ثامناً: و. مونتجمري وات W. Montgamery Watt*

 

أحد كبار المستشرقين والمتخصصين في الدراسات الإسلامية في الغرب، ظل يدرس الإسلام لأكثر من ثلاثين سنة. له كثير من المؤلفات منها:

1 - محمد في مكة. تعريب شعبان بركات. منشورات المكتبة العصرية. صيدا. بيروت.

2 - محمد في المدينة. ترجمة د. عبد الرحمن عبد الله (تحت الطبع).

3 - الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر. ترجمة د. عبد الرحمن عبد الله. الهيئة المصرية العامة للكتاب. القاهرة. 1998م.

4 - تأثير الإسلام في أوربا في العصر الوسيط. ترجمة د. حسين أحمد أمين، بعنوان "فضل الإسلام على الحضارة الغربية" دار الشروق. بيروت. 1983.

وهذا الكتاب له ترجمة أخرى "أثر الحضارة الإسلامية على أوربا" ترجمة جابر أبي جابر. منشورات وزارة الثقافة السورية. دمشق. سنة 1981م.

"إن الآيات الواردة عن الصلب يمكن أن نفهم منها باختصار أن مسألة الصلب وردت في سياق تعداد آثام اليهود، وكأن هذا على النحو التالي:

"وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه. مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً. بل رفعه الله إليه، وكان الله عزيزاً حكيماً. وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً" النساء 157-158.

وأول ما يلاحظه القارئ أن هذه الآيات ليست هجوماً على المسيحية، وإنما هي دفاع عن المسيحية ضد اليهود، فزغم أنهم قد قتلوا المسيح، إنما هو زعم عار من الحقيقة، لأنه زعم ينطوي على نحو ما على معنى أن المسيحية دين زائف وهو ما رفضه الإسلام، فالرآن عندما يرفض زعم اليهود بأنهم قتلوا المسيح هو في الحقيقة يؤكد أن المسيحية دين حقيقي وبعيد عن الزيف، وما دام الإسلام ينظر للمسيح كنبي ورسول من الله، فمن المحال أن يحبط عمله، وهو بالضبط ما كان يريد اليهود قوله بزعمهم أنهم قتلوا المسيح عيسى بن مريم، ولا بد أن هذه الفكرة التي قدمها القرآن عن المسيح كان لها جذور عميقة في العقلية العربية في هذه الأيام.

والفكرة التي مفادها أن الإنسان المستقيم لا بد أن يحقق نجاحاً في هذه الحياة تعد من الأفكار المتداولة في العهد القديم، فنحن نقرأ في سفر المزامير "أيضاً كنت فتى وقد شخت ولم أر صديقاً تخلى عنه، ولا ذرية له تلتمس خبزاً، اليوم كله يترآف ويقرض نسله للبركة" مز37: 25.

