- تعليقات على سورة الأعراف (7)
سقوط آدم:
من قارن بين ماورد في الأعراف 7: 20 - 23 وما ورد في التوراة عن سقوط آدم وجد أخطاءً كثيرة في القرآن. قال القرآن إن الشيطان قال: “مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ .
والتوراة تعلّمنا أن الشيطان اختلى بحواء واستفهم منها بمكره وغدره عن الشجرة ثم قال لحواء: إنكما إذا أكلتما منها تكونان كالله ذاته وتعرفان الخير والشر.
ومن أخطائه قوله إن الله قال لآدم وحواء: ألم أنهكما عن تلكما الشجرة؟ وإنها أجابا: ربنَّا ظلمنا أنفسنا، وإنْ لم تغفرْ لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين . مع أن التوراة أفادت أنه لما أكل آدم وامرأته من الشجرة اختبئا. “فَنَادَى الرَّبُّ الْإِلهُ آدَمَ: أَيْنَ أَنْتَ؟ . فَقَالَ: سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لِأَنِّي عُرْيَانٌ فَا خْتَبَأْتُ . فَقَالَ: مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لَا تَأْكُلَ مِنْهَا؟ فَقَالَ آدَمُ: الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ ; (تكوين 3: 8 - 20).
ريشاً ولباس التقوى :
“يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ; (آية 26).
تُرى ما هو ذلك اللِّباس الذي يواري السوءات؟ وما هو الريش ولباس التقوى؟ إنه خيرٌ. إنه من آيات الله. ولكن القرآن لا يشرح لنا شيئاً عنه، مع أنه في غاية الأهمية لسَتْر الإنسان الذي أزلَّه الشيطانُ وعرَّاه وفضَحَه! ولكن حسناً نصح القرآن أصحابه: فا سْألوا أهل الذِّكر إن كنتُم لا تعلمون (النحل 16: 43). فإن سفر التكوين في التوراة يقول لنا إن آدم وحواء لم يُفلِحا في سَتْر نفسيهما وهما يَخْصِفان عليهما من ورق الجنَّة، فصنع الربُّ الإلهُ لآدمَ وامرأته أقمصةً مِن جلدٍ وألبسهما (تكوين 3: 21). إذاً كانت هناك ذبيحةٌ سُفك دمها وأُخِذ جِلْدُها لستر آدم وحواء. لقد فداهما الله بذبحٍ عظيم لأنّه بدون سَفْك دمٍ لا تحصل مغفرة (الصافات 37: 107 والعبرانيين 9: 22). وهذا رمزٌ للمسيح المخلِّص الآتي الذي هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم (يوحنا 1: 29 ، 36). ويقول نبيُّ الله إشعياء في التوراة: فرحاً أفرح بالرب. تبتهج نفسي بإلهي. لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص. كساني رداء البر (إشعياء 61: 10).
(انظر تعليقنا على البقرة 2: 37).
يأمر بالفحشاء!
“إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ; (آية 28) مع أنه ورد في (الإسراء 17: 16) أمرنا مُترفيها ففسقوا فيها . ولتبرير ذلك قال علماء الإسلام: الأولى في الأمر الشرعي، والثانية في الأمر الكوني، بمعنى القضاء والقَدَر.
هود وعاد:
وَإِلَى عَادٍ (أرسلنا) ; أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ 66 قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ... قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَّزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَا نْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ; (آيات 65 و66 و 70 - 72).
