان ورئاسة الحاخامات. وهذه اللجنة تضم رجال دين وأطبّاء، وتقدّم شهادات للموهيلين ونصائح فنّية للعمليّة ولكنّها لا تستطيع أن تمنع غير المصرّح لهم من ممارسة الختان ولا تستطيع فرض نصائحها الفنّية. ولكل موهيل طريقته للختان التي لا يعرفها إلاّ هو، ومنهم من يعرّض الأطفال إلى خطر باستعماله مواد خطرة، مثل مادّة الأدرينالين الممنوعة. وقد إعترف أحد أعضاء اللجنة المذكورة أنه يعرف أربع أو خمس حالات أطفال تم إعطاؤهم هذه المادّة التي كادت تسبّب وفاتهم. وقد فشلت محاولة ترك الغلفة سليمة في حالة الإصابة بتشويه المبال التحتاني [175] .
وقد نشرت مجلّة يهودية أمريكيّة عام 1995 خبر إجراء الختان في إسرائيل من قِبل ولد عمره 13 سنة وهو إبن لموهيل. وردّاً على إحتجاج المجلس الوطني لرعاية الطفل أجابت وزارة الشؤون الدينيّة بأن الإبن يرث مهنة الموهيل عن أبيه وليس هناك أية دراسة لمثل هذه المهنة. وإن كان من الضروري الحصول على إذن السلطة الحاخامية إلاّ أن للأب الحق في السماح لأبنه ممارسة الختان. وأضافت بأن من يتضرّر له الحق الإشتكاء للشرطة [176] .
وجاء في خبر آخر عام 2000 بأنه تم إجراء عملية في مستشفى العفّولة لطفل قطعت حشفته أثناء ختانه على يد موهيل. ورفض الأهل إعطاء إسمه أو رفع قضيّة عليه [177] . ويقول الحاخام جوزيف فايسبيرج بأن القانون الإسرائيلي لم ينظّم الختان بسبب ضغوطات اليهود المجدّدين والمحافظين والختّانات الذين يخافون أن يرفضوا إذا ما تم تبنّي قانون في هذا المجال. وأضاف بأن كثيراً من الأهالي يقومون بختان أطفالهم في المستشفيات بدلاً من الختان الديني. وتعليقاً على الخبر المأساوي يقول بأن من قطع الحشفة قد يكون في حالة سكر أو أعمي أو تم دفعه أثناء الختان. وتقول كاتبة المقال بأن ليس هناك ما يمنع في إسرائيل بأن يشتري أي شخص مشرطاً ويعلن عن نفسه موهيل وليس هناك من يجبره للإستقالة من عمله حتى ولو كان عجوزاً ويداه ترتجفان ونظره ضعيف [178] .
وقد قرّرت المحكمة العليا في إسرائيل في ديسمبر 2000 بأنه يحق لكل طبيب يعمل في مستشفى القيام بعملية ختان. وقد أخذت هذا القرار بعد شكوى من عيادة خاصّة ضد رفض وزارة الصحّة وضع أسماء أطبّائها على قائمة المخوّلين بإجراء الختان. وهكذا قلّصت المحكمة من إحتكار الموهيلين لعملية الختان. وقد إنتقد الحاخام جوزيف فايسبيرج هذا القرار مدّعياً بأن الأطبّاء لا يحترمون القواعد الدينية ومن بينها سلخ بطانة الغلفة بالإظفر وعدم إستعمال المخدّر. ونشير هنا إلى أن المحكمة لم تتعرّض لإجراء الختان على يد موهيل غير طبيب [179] .
ونفس الإهمال نجده عند المشرّع الغربي. فهو لم يخضع الختان لنفس النظام الذي تخضع له باقي العمليّات الجراحيّة. لا بل هناك بعض المقاطعات الأمريكيّة إستثنت عمليّة الختان من الشروط العامّة التي تفرض على ممارسة العمل الطبّي. والمقاطعات الأخرى التي لم تشرّع في هذا المجال تعتبر ممارسة الموهيل ختان الذكور خاضعاً لسماح ضمني. وجدير بالذكر أن هذه المقاطعات تعاقب من يجري ختان الإناث، طبيباً كان أو غير طبيب. وهذا مخالف لقاعدة عدم التمييز [180] . وبناء على إستثناء الموهيلين من القواعد الطبّية العامّة، تضم بعض المستشفيات الأمريكيّة إلى طاقمها رجال دين يهود يوكّل لهم إجراء عمليّة الختان رغم أنهم لا يحملون شهادة طبّية وليس لديهم إذن بممارسة الطب أو الجراحة والتخدير. وهم يجرون العمليّات دون إعتبارات طبّية. فكل همّهم هو ختان الطفل في اليوم الثامن إذا ما كان يهوديّاً. ويقومون بإعطاء مخدّر في بعض الأحيان دون اللجوء إلى طبيب تخدير متخصّص. وكثيراً ما يضطر الأطبّاء إلى إصلاح ما عبث به الخاتن اليهودي دون كشف الأمر لتفادي الملاحقات القضائيّة ضدّهم [181] . وحتّى عندما تجرى عمليّة الختان في الأوساط الطبّية، فإنه يلاحظ أن الأطبّاء يتخاصمون في من يحق له إجراؤها ويقبض أجرها. فعمليّة الختان قد تتم من قِبَل طبيب الولادة أو من طبيب جرّاح، وذلك دون الرجوع إلى طبيب الأطفال الذي عليه الكشف عن الشخص قَبل قرار ختانه. فقرار الختان هنا ليس للعلاج بل لأسباب دينيّة واجتماعيّة ووقائيّة مفتعلة. وأكثر عمليّات ختان الأطفال في الولايات المتّحدة تتم ليس من قِبَل أطبّاء الأطفال بل من قِبَل أطبّاء التوليد الذين عليهم الإهتمام بالأم وليس بجراحة الطفل [182] .
وفي بريطانيا هناك هيئة تدعى «جمعيّة التدريب»، أسّست عام 1745. وهي خاضعة لمحكمة الحاخام الأكبر. ومهمّتها تدريب الموهيلين، ووضع الحد الأدنى من القواعد التي عليهم إتّباعها، وتأمينهم، وحفظ سجلات لجميع حالات الختان التي يجريها أعضاؤها. وعلى من يرغبون من الرجال اليهود المتديّنين ممارسة الختان التدرّب لمدّة ستّة أشهر، يحضرون خلالها ما بين 40 و50 ختاناً، ثم يمرّون في إمتحان عملي بإتمام ختان بحضور موهيلين من اللجنة الطبّية للهيئة المذكورة. كما عليهم المرور في إمتحان نظري أمام الحاخام الأكبر لمعرفة ما إذا كانوا يتقنون تعاليم الشريعة اليهوديّة فيما يتعلّق بالختان. ولكن يجب الإشارة إلى أن بعض الموهيلين الذين يمارسون الختان في بريطانيا لا ينتمون للهيئة المذكورة [183] .
ويحاول مؤيّدو ختان الذكور الغربيّون تبرير إجراء عمليّة الختان على يد غير طبيب باعتبارها عمليّة صغيرة. ولذلك من يقوم بهذه العمليّة، في نظرهم، لا يخالف القانون الذي يمنع غير الأطبّاء من ممارسة العمليّات الجراحيّة [184] . وقد رفض هذا الإدّعاء معارضو الختان لأنه مبني على جهل في حقيقة عمليّة الختان وأخطارها. وهم يرون أن الختان دون سبب طبّي يعتبر تعذيباً. والتعذيب ممنوع في الوثائق الدوليّة [185] .
وفي تطوّر جديد تم تبنّي قانون دخل حيّز التنفيذ في السويد في 1 أكتوبر 2001 بعد أن توفّى طفل مسلم بسبب ختانه. ويطلب هذا القانون من الموهيل اليهودي أو أي ختّان غير طبيب بأن يسانده طبيب أو ممرّضة عند إعطاء المخدّر. وقد قامت ضجّة حول هذا القانون في الأوساط اليهودية في السويد وخارجها معتبرة هذا القانون حد غير مبرّر لديانتهم. وقد قارنت هذه الأوساط هذا القانون بالقوانين النازية المعادية لليهود [186] . وهذا يُظهر أن القواعد اليهودية في نظر هذه الأوساط أهم من مصلحة الطفل. وللعلم فإن السويد تمنع ختان الإناث مع أو بدون مخدّر بينما تسمح بختان الذكور مطالبة فقط بإعطاء مخدّر. وهذا تمييز ضد االأطفال الذكور.
يمنع القانون 415 لعام 1954 في مادّته الأولى مزاولة الأعمال الطبّية بما في ذلك العمليّات الجراحيّة إلاّ إذا كان إسمه مقيّداً بسجل الأطبّاء بوزارة الصحّة العموميّة وبجدول نقابة الأطبّاء. وتضيف المادّة الثانية بأنه لتقييد إسم طبيب في سجل الوزارة المذكور يجب عليه أن يكون حاصلاً على درجة باكالوريوس الطب والجراحة من إحدى الجامعات المصرّية وأمضى التدريب الإجباري المقرّر. وتعاقب المادّة العاشرة كل مخالف بالحبس لمدّة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي جنيه أو بإحداهما وتغلق عيادته وتصادر الأشياء المتعلّقة بالمهنة وينشر الحكم مرّة أو أكثر في جريدتين. ويسمح القانون رقم 481 لعام 1954 للمولّدات بمباشرة بعض الأعمال الطبّية ولكن يستثنى التدخّل الجراحي.
وقد تذبذبت القوانين المصريّة في تحديد شروط ممارسة الختان نعيد ونذكّر بأهم تطوّراتها حسب تسلسلها التاريخي:
القرار الوزاري رقم 74 لعام 1959 الذي يحرّم بتاتاً على غير الأطبّاء القيام بعمليّة الختان وأن يكون الختان جزئيّاً لا كلّياً لمن أراد. كما يمنع عمليّة الختان بوحدات وزارة الصحّة لأسباب صحّية واجتماعيّة ونفسيّة. ويؤكّد بأنه غير مصرّح للدايات المرخّصات بالقيام بأي عمل جراحي ومنها ختان الإناث. وهذا القرار يعني بأنه يمكن للأطباء في عياداتهم أو المستشفيات الخاصّة مزاولة ختان الإناث على أن يكون جزئي دون إستئصال كلّي.
تعليمات وزير الصحّة بتاريخ 19 أكتوبر 1994 التي تمنع إجراء عمليّة الختان بغير الأطبّاء وفي غير الأماكن المجهّزة لذلك بالمستشفيات العامّة والمركزيّة وتنفيذ قانون مزاولة المهن الطبّية، وأن تتم إتّخاذ الإجراءات القانونيّة تجاه المخالفين لهذا القانون بكل الحسم والسرعة. وتطلب من كل مستشفى تعليمي أو مركزي تحديد يومين أسبوعياً لإجراء عمليّة ختان الذكور، ويوم آخر لاستقبال الأسر الراغبة في ختان الإناث.
تعليمات وير الصحّة بتاريخ 17/10/1995 التي تطلب إيقاف إجراء عمليّات ختان الإناث في المستشفيات العامّة والمركزيّة، وأن يقتصر دور أقسام النساء والتوليد بهذه المستشفيات وأقسام رعاية الأمومة والطفولة على التوعية والتوجيه والإرشاد للحد من هذه الظاهرة.
قرار وزير الصحّة رقم 261 لسنة 1996 بتاريخ 8/7/1996 الذي يقول: «يحظر إجراء عمليّات الختان للإناث سواء بالمستشفيات أو العيادات العامّة أو الخاصّة، ولا يسمح بإجرائها إلاّ في الحالات المرضيّة فقط والتي يقرّها رئيس قسم أمراض النساء والولادة بالمستشفى وبناء على إقتراح الطبيب المعالج». وقد أقرّت المحكمة الإداريّة العليا قرار الوزير في حكمها الصادر في 1997 الذي نشرناه في الملحق. وبناء على هذا القرار لا يحق لغير الطبيب القيام بعمليّة جراحية إلا في حالة الضرورة. وكذلك الطبيب لا يمكن إجراء مثل تلك العمليّة إلا لأسباب طبّية. وهذا ينطبق على كل من ختان الذكور والإناث.
هذا ونجد تناقضاً بين القوانين والواقع. فحلاّق الصحّة أو الداية يضعان فوق محلّهما إعلاناً بالخط العريض بأنهما يمارسان الختان. ولكن عندما تحدث مضاعفات بسبب عمليّة الختان، يتذكّر القضاء والفقه أن الحلاّق والداية قد خالفا القواعد العامّة الخاصّة بممارسة الطب. فيعاب عليهما إجراء عمل طبّي غير مرخّص به. يقول القاضي صلاح محمود عويس في كلامه عن ختان الإناث:
«إذا قام بهذه العمليّة غير الطبيب سواء كانت داية أو حكيمة أو تومرجي أو غير ذلك فقد توافرت بذلك جريمتان: جرح عمدي، وممارسة مهنة الطب بدون ترخيص. ويعاقب بأشد العقوبتين في هذه الحالة» [187] .
وقد قضت محكمة النقض المصريّة بمسؤوليّة القابلة جنائيّاً لإجرائها الختان لإحدى الفتيات. وقد جاء في الحُكم:
«أن من لا يملك حق مزاولة مهنة الطبيب يسأل عمّا يحدثه بالغير من جروح وما إليها باعتباره معتدياً - أي على أساس العمد، ولا يعفى من العقاب إلاّ عند قيام حالة الضرورة بشروطها القانونيّة» [188] .
ونشير هنا إلى أن مؤيدي ختان الإناث يرون أن للطبيب الحق في إجرائه دون سبب طبّي معتبرين الشريعة الإسلامية فوق القانون الوضعي. وهذا هو السبب الرئيسي للتناقض بين الواقع والقوانين. ونعيد القارئ لما قلناه في الجزء الديني [189] .
لا يكفي الحصول على إذن ممارسة العمل الطبّي، بل يجب على الطبيب ممارسة هذا العمل ضمن أصول القواعد والأخلاق الطبّية. والقواعد الطبّية تتلخص فيما يلي.
- يقوم طبيب أطفال أو طبيب المسالك البوليّة أو طبيب عام آخر بالكشف عن الشخص الذي ستجرى له العمليّة لمعرفة ما إذا كان هنا داع لإجرائها من وجهة النظر الطبّية. ثم يقوم الطبيب الأوّل بإحالة الشخص على طبيب جرّاح يستعين بطبيب مختص بالتخدير. وقد رأينا بأن هذه القواعد لا تحترم إلاّ نادراً. فيقوم في أكثر الأحيان غير الطبيب بإجراء الختان. وإذا قام طبيب بإجراء تلك العمليّة، فإنه يقوم بالكشف والتخدير والجراحة دون الإستعانة بالمختصّين كل في مجاله. وكثيراً ما يقوم بعمليّة الختان طبيب الولادة دون مشاورة طبيب الأطفال. وإذا كان الختان لسبب ديني، فإنه لا يقوم بتحديد السبب الطبّي للختان إذ يتم على عضو سليم.
- على الطبيب أن يجري العمليّة حسب المعايير الطبّية. فلا يقطع إلاّ الجزء الذي يفترض قطعه فلا يتعدّاه. فمثلاً الطبيب الذي يجد أن إصبع شخص أصابه عاهة تفرض بتره، فعليه بتر أقل قدر ممكن من الإصبع، وأن لا يمتد القطع لباقي أصابع أو يد المريض. وفي الختان الديني، بالإضافة إلى كونه من أساسه مخالف للقواعد الطبّية إذ لا سبب طبّي له، لا يكتفي الطبيب أو الموهيل بقطع الغلفة، بل كثيراً ما يتعدّى ذلك لبتر اللجام. وفي الختان الطبّي، على الطبيب أن يقوم ببتر أقل قدر ممكن من الجلد، ويقتصر البتر على الجزء المصاب. ولكن هذه القاعدة لا تحترم، فيقطع الطبيب الجزء المصاب وغير المصاب.
- يجب إرسال الأنسجة التي تزال إلى معمل الإختبارات لفحص ما إذا كانت مريضة. وإذا كان النسيج سليماً، على الجرّاح إعطاء السبب الذي من أجله قام بتلك العمليّة التي لا مبرّر لها. وهذا كلّه يسجّل ضمن ملف الشخص الذي تجرى عليه العمليّة. هذه الإجراءات هي بمثابة مراقبة داخليّة لمنع تعسّف الأطبّاء. ولكن هذا البروتوكول يتم إهماله في مجال الختان. فالغلفة لا تحال لمعمل التحليل. وكثيراً ما تصبح سلعة للتجارة.
هذا وإن كانت النظريّات الطبّية محل نقاش حاد، خاصّة في مجال الختان، فإن على الطبيب إتّباع أحدث ما توصّل إليه علم الطب. فلا يمكن أن يركن على معلومات مضى عليها الزمن، وإلاّ فإنه سوف يجري حتّى ختان الإناث التي حاول الأطبّاء الغربيّون في القرن التاسع عشر تبريره علميّاً.
