- تعليقات على سورة الأنعام (6)
يكتمون أو لا يكتمون؟
“ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ; (آيتا 22 ، 23).
قال عبد الرازق في تفسيره: جاء رجلٌ إلى ابن عباس فقال: رأيت أشياء مختلفاً عليّ من القرآن . قال ابن عباس: هات ما اختلف عليك من ذلك . قال: أسمع القرآن يقول: ثم نقول للذين أشركوا: أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون؟ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا: واللهِ ربِّنا ما كنا مشركين مع أنه ورد في النساء 4: 42 “يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَّوَى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً ; مع أنهم كتموا ففي العبارة الأولى قال إنهم كتموا، وفي العبارة الثانية قال إنهم لا يكتمون. فأجاب ابن عباس بما حاصله أنهم يكتمون بألسنتهم، فتنطق أيديهم وجوارحهم (الطبري في الأنعام 6: 23 والرازي في النساء 4: 42).
أبو إبراهيم:
“وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ; (آية 74).
والصواب أن أبا إبراهيم هو تارح (التكوين 11: 26). وقال محمد بن اسحق والكلبي والضحاك: اسم أبي إبراهيم وهو تارح، ضبطه بعضهم بالحاء المهملة، وبعضهم بالخاء المعجمة (ابن كثير في تفسير الأنعام 6: 74). والحقيقة هي تارح فقط، فإن الواجب أخذ هذه الأسماء من الأمة اليهودية ومن التوراة.
وقال أهل السيرة: آزر هو اسمٌ كان ينادي به إبراهيم أباه، بمعنى يا شيخ أو يا مخرِّف. وإن اسم أبي إبراهيم هو تارح. وقالوا إنه كان له اسمان، وغير ذلك كثير (قصص الأنبياء عبد الوهاب النجار فصل قصة إبراهيم).
ولا يُفهم من التوراة أن إبراهيم كان يعبد الأصنام، بل العكس. والدليل على ذلك قول التكوين 11: 31 : ; وَأَخَذَ تَارَحُ أَبْرَامَ ابْنَهُ، وَلُوطاً بْنَ هَارَانَ ابْنَ ابْنِهِ، وَسَارَايَ كَنَّتَهُ امْرَأَةَ أَبْرَامَ ابْنِهِ، فَخَرَجُوا مَعاً مِنْ أُورِ الْكِلْدَانِيِّينَ لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتُوا إِلَى حَارَانَ وَأَقَامُوا هُنَاكَ “والظاهر أنهم هاجروا من وطنهم لأنهم تضايقوا من تمادي قومهم على عبادة الأصنام واقتراف الرذائل، فلو لم يكن تارح رجلاً تقياً يخاف الله لما ترك وطنه وهو عزيز عنده. ولو لم يكن تارح تقياً لما أطاع الأمر الإلهي. فطاعته من أقوى الأدلة على معرفته بالإله الحي الحقيقي.
إبراهيم والكواكب:
“فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ; (أي على إبراهيم) ; اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ; (آيات 76 - 78).
ولمفسّريهم في هذه الأقوال آراء شتى:
(1) فمنهم من قال إن إبراهيم قال هذا القول قبل البلوغ، أي في حال طفوليته قبل قيام الحجة عليه. واستدل أصحاب هذا من القول: لئن لم يهدني ربي لأكوننّ من القوم الضالين . وهذا يدل على تحيُّر. وقيل إن كلامه هذا كان بعد بلوغه، وفسَّروا عبارة القرآن بأن إبراهيم أراد أن يعرّفهم جهلهم وخطأهم في تعظيم النجوم وعبادتها، بأن أراهم النقص الداخل عليها بسبب الأفول.
(2) قالوا إنه قال هذا القول على سبيل الاستفهام، وهو استفهامٌ استنكاري. وإسقاط حرف الاستفهام كثير في كلام العرب.
(3) إنه قال هذا على وجه الإحجاج، كأنه قال لهم: لو كان إلهاً كما تزعمون لما غاب.
وغير ذلك من الأوجه التي اعتذروا بها عن وقوع إبراهيم في عبادة الكواكب (الرازي في تفسير الأنعام 6: 76 - 78).
والقول الحق الذي يغني عن كثرة التفسير هو الوارد في التوراة، من أن إبراهيم كان يعبد الله، وكذلك كان والداه. وكانوا من شعب الله المعترفين بوحدانيته المطيعين لأوامره، فلا يقول إبراهيم الذي تربَّى في مخافة الله عن الكواكب إنها ربه، حتى وإن قصد إقناعهم ببُطلان معبودهم، فإنه توجد طرق كثيرة لإدراك المقصود بغير هذه الطريقة.
أسماء الأنبياء:
“وَوَهَبْنَا (لإبراهيم) ; لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ; (آيات 84 - 86).
