ثالثاً: نبوَّات تنبأ بها محمد
رأينا أن الله أيَّد نبوة النبيَّين إيليا وإرميا بتحقيق ما تنبآ به من أحداث قادمة. كما أنزل الله ناراً من السماء استجابةً لطلب إيليا. فهل تنبأ محمد بأمور قادمة تحققت، ليكون تحقيقها برهاناً على صدق إرساليته؟
1 - قال بعض علماء الإسلام إن ما جاء في سورة القمر 54:45 نبوة عن الانتصار في موقعة بدر، إذ يقول سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ . ولكن لو درسنا القرينة من آيات 43-48 لوجدنا أن الحديث في هذه الآية هو عن يوم الدّين، فيقول أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ (المصريين الذين هلكوا) أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ إِنَّ المُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ .
2 - ذكرت سورة الأنفال 8:43 حُلماً إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ (يا محمد) قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ . وقد نزلت هذه الآية بعد موقعة بدر عن حلمٍ رآه محمد قبل الموقعة. ولكننا نرى في هذه الآية مشاكل، فهي لا تقول إن الحلم أعلن خبر النصر القادم، ولكنها تقول إن الله جعل المسلمين يرون الأعداء الكثيرين عدداً قليلاً، وهذا (في رأيي) خدعة لجنود المسلمين، بهدف أن يخوضوا المعركة بشجاعة! فكيف للإله الحق القادر على كل شيء أن يخبر جيشه بغير الحق لينزع الخوف من صدورهم. وهذا يشبه ما نقرأه في سورة مريم 26 عندما يأمر الله مريم أن تقول إنها نذرت لله صوماً، رغم أنها كانت تأكل التمر وتشرب الماء! ويقول المفسرون إنها أُمِرت أن تصوم عن الكلام. وفي سورة سبإ 12-14 يخدع الله الجن ليخدموا سليمان بعد موته، ظناً منهم أنه حي. وفي سورة النساء 157 لم يُصلب المسيح، لكن الله خدع الحواريين واليهود، فشُبّه لهم أن المسيح هو الذي صُلب، وما هو الذي صُلب!
لماذا لا يُقال إن ما رآه محمد في منامه كان تفكيراً بالتمني؟
3 - ونقرأ عن حلم آخر في سورة الفتح 48:27 لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا.. .
أخبر محمد رجاله عن رؤيا رآها قبل أن يبدأوا رحلتهم إلى مكة، أنهم سيؤدون فريضة الحج، فأوقفهم المكيون عند الحديبية ولم يسمحوا لهم بأداء الحج، واكتفى المسلمون بكتابة عهد أنهم سيؤدونها مستقبَلاً. ويقول الحديث إن أمل المسلمين خاب لأن الرؤيا لم تتحقق، فنزلت هذه الآية لتعلن أن تحقيق الرؤيا قادم عن قريب.
وعلى القارئ أن يحدد حكمه على هذه الرؤيا، لأن القرآن لا يذكر نصَّها. ولكن كيف جاء القول إن شاء الله وسط كلمات نبوية من فم الله نفسه؟ وإن كان قد صدق رسوله الرؤيا لتدخُلن فلماذا يقول إن شاء الله . إنه الله الذي يعلم ما يشاء، ويفعل ما يشاء!
4 - وهناك نبوَّة تحققت، نجدها في سورة الروم 30:1-4 الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ . ويقول علماء المسلمين إن هذه الآيات نزلت عام 615 أو 616م عندما كان الفُرس يهددون بالاستيلاء على القسطنطينية. وبعد ثماني سنوات تغيرت الأمور وكان الروم يدخلون فارس.
ودورة الايام وانهزام المنتصر أمام المهزوم ليس غريباً. وعليه فيمكن أن تصدق هذه النبوة بالفراسة وحدها، ولتحقيقها فرصة من أربع أو خمس فرص.
وتعزو بعض الأحاديث والروايات الإسلامية الشفاهية نبوات لمحمد تحققت، ولكننا اكتفينا بما يقولون إنه جاء بالقرآن.
5 - إعجاز الأرقام في القرآن
جرت محاولات حديثة لإثبات الإعجاز القرآني في الأرقام. وقد حاول الدكتور رشاد خليفة أن يجيئنا بشاهدٍ ثانٍ، وذلك في كتابه معجزات أظهرها الكمبيوتر في القرآن الكريم (1). وقد أوضح في مقدمة كتابه مدى الحاجة لشاهد ثان، فقال:
أرسل العلي القدير عبر العصور رسلاً، الواحد بعد الآخر، أرشدوا البشر وقدموا الكتب، ساندتهم المعجزات الإلهية لتبرهن أنهم من عند الله، فتوجَّه موسى إلى فرعون تؤيده معجزة تحويل العصا حيةً، وتأيد المسيح بمعجزات إقامة الموتى وإبراء الأكمه .