وحتى عندما يثأر سؤال كما في سفر أيوب مؤداه ما إذا كانت المعاناة تعد -دائماً- نتيجة ارتكاب الإثم، فإن الرجل المستقيم أيوب لا بد أن يحقق الخير في النهاية. والمسيحي -بطبيعة الحال- يعتقد أن صلب المسيح يعد انتصاراً ولا يعد هزيمة، لأنه قد أعقب هذا الصلب قيام المسيح أو بعثه كما أعقبه ميلاد الكنيسة. لقد كان القرآن يخاطب أناساً لديهم اقتناع عميق أنه لا يمكن أن تخيب رسالة حملها رسول من رسل الله، ومن ثم كان انكار القرآن لزعم اليهود بأنهم قتلوا المسيح عيسى بن مريم (بمعنى أنهم احبطوا رسالته)، لقد أعقبه عبارة غامضة وهي (ولكن شبه لهم) ومثل هذه العبارة من المفترض أنها السبيل الوحيد لإنكار إدعاء اليهود بهزيمة رسول الله (المسيح)، ومن المفترض أن هذه الطريقة في الإنكار متفقة مع البيئة العربية في ذلك الوقت، لكن ما حدث بعد ذلك أن العلماء المسلمين فسروا هذه العبارة (ولكن شبه لهم) بما يفيد أن عملية الصلب لم تتم، وربما كانت هناك بعض المعلومات غير الصحيحة شائعة عن عملية الصلب هذه بين معاصري محمد. إنه لأمر أساسي أن القرآن يؤكد في هذه الآيات من خلال صيغ تفكيرية شائعة في البيئة العربية الصدق الروحي أو الحقائق الروحية المقبولة لدى المسيحيين تماماً، والتي مفادها أن منتهى ما وصل إليه المسيح هو في الحقيقة انتصار للمسيح وليس لليهودية. ويمكن أن يستمر -حتى أيامنا هذه-ما في هذا (الدرس القرآني أو العبرة القرآنية) من صحة وإصالةدون أن ندعي أننا بذلك نجعل القرآن مصدراً تاريخياً لأحداث القرن الأول للميلاد، بل أنني لأجد أنه من الأفضل فعلاً أن تستمر هذه (العبرة القرآنية) حتى أيامنا هذه.

وقبل أن أنهي هذا الفصل يستحسن أن نشير إلى أن هذه الآيات المتعلقة (بصلب المسيح) لا تمثل عائقاً لا يمكن اجتيازه أو حاجزاً لا يمكن تخطيه، أو خلافاً عقائدياً حاداً بين المسلمين والمسيحيين، ولنذكر القارئ المسيحي بالآيات الواردة في سفر صموئيل الثاني 12: 9 حيث ثمة تقرير أن داود قتل أوريا الحثي بسيف بني عامون. إن من حق المسيحي أن يتساءل حتى الآن من قتل المسيح؟ ومن الممكن أن تكون الإجابة هي: إن اليهود لم يقتلوا المسيح، ولا الرومان قتلوه وإنما هو نفسه قاتل نفسه بمعنى أنه -أي المسيح- قَبِل أن يموت (قَبِل موته) أو (وافق على موته)، ومن هنا فهو الفاعل الحقيقي، وليس اليهود وفي ضوء هذا التحليل يمكن أن نفهم النص القرآني (لكن شبه لهم)" . الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر. د. مونتجمري وات. ترجمة د. عبد الرحمن عبد الله الشيخ. الهيئة المصرية العامة للكتاب. الألف كتاب الثاني 298 سنة 1998. ص114-117.

 

والدليل الكتابي على أن المسيح كان له سلطات أن يسلم نفسه للموت قوله: "لهذا يحبني الآب، لأني أضع نفسي لآخذها أيضاً، ليس أحد يأخها مني، بل أضعها أنا من ذاتي، لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن يأخذها أيضاً" يو10: 17-18.

وقد أكد أثناء المحاكمة أمام بيلاطس، أنه ليس له عليه سلطان البتة، ولكن هذه هي إرادة الآب فعندما قال له بيلاطس "ألست تعلم أن لي سلطاناً أن أصلبك وسلطاناً أن أطلقك. أجاب يسوع: لم يكن لك عليّ سلطان البتة لو لم تكن قد أعطيت من فوق" يو19: 10-11.

