2 آراء القائلين بدفن المسيح قبل موته، والرد عليها
وهؤلاء هم القاديانيون أتباع مرزا غلام أحمد في بلاد الهند، وكان مرزا (كما يقول الدكتور محمد إسماعيل الندوى، في كتابه: القاديانية) يعرف كل الديانات العالمية، كما كان يجادل أصحابها لكي يثبت لهم صدق العقائد الإسلامية - غير أنه كان يقول بصلب المسيح دون موته، لكي يتجنب القول بقيامته، وذلك لئلا تكون للمسيح (حسب زعم مرزا) الزعامة الروحية التي كان يريدها هو لنفسه بعد رسول الإسلام. وفيما يلي ما ذهب إليه مرزا في سبيل إنكار قيامة المسيح:
(إن تلاميذ المسيح أنزلوه عن الصليب وهو حي، ولما وضعوه في القبر دهنوه بمرهم خاص، ولذلك لم يأت اليوم الثالث حتى كان قد أفاق. فخرج من القبر وانطلق شرقاً حتى وصل إلى الهند، وهناك عاش حتى بلغ العاشرة بعد المائة، وعند موته دفن في بلدة كشمير. والدليل على أنه لم يمت (كما يقولون) إنه كان قد شبّه وجوده في القبر، بوجود يونان في بطن الحوت. وبما أن يونان لم يمت بل دخل بطن الحوت حياً وخرج منه حياً، يكون المسيح قد دخل القبر حياً وخرج منه حياً أيضاً) .
الرد: (أ) إن الأدلة التي ذكرناها فيما سلف، لا تدع مجالاً للشك في أن المسيح ظل على الصليب حتى مات، ولذلك فالقول بأنه على أثر دهن جسمه بمرهم خاص، أفاق واتجه إلى الشرق، هو محض افتراء. كما أن القبر الموجود في الهند الذي يقال إن المسيح دفن فيه، ثبت بالدليل القاطع أنه بني بعد المسيح بمئات السنين لشخص يهودي يدعى آساف. وقد أشار الأستاذ العقاد إلى هذه الحقيقة في كتابه عبقرية المسيح .
(ب) أما من جهة تشبيه وجود المسيح في القبر، بوجود يونان في بطن الحوت، فنقول: إن الرمز لا يكون مثل المرموز إليه من كل الوجوه. فالذي آوى يونان كان حوتاً، بينما الذي آوى المسيح كان قبراً. ويونان دخل إلى بطن الحوت وهو بكامل صحته، أما المسيح فدخل إلى القبر بعد صلبه. والغرض من إلقاء يونان في البحر هو نجاة الملاحين من الرياح التي كانت تعصف بسفينتهم، أما الغرض الظاهري من صلب المسيح فهو إسكات صوته الذي كان يوبخ به رجال الدين ويظهر عيوبهم - وإذا كان الأمر كذلك، أدركنا أنه لا يجوز المقارنة بين الرمز وبين المرموز إليه من كل النواحي، بل من الناحية الرئيسية وحدها. والناحية الرئيسية المشتركة بين يونان وبين المسيح، هي أن كليهما اختفى اختفاء تاماً عن العالم ثلاثة أيام. لكن الأول كان موجوداً حياً في بطن الحوت، أما الثاني فكان ميتاً في بطن الأرض كإنسان (لأن جميع الأدلة الكتابية والعقلية تثبت أنه كان قد مات على الصليب) - وغني عن البيان أنه لو كان يونان مات مثل المسيح، لما كان قد قام، إذ أنه كان إنساناً عادياً. أما المسيح فكان من الضروري أن يقوم كإنسان بعد موته، لأنه لم يكن إنساناً عادياً، بل كان في جوهره هو كلمة اللّه، رئيس الحياة (أعمال 3: 5) .
(ج) ولزيادة الإيضاح من جهة اختلاف الرمز عن المرموز إليه من نواح متعددة نقول: إن رفع المسيح على الصليب كان يرمز إليه برفع الحية النحاسية، ودفنه كان يرمز إليه بدفن حبة الحنطة. فقد قال المسيح وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الحَيَّةَ فِي البَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابن الإِنْسَانِ، لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ (يوحنا 3: 14 و15) . وقال إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَل كِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ (يوحنا 12: 24) - ومع ذلك شتان بين الحية النحاسية وبين المسيح، وبين حبة الحنطة وبينه. إذ أن الحية النحاسية لا ترمز إليه إلا من حيث أنها رفعت عن الأرض، وكان كل من لدغ بالحية المحرقة ونظر إلى الحية المذكورة بالإيمان، كان يشفى - وكان ذلك مثالاً للخطاة الذين عندما يتجهون إلى المسيح بكل قلوبهم، يتمتعون بالحياة الأبدية. وحبة الحنطة لا ترمز إلى المسيح إلا من حيث أنها تختفي عن الأنظار في باطن الأرض، لكي تأتي بثمر كثير - وكان ذلك مثالاً للمسيح الذي على أساس موته الكفاري، صار الخلاص الأبدي لكل من يؤمنون به إيماناً حقيقياً.
ومن ثم ليس هناك مجال أيضاً للآراء التي نحن بصددها.