قال مفسِّرو المسلمين كلاماً طويلاً في عاد وهود، وملخّص أقوالهم إن هوداً هو ابن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح. وقيل هو شالح بن أرفخشد بن سام بن عم أبي عاد. وكان قوم عاد يعبدون الأصنام، فبعث الله إليهم هوداً فكذّبوه وازدادوا عتوّاً، فأمسك الله المطر عنهم ثلاث سنين حتى جَهِدَهم. وكان الناس حينئذ مُسْلمهم ومُشركهم إذا نزل بهم بلاءٌ توجّهوا إلى البيت الحرام وطلبوا من الله الفرج، فجهزوا إليه، قيل بن عثر ومرثد بن سعد في سبعين من أعيانهم. وكان إذ ذاك بمكة العمالقة أولاد عماليق بن لاوذ بن سام، وسيدهم معاوية بن بكر. فلما قدموا عليه وهو بظاهر مكة أنزلهم وأكرمهم، وكانوا أخواله وأصهاره، فلبثوا عنده شهراً يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان قِينتان له. فلما رأى ذهولهم بالله عما بُعثوا له أهمَّهُ ذلك واستحَى أن يكلّمهم فيه مخافة أن يظنّوا به ثقل مقامهم، فعلَّم القِينتين:
لا يا قيلُ ويحك قم فهينم لعل الله يسقينا الغماما
فيسقي أرض عادٍ إن عاداً قد أمسوا ما يُبينون الكلاما
حتى غنّتا به، فأزعجهم ذلك. فقال مرثد: والله لا تسقون بدعائكم، ولكن إن أطعتم نبيّكم وتُبتم إلى الله سُقيتم . فقالوا لمعاوية: احبسه عنا. لا يَقْدُمنّ معنا مكة، فإنه قد اتّبع دين هود وترك ديننا . ثم دخلوا مكة فقال قيل: اللهم اسق عاداً ما كنتَ تسقيهم . فأنشأ الله سحابات ثلاثاً بيضاء حمراء وسوداء، فناداه منادٍ من السماء: يا قيل، اختر لنفسك ولقومك فقال: اخترت السوداء فإنها أكثرهنّ ماء، فخرجت على عاد من وادي المغيث، فاستبشروا بها وقالوا: هذا عارضٌ مُمطِرنا، فجاءتهم منها ريحٌ عقيم أهلكتهم، ونجا هود والمؤمنون معه، فأتوا مكة وعبدوا الله فيها حتى ماتوا (الطبري في تفسير الأعراف 7: 65 - 70).
قلنا: (1) ورد في تكوين 10: 22 أن أولاد سام هم عيلام وأشور وأرفكشاد ولود وأرام، فالظاهر أن كلمة هود محرّفة عن لود.
(2) ولم يرد في التوراة أن هوداً أو لوداً كان نبياً، وإنه أُرسل إلى قومه. وكذلك لم يرد أن قومه هم عاد.
(3) لم يصرّح القرآن بالرجس الذي أنزله الله على قوم هود، ولو كان شيئاً حقيقياً لصرّح به.
غير أن المفسرين قالوا إن الله أمسك عنهم المطر ثلاث سنين لأنهم كذّبوا هوداً. والحق أن إيليا النبي هو الذي أمسك المطر عن بني إسرائيل مدة ثلاث سنين وستة أشهر في عهد الملك أخآب (1 ملوك 17 و18). فخلطوا إيليا بهود، واخترعوا أسماء وهمية لا أصل لها.
- صالح وثمود:
73 وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ (أي وأرسلنا) ; يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْو. َذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ,.. فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ; (آيات 73 و77 و78).
قال المفسرون: ثمود هو ابن عابر بن أرم بن سام بن نوح، وهو أخو جديس بن عابر. وكانت مساكن ثمود الحِجْر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى، وقد عمَّر ثمود إعماراً طوالاً لا تفي بها الأبنية، فنحتوا البيوت من الجبال، وكانوا في خصب وسعة فعتوا وأفسدوا في الأرض وعبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم صالحاً من أشرافهم فأنذرهم، فسألوه آية، فقال: أيّة آيةٍ تريدون؟ قالوا: اخرج معنا إلى عيدنا فتدعو إلهك وندعو آلهتنا فمن استُجيب له اتُّبع. فخرج معهم فدعوا أصنامهم فلم تجبهم، ثم أشار أميرهم جندع بن عمرو إلى صخرة منفردة يُقال لها الكائبة، وقال له أَخرِج من هذه الصخرة ناقةً مخترجة جوفاء وَبْراء، فإن فعلت صدّقناك. فأخذ عليهم صالح مواثيقهم: لئن فعلتُ ذلك لتؤمنُنّ، فقال نعم. فصلّى ودعا ربه، فتمخّضت الصخرة تمخّض النتوج بولدها، فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا وهم ينظرون، ثم نتجت ولداً مثلها في العِظم، ولذا سُمّيت ناقة الله لأنها لا من ذكر ولا من أنثى، فآمن به جندع في جماعة، ومنع الباقين من الإيمان ابن ذواب بن عمرو والحباب، صاحبا أوثانهم، ورباب بن صغر كاهنهم. فمكثت الناقة وولدها ترعى الشجر وترد الماء غباً، فما ترفع رأسها من البئر حتى تشرب كل ما فيها، ثم تتفحج فيحلبون ما شاءوا حتى تملأ أوانيهم فيشربون ويدّخرون. وكانت تصيّف بظهر الوادي فتهرب منها بهائمهم إلى بطنه، وتشتو ببطنه فتهرب مواشيهم إلى ظهره، فشقّ ذلك عليهم. وزيَّنت عقرها لهم عنيزة أم غنم وصدقة بنت المختار، فعقروها واقتسموا لحمها، فرقي ولدها جبلاً اسمه قارة، فرغا ثُلاثاً، فقال صالح: أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب، فلم يقدروا عليه إذ انفجرت الصخرة بعد رُغائه فدخلها. فقال لهم صالح: تصبح وجوهكم غداً مصفرّة، وبعد غد محمرّة، واليوم الثالث مسودَّة، ثم يصبحكم العذاب. فلما رأوا العلامات طلبوا أن يقتلوه فأنجاه الله إلى أرض فلسطين. فلما كان ضحوة اليوم الرابع تحنّطوا بالصبر وتكفّنوا بالأنطاع، فأتتهم صيحة من السماء فتقطّعت قلوبهم فهلكوا (الرازي في تفسير الأعراف 7: 73).
ولم يرد في التوراة ولا في الإنجيل أن الله أرسل نبياً اسمه صالح إلى ثمود من قبائل العرب، فإن جميع الأنبياء والمرسلين كانوا من الأمة الإسرائيلية في أرض اليهود، لأن الله فضّلها على العالمين بأن جعل منها الأنبياء والمرسلين. ودعواهم أن صالحاً من ذرّية سام يدل على عدم معرفةٍ بالأنساب والتواريخ، وأقدم تاريخ في الدنيا لمعرفة أنساب نوح وإبراهيم وغيرهما هو التوراة.
امرأة لوط:
“فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَا نْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ; (آيتا 83 ، 84).
فقوله من الغابرين أي الباقين الذين بقوا في ديارهم فهلكوا، مع أن كتاب الله يعلّمنا أن الله أرسل ملاكين أخرجا لوطاً وامرأته وابنتيه خارج المدينة لشفقة الرب عليه، ونبّها عليهم أن لا ينظر أحد إلى ورائه، فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً. وأما امرأته فنظرت من ورائه بسبب تعلُُّق قلبها بالمدينة، فصارت عمود ملح.
شُعَيْب ومَدْيَن:
“وَإِلَى مَدْيَنَ ;(أي وأرسلنا) ; أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ; (آية 85) إلى عدد 91.
قال ابن عباس وغيره: فتح الله على مدين باباً من جهنم فأرسل عليهمحراً شديداً، فأخذ بأنفسهم فلم ينفعهم ظلٌ ولا ماءُ، فدخلوا في الأسراب ليهربوا فيها فوجدوها أشد حراً من الظاهر، فخرجوا هرباً من البرية، فبعث الله عليهم سحابة فيها ريح طيبة باردة فأظلَّتهم، وهي الظُلَّة، فوجدوا لها برداً ونسيماً. فنادى بعضهم بعضاً حتى إذا اجتمعوا تحت السحابة ألهبها الله عليهم ناراً، ورجفت بهم الأرض من تحتهم فاحترقوا كاحتراق الجراد في المقلى . وقال قتادة: بعث الله شعيباً إلى أصحاب الأيكة وإلى أهل مدين، فأما أصحاب الأيكة فأُهلكوا بالظلَّة، وأما أهل مدين فأخذتهم الرَّجفة. صاح بهم جبريل صيحةً فهلكوا جميعاً . ووردت قصة أصحاب الأيكة هذه بالتفصيل في (الشعراء 26: 176 190) وأُشير إليها في (ص 38: 13 والحِجْر 15: 78 ، ق 50: 14) (الطبري في تفسير الأعراف 7: 91).
ثعبانٌ أم جان؟
; 107 فَأَلْقَى عَصَاهُ ;(أي موسى) ; فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ; (آية 107). مع أنه ورد في (النمل 27: 10) : وألقِ عصاك. فلما رآها تهتزُّ كأنها جانٌّ .
