- تعليقات على سورة المائدة (5)

جبريل والكلاب:

“يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ ; (آية 4).

روى الطبري بسنده عن أبي رافع قال: جاء جبريل إلى محمد يستأذن عليه فأُذن له فلم يدخل، فقال: قد أذنّا لك. فقال جبريل: أجل. ولكنّا لا ندخل بيتاً فيه كلب، قال أبو رافع: فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة، ففعلت حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها، فتركته رحمةً لها. ثم جئتُ إلى محمد فأخبرته، فأمرني بقتله. فأتى عاصم بن عدي وعويم بن ساعده وسعد بن خيثمة وقالوا له: إنَّا قومٌ نصيد بالكلاب وبالبُزاة، وإن كلاب آل ذريح تصيد البقر والحمير والظباء، فماذا يحلّ لنا؟ فسكت، ثم قال: أُحلّ لكم... . قال: كلب الصيد وكلب الماشية، بعد أن قتل الجميع (الطبري في تفسير المائدة 5: 4).

نقول: (1) لو افترضنا أن هذا الرأي صحيح وأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب، فكيف يتفق هذا مع ما جاء في الكهف 18: 18 ونقلِّبُهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسطٌ ذراعيه ؟ فكيف كانت الملائكة تقلّبهم في أثناء وجود الكلب؟

(2) كانت الكلاب في المدينة بل في بيت محمد قبل هذا الوقت، فكيف كان يأتيه جبريل بالوحي؟ إما أن الذي كان يأتيه قبل قَتل الكلاب غير جبريل، أو أن هذه الأمور كلها أوهام، فإن جبريل كان يأتي أنبياء العهد القديم والعهد الجديد ولم يأمر بقتل كلب ولا كلاب!

منصوبة أم مجرورة؟

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ; (آية 6).

في القرآن كثير من الاختلافات الناشئة عن القراءات. قال العلماء: تعارُض القراءتين بمنزلة تعارض الآيتين، وهذه الآية مثال لذلك. فقوله وأرجلكم قُرئت بالنصب والجر، ولهذا جمع بينهما، فحمل النصب على الغسل، والجر على مسح الخف. فالقراءات هي من أعظم الاختلافات والمناقضات، فإن المعنى ينعكس بها، وتترتَّب عليها أحكام متناقضة. ومع هذا فالقرآن مشحون منها. قال السيالكوتي وحسن جلبي في الحاشية على المواقف من الجزء الثاني: يوجد في القرآن من الاختلافات ما يزيد على اثني عشر ألفاً كما تسمع أصحاب القراءات يتلونها عليك (أنظر الفصل الرابع من القسم الأول من هذا الكتاب). (القرطبي في تفسير الآية).

الاثنا عشر نقيباً:

“وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الّزَكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَّزَرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ; (آية 12).

قال المفسرون إن الله عز وجل وعد موسى أن يورثه وقومه الأرض المقدسة (وصوابه إن الله وعد إبراهيم) وكان يسكنها الكنعانيون والجبارون، فأمر الله موسى أن يسير ببني إسرائيل للاستيلاء عليها، ووعده بالنصر، وأمره أن يأخذ من قومه اثني عشر نقيباً يكون كفيلاً على قومه بالوفاء منهم على ما أُمروا به. فاختار موسى النّقباء وسار ببني إسرائيل حتى قربوا من أريحا، فبعث هؤلاء النقباء يتجسّسون له الأخبار. فلقيهم رجلٌ يُقال له عوج بن عنق، وكان طوله 3330 ذراعاً وثلث ذراع (هكذا نقله البغوي) وفيه نظر لأن آدم كان طوله (على ما ورد في الأحاديث الصحيحة) ستين ذراعاً. وكان عوج يحتجز بالسحاب ويشرب من مائه، ويتناول الحوت من قعر البحر ويشويه في عين الشمس. ومن خرافاتهم أنه اقتلع الصخرة من الجبل على قدر عسكر موسى، وكانت فرسخاً في فرسخ، وحملها على رأسه ليطبقها عليهم، فبعث الله الهدهد فنقب الصخرة وقوّرها بمنقاره، فوقعت في عنق عوج فصرعته، فقتله موسى النبي. ولما لقي عوج النقباء عزم على طحنهم برجله، ولكن أخبرته امرأته أن يتركهم ليرجعوا ويخبروا قومهم بما رأوا، فرجعوا وأزعجوا قومهم ما عدا يوشع وكالب (الطبري في تفسير المائدة 5: 12).