تاسعاً: درمنجمDermenghem. E.*

"ومن عقائد الإسلام أن اليهود لم يصلبوا المسيح لِماَ في الصلب من معنى الخزي والإهانة، ولكن شبه لهم، وأن شبحاً أو رجلاً آخر صُلب خطأ بدلاً من المسيح الذي رفعه الله إليه، فبهذا الاعتقاد (الذي يستغربه العقل والتاريخ والذي ينقض به أجمل قصة في العالم) تكون النصرانية قد قامت على أساس خاطئ، ويكون الله قد سمح بقيام دين على خطأ أراده، والمسلمون في هذا الاعتقاد استندوا إلى أي القرآن الغامضة: (وقولهم -اليهود- إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن، وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً) والمعنى الذي فهم من هذا النص (الذي يؤكد أمر البعث أكثر مما يدل على الموت لإكثار القرآن من استعمال الرفع بمعنى الموت) هو ما جاء في سورة آل عمران54 وما يليها من أن الله أبطل مكايد اليهود ومكرهم وأن المسيح خرج ظافراً من أيديهم غير هالك (إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلىّ ومطهرك من الذين كفروا)، ومثل هذا ما قالته النصرانية التي ذهبت إلى أن اليهود أعتقدوا أنهم أهلكوا المسيح وأن المسيح لم يلبث أن بُعث بعد موته، وأن أعداءه أتموا، عن غير قصد، ما أراد الله تعالى تمامه من المقاصد الرفيعة مع ظنهم أنهم قضوا على عمله، وأنهم حققوا ما فيه خلاص العالم من حيث أرادوا السوء. إن قول القرآن: (ولكن شبه لهم) قد فسر بصلب رجل مشابه للمسيح بدلاً من المسيح، وهذا يجعلنا نفكر في نصوص العهد الجديد والقديس بولس في حمل الله (المسيح) الذي كفر عن خطايا العالم، في آدم الجديد الذي حل محل آدم القديم فأنقذ البشر بأن ضحي به، وفي أن نصوص القرآن الحالية هي ما جاء في مصاحف عثمان والحجاج الذين أتلفا غيرها من المصاحف، وفي خلو المصاحف القديمة من الشكل والحركات وإمكان تلاوتها على أوجه مختلفة* ، فنسأل أفتكفي تلك الآية المستغربة التي يعارضها ما جاء في سورة آل عمران55، وسورة المائدة117، وسورة مريم33. من أن المسيح مات وبعث ورفع ( من غير أن تقول هذه الآيات أن ذلك الموت والرفع لما يقعا بعد وأن ذلك يكون في آخر الزمان)، لتقيم بين الإسلام والنصرانية حاجزاً يتعذر اقتحامه مع اتفاقهم فيما عدا ذلك اتفاقاً وثيقاً. ويمكننا عند قبول تلك الآية كما هي، أن نجدها ملائمة لتعاليم النصرانية مع ذلك، فقد قال آباء الكنيسة أن اليهود قتلوا طبيعة المسيح البشرية، لا المسيح ابن الله، فيكون اليهود بذلك قد قتلوا الرجل الذي شابهها وربي في حجر مريم، لا كلمة الله القديمة التي عجزوا عن قتلها. القرآن يكون بذلك قد عارض فرق النصرانية الضالة، لا النصرانية الصحيحة التي ترى طبيعتين في شخص يسوع".

مستشرق فرنسي عاش فترة في بلاد المغرب العربي، عُين لفترة مدير مكتبة الجزائر وله كثير من المؤلفات من أشهرها "حياة محمد".

ارجع إلى:

1 - المستشرقون. نجيب العقيقي. جـ1. ط4. دار المعارف. القاهرة. ص348.

2 - أضواء على الاستشراق. د.محمد عبد الفتاح عليان. دار البحوث العلمية. الكويت. سنة 1980. ص102-112.

هذا رأي المستشرق وليس بالضرورة رأى المؤلف.

وفي ترجمة أخرى جاء النص كما يلي:

