أول جمع للقرآن
والآن لندرس الطريقة التي جُمعت بها سُور القرآن وآياته المتفرّقة في كتاب واحد. روى البخاري (عن زيد بن ثابت، باب جمع القرآن ج 6 ص 225 طبعة دار الشعب، القاهرة) أنه بعد نحو سنة من موت محمد قام زيد بجمع القرآن بأمر من الخليفة أبي بكر:
أرسل إليَّ أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده. قال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بقُرَّاء القرآن، وإني أخشى أن يستحرَّ القتل بالقرّاء بالمواطن فيذهب كثيرٌ من القرآن. وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلتُ لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله؟
قال عمر: هذا والله خيرٌ. فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيتُ في ذلك الذي رأى عمر. قال زيدٌ: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتَّهمك، وقد كنتَ تكتب الوحي لرسول الله، فتتبَّعِ القرآنَ فا جمعْهُ. فوَالله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر.
فتتبَّعت القرآن أجمعه من العُسُب (سعف النخيل) واللِّخاف (الحجارة البيضاء) وصدور الرجال حتى وجدت آخِر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحدٍ غيره لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنِتُّم.. حتى خاتمة سورة التوبة. فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله. ثم عند عمر حياته. ثم عند حفصة بنت عمر .
وجاء في الإتقان للسيوطي (باب جمع القرآن وترتيبه) أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: اقعُدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه .
وبقدر ما نعلم، كانت تلك نسخة القرآن الرسمية الوحيدة حتى تولى عثمان الخلافة. وكان أُبيّ بن كعب في المدينة وابن مسعود في الكوفة بالعراق يمتلكان نسخة كاملة من القرآن، لكن الغالبية العظمى من المسلمين كانت تعتمد على ما في صدور الرجال, ويمكن أن نقول إنه لمدة أربعين سنة (من 13 قبل الهجرة حتى 27 هـ لما تولى عثمان) اعتمد نقل القرآن على الرواية الشفاهية.
ونعود نسأل القارئ المسلم: كيف تعرف أن القرآن بقي خالياً من التحريف أثناء هذه الأربعين سنة؟ ربما نسي أحدٌ شيئاً منه. ربما أكلت بهيمة بعض آيات!
عن عبد الرحمن بن عوف خطب عمر في الناس، فقال:
ألا وإن ناساً يقولون ما الرجم في كتاب الله، وإنما فيه الجَلد، وقد رجم رسول الله ورجمنا بعده. ولولا أن يقول قائل أو يتكلم متكلم أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه لأثبتُّها كما نزلت به (ابن كثير، تفسير سورة النور آية 2).
وقال ابن ماجة عن عائشة:
نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً. ولقد كانت في صحيفة تحت سريري. فلما مات رسول الله وتشاغلنا بموته، دخل داجن فأكلها (ابن ماجة حديث 1944 ج 1 ص 626- دار إحياء الكتب العربية، د.ت.)
وقد يطعن القارئ في صحة هذه الأحاديث، خصوصاً حديث عائشة. ولكن حتى لو صدقت هذه الأحاديث، فإنه لو نسي مسلم آيةً أو أكلها داجن، لتذكّرها سائر الصحابة والأنصار. ولو أخطأ أحد في اقتباس آية لصحَّحوها له.