وتذكر التوراة القصة في سفر العدد 13 فتقول: إن موسى أرسل اثني عشر رجلاً من بني إسرائيل ليتجسسوا أرض كنعان، فذهبوا إليها وتجسسوها، وأفادوا أنها أرض تفيض لبناً وعسلاً كناية عن خصبها. غير أن سكانها أشدَّاء ومدنها حصينة، فضعفت عزيمتهم. أما يشوع بن نون وكالب بن يفنة فسكّنا روع بني إسرائيل، ولكنهم زادوا هياجاً واضطراباً. وضرب الله عشرة من الذين أثبطوا همة الشعب بالوبأ.

بنو إسرائيل وأرض كنعان:

“قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ; (آية 22). وفي (عدد 24) “يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ .

قال المفسرون إن اليهود قالوا هذه المقالة لأن مذهبهم التجسيم، فكانوا يجوّزون الذهاب والمجيء على الله (أي أنهم يعتقدون أن لله جسماً، وهو افتراء محض عليهم).

قال بعض علماء الإسلام: إن كانوا قالوا هذا على وجه الذهاب من مكان إلى مكان فهو كفر، وإن كانوا قالوه على وجه الخلاف لأمر الله وأمر نبيه موسى فهو فسق. وقال بعضهم: قالوهعلىوجه المجاز، والمعنى اذهب أنت، وربك معين لك . ولكن قوله: فقاتلا يفسد هذا التفسير. وقال بعضهم: أرادوا بقولهم وربك أخاه هارون لأنه كان أكبر من موسى. قالوا والأصح أنهم قالوا ذلك جهلاً منهم بالله وصفاته. وقد ورد قوله: “وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ; (الأنعام 6: 91) (الطبري القرطبي الرازي في تفسير الآية).

ونقول إن القول الحق الذي يغني عن هذا التأويل والتكلّف هو أن بني إسرائيل لم يقولوا لموسى لا ندخل أرض الموعد ما لم تُخرِج أهلها، ولم يقولوا فاذهب أنت وربك فقاتلا. نعم تذمّروا على موسى وقالوا له: ليتنا متنا في مصر أو في القفر . وقال بعضهم بإقامة رئيس لإرجاعهم إلى مصر، وكاد الله أن يلاشيهم. غير أن موسى صلى للرب صلاة طويلة بأن لا يؤاخذ بني إسرائيل على شرِّهم وعنادهم. وأمات الله الرجال العشرة الذين بثّوا الرعب (العدد أصحاح 13 ، 14).

قايين وهابيل:

لما قتل قايين أخاه هابيل، بعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يوارى سَوْأة أخيه. قال: “يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ; (آية 31).

روى ابن أبي حاتم لما أراد أن يقتله أخذ برأسه وجعل يغمز رأسه وعظامه ولا يدري كيف يقتله. فجاءه إبليس فقال: أتريد أن تقتله؟ قال: نعم. قال: فخذ هذه الصخرة فاطرحها على رأسه. فأخذها وألقاها عليه فقتله. ثم جاء إبليس إلى حواء وقال لها إن قابيل قتل هابيل، فقالت له: ويحك، وأي شيء يكون القتل؟ قال: لا يأكل ولا يشرب ولا يتحرك. فجعلت تصيح حتى دخل عليها آدم، فقال: مالك؟ فلم تردّ. فقال: عليك الصيحة وعلى بناتك وأنا وبنيَّ منها براء.

