- تعليقان على سورة الفرقان (25)
أساطير الأولين:
وقالوا: أساطيرُ الأوَّلين اكْتَتَبَها فهي تُمَلى عليه بُكرةً وأصيلاً. قل: أنزله الذي يعلم السرَّ في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً (آيتا 5 ، 6).
اتَّهم المشركون محمداً بورود أساطير الأولين في القرآن. ومن يدقِّق النظر فيها لا يجد نفياً لهذا الاتهام، أو محاولة للدفاع والرد، إنما يجدونه ينفي فقط أن تكون هذه الأساطير من عند محمد، يكتبها أو تُملى عليه، فيؤكد أنها وإن كانت أساطير فهي من عند الله!!
وقد تعجّب الإمام فخر الدين الرازي مِن ردّ القرآن وموقفه في هذه القضية، فتساءل: كيف يكون قول القرآن: قُل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إجابةً عن اتهام المشركين للقرآن بأنه أساطير الأولين ؟ (الرازي في تفسير هذه الآية). وذلك لأن المتبادَر إلى الذهن، والذي كان يتوقّعه الرازي وغيره، أن يكون ردّ القرآن نفياً لهذه التهمة لا تأكيدها.
أصحاب الرَّسّ:
وعاداً وثمُوداً وأصحابَ الرَّسِّ، وقروناً بين ذلك كثيراً (آية 38).
قال مفسرو المسلمين: أصحاب الرَّسّ قومٌ كانوا يعبدون الأصنام، فبعث الله إليهم شُعيباً فكذّبوه. فبينما هم حول الرَّسّ (وهي البئر غير المطوية) انهارت فخسف بهم وبديارهم. وقيل: الرَّسّ قرية بجهة اليمامة، كان فيها بقايا ثمود، فبُعث إليهم نبي فقتلوه فهلكوا. وقيل: الأخدود، وقيل: بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيباً النجار. وقيل: هم أصحاب حنظلة بن صفوان النبي، ابتلاهم الله بطيرٍ عظيم كان فيها من كل لون، وسمّوها عنقاء لطول عنقها، وكانت تسكن جبلهم الذي يُقال له فتخ أو دمخ، وتنقضُّ على صِبيانهم فتخطفهم إذا أعوزها الصيد، ولذلك سمّيت مغرباً، فدعا عليها حنظلة فأصابتها الصاعقة. ثم أنهم قتلوه فأُهلكوا. وقيل هم قومٌ كذّبوا نبيَّهم ورسُّوه أي دسّوه في بئر (الرازي في تفسير هذه الآية).
لما كان العرب يقاومون محمداً ويضايقونه في مبدأ أمره أتاهم بقصصٍ أنذرهم فيها أنهم إذا تمادوا على مقاومته أتتهم الصاعقة أو الصَّيْحة، أي يصيح بهم جبريل فيهلكهم، أو الخسف أو الطمس أو المسخ أو الجدب أو الوباء أو البرد أو الحر. ولما تقوّى وزاد بطشه أرهبهم بالسيف والسلب والنهب.