فقالوا: الجان الصغير من الحيّات، والثعبان الكبير منها. وقالوا لأن خلقها كخلق الثعبان العظيم، واهتزازها وخفَّتها كاهتزاز الجان وخفته. فترى أنهم يتصرفون في اللغة كيف شاءوا.
فرعون والسحرة وموسى:
“وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ ; (آيات 113 - 116). “وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ; (آيات 120 - 125). وقد تكررت هذه القصة يونس 10: 80 ، 81 وفي طه 20: 60 97 وفي الشعراء وغيرها.
قال المفسرون المراد بالسحر العظيم هو أن السحرة ألقوا حبالاً غلاظاً وخشباً طوالاً، فإذا هي حيّات كأمثال الحبال قد ملأت الوادي، ويقال إنهم طلوا تلك الحبال بالزئبق وجعلوا داخل تلك العصي زئبقاً أيضاً وألقوها على الأرض، فلما أثَّر حرُّ الشمس فيها تحركت والتوى بعضُها على بعضٍ، حتى تخيّل للناس أنها حيّات. ويقال إن الأرض كانت سعتها ميلاً في ميل، فصارت كلها حيّات وأفاعي، ففزع الناس من ذلك حتى فزع موسى أيضاً فأوجس في نفسه خِيفةٍ موسى. قلنا لا تخف (طه 20: 67 ، 68) (المنار في تفسير الأعراف 7: 113 - 116).
(1) لم يقل السحرة لفرعون إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين، وأنه أجاب سؤلهم. فإن مثل هذا لا يحدث، لأن فرعون كان ملكاً مستبداً يفعل بقومه كما يشاء، والذوق والأدب يقضيان بعدم إبرام شروط مع الملك. وانظر إلى عبارة التوراة فدعا فرعون أيضاً الحكماء والسحرة ففعل عرّافو مصر أيضاً بسحرهم كذلك .
(2) لم يرد في التوراة أن موسى جزع وخاف من شعوذة السحرة وهو يعرف كذبها، هذا فضلاً عن بسالته وثقته في عناية الله به.
(3) لم يقل السحرة لموسى: إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين، وكذلك لم يقل لهم: ألقوا أنتم أولاً. بل إن الله أمره أن يطلب من فرعون أن يطلق بني إسرائيل، وإذا سأل آيةً فافعل كذا وكذا.
(4) أخطأ القرآن في قوله إن السحرة آمنوا برب موسى، فإن التوراة صرّحت بأن الله قسّى قلب فرعون وقلوب عبيده ليُظهِر قوّته وقدرته. ولا نظن أن عبيد فرعون يؤمنون برب موسى ويخالفون فرعون الملك المطاع، وموسى كان بلا جاهٍ ولا قوه.
(5) أخطأ في تهديد فرعون للسحرة بأن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ ثم يصلبهم.
قتل فرعون للإسرائيليين:
“وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ; (آية 127).
وتعلمنا التوراة في الخروج 1: 16 أن قتل الذكور واستحياء البنات كان قبل ولادة موسى، فإنه لما رأى فرعون أن بني إسرائيل زادوا خشي من انضمامهم إلى أعدائه ، فنبّه على قابلتي العبرانيين بإماتة الذكور. فوُلد موسى في هذا الوقت فوضعته أمه في سَفَط من البَردي وألقته في النهر، فالتقطته ابنة فرعون. والقرآن يقول إن المصريين اشتكوا لفرعون من تصرّف موسى، فنبّه بقتل أبناء العبرانيين واستحياء نسائهم.
بنو إسرائيل ومصر:
ورد في آية 128 أن موسى حضّ قومه على الاعتصام بالصبر، وأخبرهم “إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ “ثم قال لهم في عدد 129 “عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُّوَكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ “فأجمع مفسِّرو المسلمين على أن هذه العبارة تقول إنه لما يهلك الله عدوهم (يعني فرعون وقومه) يجعل بني إسرائيل يخلفونهم في أرضهم، أي أرض مصر بعد هلاكهم، ويأخذونها. ولم يأخذ بنو إسرائيل أرض مصر مطلقاً، لا في زمن داود كما قال البيضاوي، ولا في زمن غيره. وقوله يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض منافٍ للحقيقة التاريخية. ولم يقل موسى لبني إسرائيل شيئاً من هذا.
