تعليق على سورة الجن (72)
الجن يعلمون الغيب؟
وأنَّهُ كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رَهَقاً، وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً، وأنّا لمسنا السماء فوجدناها مُلئت حرساً شديداً وشُهُباً، وأنّا كنا نقعد منها مقاعدَ للسَّمْع، فمن يستمع الآن يجد له شِهاباً رَصَداً (آيات 6 9).
يؤكد القرآن أن الجن كان لديهم القدرة على الاستماع إلى غيب السماء، وأنهم يذهبون بها إلى الكهان. لكن بعد أن أُرسل محمد أصبحت غير قادرة، لأن السماء مُلئت حرساً شديداً وشهباً ولأنها جعلت (أي السماء) رجوماً للشياطين . لكن القرآن يؤكد أن الجن لا يعلمون الغيب. ففي قصة سليمان قال: فلما خرَّ تبيَّنت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين (سبأ 34: 14) بعد أن فارق سليمان الحياة!
وعلَّق الإمام الرازي على قصة الجن بقوله: .. ومن الناس من طعن في هذه من وجوه:
(1) كيف يجوز لهؤلاء الجن أن يشاهدوا واحداً وألفاً من جنسهم يسترقون السمع فيحترقون، ثم إنهم مع ذلك يعودون لمثل صنيعهم؟
(2) اطلّع الملائكة على الأحوال المستقبلية والتي كان الشياطين يأخذونها منهم، إما لأنهم طالعوها في اللوح المحفوظ، أو لأنهم تلقنوها من وحي الله إليهم، وعلى التقدير فلم يسكتوا عن ذكرها حتى لا يتمكن الجن من الوقوف عليها.
(3) الشياطين مخلوقون من نار، والنار لا تحرق النار بل تقوّيها، فكيف يُعقل أن يُقال إن الشياطين زُجروا عن استرقاق السمع بهذه الشهب؟
(4) إن كان قذف الشياطين لأجل ظهور النبوّة المحمدية، فلماذا دام بعد وفاة النبي؟
(5) لو كان يمكن لهؤلاء الشياطين أن ينقلوا أخبار الملائكة من المغيبات إلى الكهنة، فلماذا لا ينقلون أسرار المؤمنين إلى الكفار حتى يتوصل الكفار إلى اللحاق بهم؟
(6) لماذا لم يمنعهم الله ابتداءً من الصعود إلى السماء حتى لا يحتاج في دفعهم إلى هذه الشهب؟ (الرازي في تفسير الملك 67: 5).