وقد جاء في القرار الخاص بحقوق المريض الذي تبنّته الرابطة الطبّية العالميّة عام 1995 أنه إذا رفض الممثّل القانوني علاجاً يرى الطبيب أنه بمصلحة المريض، فعلى الطبيب أن يعرض الأمر على الجهة القضائيّة أو المختصّة. وفي حالة الضرورة الملحّة، يمكنه التصرّف رغم رفض الممثّل وفقاً لمصلحة المريض. وهذا القرار لم يتعرّض للحالة العكسيّة التي يقوم فيها ولي القاصر بطلب علاج يرى الطبيب أنه لا فائدة طبّية فيه. ومن الواضح أن على الطبيب في هذه الحالة عدم الرضوخ لمطلب الولي. فيجب على الطبيب التصرّف في مصلحة المريض ويجب أن يكون قراره مستقلاً عن إرادة الولي أو حتّى المريض ذاته. فلا أحد يملك الحق في فرض إجراء عمليّة على طبيب غير مقتنع في ضرورتها أو يرى أنها ليست في مصلحة الطفل. وهنا تكمن المشكلة الكبرى مع قرار الأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال لعام 1999 التي تركت قرار الختان للأهل. وهي العمليّة الجراحيّة الوحيدة التي يقرّرها الأهل وليس الطبيب [190] .
والمبدأ السابق ينطبق على كل من ختان الذكور والإناث. يقول طبيب مصري:
«نحن متّفقون جميعاً على أن عملنا الطبّي تحكمه مجموعة من مبادئ الأخلاقيّات، أبرزها أنه لا تجرى أيّة عمليّة طبّية إلاّ إذا كانت لها فائدة صحّية وخالية من الضرر الجسماني. فإذا ثبت أن أيّة عمليّة ليست لها فائدة طبّية أو تؤدّي إلى حدوث مخاطر، فإنه من الأخلاقيّات الطبّية عدم إجرائها وتجريم الطبيب الذي يجريها. وإزاء عمليّة الختان [للإناث]، التي ثبتت أخطارها الطبّية، وبالتالي فإنها تتعارض مع الأخلاقيّات الطبّية السليمة. ولذا فإننا نمنع منعاً باتّاً من إجرائها، سواء في مستشفياتنا الجامعيّة أو الخاصّة» [191] .
ونشير هنا إلى أن التيّار المؤيّد لختان الإناث يرى بأنه يحق للطبيب إجراء عمليّة الختان بناء على طلب الولي. فولي الفتاة الذي يصطحبها إلى الطبيب ليجري لها عمليّة الختان لا يُسأل جنائيّاً عن فعله هذا لأنه يؤدّي شعيرة دينيّة ولأنه لجأ إلى من خوّله القانون هذا الحق. وهو أيضاً غير مسؤول إذا إقترف الطبيب خطأ في عمليه. أمّا إذا طلب من الطبيب تجاوز القيود الشرعيّة للختان بأن طلب أن ينهك الفتاة وليس فقط ختانها، فإنه يكون مسؤولاً كشريك في الجرم. أمّا إذا كان الخاتن غير طبيب، فولي الأمر يعتبر مساهماً بفعله فيما إرتكبه الخاتن من جرائم بصفته شريكاً بالإتّفاق والمساعدة وأحياناً بالتحريض. ويقع عليه نفس عقاب الخاتن [192] .
هذا وقد رأينا أن البعض يقترحون ترك ختان الذكور والإناث إلى سن البلوغ حتّى يتمكّن الشخص من التقرير بذاته بعد موافقته المستنيرة الكاملة. فإذا نحن نعطي الناس الحق في التدخين وشرب الكحول، وهي أمور ضارّة، فهل يمكننا أخلاقيّاً أن ننكر عليهم الحق في إبقاء أعضائهم الجنسيّة سليمة [193] . ويقول القاضي المصري عويس بأنه يجب أن «يترك للأنثى حق إجراء هذه العمليّة بعد بلوغها سن الرشد إحتراماً لآدميتها وتقديراً لها وخاصّة أنه لم يثبت رأي علمي يعتد به يشير إلى أن هناك خسارة أو مانع طبّي يحول دون إجراء هذه العمليّة بعد بلوغ الأنثى» [194] .
وتقول الأستاذة «مارجريت سومرفيل» أنها لا ترى مشكلة في ختان ذكر بالغ لسبب غير طبّي ما دام كان قادراً على التمييز. فهي عمليّة تجميليّة أو مثل العمليّة التجميليّة التي نسمح بها [195] . ولكن يجب أن ينظر المشرّع ما هي الحدود التي يمكن ممارسة مثل هذه العمليّة ضمنها: أن يكون على يد رجل خبرة له المهارة الكافية في وضع لا يؤدّي إلى مضاعفات ومخاطر للصحّة أو الحياة [196] .
وتقول الدكتورة ناهد طوبيا بأنه لا يحق منع النساء الإفريقيّات البالغات من قرار ختان أنفسهن كما هو الأمر فيما يخص العمليّات الجراحيّة التجميليّة التي تقوم بها النساء الغربيّات. فلم ينادي أحد بمنع الأطبّاء من إجراء مثل هذه العمليّة [197] . وتضيف بأنه قَبل تلبية رغبة البالغة في إجراء الختان، يجب تقديم المعلومات لها كما يجب إعطائها الحظ في التعلّم والعمل. فعندما تكون في حالة إستقلال تام ويمكنها إعطاء رأيها بكل حرّية، عند ذلك لها الحق في إجراء الختان [198] .
وقد يشفع لهذا الموقف الخوف من عواقب الختان الذي يجريه غير الأطبّاء. فيكون ختان الذكور والإناث البالغين على يد طبيب أقل شرّاً. وهناك خوف من أن يلاقى رفض عمل الختان في هذه الحالة إصراراً من قِبَل الشخص ومحاولة إثبات شخصيّته أمام معارضيه. ولكن هذا المنطق ينطبق ليس فقط على ختان البالغين، بل أيضاً على ختان القاصرين. فإذا ما أخذنا به، فعلينا في هذه الحالة أيضاً السماح بختان القاصرين خوفاً من عواقب الختان الذي يجريه غير الأطبّاء وخوفاً من تشدّد الأهل في إثبات هويّتهم. ولنا عودة إلى هذا الفكر في فصلنا القادم عندما سنتكلّم عن إباحة الختان الطبّي خوفاً من الختان غير الطبّي.
إلاّ أنه يمكن إعتبار موقف مؤيّدي الختان في السماح به في سن البلوغ حيلة يقصد منها أوّلاً حماية القاصر من تعسّف الأهل والأطبّاء وتركه إلى أن يكبر. وهذا التأخير سوف يؤدّي إلى رفض البالغ إجراء العمليّة في الأكثريّة الساحقة من الحالات. ولكن ما العمل لو أن البالغ قرّر رغم ذلك ختان نفسه؟ في هذه الحالة، نرى أنه يجب عليه ختان نفسه بنفسه، إذ لا يحق للطبيب ختانه، لأن في ذلك مخالفة للأخلاق الطبّية. وهذا يتّفق مع موقف بعض الفقهاء الذين يرون بأنه لا يحق للبالغ أن يري فرجه للآخرين، لذلك عليه أن يختن نفسه بنفسه إن قدر على ذلك، وإلاّ فهو معفى من الختان. ونقرأ عند إبن طولون (توفّى عام 1546): «كثيراً ما يقصد بعض السفلة والرعاع جب ذكره، كما يفعله المبتدعة، ومن غلبه حب من لا يصل إليه، ممّن لا يكون عقله ثابتاً. فلا يحل للمزيّنين مطاوعته على ذلك» [199] . ونحن لا نرى فرقاً بين الطبيب الذي يختن شخصاً بناء على طلبه دون سبب طبّي عن الطبيب الذي يقطع يد سليمة حتّى وإن وافق صاحبها على ذلك. فإذا ما جن شخص بالغ وقرّر ختان نفسه بنفسه، فنحن لا نرى هنا داع من حمايته من جنونه، وعلى هذا الشخص أن يختن نفسه إذا أراد ذلك، ولكنّه يتحمّل عواقب فعله. فإذا إعتبرت الدولة أن العمليّة قد أجريت للتهرب من الخدمة العسكريّة، فلها الحق في ملاحقته.
إن كنّا نريد أن نسير وفقاً للقانون ونحترم حقوق الإنسان، فإنه يجب معاملة الختان كأي عمليّة جراحيّة، دون تمييز بين ختان الذكور والإناث. ممّا يعني منع إجرائها والمعاقبة عليها إذا لم تتوفّر فيها شروط الإباحة الثلاثة: وجود ضرورة طبّية، وموافقة المريض أو وليّه، وممارسة العمليّة من قِبَل شخص مرخّص له ضمن أصول القواعد والأخلاق الطبّية.
وحقيقة الأمر أن هناك تسيّب واضح من قِبَل السلطات التشريعيّة والقضائيّة والتنفيذية والهيئات الطبّية في مجال الختان، وخاصّة ختان الذكور. فالختان يتم يومياً دون أن تتوفّر فيه شروط الإباحة. ونادراً ما يلاحق من يقومون به. وهنا تطرح مشكلة لماذا لا يتّفق الواقع مع القواعد المثاليّة، وكيف يمكن الوصول إلى ذلك.
في مقابلة أجرتها «لايتفوت كلاين» مع سيّدة سودانيّة مختونة جاء ما يلي:
سؤال: هل تظنّين أن بناتك إذا لم تختن سوف تلاقي متاعب في المجتمع؟
الجواب: لا أظن ذلك لأن هناك بعض الناس في الخرطوم الذين لا يمارسونه. فالأوضاع تتغيّر. وبعد 200 سنة لن يقوم أحد بهذه العمليّة.
سؤال: هل تظنّين أنه سوف يأخذ وقتاً طويلاً كهذا؟
الجواب: نعم، وربّما لأكثر من 300 سنة. حتّى المثقّفون ما زالوا يجرون هذه العمليّة كما في الماضي. ولو كان عندهم قوانين شديدة مطبّقة، لكان بالإمكان الإنتهاء من تلك العادة بسرعة أكبر. لو وضعتي بعض الدايات التي تجري تلك العمليّة في السجن، لتوقّفن عن هذه العمليّة. لو قتلتي بعضاً منهن أمام الجميع، لانتهت هذه العادة.
سؤال: ولكن إذا سيطرتي على الدايات والممرّضات اللاتي يجرين هذه العمليّة، أليس هناك خوف في أن يحل من لا دراية له بها محلّهن؟
جواب: لا أظن ذلك. فهذه العادة سوف تتوقّف لو أنك تخلّصتي من بعضهن لأن ذلك سوف يجعلهن يخفن من إجراء العمليّة [200] .
ونقلت «لايتفوت كلاين» عن طبيب سوداني قوله أن البوليس لا يحاول أن ينفّذ القانون الذي يمنع الختان، وإذا ما حدثت مضاعفات فإن العائلات تتخفّى عليها لأنه من العيب ذكر ذلك، مفضّلة أن تنزف البنت حتّى الموت بدلاً من أن تشتكي على الداية. ومن يتجرّأ على الإشتكاء، فإنه لن يتمكّن من البقاء في محيطه. فالكل سوف يطرده من ذلك المحيط. ويذكر هذا الطبيب كيف أنه أُحضِر له فتاة تنزف بسبب خطأ الداية التي قطعت وريداً. وقد أصر الطبيب على معرفة إسم الداية وتعبئة إستمارة في هذا الخصوص لملاحقتها. ولكن رفض الأهل ذلك مفضّلين ترك المستشفى. وعندها تخلّى الطبيب عن موقفه خوفاً من موت الفتاة. وقد إستمرّت الداية في عمل الختان دون أيّة مشكلة، فهي من نفس القبيلة التي تنتمي لها عائلة الفتاة. وإذا توفّت الفتاة، فإن ذلك يُقبل كإرادة الله [201] .
وتقول الدكتورة الإيطاليّة «جالو» أن التغيير في عادة الختان يجب أن يأتي من داخل الجماعات، ليس مفروضاً عليها من فوق. فالتدخّل من فوق أمر له مخاطره. ووضع قانون يحرِّم الختان ليس فيه فائدة لا بل قد يؤدّي إلى نتائج عكسيّة لأنه تدخّل في الشؤون العائليّة وعامل تفكيك بين القبائل. وهي تنتقد السيّدة «هوسكن» التي ترى أنه إن كان ممكناً حذف ربط أقدام الصينيّات بقانون، فإنه يمكن حذف ختان الإناث كاملاً بقانون. وترد الدكتورة الإيطاليّة بأن هناك إختلاف بين عادة ربط الأقدام في الصين وعادة الختان في الصومال. فعادة ربط الأقدام كانت متقصرة على الطبقة العليا ولأسباب جماليّة وليس دينيّة، بينما عادة الختان في الصومال فإنها عادة منتشرة في جميع الطبقات التي تعتبرها عادة دينيّة. ويجب التعلّم من التجربة الحبشيّة والكينيّة والسودانيّة حيث لم يؤدّي القانون إلى أيّة فائدة، لا بل أدّى إلى إضطرابات سياسيّة. وبدلاً من تدخّل من أعلى فمن المفضّل القيام بحملة توعية صحّية شاملة للمرأة الصوماليّة [202] .
وتقول محامية مصريّة دافعت في قضايا ضد ختان الإناث أنه رغم وجود قانون في مصر، فإن هذا القانون لا يطبّق
«لأنه لا يتصوّر أن يتم إدانة وعقاب معظم أفراد المجتمع، الذين يحرصون على هذا الفعل ويمارسونه على سند من مرجعيّات مختلفة! ولأن القانون لا يطبّق جبراً على كل الخاضعين له، بل هو يطبّق جبراً فقط على قلّة قليلة لا تحترم القانون ولا تخضع له طوعاً. لكن يساعد الناس على الخضوع الطوعي للقانون، تنقية وعي الناس من الزيف والخرافات التي تسيطر على طرق تفكيرهم، وتوهّمهم وتدفعهم إلى ممارسة ما هو بالضبط عكس مصالحهم. توعية الناس بأن القانون في تجريمه لمثل هذا الفعل يعبّر عن مصالحهم ويدافع عنها، بأن يوضّح لهم الآثار السلبيّة التي تعاني منها الزوجة وبالتبعيّة الزوج نتيجة لهذا الفعل. وهذا واجب ضخم ملقى على أكتافنا جميعاً» [203] .
ويرى الدكتور أحمد شوقي الفنجري أن الهدف الرئيسي هو إستصدار قانون رادع لمنع الختان. ولكنّه يضيف:
«من الناحية العمليّة فإن إستصدار أي قانون يتصدّى لمثل هذه العادات الشعبيّة المنتشرة في مصر في الريف والمدن سوف يجعل هذا القانون حبراً على ورق ما لم يقتنع الشعب كلّه به. وأوّل من يخالفه هم الآباء والأمّهات الذين ألفوا ممارسة هذه العادة عن آبائهم وأجدادهم. وأخطر هذه العادات الموروثة هو الذي يتستر تحت عباءة الدين. فمن الصعب محاربته إلاّ بالإقناع الديني أوّلاً. ومن هنا فإن إستصدار أي قانون حول عادة الختان يجب أن يبدأ بحملة توعية واسعة جدّاً تشمل الجانب الطبّي عن أضرار الختان والجانب الديني عن أن الإسلام بريء منه ولم يأمر به. ويجب أن يتعاون في هذه الحملة لجنة من الفريقين معاً، الأطبّاء ورجال الدين المتفتّحين والمستنيرين» [204] .
إن كنّا نفهم أنه من الصعب تنفيذ قانون يحرّم عادة تتبنّاها أغلبيّة السكّان، إلاّ أننا نلاحظ أن القانون لا ينفّذ حتّى في الدول الغربيّة حيث تمارس أقلّية ختان الإناث. فالعادات الإجتماعيّة لا تلغى بجرّة قلم. فهناك قوى تمنع صدور القوانين. وإن صدرت، فإنها تمنع تنفيذها.
فالمشرّع الدولي والوطني ترك ختان الذكور مشاعاً بين يدي رجال الدين ورجال الطب خوفاً من إتّهامه بمعاداة اليهود والمسلمين. أمّا فيما يخص ختان الإناث فقد تبدّل موقفه. ففي المرحلة الأولى، تغاضى المشرّع الدولي والغربي عن ختان الإناث معتبراً ذلك من الأمور الثقافيّة الخاصّة بمن يمارسونه. ثم بعد ذلك قرّر منع جميع أنواع ختان الإناث وطالب الدول التي تمارسه بسن قوانين ضدّه ومعاقبة أصحاب المهن الطبّية إذا ما إشتركوا به. وبهذا ميّز بين ختان الذكور وختان الإناث دون وجه حق. وموقف المشرّع الدولي والغربي الذي يدين ختان الإناث نابع من ضعف الدول التي تمارسه والتي يظن الغرب بأنه يستطيع فرض إرادته عليها. إلاّ أن الغرب ذاته لم يتمكّن من إلغاء ختان الإناث على أرضه. لأسباب نذكر منها:
تتم عمليّة الختان في محيط العائلة على قاصرين، وأفراد العائلة يعتقدون بأن ما يقومون به هو الذي يجب إجراؤه لمصلحة الطفل أو الطفلة. ولذلك ليس هناك شعور بالجريمة في تلك العائلة، وليس هناك من يشتكي. وعندما يكبر الطفل، فإنه قد ينسى ما جرى عليه، وقد ينسجم مع مجتمعه فيمارس الختان بدوره على غيره. وعلى كل حال، من الصعب عليه أن يرفع دعوى على أهله إذا ما إعتبر أن أهله لم يفعلوا إلاّ الخضوع لعادة متوارثة ولم يقصدوا الضرر به. وقد يكون الذي أجرى عمليّة الختان قد توفّى أو ضاع أثره. وهناك مشكلة التقادم. فبعد مرور وقت طويل على إرتكاب جريمة، لا يحق للضحيّة رفع دعوى على الجاني لفوات الوقت. ولذلك يرى البعض ضرورة إعطاء الشخص بعد البلوغ الحق في رفع دعوى لجرم اقتُرف بحقّه عندما كان صغيراً.
