- تعليقات على سورة الأنبياء (21)
داود وسليمان والغنم:
وداودُ وسليمانُ إذْ يحكمان في الحَرْث إذْ نَفَشَت فيه غنمُ القوم، وكنّا لحكمهم شاهدين. ففهَّمْناها سليمانَ، وكلاًّ آتينا حُكماً وعِلماً، وسخَّرْنا مع داودَ الجبالَ يسبِّحْن والطيرَ وكنّا فاعلين (آيتا 78 ، 79).
قال ابن عباس وغيره إن رجلين دخلا على داود، أحدُهما صاحب زرعٍ، والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الزرع: إن غنم هذا دخلت زرعي ليلاً فوقعَتْ فيه فأفسدَتْه فلم تُبقِ منه شيئاً. فأعطاه رقاب الغنم بالزرع. فخرجا، فمرّا على سليمان فقال: كيف قضى بينكما؟ فأخبراه. فقال سليمان: لو رأيتُ أمركما لقضيتُ بغير هذا. ويُروى أنه قال: غير هذا أرفق بالفريقين . فأُخبر بذلك داود فدعا سليمان واستفهم منه عن الأرفق بالفريقين، قال: أدفع الغنم للمزارع ينتفع بدرّها ونسلها وصوفها ومنافعها، ويزرع صاحب الغنم لصاحب الأرض مثل حرثه، فإذا صار الحرث كهيئته يوم أُكل دُفع إلى صاحبه وأخذ صاحب الغنم غنمه . فقال داود: القضاء ما قضيت . وكان عمر سليمان يوم حكم إحدى عشرة سنة (الكشاف، ابن كثير في تفسير هاتين الآيتين).
ولا يعقل أن سليماناً كان يتعقب أحكام والده، ووالده من الرجال المدرَّبين. هذا فضلاً عمّا خصّه الله به من الوحي الإلهي. وكيف يعجز عن الحكم في هذه القضية ويرضى بتغير الحكم أمام رعيته؟ ولكن هذا خَلْطُ أبشالوم بسليمان. جاء في 2 صموئيل 15: 1 6 أن أبشالوم لما دبَّر للانقلاب الفاشل ضد والده، كان يستميل رجال بني إسرائيل، ويقول: من يجعلني قاضياً في الأرض، لأُنصف المظلوم؟ وكان يقبّل ويكرم طرفي النزاع. فاستمال الأفئدة، وثار على والده.
وقال القرآن إن الجبال تسبّح مع داود! فقال ابن عباس: كان يفهم تسبيح الحجر والشجر . وقيل: كانت الجبال تجاوبه بالتسبيح وكذلك الطير .
الريح والشياطين وسليمان:
ولسليمانَ الريحَ عاصفةً تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها، وكنّا بكل شيءٍ عالمين. ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملاً دون ذلك، وكنا لهم حافظين (آيتا 81 ، 82).
قالوا: يعني أن الله سخّر الريح تجري بأمره، وكانت الشياطين يدخلون تحت الماء فيُخرِجون له من قعر البحر الجواهر، ويعملون عملاً دون ذلك، أي دون الغواص، وهو اختراع الصنائع العجيبة. وكان الله يحفظ العمل لئلا يفسده الشياطين، الذين دأبهم إفساد ما يعملون! (القرطبي في تفسير هذه الآية). ولا يخفى أن الشياطين أرواحٌ شريرة لا شغل لها سوى إغراء الناس على اقتراف كل منكر. ولا نتصور أنهم يخترعون ما ينفع الإنسان. ومن الخطأ قوله إن الله سخّر الريح لسليمان، وإنها تجري بأمره، كأن الله أشرك سليمان في مُلكه، وهو لا يليق بحكمته وقدرته!
ذو الكِفْل:
تقول آية 85 إن هناك نبياً اسمه ذو الكِفْل . ولم يهتدِ مفسّروهم إلى حقيقة هذا النبي، فذهب بعضهم إلى أنه إلياس، وغيرهم إلى أنه يوشع، وغيرهم إلى أنه زكريا، وقيل إنه نبي من بني إسرائيل، وأن الله أوحى لملِكٍ أني أريد قبض روحك، فاعرض ملُكك على بني إسرائيل، فمن تكفَّل أن يصلي الليل ولا يفتر، ويصوم النهار ولا يفطر، ويقضي بين الناس ولا يغضب، فادفع ملكك إليه. ففعل ذلك. فقام شاب فقال: أنا أتكفّل لك بهذا . فتكفَّل ووفَّى. فشكر الله له ونبأه فسُمِّي ذو الكِفْل (الرازي في تفسير هذه الآية).
حَصَب جهنم:
إنكم وما تعبدون مِن دونِ الله حَصَبُ جَهنم، أنتم لها واردون (آية 98).
قال مفسرو المسلمين إن محمداً لما تلا هذه الآية، سأله عبد الله بن الزبعري: ألم تقل إن اليهود عبدوا عُزَيْراً، والنصارى عبدوا المسيح، وبنو مليح عبدوا الملائكة، والصابئين الكواكب؟ فهل هؤلاء وقود النار؟ (الرازي في تفسير هذه الآية).
وقد اعتذر الرازي عن ذلك بقوله إنه كان يخاطب العرب فقط، بدليل قوله إنكم .
ولكن القرآن في مواضع كثيرة استخدم نفس اللفظ للجميع، فقال في مريم 19: 71 وإنْ منكم إلا واردها فهل يعني العرب فقط؟ ثم إن العرب كانوا يعبدون الشمس والقمر والكواكب والنجوم. فهل كل هذه في النار؟
وقد اعتذر الرازي بقوله إن لفظ ما تستخدم لغير العاقل. نقول جاء في القرآن ونفسٍ وما سوَّاها، فألْهَمها فجورَها وتقواها (الشمس 91: 8). فهل ما هنا لغير العاقل.