3 شهادة كتبة سيرة المسيح عن حادثة قيامته، والأدلة على صدقها
أولاً - حادثة قيامة المسيح
(متى 28 ، مرقس 16 ، لوقا 24 ، يوحنا 20)
إن الوحي لم يستخدم شخصاً واحداً للكتابة عن قيامة المسيح، بل استخدم أربعة أشخاص للكتابة عنها، وهم متى ومرقس ولوقا ويوحنا، وقد أجمع هؤلاء الأربعة على الخلاصة الآتية:
حدثت في فجر الأحد، أو بالحري في اليوم الثالث لصلب المسيح وموته، زلزلة عظيمة. كما نزل ملاك من السماء، ودحرج الحجر عن باب القبر (الذي كان المسيح مدفوناً فيه) ، ثم جلس بعد ذلك على هذا الحجر. فارتعد الحراس الذين كانوا هناك وصاروا كأموات. وعندما انتبهوا إلى أنفسهم، انطلقوا إلى المدينة وأخبروا رؤساء كهنة اليهود بما حدث. فاجتمع هؤلاء مع الشيوخ وتشاوروا معاً في الأمر، فاستقر رأي الجميع على أن يعطوا الحراس فضة كثيرة، لكي يقولوا إنه في أثناء نومهم ليلاً أتى تلاميذ المسيح وسرقوا جسده. وتعهدوا للحراس بأنه إذا سمع هذا القول عند الوالي الروماني، فإنهم يستعطفونه حتى لا يصيبهم بأذى. فأخذ الحراس الفضة وقالوا كما أوصاهم رؤساء الكهنة.
وفي فجر هذا اليوم أيضاً، خرجت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة إلى القبر (الذي كان يحوي جسد المسيح ومعهن حنوط كثير ليضعنه على جسده. وكن يتساءلن في أثناء سيرهن إلى القبر عمن يدحرج لهن الحجر عن بابه، لأن هذا الحجر كان كبيراً. لكن عندما وصلن إلى القبر رأين الحجر مدحرجاً. فدخلن القبر ليقمن بالمهمة التي أتين لأجلها، غير أنهن لم يجدن جسد المسيح هناك. وفيما هن محتارات إذا رجلان وقفا بهن بثياب براقة، وقالا لهن: لماذا تطلبن الحي بين الأموات!! ليس هو ههنا، لكنه قام. أذكرن كيف كلمكن وهو بعد في الجليل قائلاً: إنه ينبغي أن يسلم ابن الإنسان إلى أيدي الناس ويصلب، وفي اليوم الثالث يقوم . فتذكرن كلامه ورجعن من القبر وأخبرن تلاميذه بكل ما رأين وسمعن، فتراءى كلامهن لهم كالهذيان ولم يصدقوهن.
فقام بطرس ويوحنا وأتيا إلى القبر، وكان الإثنان يركضان معاً، فسبق يوحنا زميله بطرس وجاء أولاً إلى القبر وانحنى، فنظر الأكفان موضوعة، لكنه لم يدخل. ثم جاء بطرس ودخل القبر، فرأى الأكفان موضوعة كما هي، لكن المنديل الذي كان على رأس المسيح لم يكن موضوعاً معها بل كان ملفوفاً في موضع وحده. وحينئذ دخل أيضاً يوحنا الذي جاء أولاً إلى القبر، ورأى فآمن، لأنهما لم يكونا يعرفان بعد ما قالته الكتب المقدسة أن المسيح ينبغي أن يقوم من بين الأموات.
أما عن ظهور المسيح لتلاميذه، وأتباعه، وحديثه معهم بعد قيامته، فقد ذكرنا شيئاً عنهما في الفصل السابق، ولا داعي لتكراره هنا.
ثانياً - الأدلة على صدق هذه الحادثة
فضلاً عن أن الحادثة المذكورة مدونة بالوحي الإلهي الأمر الذي لا يدع مجالاً للشك في صدقها كما ذكرنا، وفضلاً عن أنها خالية من كل استعارة أو مجاز، الأمر الذي لا يدع مجالاً لتأويل معناها الظاهري إلى معنى آخر، نقول:
1 - إن الذين كتبوا هذه الحادثة أشخاص على جانب عظيم من الأخلاق الكريمة، استطاعت نعمة اللّه أن تجعل من الوثنيين النجسين أبراراً قديسين. فضلاً عن ذلك كان يختلف أحدهم عن الآخر كل الإختلاف، من جهة السن والثقافة والنشأة والطباع والمركز الإجتماعي. لأن متى كان محاسباً حريصاً، ومرقس كان شاباً متحمساً، ولوقا كان طبيباً مدققاً، ويوحنا كان شيخاً رزيناً هادئاً. ومن ثم ليس هناك مجال للظن بأنهم اتفقوا على تأليف الحادثة المذكورة لأي غرض من الأغراض.