ثم قال إن هذه المعجزات محدودة بالزمن والمكان، لم يشهدها إلا معاصروها. وقال إنه وجد نوعاً آخر من المعجزة تُصدّق على القرآن اليوم، من الأرقام، لم يكن ممكناً أدراكها إلا بالكمبيوتر، وقال:
المفتاح لمعجزة محمد الدائمة موجود في أول آيات القرآن الكريم بسم الله الرحمن الرحيم . فعدد حروفها 19 حرفاً. وهذه حقيقة ملموسة. وقد وردت كل كلمة من هذه في القرآن في عددٍ يقبل القسمة على 19. فالكلمة الأولى اسم وردت 19 مرة. وكلمة الله وردت 2698 مرة (19 في 142). وكلمة الرحمن وردت 57 مرة (19 في 3). وكلمة الرحيم وردت 114 مرة (19 في 6).
ثم مضى في مقدمة كتابه يقول وهذه الدراسة الكمبيوترية ليست تخميناً ولا من تفسير بشري ولا ظنوناً (2).
ونود أن نسأل: ألم يكن ممكناً أن تُكتَب آية القرآن الأولى باسم (بدلاً من بسم) اللّه الرحمان (بدلاً من الرحمن) الرحيم فيكون عدد حروفها 21 حرفاً، لا 19 حرفاً. فإذا اعتبرنا الحرف المشدد (اللام في اللّه) حرفين تغيَّر الرقم مرة أخرى!
ثم أننا نجد أن كلمة بسم وردت في القرآن ثلاث مرات فقط، في سورة الفاتحة 1 وسورة هود 41 وسورة النمل 30. أما كلمة اسم دون إضافتها إلى ضمائر فقد جاءت 19 مرة، وكلمة اسمه جاءت خمس مرات. وواضح أن 3195= 27 وهو رقم لا يقبل القسمة على 19! ولا يفسر لنا د. خليفة لماذا أغفل المرات الثلاث التي جاءت فيها كلمة بسم . ولماذا أحصى كلمة اسم وترك كلمة اسمه . ولماذا أغفل كلمة أسماء التي جاءت 12 مرة، ومنها ولله الأسماء الحسنى (سورة الأعراف 180).
أما في إحصاء اسم الجلالة الله فقد أحصى د. خليفة (3) كلمة لِلّه ليصل إلى العدد 2698. فإن كان قد أحصى لله (ليكون المجموع قابلاً للقسمة على 19) وجب أن يحصي بسم وفي هذه الحالة لا يقبل المجموع القسمة على 19!
وقد صدَق د. خليفة في إحصاء كلمة الرحمن فهي 19 في 3.
أما كلمة الرحيم التي قال إنها ظهرت 114 مرة فقد ظهرت 34 مرة، و رحيم (بدون ال التعريف) 81 مرة، ومرة واحدة بصيغة الجمع. فالمجموع 116 مرة، وهو رقم لا يقبل القسمة على 19.
لقد قرر د. خليفة ألّا يحصي اللام المشددة في اسم الجلالة اللّه .
وقرر أن يغفل من إحصاءاته بسم مع أنه أحصى لِلّه .
وقرر ألّا يحصي كلمة اسمه .
وقرر ألّا يحصي صيغة الجمع لكلمتي اسم والرحيم.
وجاء إحصاؤه لكلمة الرحيم خاطئاً.
وهكذا لم يبرهن وجود شاهدٍ ثانٍ، وجاء تفكيره مشوَّشاً. وربما استطاع مستقبَلاً أن يوضح بطريقة مقنعة كيف وصل للإعجاز القرآني عن طريق الأرقام. وإلى أن يفعل سنظل ننتظر!
وفي الختام
لقد فحصنا كل البراهين القرآنية التي وجدناها عن المعجزات والنبوَّة، وعلى كل قارئ أن يقيّم لنفسه ما وصل إليه. هل وجد شاهداً ثانياً؟
وسنتأمل في الفصل القادم بعض نبوات التوراة عن المسيح، لنرى إن كان هناك شاهد ثانٍ يشهد لصحة إرسالية المسيح.