أولاً: رأي د. عبد المجيد الشرفي

 

· د. عبد المجيد الشرفي: عميد كلية الآداب بتونس، وله كثير من المقالات التي تتعلق بالعلاقات المسيحية -الإسلامية.

" وكما نفي القرآن ألوهية عيسى وعقيدة الثالوث، فإنه نفى في الآية 157 من سورة النساء أن يكون اليهود قتلوا عيسى أو صلبوه (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم.. وما قتلوه يقيناً)، فهل تعني هذه الآية أنه قُتل وُصلب ، لكن على غير أيدي اليهود أم أنه لم يُقتل ولم يُصلب البتة؟ لا شئ مبدئياً يمكّننا من ترجيح أحد الاحتمالين إن اقتصرنا على النص القرآني وحده، ولم نعتمد السنة التفسيرية التي بتت في اتجاه نفي الصليب جملة في أغلب الأحيان. على أن هذه الآيات لا يجوز أن تفصل عن الآية 33 من سورة مريم: (والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً)، وكذلك عن الآية 35 من آل عمران: (يا عيسى إني متوفيك)، وعن الآية 117 من المائدة: (وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم)، وهي صريحة في أن عيسى يموت ويتوفى.

فليس من المستبعد أن يكون إنكار قتل اليهود عيسى وصلبه من باب المجادلة المقصود بها التنقيص من شأن المجادلين، لا سيما أن كل الأحداث المتعلقة بحياة المسيح لم تزل منذ القديم محل أخذ ورد واختلاف، ولا أحد يستطيع ادعاء اليقين فيها. يضاف إلى هذا أن إقرار القرآن برفع عيسى في الآية الموالية يتفق والعقيدة المسيحية في هذا الرفع، بل ويتماشى والعقلية الشائعة في الحضارات القديمة والمؤمنة بهذه الظاهرة. والأمثلة على ذلك كثيرة. فهل نحن في حاجة إلى التنقيب عن مصدر العقيدة القرآنية المتعلقة بنهاية حياة المسيح في آراء الفرق الظاهرانية (Docetiste )؟¨

Docetistes تأتي من الكلمة اليونانية Dokea ويمكن ترجمتها إلى "الترائي"، فالفعل اليوناني معناه "يبدو" أو "يظهر" وقد نادى أصحاب هذا المبدأ بأن جسد يسوع كان "مظهراً" أو "شبحاً" غير مادي، وأن يسوع لم يأخذ جسدأ، حقيقياً، لكنه بدا فقط، وكأنه أخذ جسداً، وقد أصر هؤلاء على أن يسوع لم يكن له على الإطلاق جسداً طبيعياً من لحم ودم، لكنه كان كائناً روحياً بحتاً، ولم يكن فيه من الجسد سوى المظهر فقط، وكتاب "أعمال يوحنا" الذي يرجع تاريخه إلى سنة 160م، وهو أحد الأسفار غير القانونية، ويتضمن تعاليم منحرفة، يتبنى كاتبه هذه العقيدة، فيجري على لسان "يوحنا" أقوالاً، يدّعي أنه نطق بها، عندما لمس يسوع، الذي بدا له أنه قابله أحياناً بجسد مادي صلب، وفي أحيان أخرى، كان جسده غير مادي كأنه لا وجود له البتة، كما يضع في فم يوحنا القول بأنه "عندما كان يسوع يمشي، لم تكن أقدامه تترك على الأرض أثراً، ما".

وأبسط تصوير لهذه العقيدة، هو الإنكار التام لكون يسوع قد أخذ جسداً بشرياً من أي نوع". تفسير رسائل يوحنا. د. وليم باركلي. تعريب القس جاد المنفلوطي. ط1 1983م. ص 16.

 

أليس في منطق الدعوة ذاته ما يفسر هذا الموقف الواضح في سائر الأنبياء من جهة، والذي يترك الباب مفتوحاً للتأويل واعتماد المعطيات التاريخية في أمر من جهة أخرى".

ويقول المؤلف أيضاً تحت عنوان: الصلب

"من اليسير أولاً أن نسجل أن هذا الفرض لم يكن محل عناية كبيرة من قبل المفكرين المسلمين، رغم أنه غرض محوري في المنظومة اللاهوتية المسيحية ويحق لنا أن نتساءل عن علة هذا الإعراض النسبي، وهل ينم عن نوع من الحرج في مواجهة الرواية ذات الصبغة التاريخية المتعلقة بالصليب والسائدة في أوساط النصارى.. بمجرد آية قرآنية؟ أم هل اعتبر المسلمون أن نظرية الفداء تسقط بطبيعتها إن لم ترتكز على أساس متين بعد النقد الصارم الذي وجه إلى عقيدتي التثليث والتجسد؟ راجع:

الفكر الإسلامي في الرد على النصارى إلى نهاية القرن الرابع العاشر. كلية الآداب والعلوم الإنسانية. تونس. السلسلة السادسة. المجلد 29. الدار التونسية للنشر. ص 118-119،378.1)

 

العودة الي الصفحة الرئيسية