وهناك موضوع سر المهنة. فقد جاء في قسم أبقراط: «كل ما يصل إلى علمي أثناء ممارسة مهنتي أو خارجها أو في إتّصالي اليومي للناس ممّا لا يجوز إذاعته فإني أحتفظ به سرّاً مكنوناً». فهل يحق للأطبّاء أو الممرّضات أن يبلغوا المدّعي العام عن عمليّات الختان التي تصل إلى علمهم من خلال ممارستهم مهنتهم الطبّية؟ وهل لهم أن يبلغوا فقط عن الختان الذي يتم في بلدهم أم أيضاً عن جميع حالات الختان مهما كان مكان إجرائها؟ وإلى أي حد يمكن مساءلة الطبيب الذي لم يبلغ عن ذلك؟ هذا مجال يصعب تحديده.
فعلى سبيل المثال جاء في جواب المجلس الفدرالي السويسري حول ختان الإناث: «يمكن للأطبّاء وأعضاء مهن العلاج المساعدة إبلاغ السلطة المختصّة بالولاية على القاصرين إذا ما وصل إلى علمهم بأن عمليّة بتر للإناث قد تمّت في سويسرا، وذلك رغم سر المهنة». وهذه الصياغة تترك الحرّية للأطبّاء في التبليغ أو عدمه. ويضيف هذا المجلس: «يعتبر قانون العقوبات بتر البظر جرحاً جسديّاً خطيراً. وبما أن سلامة الجسد أحد أثمن الأشياء التي يحميها القانون السويسري، فإن أي شخص يجري عمليّة بتر طقسيّة للأعضاء الجنسيّة، خاصّة على الإناث الصغيرات، يعتبر مقترفاً جريمة تلاحق تلقائياً». ولكن لملاحقته تلقائياً يجب التعرّف عليه أوّلاً! وفيما يخص ختان الإناث الذي يتم في الخارج، يقول المجلس الفدرالي بأنه لا يرى ضرورة أخذ خطوات لفرض مثل هذا التبليغ لأن هذا يتطلّب تبنّي قاعدة قانونيّة خاصّة.
ونشير هنا إلى أن بعض القوانين، مثل القانون الألماني، تعاقب الجرائم التي تقترف في الخارج، مثل الإنتاج التجاري للصور الخلاعيّة للأطفال. وتطالب محامية ألمانيّة تكميل هذا النص ليتضمّن ختان الإناث [205] .
هذا ويقول الأستاذ أحمد شنن، المحامي بالنقض ونقيب المحامين بالقاهرة سابقاً:
«يحق لكل من يعلم أن أحد حلاّقي الصحّة أو إحدى الدايات أو أحد الأطبّاء أو غيرهم قد أجرى عمليّة الختان [للإناث]، أن يبلغ الجهة المختصّة وهي الشرطة لكي تحرّر له محضراً بذلك تمهيداً لتوقيع العقوبة عليه. ولا يكفي تنازل المجني عليها عن الشكوى، ذلك أن الشق الجنائي لا يخص الأفراد، وإنّما يخص المجتمع الذي تمثّله النيابة العامّة. وجريمة الجرح ليست من الجرائم التي إشترط القانون فيها حصول شكوى. ففي الغالب ألاّ تشكو الأنثى أو أهلها لأن الفعل قد تم بموافقتهم. وبالتالي فإن من حق النيابة العامّة أن تقدّم الذي أقدم على هذا الفعل الشائن للمحكمة الجنائيّة ليلقى جزاءه ويكون عبرة لغيره إذا قدّم لها بلاغ من أي شخص، أو إذا ما نمى إلى علم رجال الشرطة وقوع مثل هذا الفعل المؤلم» [206] .
ونشير هنا إلى أن منظّمة العفو الدوليّة قد تبنّت قراراً عام 1996 حول دور أصحاب المهن الطبّية في فضح التعذيب والمعاملة السيّئة (والتي بينها ختان الإناث). فهي تطالبهم إذا ما شاهدوا ذلك بأن يقوموا بإبلاغ ملاحظاتهم للمسؤول المباشر عنهم ولمنظّمتهم المهنيّة. وفي حالة عدم تحرّك المسؤولين والمنظّمات المهنيّة، أو إذا إعتبر أصحاب المهن الطبّية أن مثل هذا الإبلاغ يعرّضهم للخطر الشديد، فعليهم إبلاغها للمنظّمات المهنيّة الدوليّة والإنسانيّة. كما تطالب منظّمة العفو الدوليّة المنظّمات المهنيّة الدوليّة عمل تحقيق حول المنظّمات المهنيّة الوطنيّة التي تشارك في خرق حقوق الإنسان واتخاذ العقوبات تجاهها [207] .
ولكن رفع الدعوى بحد ذاته لا يضمن الملاحقة القضائيّة حتّى في الدول المتقدّمة. ففي عام 1980 قام طبيب في فرنسا بتبليغ المحكمة عن وفاة بسبب ختان إناث. ثم ذهب الطبيب إلى هيئة حماية القاصرين وتم فتح تحقيق في هذه الدعوى. وقد دام التحقيق لمدّة ثمانية أشهر، والمحقّق يتنقّل بين المدرسة والهيئة الإجتماعيّة والمستشفى حيث إكتشف حالات ختان أخرى ولكن الكل يسكت ولا يعطي المعلومات الضروريّة. وفي هذه الأثناء وقَّع أكثر من 80 طبيباً على عريضة ترفض إجراء ختان الإناث في المحيط الطبّي. ولكن وزيرة شؤون المرأة السيّدة «ايفيت رودي» أسكتتها [208] . هناك إذن إعتبارات سياسيّة ومهنيّة تمنع سير العدالة في مجال الختان.
وبالإضافة إلى تلك الإعتبارات هناك من يتخوّف من أن يؤدّي رفع دعوى على الأهل إلى تعريض حياة الطفلة إلى خطر الموت. فالأهل قد يرفضون اللجوء إلى الطبيب لمعالجة طفلتهم خوفاً من الملاحقة القضائيّة. كما أنه ليس من السهل على الأهل رفع دعوى على من قام بالختان حتّى عندما يحدث مضاعفات لتلك العمليّة لأنهم أنفسهم شركاء في الجريمة. والخاتن، طبيباً كان أو حلاّق صحّة أو داية، يتمتّع بنوع من العصمة في المجتمع يصعب التصدّي لها. فله من يحميه في محيطه. كما أن حدوث مضاعفات، مثل قطع حشفة الطفل في الختان، يحدث خجلاً كبيراً يُفضّل السكوت عليه. فكما يقول المثل العامّي: «غلب باستيرة ولا غلب بفضيحة». وهناك من ينسب مثل هذه الخطأ إلى إرادة الله عملاً بالمثل «إلّي إنكتب غلب والّي إنبلى يسكت». فالشعب يعتقد بأن الطبيب معصوم عن الخطأ. وكل غلطة تقع من قِبَل الطبيب تفسّر بأنها تدخل ضمن «المكتوب»، ممّا يعني أن في ذلك إرادة الله منذ الأزل [209] .
ولنفرض أن قضيّة رفعت إلى القضاء، عند ذلك تطرح مشكلة المسؤوليّة. من هو المسؤول عن هذه العمليّة جنائيّاً ومدنيّاً؟ أي من هو الذي يجب عقابه وتغريمه تعويضاً عن الضرر الناتج عن عمليّة الختان؟ هل هم الأهل؟ أو من قام بهذه العمليّة؟ أم رجال الدين الذين يروّجون لها؟ أم المنظّمات الطبّية التي لم تأخذ موقفاً صارماً بخصوصها؟ أم الدولة التي لم تفعل شيئاً للكفاح ضدّها وتركت الختان مشاعاً دون تنظيم شروط إجرائها؟
تكلّمت يوماً مع طبيب يمني حول موضوع ختان الذكور والإناث بحضور أحد العامّة. وعندما تبيّن له أن ختان الذكور الروتيني ليس له سبب طبّي، وأن القرآن لم يذكره، وأن الأحاديث النبويّة التي يُعتمد عليها كلّها ضعيفة، سأل مازحاً بنوع من الإمتعاض: «أحاديث ضعيفة وبيقَطَّعوا فينا عن جنب وطرف دون سبب طبّي!؟ طيّب وعند مين نطالب بالتعويض؟» فأجبته مازحاً: «روح دق برقبة الشيوخ إلّي ضحكوا على الشعب». هذا ولا يخفى على أحد الدور المشؤوم الذي لعبه شيخ الأزهر جاد الحق الذي أفتى بأن «الختان للرجال سُنّة وهو من الفطرة وهو للنساء مَكرُمَة فلو إجتمع أهل مصر على ترك الختان قاتلهم الإمام لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه» [210] .
ونشير هنا أنه في قضيّة الطفلة الماليّة «تراوري» التي توفّت في فرنسا بعد ختانها عام 1983، قال محامي العائلة الماليّة: «يقال لنا أن الأفارقة الذين يمارسون ختان الإناث على أرضنا يخالفون القانون الفرنسي. ولكن لماذا لم تطبّق السلطات الفرنسيّة القانون الفرنسي عندما كانت السلطة المستعمرة في مالي؟ لأنها لم ترد أن تصطدم بالعادة مباشرة» [211] . وتوسيع نطاق المسؤوليّة نجده خاصّة عند السيّدة «فران هوسكن». فهذه السيّدة ترى أن الدول الغربيّة مثل فرنسا لم تفعل شيئاً في مستعمراتها، وتسكت عن ختان الإناث الذي يتم على أرضها، ولا تدعم الحركات المعارضة له. وعند إصدار حُكم ضد ختان الإناث، فإن النساء تعاقب وتسجن، أمّا الرجال فيتركون أحراراً رغم أنهم هم الذين دفعوا تكاليف الختان. ولم يتم سجن إلاّ رجل واحد، وهو الذي ختن الفتاة، ضمن 18 قضيّة. فالقضاء الفرنسي الذي يسيطر عليه الرجال يرفض معاقبة الرجال الأفارقة. وما دام أن الرجال لا يُعاقبون، فإن ختان الإناث سوف يستمر في فرنسا وفي إفريقيا وتتحمّل فرنسا وقضاؤها مسؤوليّة ختان الإناث [212] . كما أن «فران هوسكن» تحمّل المنظّمات الدوليّة المسؤوليّة، وخاصّة منظّمة اليونيسيف، والكنيسة الكاثوليكيّة، والهيئات الطبّية. لا بل إنها تحمّل المسؤوليّة للرجال عامّة لأن مقاليد السلطة في أيديهم. ففي تقول: «يجب التذكّر دائماً أن الرجال هم المسؤولون جماعيّاً وأفراداً عن إستمرار هذه العادة» [213] . وهي ترى أن هناك مسؤوليّة بالإهمال ومسؤوليّة بالفعل. والنتيجة واحدة. فالدول الغربيّة تعرف أن عمليّة الختان تجرى على أرضها، ولكنّها لا تفعل شيئاً. كما أن مساعداتها للدول الإفريقيّة تستعمل لإجراء تلك العمليّة في المستشفيات. وبسكوتها عن ختان الإناث، تتحمّل هذه الدول مسؤوليّة خرق حقوق الإنسان في هذا المجال [214] .
يتحجّج المهاجرون الذين يختنون فتياتهم في فرنسا بأنهم يجهلون أن القوانين الفرنسيّة تمنع ختان الإناث رغم إثارة وسائل الإعلام هذه القضيّة على نطاق واسع. ومثل هذه الحجّة نجدها أيضاً في مصر. فالحلاّق الذي صوّرته شبكة التلفزيون الأمريكيّة «سي إن إن» وهو يجري عمليّة ختان الإناث قال عندما ألقى البوليس القبض عليه بأنه كان يجهل أن هذه العمليّة ممنوعة قانوناً، فكثيرون مثله يجرونها يومياً. ولتفادي اللجوء لمثل هذه الحجّة، تحاول الدول الغربيّة إبلاغ المهاجرين الذين يأتون من دول يمارس فيها ختان الإناث بمحتوى القانون.
وهناك من يتذرّع ليس بالجهل بالقانون، بل بالجهل بحدوث العمليّة. فكثيراً ما يقول الآباء بأن ختان الإناث هو قضيّة بين النساء فلا يتدخّلون فيها. وعليه فإن النساء هي التي تتحمّل العقاب. ويشار هنا إلى أن الأب هو الذي يدفع المبلغ. ولذا من الصعب القول بأنه لم يكن يعرف بحدوث الختان. وقد بينّا سابقاً بأنه إذا كانت النساء تقوم بالختان وتحافظ عليه، إلاّ أن ذلك نوع من الوكالة الضمنيّة من قِبَل الرجال للنساء. والرجال لا يتدخّلون في هذه الشئون ما دامت النساء خادمات وفيّات لهم. والموكّل مسؤول عن فعل وكيله.
إن تغيير المجتمع يمكن الوصول إليه عن طريق الثورة التي تقلب الأوضاع والأفكار رأساً على عقب بين ليلة وضحاها، أو عن طريق التدرّج والتطوّر، بحمل المجتمع على التغيير درجة درجة. وقاعدة التدرّج معروفة عند فقهاء المسلمين، ويضربون مثلاً عليها تحريم الخمر في القرآن الذي تم على مراحل. فقد بدأ القرآن بالقول إن فيها «إثم كبير ومنافع للناس» (البقرة 219:2). ثم طلب تركها عند الصلاة: «لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى» (النساء 43:4). وأخيراً نهى عنها تماماً طالباً اجتنابها (المائدة 90:5-91). ونفس المشكلة طرحت مع الختان. فهناك من يطالب بتخفيف مخاطر الختان بإجرائه على يد الأطبّاء، والإنتقال من الختان الشديد إلى ختان خفيف، ومن ثم إلى ختان رمزي، وتكريس الجهد ضد ختان الإناث قَبل خوض معركة ختان الذكور. ولكن هناك من يرفض مثل هذا التدرّج. هذا ما سنراه هنا.
بعد أن كانت منظّمة الصحّة العالميّة ترفض التدخّل في ختان الإناث، جاء في تقرير 1976 لمستشارها الصحّي الدكتور «روبيرت كوك»، وهو من أصل أمريكي، بأنه لن يهتم إلاّ بالختان الفرعوني، تاركاً الأنواع الأخف من ختان الإناث، خاصّة أنها كانت تمارس في بلده. وقد حاول بعض المتدخّلين الأفارقة في مؤتمر الخرطوم لعام 1979 إباحة ختان الإناث الذي يتم طبّياً. إلاّ أن هذا الإقتراح تم رفضه. وقد أكّدت على هذا الرفض منظّمة الصحّة العالميّة عام 1982 معلنة بأنه يُحرَّم على المهن الطبّية إجراء ختان الإناث. كما أكّد مؤتمر داكار لعام 1984 على هذا المنع لأن الطب لن يحل المشكلة بل سوف يكون مجرّد غطاء تمويه لها موضّحاً بأن «كل عمليّة جراحيّة لا ضرورة لها وتتضمّن مخاطر للمريض تعتبر مخالفة للأخلاق الطبّية» [215] .
وقد بيّن بعض المتدخّلين في مؤتمر الأمم المتّحدة الذي عقد عام 1991 في «وجدوجو» (بوركينا فاسو) بأن مهني الطب، خاصّة لأسباب ماليّة، يحاولون أخذ محل المولّدات والخاتنات لإجراء تلك العمليّة في المستشفيات. وهؤلاء ليس فقط يستفيدون من ممارسة ختان الإناث، خاصّة في المدن، ولكنّهم يساعدون على إستمرار هذه العادة بتقليل مضارّها. «صحيح أنهم يستعملون الوسائل النظيفة كالشفرات والضمّادات المعقّمة. غير أنهم، بسبب جشعهم، ينسون عمداً الطبيعة المشؤومة لختان الإناث. ولوعيهم بثقة واحترام الشعب لهم، يستغلّون سذاجة الأهل لكي يبيّنوا لهم صحّة العادة. وقد رأى المشاركون أنه يجب مكافحة هذا الإتّجاه بشدّة لأنه يؤدّي إلى تقديم مشروعيّة جديدة لختان الإناث» [216] .
وفي عام 1992، أكّدت منظّمة الصحّة العالميّة في المؤتمر الذي عقد في هولندا رفضها إجراء عمليّة ختان الإناث طبّياً مهما كان نوعها. فقد دار جدل كبير في ذاك البلد حول هذا الموضوع بسبب تزايد الهجرة الصوماليّة واقتراح منظّمة لحماية الأطفال يعمل فيها أطبّاء وممرّضات بوضع قانون يسمح إجراء ختان خفيف «غير باتر» في المستشفيات من قِبَل أطبّاء النساء والتوليد. وتحت ضغط المنظّمات النسائيّة، تراجعت الحكومة عن هذا الإقتراح [217] . وقد علّقت فران هوسكن على هذا الجدل قائلة بأن النساء يجب أن يكن دائماً في يقظة ضد من يحاول التعدّي على سلامة جسدهن. ولكن هذه التجربة الهولنديّة بيّنت أنه كان من الممكن توفير وقت ومال كثير كان يمكن إستعماله لتثقيف النساء الصوماليات حول صحّتهن الإنجابيّة وتحريرهن من الأفكار الخاطئة الضارّة. وتضيف «هوسكن» بأن المسؤوليّة في التغيير تقع على عاتق الرجال. فيجب تبليغ الرجال الصوماليين الذين يأتون إلى هولندا بأن عليهم إحترام القانون الهولندي، وأنهم مسؤولون إذا ما تم ختان نسائهم، وإن بتر الأطفال يعتبر جريمة في كل مكان في الغرب. وإذا هذا الأمر لا يرضي الرجال، فما عليهم إلاّ العودة إلى المكان الذي جاؤوا منه [218] .