الضربات على المصريين:
“فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ; (آية 133).
(1) لم يذكر القرآن الضربات التي ضرب بها الله المصريين حسب ترتيب حدوثها.
(2) أخطأ في قوله الطوفان، فإن الله لم يرسل على المصريين طوفاناً فأغرقهم. والصواب أن الله ضرب المصريين بعشر ضربات لإطلاق بني إسرائيل، وهي حسب ترتيب حدوثها:
(1) تحويل الماء إلى دم (2) الضفادع (3) البعوض (4) الذباب (5) موت المواشي (6) الدمامل (7) البَرَد (8) الجراد (9) الظلام (10) موت الأبكار (الخروج 7 12). ولما كان لا يوجد طوفان أخذوا في تأويله فقال مجاهد: وعطاء الطوفان الموت . وقال وهب: الطوفان الطاعون بلغة أهل اليمن . وقال أبو قلابة: الطوفان الجدري، وهم أول من عُذِّبوا به وقال مقاتل: الطوفان الماء طفا فوق حروثهم . وقال ابن عباس: الطوفان المطر (ابن كثير في تفسيرالأعراف 7: 132).
لوحا الوصايا:
“وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ ; (آية 145). قال ابن عباس: يريد ألواح التوراة. والمعنى: وكتبنا لموسى في ألواح التوراة تفاصيل كل شيء . وفي الحديث: كانت من سدر الجنة، طول اللوح اثنا عشر ذراعاً . وقال بعضهم: كانت الألواح من خشب، وقيل من زبرجد خضراء، وقيل من ياقوتة حمراء، وقيل من زمرد جاء بها جبريل من جنة عدن، وقيل أمره الله بقطع ألواح من صخرة صمّاء ليّنها له، فقطعها بيده ثم شقها بأصبعه. وسمع موسى صريف الأقلام.
واختلفوا في عدد الألواح، فقال ابن عباس: كانت سبعة ألواح، وقيل عشرة ألواح، وقيل تسعة، وقيل لوحان. والحق أن الله كتب الوصايا العشر على لوحين فقط من حجر.
العجل له خوار:
“وَا تَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً ; (آية 148). “وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ; (طه 20: 85). “فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ 88 فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى ; (عددا 87 ، 88). ; قَالَ ;(أي موسى) ;فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا ; (عددا 95 ، 96). وفي الأعراف (150) أن موسى ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه، قال: يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني .
قوله له خُوار هو صوت البقر، وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة وجمهور أهل التفسير. وقيل إنه خار مرّة، وقيل كان يخور كثيراً، وكلما خار سجدوا له، وإذ سكت رفعوا رؤوسهم. أما السامري فاختلفوا فيه، فتارةً قالوا إنه من عظماء بني إسرائيل من قبيلة، يقال لها السامرة، وقيل كان من القبط، وكان جاراً لموسى فآمن به، وقيل كان علجاً من علوج كرمان رفع إلى مصر وكان من قوم يعبدون البقر. فهذا السامري قذف من تراب حافر فرس جبريل في فم العجل، فخار. فإن قلتَ كيف عرف السامريُّ جبريلَ ورآه دون سائر الناس؟ فالجواب إنهم قالوا إن أمه ولدته في السنة التي كان يُقتل فيها البنون، فوضعته في كهفٍ حذراً عليه من القتل، فبعث الله إليه جبريل ليربّيه لما قضى الله على يديه من الفتنة.
الوجه الثاني أنه لما نزل جبريل إلى موسى ليذهب به إلى الطور رآه السامري من بين سائر الناس، فلما رآه قال: إن لهذا شأناً. فقبض القبضة من أصل تربة أثرٍ موطئه. فلما سأل موسى قال: قبضت قبضة في أثر الرسول إليك يوم جاء للميعاد. وقيل رآه يوم فلق البحر، فأخذ القبضة وجعلها في عمامته لِمَا يريد الله أن يظهره من الفتنة على يديه (الطبري في تفسير طه 20: 85 - 96 ، الرازي في تفسير الأعراف 7: 150).
فالأخطاء في النص الأصلي وأقوال المفسرين كثيرة:
(1) قوله إن العجل له خوار مأخوذ من خرافات اليهود القديمة. ولا يخفى أن الله لا يساعد على الإشراك به، وهو منزّه عما يقولون.
