تأثير هذه النظرية على القرآن
في القسم الثاني (فصل 1) رأينا كيف يعلن القرآن وجود توراة صحيحة بين يدي مريم العذراء ويوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا) والمسيح. وبالرغم من أن البعض يختلفون معي في أن تلك النسخ مطابقة للنسخ التي بين أيدينا اليوم، إلا أن تلك الآيات القرآنية تقدّم حقائق نتفق عليها كلنا. فالقرآن يقول إن إبرهيم شخصية تاريخية وقد كلّمه الله، ويقول إن الله أعطى موسى الألواح التي كتبها له. قَالَ (الله) يَا مُوسَى إِنِّي ا صْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ (سورة الأعراف 144 و145 - من العهد المكي المتأخر). وقد يسأل سائل: ماذا يفيدك هذا الاقتباس هنا؟ والإجابة: إن كانت قصص إبرهيم وإسحق ويعقوب في التوراة أساطير، فتكون كذلك في القرآن! وإن كانت الكتابة مجهولة زمن موسى (1400 ق م) فلم يكن ممكناً لموسى ولا لغيره أن يقرأوا الألواح التي حوَت من كل شيء موعظة، وتفصيلاً لكل شيء، ويكون القرآن موضع انتقاد أصحاب نظرية الوثائق !
لذلك سنلقي نظرة متأنية على نظرية الوثائق لنرى ماذا يقول أصحابها عن المعجزات:
استحالة الوحي والمعجزات
أبدى الأستاذ أ. كيونن (أحد معتنقي هذه النظرية) رأيه في القُوى الخارقة للطبيعة، قال:
إن كنا نعزو جزءاً من حياة بني إسرائيل إلى التدخل الإلهي المباشر، ونقبل (ولو لمرةٍ واحدة) أن هناك وحياً خارقاً للطبيعة، فإن رؤيتنا الكلية تختل. ولن تكتمل هذه الرؤية إلا إذا افترضنا حدوث تطور طبيعي لكل هذه الظواهر . وقال أيضاً: القول إن الله يتدخل في حياة الآباء الأولين يكوّن في نظري أحد العوامل الرئيسية ضد صحة الأحداث التاريخية .
في الاقتباس الأول يقول كيونن: إن أية حادثة خارقة للطبيعة تُخِل برؤيتنا المتكاملة، وفي الاقتباس الثاني يعلن أن من يصدق أن الله تكلم مع إبرهيم وهاجر وإسحق ويعقوب، يبرهن أن أسفار موسى الخمسة غير تاريخية.
أما يوليوس ولهاوزن، أحد مؤسسَي النظرية فيسخر من حدوث المعجزات زمن الخروج، وفي سيناء يوم أعطى الله موسى الألواح، ويقول: مَن يقدر أن يؤمن بهذا؟ (1). ولا زال بعض الأساتذة اليوم يؤمنون بهذه النظرية بسبب إنكارهم للمعجزات. وقد كتب الأستاذ لانجدون جيلكي من جامعة شيكاغو سنة 1962 يصف قصص التوراة عن الخروج يقول: هناك أعمال وأقوال يظن العبرانيون أن الله فعلها وقالها، ولكننا ندرك بالطبع أنه لا فعلها ولا قالها . ويقول عن عبور البحر الأحمر: نحن ننكر الطبيعة المعجزية لهذه الأحداث، ونقول إن سببها ريح شرقية (2).
هذه النظرية تفترض الآتي:
(أ) لم يكلم الله إبرهيم.
(ب) لم يتلقَّ موسى من ربه ألواحاً.
(ج) لم تحدث معجزة شق مياه البحر الأحمر وعبور بني إسرائيل على اليابسة وغرق فرعون وجيشه.
ولم يغفل الأستاذ عبد الله يوسف علي هذه النقاط، فقال: إن فكر مدرسة النقد العالي فكر مدمّر. رينان يشك في حقيقة أن موسى شخص تاريخي ويعتقد أنه شخص أسطوري. ونحن نرفض الفكر الذي لا يؤمن أن الله أوحى لأنبيائه .
وهكذا يتضح لنا أن إنكار النبوّة وتاريخية شخصية موسى يشكل هجوماً على القرآن كما يشكله على الكتاب المقدس.