وقد جاء في البيان المشترك الذي صدر عام 1997 عن منظّمة الصحّة العالميّة واليونيسيف وصندوق الأمم المتّحدة للسكّان حول ختان الإناث أن «العواقب الصحّية تختلف حسب الطريقة المتّبعة. ولكن ختان الإناث مرفوض عالمياً لأنه إنتهاك للسلامة الجسديّة والنفسيّة والجنسيّة للنساء والفتيات، ويعتبر نوعاً من العنف الواقع عليهن» وعرّف هذا البيان ختان الإناث كما يلي: «كل إجراء يتم فيه إزالة جزئيّة أو كلّية للأعضاء التناسليّة للإناث أو غيرها من الأضرار التي تمس بتلك الأعضاء لأسباب ثقافيّة أو غيرها من الأسباب التي لا علاقة لها بالعلاج» [219] .
وتتّهم السيّدة «فران اوسكن» الأطبّاء بأنهم يُروّجون لإجراء ختان الإناث طبّياً بسبب جشعهم المادّي. فهم الذين إعترضوا على تبنّي بريطانيا قانوناً ضد ختان الإناث. وتشير إلى أن طبيباً بريطانياً حاول أيضاً الدعاية لإجراء الختان الفرعوني طبّياً [220] . وتضيف بأن الختان الطبّي سوف يساعد في تخليص حياة بعض الفتيات، خاصّة فتيات السياسيين والطبقة الغنيّة التي تتمكّن من دفع تكاليف العمليّة. أمّا باقي الفتيات الفقيرات، فإن ذلك لن يغيّر من وضعهن شيئاً. وإجراء الختان طبّياً سوف يجعل من الختان نظاماً مقبولاً يجلب ربحاً للأطبّاء وممارسي المهن الطبّية الذين سوف يدعمون إجراءه [221] . وتضيف:
«قَبل أن ندرس إمكانيّة إجراء ختان الإناث طبّياً كبديل للختان غير الطبّي، يجب دراسة إمكانيّة قطع القضيب طبّياً. فقد تم رفض إقتراح إجراء ختان الإناث طبّياً في مؤتمر الخرطوم. ولكن ما زال الرجال يعيدون علينا هذا الإقتراح. ولذلك يجب عمل دراسة مقارنة من منظّمة الصحّة العالميّة حول المعطيات البيولوجيّة والصحّية. فقطع القضيب سوف يكون من جهة الربح المادّي أفضل من بتر بظر المرأة. ومثل هذه الدراسة سوف تساعد في زيادة وعي الرجال. ويجب أن تقدّم لجميع السياسيين في إفريقيا وفي الشرق الأوسط ولجميع الأطبّاء الذين يهمّهم إجراء ختان الإناث في المستشفيات» [222] .
وإذا ما أردنا إجمال مختلف النصوص الدوليّة والغربيّة ومواقف المنظّمات غير الحكوميّة المعارضة لختان الإناث، نجد أنها تطالب بما يلي:
- تحريم جميع أنواع ختان الإناث الذي يتم لسبب غير طبّي.
- منع أصحاب المهن الطبّية من المشاركة في إجرائه ومعاقبة المخالفين.
- محاكمة الأهل الذين يختنون أولادهم لردع الآخرين عن هذه الممارسة.
- فرض رقابة على سفر المهاجرين الذين قد يعرّضون أولادهم للختان في دولهم. فيمنعون من أخذ أطفالهم إلى بلدهم.
- ربط السماح بالبقاء في الدول الغربيّة باحترام سلامة الجسد.
- إبلاغ المهاجرين الجدد عند دخولهم بأن الختان ممارسة ممنوعة.
- قطع المعونة الإقتصاديّة عن الدول التي تستمر في ممارسة ختان الإناث.
- إعطاء اللجوء السياسي أو على الأقل حق الإقامة الإنسانيّة للنساء الهاربات من بلدهن تخوّفاً من ختانهن أو ختان أولادهن. وسوف نعود إلى هذه النقطة في آخر هذا الفصل.
ونشير هنا أن المشرّع السوداني، ومن بعده المشرّع المصري، قد حاول إتّباع قاعدة التدرّج مانعاً الختان الفرعوني ومبيحاً الختان الذي يتم على يد الأطبّاء. وهذا الإتّجاه نجده في القرار الوزاري الذي صدر بعد مؤتمر السكّان في القاهرة لعام 1994 والذي يسمح للمستشفيات بإجراء هذه العمليّة. ولكن هذا القرار أثار ضجّة كبيرة. وقد أيّده البعض ورفضه آخرون، نذكر منهم الدكتورة نوال السعدواي في ردّها على إقتراح طبيبة مصريّة بأن يسمح بختان الإناث في المستشفيات العامّة وذلك للتقليل من الأضرار التي تنتج عن إجرائه خارجها بشرط أن يسبق ذلك تدريب الأطبّاء على كيفيّة إجراء عمليّة الختان بالشكل الذي أباحه الإسلام. ورفض نوال السعدواي يعتمد على الأسباب التالية:
«1) ليس هناك شكل لختان الإناث أباحه الإسلام. هذه العمليّة لا علاقة لها بالإسلام بدليل أن أكثر البلاد الإسلاميّة والعربيّة لا تمارس هذه العادة [...].
2) من المفروض أن تبذل وزارة الصحّة الجهود لتوعية الأطبّاء وجماهير الشعب بمضار الختان وأن تصدر قراراً يحرّم هذه العادة باعتبارها جريمة في حق الإنسان. فهل كون الختان يمارس خارج وزارة الصحّة مبرّر مقبول كي نمارسه في الوزارة نفسها؟ هل كون المخدّرات تباع في السوق خارج وزارة الصحّة مبرّر معقول كي تصدر الوزارة قراراً ببيعها داخل مؤسّساتها؟
3) بدلاً من تدريب الأطبّاء على إجراء هذه العمليّة لماذا لا يتدرّبون على مقاومتها » [223] .
وفي مقال آخر تقول: «كيف نرفع الوعي بمضار شيء ما إذا كان القانون يشرّعه ويبيحه؟» [224] .
ومعارضو ختان الإناث يرفضون إستبدال ختان الإناث حتّى بأبسط أنواعه. فقد ذكر الدكتور محمود كريم، وهو من الذين يدعمون فكرة إجراء الختان بأيدي الأطبّاء، بأن إندونيسيا قد حلّت مشكلة ختان الإناث بإحداث شكّة في جلد البظر فقط [225] . وقد علّقت الدكتورة سهام عبد السلام على كلامه:
«إقتراح الشكّة الذي ينفّذ في إندونيسيا... إقتراح خطير، لأنه يشوّه وعي الناس. إذا كان ختان الإناث لم يرد في أي دين سماوي، فلماذا نطرحه على وعي الناس ونساوم هل نقطع البظر، أم الغلاف، أم نشكّه. الصحيح أن نقول لا. هذا خطأ... ونعرّف الناس أنه خطأ... وندأب على توعيتهم بالموقف الصحيح بدلاً من أن نستجيب لمغالطاتهم باستمرار» [226] .
ومقابل هذا الموقف المتشدّد، هناك من يرى ضرورة التدرّج. يقول الدكتور أحمد شوقي الفنجري بأنه
«من الضروري إصدار قانون على مراحل يسمح بالأوّل بعمل الختان على أيدي الأطبّاء فقط وبصفة رسميّة على أن يقوم الأطبّاء بالتوعية قَبل إجراء هذه العمليّة. ثم بعد ذلك يتم عمل قانون حاسم ونهائي إذا أحتيج له بعد أن تكون هذه العادة قد ماتت واندثرت حتّى لا يعود إليها أحد المشعوذين الذي يجدون في هذه الممارسات رزقهم» [227] .
ونقل هذا الطبيب رأياً لأستاذ جراحة الأطفال عادل لطفي، العضو السابق في اللجنة التي أدانت ختان الإناث عام 1959، يقول فيه:
«طوال أربعين عاماً وأنا أباشر إختصاصي كجرّاح للأطفال لم أشعر خلالها باستياء وانقباض ووحشيّة إلاّ عندما كنت أجري عمليّة الختان في الإناث مضطراً في بادئ عهدي بجراحة الأطفال عندما كانت تهدّدني الأم بلجوئها إلى حلاّق الصحّة. فكنت أشفق على البنت الضحيّة وأجري لها الختان لكن بطريقة غير تقليديّة حيث كنت لا أستأصل البظر بتاتاً وإنّما كنت أستأصل غلاف البظر، تماماً كما يحدث في ختان الذكور حتّى أريح الأم نفسيّاً وأدفع عن البنت شرّاً سوف يحدث لها إذا وقعت في يد جاهلة» [228] .
وتقول الأستاذة «جالو» بأنه رغم عدم دفاعها عن عادة الختان في الصومال، فإنها لا ترى كيف يمكن حذف هذه العادة بصورة كاملة لأنها عادة تمد جذورها في أعماق الثقافة الصوماليّة. وهي ترى بأن تطوّر هذه العادة يجب أن يمر في مجرى التطوّر الطبيعي. فليس هناك أي دليل بأن هذه العادة سوف تختفي بصورة كاملة. ولكن هناك أدلّة بأن هذه العادة تتطوّر نحو تخفيفها. ولا يمكن اليوم الذهاب إلى أماكن الرعاة والطلب منهم أن لا يختنوا أو أن يختنوا بصورة مختلفة عن الختان الفرعوني. فهذا يخالف تماماً نظرتهم للحياة. ولكن هناك إمكانيّة في تحويل الختان الفرعوني إلى ختان سُنّة مع تحوّل الرعاة إلى حضر وسكنهم البيوت. فالتحوّل يجب أن يكون تدريجيّاً ويتطلّب عدّة أجيال ويجب أن يصاحبه تغيير في النظام الإجتماعي ووضع المرأة [229] . وقد بيّنت في مقال لها كتبته مع باحثين بأن هناك حاليّاً في الصومال إستبدال للختان الفرعوني بالختان البسيط أو حتى الرمزي بسبب الوضع المأساوي الذي يعيشه هذا البلد حيث تشح الوسائل العلاجيّة فلا يمكن معالجة مضاعفات الختان الفرعوني [230] .
وتذكر هذه الأستاذة أنه تم وضع بعض مخيّمات اللاجئين الصوماليين تحت إشراف الإيطاليين. وكانت تجرى في هذه المخيّمات عمليّة الختان للإناث من قِبَل ممرّضات محلّيات يستعملن الوسائل العلاجيّة الحديثة مثل المطهّر والمخدّر والإبرة والخيط وغيرها التي تحضر من الدول الغربيّة. وفي بعض الحالات لم يكن يدري الطبيب الإيطالي أن هناك عمليّة ختان تجرى. وفي إحدى تلك المرّات كان الختان يجرى على الطريقة التقليديّة بغرز الشوك في لحم الفتاة لإغلاق فرجها. عندها إقترح أن يقوم بإتمام العمليّة بصورة نظيفة بخيط وإبرة معقّمة. وقد وصلت الأخبار إلى «مقديشو» حيث عاتبه زملاؤه لأنه حسب رأيهم لم يكن عليه أن يتعاون في هذه العمليّة. وقد دافع الطبيب عن نفسه قائلاً بأنه لم يكن أمامه أي خيار آخر [231] .
وفي «جيبوتي» قرّر الإتّحاد الوطني للنساء إستبدال الختان الفرعوني بختان السُنّة. وقد برّر هذا الإختيار بأنه يجب الأخذ بالإعتبار «الشعب المتمسّك جدّاً بالعادات والذي سيرفض كل محاولة غير عقليّة للقضاء على هذه العادة» [232] .
وقد علّقت نشرة اللجنة الإفريقيّة على هذا الموقف بأنه مخالف لموقف منظّمة الصحّة العالميّة ولخطّة العمل التي تم الموافقة عليها في مؤتمر أديس أبابا. وقد أوضحت النشرة أن لكل دولة إفريقيّة أخذ قرار في كيفيّة مواجهة الممارسات التقليديّة الضارّة ويجب ملاءمة القرارات مع الوضع في البلاد. ولكن يبقى الهدف النهائي، وهو ضرورة القضاء على جميع أنواع ختان الإناث حوالي عام 2000. فإذا كانت الوسيلة الأنجع للوصول إلى هذا الهدف هو سياسة الخطوة خطوة، إلاّ أنه يجب ضمن هذه السياسة تقديم معلومات حول الآثار الضارّة لجميع أنواع ختان الإناث، بما فيها ختان السُنّة. ويجب على الزعماء الدينيين في الدول الإفريقيّة إتِّباع نفس الهدف وتعليم الأميين من رجال ونساء بأن ختان الإناث ليس واجب ديني وأن القرآن لا ينص عليه وأن لا فائدة فيه [233] .
وتذكر الكاتبة «لايتفوت كلاين» في حديثها مع السودانيّات حكاية عمّها الذي كان لا بد من قطع ذراعه، فأصر على أن لا يُقطع كلّه حتّى يتمكّن من ممارسة مهنته. وتضيف بأن على النساء الإفريقيّات أن لا تقطع كل الأعضاء الجنسيّة لبناتهن وتبقي لهن بعض الشيء. وهن بدورهن قد يقطعن جزاءاً أقل إلى أن تنتهي العادة. وتذكر بأنها كانت تحمل معها بعض الأدوات الجراحيّة والأدوية عملاً بمثال مبشّر حاول أن يقضي على ختان الإناث ولكن دون أيّة جدوى. عند ذلك لجأ إلى تزويد الشفرات النظيفة على الأقل لحماية ما يمكنه حمايته ولتخليص حياتهن [234] .
ويقول «سيدي تيديان نجويي»، سكرتير عام إتّحاد عمال إفريقيا السوداء المهاجرين في فرنسا، أنه يؤيّد ختان الإناث الذي لا يؤدّي إلى مشاكل عند الولادة ويحمي المرأة من الأمراض ويجعل الفتيات عاقلات ويمكن شفاءه خلال يومين أو ثلاثة. ويضيف: «بطبيعة الحال، لا يمكننا أن نطلب من الحكومة الفرنسيّة عدم تطبيق القانون علينا. ولكن يجب السماح لمن يختن بناته بأن يقوم بذلك في محيط طبّي. نحن نطالب بحرّية الإختيار: هذا هو الحق في الإختلاف» [235] .
وإن كنّا نتفهم موقف الذين يريدون التدرّج في إلغاء ختان الإناث بإجرائه على يد الأطبّاء وفي محيط طبّي صحّي، إلاّ أن هذا لا يضمن بحد ذاته أن تتم العمليّة دون خطر. ويرى البعض إنه إن أردنا السماح بختان الإناث، ففي هذه الحالة، من المفضّل تركه بيد ممارسي الطب التقليدي، لأن رجال الطب سوف يفقدوه إيجابيّاته الإجتماعيّة فيصبح عمليّة ضارّة كلّياً لا فرق بينه وبين أيّة عمليّة بتر. ويشير هذا الرأي أن الطبيب على كل حال ليس أكثر خبرة من ممارسي الطب التقليدي في هذا المجال. فالداية التي تمارس ختان الإناث يتم عامّة تصويرها في الكتابات النسائيّة بأنها جاهلة وعنيفة ودون رأفة، رغم أن لها دور إيجابي في المجتمع [236] .
هذا وقد يشفع لمؤيّدي التدرّج أن يقوم الطبيب بتوعية الأهل، وبذلك يتم تدريجيّاً القضاء على عادة الختان. ولكن هذا لا يضمن بأن لا تزيد عمليّات الختان. فإجراء ختان الذكور في المستشفيات الأمريكيّة قد ساعد على إنتشاره. هناك إذاً مشكلة حقيقيّة يصعب حلّها.
هذا ونجد نقاشاً مشابهاً حول ختان الذكور. فمعارضو هذا الختان عند اليهود يرون إمكانيّة الاكتفاء بقطع جزء بسيط من الغلفة دون اللجوء إلى السلخ، المرحلة الثانية في الختان اليهودي. أو يمكن الاكتفاء بإنزال نقطة دم من حشفة القضيب ما دام أن الدم هو المحور الرئيسي في الختان. ومنهم من يقترح قص جزرة بدلاً من قص غلفة القضيب، مع الإحتفاظ بالتقاليد والعادات التي تصاحبه إذ يصعب خلق فراغ تام وإخلاء المجتمع من جميع الطقوس. وهناك أيضاً من يقترح إجراء الختان تحت التخدير لتفادي الألم والصدمة النفسيّة عند المختون. وهذا الإجراء قد يكون له أثر سلبي إذ يستبعد حجّة ألم الطفل كسبب لإلغاء الختان. فما دام الطفل لا يتألّم ولا يصرخ، يظن الأهل أن لا ضرر يقع على الطفل [237] .
وإذا كان معارضو ختان الإناث يرفضون إجراءه في الأوساط الطبّية خوفاً من إعطائه شرعيّة في أعين الناس، فإن رجال الدين اليهود يعترضون على إجراء ختان الذكور على يد الطبيب لأنهم يرون في ذلك حيلة من قِبَل معارضي ختان الذكور بقصد التدرّج في إلغائه. فإجراء ختان الذكور على يد طبيب يعني أن الختان سوف يصبح مجرّد عمليّة جراحيّة مفرغة من الطقس الديني الذي يصاحبه. ولذلك هم يرفضون تدخّل الدولة في تقرير من يستطيع أو لا يستطيع إجراء هذه العمليّة.
