موت المسيح
أدلة منطقية وعقلية على موت المسيح على الصليب:
هناك الكثير من الأدلة على موت المسيح على
الصليب، نكتفي منها بما يلي:
1 - صمت الأعداء.
2 - لعنة الصليب.
3 - عقيدة الكنيسة.
4 - التغيير الذي حدث في حياة
التلاميذ.
1 - صمت الأعداء:
لقد رأى قيافا في المسيح عدواً لدوداً له
يهاجمه علانية، وعندما قام المسيح بطرد الباعة من الهيكل قضى على مصدر عظيم
لثروتهم، فلذلك أشار على اليهود "أنه خير أن يموت إنسان واحد عن الشعب"
يو18: 14. وعندما بدأ المسيح دعوته تبعه جمع كثير ورأى رؤساءالكهنة أن في هذا زوال
لمجدهم وسلطانهم لذلك دبروا أن يتخلصوا من المسيح، وبعد صلب المسيح ودفنه طلبوا من
بيلاطس أن يختم القبر ويأمر بوضع حراسة عليه لئلا يأتي التلاميذ ويسرقوا الجسد،
لأن المسيح قال وهو حي أنه سيقوم بعد ثلاثة أيام (مت27: 62-66). وبعد قيامة المسيح
من الموت أعطوا الحراس فضة وطلبوا منهم أن يقولوا إن تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوا
الجسد وهم نيام (مت 28: 11-25)، فشاع هذا القول عند اليهود، فلو كان المسيح لم يمت
على الصليب وأفاق من إغماء وهرب إلى كشمير، ما كان اليهود يصمتون عن ذلك بل كانوا
يعلنونه مواجهة للتلاميذ وهم ينادون أمام الجميع أن المسيح مات وقام، وأين أختفى
المسيح بحيث لا يعرف مكانه أحد؟
2 - لعنة الصليب :
كان الصليب في اليهودية رمز اللعنة كما جاء
في تث21: 22-23، ولذلك كانت وسيلة الإعدام في الشريعة اليهودية هي الرجم، أما
الرومان فكان الصليب عندهم من وسائل الأعدام، ولكنه كان عقاباً للعبيد وسكان
المستعمرات وليس للرومان. فكيف تحول الصليب من رمز اللعنة ووسيلة إعدام العبيد إلى
رمز الشرف والكرامة والرحمة والرجاء؟ إن الجواب الوحيد هو أن المسيح مات على الصيب
وافتدانا من لعنته "فإن كلمة الصليب عن الهالكين جهالة ، وأما عندنا نحن
المخلصين فهي قوة الله" (1كو1: 18)، "وصار الصليب هو فخرنا" (1كو2:
2)، وصار المسيحيون منذ ذلك الوقت ينقشون رسم الصليب على أيديهم ومعابدهم ومقابرهم
وبه يزين الملوك تيجانهم.
3 - الكنيسة وعقيدتها:
"إن التعاليم الكتابية عن شخص المسيح
وعمله الجوهري لتوضيح وجود الكنيسة، فبدون موت المسيح لم تكن ذبيحة للخطية ولا
خلاص ولا قيامة ولاعنصر من العناصر الأخرى التي تكون مضمون الإيمان المسيحي من
البداية، والحقيقة أن الكنيسة استطاعت أن تتحمل قروناً من الاضطهاد وأن تعيش
قروناً من الاحتمال والمقاومة، يصعب ايضاحها بعيداًعن نظام اللاهوت النابع من
الإيمان بيسوع المسيح كابن الله الذي مات فعلاً وقام وصعد إلى السماء" (34).
لقد تأسست الكنيسة المسيحية على أساس موت المسيح
الكفاري على الصليب وقيامته من الموت (أع2: 22-41، أع3: 11-26، أع4: 5-12، أع5:
24-32).
وهناك فريضتان للكنيسة تأسستا على موت المسيح
وقيامته وهما:
أ - العشاء الرباني (لو22: 19، أع2: 42،
1كو11: 26)
ب - المعمودية (كو2 :12)
ويحتفل العالم المسيحي بذكرى موت المسيح
وقيامته منذ القرن الثاني الميلادي وحتى الآن.
