2 آراء اليهود المعاصرين، والرد عليها
قبل إعلان وثيقة تبرئة اليهود من دم المسيح في أوائل سنة 1966 بواسطة بابا روما، كتب واحد منهم يدعى هيوشنفيلد كتاباً عن المسيح جاء فيه إنه هو الذي دبر عملية صلبه كجزء من مؤامرة خاصة، ولذلك قبل أن يطرحه الرومان على الصليب، تناول مخدراً حتى لا يشعر بآلام الصلب التي كانت ستحل به. وبعد ثلاث ساعات من صلبه، نقله تلاميذه وهو على قيد الحياة إلى القبر، وهناك وضعوا في أكفانه الكثير من العقاقير والعطور التي ساعدت على التئام جروحه وإنعاش نفسه. وقد انتهزوا فرصة عطلة يوم السبت وهو اليوم التالي لصلبه، وسرقوه في غفلة من الحراس، ثم ذهبوا به إلى بلاد بعيدة، فعاش في هذه البلاد حتى مات .
l وللرد على هذه الدعوى نقول:
1 - إن المسيح، كما يتضح من حادثة صلبه، رفض أن يتناول مخدراً قبل توقيع الصلب عليه (مرقس 15: 23) ، لأنه أراد أنيتحمل الآلام كما هي، حتى تكون كفارته عن البشرية كفارة قانوية. لكن لما أحس قبيل موته بالعطش الشديد بسبب الإجهاد الذي كان يعانيه على الصليب، والحر اللافح الذي كان يحيط به في رابعة النهار، طلب أن يشرب. فقدم له الجنود خلاً أو بالحري نوعاً من الخل (يوحنا 19: 28 و29) ، لذلك ليس من الأمانة في شيء أن يقال إنه تناول مخدراً حتى لا يشعر بآلام الصليب.
2 - إن تلاميذ المسيح كانوا قد هربوا عندما قبض اليهود عليه، ولم يبق منهم إلا يوحنا الرسول. ولو فرضنا جدلاً أن الشجاعة قد دبت في نفوس التلاميذ وقتئذ واندفعوا إلى الصليب لإنزال المسيح عنه، لما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، لأن المسيح كان محاطاً بجنود الرومان واليهود، الذين كانوا يبعثون الرعب وكل الرعب إلى نفوسهم. كما كان محاطاً برؤساء الكهنة الذين كانوا يريدون التأكد من موته قبل إنزاله عن الصليب، لأنه كان ألد أعدائهم في الوجود، ومن ثم لا مجال للقول إن تلاميذ المسيح أنزلوا جسده عن الصليب قبل أن يموت. فإذا أضفنا إلى ذلك، أن واحداً من الجنود طعن المسيح بحربة في جنبه حتى إذا كان به رمق من الحياة، يقضي عليها بهذه الطعنة (يوحنا 19: 34) ، اتضح لنا بكل جلاء أن المسيح لا بد أنه كان قد مات قبل إنزاله عن الصليب.
3 - أخيراً نقول: إذا وضعنا أمامنا (أولاً) أن المسيح لم يدفع للصلب رغماً عنه (لأنه كان في وسعه أن يتجنبه من أول الأمر، وذلك بالكف عن توبيخ رؤساء الكهنة بسبب شرورهم) ، بل تقدم إليه بمحض اختياره. (ثانياً) أنه لم يكن جباناً أو رعديداً حتى يهرب كما يهرب اللصوص، بل كان طوال حياته شجاعاً جريئاً يواجه الأعداء في قلاعهم، ويوبخهم بكل شدة في وجوههم (متى 23: 13-65) . (ثالثاً) ليس هناك أي كتاب تاريخي يدل على أن المسيح غادر اليهودية بعد حادثة الصلب - اتضح لنا أن آراء اليهود المعاصرين هي مجرد محاولات ليبرئوا أنفسهم من جريمة صلب المسيح، حتى يتقربوا إلى الدول المسيحية وينالوا منها معونة ما. لكن لا يمكن أن تنطلي حيلهم على من لديه ذرة من الإخلاص للحق والوفاء له.