بشارة متّى
لا نعرف تاريخاً محدداً لكتابة بشارة متّى. وكما سنرى، فإن الرسائل والكتابات المسيحية الأولى التي لدينا قد اقتبست منها. ويقول بابياس إن متّى كان أول من سجّل تعاليم المسيح.
ولقد كان متى جابي ضرائب، استجاب لدعوة المسيح له ليتبعه. وكانت وظيفته تتطلّب في حاملها أن يعرف اللاتينية والأرامية ليسجل الضرائب المطلوبة، وربما يعرف اليونانية، لغة التجارة في وقته. وهذا يعني أنه يملك الإمكانيات التي تؤهّله لتسجيل أقوال المسيح. وقال بابياس إنه سجل تعاليم المسيح باللغة العبرية (الأرامية).
ولقد تبع متّى المسيح من بلد لآخر يصغي إلى تعاليمه ويسجلها، دون أن يحدد تاريخ إلقاء تلك التعاليم (كما لم يسجل أحدٌ تاريخ نزول آيات القرآن). وتسجيل التاريخ لا يعنينا كثيراً، فليس مهمّاً أن نعرف أين ومتى قال المسيح فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ (متى 5:48).
ثم جاء شخصٌ آخر فعل ما فعله لوقا، وجمع مجموعته من أعمال المسيح وأقواله، فأخذ من بشارة مرقس المنقولة عن بطرس، ثم ترجم ما كتبهمتّى إلى اليونانية، وأضاف إليه ما أخذه عن مرقس. وكان أشهر ما قدَّمه الموعظة على الجبل (متى 5-7) التي يتحدث المسيح فيها عن الصلاة والصوم والطلاق والزنا بالقلب، وغير ذلك من المواقف الروحية القلبية، مع أصعب ما أمر المسيح به، وهو قوله: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لِأَجْلِ الذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الذِي فِي السَّمَاوَاتِ (متى 5:44 و45). ولقد نفَّذ المسيح هذا الأمر لما صلى من أجل أعدائه الذين صلبوه وقال: يَا أَبَتَاهُ، ا غْفِرْ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ (لوقا 23:34).
وواضح من الأمر لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات أنه يتحدث عن بنوية روحية معنوية، لا جسدية حرفية.
وتنفرد بشارة متّى بذكر بعض أحداث حياة المسيح، كزيارة الحكماء الذين جاءوا من المشرق، وسجدوا للمسيح الطفل في المذود، وذلك لأن متى كتب بشارته لليهود الذين يعرفون النبوات التي جاءت في توراتهم عن قدوم حكماء وسجودهم للمسيح، في سفر إشعياء 60:3.