(2) قوله إن السامري أضلّهم، مع أنه لم يكن في عصر موسى شيء يقال له سامرة ولا سامري، فهو من التخيُّلات البعيدة المستحيلة كما يدل عليه تاريخ بني إسرائيل بل تواريخ العالم قاطبة.
(3) أقبح من الغلطة السابقة قوله إن هذا السامري ألقى في فم العجل من تراب أثر فرس جبريل. فهل لجبريل فرس؟ وهل لفرسه أثر؟ لأنه ظنَّ أن جبريل إنسانٌ يركب فرساً.
(4) لم يجرّ موسى أخاه من رأسه كما يفعل السفهاء. إن القصة الحقيقية موجودة في الخروج 32: 1 - 35.
(5) ورد في كتاب يهودي يسمّى ترجوم يوناثان بن عزيا نفس هذه القصة، ولكن كان اليهود يقولون الربي يهوداه إسمائيل كان مختبئاً دخل العجل، وكان يخور لغش إسرائيل . فيبدو أن محمداً قد سمع هذه القصة من يهود عصره، ولما كان لا يعرف أن كلمة إسمائيل تعني ملك الموت بالعبرانية، ظن أنهم يقصدون السامرة، وخاصة أنه كان يعرف هذه البلدة نتيجة لأسفاره السابقة إلى الشام.
هل انكسر اللوحان:
“وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ; (آية 154).
قال الإمام الرازي: ظاهر هذا يدل على أن الألواح لم تتكسّر ولم يُرفع من التوراة شيء (في تفسير الأعراف 7: 154).
وتعلّمنا التوراة أن الرب قال لموسى: “انْحَتْ لَكَ لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍ مِثْلَ الْأَّوَلَيْنِ، فَأَكْتُبَ أَنَا عَلَى اللَّوْحَيْنِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى اللَّوْحَيْنِ الْأَّوَلَيْنِ اللَّذَيْنِ كَسَرْتَهُمَا ; (خروج 34: 1). هذا وقد ذُكر لفظ الألواح في كل موضع في القرآن بصيغة الجمع (لا بصيغة المثنَّى) وهو دليل على أنه كان يظن أن الألواح كانت أكثر من اثنين.
اختيار موسى سبعين رجلاً:
“وَا خْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ; (آية 155).
قال السُّدي: أمر الله موسى أن يأتيه في ناسٍ مِن بني إسرائيل يعتذرون إليه عن عبادة العجل، فامتثل الأمر. فلما ذهب بهم إلى ميقات ربه قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرةً، فأخذتهم الصاعقة فماتوا. فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول: رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتُهم وقد أهلكت خيارهم؟ رب لو شئتَ أهلكتَهم من قبل وإياي.
فعبارة القرآن تفيد أن موسى أخذ السبعين رجلاً بعد نزول الشريعة وبعد عمل العجل، والحقيقة هي أن موسى أصعد السبعين رجلاً قبل نزول اللوحين وقبل عمل العجل (خروج 24: 1).
محمد الأمي:
“وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الّزَكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ; (آيتا 156 ، 157).
يقول القرآن هنا إن موسى وقومه في ميقاتهم أخذتهم الرَّجْفةُ فأخذوا يصلّون ويقولون .. واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة، إنّا هُدْنا إليك . كان اليهود يشتقُّون اسمهم من الهُدى، والهدى كناية عن موسى ولقد آتينا موسى الهدى . أو يشتقّون الهدى من اسمهم، فموسى وقومه يطلبون من الله تسجيل يهوديتهم حسنةً لهم، فيجيبهم الله بقوله أولاً: إن الحسنة لأهل التقي والزكاة والإيمان، وهذه الحسنة ستُكتب للذين يتبعون النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل. فهل كان موسى وقومه ينتظرون ألفي سنة حتى تقوم لهم حسنةٌ بالإيمان بمحمد!! أمِن المعقول أن يجيب الله على دعاء موسى وقومه لربهم بأن الهداية ليست في الموسوية بل في اتِّباع محمد النبي الأمي ؟!! وأن يقول الله في ردّه على صلاة موسى إن محمداً مكتوبٌ في التوراة والإنجيل.. وأين كان الإنجيل في زمن موسى حتى يحدّث الله قومه به؟!
