البَابُ السَّادسُ

نتائج قيامة المسيح

1 نتائج قيامة المسيح بالنسبة إلى شخصه المبارك

1 - إعلان بنوته الفريدة للّه: (أ) قال بولس الرسول عن المسيح وَتَعَيَّنَ(أو بالحري اتضح أنه) ابن اللّهِ بِقُّوَةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ القَدَاسَةِ، بالقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ (رومية 1: 4) ، لأن قيامته من بينهم دليل قاطع على أن شهادته عن نفسه أنه ابن اللّه، هي شهادة حقيقية وليست تجديفاً، كما قال اليهود. ومما تجدر الإشارة إليه أن المسيح هو ابن اللّه ليس لأنه قام من الأموات، بل لأنه في ذاته ابن اللّه قام من بينهم، إذ أن بنوته الفريدة للّه كامنة في شخصيته وليس في قيامته، وما قيامته إلا نتيجة ملازمة لشخصيته. ولذلك إن جاز لبعض الذين عاصروه في أوائل خدمته أن يشكّوا في بنوته الفريدة للّه (مع أنه لا عذر لهم في شكهم هذا، فحياة المسيح التي لا مثيل لها، وأعماله ومعجزاته التي تفوق العقل والإدراك، كل هذه كانت تنطق بأنه ليس من الأرض بل من السماء) ، فإن قيامته من الأموات لا تترك مجالاً للشك في صدق هذه البنوة على الإطلاق.

(ب) وقد أشار بولس الرسول في موضع آخر إلى استعلان بنوة المسيح الفريدة للّه بواسطة قيامته من الأموات. فقال لليهود ونحن نبشركم بالموعد الذي صار لآبائنا (إبراهيم وإسحق ويعقوب وغيرهم) أن اللّه أكمل هذا (الموعد) لنا نحن أولادهم إذ أقام يسوع. كما هو مكتوب في المزمور الثاني: أنت ابني. أنا اليوم ولدتك لأنه أقامه من الأموات، غير عتيد أن يعود أيضاً إلى فساد. لذلك قال أيضاً في مزمور آخر: : لَنْ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَاداً. لِأَنَّ دَاوُدَ بَعْدَ مَا خَدَمَ جِيلَهُ بِمَشُورَةِ اللّهِ رَقَدَ وَانْضَمَّ إِلَى آبَائِهِ، وَرَأَى فَسَاداً. وَأَمَّا الذِي أَقَامَهُ اللّهه (وهو المسيح) فَلَمْ يَرَ فَسَاداً (أعمال 13: 32-37) ، ليس فقط لأنه قام من بين الأموات، بل لأنه أيضاً كان غير قابل للفساد وهو مائت، وذلك لتنزهه عن الخطيئة تنزيهاً تاماً.

(ج) وبالإضافة إلى ما تقدم، فإن المسيح لم يقم من الأموات بفضل صلاة أحد القديسين كما كانت الحال مع ابن الشونمية، أو قام مربوطاً بأكفانه واحتاج إلى من يحله منها كما كانت الحال مع لعازر، أو قام خائر القوى واحتاج إلى من يمده بطعام كما كانت الحال مع إبنة يايروس. بل قام بعزة واقتدار معلناً لتلاميذه سلطانه الإلهي، وموبخاً إياهم لعدم إيمانهم في أول الأمر بقيامته، كما أجرى أمامهم معجزات باهرة، الأمر الذي لا يدع مجالاً للشك في أنه ابن اللّه، كما أعلن عن نفسه مراراً وتكراراً.

2 - إعلان كفاية كفارته عن البشر جميعاً: (أ) إن قيامة المسيح من بين الأموات، كما أعلنت أنه ابن اللّه، أعلنت أيضاً كفاية كفارته عن البشر جميعاً، وذلك بسبب إيفائها لكل مطالب عدالة اللّه وقداسته نيابة عنهم، لأنه لولا ذلك لكان المسيح قد ظل في قبره إلى الآن.

وقد أشار الوحي إلى كفاية كفارة المسيح، فقال الَّذِي فِيهِ لَنَا الفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الخَطَايَاإ (أفسس 1: 7) . كما قال عنه وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ العَالَمِ أَيْضاً (1 يوحنا 2: 2) . (ب) ولذلك قال المسيح من قبل هكَذَا أَحَبَّ اللّه العَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الوَحِيدَ، لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.,, اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لَا يُدَانُ، وَالَّذِي لَا يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ (يوحنا 3: 16-18) . كما قال مَنْ يَسْمَعُ كَلَامِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلَا يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ المَوْتِ إِلَى الحَيَاةِ (يوحنا 5: 24) . وقد أعلن الرسول هذه الحقيقة بعينها، فقال لجميع الناس عن المسيح إن كل من يؤمن به، ينال باسمه غفران الخطايا ونصيباً مع المقدسين (أعمال 26: 18) .

