القسم الرابع
#العِلم والوحي
الفصل الأول
هل تنبأ القرآن والكتاب المقدس بالعِلم الحديث؟
قدَّمنا البراهين على أن نص الكتاب المقدس ونص القرآن الذي بين أيدينا يوافق النص الأصلي. والآن لندرس علاقتهما بالعِلم الحديث. ولكن لنتأمل أولاً بعض الافتراضات الأساسية.
افتراضات أساسية صغيرة للتوفيق
ناقشنا في فصلي 1 و2 من القسم الأول بعض الافتراضات الكبيرة. وتوضح القصة التالية أننا جميعاً نفترض افتراضات صغيرة لتتوافق الحقائق المختلفة في عقولنا:
تحدثتُ مع سائق سيارة أجرة في تونس، فسألني رأيي في القرآن، فقلتُ: إنه يقول إن اليهود لم يقتلوا المسيح، ولا صلبوه، وإنه لم يمت. ولكن الكتاب المقدس يقول إنه مات مصلوباً، وكان صلبه بسبب خطايانا: خطاياي وخطاياك. فلو كان القرآن يقصد أنه مات، ولكنه لم يبقَ ميتاً لانتهت المشكلة، ولاتَّفقنا . فأجاب: ولكن هذا استخدام للمنطق (أي تقديم افتراض أساسي) لتوضيح الأمر بطريقة مختلفة (وهذا صحيح). ثم مضى ليقول إن المسيح لم يمت كما جاء في سورة النساء 4:157. فقلتُ: ولكنه يقول في سورة آل عمران 3:55 إني متوفّيك . فهل هذا يعني أنه مات ثم رُفع؟ . فقال: الكلمتان إني وإنّا لا تعني التسلسل التاريخي . فقلت: ولكنك بدأت تستخدم المنطق (أي تقديم افتراض أساسي). فضحك وضحكت لأنه أيقن أن كلينا يستخدم نفس الأسلوب!
وأذكر هذه القصة لأن د. بوكاي لا يسمح لمفسر الكتاب المقدس أن يقدم أي مصالحة، ولا أي افتراض أساسي ليتوافق نصّان يبدو للوهلة الأولى أنهما متخالفان. ولكن عندما يعالج أمور القرآن تراه يوجد افتراضات أساسية للتوفيق والتوضيح. ويتضح هذا من أن د. بوكاي يفترض أن:
(أ) القرآن يحتوي على معرفة مسبَّقة بالعلوم، ويُرجِع سبب ذلك إلى الأصل السماوي للقرآن.
(ب) القرآن خالٍ من أي خطإ علمي.
(ج) ينتقد الكتاب المقدس لأنه يشعر أنه لا يحتكم للطبيعة التي تظهِر مجد الله وقوته. وسندرس هذه الافتراضات لنرى مدى صحتها.
ولا ينفرد د. بوكاي بالحديث عن العلاقة بين القرآن والعِلم، فإن علماء مسلمين كثيرين قاموا بذلك. فلنبحث أفكارهم، خصوصاً د. بشير تركي، التونسي، صاحب الدكتوراه في العلوم الذرية، ومؤسس ومحرر مجلة العلم والإيمان ومؤلف كتاب