هل في
القرآن إعجاز
كثيراً ما يتحدث المسلمون
عن الإعجاز القرآني من عدة أوجه. ونناقش هنا
هذه الادعاءات لنعرف وجوه الإعجاز القرآني.
يقول الدكتور صبحي الصالح: القرآن هو الكلام
المعجز المُنزَّل على النبي، المكتوب في
المصاحف، المنقول عنه بالتواتر، المتعبَّد
بتلاوته (مباحث في علوم القرآن ف1).
وقد حدد السيد محمد رشيد رضا وجوه الإعجاز بستة أوجه وهي:
1 إعجاز الأسلوب والنظم.
2 إعجازه البلاغي.
3 إعجازه بعلم الغيب.
4 إعجازه بسلامة الاختلاف.
5 إعجازه بالعلوم الدينية والتشريعية.
6 إعجاز القرآن بعجز الزمان على إبطال شيء منه.
(تفسير المنار على البقرة 2: 23 ، 24)
ولنناقش ما قاله السيد رشيد من أوجه إعجاز القرآن.
1 -
إعجاز الأسلوب والنظم
من الواضح أن أساليب
الفصحاء متفاوتة، لا يشبه أسلوبٌ منها الآخر،
وأيضاً لا يستويان نظماً وبلاغةً، فمجرد
اختلاف الأسلوب والنظم لا يصح أن يُعد معجزاً.
ومن أشهر المواقف التي تدل على عدم بلوغ
القرآن حدَّ الإعجاز
ما حدث من عبد الله بن مسعود وأُبيّ بن كعب،
وهما ممن أمر محمدٌ بأخذ القرآن عنهما، فعبد
الله بن مسعود كان يحذف من مصحفه الفاتحة
والمعوَّذتين، ويقول: لا تكتبوا في القرآن ما
ليس منه. (الإتقان
في علوم القرآن للسيوطي ج 1 باب عدد سور القرآن
وآياته وكلماته وحروفه).
ولقد أورد كثير من المحدثين والمفسرين أن في مصحف أُبيّ سورتان صغيرتان زائدتان عن سور المصحف، واحدة اسمها سورة الحفد وهذا نصها: اللهم إيَّاك نعبد. ولك نصلي ونسجد. وإليك نسعى ونحفد. نخشى عذابك. ونرجو رحمتك. إن عذابك بالكفَّار ملحق . والثانية اسمها سورة الخلع، وهذا نصها: اللهم إنَّا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك. ونخلع ونكفر من يفجرك (القرآن المجيد لدروزه ص 56).
فلو كان أسلوب القرآن معجزاً ما اختلف عليه ابن مسعود وأُبيَّ. وقد أورد السيوطي في إتقانه: كان الناس يأتون زيداً بن ثابت، فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل. وإن آخر سورة براءة (التوبة) لم توجد إلا مع أبي خزيمة. فقال أبو بكر: اكتبوها فإن النبي جعل شهادته بشهادة رجلين. وإن عمراً أتى بآية الرجم فلم يكتبها، لأنه كان وحده (الاتقان للسيوطي ج 1 باب جمع القرآن وترتيبه). فلو كان القرآن معجزاً ما احتاج أحد في إثبات آيات القرآن إلى شهود.
وهناك بعض الكتب التي أوردت سوراً كاملةً لم تُكتب في المصحف، وأوردوا أيضاً أمثلة لما كان يُكتب قبل محمد، وهو لا يختلف كثيراً عن القرآن! ومن أمثلة الأول سورة النورَيْن وهذا نصها:
يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالنورين.
أنزلهما يتلوان عليكم آياتي ويحذّرانكم عذاب يوم عظيم.
نوران بعضهما من بعضٍ وأنا السميع العليم.
إن الذين يوفون بعهد الله ورسوله في آيات لهم جنات النعيم.
والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنَقْضهم ميثاقهم وما عاهدوا الرسول عليه يُقذَفون في الجحيم.
ظلموا أنفسهم وعصوا وليّ الرسول، أولئك يُسقَون من حميم.
إن الله الذي نور السموات والأرض بما شاء، واصطفى من الملائكة والرسل، وجعل من المؤمنين أولئك من خلقه، يفعل الله ما يشاء.
لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.
قد مكر الذين من قبلهم برسلهم فأخذتهم بمكري، إن أخْذي شديدٌ أليم.
يا أيها الرسول بلِّغ إنذاري فسوف يعلمون.
مثل الذين يوفون بعهدك إني جزيتهم جنات النعيم.
وأن عليّاً لمن المتَّقين.
ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا هارون فصبرٌ جميل.