3 - إعلان أهليته للوساطة لأجل الخطاة: إن الخطاة الذين يشعرون بعدم إمكانية قبولهم لدى اللّه بسبب إساءتهم إليه، يتخذون لأنفسهم وسطاء من الأنبياء والصالحين، لكي يجلبوا إليهم (حسب اعتقادهم) غفران اللّه ورضاه. لكن الوسيط الذي يمكن أن يكون ليس فقط خالياً من الخطيئة وكاملاً في ذاته كل الكمال، بل يجب أن يكون أيضاً قادراً على إيفاء مطالب عدالة اللّه وقداسته من جهة الذين يتوسط لأجلهم. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الشخص الوحيد الذي له حق الوساطة لأجل الخطاة هو المسيح دون سواه، لأنه هو الذي بموته النيابي على الصليب وفى كل مطالب عدالة اللّه وقداسته من نحوهم. لذلك قال الوحي: لِأَنَّهُ يُوجَدُ إِل هٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللّهِ وَالنَّاسِ: الْإِنْسَانُ يَسُوعُ المَسِيحُ، الذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لِأَجْلِ الجَمِيعِ (1 تيموثاوس 2: 5 و6) . ومن ثم كان من البديهي أن يقوم المسيح من بين الأموات بعدما وفّى مطالب عدالة اللّه وقداسته، لكي يتولى كالفادي مهمة الوساطة المذكورة.

4 - إعلان دوام اتصاله بالمؤمنين: (أ) لو كان المسيح قد ظل في قبره، لانقطعت علاقته بالمؤمنين إبان وجودهم على الأرض. لكن بقيامته من بين الأموات أثبت صدق شهادته عن نفسه أنه حي (يوحنا 14: 19 ، عبرانيين 7: 8 ، رؤيا 1: 18) ، وأنه يكون فعلاً مع هؤلاء المؤمنين كل الأيام إلى انقضاء الدهر (متى 28: 20) ، وأنه حيثما اجتمع إثنان أو ثلاثة منهم باسمه فهناك يكون في وسطهم بلاهوته (متى 18: 20) ، وأنه أيضاً يعطيهم كل ما يطلبونه باسمه من اللّه في الصلاة (يوحنا 14: 13 و 14) .

(ب) والرسول الذي اختبر حقيقة وجود المسيح المستمر مع المؤمنين الحقيقيين طوال وجودهم على الأرض، قال لهم عنه إنه يكملهم ويثبتهم ويقويهم ويمكنهم، بل وأيضاً ينجيهم من الضيقات ويحفظهم من الشر (1 بطرس 5: 10 ، فيلبي 4: 13 ، 2 كورنثوس 1: 10 ، 2 تسالونيكي 3: 3) كما يحل بالإيمان في قلوبهم (أفسس 3: 17) ويكون بمثابة الرأس لهم، ويكونون هم بمثابة الجسد له (أفسس 5: 29-31) . ومن ثم لهم أن يفرحوا في كل حين (فيلبي 4: 4) ، الأمر الذي يدل على أن علاقتهم به، ليست العلاقة الوهمية أو الشكلية بل العلاقة العملية الحقيقية، التي تشبع نفوسهم وتسمو بها فوق العالم كثيراً.

5 - إعلان أحقيته في الملك الأبدي على العالم: (أ) إن صاحب الحق في الملك الأبدي، هو من يغلب الموت الذي يحول بين البشر وبين البقاء. ولما كان المسيح هو الذي غلب الموت، فمن ثم له وحده هذا الملك، ولذلك قال الملاك للعذراء مريم عنه ولا يكون لملكه نهاية (لوقا 1: 33) . وقال هو لليهود وأيضاً أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء (متى 26: 64) . وقد عرف معاصروه شيئاً عن هذا الملكوت. فقد قالت له سيدة قل أن يجلس ابناي هذان، واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك (متى 20: 21) . كما أشار تلاميذه إلى الملك المذكور فقال بولس عن المسيح إنه يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء (أو بالحري الأشرار) تحت قدميه (1 كورنثوس 15: 25) ، وقال يوحنا الرسول عن القديسين الذين سيجتازون الضيقة العظيمة إنهم سيعيشون ويملكون مع المسيح ألف سنة (رؤيا 10: 4) .