وكلمة الأمي الواردة في النصّ لا تعني (بحسب القرآن) عدم الإلمام بالقراءة والكتابة، إنما تعني من ليس له كتاب مُنزَّل، فاليهود أتباع اسحاق بن إبراهيم هم كتابيون في حين أن العرب أبناء اسماعيل بن إبراهيم هم أميون . ودلَّ القرآن على هذا دلالة واضحة وصريحة، فهو يدعو الكتابيين والأميين إلى اتِّباع الإسلام قل للذين أوتوا الكتاب والأميين: أأسلمتم؟ (آل عمران 3: 20) ثم يشير إلى تمنّي الأميين لمعرفة الكتاب: ومنهم أُميُّون لا يعلمون الكتاب إلا أمانيَّ (البقرة 2: 78) ويفخر بأن بعثه الله رسولاً من غير الكتابيين فيقول: هو الذي بعث في الأُمّيين رسولاً منهم (الجمعة 62: 2). وقد عرَّف أهل الكتاب بأن التمييز بينهم وبين الأميين شيء محتوم: قالوا ليس علينا في الأميين سبيل (آل عمران 3: 75). بهذا المعنى القرآني يجب أن نفهم قول القرآن عن أُمِّية محمد. فالأميون هم العرب أبناء إسماعيل، والكتابيون هم اليهود أبناء اسحاق، وبالتالي فإن أمّية محمد لا تعني جهله بالقراءة والكتابة بقدر ما تعني انتماءه إلى العرب الأميين أبناء إسماعيل الذين ليس لهم من الله كتاب مُنزَّل. (راجع تفسير ابن كثير للأعراف 7: 157 - ولم نعثر على تفسيرٍ إسلامي يشرح ذكر الإنجيل في هذا الموقف، ولكنهم جميعاً يصمتون عن هذا تماماً).
قطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً:
وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً (آية 160). هذه الجملة خطأ، وصوابها اثني عشر سبطاً لأن مميَّز ما فوق العشرة مفرد، فما وجه جمعه هنا؟ وقد اعتذر المفسرون عن ذلك اعتذارات شتى فقالوا إنه يقصد اثنتي عشرة قبيلة، ولما كانت كل قبيلة أسباطاً فحذف قبيلة ووضع كلمة أسباطاً التي تساويها (راجع الرازي في تفسير الأعراف 7: 160).
القرية والحيتان:
اسكنوا هذه القرية (أي بيت المقدس) وكلوا منها حيث شئتُم، وقولوا حِطَّةٌ، وادخلوا الباب سُجّداً نغفر لكم خطيئتكم (آية 161)
أمرهم أن يطلبوا من الله أن يحط عنهم ذنوبهم، فبدَّل الذين ظلموا منهم هذا الكلام بأن قالوا حنطة في شعيرة . فأرسل الله عليهم عذاباً من السماء. ووردت هذه القصة أيضاً في سورة البقرة. ولم يرد في تاريخ بني إسرائيل شيء من هذا.
حاضرة البحر:
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرةَ البحرِ إذ يَعْدون في السبت إذ تأتيهم حيتانُهم يوم سبْتِهم شُرَّعاً، ويوم لا يَسْبِتون لا تأتيهم. كذلك نبلوهم بما كانوا يَفْسُقون.. فلما عَتَوْا عن ما نُهوا عنه قلنا لهم: كونوا قِردةً خاسئين (آيتا 163 و166).
اختلفوا في القرية، فقيل هي بين مصر والمدينة والمغرب، وقيل بين مدين والطور، وقال الزهيري هي طبرية الشام. ولهم أقوال غير هذه. فكانت تأتيهم الحيتان ظاهرةً على الماء كثيرة متتابعةً يتبع بعضها بعضاً.
قال أهل التفسير: إن اليهود أُمروا بيوم الجمعة فتركوه، واختاروا يوم السبت فابتُلوا به، وهو أن الله أمرهم بتعظيمه ونهاهم عن العمل فيه وحرّم عليهم فيه الصيد. فلما أراد أن يبتليهم كانت الحيتان تظهر لهم في يوم السبت، ينظرون إليها في البحر، فإذا انقضى السبت ذهبت فلم تُرَ إلا في السبت المقبل. فوسوس إليهم الشيطان إن اصطادوا، فاصطادوا. قال قتادة: لما عتوا عما نُهوا عنه مسخهم الله فصيّرهم قردة تتعاوى بعد ما كانوا رجالاً ونساء (الطبري في تفسير الأعراف 7: 163). وحاشا لله أن يجرّب عباده بالشر، وهو يودّ أن الجميع يحفظون وصاياه. (راجع تعليقنا على ما أوردناه عن البقرة 2: 65).