فلما قتل قابيل هابيل تركه في العراء، ولم يدْرِ ما يصنع به، لأنه أول ميت من بني آدم على وجه الأرض، فقصدته السِّباع لتأكله، فحمله قابيل على ظهره في جرابٍ أربعين يوماً، وقال ابن عباس سنة، حتى أرْوَح وأنْتَن. فأراد الله أن يُري قابيل سُنّته في موتى بني آدم في الدفن، فبعث غرابين فاقتتلا، فقتل أحدهما الآخر فحفر له بمنقاره ورجليه حفيرة ثم ألقاه فيها وواراه بالتراب، وقابيل ينظر. فهذا معنى قوله فبعث الله غراباً (ابن كثير تفسير المائدة 5: 31).

أما قوله قابيل فصوابه قايين، ثم إن مراعاة القرآن للسجع مقدَّمةٌ عنده على الحقائق، فقال قابيل لأنه على وزن هابيل، كما قال طالوت لأنه على وزن جالوت.

وقول القرآن إن الغراب علّم قايين كيفية دفن أخيه مأخوذ من خرافات اليهود القديمة. وهل نتصوّر أن قايين كان يجهل هذا الأمر وقد كان يرى مدة حياته الذبائح تُقدّم لله؟ وهل يُعقل أنه لم يرَ في مدة حياته الطويلة أن دفن الطير أو الحيوان في الأرض ومواراته في التراب يكون واقياً للإنسان من رائحته المنتنة الكريهة، وقد أتى الله الإنسان عقلاً به يعقل ويدرك؟ وكتاب الله لا يتكلم عن هذه الخرافة

القرآن مصدّق على التوراة والإنجيل:

“وَكَيْفَ يَحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بَا لْمُؤْمِنِينَ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَا حْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ; (آيات 43 - 48).

قال الزمخشري: يحكم بها النبيون أي الأنبياء بين موسى والمسيح وهم ألف نبي (الكشاف في تفسير 5: 43). نقول: وهذا ظاهر البطلان، فالمدة بين المسيح وموسى ألف وستمائة عام، فكيف يكون فيها ألف نبي؟

وقال النسفي: لما بين يديه أي لِما تقدمه. وقوله مهيمناً عليه شاهداً عليه، لأنه يشهد له بالصحة والثبات. فالقرآن لم يقل ما صدّقته فصدّقوه، وما كذّبته فكذّبوه، وما سكتُّ عنه فلا تصدّقوه ولا تكذّبوه .

بل قال: من لم يحكم بالتوراة والإنجيل فهم الكافرون والظالمون والفاسقون .

وقال محمد: أنا أول من أُحيي أمر الله وكتابه أي التوراة والإنجيل (النسفي في تفسير المائدة 5: 43 48).

ومحمد هو الذي وضع التوراة على الوسادة وقال: آمنتُ بك وبمن أنزلك

(تفسير ابن كثير على المائدة 43 48 وسنن أبي داود حديث رقم 4449).

ولما كان حضّه لأهل الكتاب على إقامة شريعتهم يُغني عن القرآن وعن رسالته قال: لكلٍ جعلنا منكم شِرْعة ومِنهاجاً، ولو شاء لجعلكم أمةً واحدة، ولكن ليبلوكم فيما آتاكم . قال المفسرون: لكل أمة شريعة، فللتوراة شريعة، وللإنجيل شريعة، وللقرآن شريعة يحلّ الله عز وجل فيها ما يشاء. وكل عبارة دلّت على عدم التباين فهي دالة على أصول الدين من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسُله واليوم الآخِر، وكل ذلك جاءت به الرسل من عند الله ولم يختلفوا فيه. وأما العبادات الدالة على حصول التباين بينهم فمحمولة على الفروع وما يتعلق بظواهر العبارات. فجائز، أن يتعبّد الله عباده في كل وقت بما يشاء. وقوله لكلٍ جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً يدل على أن كل رسول جاء بشريعة خاصة، فلا يُلزِم أمةَ رسولٍ الاقتداءَ بشريعةِ رسولٍ آخر . (الخازن جزء أول).