فاصبر فسوف يبلون.
ولقد آتيناك الحكم كالذين من قبلك من المرسَلين، وجعلنا لك منهم وصياً لعلهم يرجعون.
إن عليّاً قانتاً بالليل ساجداً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.
قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون
(القرآن المجيد دروزه ص 60). فلو كانت هذه السورة من القرآن فهذا يقدح في دعوى حفظ القرآن وتنزيله، وإن لم تكن فهذا قدحٌ في إعجاز القرآن.
ومن أمثلة ما كُتب قبل محمد ما قاله قس بن ساعدة، فكان يقول: أين من بغى وطغى. وجمع فأوعى، وقال: أنا ربكم الأعلى. ألم يكونوا أكثر منكم أموالاً وأطول منكم آجالاً. طحنهم الثرى بكلكلهِ ومزّقهم بتطاولهِ. فتلك عظامهم بالية. وبيوتهم خاوية. عمَّرتها الذئاب العاوية (البداية والنهاية ابن كثير ترجمة قس بن ساعدة).
ومما يورده لنا ابن كثير أن أبا بكر هو الذي قال هذا الكلام وهو يتحدث في حضور محمد مع وفد أياد عن قس بن ساعدة، وكان محمد مولعاً بالاستماع إلى سجع الكهّان في سوق عكاظ. وقد يكون قرآنه أكثر بلاغة، ولكن هذا لا يعني إعجازه.
ملاحظة: تُوفي قسّ بن ساعدة عام 600 م قبل محمد بسنوات عديدة.
2 -
الإعجاز البلاغي في القرآن
يقول رشيد رضا صاحب المنار
في تفسير البقرة 2: 3 إن البلاغة في الكلام هي
أن يبلغ المتكلم ما يريد من نفس سامعه بإجابة،
موضع الإقناع من العقل، والوجدان من النفس .
وقد أجمع المسلمون على أن بلاغة القرآن في الآية الواحدة بل أحياناً في الحرف، ولكننا نجد فقرات من القرآن لا يُفهم منها شيئاً. وأحياناً يكون الكلام مُبهماً لا معنى له، مثل ما جاء في سورة العاديات 100 : 1 - 5 “وَالعَادِيَاتِ ضَبْحاً فَالمُورِيَاتِ قدْحاً فَالمُغِيرَاتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً"
وحتى إن كان محمد بلغ حداً من البلاغة لم يصل إليه أحدٌ من كُتَّاب العربية، فهل يدل هذا على الإعجاز؟ لقد حدث أن أتى كثيرون بكتب في غاية البلاغة بلغاتهم، ولم يقل أحد بنبوَّتهم. فمن المعروف أن كاتب الإلياذه والأوديسا (أعظم ملحمتين في اللغة اليونانية، وأكثرها بلاغة ونظماً وأسلوباً) هو الشاعر هوميروس، وكان أُمِّياً لأنه كان أعمى. ورغم ذلك لم يقل أحد بنبوّته. فلو أننا قارنَّا بين القرآن والشعر الجاهلي دون تعصّب أعتقد أن الموقف سيتغير كثيراً.
3 -
إعجاز القرآن بعلمه للغيب
قال صاحب المنار إن
إخبارالقرآن عن حوادث الماضي يُعدّ ضرباً من
ضروب الغيب، وأيضاً إن القرآن أخبر عن حوادث
مستقبلية كهزيمة الروم.
نقول: أما ما ذكره في الوجه الأول فهذا ليسإعجازاً، لأن من طالع شعر الجاهليين كأُميّة بن أبي الصلت، وقس بن ساعدة (و غيرهما) يجد نفس هذه الأخبار التي عرفها العرب عن طريق اليهود والنصارى والذين احتك بهم محمد كثيراً في سفره للشام واليمن وفي سوق عكاظ وفي المدينة بلد أخواله. هذا بالإضافة إلى أن محمداً لم يأت بهذه القصص صحيحة، بل كان فيها خرافات وأخطاء، كقوله إن هامان كان وزير فرعون، وإن مريم أم المسيح هي أخت هارون. بل ذهب إلى أن يحدّث موسى واليهود عن الإنجيل وهو قد جاء بعدهم بألف وستمائة عام (الأعراف 7: 157).
4 -
إعجاز القرآن بسلامته من الاختلاف
قال صاحب
المنار إن القرآن لم يقع فيه اختلاف، مع أن
فيه اختلافات من الصحة وعدمها نحو “إِنْ
هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ; (طه 20: 63) و “إِنَّ
الصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى ;(المائدة 5: 69) و
“هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي
رَبِّهِمْ ; (الحج 22: 19). وأيضاً فيه تعارض
وتناقض.