(ب) وعلماء المسلمين، مع اختلافهم عن المسيحيين من جهة هذا الملك وأهدافه، أشاروا إليه بعبارات واضحة. فقال ابن الأثير إنه في أثناء ملك المسيح على الأرض يرتع الأسد مع الإيل، والنمر مع البقر، والذئاب مع الغنم، وتلعب الصبيان مع الحيات . وقال أيضاً إن المسيح سينشر في أثناء ملكه على الأرض السلام في جميع أرجائها (التاريخ الكامل ص 155 ، 161) - وهذا يتفق مع ما قاله إشعياء النبي سنة 700 قبل الميلاد فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الجَدْيِ، وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعاً، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا. وَالْبَقَرَةُ وَالدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ أَوْلَادُهُمَا مَعاً، وَالْأَسَدُ كَا لْبَقَرِ يَأْكُلُ تِبْناً. وَيَلْعَبُ الرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ الصِّلِّ، وَيَمُدُّ الفَطِيمُ يَدَهُ عَلَى جُحْرِ الأُفْعُوانِ.(والناس) لَا يَسُوؤُونَ وَلَا يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، لِأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي المِيَاهُ البَحْرَ (إشعياء 11: 6-9) ، وذلك للدلالة على السلام الكامل الذي سيسود على العالم إبان ملك المسيح.

6 - أحقية قيامته بدينونة الأشرار: (أ) فقد قال بولس الرسول لفلاسفة اليونان فاللّه الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا متغاضياً عن أزمنة الجهل. لأنه أقام يوماً هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل، برجل قد عينه مقدماً للجميع إيماناً، إذ أقامه من الأموات (أعمال 18: 30-31) . ومن البديهي أن يكون المسيح هو الشخص الذي يدين الخطاة، إذ فضلاً عن أنه هو وحده البار، والبار هو الذي له الحق في القيام بهذه المهمة، فإنه هو الذي قدم نفسه كفارة عنهم كما ذكرنا فيما سلف، ومن ثم فله وحده أن يدينهم بسبب عدم تقديرهم لكفارته ورفضهم الإفادة منها. وقد سبق المسيح وأشار إلى هذه الحقيقة، فقال لِأَنَّ الآبَ لَا يَدِينُ أَحَداً، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلِا بْنِ (يوحنا 5: 22) ، وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ أَيْضاً، لِأَنَّهُ ابن الإِنْسَانِ (يوحنا 5: 27) ، الذي قام بالفداء. كما قال وَمَتَى جَاءَ ابن الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ المَلَائِكَةِ القِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ,,, ثُمَّ يَقُولُ المَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا المَلَكُوتَ المُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ العَالَمِ. ثُمَّ يَقُولُ أَيْضاً لِلَّذِينَ عَنِ اليَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلَاعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ المُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ وَمَلَائِكَتِهِ (متى 25: 31-46) .

وقال بطرس الرسول عن المسيح هو المعين من اللّه دياناً للأحياء والأموات، له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به. ينال باسمه غفران الخطايا (أعمال 10: 41 و42) . وقال بولس الرسول مَنْ هُوَ الذِي يَدِينُ؟ثم أجاب على هذا السؤال فقال اَلْمَسِيحُ هُوَ الذِي مَاتَ، بَلْ بالحَرِيِّ قَامَ أَيْضاً (رومية 8: 34) ، كما قال عنه إنه هو الذي يَدِينَ الأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتَ، عِنْدَ ظُهُورِهِ وَمَلَكُوتِهِ (2 تيموثاوس 4: 1) .

(ب) والإسلام يشهد أيضاً أن المسيح هو الذي يحكم بالعدل أو بالحري هو الذي يدين الخطاة، فقد جاء في (البخاري ج 2 ص 458) أن نبي الإسلام قال والذي نفسي بيده لا يوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً . وقال أحمد ابن حائط المسيح هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة (الملل والأهواء والنحل ج 1 ص 77) . وقال الإمام الرازي سيأتي المسيح إلى الأرض عند نهاية العالم ويقتل الدجال (تفسيره ج 2 ص 458) . وقال الإمام مسلم إن الشيطان عندما يرى عيسى بن مريم، يذوب كما يذوب الملح في الماء (مختار الإمام مسلم وشرح النووي ص 571) . وقد سبق الكتاب المقدس ونادى بهذه الحقيقة، فقال عن الشيطان إنه يسقط كالبرق أمام المسيح (لوقا 10: 8) ، وأن المسيح سيطرحه في بحيرة النار (رؤيا 20: 10) .

الصفحة الرئيسية