يقول الحاخام اليهودي «موشي روتينبيرج» - وهو معارض للختان رفض ختان إبنه - إن إنهاء الختان عند اليهود أو غيرهم من المجموعات الثقافيّة لا يمر من خلال الفرض، إن كان بقانون أو بأي وسيلة أخرى، حتّى وإن كان الختان في حقيقته تعسّف نحو الطفل. فلإنهائه يجب اللجوء إلى المحبّة والتعليم، وجعل العالم أكثر أماناً لليهود على جميع الجبهات، والإحساس باحتياجات الطفل حديث الولادة: «أصبح صديقاً لليهود وللأقليّات الأخرى، فمن خلال الحرص العميق يمكن فقط حل هذا الموضوع» [238] .
وهذا الرأي اليهودي الرافض لتدخّل المشرّع في مجال ختان الذكور الذي يعتبره اليهود جزءاً من معتقدهم، يقابله رأي إفريقي يرفض تدخّل المشرّع في مجال ختان الإناث. فكل منهم يحرص على مصالحه. يقول الدكتور «كارجبو» في عرضه عن ختان الإناث في «سيراليون» بأنه لا يظن إمكانيّة إلغاء ختان الإناث في بلده من خلال الإجراءات السياسيّة أو القانونيّة لأن ذلك الختان علامة هويّة للجمعيّات السرّية النسائيّة في ذلك البلد. وأنجع وسيلة هو الوصول إلى خلق الثقة بين طبقات المجتمع وأصحاب المهن الطبّية. فبواسطة العلاقة ما بين أصحاب المهن الطبّية والجمعيّات النسائيّة في بلده، تم إقناع بعضهن بعدم إزالة البظر والإكتفاء بإزالة غلفته. وهذا بدوره سوف يؤدّي تدريجيّاً بعد وقت طويل إلى إلغاء تلك العادة تماماً [239] .
وترى ناهد طوبيا أنه يجب التفكير مرّتين قَبل إقتراح قانون للوصول إلى إلغاء ختان الذكور والإناث. فرغم أهمّية القوانين، إلاّ أنها ليست كفيلة لوحدها لحصول تغيير إجتماعي. فد يكون القانون أو الحُكم القضائي وسيلة كفاح جيّدة، ولكن قد يؤدّي إلى عداء وإلى معارك قضائيّة لا نهاية لها [240] .
هناك إذاً من يتساءل ما إذا كان هناك ضرورة لقانون يحكم ختان الذكور والإناث، خاصّة إذا كان هذا القانون لا ينفّذ، وما إذا كان من المفضّل تثقيف الشعب بدلاً من إصدار قانون. هذا جدل قديم. فالبعض يرى أن المجتمع لا يمكنه أن يعيش دون قانون يحكمه. وقد عبّر عن ذلك الرومان بمقولتهم الشهيرة: «حيثما توجد جماعة فهناك قانون». ويرى «شيشرون» (توفّى عام 43 ق.م) بأن المشرّع أكثر تأثيراً من الفيلسوف على المجتمع إذ إنه «يستطيع بواسطة القوانين الجزائيّة أن يجبر شعباً بأكمله على فعل ما يحاول الفلاسفة أن يقنعوا به عدداً صغيراً من الناس» [241] .
والقانون، حتّى وإن لا ينفّذ، وسيلة لإفهام العامّة بأن هناك سيف معلّق فوق رؤوسهم، وأن عادة الختان مرفوضة، فلا يتذرّع الناس بعدم وجود القانون لتبرير عملهم. تقول الدكتورة سهام عبد السلام: «طبعاً القانون لن يحل المشكلة. لا بد من التوعية. لكن بالقياس هناك قوانين كثيرة لا يلتزم بها الناس بسبب عادات سائدة مثل قوانين حظر المخدّرات. ومع ذلك فهذه القوانين موجودة لأن هذا حق المجتمع. القانون وحده لن يحل، لكنّه سيكون عاملاً مساعداً لمن يحاولون الحل» [242] . ويرى البعض في وجود مثل هذا القانون مرتكزاً يعتمد عليه الأهل في قرارهم بعدم ختان إبنتهم. فيستطيعون من خلاله التهديد باللجوء إلى المحاكم في حالة عدم إحترام إرادتهم من قِبَل الجيل الأقدم سنّاً الذي يأخذ عامّة على عاتقه إجراء الختان [243] .
وهناك من يرى في وجود قانون حتّى وإن لم ينفّذ فائدة على المدى البعيد. فقد أشارت دراسة أن نسبة الختان عام 1972 في المناطق الكينيّة التي كانت تسيطر عليها الإرساليات الاسكتلنديّة المناهضة لختان الإناث في العشرينات من القرن العشرين، أقل من نسبته في المناطق التي كانت تسيطر عليها الإرساليات الكاثوليكيّة المتسامحة مع ختان الإناث. ممّا يعني أن أخذ موقف متشدّد ضد ختان الإناث قد يكون له رد فعل معادي في بادئ الأمر، ولكن في نهاية الأمر سيكون له نتيجة إيجابيّة على إنخفاض نسبة ختان الإناث [244] .
وترى عالمة النفس «اليس ميلير» أن القانون وسيلة لحماية الناس من أنفسهم ولتوعيتهم. فسن تشريع يمنع الأهل من ختان أطفالهم يقود الأهل إلى إكتشاف ما مرّوا به من إنتهاك هم أنفسهم. وهذا ضروري حتّى ينهوا تصرّفهم المشين نحو أطفالهم. فالقصد ليس عقاب الأهل، بل السماح لهم لكي يكتشفوا نفسهم. وتذكر مثلاً على ذلك القوانين الاسكندنافيّة التي تفرض علي الأطبّاء أن يبلغوا عن حالات إنتهاك الأطفال. فهذا يساعد في تفهيم الشعب أن الأطفال لهم حقوق يحميها القانون. وهكذا فقط يمكن التخلّص من ظاهرة إنتهاك الأطفال. والأهل سوف يجدون أنفسهم أكثر راحة لو أن المشرّع ساعدهم في رؤية الطريق الذي يجب أن يسلكوه [245] .
وبالإضافة إلى القوانين، يجب إعطاء أهمّية للقضايا التي تثار أمام المحاكم. فمعارضو ختان الذكور في الغرب يرون أن اللجوء إلى القضاء سلاح فعّال في معركتهم. فهو وسيلة لتثقيف الأطبّاء وردع المستشفيات وتنبيه شركات التأمين بأن الختان عمليّة خطيرة وغير ضروريّة. فكل عمليّة تُربح يعني زيادة ضغط شركات التأمين على المستشفيات والأطبّاء لكي لا يقوموا بهذه العمليّة المكلفة قضائيّاً. أضف إلى ذلك أن هذه القضايا سوف تثير إنتباه العامّة وتثقّفهم. وهذا يساعد في إنهاء الختان. ويشدّد المعارضون على عدم إهمال المشاعر في تلك القضايا لأن لها أثر أكبر من التفكير. فالختان في الولايات المتّحدة لا يخضع للعقل بل للشعور، والناس يختنون أطفالهم دون تفكير. ويمكن من خلال قضيّة ترفع ضد ختان فاشل قلب مشاعرهم إذا ما أحسّوا بألم الطفل المختون [246] .
هذا وتؤيّد السيّدة الشاديّة «سارة يعقوب» الملاحقات القضائيّة في فرنسا ضد ختان الإناث. فعقاب الأفارقة في فرنسا سوف يري الأفارقة بأن هذه العادة لا تمارس خارج إفريقيا، وأنها ليست عادة إعتياديّة. وتطالب بأن يتم تبنّي سياسة مماثلة في ألمانيا وخاصّة في مواجهة من يحصلون على اللجوء السياسي [247] . ونفس الموقف تأخذه سيّدة صوماليّة إذ تقول بأنه يجب إعلام المهاجرين بأن ختان الإناث ليس مقبولاً في هذه الدول وأن القانون يعاقب عليه إذا ما تم إجراؤه رغم المنع. وهذا وسيلة لحماية النساء والأطفال [248] .
وترى محامية ألمانيّة أن العقاب الخفيف لا يكفي حتّى يكون رادعاً إجتماعيّاً. وقد يتم التدرّج في العقاب. فيفرض عقاب هيّن في أوّل مرّة، وإذا لم يفد ذلك، عند ذلك يتم فرض عقاب أشد. والعقاب الشديد قد يكون له عواقب وخيمة على أهل الطفل وبصورة غير مباشرة على الطفل ذاته. فيحرم من أبيه أو أمّه الذين يودعان السجن. وعقاب شديد قد يكون له أثر دولي. فيجب عند ذلك القيام بوزن المعطيات قَبل أخذ القرار. ولكن يجب أن يكون العقاب موازياً لشدّة الجريمة. فلا يمكن إعتبار ختان الإناث جريمة أقل شدّة من التعسّف الجنسي، ويجب إفهام ذلك للعامّة وإلاّ فلن يكون للعقاب أثراً رادعاً [249] .
والغريب في الأمر هو أن منظّمة الأمم المتّحدة واللجنة الإفريقيّة تطالبان بسن القوانين، ولكنّهما في نفس الوقت تحتجّان على تنفيذ هذه القوانين. فقد رأت المقرّرة الخاصّة حليمة الورزازي بأن تطبيق القوانين بصورة صارمة على المهاجرين الأفارقة ليست الوسيلة الأنجع، لأن كثيراً من هؤلاء المهاجرين لا يعرفون قوانين البلاد التي تستضيفهم ويعتقدون أن من حقّهم ممارسة عاداتهم في بلاد المهجر. ولذلك يجب أن تسبق التوعية العقاب [250] .
وفي 8 يناير 1993، حكمت المحكمة الجنائيّة في فرنسا على إمرأة جامبيّة عمرها 34 سنة بالسجن لمدّة خمس سنين من ضمنها أربع سنين وقف تنفيذ. فكتبت حليمة الورزازي مع رئيسة اللجنة الإفريقيّة رسالة مشتركة إلى وزير الصحّة والشؤون الإجتماعيّة معلنة عن قلقهما بخصوص هذا الحُكم ومطالبة بأن تعامل هذه الحالة برحمة وحتّى يكون فيها فائدة للمهاجرين من دول تمارس ختان الإناث. فأطفالهم يحتاجون للحماية وليس لعقوبتين: عقوبة البتر وعقوبة فصلهم عن أمّهم. وتضيف الرسالة أن هذه الحالة سوف تتكرّر إلى أن يتم تبنّي سياسة تبليغ جميع المهاجرين بأن هذه الممارسة غير مقبولة وغير شرعيّة مهما كان السبب وراءها [251] .
وقد جاء في مقدّمة نشرة اللجنة الإفريقيّة بأن الوضع في أوروبا يتطلّب إتّخاذ سياسات ملائمة لوضع الجاليات التي تمارس ختان الإناث. فهذه الجاليات توجد في محيط غير محيطها. فهي تهرب من جو إضطهاد وتصل إلى محيط تحاول الإندماج فيه، لا بل البقاء على الحياة فيه. وختان الإناث عادة متمكّنة في المجتمعات الإفريقيّة ولذلك فإنها تثير رد فعل عنيف رغم المخاطر التي تنتج عنها. والسرّية والمحرّمات التي تحيط بهذه العادة منعت أجيال عديدة من الأفارقة من الشك في هذه العادة. ولذلك من الضروري البدء بتفهّم وتحليل هذه العادة ومعرفة نتائجها إذا ما أردنا أن نجد حل لها. وتقول اللجنة بأنها ضد إجراء هذه العمليّة في المحيط الطبّي ولكن الهدف الأوّل للقانون يجب أن يكون التثقيف وليس العقاب [252] .
ويشار هنا أن القانون قد يكون صادر عن الهيئات العليا في الدولة، كما قد يكون ناتج عن مبادرة داخل المجتمع الصغير مثل القرية. فقد نجحت قرية «دير البرشا» في صعيد مصر في القضاء على عادة ختان الإناث بمبادرة داخليّة من أهل القرية. فقد تم هناك عام 1991 التوقيع على وثيقة تعهّد فيها حلاّقو الصحّة والدايات بعدم ممارسة ختان الإناث. وقد وقّعت هذه الوثيقة في إجتماع موسّع حضره أعضاء لجنة المرأة ولجنة القرية ومن بينهم عدد من القيادات الدينيّة في البلد. وقد جاء فيها ما يلي:
إنه في يوم الجمعة الموافق 6/12/1991 إجتمعت اللجنة المنبثقة عن لجنة البلدة بدير البرشا في إستراحة الكنيسة الإنجيليّة وتم مقابلة كل من:
السيّد رحبام معزوز ملك
السيّد عيد قلته حرز الله
السيّدة لويزة لبيب
السيّدة نعمة متّى
الأخت سعيدة عبد السيّد
وبعد توضيح الأضرار والنتائج السيّئة الناجمة عن ختان الإناث أقر الجميع بعدم القيام بهذا العمل، والعمل على توعية الشعب بهذا الأمر. وأقر الجميع أن من يقوم بهذا العمل بعد اليوم يكون معرّضاً للسؤال أمام الله ولجنة البلدة وقانون الدولة.
وهذا إقراراً بذلك».
وقد أمضى الخمسة المذكورون على هذه الوثيقة، وهم الحلاّقون والدايات، كما أمضى عليها أعضاء اللجنة وأوّلهم القس صفوت دانيال [253] .
لا يكفي العقاب بحد ذاته للحد من تصرّف إجتماعي يحرّمه القانون. وليس من العدل وضع الناس بين خيار العقاب وخيار ترك تصرّف ما دون أي تفسير أو تبرير. فلا بد من مصاحبة العقاب بالتثقيف لتوضيح السبب الذي من أجله حرّم ذاك التصرّف والفوائد التي يمكن أن يجنيها الفرد من الإبتعاد عنه. وهناك قول بليغ في القرآن الكريم: «وما أهلكنا قرية إلاّ لها منذرون ذكرى وما كنّا ظالمين» (الشعراء 208:26-209). والختان موضوع معقّد ومتشعّب، ولذلك لا يمكن إيجاد حل بسيط له. ومن هنا تأتي ضرورة فهم هذا الموضوع بصورة شموليّة وطرح حل شمولي له [254] .
وقد ذكرنا في الجزء الطبّي مضار ختان الذكور والإناث والسبل لعلاج هذه الآثار، كما فصّلنا في الجزء الإجتماعي الأسباب النفسيّة والدينيّة والجنسيّة والإقتصاديّة والسياسيّة التي من أجلها يتم ممارسة الختان وعرضنا الوسائل التربويّة والنفسيّة لمعالجة هذه الظاهرة. وعلم القانون يأتي كوسيلة مكمّلة لعلم الطب والإجتماع. وقد قامت المنظّمات المختلفة بوضع خطط شموليّة للقضاء على ختان الإناث، يمكن تطبيقها على ختان الذكور. ونذكر من بين هذه الخطط على سبيل المثال خطّة منظّمة العفو الدوليّة:
1) التأكيد على أن ختان الإناث هو خرق لحقوق الإنسان، والإعتراف بأنه من واجب الحكومات إنهاء هذه العادة. وعليها أن تتعهّد بصورة واضحة لمحو هذه العادة أو التقليل منها بصورة كبيرة ضمن برهة زمنيّة معيّنة.
2) وضع الآليات للتشاور والتعاون مع الجهات غير الحكوميّة التي تعمل في مجال الدين والصحّة والنساء وحقوق الإنسان والتنمية.
3) إجراء أبحاث حول ممارسة هذه العادة. فهناك حاجة للمعلومات حول مدى إنتشارها وآثارها الجسديّة والنفسيّة والموقف الإجتماعي منها والمطالب الدينيّة. كما يجب إجراء أبحاث حول تأثير الجهود المبذولة حتّى الآن. ويجب معرفة مدى إنتشار هذه العادة خارج إفريقيا، خاصّة في الشرق الأوسط ودول أمريكا اللاتينيّة وفي الدول حيث يقوم اللاجئون بممارستها.
4) إعادة النظر في جميع القوانين لمعرفة مدى تأثير القوانين وتطبيقها على مناهضة ختان الإناث وتوافقها مع النظم الدوليّة، خاصّة معاهدة الأمم المتّحدة لمحو التمييز ضد النساء ومعاهدة حقوق الطفل والإعلان الخاص بمحو العنف ضد النساء. ويجب التأكّد من أن تلك القوانين تتّفق مع توصيات مقرّري الأمم المتّحدة حول العنف ضد النساء والعادات الضارّة بصحّة المرأة والطفل.
5) التوقيع على المعاهدات ذات العلاقة بالموضوع مثل العهد المدني والعهد الإقتصادي والإجتماعي، ومعاهدة النساء ومعاهدة حقوق الطفل وغيرها من النصوص الدوليّة دون وضع تحفّظات عليها أو تفسيرات خاصّة. كما يجب العمل بموجب هذه المعاهدات لتقديم التقارير للأجهزة المختصّة وتوضيح الخطوات التي إتّخذتها لمحو ختان الإناث.
6) التأكيد على إدخال برامج لمكافحة ختان الإناث ضمن جميع مجالات سياسة الدولة. وعلى دوائر الصحّة منع أصحاب المهن الطبّية من إجرائه، وإدخال هذا المنع في القوانين الأخلاقيّة التي تحكم المهن الطبّية. كما يجب إدخال موضوع ختان الإناث ضمن الدوائر المختصّة بشؤون التربية والنساء والهجرة والتنمية. وعلى هذه الدوائر معالجة العوامل التي تؤدّي إلى هذه الممارسة. وعلى الدول التي تقدّم المعونات العمل لدعم برامج مكافحة ختان الإناث.
