نقص
واختلاف وزيادة في القرآن:
(1) ومما يدل على حصول زيادة
في القرآن ما رواه محمد بن سيرين عن عكرمة قال:
لما كان بعد بيعة أبي بكر، قعد علي بن أبي طالب
في بيته، فقيل لأبي بكر: قد كره بيعتك . فأرسل
إليه فقال: أكرهْتَ بيعتي؟ قال: لا والله . قال:
ما أقعدك عني؟ قال: رأيتُ كتاب الله يُزاد
فيه، فحدّثْتُ نفسي أن لا ألبس ردائي، إلا
لصلاةٍ، حتى أجمعه . قال له أبو بكر: فإنك نعم
ما رأيت . قال محمد بن سيرين: فقلت لعكرمة
ألفوه كما أنزل، الأول فالأول . قال: لو اجتمعت
الإنس والجن على أن يؤلفوه هذا التأليف ما
استطاعوا . وهذا يدل بأن القرآن الحالي ليس
مكتوباً حسب أوقات نزوله، بل اجتهد الخلفاء
وغيرهم في ترتيبه حسب ذوقهم، لأنه كان مبدداً
(الإتقان للسيوطي
باب الجمع).
(2) ومما يؤيد حصول التغيير ما أخرجه ابن أشته في المصاحف من وجهٍ آخر عن ابن سيرين، في أنه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ، وقال ابن سيرين: فطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه . يعني أنه كان يوجد قرآن غير المتداول الآن. ومع أنه بحث عنه إلا أنه لم يجده (الإتقان للسيوطي باب الجمع).
(3) ومما يدل على سقوط أشياء منه ما أخرجه ابن أبي داود، من طريق الحسن، أن عمر سأل عن آية من كتاب الله فقيل: كانت مع فلان، قُتل يوم اليمامة . فقال: إنَّا لله . وأمر بجمع القرآن، فكان أول من جمعه في الصحف. قال السيوطي: أي أول من أشار بجمعه (المصاحف للساجستاني باب جمع عمر للقرآن، والمرجع السابق).
وسقوط أشياء منه أمر طبيعي، لأنه كان مفرَّقاً في العُسب وفي صدور الرجال، لا في كتاب.
وقد اختلفوا في الذي جمع القرآن. قالوا إن الأربعة الذين تقدَّم ذكرهم ماتوا ولم يُجمع. ومرة قالوا: زيد بن ثابت هو الذي جمعه، ومرّة قالوا إن أول من جمع القرآن في مصحف هو سالم مَوْلى أبي حذيفة، ومرة قالوا إن عليا بن أبي طالب كان قد عزم على جمعه، وأقسم ألا يرتدي برداء حتى يجمعه. فجمعه ثم تساءلوا: ماذا يسمّونه، فقال بعضهم: سمّوه السِّفر، قال: ذلك اسمٌ تسميه اليهود . فكرهوه. فقال: رأيت مثله بالحبشة يُسمّى المصحف . فأجمع رأيهم على أن يسمّوه المصحف. (دروزة القرآن المجيد ص 53).
ويؤخذ من أقوالهم أنه كان لكل فريق قرآن، فكان يوجد قرآن فيه الناسخ والمنسوخ، ويوجد قرآن مرتب حسب النزول. ولو لم تكن نسخ عديدة لما أمر عثمان بإحراقها.