ورُوي عن سعيد بن جبير، قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال: رأيت أشياء تختلف عليّ من القرآن فقال ابن عباس أَشَكٌّ هو؟ فقال: ليس بشكّ، لكنه اختلاف. قال: هات ما اختلف عليك من ذلك. قال اسمع الله يقول: “ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ; (الأنعام 6: 23) وقال: “وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً ; (النساء 4: 42) فقد كتموا. وأسمعه يقول: فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون (المؤمنون 23: 1). ويقول: “وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ; (الطور 52: 25) وقال: أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ... طَائِعِينَ ; (فصلت 41: 9) ثم قال في الآية الأخرى: ; أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَّوَاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهاَ ; (نازعات 79: 27-30) وورد في القرآن أيضاً “إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ ; (أعراف 7: 28). وقال “أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا ; (الإسراء 17: 16). (راجع الإتقان باب 48 التناقض والاختلاف).
5 -
إعجاز القرآن بالعلوم الدينية والتشريعية
قال رشيد رضا إن مما يعدّ
إعجازاً في القرآن احتواءه على أصول العقائد
الدينية، وأحكام العبادات، وقوانين الفضائل،
وقواعد التشريع المدني والسياسي والاجتماعي.
نقول: إن ما أتى به محمد ليس جديداً على المجتمع العربي، فأصول العقائد كانت منتشرة عن طريق اليهود والنصارى بالجزيرة، ولكنها لم تكن نقية، بل كان يشوبها بعض البدع مما أثر في أن يكون الإسلام خليطاً من هرطقات اليهود والنصارى بالجزيرة. وإذا قرأنا الشعر الجاهلي نجد أن أشهر شعرائهم كانوا يَدْعون إلى الفضائل وأصول العقائد الدينية، فورقة بن نوفل المتوفى سنة 592م يقول:
بدينك رب ليس رب كمثله وتركك جنات الجبال كماهيا
وإدراكك الدين الذي قد طلبته ولم تك عن توحيد ربك ساهيا
أدين لرب يستجيب ولا أرى أدين لمن لا يسمع الدهر داعيا
(راجع الخلافة الإسلامية للمستشار سعيد العشماوي سينا للنشر القاهرة)
ومن المعروف أن محمداً أمضى نحو خمسة عشر عاماً مع ورقة قبل إعلانه نبوته، لأن ورقة هذا كان ابن عم خديجة وهو الذي قام بمراسم زواجها من محمد، وكثيراً ما جلسا سوياً. ومن المرجح أنهما كانا يدرسان الإنجيل العبراني الذي كان ورقة يقوم بترجمته للعربية. فربما كان يقوم بشرحه لمحمد حتى يكتسبه لدينه.
هذا بالإضافة إلى أن كثيراً من التشريعات الإسلامية كانت موجودة عند العرب قبل الإسلام كحدود الزنا والسرقة وشرب الخمر... (راجع الملل والنحل للشهرستاني فصل آراء العرب في الجاهلية تقاليدهم المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام جواد علي - الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية لخليل عبد الكريم - سينا للنشر بالقاهرة).
6 -
إعجاز القرآن بعجز الزمان على إبطال شيء منه
قال المفسرون: إن القرآن
يشتمل على بيان كثير من آيات الله في
مخلوقاته، وفيه أخبار الأمم السالفة. ولم
تستطع الدراسات أن تبطله.
نقول: إن هذا لا يُعد وجهاً من الإعجاز، فالإعجاز كما عرفه المسلمون أنفسهم هو إتيان فصل مخالف للطبيعة يكون الغرض منه إيمان الناس أو تصديق الرسول (القرطبي مقدمة التفسير).
بالإضافة إلى عدم إتيان محمد بشيء لم يكن معروفاً في عصره، فقد أتى بجملة أخطاء في قصصه وأخباره، كجمعه لهامان وفرعون في زمان واحد. واختراعه أشخاصاً وأنبياء لم يسمع بهم مؤرخ، كلقمان وصالح وشعيب وقارون، وخطئه في الحديث عن سامري بني إسرائيل قبل وجود السامرة بنحو 500 سنة! وأيضاً أخطأ فيما رواه عن سنن الله في الكون من أن الشمس تغرب في عين حمئة (الكهف 18: 86) وأن اللؤلؤ يُستخرج من النهر (الرحمن 55: 22). وقد تناولنا التعليق على هذه الأخطاء في تعليقنا على السور القرآنية في القسم الثاني من هذا الكتاب.