7) الإعتراف بأن ختان الإناث هو نوع من الإضطهاد على أساس الجنس الذي يخضع لمعاهدة الأمم المتّحدة الخاصّة باللاجئين. ويجب على الدول تبنّي وتنفيذ التوصيات الخاصّة بحماية النساء اللاجئات التي أصدرتها المفوّضيّة العليا للاجئين التابعة للأمم المتّحدة.
8) عمل برامج توعية للعامّة، مستعملة وسائل الإتّصال الملائمة. ويجب أن تلائم هذه المعلومات المجموعات الخاصّة مثل الرجال والنساء والشباب وذوي النفوذ والباحثين الدينيين ومن يجرون ختان الإناث.
9) دعم عمل المنظّمات غير الحكوميّة التي تناهض ختان الإناث وتقديم الحماية لها ضد التهديدات ومحاولات إفشال عملها.
10) لعب دور نشط لدعم المبادرات الإقليميّة والدوليّة لمكافحة ختان الإناث مثل برامج منظّمة الصحّة العالميّة واليونيسيف وصندوق الأمم المتّحدة للسكّان. ويجب تشجيع تبنّي منظّمة الوحدة الإفريقيّة لإعلان أديس أبابا الذي صدر عن اللجنة الإفريقيّة، وتبنّي ودعم عمل المقرّرين الخاصين للأمم المتّحدة حول العنف ضد النساء والعادات الضارّة بصحّة المرأة والأطفال [255] .
والمتمعّن في هذه الخطّة يجد أنها تجمع بين ضرورة دراسة ظاهرة الختان لمعرفة أسبابها، ونشر التوعية على المستويات المختلفة، وتعاون المنظّمات الأهليّة والهيئات الحكوميّة والدوليّة، وسن قوانين تمنع ممارسته وتمنح اللجوء السياسي. وهذه النقطة الأخيرة هي آخر ما نبحثه في هذا الكتاب.
إذا ما أردنا حماية النساء من ختان الإناث باعتباره عمليّة تعذيب كما جاء في النصوص الدوليّة والتصريحات المعلنة في الدول الغربيّة، فإنه يجب على تلك الدول فتح أبوابها للنساء الهاربات من بلادهن خوفاً من ممارسة الختان عليهن أو على فتياتهن، إمّا بمنحهن اللجوء السياسي أو على الأقل حق الإقامة. ولكن الحقيقة أن تلك الدول غير مستعدّة لاتّخاذ مثل هذه الخطوة، معتمدة في ذلك على الحجج القانونيّة، تفادياً لتدفّق اللاجئين. فعلى سبيل المثال هناك طلبات لجوء سياسي في ألمانيا لنساء من ساحل العاج ونيجيريا والسودان والتوغو وغينيا والصومال ومصر. ولكن رفضت تلك الطلبات باستثناء طلب واحد من إمرأة قضت المحكمة بإعطائها اللجوء السياسي سوف نعود إليه لاحقاً [256] . هذا ما نود تفصيله هنا مبتدئين بالنصوص الدوليّة والتصريحات المعلنة.
رأينا في الفصل السادس أن المشرّع الوطني الغربي والمشرّع الدولي يعتبران ختان الإناث تعسّفاً يرقى إلى درجة التعذيب، حتّى وإن لم يكن قصد الأهل أصلاً إيقاع التعذيب بفتياتهم، لا بل يعتبرون ختانهن برهاناً لمحبّتهم لهن. فالحُكم على ختان الإناث يتم على أساس الواقع وليس على أساس الشعور أو النيّات أو المعتقدات. كما رأينا أن معارضي ختان الذكور يعتبرونه أيضاً عمليّة تعذيب. وبما أن التعذيب ممنوع من قِبَل المشرّع الدولي والوطني، لذلك يجب منع كل من ختان الإناث وختان الذكور دون تمييز.
ولا يكتفي المشرّع الدولي بإدانة التعذيب، بل يطالب الدول بتجريمه ومعاقبة مقترفيه، كما جاء في المادّة الرابعة من إتّفاقيّة مناهضة التعذيب لعام 1984. وتضيف المادّة الثالثة من هذه المعاهدة:
1-لا يجوز لأيّة دولة طرف أن تطرد أي شخص أو أن تعيده أو أن تسلّمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقيّة تدعوا إلى الإعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرّض للتعذيب.
2- تراعي السلطات المختصّة لتحديد ما إذا كانت هذه الأسباب متوافرة، جميع الإعتبارات ذات الصلة، بما في ذلك، في حالة الإنطباق، وجود نمط ثابت من الإنتهاكات الفادحة أو الصارخة أو الجماعيّة لحقوق الإنسان في الدولة المعنيّة.
من جهة أخرى تعطي الإتّفاقيّة الخاصّة بوضع اللاجئين لعام 1951 حق اللجوء السياسي لمن قد يتعرّض للإضطهاد بسبب واحد من الخمسة أسباب التي عددها البند الثاني من الفقرة (ب) من المادّة الأولى، هذا نصّه:
كل شخص يوجد، بنتيجة أحداث وقعت قَبل 1 يناير 1951، وبسبب خوف له ما يبرّره من التعرّض للإضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو إنتمائه إلى فئة إجتماعيّة معيّنة أو آرائه السياسيّة، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسيّة ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يعود إلى ذلك البلد.
كان هذا النص يخص أصلاً ما حدث قَبل 1 يناير 1951، أبّان الحرب العالميّة الثانية. فجاء البروتوكول الخاص بوضع اللاجئين لعام 1966 فمد مفعوله للأحداث اللاحقة لهذا التاريخ.
وبناء على هذه النصوص وغيرها من النصوص الدوليّة، يرى معارضو ختان الإناث ضرورة إعطاء حق اللجوء السياسي للنساء (وفتياتها) التي تهرب من بلادهن خوفاً من إجراء الختان عليهن (أو على فتياتهن). وإذا لم تتحقّق شروط اللجوء السياسي، فعلى الأقل يجب إعطاء تلك النساء وفتياتهن حق الإقامة (الإنسانيّة) وعدم الطرد إلى بلدهن الذي يمارس ختان الإناث.
ونذكر من بين المواقف المطالبة بإعطاء اللجوء السياسي موقف منظّمة العفو الدوليّة كما جاء في قرارها حول ختان الإناث لعام 1996 المعنون: «التراخي الحكومي» [257] . وقد أخذ نفس الموقف «حزب الخضر» الألماني في مؤتمره الذي عقد في ديسمبر 1997، معتبراً منح الحكومة الألمانيّة اللجوء السياسي هو أسلوب لحماية النساء الشجاعات التي تتصدّى للختان. فهذا يدعمهن ويدعم الجمعيّات التي تكافح ضد ختان الإناث ويعطي مصداقيّة لكفاحهن. إلاّ أن مطلب هذا الحزب لم يلقى الأكثريّة في البرلمان [258] . كما أن مفوّضيّة الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين تدافع عن هذا الموقف. فقد عقدت مؤتمراً ما بين 22 و23 فبراير 1996 حول الإضطهاد المرتكز على الجنس، بما في ذلك ختان الإناث، شارك فيه، بالإضافة إلى مركز الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان، ممثّلون من 16 دولة هي أستراليا والنمسا وبلجيكا وكندا والدانمارك وفرنسا وألمانيا وأيرلندا وإيطاليا وهولندا ونيوزلندا والنرويج والسويد وسويسرا وبريطانيا والولايات المتّحدة. وهي الدول التي تبدي تفهّماً لقضايا المرأة وتدين ختان الإناث ويقصدها المهاجرون. إلاّ أن أكثريّة هذه الدول ترفض إعطاء اللجوء السياسي على أساس الخوف من ختان الإناث، معتمدة في ذلك على فهمها للإضطهاد وأسبابه كما جاء في الإتّفاقيّة الخاصّة باللاجئين. وهذا ما سنراه في النقطتين التاليتين.
لم يقدّم واضعو الإتّفاقيّة الخاصّة باللاجئين تعريف «للإضطهاد» وذلك لصعوبة تحديد كل أشكال المعاملة السيّئة والتي تجعل من الشخص في حق طلب الحماية من دولة أجنبيّة. وقد عرّفه مؤلّف بأنه «الخرق الطويل المدى أو المنهجي لحقوق الإنسان الذي يشير إلى فشل حماية الدولة» [259] . وهذا المؤلّف يرى بوجود خوف له ما يبرّره «عندما يمكن أن يتوقّع شخص بصورة معقولة بأن بقاءه في الدولة قد يؤدّي إلى نوع من الضرر الهام لا تستطيع الحكومة أو لا تريد الوقاية منه» [260] . وقد إعتمدت كل من الولايات المتّحدة وكندا وأستراليا في تعليماتها بخصوص اللجوء السياسي في تعريفها للإضطهاد على وثائق حقوق الإنسان. فكلّما كان الحق المهدّد أساسياً، كلّما كان خرق هذا الحق يرقى إلى مستوى الإضطهاد.
إلاّ أنه ليس كل خرق لحقوق الإنسان، مهما كانت شدّته، يعتبر إضطهاداً بمعنى الإتّفاقيّة الخاصّة باللاجئين. فالإضطهاد يجب أن يكون من فعل السلطات الشرعيّة. إلاّ أنه تم التوسّع في هذا المفهوم. فأعتبر رفض الدولة حماية مواطنيها من التعدّي عليهم أو عدم إمكانيّة تدخّلها لحمايتهم نوع من الإضطهاد غير المباشر من قِبَل تلك الدولة. [261] . وقد أعلنت السيّدة «صادوقو اوكاتا»، رئيسة مفوّضيّة اللاجئين، في مقدّمتها لأعمال المؤتمر السابق الذكر: «إن المرأة التي تنتهك بعض العادات الإجتماعيّة قد تتعرّض لتمييز شديد تصل إلى حد الإضطهاد. فالدول قد لا تكون قادرة أو راغبة في حماية السيّدات (أو الفتيات) من الرضوخ لبتر الأعضاء التناسليّة للإناث، وهذا الإجراء يعتبر خرق أساسي لحقوقهن ككائنات بشريّة». وعليه تطالب هذه السيّدة أن تعطى هذه السيّدات الحق في طلب اللجوء السياسي [262] . ويلاحظ هنا أن معارضي ختان الإناث لا يفرّقون بين أنواعه المختلفة. فهم يعتبرون هذا الختان في جميع صوره نوع من الإضطهاد يجب على أساسه منح اللجوء السياسي.
ومهما يكن، فإن النساء التي يمكن أن تستفيد من اللجوء السياسي هن تلك التي لم تختن بعد، أو لديهن فتيات مصاحبات لهن لم يتم ختانهن. ممّا يعني أن النساء المختونات لا يمكنها أن تتذرّع بالختان. ولكن قد تستفيد من اللجوء السياسي النساء التي قد يفرض عليهن إعادة شبك الفرج في حالة الولادة. وقد رُفض طلب لجوء سياسي لامرأة لأنه سبق أن ختنت جزئيّاً [263] .
لا يكفي الخوف من الإضطهاد للحصول على اللجوء السياسي وفقاً للإتّفاقيّة المذكورة، بل يجب أيضاً أن يكون الشخص مضطهداً «بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو إنتمائه إلى فئة إجتماعيّة معيّنة أو آرائه السياسيّة». والمشكلة مع ختان الإناث إنه لا يتم لأحد هذه الأسباب، حتّى وإن عرّفناه بمعنى الإضطهاد.
وقد إقترحت مفوّضيّة الأمم المتّحدة للاجئين عدم تفسير هذه الإتّفاقيّة تفسيراً حرفيّاً. فكثير من النساء يهربن من بلدهن لأسباب خاصّة مثل الإغتصاب، والتعذيب الجنسي، وختان الإناث، والتمييز الجنسي، والإجهاض والتعقيم الإجباريين. وعندما وضعت القواعد بخصوص اللاجئين، فقد وضعت بنظرة ذكوريّة آخذة بالإعتبار الأسباب التي من أجلها يهرب الرجال عامّة من بلادهم أي الإضطهاد بسبب الإنتماء العرقي والديني وغيره. وهذه الأسباب تختلف عن الأسباب التي من أجلها تهرب النساء من بلادهن. ولذلك فإن تلك الإتّفاقيّة لا تذكر الإنتماء الجنسي. فيجب التخلّي عن النظرة الذكوريّة للجوء السياسي [264] . وتقترح هذه المفوّضيّة إعطاء اللجوء السياسي للنساء المضطهدات على أساس إنتمائهن إلى «فئة إجتماعيّة معيّنة»، أي بسبب «إنتمائهن الجنسي» [265] .
إلاّ أن أكثر الدول الغربيّة ترفض هذا التفسير. فهذه الدول، إن قَبلت بفكرة أن النساء تكوّن «فئة إجتماعيّة معيّنة»، تتطلّب وجود سبب إضافي مع هذا السبب. فاغتصاب النساء بحد ذاته لا يعطي الحق في اللجوء السياسي. أمّا إغتصابهن بسبب إنتمائهن إلى مجموعة عرقيّة أو دينيّة أو سياسيّة كما جرى في حروب البلقان فيعطيهن مثل هذا الحق. وهذا المنطق ينطبق على ختان الإناث. إلاّ أنه لا يحدث أن يتم ختن إمرأة لهذه الإعتبارات. وفي قرار فرنسي بخصوص ختان الإناث، إعترفت لجنة الإستئناف بأن رفض سيّدة ماليّة الرضوخ للختان يعرّضها للإضطهاد، ولكن هذا لا يعطيها الحق في اللجوء السياسي [266] . غير أن بعض الدول تغاضت عن مطلب الإنتماء الإضافي هذا ومنحت اللجوء السياسي لمجرّد الخوف من التعرّض للختان في حالات نادرة كما هو الأمر في الولايات المتّحدة في قضيّة الشابّة فوزية كاسينكا.
والشابّة المذكورة، من دولة «توغو»، كان أبوها قد حماها من الختان. ولكن بعد وفاته عام 1993 رحلت أمّها إلى أهلها في دولة «بينين» عند أهلها، وبقيت الشابّة في «توغو» حيث قام أولياؤها بتزويجها عندما كان عمرها 17 سنة إلى رجل عمره 45 سنة عنده ثلاث زوجات. وقد قرّر كل من عمّتها وزوجها ختانها قَبل الدخول عليها. فهربت من «توغو» إلى «غانا» بمساعدة أختها الأكبر سنّاً منها، ثم رحلت إلى ألمانيا حيث إشترت جواز سفر بريطاني من أخت أحد النيجيريين للذهاب إلى الولايات المتّحدة. وبدلاً من الإقامة بصورة غير مشروعة هناك، قامت حالاً بطلب اللجوء السياسي في 17 ديسمبر 1994. فوُضعت في السجن حتّى أبريل 1996 بانتظار صدور القرار. وقد أخبرت السلطات بأنها إذا أرجعت إلى بلدها أو إلى «غانا» فسوف يقوم البوليس بالقبض عليها لإعادتها لزوجها الذي سيقوم بختانها ولن تتدخّل الحكومة لحمايتها من الختان. كما أنها لم تطلب اللجوء السياسي في ألمانيا لأنه ليس لها قرابة هناك ولا تتكلّم الألمانيّة.
وقد إعتبرت هيئة الإستئناف ختان الإناث إضطهاداً، مضيفة بأنه للحصول على اللجوء السياسي يجب أن يكون الإضطهاد لأحد الأسباب الخمسة التي ذكرناها سابقاً. ورأت الهيئة أن الشابّة المذكورة تنتمي إلى «فئة إجتماعيّة معيّنة»، هي فئة الفتيات التي لم تختن وترفض الختان. وأضافت بأن منح اللجوء السياسي ليس إجباريّاً بل تقرّره الدولة بكل حرّية بعد وزن المعطيات. وبما أن الشابّة المذكورة لم تحاول التخفّي في الولايات المتّحدة، وقالت الحقيقة، وطلبت اللجوء السياسي، وبما أن الإضطهاد الذي تخاف التعرّض له شديد جدّاً، قرّرت الهيئة منحها اللجوء السياسي [267] . وقد كانت هذه أوّل قضيّة في الولايات المتّحدة تؤدّي إلى اللجوء السياسي بسبب ختان الإناث. وقد كتبت هذه السيّدة سيرتها ولكن هناك معلومات تفيد بأن هذه السيرة ملفّقة مثلها مثل كثير من قصص السيّدات التي تطلب اللجوء السياسي. وبطبيعة الحال مثل هذا التلفيق يضر بطلبات النساء التي تحاول الهروب من الختان.
