- تعليقات على سورة الحج (22)
قال الشيخ أبو القاسم هبة الله: سورة الحج من أعاجيب سور القرآن، لأن فيها ليليّاً ونهاريّاً، ومكيّاً ومدنيّاً، وسَفَرياً وحَضَرياً، وحَرْبياً وسِلْمياً، وناسخاً ومنسوخاً ومتشابهاً. والعدد فيها مختلف، فعدّها الشاميون 74 آية، وعدّها المدنيون 76 والبصريون 75 والمكيون 77 وعدّها الكوفيون 78 .
ألف أم خمسون ألفاً:
وإن يوماً عند ربّك كألفِ سنةٍ ممّا تَعُدُّون (آية 47).
وقال: يُدَبِّر الأمرَ من السماء إلى الأرضِ ثم يعْرُجُ إليه في يومٍ كان مقداره ألفَ سنةٍ مما تَعُدُّون (السجدة 32: 5). مع أنه ورد تعرُجُ الملائكةُ والروحُ إليه في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة (المعارج 70: 4).
ولما سُئل ابن عباس عنهما توقّف. قال أبو عبيد سأل رجل ابن عباس عن يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة، فقال ابن عباس: هما يومان ذكرهما الله تعالى في كتابه. الله أعلم بهما. ما أدري ما هي، وأكره أن أقول فيها ما لا أعلم . فقال ابن أبي مليكة: فضربت البعير حتى دخلت على سعيد بن المسيب، فسُئل عن ذلك فلم يدر ما يقول، فقلت له: ألا أخبرك بما حضرت مِن ابن عباس؟ فأخبرته. فقال ابن المسيب للسائل: هذا ابن عباس قداتّقى أن يقول فيها وهو أعلم مني (القرطبي في تفسير السجدة 32: 5 الرازي في تفسير المعارج70: 4).
ألقى الشيطان:
وما أرسلنا مِن قبلِك مِن رسولٍ ولا نبيٍّ إلاّ إذا تمنَّى (أيإذا قرأ، أو إذا جال في نفسه ما يهواه) ألقى الشيطان في أمنيته. فينسَخ الله ما يُلقي الشيطانُ، ثمّ يُحْكِم الله آياته (آية 52).
تمنَّى محمد أن ينزِّل الله عليه ما يقرِّب قومَه إليه. ولما كان في ناديهم قرأ سورة النجم 53 فلما بلغ مناة الثالثة الأخرى قال: تلك الغرانيقُ العُلى وإن شفاعتهنّ لتُرتجَى (النجم 53: 20). ففرح به المشركون حتى شايعوه بالسجود لما سجد في آخرها. ولما رأى غلطه اغتمّ وقال إن الله عزّاه بهذه العبارة، مع أنها افتراء على الله وعلى أنبيائه ورسُله. وقد أشار إلى هذه الحادثة في الزمر 39: 45 فقال وإذا ذُكر اللهُ وحده اشمأزَّت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخِرة. وإذا ذُكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون . فقالوا إنها قيلت في قراءة النجم عند الكعبة، وفرحهم عندما ذكر محمدٌ أصنامهم. وكذلك قوله في الإسراء 17: 73 وإنْ كادوا لَيَفْتِنونك عن الذي أَوحيْنا إليك لتفتريَ علينا غيره، وإذاً لاتَّخذوك خليلاً (الرازي في تفسير الحج 22: 52 الطبري في تفسير الزمر 39: 45).