- تعليقات على سورة هود (11)
نوح وقومه:
وردت في سورة هود المجادلة التي جرت بين نوح وقومه: فقال الملأُ الذين كفروا من قومه: ما نراك إلاّ بشراً مثلنا، وما نراك اتَّبعك إلا الذين هم أراذلُنا، باديَ الرأيِ، وما نرى لكم علينا من فضلٍ بل نظنُّكم كاذبين... (فقال نوح لهم) : ولا أقول لكم عندي خزائنُ الله، ولا أعلمُ الغَيْبَ، ولا أقول إني مَلَكٌ (آيات 27 39).
لم يرد في التوراة خبرٌ عن هذه المجادلة، وإنما ورد أن نوحاً كان كارزاً للبر، يحضُّ قومه على الإقلاع عن المنكرات وترك الآثام والمفاسد.
ولا ورد في التوراة أن أراذل الناس تبعوا نوحاً، فلم يتبعه أراذلهم ولا أفاضلهم، ولذا أغرقهم الله بالطوفان. إنما يحكي محمد بعضاً مما كان يجادله به العرب، وذكر ما كان يردّ به عليهم، فذكر حكاية حاله مع قومه، وقوله لهم: إنما أنا بشرٌ مثلُكم (الكهف 18: 110) وغايته من ذلك أن يخبر قومه أنه قد حصل للأنبياء السالفين مثل ما حصل له، وأن الأَوْلَى الإقلاع عن معارضته ومقاومته لئلا يحلّ بهم مثل ما حلّ بقوم نوح، ومثل ما حلّ بغيرهم. ولكن شتان بين محمد ونوح، فقد حلّ بقوم نوح الطوفان، ولكن لم يحلّ بالعرب الذين قاوموه أو أبطنوا النفاق شيئاً من عقاب الله.
ابن نوح:
ونادى نوحٌ ابنَه وكان في مَعْزلٍ: يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، قال: سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء. قال: لا عاصمَ اليوم من أمر الله إلاّ من رحم. وحال بينهما الموجُ، فكان من المغْرَقين... ونادى نوحٌ ربَّه فقال: ربِّ، إن ابني من أهلي، وإنّ وعدَك الحقُّ، وأنت أحكم الحاكمين. قال: يا نوحُ إنه ليس من أهلك. إنه عَمَلٌ غير صالح، فلا تسألني ما ليس لك به علمٌ (آيات 42 46).
رمى القرآن زوجة نوح بالزنا، فقال في التحريم 66: 10 في امرأة نوح وامرأة لوط فخانتاهما . ولما وجد المفسرون أن هذا لا يليق بالأنبياء، حاولوا الخروج من المأزق بقولهم إنه ليس من أهلك الذين وعدتُك أن أنجّيهم، أو تعني أنه كافر فلا قرابة بينكما. واستقبحوا ما رمى به القرآن زوجة نوح، مع أن القرآن قال ذلك (الرازي في تفسير هود 11: 45).
وقالوا إن الذي غرق هو كنعان بن نوح. ولو سلّمنا بصحة هذا لما كان يجوز لنوح أن يتأوَّه ويقول إنه من أهلي وهو يعرف أن كل نفسٍ لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت (البقرة 2: 286). وناهيك أن الله زجره. ونتعلم من التوراة أنه لما تحلّ بالأتقياء مصيبة يسلّمون الأمر لله. فهذا عالي الكاهن لما أخبره صموئيل بما يحلّ بولديه من القتل بسبب شرهما، وما يحلّ ببيته من البوار، لم يقل لله: إنهما من أهلي بل قال: هو الرب، ما يحسن في عينيه يعمل (1 صموئيل 3: 18) فسلّم لإرادة الرب.
والحق أنه لم يغرق أحدٌ من أولاد نوح بالطوفان، ولم يطلب نوحٌ هذه الطلبة. فكيف يهلك الله كنعان (كما قالوا) قبل أن يولد! وبعد الطوفان قال الله: وكان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك ساماً وحاماً ويافث. وحام هو أبو كنعان (تكوين 9: 18).
البشرى لإبراهيم:
ولقد جاءت رسُلُنا إبراهيمَ بالبُشرى، قالوا: سلاماً قال: سلامٌ. فما لبث إن جاء بعجلٍ حنيذٍ. فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكِرَهُم وأوجس منهم خِيفَةً. قالوا: لا تخَفْ، إنّا أُرسِلنا إلى قومِ لوطٍ. وامرأته قائمةٌ فضحكت. فبشّرناها بإسحق، ومن وراء إسحق يعقوب (آيات 69 71).
فأقبلت امرأتُه في صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وجهَها وقالت: عجوزٌ عقيم (الذاريات 51: 29).
