(ح) آيات قرآنية تتحدث عن التحريف
هناك أربع آيات قرآنية تقول إن اليهود حرَّفوا الكلم، وهناك آية واحدة تقول إنهم يلوون ألسنتهم وهم يقرأون كتابهم. وسنتأمل الآن هذه الآيات في قرائنها:
(ح - 1) عام 2 أو 3 هـ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (سورة آل عمران 3:78).
وهذا يعني أن اليهود لووا نطق الكلمات وهم يقرأونها، ليفهم السامعون معنى يختلف عن المعنى الأصلي. ولكن الآية تقول إن ذلك ما هو من الكتاب، وما هو من عند الله.
(ح - 2) عام 10 هـ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً,,, فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ (سورة المائدة 5:12 و13).
فهؤلاء اليهود أصحاب القلوب القاسية نقضوا الميثاق وحرَّفوا الكلِم عن مواضعه، ونسوا عمداً جزءاً من شريعتهم. وهذا يعني أنهم كانوا يُخفون بعض الآيات، ويقرأون البعض الآخر منفصلاً عن قرينته، كما فعلوا مع آية الرجم . وهذا ما يُسمّى التحريف المعنوي أي تحريف المعنى، وهو يختلف عن التحريف اللفظي الذي يعني تغيير الألفاظ. ولكن اليهود لم يغيروا شيئاً من النص، كما اتَّضح هذا لنا في جـ ود وهـ وحـ - 6 التي سنذكرها أدناه.
وذكر القرآن قليلاً منهم كانوا صالحين، لم يحرفوا الكلم عن مواضعه، ولم ينسوا ما ذُكِّروا به من كلمات التوراة.
(ح - 3) عام 2 أو 3 هـ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (سورة آل عمران 3:113 و114).
أما الآيات الثلاث التالية، فأعتقد أن القرآن يتَّهم فيها بعض اليهود، بأنهم حرَّفوا كلمات محمد وهو يتلو القرآن ويشرحه، وليس بتحريف التوراة.
(ح - 4) عام 2 هـ أَفَتَطْمَعُونَ (أيها المؤمنون) أَن يُؤْمِنُوا (اليهود) لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ وَإِذَا لَقُوا الذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَوَ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (سورة البقرة 2:75-79).
فهناك فريق من اليهود (وليسوا كلهم) سمعوا القرآن وقالوا للمسلمين آمنا ثم حرّفوا كلام القرآن بعد أن عقلوه. وعندما اجتمعوا ببعضهم وبخ أحدهم الآخر قائلين: لماذا تحدثونهم بكلمات التوراة، فإنهم سيستخدمونها ضدكم؟
(ح - 5) عام 5 أو 6 هـ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا السَّبِيلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيَّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيراً مِنَ الذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بَأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً يَا أَيُّهَا الذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا.. (سورة النساء 4:44-47).
فالاتهام هنا موجَّهٌ ضد بعض اليهود الذين يحرّفون الكلِم. ومن الأمثلة المعطاة نرى أنهم كانوا يحرفون كلام محمد. ويوضح عبد الله يوسف علي (مترجم القرآن للإنكليزية) ذلك فيقول في تفسيره لهذه الآيات:
كان من مكر اليهود أنهم يلوون الكلمات والتعبيرات ليسخروا من جدية تعاليم الإسلام، فبدل أن يقولوا سمعنا وأطعنا يقولون بصوت عال سمعنا ثم بصوت خفيض وعصينا . وكان يجب أن يقولوا باحترام نسمع ولكنهم يقولون هامسين في سخرية غير مُسمَع . ومع أنهم ادّعوا أنهم يحترمون المعلم إلا أنهم استخدموا كلمة مبهمة ظاهرها طيب، بنية سيئة. فكلمة راعِنا عربية تقدم الاحترام، ولكن بليّ اللسان في نطقها يصير معناها سيئاً وهو خُذنا لمحل الرعي أو في العبرية أنت السيء فينا .
(ح - 6) عام 10 هـ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفْرِ مِنَ الذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا,,, فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ وَكَيْفَ يَحَكِّمُونَكَ (اليهود يا محمد) وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بَالْمُؤْمِنِينَ
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ (أيها اليهود) وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنَ بِالعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ,
وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ,
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ (يا محمد)، مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً (سورة المائدة 5:41-48).
وتقدم هذه الآيات الفكرة نفسها، فبعض اليهود سمّاعون للكذب، يسمعون من كاذبين عن محمد ما لم يقُله، ويحرّفون الكلِم من بعد مواضعه، ويقولون لبعضهم: إن قال لكم محمد كذا وكذا فاقبلوه، واحذروا منه غير ذلك. فلا حديث هنا عن التوراة، بل المقصود أنهم يحرفون ما يقوله محمد أو يرفضونه. وحتى لو كنتُ مخطئاً في تفسيري هذا، فإن التحريف هنا تحريف المعنى وليس تحريف الألفاظ.
والآيات المقتبسة في قسم (ح) تعلّمنا الحقائق التالية:
1 - لم يؤمن بعض اليهود، أو كثيرون منهم، أو أغلبهم. ولكن البعض آمن بالله وأرادوا أن يطيعوه تعالى.
2 - يصدّق القرآن على ما جاء بالتوراة التي بين يدي اليهود.
3 - يقول القرآن عندهم التوراة، فيها حكم الله .
4 - النفس بالنفس والعين بالعين مقتبسة من سفر الخروج بالتوراة كقصاص مقبول، إلا من تنازل عنه وتصدّق به.
5 - مطلوب من أهل الإنجيل أنيحكموا بما أنزل الله فيه.
وتعلن آيات التحريف أنه في زمن محمد كان هناك أهل كتاب صالحون معهم كتبهم يقرأونها ويطيعونها. فما بين أيديهم من التوراة والإنجيل صحيح.