وقد منحت ألمانيا اللجوء السياسي لسيّدة من ساحل العاج. والقضيّة تتلخص فيما يلي: تم إختيار تلك السيّدة كملكة لقبيلة «ابولو». وعلى هذا الأساس كان عليها أن تخضع للختان. وقد كانت قد أنجبت طفلين، وخافت إن خُتنت أن لا تتمكّن من إنجاب غيرهما، كما أنها خافت من العواقب الصحّية للختان. فنصحتها أمّها في ترك بلدها. وعلى هذا الأساس تقدّمت بطلب للجوء السياسي في ألمانيا عام 1995. إلاّ أن السلطات الألمانيّة رفضت طلبها وطلبت منها ترك البلد. فرفعت تلك السيّدة القضيّة إلى المحكمة الإداريّة. وقد إعتبرت هذه المحكمة أن الإضطهاد السياسي حسب المادّة 16 فقرة (أ) من الدستور الألماني هو الإضطهاد الذي تمارسه الدولة. إلاّ أن الإضطهاد ينسب أيضاً للدولة إذا تم من قِبَل طرف ثالث ولم تقم الدولة بالحماية منه، إمّا إهمالاً أو لعدم قدرتها على ذلك. وقد إعتبرت المحكمة ختان الإناث إنتهاك للسلامة الجسديّة والنفسيّة وانتقاص للحق في تقرير المصير الديني والشخصي. وعلى هذا الأساس منحت السيّدة المذكورة اللجوء السياسي عام 1996 وحكمت على السلطات بدفع المصاريف القضائيّة [268] .
وقد إنتقدت محامية ألمانيّة هذا القرار لأنه لا يعتبر الخوف من ختان الإناث سبباً كافياً للحصول على اللجوء السياسي، فيتطلّب بالإضافة إليه وجود إضطهاد سياسي. وتطالب المحامية إعتبار ختان الإناث بحد ذاته سبباً لمنح اللجوء السياسي [269] .
هذا وإن كانت الدول الغربيّة ترفض بصورة واسعة منح اللجوء السياسي للنساء التي يخشين إجراء ختان الإناث عليهن أو على فتياتهن، إلاّ أن هذه الدول عامّة تمنحهن حق الإقامة لأسباب إنسانيّة.
ففي سويسرا، سأل عدد من أعضاء المجلس الوطني في 7 أكتوبر 1992 المجلس الفدرالي ما إذا كان «على إستعداد لتقديم العون المناسب للنساء والبنات الصغار التي تحاول الهروب من مثل هذا التعذيب؟». فرد المجلس الفدرالي بتاريخ 1 مارس 1993 أن «في سويسرا وباقي الدول الأوروبيّة، يعتبر بتر البظر معاملة غير إنسانيّة حسب المادّة 3 من المعاهدة الأوروبيّة لحقوق الإنسان. ولذلك، فإنه في حالة قرار إبعاد إمرأة أجنبيّة ووجود خطر حقيقي لتعرّضها لمثل هذه المعاملة غير الإنسانيّة، فإن قرار الإبعاد يجب أن يوقف ويستبدل بقرار بقاء مؤقّت». وقد قامت سيّدتان من الإعلام معارضتان لختان الإناث بتشجيع أم صوماليّة لطلب اللجوء السياسي حتّى تتفادى إبنتها الختان. وقد صاحبتاها في الإجراءات. إلاّ أن السلطات السويسريّة رفضت منح اللجوء السياسي، مكتفية بمنح إذن الإقامة المؤقّتة. وقد قدّم البرلماني «جان زيجلير» في 21 يونيو 1996 طلباً بإعطاء اللجوء السياسي للنساء المهدّدات بالختان، كما في فرنسا [270] . فرد المجلس الفدرالي بأن فرنسا لا تمنح اللجوء السياسي لهذا السبب وأنه يكتفي بإذن الإقامة. وأشار بأن تعديل قانون اللجوء السياسي يأخذ بالإعتبار خطر الختان [271] . والقانون المذكور دخل حيّز التنفيذ في 1 أكتوبر 1999 وتقول المادّة الثالثة في فقرتها الثانية بأنه يجب الأخذ بالإعتبار الأسباب الخاصة بهرب النساء عند فحص طلبات اللجوء السياسي. ويقول كتاب إجراءات اللجوء كما تم تحديثه في ديسمبر 2000 بأن تعتبر النساء التي تخاف من الختان «فئة إجتماعيّة معيّنة» ولكن لن تمنح اللجوء السياسي النساء التي تأتي من دول مثل ساحل العاج أو الكميرون التي تنشط أو تأخذ إجراءات قانونية لمنع ختان الإناث لأن النساء يمكنهن الحصول على حماية من قِبل تلك الدول [272] . وهذا يعني أننا أمام تطوّر جديد في سياسة اللجوء السياسي بخصوص ختان الإناث.
حتّى وإن إعتبرنا ختان الإناث إضطهاداً بمعنى الإتّفاقيّة الخاصّة بوضع اللاجئين، وأن النساء تنتمي إلى «فئة معيّنة»، يبقى موقف التي تطلب اللجوء السياسي من هذه الممارسة. فكثير من النساء التي تم ختانهن أو ختن فتياتهن يدافعن عن ختان الإناث ويعتبرن التعرّض له تعدّي على ثقافتهن. إلاّ أنه في حالة فشل تلك النساء في الحصول على اللجوء السياسي، تتذرّع بخوفها من ختان الإناث على بناتها إذا ما أعيدت إلى بلدها. ومن الواضح أن موقفها هذا نابع ليس عن إقتناع بأن ختان الإناث ضار، بل لأن تلك هي وسيلتهن الأخيرة للحصول على اللجوء السياسي أو البقاء في سويسرا. وقد تكون هذه الحجّة من إيعاز المحامين.
وبطبيعة الحال لا يمكن للسلطات التحقّق من نيّة طالبات اللجوء السياسي، ولكنّها تلجأ إلى البحث عمّا إذا يأتين فعلاً من منطقة تمارس ختان الإناث، وإذا لم يكن هناك إمكانيّة لهن الذهاب إلى مكان آخر داخل بلادهن. وليس من السهل التحقّق من هذين الأمرين. فكثير من اللاجئين يفقدون عمداً هويّاتهم ويدَّعون أنهم يأتون من مناطق غير التي هم منها. ومن جهة أخرى ليس من السهل التعرّف على الجماعات التي تمارس ختان الإناث. كما تستطيع السلطات الشك في نوايا تلك النساء إذا ما تم تقديم حجّة ختان الإناث في مراحل متأخّرة من طلب اللجوء السياسي، أو إذا تبيّن أن النساء قَبل تقديم تلك الحجّة قمن بختان فتياتهن أو لم يعترضن على ذلك. ولنفرض أن السلطات لم تتمكّن من التشكيك في نوايا طالبة اللجوء السياسي، فإنها قد تلجأ إلى سحب اللجوء بعد منحه إذا ما تبيّن لها أن تلك السيّدة قامت بختان إبنتها بعد حصولها على اللجوء أو دافعت عنه بصورة أو بأخرى.
تجري المعاهدات والقوانين التي تتكلّم عن اللجوء السياسي وحق الإقامة وعدم الطرد من البلد على كل من الذكور والإناث. لذا يطرح إدخال عنصر ختان الإناث كسبب للحصول على اللجوء السياسي مشكلة التمييز بين الذكور والإناث. فيرى معارضو ختان الذكور، عملاً بمبدأ عدم التمييز، ضرورة الإعتراف بنفس الحقوق للرجال (وأبنائهم) الذين يهربون من بلدهم خوفاً من إجراء الختان عليهم (أو على أبنائهم).
ونشير في هذا المجال أن المحكمة الإداريّة العليا في ألمانيا منحت اللجوء السياسي لمسيحي تركي على أساس خوفه من الختان. فقد تبيّن للمحكمة بأنه في حالة إعادته إلى تركيا، سوف يُجبر على الإلتحاق بالخدمة العسكريّة في الجيش التركي. وهذا الجيش يقوم بفرض الختان على جميع المجنّدين، مهما كانت ديانتهم. وقد قالت المحكمة بأن الختان الذي يفرض على شخص يعتبر سبباً للجوء السياسي لأنه خرق لحقوق الإنسان [273] .
ونحن لا نستبعد إمكانيّة منح اليهود غير المختونين من أصل سوفييتي اللجوء السياسي في سويسرا مثلاً لأنهم فعلاً ينتمون إلى فئة معيّنة يفرض عليها الختان. ومن يرفض ذلك الختان فإنه يحرم من كثير من المساعدات الحكوميّة لا بل يحرم من حقّه في الزواج الديني والدفن في مقابر اليهود. ولذلك يمكن إعتبار فرض الختان عليهم في إسرائيل نوع من الإضطهاد وفقاً للإتّفاقيّة الخاصّة باللاجئين.
«يسكن الذئب مع الحمل، ويربض النمر مع الجدي، ويعلف العجل والشبل معاً، وصبي صغير يسوقهما [...]، لا يسيئون ولا يفسدون» (أشعيا 6:11 و9).
لا يستطيع المجتمع أن يعيش في فوضى تاركاً أفراده يتصرّفون كما يشاؤون ليس فقط في علاقتهم مع المجموعة بل أيضاً في علاقتهم مع أفراد العائلة أو حتّى في تصرّفهم الذاتي. فالإنسان لا يعيش منعزلاً عن مجتمعه وعليه أن يخضع لقواعد تضمن التعايش السلمي داخل هذا المجتمع. وإلاّ فأن هذا المجتمع يتعرّض للتحلّل الداخلي.
وتفادياً لهذا التحلّل الداخلي، قام المجتمع بسن قواعد ذات طابع قانوني أو طابع أخلاقي تفرض إحترام حياة الفرد وسلامة جسده، وتحدّد الحالات التي يمكن فيها التعدّي على هذا الحق المقدّس، إذا كان ذلك لصالح الفرد، كقطع يد مريضة للحفاظ على باقي الجسد، أو كإعدام مجرم إقترف ذنباً خطيراً يهدّد الأمن العام. وضمن هذا الإطار منعت القوانين الضحايا البشريّة كقرابين للآلهة، كما حدَّت من حق رب البيت في التعرّض لحياة أو سلامة جسد أبنائه أو حتّى عبيده. ويدخل في ذلك الحق في سلامة أعضائه الجنسيّة. فتم منع الخصي في العصر الروماني.
إلاّ أن البشريّة ما زالت متمسّكة بعاداتها وغرائزها القديمة، بشكل أو بآخر. فرغم تقدّم العقل البشري في مجالات جمّة حتّى إستطاع أن يصل إلى القمر، ويخترق الذرَّة، ويحوّل العالم إلى قرية صغيرة من خلال نظام شبكة الانترنيت العملاقة، إلاّ أنه ما زال مُصِرّاً على التعدّي على الأعضاء الجنسيّة للأطفال، ذكوراً كانوا أو إناثاً. فشرعة الغاب التي كانت تتحكّم في المجتمعات الهمجيّة في العصور الغابرة ترمي بظلالها على عصرنا هذا، فتذهب ضحيّتها ما لا يقل عن خمسة عشر مليون طفل سنوياً، منهم ثلاثة عشر مليون ذكر، ومليوني أنثى. وكما يذكر المثل: «الطبع غلب التطبع». فلك أن تعلّم القط القراءة والكتابة وركوب المركبات الفضائيّة والتحكّم في أكثر الآلات تعقيداً، إلاّ أنك لن تستطع أن تمنعه من أكل الفئران. وما زال حتّى يومنا هذا قول النبي أشعيا السابق الذكر حلماً صعب المنال.
إلاّ أن البشريّة لا يمكنها أن تعيش بلا أحلام، ولا أحد يستطيع أن يمنعها من أن تحلم بعصر يعيش فيه أطفالها ذكوراً وإناثاً في سلام، دون تعدّي على أعضائهم الجنسيّة، رافضة التحجّج بيهوه أو بالله، برجال العلم أو برجال الطب. وقد بدأ فعلاً بعض ذلك الحلم يتحقّق، خاصّة فيما يتعلّق بالإناث. إلاّ أن الطريق إلى تحقيق هذا الحلم ما زال طويلاً فيما يتعلّق بالذكور. فختان الذكور تحيط به أسوار منيعة من الكذب والتدجيل والتحايل والمصالح الماليّة والدوافع السياسيّة التي لا يمكن كسرها إلاّ بعد جهد جهيد.
وإذا ما قَبلنا بحق البشريّة في الحلم، فلا بد من أن نعترف بأن حركة معارضة ختان الذكور والإناث دون تمييز تعتبر إحدى قوى الإصلاح الإجتماعي في عصرنا، إن لم تكن أهمّها على الإطلاق. والمشاركون في هذه الحملة يعرفون ذلك حق المعرفة. ففي المؤتمر الثالث الدولي للختان الذي عقد في جامعة ماريلاند عام 1994، وقف القس «جيم بيجلو» خاطباً: «نحن الروّاد. من قَبلنا الهمجيّة، ومن بعدنا تبدأ الحضارة». فالهمجيّة تتصدّى للأطفال الأبرياء وتبتر أعضاءهم الجنسيّة، أمّا الحضارة فترفض مثل هذا التصرّف.
ولا تتخيّل هذه الحركة الإصلاحيّة بأنها سوف تغيّر الوضع بين ليلة وضحاها. فنظام العبوديّة تطلّب مئات السنين لإلغائه، وما زال له بعض الرواسب في دول مثل موريتانيا والسودان، إضافة إلى بعض مظاهر الرق في الدول المتقدّمة ودول العالم الثالث. وإلغاء ختان الذكور أكثر صعوبة من إلغاء نظام العبوديّة لأن وراءه قوى دينيّة كبرى متمثّلة في اليهود والمسلمين والمتعصّبين بين المسيحيّين، كما وراؤه المستفيدون ماليّاً بين الأطبّاء. والأطفال الذين يجرى عليهم الختان لا يمكنهم أن يثوروا كما ثار العبيد. فهم لا يملكون إلاّ الصراخ أمام أهلهم والجماعات الدينيّة وأصحاب المهن الطبّية. ولا بد لهم من مدافع جسور لا يلعب الدين في دماغه، ولا ينبهر بهالة الأطبّاء، ولا يدخل مال الختان وثمن الدم في حسابه.
إن كل شخص يقوم بمجهود يأمل أن يتوّج مجهوده بالنجاح. والأمل الذي أود أن أعبّر عنه في نهاية هذا الكتاب أن يؤدّي مجهودي ومجهود المناضلين قَبلي وبعدي في القضاء على كل من عادة ختان الذكور وختان الإناث. ولكن متى يمكن الوصول إلى مجتمع يحترم أطفاله ولا يعرّضهم للبتر نتيجة الهوس الديني والطبّي والإجتماعي؟ الجواب سهل: بقدر الجهد والمجاهدين يتحقّق الهدف. لذا أهيب بالقارئ الكريم إلى ضم صوته إلى صوتي هذا. ولنتذكّر أن رحلة ألف ميل تبدأ بخطوة واحدة. ومهما طالت الرحلة ومهما طغت القوى الظلاميّة، فإن الأجيال اللاحقة سوف تحتفظ في ذاكرتها في أن هناك من لم يوافق على ما يتعرّض له الأطفال من معاملة سيّئة فرفع صوته عالياً لكي تكف تلك المعاملة.
وخير ما تختتم به هذا الكتاب ما جاء عن النبي الكريم في حجّة الوداع:
«ألا إن الله حرّم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا هل بلّغت؟» قالوا نعم. قال: «اللهم فاشهد» [274] .
[1] Freeman, p. 77
[2] Goodman: Jewish circumcision, p. 25
[3] أنظر الجزء الثاني، القسم الأوّل، الفصل الرابع، الفرع الأوّل، رقم 2) حرف د).
[4] أنظر النص كاملاً في الجزء الثاني، القسم الأوّل، الفصل الأوّل، رقم 2).
[5] Digesta 48:8:6
[6] Digesta 48:8:3:4 et Digesta 48:8:3:5
[7] Hieronymus: Comment. in epistolam ad Galatas, 6:12, vol. 26, col. 464
[8] Digesta 48:8:4:2
[9] Digesta 48:8:11
[10] أنظر حول ختان اليهود في الإمبراطوريّة الرومانيّة Rabello: Giustiniano, Ebrei e Samaritani, vol. II, p. 591-592, 672-676; Rabello: The ban on circumcision; Smallwood; Feldman, p. 100-101, 153-158; Linder, p. 84, 87, 104, 113, 115, 134, 233, 669
[11] أنظر الجزء الثاني، القسم الأوّل، الفصل الثالث، الرقم 3).
[12] Erlich: Les mutilations sexuelles, p. 110-113
[13] Rothenberg: The Jewish religion, p. 141-169
[14] أنظر حول هذه الطائفة الجزء الثاني، القسم الثاني، الفصل الخامس، الرقم 2) حرف أ).
[15] أنظر الجزء الثاني، القسم الأوّل، الفصل الرابع، الفرع الأوّل، الرقم 1) حرف هـ).
