تعليقان على سورة غافر (40)

اقتلوا أبناء الذين آمنوا:

ولقد أرسلنا موسى بآياتِنا وسلطانٍ مُبين، إلى فرعونَ وهامانَ وقارونَ فقالوا: ساحرٌ كذّاب. فلما جاءهم بالحقِّ من عندنا قالوا: اقتلوا أبناءَ الذين آمنوا معه واستَحْيوا نساءهم (آيات 23 25).

وضع القرآن فرعون مع هامان مع أنه كان بعد فرعون بأكثر من خمسمائة عام، وفي نفس الآية وضع قارون، وهو شخص لا وجود له. ثم يختتم هذه الآيات بقصة المذبحة التي أمر فرعون فيها بقتل أطفال اليهود. بالرغم من أن هذه المذبحة كانت عند ولادة موسى. ولكي يعتذر المسلمون عن ذلك قالوا إن هناك أكثر من مذبحة وقعت في عهد فرعون لليهود.

ياهامان، ابْنِ لي:

وقال فرعونُ يا هامانُ ابْنِ ليصَرْحاً لعلّي أبْلُغُ الأسباب، أسبابَ السمواتِ فأَطَّلِعَ إلى إله موسى (آيتا 36 ، 37).

أورد الفخر الرازي عدة شبهات حول هذه الآيات، فقال إن هذا القول المنسوب لفرعونيحتمل أحدأمرين: إما أن فرعون قاله أم لا. فإن لم يكن قد قاله يكون القرآن كاذباً. وإن كان قاله ففيه وجهان: إما يكون فرعون عاقلاً أو مجنوناً. فلو كان مجنوناً فكيف يرسل الله إليه رسولاً؟ وإن كان عاقلاً، فكيف لم يعلم أنه ليس في قدرة البشر (آنذاك) وضع بناء يكون أعلى من الجبل العالي. ويعلم أيضاً أنك لو نظرت للسماء من فوق جبل لن يختلف كثيراً عن النظر من على الأرض. فإذا كانت هذه الأشياء بديهية امتنع أن يقصد العاقل إقامة بناءٍ يصعد منه إلى السماء. وإذا كان فساد هذا الرأي واضحاً امتنع إسناده إلى فرعون.

ويقول الرازي أيضاً: لقد أجمع الباحثون في تواريخ بني إسرائيل والفراعنة أن هامان ما كان موجوداً في زمان موسى وفرعون، وإنما جاء بعدهما بنحو ألف سنة. فالقول إن هامان كان موجوداً في زمان فرعون خطأ في التاريخ. وليس لأحدٍ أن يقول إن وجود شخص آخر يسمّى بهامان بعد زمان فرعون لا يمنع وجود شخص آخر بهذا الاسم في زمانه، لأن هذا الشخص المسمّى هامان وزير فرعون لم يكن شخصاً خسيساً غير معروف بل كان وزير فرعون. ومثل هذا الشخص لا يكون مجهول الوصف، فلو كان موجوداً لعُرِفت أخباره. فمثل هذا كالذي يقول إن أبي حنيفة كان موجوداً في زمن محمد.

ثم يجيب الرازي بقوله إن تواريخ موسى وفرعون طال بها العهد واضطربت بها الأحوال فلم يبق على أهل التواريخ اعتماد في هذا الباب (الرازي في تفسير الآيتين).

نقول إن الرازي ظن أن المؤرّخين يعتمدون في بحثهم على كلام أشخاصٍ أيّاً كانوا، ولذا حدث اضطرابٌ في كلامهم. ولكن المؤرخين يعتمدون على الآثار والحفريات التي سجلتها الأحجار لتبقى شاهدةً على صدق كلمة الله، ولتقوم بفضح كل كذّاب.

وليس من الإعجاز في شيء أن يجمع القرآن قصة برج بابل وفرعون وموسى في آيةٍ واحدة!

الصفحة الرئيسية