شروع محمد في الانتحار
ومن الغرائب أن محمداً كاد ينتحر بأن يلقي بنفسه من أعلى الجبال. وفي رواية أنه "لما فتر الوحي عنه حزن حزناً شديداً حتى كان يغدو إلى جبل ثبير مرة، وإلى حراء مرة أخرى، يريد أن يلقي نفسه منه. فكلما وافى ذروة جبل منهما كي يلقي نفسه تبدّى له جبريل، فقال له: يا محمد أنت رسول الله حقاً. فيسكن لذلك جأشه وتقرّ عينه ويرجع" فإذا طالت عليه فترة انقطاع الوحي عاد لمثل ذلك (السيرة الحلبية باب بدء الوحي والقرآن المجيد لدَرْوَزة). واختلفوا في مدة هذه الفترة. وفي فتح الباري جزم ابن اسحق بأنها ثلاث سنين، وقال أبو القاسم السهيلي: جاء في بعض الأحاديث المسنَدة أن مدة هذه الفترة كانت سنتين ونصف سنة . وقال الحافظ السيوطي: "إنها كانت سنتين" .
والظاهر أنه لما كان ينقطع المصدر الذي كان يقتطف منه بعض القصص التاريخية والروايات الكتابية والأحكام الشرعية كان يدَّعي بأن الملاك انقطع عنه، فإن محمداً كان يلتقط من أهل الكتاب كثيراً من أقوالهم. وكثيراً ما أفحمه أهل الكتاب من اليهود أو المسيحيين، فكان تارة يعجز عن مجاوبتهم، وأخرى يطلب منهم الإمهال إلى أن يتروّى ويتحرّى ويستفهم.
والحاصل أن كيفية الوحي لمحمد كانت منافية لكيفية الوحي الحقيقي
(1) كان إذا أتاه الوحي استلقى على ظهره.
(2) كان يتوهم أن جبريل يأتيه في صورة دحية بن خليفة الكلبي، وكان جميلاً وسيماً، إذا قَدِم لتجارةٍ خرجت النساء لتراه.
(3) كان يأتيه مخاطباً له بصوت في مثل صلصلة الجرس. وقيل في الصلصلة المذكورة إنها صوت المَلَك بالوحي وقيل صوت المَلَك .
(4) ادّعوا أنه كان يرى جبريل في صورته التي خلقه الله عليها، له ستمائة جناح، كل جناح منها يسدّ أفق السماء.
(5) كاد أن يتردّى (أي يلقي بنفسه في مهواة).
(6) كثيراً ما أفحمه أعداؤه فلم يجبهم بما يشفي غليلاً. وكثيراً ما أخذ مهلة للتروّي في كيفية الجواب وللاستفهام من أهل الكتاب. (راجع كيفية نزول الوحي في البخاري، ومسلم، والسيرة الحلبية، والبداية والنهاية، والإتقان في علوم القرآن ).