الفصل السابع
لكلٍ أسلوبه
بعد أن تأملنا المسيح الذي لم يخطئ أبداً، والذي يشفع في من يضعون ثقتهم في خلاصه وفدائه، تعالوا نستمع لتكملة حديث إلياس:
قال إلياس:
منذ أن زرتُ أورشليم مع عمّي لن أكون كما كنت! لقد جاء عمي ليحضر عيد الفصح، واحتفل به مساء الخميس مع أخويَّ وبعض الأهل. وفي يوم الجمعة حدث أمرٌ جلل، فقد قبض رؤساء ديانتنا على المعلم الناصري الرائع وأسلموه إلى الرومان ليقتلوه.
وعندما سمعتُ من إخوتي خبر موته اختليتُ بنفسي بعيداً عن الناس، لأن من العار على الرجل أن يبكي، ولكن قلبي كان يتمزَّق حزناً داخلي. كيف سمح لهم أن يقبضوا عليه؟ لقد أسكت الريح العاصفة بأمره. فكيف سمح لهم أن يقتربوا منه ليؤذوه؟
لقد عرفتُ أن محاكمته تمَّت باكراً يوم الجمعة، وفيها سأله رئيس الكهنة: أَأَنْتَ المَسِيحُ ابْنُ المُبَارَكِ؟ فَقَالَ : أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ القُوَّةِ، وَآتِياً فِي سَحَابِ السَّمَاءِ . فَمَزَّقَ رَئِيسُ الكَهَنَةِ ثِيَابَهُ وَقَالَ: مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ (مرقس 14:61-63). فأخرجوه خارج المدينة وصلبوه بين لصين، كأنه مجرمٌ عاتٍ.
وعندما علمتُ بما حدث لم يعُد يعنيني أن أذهب إلى أورشليم لأحتفل بعيد الخمسين (وهو عيد يهودي يقع بعد عيد الفصح بخمسين يوماً، احتفالاً بحصاد القمح). وجعلت أقول لنفسي: إن سمح الله بقتل مثل هذا النبي المقتدر الذي أجرى كل هذه المعجزات وعلَّم كل هذه التعاليم العظيمة، فإنه غير جدير بالعبادة. قد تقولون لي إني كفرت. ولكن هكذا فكرت.. ولكن لما كنتُ قد وعدت عمي بلقائه في أورشليم، كان يجب أن أفي بالوعد. وسافرت والتقيت بعمّي، وطلبت منه أن يغفر لي مظاهر الحزن الذي يبدو على وجهي أحياناً.
وصلنا قبل العيد بيومين، فقضينا وقتاً في زيارة المدينة والهيكل. وبكرنا يوم الأحد إلى الهيكل. ونبَّهني عمي إلى صوت كما من هبوب ريح. وسمعت عدة رجال يتكلمون، كان أحدهم على بُعد خطوات قليلة منا. وقال عمي: هذا الرجل الذي يلبس ملابس الجليليين البسطاء يتكلم بعظائم الله ويسبحه باللغة الليبية. وأنا اليهودي الوحيد الموجود هنا من ليبيا. فكيف تعلَّم اللغة؟ إنه يتكلمها بطلاقة! . وكان إلى جورانا شخصان من نايين ضحكا وقالا إنه سكران . فقال عمي: ليس هو بسكران، لكنه يتحدث عن يسوع الناصري، المعلم الذي كلمتموني عنه، ولكنه يقول إنه المسيح المنتَظَر، ويقول شيئاً عن الروح القدس .
وهنا بدأ رجل ذو صوت جهوري يكلمنا وهو واقف على درج الهيكل. وأعتقد أنه سمع كثيرين يقولون عنه وعن زملائه إنهم سكارى، لأنه بدأ حديثه بالقول: هـ ؤُلَاءِ لَيْسُوا سُكَارَى كَمَا أَنْتُمْ تَظُنُّونَ، لِأَنَّهَا السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ النَّهَارِ (التاسعة صباحاً). بَلْ هذَا مَا قِيلَ بِيُوئِيلَ النَّبِيِّ (أعمال 2:15 و16).
ثم بدأ يتحدث عن يسوع وذكر شيئاً من معجزاته، ثم قال هذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ اللّه المَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ. اَلَّذِي أَقَامَهُ اللّه نَاقِضاً أَوْجَاعَ المَوْتِ (أعمال 2:23 و24).
وكان هذا الكلام غريباً جداً على أذني، ولم أقدر أن أصدّقه بسهولة. ثم قال المتكلم (الذي عرفتُ في ما بعد أنه بطرس الصياد من كفر ناحوم) إن قيامة المسيح من قبره تحقيق لنبوّة داود في مزمور 16 حيث يقول لِذ لِكَ فَرِحَ قَلْبِي وَابْتَهَجَتْ رُوحِي. جَسَدِي أَيْضاً يَسْكُنُ مُطْمَئِنّاً. لِأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَاداً (آيتا 9 و10).
