- تعليقات على سورة النمل (27)
سليمان والجن والطيور:
ووَرِث سليمانُ داودَ وقال: يا أيها الناس عُلِّمنا منطقَ الطير وأُوتينا من كل شيء إنّ هذا لهُو الفضل المبين. وحُشِر لسليمانَ جنودُهُ من الجنّ والإنس والطير، فهم يُوزَعون. حتى إذا أَتَوْا على وادي النمل قالت نملة: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم، لا يحطمنَّكم سليمانُ وجنودُهُ وهم لا يشعرون. فتبسَّم ضاحكاً من قولها وقال: ربِّ أَوْزِعْني أن أشكر نعمتك عليَّ وعلى والديَّ (آيات 16 19).
قال المفسرون: صاح ورشان عند سليمان، فسأل سليمان: أتدرون ما يقول هذا؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول: ليت الخلق لم يُخلقوا. وصاح طاووس، فسأل: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول كما تدين تُدان. وصاح هدهد فسأل: أتدرون ما يقول هذا؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول استغفروا ربكم يا مذنبون. وصاح طيطوي فسأل: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول كل حيّ ميت وكل جديد بالٍ. وصاح خطاف فسأل: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا. قال: إنها تقول سبحان ربي الدائم. (اختصرنا العبارات فيما يأتي) قال والغراب يدعو على العشار، والحدأة تقول: كل شيء هالكٌ إلاّ وجهه، والقطاة تقول: من سكت سلم. والببغاء تقول: ويل لمن كانت الدنيا همَّه. والضفدع يقول: سبحان ربي القدوس. والبازي يقول: سبحان ربي وبحمده. والضفدعة تقول: سبحان المذكور بكل لسان.
وعن مكحول قال: صاح دراج عند سليمان، فسأل: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول الرحمن على العرش استوى (القرطبي في تفسير النمل 27: 16).
(1) لقد خصّ الله الإنسان فقط بالنطق والعقل والبيان، وعليه يكون سليمان كذب على الناس والطيور، أو يكون ما نُسب إليه هو الكذب.
(2) هل كانت الطيور والحشرات في عصره تعقل وتدرك، ثم جرّدها الله من العقل الآن؟ إن الذي نَسَب إليها الإدراك هو الذي غلط.
(3) لم يكن لسليمان جنود من الجنّ، بل كانت جنوده من بني إسرائيل فقط.
الهدهد وملكة سَبأ:
وتفقَّد الطير فقال: مالي لا أرى الهدهد، أمْ كان من الغائبين؟ لأعذِّبنَّه عذاباً شديداً أو لأذْبَحنَّهُ أو لَيَأتيني بسُلطان مبين. فمكث غيرَ بعيدٍ. فقال: أحطتُ بما لم تُحِط به، وجئتُك من سبإ بنبإ يقين. إني وجدتُ امرأةً تملكهم، وأُوتيَتْ مِن كل شيءٍ، ولها عرشٌ عظيم. وجدتُها وقومَها يسجدون للشمس مِن دون الله (20 - 24). وذكر القرآنُ أن سليمانَ أرسل جواباً على يد الهدهد يدعو الملكةوقومَها إلى الإيمان، وأنها استشارت قومها فسلَّموا لها الأمر، فأرسلت هديةً، ثم أمر سليمانُ عفريتاً من الجن يأتي بعرشها قبل أن تصل إليه، فأتاه به. ثم أتت إليه فأراها إياه فأسلمت (آيات 20 45).
وحقيقة هذه الحادثة هي ما ورد في (1 ملوك 10: 1 13) أن ملكة سبأ سمعت بعظمة سليمان ونعمة الله عليه، فأتت بموكبٍ عظيم إلى أورشليم بهدايا عظيمة أهدتها لسليمان وامتحنته بمسائل، فاندهشت من حكمته ومن نظامه، وترتيب مأكله ومشربه، وحسدت رجاله على سماع حكمته كل ساعة. وقالت: لم أصدِّق ما بلغني إلا بعد أن شاهدت بعيني، ولم يبلغني نصف ما رأيت . وأهداها الملك سليمان هدايا جمّة فانصرفت إلى وطنها. فلا أرسل سليمان عفريتاً من الجن سرق عرشها، ولا أتاه هدهدٌ بأخبارها ويبدو أن ذلك الهدهد أعلم من سليمان!
الجسَّاسة:
وإذا وقع القولُ عليهم أخرجنا لهم دابّةً من الأرضِ تكلِّمهم أن الناسَ كانوا بآياتِنا لا يوقِنون (آية 82).
قال علي بن أبي طالب إن الدابة لها ريش وزغب وحافر، وليس لها ذنَب، ولها لحِية، وإنها لتخرج حضر الفرس الجواد ثلاثاً وما خرج ثلثها (رواه ابن أبي حاتم). وقال ابن جريج إن أبا الزبير وصف الدابة بقوله إن رأسها رأس ثور، وعينها عين خنزير، وأذنها أذن فيل، وقرنها قرن إيّل، وعنقها عنق نعامة، وصدرها صدر أسد، ولونها لون نمر، وخاصرتها خاصرة هرّ، وذنَبها ذنَب كبش، وقوائمها قوائم بعير، بين كل مفصلين إثنا عشر ذراعاً تخرج معها عصا موسى وخاتم سليمان فلا يبقى مؤمنٌ إلا نكتت في وجهه بعصا موسى نكتة بيضاء فتفشو تلك النكتة حتى يبيضّ لها وجهه، ولا يبقى كافرٌ إلا نكتت في وجهه نكتة سوداء بخاتم سليمان، فتفشو تلك النكتة حتى يسْودّ بها وجهه، حتى أن الناس يتبايعون في الأسواق: بكم ذا يا مؤمن؟ بكم ذا يا كافر؟ وحتى إن أهل البيت يجلسون على مائدتهم فيعرفون مؤمنهم من كافرهم، ثم تقول لهم الدابة: يا فلان أبشِر، أنت من أهل الجنة، ويا فلان، أنت من أهل النار (ابن كثير في تفسير هذه الآية).
نقول: تتبّع محمدٌ ما اشتهر من الخرافات والأساطير التي أُغرم بها العرب، فكان يروي لهم عن دوابٍ ذات أشكالٍ غريبة تتكلم وتدير الكون وتقسم الناس هكذا.