"إن الإسلام ينفي موت المسيح مهاناً، بل يقول إن الله قد رفعه ولم يبق في أيدي اليهود إلا شبحاً أو شخصاً آخر شبه المسيح.. فهذه العقيدة التي هي مستغربة عقلاً وتاريخاً، وهادمة لأجمل قصة معروفة في العالم مستفادة من آية قرآنية (متشابهه) هي (......النساء 157)، فإذا فكرنا في أن المصحف الحالي تاريخه زمن عثمان وحجاج، وأن سائر المصاحف قد أُبطلت، وأن المصحف نفسه لم يكن فيه شكل ولا نقط، فيقرأ منه كثير على وجهين، أمكننا أن نتساءل، هل هذه الآية القرآنية المنقوضة بآيات أخرى كافية لحفر هذه الهوة العميقة بين ملتين كل شئ ما عدا هذه العقيدة جامع موحد بينهم... لو فرضنا وجوب أخذ هذه الأية (ولكن شبه لهم) على ظاهرها، فلا مانع من ذلك بحسب عقيدة الكنيسة نفسها، لأن آباء الكنيسة، ما زالوا يقولون إنه ليس ابن الله هو الذي صلبه اليهود وأماتوه على الصليب، وإنما الطبيعة البشرية التي في المسيح. وهكذا لا يكون القرآن فيما قاله بشأن الصلب إلا مؤيداً عقيدة الكنيسة الكبرى، وهي أن في المسيح طبيعتين إلهية وبشرية، وأن القتل وقع على الطبيعة البشرية فقط". حياة محمد. إميل درمنجم. ترجمة عادل زعيتر. المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت. ط2. سنة 1988. ص135،136.

أضواء على الاستشراق. د. محمد عبد الفتاح عليان. ص105-106.

 

في تعليق على سورة النساء 157: "(ما صلبوه) يعني أنه لم يمت على الصليب، والآية لا تنفي الحقيقة أن عيسى ُوضع على الصليب وُدق جسده فيه، وإنما تنفي أنه مات على الصليب، ومعنى (شبه لهم) أن اليهود ُشبه لهم أن عيسى مات على الصليب".

 

ويردد أحمد ديدات مثل هذه المقولة كما أوردها في أحد كتبه ، مدعياً وجود ثلاثين دليلاً على أن المسيح لم يمت على الصليب وأنزل حياً. راجع : مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء. أحمد ديدات. ترجمة على جوهر.

 

ويرى نبيل الفضل: "وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا إتباع الظن وما قتلوه يقيناً" (النساء157). فهنا نجد أن القرآن يقول: إن عيسى لم ُيصلب ولم يُقتل، وإنه إنما شُبه للناس ذلك.

وأن الذين اختلفوا في قصة قتله في شك ليس لهم فيه إلا إتباع الظن، وأنهم ليسوا على يقين من قتل عيسى، ومفسرو القرآن -كما في تفسير الجلالين مثلاً- يقولون إن اليهود صلبوا شخصاً يشبه "عيسى" وظنوا أنه المسيح فقتلوه في حين أن المسيح قد ُرفع إلى الله.

والسؤال الذي يحيرني هو: هل من المعقول أن يخطئ اليهود فيطلبون ويعتقلون ويقتلون إنساناً آخر لمجرد أنه يشبه "عيسى" ولو كان هناك إنسان يشبه عيسى ويعيش في مكان قريب من "عيسى" أما كان هذا الإنسان معروفاً ومشهوراً لشبهه بعيسى".

لم أقتنع بقصة الشبه هذه أو بالأحرى لم أقتنع بتفسير مفسري القرآن في قتل عيسى فرأيت البحث في الموضوع منذ البداية لأرسم الصورة التي مات عليها المسيح" .راجع : هل بشر المسيح بمحمد؟ نبيل فضل. رياض الريس للكتب والنشر. لندن. ص58.

ثم بعد البحث وصل إلى النتيجة التالية: "ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم" هنا كان خطأ مفسري القرآن في صلب وقتل المسيح، فكلمة (شبه لهم) لم تكن تعني أنه كان هناك إنسان شبيه بعيسى، وصلبه اليهود ظناً منهم بأنه المسيح، فكلمة (شبه لهم) تعني أنهم اشتبهوا في موته، ولم يتيقنوا من موته، لذلك تنتهي الآية بقوله سبحانه وتعالى: "وما قتلوه يقيناً” . المرجع السابق. ص 76-77.

العودة الي الصفحة الرئيسية