وبعد ذلك أخذ يقول: يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ لَكُمْ جِهَاراً عَنْ رَئِيسِ الآبَاءِ دَاوُدَ إِنَّهُ مَاتَ وَدُفِنَ، وَقَبْرُهُ عِنْدَنَا حَتَّى هذَا اليَوْمِ. فَإِذْ كَانَ نَبِيّاً، وَعَلِمَ أَنَّ اللّه حَلَفَ لَهُ بِقَسَمٍ أَنَّهُ مِنْ ثَمَرَةِ صُلْبِهِ يُقِيمُ المَسِيحَ حَسَبَ الجَسَدِ لِيَجْلِسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، سَبَقَ فَرَأَى وَتَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ المَسِيحِ أَنَّهُ لَمْ تُتْرَكْ نَفْسُهُ فِي الهَاوِيَةِ وَلَا رَأَى جَسَدُهُ فَسَاداً (أعمال 2: 29-31).
ولن أنسى ما قاله بعد ذلك، قال: فَيَسُوعُ هذَا أَقَامَهُ اللّ هُ، وَنَحْنُ جَمِيعاً شُهُودٌ لِذ لِكَ.. فَلْيَعْلَمْ يَقِيناً جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ اللّه جَعَلَ يَسُوعَ هذَا، الذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ، رَبّاً وَمَسِيحاً (أعمال 2:32 و36).
عند هذا انشرح صدري وسرتُ وسط الجمهور حتى وصلت إلى حيث كان بطرس، وسألته أنا ومعي آخرون: مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ؟ فَقَالَ بُطْرُسُ: تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى ا سْمِ يَسُوعَ المَسِيحِ لِغُفْرَانِ الخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ القُدُسِ.. اخلُصُوا مِنْ هذَا الجِيلِ المُلْتَوِي (أعمال 2:37-40).
وعندما انتهى من كلامه أخذ الحاضرون يسألون والرسل يجاوبون. وذهبت إلى بطرس وقلت له: أنت لا تعرفني، ولكني أعرف صديقك عوبديا من كفر ناحوم، وكنت حاضراً يوم أطعم المسيح خمسة آلاف من خمس خبزات وسمكتين. والآن أستحلفك بالرب إله إسرائيل وبإبرهيم وإسحق ويعقوب: هل رأيت يسوع الناصري بعد قيامته من الموت؟ . فنظر إليَّ ولمعت عيناه وهو يقول نعم رأيته . وعدتُ أسأله: كم مرة رأيتَه؟ فأجاب: لقد ظهر لي بنفسه، ثم ظهر لنا يوم الأحد التالي للفصح، وذلك يوم قيامته من الموت. ثم رأيتُه مساء الأحد التالي لما أراد أن يوصّل لتوما رسالة خاصة. وبعد أيام قليلة كان سبعة منا يصيدون السمك عند بحر الجليل فظهر لنا وأعطانا صيد سمك معجزي. ولما وصلنا الشاطئ كان قد جهَّز لنا إفطارنا. ثم ظهر لأكثر من خمسمئة أخ مجتمعين معاً. وكان ظهوره الأخير منذ أسبوع، يوم الخميس، لما صعد إلى السماء أمام عيوننا .
وسألته: هل صحيحٌ إذاً أنه تنبأ عن أنه يبذل نفسه عن الخراف ليدفع أجرة خطيتهم، وأنه سيقوم من الموت في اليوم الثالث؟ فأجابني بطرس نعم. هذا صحيح .
فقلتُ: إني أثق في كلامك كما أومن أن المسيح مات لأجل خطاياي، وقام. والآن أرجوك أن تعمّدني كما قلتَ في موعظتك .
فأخذني بطرس إلى بحيرة حيث عمدني. وربما كنتُ أول من تعمّد باسم المسيح، ولكني عرفت أن الذين اعتمدوا في ذلك اليوم كانوا 3000 نَفْس (أعمال 2:41) كان من بينهم عمّي، الذي قال لي بعد معموديته عندما وعظ ذلك الجليلي بلغتي الليبية، آمنتُ أن رسالته من عند الله. فكيف يستطيع هذا الجليلي البسيط أن يتكلم لغة أجنبية عنه كأنه أحد أبنائها؟ .
والآن أومن أن خطيتي غُفرت وأني صرت حرّاً في المسيح كما وعد بقوله إِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَاراً (يوحنا 8:36).
* * *
وأود في نهاية هذا القسم أن أذكّر القارئ بآية قرآنية وردت في سورة الأنعام 6:9 (وتعود إلى عام 6 هـ ) تقول وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا (خلطنا) عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ . وهذا ما فعله الله عندما جاءنا في المسيح ليصالح العالم لنفسه. جاءنا إنساناً ليكلم الناس، وليفتح باب السماء لكل من يقبل عطية خلاصه العظيم.