ونحن نختلف مع هذا المبدأ، لأن طريقة الخلاص واحدة في التوراة والإنجيل، وفحواها واحد.

إن الصابئون:

“إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ; (آية 69).

وورد في البقرة 2: 62 “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى ;، وكذلك في الحج 22: 17.

فهل الصابئون صحيحة أم الصابئين ؟ هنا ثلاث آيات بنفس النصّ تقريباً ووردت كلمة الصابئون في نفس الموقع الإعرابي في سورة المائدة والحج، ورغم ذلك رُفعت هنا ونُصبت في الموضعين الآخرين، فكيف رُفعت هنا وهي اسم إن ومعطوفة على منصوب؟

ما هي الطيبات؟

“لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ; (آية 87).

روى البخاري عن عبد الله قال: كنا نغزو مع النبي وليس معنا نساء، فقلنا له: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، ورخَّص لنا بعد ذلك أن نتزوّج المرأة بالثوب، ثم قرأ لا تحرموا... (البخاري كتاب تفسير المائدة). فكما ترى أن محمداً كان يُبيح لأصحابه أشياء غريبة كهذا الحديث الذي أباح لهم فيه زواج المتعة، الذي قال عنه كثيرون إنه زنا. ثم تراه يقول لهم إن هذا هو طيّبات ما أحلّ الله.

أسئلة بلا إجابات:

“لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ; (آية 101).

لما رأى محمد أن أصحابه بدأوا يسألونه أسئلةً لا يجد عنده لها جواباً، خشي من ذلك فقال إن الله أنزل عليه قوله لا تسألوا... .

مائدة المسيح:

“إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَّزِلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ الَّلهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَاِئدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَّوَلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَّزِلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ ; (آيات 112 - 115).

ورد في الحديث أن محمداً قال: أُنزلت المائدة من السماء خبزاً ولحماً، وأُمروا أن لا يخونوا ولا يدّخروا لغدٍ، فخانوا وادَّخروا ورفعوا لغدٍ، فمُسخوا قردةً وخنازير . أخرجه الترمذي. وقال ابن عباس: إن عيسى قال لهم صوموا ثلاثين يوماً ثم اسألوا الله ما شئتم يعطيكموه، فصاموا. فلما فرغوا قالوا: يا عيسى إنّا لو عملنا عملاً لأحدٍ فقضينا عمله لأطعمنا، وسألوا المائدة. فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات حتى وضعوها بين أيديهم، فأكل منها آخرُ الناس كما أكل أوَّلُهم. وقيل نزلت سفرةٌ حمراء بين غمامتين فأكل منها 1300 من أهل الفاقة والمرض البرص والجذام والمقعَدين فشُفوا مما بهم، وغير ذلك (ابن كثير في تفسير المائدة 5: 112 - 115).

وحقيقة القول إنه لما أبصرت الجماهير معجزات المسيح الباهرة تبعه جمع كثير إلى بحيرة طبرية. وكان مع غلام خمسة أرغفة شعير وسمكتان، فأخذها المسيح وباركها، فأكل منها خمسة آلاف شخص، وجمعوا مما بقي اثنتي عشرة قفة من الكِسر التي فضلت عن الآكلين (يوحنا 6: 1-15).

(1) فلم يطلب الرسل من المسيح أن يُنزّل عليهم مائدة من السماء ليأكلوا وتطمئن قلوبهم، ولم تنزل هذه المائدة وكان فيها اللحم والخبز.

(2) المائدة التي نزلت من السماء نزلت على الرسول بطرس، وكانت الغاية منها أن يعلّمه الله أن دعوة الإنجيل عامة (أعمال الرسل 10). هذا بالإضافة إلى أنها لم تكن مائدة حقيقية، بل كانت رؤيا رآها الرسول بطرس.

الصفحة الرئيسية