- تعليقات على سورة النحل (16)
عدم تحرّك الأرض:
وألقى في الأرض رواسيَ أن تميدَ بكم (آية 15). أي أنه ثبَّتها بالجبال كيلا تميل بكم وتضطرب.
ولكنه يقول: والأرضَ مدَدْناها وألقَيْنا فيها رواسيَ (الحِجْر 15: 19) ، وفي ق 50: 7 ، ونوح 71: 18 والله جعل لكم الأرض بساطاً مع أن الأرض متحرّكة وكرة مستديرة.
برج بابل:
قد مكر الذين مِن قَبْلهم، فأتى الله بُنيانهم مِن القواعد، فخَرَّ عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون (آية 26).
قال المفسرون إن نمرود كنعان بنى صرحاً ببابل ليصعد إلى السماء ويقاتل أهلها. قال ابن عباس: كان طول الصرح في السماء خمسة آلاف ذراع . وقال غيره: كان طوله فرسخين، فهبّت ريح فقصفته وألقت رأسه في البحر، وخرّ عليهم الباقي فأهلكهم وهم تحته. ولما سقط تبلبلت ألسن الناس من الفزع، فتكلّموا يومئذ بثلاثة وسبعين لساناً فلذلك سُمّيت بابل. وكان لسان الناس قبل ذلك السريانية (الطبري والقرطبي في تفسير الآية).
والتوراة تعلمنا (تكوين 11) أنه بعد الطوفان عزم الناس على بناء مدينةٍ في شنعار وبرجٍ عظيم، فبلبل الله لسانهم فتشتَّتوا، لأن غاية الله كانت أن يعمِّروا الأرض، ففرّقهم. ودُعيت هذه المدينة بابل.
يعلّمه بشر:
ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلِّمه بشرٌ. لسانُ الذي يُلحِدون إليه أعجميٌّ وهذا لسان عربيٌّ مُبين (آية 103).
قال عرب مكة إن محمداً يتعلم هذه القصص والأخبار من إنسانٍ آخر، وهو آدميّ مثله، وليس هو من عند الله كما يزعم. واختلفوا في ذلك الإنسان، من هو؟ فقد روى القرطبي عن ابن عباس: كان محمد يعلم قيناً بمكة اسمه بلعام، وكان نصرانياً، فكان المشركون يرون محمداً يدخل عليه ويخرجمن عنده، فكانوا يقولون: إنما يعلّمه بلعام . وقال عكرمة: كان محمد يُقرىء غلاماً لبني المغيرة اسمه يعيش، فكان يقرأ الكتب. فقالت قريش: إنما يعلّمه وقيل: كان محمد فيما بلغني كثيراًما يجلس عند المروة إلىغلام رومي نصراني، عبدٌ لبعض بني الحضرمي، اسه جبر. وكان يقرأ الكتب . وقال عبيد الله بن مسلمة: كان لنا عبدان من أهل عين التمر، يقال لأحدهما يسار، ويُكنى أبا فكيهة، ويُقال للآخر جبر، وكانا يصنعان السيوف بمكة وكانا يقرآن التوراة والإنجيل بمكة. فمرّ بهما محمد وهما يقرآن، فوقف يستمع. وكان محمد إذا آذاه الكفار يقعد إليهما فيتروّح بكلامهما. فقال المشركون: إنما يتعلم محمد منهما . وقال الفراء: قالت العرب إنما يتعلم محمد من عائش، مملوك كان لحويطب بن عبد العزى كان نصرانياً وقد أسلم، وكان أعجمياً . وقيل: هو عداس غلام عتبة بن ربيعة (السيوطي في سبب نزول الآية).
قال البيضاوي: يعنون جبرا الرومي غلام عامر بن الحضرمي، وقيل جبراً ويساراً، كانا يصنعان السيوف بمكة ويقرآن التوراة والإنجيل، وكان محمد يمرّ عليهما ويسمع ما يقرآنه. وقيل: عاشا غلام حويطب بن عبد العزى، قد أسلم وكان صاحب كتب. وقيل سلمان الفارسي (الطبري والرازي في تفسير هذه الآية). فكان يأخذ من كل واحد كلاماً ويدوّنه. وكان هذا معلوماً عند أهل عصره حسب قوله وشهادته الصريحة، فلا عجب إذا جاءت الاختلافات والمتناقضات.
جواز الكفر باللسان:
مَن كفر بالله مِن بعد إيمانه، إلا مَن أُكرِهَ وقلبه مطمئنٌ بالإيمان. ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضبٌ من الله (آية 106).
نزلت في عمار بن ياسر، وذلك أن المشركين أخذوه وأباه وأمه وغيرهم فعذّبوهم، وقتلوا أباه وأمه، وأما عمار فوافقهم وكفر بمحمد وقلبه كاره. فأتى عمارُ محمداً وهو يبكي فقال له محمد: كيف وجدت قلبك؟ قال: مطمئناً بالإيمان فجعل محمد يمسح عينيه وقال: إن عادوا فعُدْ لهم بما قلت (الرازي في تفسير هذه الآية). يعني يجوز الكفر باللسان إذا كان في القلب الإيمان.
وهذا تعليم فاسد، فهل يرضى الله بالشِرْك به باللسان؟ قال المسيح: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها، بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم... مَن ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضاً قدَّام أبي الذي في السموات (متى 10: 28 ، 33).