الشك وتحديد التاريخ
أدّى شكُّ أصحاب هذه النظرية إلى شكٍ في تاريخ وثائق التوراة. ولنأخذ مثلاً من حياة النبي دانيال. تقول التوراة إن دانيال أُمر أن يسجل محادثاته مع الملك البابلي نبوخذ نصر. ويقول رجال علم التاريخ ورجال علم التاريخ الكتابي إن هذا يعود إلى عام 600 ق م، فيكون أن دانيال كتب سفره عام 600 ق م. ولكن أصحاب نظرية الوثائق يعترضون. لماذا؟ لأنه بالإضافة إلى المعجزات المذكورة في سفر دانيال، يذكر الأصحاح 8:20 و21 من السفر نبوّةً مفصَّلة عن أحداث سياسية ستحدث بعد 300 سنة. تقول النبوة: أَمَّا الكَبْشُ الذِي رَأَيْتَهُ ذَا القَرْنَيْنِ فَهُوَ مُلُوكُ مَادِي وَفَارِسَ. وَالتَّيْسُ العَافِي مَلِكُ اليُونَانِ، وَالقَرْنُ العَظِيمُ الذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ هُوَ المَلِكُ الأَوَّلُ . وقد أوحى الله لدانيال بهذه النبوة في عهد بيلشاصر، حفيد نبوخذ نصر. وهي تقول إن مادي وفارس ستهزم بابل، ثم تنهزم أمام اليونان. وقد تحقّقت النبوّة أيام الإسكندر الأكبر عام 330 ق م، أي بعد دانيال بنحو 300 سنة.
ولكن أصحاب تلك النظرية لا يؤمنون بمعجزة النبوة. فماذا كان موقفهم من هذه النبوة القوية؟ قالوا: لما كانت النبوة قد تحققت عام 330 ق م، فلا بد أن شخصاً آخر كتبها بعد عام 330 ق م، بعد أن تمّت الأحداث، ثم عزاها إلى دانيال ليصدقها الناس . وهم يقصدون أنه: لما كانت المعجزات مستحيلة لا يكون دانيال قد تنبأ بالمستقبل، ويكون عَزْو الكتاب للنبي دانيال تزويراً.
ويقتبس د. بوكاي من كتابات أصحاب هذه النظرية قولهم إن سفر دانيال رؤية مربكة من وجهة النظر التاريخية.. ويقول البعض إنها مؤلَّف يرجع إلى القرن الثاني ق م في عصر المكابيين (ص 36). ولكن الذي أوقع الارتباك في نفوس أصحاب النظرية هو صِدق النبوة وتحقيقها!
وهناك سبب آخر أربك أصحاب النظرية: لقد تنبأ دانيال في أصحاح 9:25 و26 (عام 600 ق م) بخراب هيكل أورشليم، وتحققت هذه النبوة عام 70م بعد صعود المسيح إلى السماء بثلاثين سنة. ولقد تنبأ دانيال (1) بأن أورشليم والهيكل سيُعاد بناؤهما، و(2)أن المسيح سيأتي، و(3) يُقطع المسيح وليس له (ليس لأجل نفسه)، و(4) شعب رئيس آتٍ يُخرب المدينة والقُدس. وهذا ما فعله تيطس الروماني عام 70م.
ولا يملك أصحاب نظرية الوثائق، ولا د. بوكاي تعليقاً على نبوات دانيال هذه التي تحققت بعد زمن المكابيين بقرنين من الزمان. وسنناقش في فصل قادم بعض النبوات التي تحققت، برهاناً على صحّة التوراة.