4 - افتراضات أخرى عن الكتاب المقدس:
يفترض د. بوكاي أن نظرية الوثائق عن أصل وتطوّر التوراة صحيحة. وقد تطورت هذه النظرية في صورتها النهائية عام 1890 وقامت على الاعتقادات التالية:
(أ) هناك تطور ديني من تعدد الآلهة إلى وحدانية الله، فتكون التوراة نتاج استنباط الحساسية الدينية عند بني إسرائيل، ولا شأن لها بإعلان الله عن نفسه بواسطة ملاك أو بواسطة الروح القدس.
(ب) لما كانت العادات الواردة عن حياة إبرهيم في التوراة غير واردة إلا في المصادر التوراتية فقط (مثل زواج إبرهيم من أخته غير الشقيقة سارة، وطرد هاجر زوجته التي كانت خادمته بناءً على طلب سارة). ولما كان الحثيون غير مذكورين إلا في التوراة، تُعدُّ هذه الحقائق التوراتية عن حياة إبرهيم وإسحق ويعقوب حقائق غير تاريخية، وتكون مجرد قصص أو أساطير.
(ج) كان موسى وبنو إسرائيل عاجزين عن الكتابة، لأنها لم تكن قد عُرفت بعد.
(د) إذاً لم يكتب موسى الأسفار الخمسة الأولى من التوراة سنة 1400 أو 1300 ق م كما تقول التوراة والقرآن، ولكن كتبها مؤلفون مجهولون بعد ألف سنة من ذلك التاريخ، أي عام 400 ق م، ونسبوها إلى موسى. وتُعرف هذه النظرية باسم نظرية الوثائق .
(ه ) لا يؤمن أصحاب نظرية الوثائق بالمعجزات التي أجراها موسى والمسيح، ويكفرون بفكرة النبوة وبأن الله يوحي كلمات للبشر، فلم يكلم الله موسى ولا المسيح ولم يلقّنهم تعاليمه للبشر. وفي هذا هجوم على التوراة والإنجيل، كما أنه هجوم على القرآن.
ويمكننا أن نقول إن الكفر بالمعجزات والنبوّة هو أساس هذه النظرية. وقد اقتبس د. بوكاي آراء بعض اللاهوتيين الكاثوليك الذين يؤمنون بهذه النظرية. وأنا لا أقطع بأنهم ينكرون احتمال حدوث المعجزات، لأني لم أقرأ كل ما كتبوه. كما أن د. بوكاي لا ينكر المعجزات، لأنه قال في مقدمة كتابه إن المسيح وُلد من عذراء (ص 6)، غير أن بعض اللاهوتيين البروتستانت قاموا بتطوير هذه النظرية وافترضوا استحالة حدوث المعجزات. وإني أتفق مع د. بوكاي في غضبه من بعض رجال الكنيسة، كاثوليك وبروتستانت، الذين يقتبسون أقوال موسى والمسيح لشعب الكنيسة وكأنهم يؤمنون بالوحي، بينما هم يكتبون البحوث الفقهية التي ينكرون فيها الوحي!
وأنا أرفض نظرية الوثائق وسأذكر (في جزء 3 فصل 1) أسباب هذا الرفض، ولكن لنفحص أولاً ما يقوله القرآن عن الكتاب المقدس، لأن هذا سيعطينا أساساً بمقتضاه يحكم القارئ لنفسه على مدى صحة أو خطأ نظرية الوثائق . فلو صدَقت (كما يدَّعي د. بوكاي) لكانت هجوماً على القرآن كما هي على التوراة والإنجيل.