الشفاعة في الحديث
نورد هنا بعض الأحاديث، وكلها صحيحة، وكلها مُسندَة، ولو أنها متناقضة. ونترك للقارئ أن يحكم لنفسه:
قال محمد: يجمع الله المؤمنين يوم القيامة كذلك فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أما ترى الناس؟خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء, شفّع لنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا, فيقول: لست هناك، ويذكرهم لهم خطيئته التي أصاب، ولكن ائتوا نوحاً فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض, فيأتون نوحاً، فيقول: لست هُناكم، ويذكر خطيته التي أصاب، ولكن أئتوا إبراهيم خليل الرحمن, فيأتون إبراهيم فيقول: لست هُناكم، ويذكر لهم خطاياه التي أصابها، ولكن أئتوا موسى عبداً آتاه الله التوراة وكلمه تكليماً, فيأتون موسى، فيقول لست هُناكم، ويذكر لهم خطيئته التي أصاب، ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمته وروحه، فيأتون عيسى فيقول: لست هُناكم (ولا يقول الحديث إن المسيح ارتكب خطأً، فهو الكامل الذي بلا خطأ), ولكن ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم عبداً غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني فانطلق فاستأذن على ربي فيؤذن لي عليه، فإذا رأيت ربي وقعت له ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال لي: ارفع محمدُ وقل يُسمع وسل تُعطه واشفع تُشفّع، فأحمد ربي بمحامد علَّمنيها ثم أشفع فيحُدّ لي حداً فأُدخلهم الجنة، ثم أرجع فإذا رأيت ربي وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يُقال: ارفع محمدُ، وقل يُسمع وسل تُعطه واشفع تُشفع، فأحمد ربي بمحامد علمنيها ثم أشفعُ، فيُحدّ لي حداً فأُدخلهم الجنة، ثم أرجع فإذا رأيت ربي وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يُقال: ارفع محمدُ، قل يُسمع تُعطه واشفع تُشفع، فأحمد ربي بمحامد علمنيها ثم اشفع فيُحدّ لي حداً فأُدخلهم الجنة، ثم أرجع فأقول: يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود، قال النبي صلى الله عليه وسلم يُخرَج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يُخرَج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن بُرة، ثم يُخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه ما يزن من الخير ذرَّة (صحيح البخاري طبعة دار الفكر، ج 8 ص 172، 173).
ولكن روى أبو نعيم من حديث أبي الزبير عن جابر قال: سمعتُ رسول الله يقول لا يُدخِل أحداً منكم الجنةَ عملُهُ، ولا يُجيره من النار، ولا أنا، إلا بتوحيد من الله تعالى (إسناده على شرط مسلم وأصل الحديث في الصحيح. حادي الأرواح لابن قيم الجوزية فصل 19).
وفي حديث عن عائشة قالت: يا رسول الله ما من أحدٍ يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى؟ فقال ما من أحدٍ يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى قالها ثلاثاً. قلتُ ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته قالها ثلاث مرات (رواه البيهقي في الدعوات الكبيرات - مشكاة المصابيح تحقيق الألباني حديث 1305).
وفي حديث عن ابن زيد الأنصاري أن عثمان بن مظعون، أحد المهاجرين تُوفي، فكفنوه. وجاء محمد، فقالت أم العلاء (امرأة كانت قد بايعت محمداً): رحمة الله عليك أبا السائب (تقصد عثمان). لقد أكرمك الله . فقال لها محمد: وما يُدريك أن الله أكرمه؟ قالت: لا أدري . فقال محمد: إني لأرجو له الخير. والله ما أدري وأنا رسول الله ما يُفعَل به . (صحيح البخاري ج 3 ص 164 باب القرعة في المشكلات).
وفي حديث لأبي هريرة قال: حين أُنزلت وأنذِر عشيرتك الأقربين قال رسول الله يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله. لا أُغني عنكم من الله شيئاً. يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئاً. يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً. يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً. يا فاطمة بنت محمد، سليني ما شئتِ لا أُغني عنك من الله شيئاً (عن تفسير الطبري للآية 214 من سورة الشعراء).
فإن كان محمد لا يساعد قبيلته ولا عمته ولا ابنته، فهل يعتقد أحدٌ أنه سيلقَى معونة نبي المسلمين؟ إن هذا يلقي ظلالاً من الشك على صحة الحديث الذي أوردناه من البخاري وفيه يقول محمد أنا لها.. أمَّتي أمَّتي . بل إن سورة الإسراء 17:57 تقول إن الأنبياء يطلبون وسيلة التقرُّب إلى الله أُولَئِكَ الذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً .
بل إن القرآن يقول إن الله وملائكته يصلون على النبي، كما يأمر المسلمين أن يصلوا عليه (سورة الأحزاب 56).