- 10 - الكتاب المقدس هو المصدر الأصلي
- 1 - لا ينكر أحد أن الكتاب المقدس هو أقدم كتاب في الدنيا، فلا عجب إذا استرشد به العلماء والفهماء في جميع الأجيال، فلولاه لما عُرف أصل الإنسان، وسقوط آدم، وقصة الطوفان، وحياة إبرهيم خليل الله وموسى كليم الله، وتاريخ بني إسرائيل، وطريق الخلاص. فإذا وُجد في القرآن تاريخ أنبياء فهو مأخوذ من التوراة والإنجيل، وكان أهل عصر محمد يعرفون ذلك. ورد في الفرقان 25: 4 ، 5 “وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً 5 وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَّوَلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرةً وَأَصِيلاً ; وورد في النحل 16: 103 “وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ “قال بعض المفسرين: يعنون جبر الرومي غلام عامر بن الخضرمي. وقيل جبراً ويساراً كانا يصنعان السيوف بمكة ويقرآن التوراة والإنجيل، وكان محمد يمرّ عليهما ويسمع ما يقرآنه. وقيل عائشاً غلام حويطب بن عبد العزّى قد أسلم وكان صاحب كتب، وقيل سلمان الفارسي (السيوطي والواحدي في أسباب نزول النحل 16: 103).
وقد ردّ على ذلك في سورة النحل 103 بقوله “لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌُّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ “يعني أن ما سمعه كلام أعجمي لا يفهمه هو ولا قومه العرب، ولكن القرآن عربي يفهمونه.
ولكن لماذا لا يكون قد تعلم المعنى دون اللفظ، ثم صاغ المعنى بأسلوبه هو؟ لا ننكر أن وحي التوراة والإنجيل كان باللغة العبرية واليونانية، إلا أنها كانت مترجمة إلى لغاتشتى، وكانت منتشرة في عصر محمد بالعربية والسريانية واللاتينية، فكان محمد يسمع العرب المسيحيين واليهود يتلون هذه الكتب بلغاتهم.فالتوراة والإنجيل هما الأصل الذي يجب أن يُرجَعَ إليه.
- 2 - تؤيد شهادة محمد بأجلى بيان أن الكتب المقدسة هي الأصل، فورد في أكثر من 130 آية في القرآن أن التوراة والإنجيل هما النور الذي يجب الاسترشاد به، وأن القرآن أتى مصدِّقاً لهما. ورد في يونس 10: 94 ، 95 “فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ “وفي الإسراء 17: 101 “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُم “قال البيضاوي: فاسأل يا محمد بني إسرائيل عما جرى بين موسى وفرعون .
وفي الزخرف 43: 45 “وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ .
وورد في الأعلى 87: 18 ، 19 “إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى “وفي السجدة 32: 23 “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلاَ تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ “وفي الجاثية 45: 16 “وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُّوَةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ “وفي الشعراء 26: 196 أوضح أن القرآن في زُبُر الأوّلين . وفي الأحقاف 46: 12 “وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ .
وجاء في المائدة 5: 43 - 48 “وَكَيْفَ يَحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بَالْمُؤْمِنِينَ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ “فيُفهَم من هذه الأقوال وأمثالها أن الكتاب المقدس هو الأصل الذي يُرجَع إليه، وأن القرآن أتى مصدِّقاً عليه، وأن ما ذكره القرآن هو مدوَّن فيه. واستشهد به في أماكن شتى، وشهد بأنه وحي الله لأنبياء كرام وأنه نور وهدى ورحمة، وأنه الحكم الفصل.
فلهذه الأسباب وجب أن يكون الكتاب المقدس الدستور والمقياس الذي يُقاس عليه غيره. فإذا قيل إنه تحرَّف، قلنا إنه كان في عصر محمد منتشراً بين أيدي ملايين من سكان مملكة روما وبلاد فارس، وكان مترجماً إلى لغات شتى. وتوجد نسخ من العهد الجديد مكتوبة قبل ظهور محمد بستة قرون، وإذا قارنا بينها وبين النسخ الموجودة الآن لا نجد فرقاً. فلو كانت محرّفة لما صادق عليها محمد، ولما قال إنه أتى مؤيداً لها، ولما قال إنها كتاب الله وإنها نور وهدى ورحمة، وإنها الفرقان، أي الذي بيَّن الحق والباطل.
