الفصل الأول

غرض الله من الصلب

والجواب على هذا التوفيق : أن آدم عصى ربه - أي أخطأ - فطُرد من الجنة - تكوين 3 - وصداه في - سورة البقرة 2 :36 - فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ واستحق الموت الأبدي ،وتولدت فيه الشهوات الرديئة ،وتأصل الميل فيه إلى فعل المنكر, فورث بنوه هذا الميل وساروا في خطية أبيهم فامتلأت الأرض شراً وتحتم الهلاك على كل بشر إتماماً لعدل الله ،إذ لم يكن لهم من سبيل لإصلاح هذا النقص والرجوع إلى الحالة الأصلية : حال الطهارة والقداسة اللائقة بالجنة التي لا يدخلها إلا المطهرون, والله لا يمكن أن يحيد عن القانون الذي سنَّه لأنه عادل ،والعدل يقضي أن الخاطئ يموت وأن الشريعة تجري مجراها اَلنَّفْسُ التِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ. اَلاِبْنُ لَا يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ والأَبُ لَا يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الا ِبْنِ. بِرُّ البَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ وَشَرُّ الشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ - حزقيال 18 :20 - وإذا كان المشترع لا يعمل بما سنه ،فقُلْ على العدالة السلام,

وكما أن الله عادل هو رحيم أيضاً, والعدل والرحمة من صفات الله الأساسية ،ولا يمكن اجتماعهما في غير الله, والفداء الذي أكمله المسيح على الصليب وليس آخر كفيل ببيان اجتماعهما في الله,

فالعدل لغوياً ضد الجور ،ويعني الإنصاف والتقويم والمجازاة, والرحمة لغوياً رقة القلب والتفضل والإحسان والمغفرة, وقيل هي ترك عقوبة من يستحق العقوبة,

ولما كان الله رحيماً أحب أن يرحم الإنسان ويخلصه من عذاب النار - ولكن دون مخالفة العدل - لذلك دبّر منذ البدء عمل الفداء ،مبتدئاً أولاً بالذبائح الدموية التي مدار أكثر الشريعة الموسوية عليها, فقدم أولاد آدم الذبائح قبل نزول الشريعة كتابة ،وهكذا الذين بعدهم ،إلى أن نزلت الشريعة على موسى الكليم ففصَّلت الأمر تفصيلاً, حيث ترى أن الله لكي يفهم الناس نجاسة الخطيئة وعقابها الأليم شرع يعلمهم كأطفال ،فقسم الحيوانات إلى طاهرة ونجسة وعلمهم أن بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لَا تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ - عبرانيين 9 :22 - لذلك أمر الخاطئ أن يقدم ذبيحة عن خطيئته من الحيوانات الطاهرة التي لا عيب فيها ،يذبحها ويضعها على النار كي يتذكر أن الخاطئ يستحق الذبح والموت ،ولكنه بواسطة ذبيحة الفدية ينال المغفرة, وكل هذه الذبائح كانت تشير إلى ذبيحة المسيح العظمى ،لأن الذبيحة بنفسها لا يمكن أن تفدي الإنسان إذ لا تساويه قيمة,

ولما حان ملء الزمان أرسل الله كلمته المسيح فاتخذ الجسد الإنساني وصار إنساناً مثلنا ،وشاركنا في أمور كثيرة ،إلا أنه لم يرتكب ذنباً ولم يكن في فمه غش - أنظر مبحث عصمة المسيح في هذا الكتاب - وهذا الكلمة المسيح قدَّم نفسه على الصليب ضحية وفدية عن أنفس البشر ،ووفىّ العدل الإلهي حقه إذ قبل الله هذه الكفارة كأنها مساوية لأنفس كل البشر ،ووفق بين عدل الله ورحمته وتم قول داود النبي ا لرَّحْمَةُ والحَقُّ التَقَيَا. البِرُّ والسَّلَامُ تَلَاثَمَا - مزمور 85 :10 - وحصل على هذا الخلاص كل من آمن بالمسيح مصلوباً ،ويحصل عليه كل من يؤمن به هذا الإيمان ،بشرط أن يسلك حسب أوامر الله المدونة في التوراة والإنجيل, فالمسيح صُلب كإنسان وليس كإله ،كما يتوهم بعض إخواننا المسلمين لذلك يعترضون اعتراضات جمة قبل أن يفهموا معتقد المسيحيين في هذا الأمر, وأراني غير محتاج أن أبين تفصيلاً اعتبار الذبائح الدموية في الديانة الإسلامية كما هي في الأديان الأخرى ،وإنها واسطة للحصول على مغفرة الخطايا والقبول عند الله, والمسلمون قاطبة يعلمون أن ذبحهم للخرفان في عيد الأضحى ليس لأجل الأكل ،بل يحسبونه كفارة بقصد الحصول على كرم الله وإنعامه ،كما أن الكبش الذي ضحاه إبراهيم كان عوضاً عن ابنه وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ - سورة الصافات 37 :107 - هكذا تعتبر كل ضحية عوضاً عن مقدمها وواسطة للحصول على العفو, ومحمد نفسه كان يعتبر دم الذبائح واسطة للتكفير عن الخطايا والعفو ،كما نعرف من الحديث الآتي : قوله لابنته فاطمة :كوني حاضرة يا فاطمة عند رأس الذبيح ،لأنه عند سقوط أول قطرة من دمه على الأرض تُغفر لك خطاياك , واستناداً إلى حديث آخر يسند إلى محمد أيضاً ،يعتقد المسلمون أنهم سيركبون يوم الدين الذبائح التي قدموها في حياتهم ويعبرون الصراط المستقيم إلى الجنة, وهذه الذبائح لا تساوي الأنفس التي قدمت لأجلها ،بل الحيوانات بأجمعها لا تساوي نفساً واحدة ناطقة ،وهي غير كافية للتكفير ،بل هي رمز إلى ذبيحة المسيح العظيمة التي ترى خبر تعيينها في التوراة ،وخبر تقديمها على الصليب في الإنجيل, الذبيحة التي اعتبرها الله مساوية لأنفس الناس أجمعين,,,

لِأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللّه العَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الوَحِيدَ ،لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ

إنجيل يوحنا 3 :16 -

 

 الصفحة الرئيسية