4 - التغيير الذي حدث في حياة
التلاميذ:(35)
لقد تأكد التلاميذ من موت المسيح، لا من جسده
الميت فحسب، بل أيضاً من جسده المقام، ومن شخص المسيح بعد قيامته من الأموات ولذلك
كان موت المسيح وقيامته هما موضوع تبشيرهم ووعظهم (أع2: 22-32، أع3: 13-20، أع4:
9-12، أع5: 29-32...الخ).
يقول أدولف هارناك -أحد منكري قيامة المسيح-
"لقد وثق تلاميذ يسوع أنه لم يبق في القبر ولكن الله أقامه، ولقد اختبروه
بأنفسهم أنه قام، كما أختبروا أنه مات فجعلو مركز وعظهم" فعندما مات على
الصليب امتلأ تلاميذه خوفاً ورعباً، فها هو السيد الذي كان يقودهم مرشدأ ومعلماً
ومدافعاً عنهم في وجه الطغيان اليهودي قد مات. فماذا يستطيعون أن يفعلوا؟ لا شئ
سوى الاجتماع معاً بسبب الخوف من اليهود (يو20: 19). وإذ كان المعلم قد مات فماذا
يفعل التلاميذ؟ لقد فكر أحدهم أن يذهب للصيد، إلى مهنته الأولى، وقرر البعض أن
يذهبوا معه (يو21: 3)، وعندما قام المسيح من الموت وظهر لهم بدل حزنهم فرحاً
ويأسهم رجاء وامتلأوا بالشجاعة، وبدأوا كرازتهم بلا خوف في تحد واضح وقدموا ذواتهم
للموت في سبيل إعلان شهادتهم، أن المسيح قد مات وقام فهل كان المسيح الضعيف الذي
أفاق من إغمائه، وهر ب دون مواجهة اليهود، هو الذي أحدث فيهم هذا التغيير وبعث
فيهم كل هذا الحماس؟ هذا ما دفع دافيد فردريك ستراوس -أحد رواد النقد العصري
ومنكري قيامة المسيح- أن يرد على هذا النظرية قائلاً: "إنه من المحال على شخص
تسلل من القبر في حالة من الإغماء والوهن والمرض، وفي حاجة إلى العلاج الطبي
وتضميد الجراح والعناية والاسعاف، وفي حالة من الخنوع والاستسلام لآلامه، أنه من
المحال أن يطبع شخص كهذا أثره العميق في نفوس تلاميذه ويخدعهم بأنه قاهر الموت
والقبر وأنه رئيس الحياة، ذلك الأثر البارز الذي كان أساساً لوعظهم وخدمتهم. إن
مثل هذا الانتعاش بعد الإغماء لو أنه حدث، لما كان له هذا الأثر الذي انطبع على
نفوسهم في الحياة والموت، ولما بدل أحزانهم غيرة وحماساً ولما حول توقيرهم له
سجوداً وتعبداً".
فإن صدقنا "نظرية الإغماء" يجب أن
نصدق أن المسيح الذي قام ولم يمت، والذي صارع الألم والجروح حتى النهاية، استعاد
وعيه في القبر وفك الأكفان التي كانت تلف جسده بقوة والتي عملت الأطياب الموضوعة
بين طياتها على التصاقها معاً بالجسد بقوة، ثم دحرج الحجر الذي وضع على باب القبر،
الذي وصفه إنجيل متى بأنه حجر كبير (مت27: 60)، وقد سبق ووضعت على هذا القبر
الأختام والحراس. فكيف هرب من الجنود الذين كانوا يحرسون القبر؟ وهل شخص بمثل هذه
الصورة يستطيع أن يحدث تغييراً هائلاً في تلاميذه ليقدموا حياتهم في سبيل المناداة
بموته؟ هل خدع المسيح تلاميذه وأعلن لهم قيامته من الأموات؟ هل انخدع التلاميذ؟ أم
أنهم كانوا يعرفون الحقيقة ويخدعون الآخرين؟ هل نصدق أن هؤلاء الرسل الذين غيروا
قيم العالم الأخلاقية يكونون كاذبين؟
إن التغيير الذي حدث في حياة التلاميذ
وإعلانهم عن هذه الحقيقة: "أن المسيح مات وقام" هو حقيقة لا تقبل الشك.