تعليق على سورة نوح (71)
وَدّ وسُواع ويَغُوث ويَعُوق ونَسْر:
وقالوا لا تَذَرُنّ آلهتَكم ولا تذرُنّ وَدّاً ولا سُوَاعاً ولا يَغوثَ ويَعوقَ ونَسْراً (آية 23).
زعم القرآن أن حواراً دار بين نوح وقومه، حذّرهم فيه نوح من عبادة غير الله. وأصرّ قومه على عبادة الأصنام وحذّروا من ترك أصنامهم الخمسة وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً . وقد وقع القرآن في خلط تاريخي، فقد نسب أصنام العرب في شبه الجزيرة والتي كانوا يعبدها قومه إلى قوم نوح، فهذه الأصنام الخمسة كان يعبدها قوم محمد. فكيف عبدها قوم نوح؟ ولقد أوقع القرآن المفسرين في مأزقٍ عسير الخروج منه أعسر وأصعب! قال أحدهم إن هذه الأصنام كانت تُعبد في قوم نوح قبل أن يعبدها العرب، وانتقلت بعد ذلك من قوم نوح إلى شبه الجزيرة العربية، فاتّخذها قوم محمد آلهة يتقربون بها إلى الله !
ثم وضح كيفية الانتقال هذه، فقال: ويحتمل أن تكون قد انتقلت إلى ديارهم عن طريق الطوفان الذي أغرق البلاد والعباد . وقد علَّق الرازي على هذا الكلام بقوله إن نقل نوحٍ للأصنام إلى ديار العرب عمل لا يجيزه عقل، فكيف ينقل نوح أصناماً معه في السفينة بعد أن ظل طيلة ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً حسب رواية القرآن يحاربها؟ وهل يقبل عقل أن يكون نوح سبباً لإضلال قوم وهداية آخرين؟ (الرازي في تفسير هذه الآية).
كما فات المفسرين أن انتقال الأصنام إلى العرب عن طريق الطوفان أمرٌ لا يمكن حدوثه إلا إذا كانت المادة التي صُنعت منها الأصنام غير قابلة للتحلل في الماء، ولاسيما أن فترة غرق تلك الأصنام كانت طويلة جداً. ولو فرضنا إمكانية انتقالها عن طريق الطوفان، فكيف عرف العرب أسماء هذه الأصنام؟ فهل كُتب على كل صنمٍ اسمه؟ وهل كُتبت باللغة العربية التي بدونها يصبح الوصول إلى حقيقة أسمائها أمراً بعيد المنال في أمَّة أمِّية؟
وقد أورد القرطبي قصة أخرى حول هذه الأصنام عن محمد بن كعب قال: كان لآدم خمس بنين هم ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسرا. وكانوا عُبَّاداً فمات واحد منهم فحزنوا عليه. فقال الشيطان: أنا أصوّر لكم مثله. إذا نظرتم إليه ذكرتموه . فقالوا له: افعل. فصوّره في المسجد من صُفْر ورصاص. ثم مات آخر فصوّروه، حتى ماتوا كلهم فصوّروهم. واندثرت أخبارهم بمرور الوقت وترك الناس عبادة الله. فقال لهم الشيطان: ما لكم لا تعبدون شيئاً؟ فقالوا: وما نعبد؟ قال: آلهتكم وآلهة آبائكم. ألا ترونها في مُصلاكم؟ فعبدوها من دون الله، حتى بعث الله نوحاً فقالوا: لا تذرنَّ آلهتكم ولا تذرنّ وَداً... (القرطبي في تفسير الآية).
نقول لقد فات المفسر أن وجود الأنبياء والصالحين في بني إسرائيل لم ينقطع من أول آدم حتى ملاخي آخر أنبياء العهد القديم، وحتى فترة انقطاع الرسل وقت السبي. نعم كان هناك رجال صالحون كعزرا ونحميا وغيرهم، فلم يكن هناك اندثار لأخبار النبوّة كما قال. ثم من قال إن هذه الأسماء هي أسماءٌ لأولاد آدم؟