من ظهورهم:
وإذْ أخذ ربُّك من بني آدم من ظهورِهِم ذُرِّيتهم وأشهدهم على أنفسهم (آية 172).
روى سعيد بن جبير لما خلق الله آدم، أخذ ذريته من ظهره مثل الذرّ، فقبض قبضتين، فقال لأصحاب اليمين ادخلوا الجنة بسلام، وقال للآخرين ادخلوا النار ولا أبالي (الطبري في تفسير الأعراف 7: 172).
فهل هذا هو طريق الخلاص الذي عندهم؟
رفع الطور:
وإذْ نَتَقْنا الجبل فوقهم كأنه ظُلَّةٌ وظنوا أنه واقعٌ بهم (آية 171). وهو يشبه ما ورد في النساء 4: 154 ورَفَعْنا فوقهم الطُّورَ بميثاقهم .
قال الخازن (جزء 2) إن أصحاب الأخبار قالوا إن بني إسرائيل لما أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة، لما فيها من التكاليف الشاقة، أمر الله جبريل فرفع جبلاً عظيماً حتى صار على رؤوسهم كالظّلَّة. فلما نظروا إلى الجبل فوق رؤوسهم خرّوا ساجدين، فسجد كل واحد منهم على خدّه وحاجبه الأيسر، وجعل ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل خوفاً أن يسقط عليه، ولذلك لا تسجد اليهود إلا على شق وجوههم الأيسر.
فهذه الأقوال من الخرافات القديمة اليهودية. أما كتاب الله فيعلّمنا أنه لما أنزل الله الشريعة على موسى بمرأى من بني إسرائيل، رأوا الرعود والبروق وصوت البوق والجبل يدخّن، ففزعوا وارتعدوا ووقعت هيبة الله وموسى في قلوبهم (خروج 20: 18).
حبل حواء:
هو الذي خلقكم مِن نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها، فلما تَغَشَّاها حَملَتْ حَملاً خفيفاً فمرّت به، فلما أَثْقَلتْ دعوا الله ربهما: لئِن آتيتنا صالحاً لنكوننّ من الشاكرين. فلما آتاهما صالحاً، جعلا له شركاء فيما آتاهما، فتعالى الله عما يُشْرِكون (آيتا 189 ، 190).
قال المفسرون لما حملت حواء أتاها إبليس في صورة رجل، فقال لها: ما يدريك ما في بطنك، لعله بهيمة أو كلب؟ وما يدريك من أين يخرج؟ فخافت من ذلك وذكرته لآدم. ثم عاد إليها وقال: إني من الله بمنزلة، فإن دعوتُ الله أن يجعله خلقاً سوياً مثلك ويسهّل عليك خروجه تسمّيه عبد الحرث. وكان اسم إبليس في الملائكة الحرث. وقال ابن عباس: كانت حواء تلد لآدم، فيسمّيه عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن فيصيبهم الموت، فأتاهما إبليس فقال: إنْ سَرَّكما أن يعيش لكما ولد فسمِّياه عبد الحرث. فولدت، فسمَّياه عبد الحرث فعاش. قال محمد: لما حملت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد، فقال: سمِّيه عبد الحرث، فسمّته فعاش. وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره. فهذا معنى قول القرآن وجعلا له شركاء (الطبري في تفسير الأعراف 7: 189 ، 190).
والتوراة تعلِّمنا أن آدم عرف حواء امرأته فحبلت وولدت قايين، ثم عادت فولدت أخاه هابيل، وبعد ذلك عرف آدم امرأته أيضاً فولدت ابناً ودعت اسمه شيثاً. وتأمَّل كيف تعبِّر التوراة بكلمة عرف عن معنى الجماع، وهي ألطف وأرقّ من عبارة القرآن. وانظر إلى عبارة التوراة تجدها لم تنسب إلى آدم وحواء الإشراك بالله. والمسلمون يعتقدون بنبوَّة آدم. فكيف يكون نبياً ومشركاً؟