قال المفسّرون: ضحكت لأنهم لم يمدّوا أيديهم إلى الطعام ليأكلوا. وقال قتادة: ضحكت من غفلة قوم لوط وقُرب العذاب منهم. وقيل: ضحكت من خوف إبراهيم من ثلاثةٍ وهو بين خدمه وحشمه وخواصه. وقال ابن عباس ووهب: ضحكت تعجُّباً من أن يكون لها ولدٌ على كِبر سنِّها وسنّ زوجها. فعلى هذا القول يكون في الآية تقديم وتأخير وتقدير.
وقيل: ضحكت بمعنى حاضت. وقال في المحكم ضحكت المرأة حاضت . وقال القرآن لما بُشِّرت أقبلت في صَرَّةٍ أي صيحة من الصَّرير، ولطمت وجهها.
واختلفوا في عدد الرسل، فقالوا: ثلاثة: جبريل وميكائيل وإسرافيل. وقال الضحاك: كانوا تسعة. وقال مقاتل: كانوا اثني عشر مَلَكاً. وقال محمد بن كعب القرظي: كان جبريل ومعه سبعة أملاك. وقال السدّي: كانوا أحد عشر مَلَكاً (الطبري في تفسير هود 69 71).
وتروي لنا التوراة القصة في (تكوين 18: 1 16) وتقول إن الرجال الثلاثة أكلوا، ثم سألوا إبراهيم عن سارة فقال: ها هي في الخيمة. فقال: إني أرجع إليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة امرأتك ابن. وكانت سارة سامعة في باب الخيمة وهو وراءه. فضحكت سارة في باطنها قائلة: أبعد فنائي يكون لي تنعّم وسيدي قد شاخ؟ فقال الرب لإبراهيم: لماذا ضحكت سارة؟ هل يستحيل على الرب شيء؟ فأعاد لها الوعد. وأنكرت سارة الضحك لأنها خافت.
وقصة التوراة تكشف خطأ القرآن:
- 1 - في قوله إن الرجال لم يأكلوا. والحقيقة أنهم أكلوا، ولم يخَفْ إبراهيم من شيء.
- 2 - إنهم بشّروه بابنٍ قبل أن يكلّموه عن قوم لوط.
- 3 - إن امرأته لم تُقبِل في صَرَّةٍ ولم تصكَّ وجهها، إذ لا يخفى أن من أعظم العار أن تصخب المرأة أو تصك وجهها، وعند زوجها ضيوفٌ من أفاضل الناس. والكتاب المقدس يضرب المثل بحشمة سارة وأدبها وطاعتها لزوجها.
- 4 - عبارة القرآن تفيد أنها كانت مع الضيوف تخدمهم، مع أن هذا خلاف عادات الشرقيين. وأنهم بشّروها بغلام، والحقيقة هي أنها كانت في الخِباء، لأنها من المخدَّرات. والرجال بشّروا إبراهيم فقط، وهي كانت تسمع من بُعد.
- 5 - لم يذكر القرآن عدد ضيوف إبراهيم.
التكفير عن الخطية:
وأَقَمَ الصلاة طرفيِ النهار وزُلفاً من الليل، إنَّ الحسنات يُذهِبْن السيّئات (آية 114).
روى الترمذي عن أبي اليسر قال: أتتني امرأةٌ تبتاع تمراً فقلت: إن في البيت تمراً أطيب من هذا، فدخلتْ معي في البيت فأهويْتُ عليها فقبَّلتُها. فأتيتُ أبا بكر فذكرت ذلك له، فقال: استُر على نفسك وتُبْ ولا تخبر أحداً. فلم أصبر. فأتيتُ عمر فذكرتُ ذلك له، فقال: استُر على نفسك وتُبْ ولا تخبر أحداً. فلم أصبر. فأتيتُ النبي فذكرت ذلك له، فأطرق النبي ساعة حتى أوحى الله إليه أقِمِ الصلاة طرفيِ النهار وزُلفاً من الليل، إنَّ الحسنات يُذهِبْن السيِّئات، ذلك ذكرى للذاكرين . قال أبو اليسر: فأتيتُه فقرأها عليَّ النبي، فقال أصحابه: ألهذا خاصةً أمْ للناس عامةً؟ فقال: بل للناس عامة (القرطبي في تفسير هود 11: 114).
فوضع محمد قانوناً عمومياً للناس مقتضاه التكفير بالصلوات الخمس، وهذا منافٍ لقداسة الله وعدله، فإنه لا يمكن التكفير عن الخطية إلا بسفك الدم. إن الخطيئة هي أفظع وأشنع شيء أمام الله. قال المسيح: كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه (متى 5: 29) كما قال: متى فعلتُم كل ما أُمرتُم به فقولوا: إننا عبيدٌ بطالون لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا (لوقا 17: 10 و11). إن صلاة الإنسان وصومه لا يكفّران عن خطيته، لأنه إنما عمل الواجب عليه، ولا تكفير عن الخطية إلا بقبول ما عمله المسيح الفادي بعمله الكفاري على الصليب.