المطّلع على الكتاب المقدس يرى أن محمداً يجهل أزمنة ظهور هؤلاء الأنبياء الكرام، ولذا قدّم المتأخر وأخّر المتقدّم، فكان ذكره لهم في غاية التشويش. هذا فضلاً عن أخطائه في أسمائهم فيحيى صوابه يوحنا، وإلياس صوابه إيليا، واليسع صوابه إليشع، ويونس صوابه يونان.
كاتب محمد:
“وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ; (آية 93).
قالوا: المراد بالقسم الأول من هذه العبارة مسيلمة الكذّاب، والمراد بالقسم الثاني عبد الله بن أبي سَرْح الذي كان يكتب الوحي لمحمد، ثم ارتدّ ولَحِق بالمشركين. وسبب ذلك فيما ذكر المفسرون أنه لما نزلت المؤمنون 23: 12 “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ ; دعاه النبي فأملاها عليه، فلما انتهى إلى قوله “ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ; (المؤمنون 23: 14) عَجِب عبد الله في تفصيل خلق الإنسان فقال: “تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ! ; (المؤمنون 14). فقال محمد: هكذا أُنزلت عليّ . فشكّ عبد الله حينئذ وقال: لئن كان محمد صادقاً، لقد أُوحي إليّ كما أُوحي إليه، ولئن كان كاذباً لقد قلتُ كما قال. فارتدّ عن الإسلام ولحِق بالمشركين، فذلك قوله: ومن قال سأُنزل مثل ما أنزَل الله رواه الكلبي عن ابن عباس. وذكره محمد بن إسحاق، قال: حدّثني شرحبيل قال: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرْح ومَنْ قال سأُنزل مثل ما أنزَل الله ارتدّشّعن الإسلام، فلما دخل محمد مكة أمر بقتله وقتل عبد الله بن خَطَل ومِقْيَس بن صُبَابة ولو وُجدوا تحت أستار الكعبة، ففرّ عبد الله بن أبي سرح إلى عثمان وكان أخاه من الرضاعة، أرضعت أمُّه عثمانَ، فغيّبه عثمان حتى أتى به إلى محمد بعد ما اطمأن أهل مكة فاستأمنه له، فصمَت طويلاً ثم قال: نعم . فلما انصرف عثمان قال محمد: ما صَمَتُّ إلا ليقوم إليه بعضُكم فيضربَ عُنُقَه . فقال رجل من الأنصار: فهلاّ أومأتَ إليَّ؟ فقال: إن النبي لا ينبغي أن تكون له خائنة الأعين (القرطبي في تفسير الأنعام 6: 109).
ولقد كان عبد الله معذوراً في ترك محمد فإنه ساعد محمداً في أقواله، بل كان يأخذ جُملاً برُمّتها ويضعها في القرآن ويقول إنها وحي، فقال: إذا كان الوحي بهذه الصفة فأنا أكون نبياً أيضاً، لأنني ساعدته على تأليفه . وشهادة عبد الله مهمة لأنه كان كاتباً له، عاشره وعرف أسراره، وتأكد أن تأليف عبارات القرآن لم يكن بطريقةٍ خارقةٍ للعادة بل كان بطريقة عادية، وإلا لما أخذ محمد أقواله ووضعها في القرآن! كما أن أسلوب عبد الله يشبه أسلوب القرآن، فأين إعجاز القرآن؟!
معجزات محمد:
“وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ ; (آية 109).
قالت قريش: يا محمد إنك تخبرنا أن موسى كانت له عصا يضرب بها الحجر فتنفجر منه اثنتا عشرة عيناً، وتخبرنا أن عيسى كان يُحيي الموتى، وأن ثمود لهم الناقة. فأْتنا بآيةٍ حتى نصدّقك ونؤمن بك . فقال محمد: أي شيء تحبون؟ قالوا: تجعل لنا الصفا ذهباً، وابعث لنا بعض موتانا نسألهم عنك أحقٌّ ما تقول أم باطل، وأرِنا الملائكة يشهدون لك . قال محمد: إن فعلتُ بعضَ ما تقولون أتصدقونني؟ قالوا: نعم. والله لئن فعلتَ لنتبعنَّك أجمعين . وسأل المسلمون محمداً أن يُنزِلها عليهم حتى يؤمنوا، فقام محمد وجعل يدعو الله أن يجعل الصفا ذهباً. فجاءه جبريل فقال: ما شئت إن شئت أصبح ذهباً، ولكن إن لم يصدّقوك لنعذبنَّهم. وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم . فقال محمد: بل يتوب تائبهم . (الطبري في تفسير الأنعام 6: 109).
فجميع الأنبياء كانوا يعملون المعجزات الباهرة ثم يطلبون من الناس أن يصدِّقوا رسالتهم، ولم يقتفِ محمدٌ أثرهم. ولما طلبوا منه أن يعمل معجزةً كموسى أو عيسى أو غيرهما قال: إنكم لا تؤمنون .