3 آراء القائلين بإحياء المسيح ورفعه بعد موته والتعليق عليها
1 - قال محمد بن إسحق إن المسيح توفي سبع ساعات، ثم أحياه اللّه ورفعه (تفسير الإمام الرازي ج 2 ص 457-458) .
2 - وقال أدريس إن اللّه أمات المسيح ثلاثة أيام ثم بعثه ثم رفعه (ابن كثير ج 1 ص 366) .
3 - وقال ابن حزم وأبو علي الجبائي المعتزلي إن المسيح مات ثم أحياه اللّه ورفعه (نظرة عابرة على من ينكر نزول عيسى ص 3 ، 32) .
4 - وقال إخوان الصفا عن المسيح إنه ظهر للناس وجعل يدعوهم ويعظهم حتى أخذ وحمل إلى ملك إسرائيل، فأمر بصلبه. فصلب وسمرت يداه على خشبتي الصليب، وبقي مصلوباً من ضحوة النهار إلى العصر، وطلب الماء فسقي الخل، وطعن بالحربة في جنبه. ثم دفن مكان الخشبة، ووكل بالقبر أربعون رجلاً. وهذا كله بحضرة أصحابه وحوارييه. وبعد ذلك بثلاثة أيام اجتمعوا في الموضع الذي وعدهم أن يتراءى لهم فيه، فرأوا تلك العلامة التي كانت بينه وبينهم (إخوان الصفا ج 4 ص 30) .
5 - وأخيراً قال دكتور فؤاد حسانين، في مقالته إلهي إلهي لماذا تركتني التي نشرت في (أخبار اليوم في 25-4-1970) إن موت المسيح على الصليب ليس معجزة المسيحية، والعكس هو الصحيح، أعني قيام المسيح من بين الموتى. كما قال إن المراد بالآية إذ قال اللّه يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا... (آل عمران: 55) ، إقامة اللّه للمسيح بعد موته.
إن هؤلاء الأشخاص لا يعبرون عن الرأي العام في الإسلام، لأن الأغلبية الساحقة من المسلمين يعتقدون أن المسيح لم يصلب بل رفع إلى السماء حياً. ومع ذلك فبدراسة ظروف الأشخاص المذكورين وآرائهم، يتضح لنا:
1 - إن محمد بن إسحق وأدريس كانا في أوائل المسلمين، وأوائل المسلمين كانوا يتمسكون بالإسلام كل التمسك. ولذلك إن جاز القول إن الثاني قد نقل رأيه من جهة المدة التي ظل المسيح فيها ميتاً، عن المسيحيين، لكن لا يمكن أن يكون الأول قد نقل رأيه عنهم من جهتها، لأنه قال إن المسيح توفي سبع ساعات، وليس ثلاثة أيام. ومع كل فإنهما معاً لم يذكرا أن المسيح مات مصلوباً، لكي يكون كفارة عن الخطاة، أو أنه لكفاية كفارته من جهة وكماله الذاتي من جهة أخرى قد قام من بين الأموات، كما يؤمن المسيحيون، الأمر الذي يدل على أنهما لم يعتمدا في آرائهما على ما جاء في الإنجيل.
2 - إن ابن حزم وأبا علي الجبائي المعتزلي كانت لهما دراية واسعة بالأديان جميعاً، والإعتقاد بأن أولهما انخدع بما جاء في العتيبة لابن مالك وأن الثاني كان شاذاً، موجه إلى ما خفي من طبائع في نفسيهما، ونحن ليست لنا القدرة للحكم على ما في نفوس البشر من طبائع. فقد علمتنا الأيام أنه ليس كل من نرميهم بالشذوذ يكونون شاذين، وليس كل من نرميهم بالإنخداع يكونون منخدعين.
3 - إن إخوان الصفا، كما قال دكتور محمد غلاب في كتابه عنهم: كانوا من كبار العلماء وفطاحل المفكرين في القرن الرابع للهجرة، كما كانوا أشد أهل زمانهم محافظة على مكارم الأخلاق وتمسكاً بالفضائل العالمية من إخلاص ووفاء. وكانوا مقتنعين برسالة الإسلام وينظرون إليه على أنه جماع النبوة العالمية، وأن النبي محمد هو خاتم النبيين . ومن ثم لا يمكن أن يكونوا قد نقلوا خبري صلب المسيح وقيامته من الإنجيل، لا سيما وقد ذكروا أن الحراس الذين كلفوا بحراسة قبره كانوا أربعين، وأن أصحابه وحوارييه (جميعاً) كانوا حاضرين عند دفنه ووضع الحراس على قبره، الأمر الذي ليس له أساس في الإنجيل. وإذا كان الأمر كذلك، فمن المحتمل أن يكونوا قد اقتبسوا آرائهم من مصادر تاريخية كانت، موجودة في أيامهم.
4 - أما من جهة الرأي المذكور في البند الخامس، فإن صاحبه بالإضافة إلى أنه معروف بتمسكه بالإسلام، فهو شخص نال من الثقافة قدراً عظيماً، ومن ثم لا بد أنه درس الكثير مما قيل عن قيامة المسيح من الموت وما قيل أيضاً عن عدم قيامته من بينهم، ولذلك فمن المحتمل أن يكون قد انتهى إلى رأيه بعد دراسة عقلية اقتنع بصدقها.
5 - أخيراً نقول إن المسيحية كانت قد دخلت بلاد العرب قبل الإسلام بمئات السنين، واعتنقها عدد ليس بالقليل من سكانها الوثنيين مثل قبائل حمد وربيعة وغسان ونجران ولما ظهر الإسلام بعد ذلك. في هذه البلاد، اعتنقه كثير من الوثنيين، كما اعتنقه أيضاً كثير من المسيحيين. وحينئذ حدثت مجادلات متعددة بين الذين ظلوا على مسيحيتهم وبين الذين اعتنقوا الإسلام. فجاءت الآية ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم - (العنكبوت) . ومن ثم نشأ الفريقان وكل منهما على عقيدته، وظل الأمر على هذه الحال ردحاً من الزمن. ولذلك ليس من الجائز أن يقال إن نفراً من أوائل المسلمين اقتبسوا بعض عقائدهم من الإنجيل، لأنه لو كان الأمر كذلك، لكانوا قد ظلوا على مسيحيتهم إن كانوا مسيحيين، أو لكانوا قد اعتنقوا المسيحية إن كانوا وثنيين، من قبل.