جاء في تفسير ابن كثير على المائدة 43 وفي سنن أبي داود جزء 4 (حديث رقم 4449) أن اليهود استفتوا محمداً في حكمه على شيخٍ وشيخةٍ زنيا. ووضعوا له وسادة جلس عليها. فقال: ائتوني بالتوراة فأُتي بها، فنزع الوسادة من تحته، ووضع التوراة عليها، ثم قال: آمنت بك وبمن أنزلك . وهذا يعني وجود توراة مكتوبة، صدَّق محمد بصحّتها، وأعلن إيمانه بها.
- 3 - لم يرد ما يفيد أن القرآن نسخ الكتاب المقدس، ولكن محمداً هو الذي كان ينسخ ما يأتي إليه، فأمر أولاً أن تكون القِبلة مثل قِبلة اليهود، ثم غيّرها نحو الكعبة. ونسخ كثيراً من أقواله. ولكنه شهد بأنه أتى مصدِّقاً على التوراة والإنجيل وأنذر من يزدري بهما، وقال إن الله أمره أن يثبت إيمانه بهما إذا كان في شك أو ريب (يونس 10: 94).
- 4 - الذي يقارن بين ما ذكره محمد وبين ما ذُكر في التوراة يجد عبارات القرآن مقتضَبة موجَزة، فلم يعيّن زمان القصة ولا مكانها، ولا أسماء من فيها ولا عددهم، بخلاف التوراة التي تورد كل قصةٍ مستوفيةً بالتمام والكمال، فتُعيِّن زمانها ومكانها وأسماء أبطالها.
- 5 - بما أن جميع الأنبياء هم من اليهود، فإن بني إسرائيل هي الأمة التي فضّلها الله على العالمين بشهادة القرآن، فكانوا هم الأحقّ بمعرفة قصص أنبيائهم وتورايخ أمتهم.
لقد أورد القرآن ما يُؤكد أنه أتى مصدِّقاً لما بين يديه من الكتب المقدسة، وأمر محمداً وحضّه على إزالة شكوكه بمطالعتها، واستشهد بها، وعظّم قَدْرها واعترف بفضلها، واقتبس منها. فالقرآن في الصحف الأولى. فإذا طالع القارىء ما ورد في كل القرآن والكتب المقدسة، جزم بأن القرآن الذي ظهر بعد هذه الكتب بجملة مئات من السنين مأخوذ منها.
لذلك يجب أن نجعل الكتب المقدسة في العهدين القديم والجديد الأصل الذي يُرجَع إليه للأسباب الآتية:
(1) إنها أقدم كتاب في الدنيا.
(2) إن أصحابها حافظوا عليها.
(3) إن علماء كل جيل وعصر استناروا بأنوارها وعوَّلوا عليها.
(4) كان معاصرو محمد يعرفون أنه أخذ كتابه منها، وكان بعض أصحابه يلقّنه ما تضمَّنته.
(5) جعلها محمد الدستور الذي يُرجع إليه ويُعوَّل عليه، حتى قال له الله حسب دعواه: “فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَا سْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ ; (يونس 10: 94) أي: اسأل أهل الكتاب.
(6) اعترف محمد أن القرآن مصدِّقٌ عليها ومؤيّد لها.
(7) عدم استيفاء قصص القرآن وعدم ذكر الأمكنة والأزمنة والأسماء، بخلاف التوراة فإنها استوفت هذه القصص تماماً، مما يدل على أنها هي الأصل.
(8) لم يرِدْ نصٌّ صريح يدل على أن القرآن نَسَخ شيئاً منها، بل بالعكس إنه أتى مصدِّقاً عليها.
(9) لو صرفنا النظر عن ذلك، وقارنّا أقوال القرآن بأقوال الوحي الحقيقي، لظهر لنا الفرق العظيم.
ولهذا السبب جعلنا الكتاب المقدس الحَكَم بين أقوال البشر وبين غيره!