2 - ولو فرضنا جدلاً أنهم على الرغم من كل ذلك اتفقوا على تأليفها، لكتبوا لنا (أولاً) عن الطريقة التي قام بها المسيح من بين الأموات، والتي هي أول ما يتبادر إلى ذهن المؤلف الذي يحاول الكتابة عن هذا الموضوع. و(ثانياً) لصاغوا أيضاً حادثة القيامة في الأساليب المثيرة التي نشاهدها في روايات الأبطال وقصصهم. و(ثالثاً) لأسندوا كذلك إلى المسيح عمل المعجزات الباهرة أمام اليهود والرومان الذين صلبوه، أو الظهور للفريقين بمظهر يرعبهم ويدعوهم إلى الخشوع والسجود عند قدميه. و(رابعاً) لذكروا أن العذراء مريم كانت مع النساء اللاتي خرجن في الفجر لوضع الحنوط على جسد المسيح، أو أن المسيح زارها بعد قيامته في بيتها لكي يبعث إليها بالطمأنينة والسلام.
فضلاً عن ذلك لما سجلوا شيئاً عن (أولاً) ضعف إيمانهم، وشك بعضهم في قيامة المسيح، وخوفهم جميعاً من اليهود. (ثانياً) فضل النساء عليهم واهتمامهن بإكرام المسيح أكثر منهم. (ثالثاً) السؤال الخاص بوقت رد الملك إلى إسرائيل الذي أنكر المسيح عليهم التفكير فيه ورفض إجابتهم عنه - ومن ثم فإن حادثة قيامة المسيح بالوضع الواردة به في الكتاب المقدس، لا مجال للطعن في صدقها من أية ناحية من النواحي.
3 - وبالإضافة إلى ما تقدم، فإننا إذا أمعنا النظر في هذه الحادثة، مع شهادة المسيح التي ذكرناها في الفصل السابق، يتضح لنا أنها تشمل أخباراً لم يكن من الممكن أن تخطر ببال التلاميذ، لولا أنها حدثت فعلاً أمامهم. وذلك مثل الخبر (أولاً) الخاص بأن مريم المجدلية أمسكت بقدمي المسيح فنهاها عن هذا العمل (يوحنا 20: 17) . (ثانياً) الخاص بأن يوحنا ركض مع بطرس إلى القبر فوصل إليه أولاً، لكنه لم يدخل فيه، ومن ثم لم ير في بادئ الأمر موضع المنديل بالنسبة إلى الأكفان، أما بطرس الذي أتى بعده، فدخل ورأى موضعه بالنسبة إليها (يوحنا 20: 3-7) . (ثالثاً) الخاص بجهل التلاميذ لما جاء في الكتب المقدسة التي كانت بين أيديهم، عن ضرورة قيامة المسيح من الأموات (يوحنا 20: 9) . (رابعاً) الخاص بأن المسيح دخل الغرفة وأبوابها مغلقة، مع أن جسده (كما يعلم التلاميذ) كان جسداً حقيقياً (يوحنا 20: 19-20) . (خامساً) الخاص بأن التلاميذ بعدما عرفوا المسيح، لم يجسر واحد منهم أن يسأله من هو (يوحنا 21: 12) ، مع أنه لم يظهر لهم بمظهر مرعب يعقد ألسنتهم عن الكلام. (سادساً) الخاص بأنهم لم يجدوا سمكاً في البحر، لكن عندما أتوا إلى الشاطئ حيث كان المسيح واقفاً، وجدوا جمراً وسمكاً موضوعاً عليه وخبزاً (يوحنا 20: 7-13) . (سابعاً) الخاص بأن المسيح أعلن لبطرس الطريقة التي سيموت بها، لكن لما سأله هذا عن مصير يوحنا، وبخه المسيح (يوحنا 21: 18-23) . (ثامناً) الخاص بأن المسيح أوصى تلاميذه بالكرازة باسمه في جميع الأمم، مع أنهم كانوا يكرهون الأمم ويرفضون التحدث معهم عن نعمة اللّه، لئلا يتمتعوا بخلاصه مثلهم (أعمال 10: 38) . (تاسعاً) والخاص بأنه أمر تلاميذه بعدم مغادرة أورشليم حتى يحل الروح القدس عليهم (لوقا 24: 47-49) ، مع أنهم كانوا لا يعرفون كيفية حلوله أو النتائج التي تترتب على حلوله.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن حادثة قيامة المسيح الواردة في الكتاب المقدس، لا مجال للشك في صدقها على الإطلاق كما ذكرنا.