26 - اقتبس أقوال أهل الكتاب
س 236: جاء في سورة النحل 16: 103 وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَالسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ .
قال البيضاوي: ولقد تعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر - يعنون جبرا الرّومي غلام عامر بن الحضرمي. وقيل جبرا ويسارا كانا يصنعان السيوف بمكة. ويقرآن التوراة والإنجيل. وكان الرسول (صلعم).يمر عليهما ويسمع ما يقرآنه. وقيل عائشاً غلام حويطب بن عبد العزى فقد أسلم وكان صاحب كتب. وقيل سلمان الفارسي. لسان الذي يلحدون إليه أعجمي - لسان الرجل الذي يميلون قولهم عن الاستقامة إليه مأخوذ من لحد القبر. وهذا - القرآن. لسان عربي مبين - ذو بيان وفصاحة والجملتان مستأنفتان لإبطال طعنهم. وتقريره يحتمل وجهين: أحدهما أن ما سمعه منه كلام أعجمي لا يفهمه هو ولا أنتم والقرآن عربي تفهمونه بأدنى تأمل فكيف يكون ما تلقفه منه. وثانيهما: هب أنه تعلم منه المعنى باستماع كلامه لكن لم يتلقف منه اللفظ لأن ذلك أعجمي وهذا عربي .
قال ابن عباس: كان محمد يعلم قيناً نصرانياً بمكة اسمه بلعام، فكان المشركون يرون محمداً يدخل عليه ويخرج من عنده. فكانوا يقولون إنما يعلّمه بلعام. وقال عكرمة كان محمد يقرئ غلامالبني المغيرة يقال له يعيش فكان يقرأ الكتب. فقالت قريش إنما يعلّمه. وقال محمد بن إسحق: كان محمد فيما بلغني كثيراً ما يجلس عند المروة إلى غلام رومي نصراني عبد لبعض بني الحضرمي يقال له جبر وكان يقرأ الكتب. وقال عبيد الله بن مسلمة: كان لنا عبدان من أهل عين التمر يقال لأحدهما يسار ويكنّى أبا فكيهة ويقال للآخر جبر وكانا يصنعان السيوف بمكة. وكانا يقرآن التوراة والإنجيل بمكة. فمرَّ بهما محمد وهما يقرآن فيقف ويستمع وكان محمد إذا آذاه الكفار يقصد إليهما فيتروَّح بكلامهما. فقال المشركون إنما يتعلم محمد منهما. وقال الفراء قالت العرب إنما يتعلم محمد من عائش، مملوك كان لحويطب بن عبد العزى كان نصرانياً وقد أسلم وكان أعجمياً. وقيل هو عداس غلام عتبه بن ربيعة.
ونحن نسأل: اتَّهم العرب محمداً أنه يتعلم الأخبار من غيره ثم ينسبهالنفسه ويزعم أنها وحي إليه من الله، فلماذا لم يقدم لهم البرهان أنه يتلقى أقواله من الله رأساً؟ إن ردَّه بأن الذي يسمع أقواله أعجمي اعتراف بالاقتباس، لأنه صاغ ما سمع من معانٍ في أسلوبه العربي الفصيح. لقد كانت قصص التوراة والإنجيل موجودة في أشعار العرب قبل أيام محمد. وإليك البرهان:
1 - من سفر التكوين
وصف أمية بن الصلت قصة إبراهيم وإسحاق فقال:
سبحواللمليك كل صباح
طلعت شمسُه وكل هلال
ولإبرهيم الموفي للنذر
احتساباً وحامل الأجزال
بكره لم يكن ليصبر عنه
لو رآه في معشر اقتال
وله مدية تخاتل في اللحم
حزام حنية كالهلال
أبنيَ إنّي نذرتك لله
شحيطاً فاصبر فِدىً لك حالي
فأجاب الغلام أن قال فيه
كل شيء لله غير انتحال
ابني إني جزيتك بالله
تقياً به على كل حال
فاقضِْ ما قد نذرت لله واكفف
عن دمي أن يمسه سربالي
واشدد الصَّفْد لا أحيد عن السكين
حيد الأسير ذي الأغلال
إنني آلم المحزّ وإني لا
أمسّ الأذقان ذات السيال
جعل الله جيده من نحاس
إذ رآه زولاً من الأزوال
بينما يخلع السرابيل عنه
فكه ربُّه بكبش جلال
قال: خذه وا رسل ابنك إني
للذي قد فعلتما غير قال
والدٌ يتّقي وآخر مولود
فطارا عنه بسمع معال
ربما تجزع النفوس من الأمر
له فرجة كحلِّ العقال
2 - من سفر الخروج
قال السموأل يصف ما جرى لموسى في البرية:
وأخرجه الباري إلى الشعب كي يرى
أعاجيبه مع جوده المتواصل
وكيما يفوزوا بالغنيمة أهلُها
من الذهب الإبريز فوق الخمائل
السنا نبي القدس الذي نصّبت له
غمام يقيهم في جميع المراحل
من الشمس والأمطار كانت صيانة
تجير نواديهم نزول الغوائل
السنا نبي السلوى مع المن والذي
لهم فجّر الصّوان عذب المناهل
على عدد الأسباط تجري عيونها
فُراتاً زلالاً طعمه غير حائل
وقد مكثوا في البر عمراً مديداً
يغذيهم العالي بخير المآكل
فلم يبلَ ثوبٌ من لباسٍ عليهم
ولم يحوجواللنعل كل المنازل
وأرسل نوراً كالعمود أمامهم
ينير الدجى كالصبح غير مزايل
السنا نبي الطور المقدس والذي
تدكدك للجبار يوم الزلازل
ومن هيبة الرحمان ذلّ تذللاً
فشرّفه الباري على كل طائل
وناجى عليه عبده وكليمه
فقد سناللرب يوم التّباهل
3 - من سفر الملوك
ذكر اسم سليمان الملك النابغة وهو يمدح النعمان فقال:
ولا أرى فاعلاً في الناس يشبهه
ولا أحاشي من الأقوام من أحد
إلاّ سليمان إذْ قال الإله له
قم في البرية فاحددها عن الفند
4 - من سفر يونان
ذكروا قصة يونان الذي يدعوه محمد يونس فقالوا:
وأنت بفضلٍ منك نجَّيت يونساً
وقد بات في أضعاف حوت لياليا
رسولالهم والله يحكم أمره
يبيّن لهم هل يونس الترب باديا
انتشار المسيحيّة في بلاد العرب
كانت المسيحية منتشرة في بلاد العرب، وكان بها كنائس مشهورة مثل كعبة نجران، وأساقفة علماء مثل قس بن ساعدة المعروف بخطبه البليغة، وقد سمعه النبي محمد بسوق عكاظ. ومنهم الشهداء الأبرار مثل نصارى اليمن الذين ثار عليهم بعض اليهود وقتلوهم في أخدود ملأوه ناراً، وأشار إليهم محمد في سورة البروج 85: 4 - 7 بالقول قُتل أصحابُ الأخدود. النارِ ذاتِ الوَقود. إذ هم عليها قُعُود. وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود . كما مدح القرآن القسيسين والرهبان والمسيحيين المشهورين بالتقوى في سورة المائدة 5: 82 فقال: لَتَجدنَّ أشدَّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهودَ والذين أشركوا. ولَتَجدنَّ أقربهم مودَّةً للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى، ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون .