(4) قال علماء المسلمين إن النسخ في القرآن على ثلاثة أنواع:
(أ) أحدها ما نُسخ تلاوته وحكمه معاً. قالت عائشة: كان فيما أُنزل عشر رضعات معلومات، فنُسخت بخمسٍ معلومات، فتوفي محمد وهن مما يُقرأ من القرآن (رواه الشيخان). وقد تكلموا في قولها وهن مما يُقرأ من القرآن فإن ظاهره بقاء التلاوة وليس كذلك، فهذه العبارة سقطت من القرآن كغيرها، واعتذر العلماء قائلين: إن التلاوة نُسخت ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة محمد، فتوفي وبعض الناس يقرأها . وقال أبو موسى الأشعري: نزلت ثم رُفعت . وقال مكي: هذا المثال فيه المنسوخ غير متلو والناسخ أيضاً غير متلو، ولا أعلم له نظيراً .
(ب) ما نُسخ حكمه دون تلاوته، وهذا النوع هو الذي فيه الكتب المؤلفة، وكان الأقرب للصواب نسخ تلاوته أيضاً. لكنهم قالوا إنهم أبقوا تلاوته لأنه كلام الله ليُثابوا عليه. فإذا أُلغي ولم يراعَ جانبه كان وجوده وعدمه على حد سواء. وكيف يكون كلام الله ملغى ومنسوخاً؟ وما هو الثواب الذي يحصل للإنسان من كلام منقوض ملغى لا عمل له؟
(ج) ما نُسخ تلاوته دون حكمه. وقد سأل بعضهم: ما الحكمة من رفع التلاوة مع بقاء الحكم؟ وهل أُبقيت التلاوة ليجتمع العمل بحكمها وثواب تلاوتها؟ فأجاب صاحب الفنون: إن ذلك ليظهر مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى الطاعة من غير استفصال . وقد أفرد علماؤهم الكتب في هذا الموضوع، فراجعها إن شئت.
كيف يأمر الله بأمرٍ لا وجود له في كتابه؟ وهل يُعقَل أن ملكاً يحاسب رعاياه بدون قانون مدوّن مسطور؟ إن الحاكم الذي يفعل هذا يكون مستبداً ظالماً، وحاشا لله من ذلك.