بشارة يوحنا
يُقال إن يوحنا كتب بشارته في مرحلة متأخرة من عمره بين عامي 90 و95م، ولكن لا توجد في بشارته أية إشارة إلى تاريخ كتابتها. وقد بدأ علماء الكتاب أخيراً يُرجِعون زمن كتابتها إلى تاريخ مبكر عن ذلك. وقال وليم أُلبرايت (وهو من أشهر رجال الحفريات) في كتابه اكتشافات حديثة في بلاد الكتاب المقدس : يمكن أن نقول بتأكيد إنه لا يوجد أساس قوي لتأريخ كتابة أي سفر من العهد الجديد بعد عام 80م ().
لماذا وضع د. بوكاي هذه التواريخ؟
اقتبس د. بوكاي كتابات بعض علماء العهد الجديد، واختار التواريخ التالية للبشارات الأربع: متّى: 80م. مرقس: 70م. لوقا: 70-90م. يوحنا: في التسعينات. وتلاحظ أن كل هذه التواريخ جاءت بعد عام 70م. لماذا؟ لأن أورشليم أُخرِبت عام 70م، ويسجل متى ومرقس ولوقا نبوَّة المسيح بخرابها وخراب هيكلها. يسجل مرقس: وَفِيمَا هُوَ (المسيح) خَارِجٌ مِنَ الهَيْكَلِ قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلَامِيذِهِ: يَا مُعَلِّمُ، انظُرْ مَا هذِهِ الحِجَارَةُ وَه ذِهِ الأَبْنِيَةُ؟ فَأَجَابَ يَسُوعُ: أَتَنْظُرُ هذِهِ الأَبْنِيَةَ العَظِيمَةَ؟ لَا يُتْرَكُ حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لَا يُنْقَضُ (مرقس 13:1 و2).
وقد اقتبس د. بوكاي أقوال علماء العهد الجديد الذين يؤمنون بنظرية الوثائق ونقد الصيغة الأدبية، اللذين درسناهما في فصلي 2 و3 من هذا الجزء. وعرف أن أصحاب هاتين الفكرتين لا يؤمنون بالوحي ولا بالمعجزات. ولذلك وضعوا تاريخ كتابة البشائر بعد عام 70م فتكون أورشليم قد أُخرِبت قبل الكتابة، مما ينفي أن البشائر حملت النبوات المسبَّقة بخراب أورشليم!
ذكرنا أن البشائر لا تسجل تاريخ كتابتها، فربما كُتبت في السنوات العشر الأولى بعد موت المسيح، وقد قال د. جون روبنسون في كتابه إعادة تأريخ العهد الجديد الذي نشره في لندن عام 1976 إن كل كتب العهد الجديد كُتبت قبل عام 70م (34).
وقد أعطانا د. بوكاي رسماً بيانياً (ص 97) يبرهن أن للبشر يداً في تحريف الكتاب المقدس. ويقدم الرسم البياني التالي جمع مادة البشائر كما وصفنا في هذه الصفحات:
رسم بياني - 1 جمع البشائر
واضح من هذا الرسم أني أوافق على تأريخ د. بوكاي. وحتى لو اتفقنا مع تواريخه، فإن كل علماء العهد الجديد يؤمنون أن كثيراً من أسفار العهد الجديد كُتبت بين سنة 52 و70م، كما يتفقون أن عام 95م شهد كتابة العهد الجديد كله، ويتفقون أن كل من كتبوا العهد الجديد كانوا مؤمنين ب العقيدة الإنجيلية . وأضع التنبير على التاريخ 52-70م لأنه يشكل مدة 26-44 سنة بعد بدء خدمة المسيح العلنية. ونحن نذكر أن عثمان أرسل مصحفه للآفاق نحو عام 26 هـ ، أي بعد نحو 40 سنة من بداية دعوة محمد لقومه. وفي هذه نرى التشابه بين تأريخ العهد الجديد وتأريخ القرآن.
ويواجهنا السؤال مرة أخرى: ولكن كيف تعرف؟
ونجاوب: نؤمن أن التلاميذ كانوا أبراراً صالحين يريدون معرفة الحق السماوي وأن يطيعوه. ويقول القرآن إنه أُوحي إليهم، وإنهم أنصار الله. كما نؤمن أنه كان هناك شهود عيان كثيرون لمعجزات المسيح وتعاليمه، يمكنهم أن يشهدوا للحق ويُزهِقون الباطل. ونؤمن أن الروح القدس أرشدهم وألهمهم ليكتبوا الصواب. صحيح أننا لا نملك النسخة الأصلية، ولكننا نؤمن أن بين أيدينا كتاب الله: التوراة والإنجيل.