[16] Kenyatta, p. 97-98
[17] Résolution 680 BII (XXVI) du Conseil économique et social
[18] OMS, 12ème assemblée mondiale de la santé, 28 mai 1959
[19] Cook, p. 54-55
[20] Egalité et démocratie: utopie ou défi?, p. 55-56, 101
[21] Egalité et démocratie: utopie ou défi?, p. 59-63
[22] Groupe mixte de spécialistes sur les migrations, p. 13, 14, 17, 32, 34-36
[23] Groupe de spécialistes sur l'intolérance, p. 7, 9, 12-13
[24] europa.eu.int/comm/echo/womensday/document/eu-c-fr7.htm
[25] europa.eu.int/abc/doc/off/bull/fr/9707/p102002.htm
[26] europa.eu.int/abc/doc/off/bull/fr/9803/p101001.htm
[27] Abuse and neglect of children, par. 13.h
[28] stars.coe.fr/ta00/erec1459.htm
[29] Bulletin (du Comité inter-africain), no 20, déc. 1996, p. 12
[30] Bulletin (du Comité inter-africain), no 22, déc. 1997, p. 3-5
[31] Bulletin des médecins suisses, vol. 64, 1983, cahier 34, 24.8.1983, p. 1275
[32] La violence à l'égard des femmes: étude juridique comparative, p. 48
[33] CA Paris 16ème, 16.11.1979, dans: Les cahiers du droit, no 2, 15.12.1994 au 15.1.1995, p. 32
[34] Affaire D. Richter - Peyrichout, no 83/22616B; Cass. crim. 20.8.1983, Bull. crim. no 229, Dalloz 1984, IR, 45; Rev. Sc. Crim. 1984, 73, obs. G. Levasseur
[35] Le Monde, 7.10.1984
[36] Verdier: Le double procès de Mme Keita, dans: Droit et culture, no 20, 1990, p. 149; Le Nouvel observateur, 14.3.1991; Le Monde, 12.3.1991
[37] Le Monde, 17.9.1994
[38] Le Monde, 11.2.1999; Libération, 2 et 17.2.1999
[39] Prohibition of female circumcision act 1985
[40] The Children Act, 1989
[41] Act 316 of 1982 prohibiting the circumcision of women النص الفرنسي في Recueil international de législation sanitaire, 1985, 36 (4) p. 1043-1044
[42] Bulletin du Comité inter-africain, no 25, juillet 1999, p. 17
[43] 10 United States Code § 116,1,3571 (b) (3)
[44] 104th Congress, 1st session, House of representatives Bill 2202
[45] 104th Congress, 1st session, House of representatives Bill 3019 (e) (1)
[46] Bulletin (du Comité inter-africain), no 21, sept. 1997, p. 10-11
[47] North Dakota Criminal code, §§12.1-36-01, 12.1-32-01.4
[48] Baer, p. 197-198; Svoboda: Routine, p. 213
[49] الحلقة الدراسيّة، ص 54-56.
[50] النص في: عبد الهادي؛ عبد السلام: موقف الأطبّاء، ص 114.
[51] مؤتمر الصحّة الإنجابيّة، ص 101.
[52] الأهرام 25/2/1996.
[53] Rapport du séminaire sur les pratiques traditionnelles, Dakar, 1984, p. 246
[54] أنظر حول نشاطات هذه المنظّمة مقال Ras-Work: Female genital mutilation, p. 148-251
[55] Rahman; Toubia: Female genital mutilation, p. 21
[56] www.wma.net/e/policy/10-24_e.html
[57] icn.ch/psgenital.htm
[58] أنظر النص في www.fgmnetwork.org/eradication/state/ai.html
[59] Bodily integrity for both, p. 3-4
[60] Amnestie, no 4, janvier 1998, p. 6
[61] Amnestie, no 4, janvier 1998, p. 13
[62] للمزيد من المعلومات Sperlich; Conant; Hodges: R. N. Conscientious objectors; Conant; Sperlich: Nurses for the rights of the child
[63] أنظر النص في Bonner: The Oxford Declaration
[64] Svoboda: Attaining international acknowledgment, p. 465-469
[65] وهذا التعليق نشرناه في الملحق 20 في آخر الكتاب.
[66] وهذا النص نشرناه في الملحق 21 في آخر الكتاب.
[67] وهذا المقال كان قد كتبه لنا ونشرناه في الملحق 23 في آخر الكتاب.
[68] إستقينا هذه المعلومات من رسالة بعثها السيّد «جيمس بريسكوت» ومن مقاله Prescott: The Ashley Montagu resolution
[69] E/CN.4/sub.2/1991/48, 12 juin 1991, paragraphes 26-27, 136
[70] Female genital mutilation: report, p. 5
[71] Female genital mutilation, an overview, p. 3
[72] General E/CN.4/Sub.2/1997/10, 25 June 1997, par. 18
[73] General E/CN.4/Sub.2/2000/17, 27 June 2000, par. 54-55
[74] رسالة من الدكتورة كلاوديا جارسيا مورينو رئيسة قسم صحّة النساء في منظمّة الصحّة العالمية في 7 إبريل 1997.
[75] رسالة إليكترونيّة بتاريخ 5 يناير 1999 أرسلها السيّد عادل صلاحي، المسؤول عن الإعلام الخارجي للمكتب الإقليمي لشرق المتوسّط، منظّمة الصحّة العالميّة، الإسكندريّة.
[76] Rapport de la conférence régionale sur les pratiques traditionnelles, Addis Abeba, 1990, p. 8
[77] Bulletin (du Comité inter-africain), no 20, déc. 1996, p. 13
[78] Ras-Work: L'excision: propositions d'éradication, p. 83-84
[79] Bodily integrity for both, p. 19-21
[80] أنظر هذه الأجوبة في Lightfoot-Klein: similarities, p. 131-135
[81] Van Howe (et al.): Involuntary circumcision, p. 68-69
[82] Boyd, p. 135
[83] نحيل القارئ لما قلناه في الجزء السابق تحت «الغرب وازدواجيّة المعايير».
[84] Boyd, p. 132-133
[85] Dorkenoo, p. 52
[86] Bodily integrity for both, p. 8
[87] أنظر النص في www.unhchr.ch/html/press/wom981040.htm
[88] Denniston: Tyranny, p. 236
[89] Svoboda: Routine, p. 212
[90] Freeman, p. 74, 75
[91] Freeman, p. 75 . أنظر في نفس المعنى Haberfield: The law and male circumcision, p. 92-122
[92] أنظر الجزء الثاني، القسم الأوّل، الفصل الثالث.
[93] Goodman: Jewish circumcision, p. 24
[94] Price: Male non-therapeutic circumcision, p. 449
[95] Kenyatta, p. 98
[96] Déclaration de principes sur la tolérance, www.unesco.org/tolerance/declafre.htm
[97] Van Howe (et al.): Involuntary circumcision, p. 67
[98] Svoboda: Routine, p. 207
[99] Van Howe (et al.): Involuntary circumcision, p. 68
[100] Somerville: Respect, p. 414
[101] Somerville: Respect, p. 415-416
[102] Somerville: Respect, p. 418-421
[103] Verdoodt, p. 95-99
[104] Goldman: Circumcision: a source of Jewish pain
[105] Sanderson, p. 91-92
[106] أنظر الجزء الرابع، الفصل الثالث، رقم 3).
[107] Freeman, p. 76-77
[108] Hicks, p. 2-3 . أنظر في نفس المعنى Female genital mutilation, an overview, p. 3, 33
[109] نذكر على سبيل الماثل: California Penal code $ 667.83; Idaho criminal code $ 18-1506 A (b): 720 Illinois Compiled Statutes $$ 5/12-32 and 5/12-33(2)
[110] طه، ص 27-30.
[111] عويس، ص 12.
[112] Bulletin (du Comité inter-africain), no 21, sept. 1997, p. 5
[113] Montagu: Mutilated humanity
[114] Svoboda: Routine, p. 208
[115] Bodily integrity for both, p. 15-16
[116] Schoen: Is it time for Europe
[117] Bollgren; Wimberg: Reply to: Is it time for Europe
[118] Romberg: Circumcision, p. 108
[119] Price: Male non-therapeutic circumcision, p. 428-429
[120] عبد السلام: ختان الإناث، ص 26. أنظر أيضاً عويس، ص 10؛ مؤتمر الصحّة الإنجابيّة، ص 33.
[121] أنظر الجزء الثاني، القسم الثالث، الفصل الثامن، رقم 2).
[122] الصغير، ص 100.
[123] أنظر الجزء الثاني، القسم الأوّل، الفصل الرابع، الفرع الأوّل، رقم 1) حرف هـ).
[124] أنظر الجزء الثاني، القسم الثالث، الفصل الثامن، رقم 1) حرف هـ).
[125] إبن قيّم الجوزيّة: الطب النبوي، ص 158.
[126] إبن قيّم الجوزيّة: الطب النبوي، ص 160.
[127] عبد الهادي؛ عبد السلام: موقف الأطبّاء، ص 51.
[128] Sperlich; Conant: Facing circumcision, p. 273-274
[129] Ritter, p. 5-2
[130] عويس، ص 11-12.
[131] فيّاض، ص 7-8. أنظر أيضاً مؤتمر الصحّة الإنجابيّة، ص 35.
[132] الممارسات التقليديّة، ص 25-26.
[133] Denniston: Circumcision: an iatrogenic epidemic, p. 106
[134] طه، ص 31-37.
[135] عويس، ص 13-14.
[136] البخاري، حديث 5931، مسلم، حديث 1678.
[137] شبير، ص 72-73.
[138] عويس، ص 13.
[139] رمضان، ص 53-54.
[140] Zoltie, p. 22
[141] Poulter, p. 149
[142] Price: Male non-therapeutic circumcision, p. 439-441
[143] Toubia: Evolutionary cultural ethics, p. 3-4
[144] Lightfoot-Klein; Chase; Hammond; Goldman, p. 452-454
[145] Female genital mutilation, an overview, p. 1, footnote 2
[146] النص في http://www.wma.net/e/policy/17-h_e.html
[147] Lightfoot-Klein; Chase; Hammond; Goldman, p. 465-466
[148] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 46-48
[149] Wallerstein: Circumcision: an American health fallacy, p. 41-48
[150] Snyder, p. 491-492
[151] Romberg: Circumcision, p. 117-118 . أنظر أيضاً Van Howe (et al.): Involuntary circumcision, p. 65
[152] جريدة الشعب، 18/11/1994، ضمن كتاب رمضان، ص 82.
[153] عبد السلام: ختان الإناث، ص 29.
[154] Queensland law reform commission, p. 38-39
[155] Van Howe (et al.): Involuntary circumcision, p. 64
[156] Committee on bioethics: Informed consent
[157] Baer, p. 198
[158] Freeman, p. 74
[159] Van Howe (et al.): Involuntary circumcision, p. 64-65
[160] Haberfield: The law and male circumcision, p. 92-122
[161] Van Howe (et al.): Involuntary circumcision, p. 66
[162] Ritter, p. 13-1
[163] Gallo & Viviani: Weibliche Genitalverstümmelung, p. 126
[164] Times, 7.5.1999, p. 6; Guardian, 7.5.1999, p. 12
[165] Guardian, 26.11.1999
[166] Aldeeb: Mariages, p. 28-29 et 36
[167] أنظر نص الفتوى في الملحقين 5 و6 في آخر الكتاب.
[168] Hirschfel: The Jewish circumcision
[169] It's a boy, film by Victor Schonfeld, 1995, Broadcast Channel 4 TV, 21 Sept 1995, quoted by Price: Male non-therapeutic circumcision, p. 432
[170] Zoossmann-Diskin; Blustein, p. 343
[171] Funani, p. 53
[172] أنظر هذا القسم في: صبحي وزيدان: في فلسفة الطب، ص 165-166. وأنظر النص المعدّل كما ترجمه حنين بن إسحاق (توفّى عام 911) في: إبن أبي أصيبعة، ص 35-36.
[173] البار: المسؤوليّة الطبّية، ص 35-41.
[174] Romberg: Bris Milah, p. 38
[175] Zoossmann-Diskin; Blustein, p. 345-346
[176] Jewish Bulletin of North California, December 15, 1995
[177] Jerusalem Post of August 14, 2000
[178] Siegel: Baby recovers from brit mila amputation; Siegel: Baby's penis reattached after botched circumcision
[179] Jerusalem Post, December 13, 2000
[180] Svoboda: Routine, p. 211 ونذكر بين المقاطعات التي استثنت الختان Delaware: 24 Delaware Code $ 1703 (e) (4); Minnesota: Minnesota Statute $ 147.09 (10) ; Montana: Montana Code $ 37-3-103 (b); Wisconsin: Wisconsin Statute $ 448.03 (g)
[181] Wallerstein: Circumcision: an American health fallacy, p. 160-163
[182] Sorrells, p. 335
[183] Glass, p. 20
[184] Haberfield: The law and male circumcision, p. 92-122; Haberfield: Responding to Male circumcision,. p. 379-85
[185] Van Howe (et al.): Involuntary circumcision, p. 66-67
[186] Reuter 7.6.2001; AFP 8.6.2001; Hofvander: Circumcision of boys in Sweden, p. 147-152
[187] عويس، ص 41.
[188] محكمة النقض المصريّة، قضاء جنائي، 11 مارس 1974، السنة 25، ص 263-270.
[189] الجزء الثاني، القسم الثالث، الفصل السابع، رقم 6)
[190] أنظر نقد هذا القرار Boyle: Ending the forced genital cutting of children, p. 6-7
[191] مؤتمر الصحّة الإنجابيّة، ص 28.
[192] طه، ص 116-118.
[193] Denniston: Circumcision: an iatrogenic epidemic, p. 108
[194] عويس، ص 14.
[195] Somerville: Medical intervention, p. 82-86
[196] Somerville: Respect, p. 416-417
[197] Toubia: Evolutionary cultural ethics, p. 3-4
[198] Toubia: Verstümmelung, p. 78-79
[199] إبن طولون: نقد الطالب لزغل المناصب، ص 181.
[200] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 135
[201] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 159-16
[202] Gallo: La circoncisione femminile in Somalia, p. 155-157
[203] مؤتمر الصحّة الإنجابيّة، ص 36.
[204] الفنجري، ص 50.
[205] Kalthegener: Recht auf k?rperliche Unversehrtheit, p. 211
[206] فيّاض، ص 95، نقلاً عن صحيفة الأخبار في شهر أغسطس في عام 1996 (دون تحديد للتاريخ).
[207] http://www.cirp.org/library/ethics/AI /
[208] Saurel, p. 95-100
[209] Ossoukine, p. 20
[210] أنظر فتواه في الملحقين 5 و6 في آخر الكتاب.
[211] Le Monde, 2 mars 1984
[212] Hosken: The Hosken Report, p. 301-302
[213] Hosken: The Hosken Report, p. 316, 339, 352-354
[214] Hosken: The Hosken Report, p. 365-366
[215] Rapport du séminaire sur les pratiques traditionnelles, Dakar, 1984, p. 135
[216] E/CN.4/sub.2/1991/48, 12 juin 1991, par. 19
[217] Hosken: The Hosken Report, p. 307
[218] Hosken: The Hosken Report, p. 308
[219] Female genital mutilation, a joint WHO/UNICEF/UNFRA statement, p. 1, 3
[220] Hosken: The Hosken Report, p. 305, 361-362
[221] Hosken: The Hosken Report, p. 62-63
[222] Hosken: The Hosken Report, p. 47
[223] السعداوي، حول رسالة الطبيبة الشابّة، الأهرام، 18/5/1995، ص 8.
[224] السعداوي، مرّة أخرى حول رسالة الطبيبة الشابّة، الأهرام، 7/6/1995، ص 8.
[225] ندوة ختان الإناث، ص 45.
[226] ندوة ختان الإناث، ص 46.
[227] الفنجري، ص 55-56.
[228] الفنجري، ص 61.
[229] Gallo: La circoncisione femminile in Somalia, p. 155
[230] Gallo; Rabuffetti; Viviani: Sunna Gudnin
[231] Gallo: La circoncisione femminile in Somalia, p. 180-181
[232] Bulletin (du Comité inter-africain), no 4, août 1987, p. 11-12
[233] Bulletin (du Comité inter-africain), no 4, août 1987, p. 11-12
[234] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 218-220
[235] Saurel, p. 169
[236] Gonzàlez de Lara, p. 38-39
[237] Cutting edge, p. 3
[238] Rothenberg: Ending circumcision
[239] Kargbo, p. 116-117
[240] Toubia: Evolutionary cultural ethics, p. 6
[241] Cicéron: De la république, p. 12
[242] ندوة ختان الإناث، ص 46.
[243] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 44
[244] Sanderson, p. 68
[245] Miller, p. 196-198
[246] Llewellyn, p. 478-481
[247] Kalthegener; Ruby: Zara Yacoub, p. 86
[248] Wesch, p. 95
[249] Kalthegener: Recht auf k?rperliche Unversehrtheit, p. 211
[250] E/CN.4/sub.2/1991/48, 12 juin 1991, paragraphes 31-32
[251] Bulletin (du Comité inter-africain), no 14, juillet 1993, p. 6
[252] Bulletin (du Comité inter-africain), no 24, déc. 1998, p. 2
[253] منقول عن عبد الهادي: كفاح قرية، ص 86.
[254] Toubia: Evolutionary cultural ethicsn, p. 6; Female genital mutilation, an overview, p. VIII
[255] http://www.amnesty.org//ailib/intcam/femgen/fgm8.htm
[256] Lünsmann, p. 219
[257] www.fgmnetwork.org/eradication/state/ai.html
[258] Brosch, p. 225-226
[259] Hathaway, p. 105
[260] Hathaway, p. 102
[261] Bissland; Lawand, p. 18-19, 29
[262] Ogata: Foreword, p. 1-2
[263] Lünsmann, p. 219
[264] Gender-related persecution, p. 81
[265] McNamara, p. 5-6
[266] Commission des recours des réfugiés (CRR), 18.09.91, Aminata Diop
[267] Matter of Kasinga, Board of immigration appeals
[268] Verwaltungsgericht Magdeburg, 1. Kammer, I A 185/95, 20.6.1996
[269] Lünsmann, p. 220-221
[270] Jean Ziegler: Postulat 96:3356, 21 juin 1996
[271] www.parlament.ch/dL/Poly/Suchen_amtl_Bulletin/cn96/automne/1088.HTM. Voir à ce sujet Beck-Karrer: Frauenbeschneidung, p. 138
[272] Instructions de l'Office fédéral des réfugiés, mises à jour en décembre 2000, chapitre K, section 2, 2.2 et 3.2
[273] Judgment of 5 Nov. 1991, Bundesverwaltungsgericht, 107, DVBI 828-830
[274] رواه البخاري، حديث 3044